يبحث مجلس الوزراء مجدداً، في جلسته اليوم، تقرير اللجنة الوزارية المكلّفة اقتراح خطّة لإدارة النُّفايات الصُّلبة في جميع المناطق، فهذا البند أُجِّل بتُّه من جلسة سابقة إثر موجة غضب اعترت رئيس الحكومة سعد الحريري سببها سؤال «غير بريء» وجهه إليه وزير السياحة فادي عبّود عن القيمة الفعلية لعقود سوكلين ومثيلاتها، ولا سيما أن هذه القيمة تُصنّف الأعلى على مستوى العالم اكتفى رئيس الحكومة سعد الحريري في جلسة مجلس الوزراء السابقة بإعلان نجاحه في خفض عقود شركة سوكلين بنسبة 4%، إلا أنه رفض أن يُفصح أمام الوزراء عن قيمة هذه العقود التفصيلية قبل الخفض وبعده، ما أدّى إلى تأجيل بتّ تقرير اللجنة الوزارية، التي يرأسها الحريري نفسه، المكلّفة اقتراح خطّة تتعلّق بإدارة النفايات الصُّلبة في جميع المناطق اللبنانية. إلا أن غضب الحريري في الجلسة الماضية لن يمنع بعض الوزراء من الإصرار على طلب توضيحات كافية في جلسة اليوم عن كلفة عقود سوكلين ومثيلاتها، ولا سيما في ضوء المعلومات التي تفيد بأن كلفة كل طن من النفايات تتراوح ما بين 120 و155 دولاراً، أي إن خفضها بنسبة 4% فقط أمر يثير الريبة، وينمّ عن تواطؤ ما على حساب المال العام؛ إذ إن مجلس الوزراء نفسه كان قد بحث في جلسة له في تشرين الثاني من عام 2007 خطّة لإدارة النفايات الصلبة تتضمن خيارات عدّة لتنفيذها، وقد بيّنت هذه الخطّة أن كلفة طن النفايات يمكن أن تتراوح ما بين 46.30 دولاراً في حال اعتماد المناقصة العمومية و67.88 دولاراً في حال اعتماد عقود الـ BOT الممولة بقروض مصرفية. في الواقع، يعتقد أكثر من وزير أن طلب وزير السياحة فادي عبّود من الرئيس الحريري الإفصاح عن قيمة العقود ليس السبب الوحيد لتأجيل هذا البند إلى جلسة اليوم. فالتقرير الذي عرضه الحريري لم يتضمّن أي خطّة أصلاً، بقدر ما يحاول تعميم تجربة سوكلين على قطاع النفايات برمّته، وفي جميع المناطق والبلديات، تحت عنوان «الشراكة مع القطاع الخاص»، مع إضافة بعض الأفكار العامّة في شأن استخدام النفايات في إنتاج الكهرباء عبر القطاع الخاص أيضاً. فتقرير اللجنة الوزارية، التي ألّفها مجلس الوزراء منذ آذار الماضي، يستغرق في وصف الواقع القائم من دون تحديد المسؤوليات عنه، ويذهب بعيداً في التبرير عبر التركيز على ضعف الإمكانات لدى البلديات والإدارات الحكومية، وهو ما أدّى، بحسب التقرير، إلى تلزيم شركة سوكلين ومثيلاتها عمليات الكنس والجمع والفرز والحرق والتسميد والطمر بعقود التراضي، وذلك من دون أي تقويم لهذه العقود وجدواها وكلفتها. وقد جاء في التقرير أن الخطة الطارئة، التي بدا تنفيذها في عام 1997، صُممت على أساس 1700 طن من النفايات المنزلية يومياً، مع احتياطي 250 طناً يومياً. لكن عوامل عدة أربكت وعطّلت أجزاءً من هذه الخطّة، أهمّها: ويشيد التقرير بخدمات جمع النفايات (سوكلين) التي شهدت تطوراً ملموساً خلال السنوات العشر الأخيرة، إلا أنه يقرّ بأن خيار الطمر لا يزال هو المعتمد أساساً، وهذا لا ينطبق فقط على البقايا غير القابلة للتدوير أو التخمير، بل على معظم المواد العضوية التي ترسل إلى المطامر، حتى بعد تخميرها، ما يُعَدّ هدراً.
1ـــــ ارتفعت كمية النفايات إلى 3000 طن يومياً، في الذروة، أي ضعفي ما كان ملحوظاً في الخطة تقريباً. 2ـــــ خفض عمليات التسميد من 1000 طن يومياً إلى 300 طن يومياً، وذلك لعدم تمكّن الإدارة من توفير أراضٍ شاسعة في منطقة بيروت وجبل لبنان لإجراء هذه العملية. 3ـــــ توقيف عمليات الحرق في العمروسية والكرنتينا، ما أدى إلى إرسال هذا الفائض إلى مطمر الناعمة، واستنزاف قدرته الملحوظة في سنتين بدلاً من عشر سنوات. 4ـــــ عدم قدرة الإدارة على توفير المواقع الإضافية للمعالجة ومطامر بديلة لمطمر الناعمة.
ويستعرض التقرير بالأرقام واقع قطاع النفايات الصلبة في لبنان، إذ إن خدمات الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة متوافرة حالياً في 19% من الأراضي اللبنانية فقط، ولنحو 60% من عدد السكان الإجمالي. ففي طرابلس تُرمى النفايات ضمن مكبٍّ مراقب بلا أي عمليات فرز وتسبيخ. أمّا في زحلة، فتُطمَر النفايات مع فرز دون تسبيخ، وفي بيروت وجبل لبنان، باستثناء قضاء جبيل وبعض القرى (1342 كلم مربعاً)، توفّر شركة سوكلين ـــــ سوكومي الخدمة لـ345 بلدية، أي ما يقارب 2.2 مليون مواطن، بمعدل 2500 طن في اليوم الواحد، وتقوم الشركة بأعمال الفرز، وتسبيخ كمية لا تتعدى300 طن يومياً، وتعمد إلى الطمر في مطمر الناعمة، الذي كان من المفترض أن يقفل في شهر آب. أما في المناطق الأخرى، فالمكبات العشوائية هي الطاغية، ما جعل كلفة التدهور البيئي السنوية الناتجة من سوء إدارة النفايات الصلبة تُقدّر بنحو 15 مليون دولار في حد أدنى (تقديرات البنك الدولي في عام 2002). يبلغ عدد المكبات العشوائية 200 مكبّ، منها 27 مكباً تتسم بالخطورة، هي: صيدا، تعلبايا، حبالين، الصرفند، سعد نايل، حامات/ البترون، الغازية، قب الياس، مزيارة، رأس العين، النبي شيت، عشاش، صريفا، جب جنين، كفرحبو، جبعا، كيال، جديدة/ ببنين، كفرتبنيت، هرمل، كوسبا، تربل الجرد، الفاكهة، صرار، دير الغزال الجرد، مزار صنين، فنيدق، قموعة. ويخلص التقرير إلى الدعوة لاعتماد التفكّك الحراري وتحويل النفايات إلى طاقة في المدن الكبرى وتكليف وزارة الطاقة والمياه اقتراح نصّ تشريعي يضمن حق القطاع الخاص في إنتاج الطاقة المنتَجة من تفكّك النفايات وبيعها. ويدعو التقرير إلى إشراك القطاع الخاص وتسهيل مهماته بإدارة النفايات الصلبة، على أن تجري عملية إشراكه من خلال الـTum Key (من الجمع إلى المعالجة النهائية) أو من خلال 2Different Operations (1 جمع 2 معالجة). ويطالب بتكليف مجلس الإنماء والإعمار وبالتنسيق مع وزارة البيئة بالتعاقد مع استشاري عالمي لـ: * اختيار الحل والآلية الأمثل الملائمة للواقع اللبناني (من روحية الخطة). * وضع دفاتر الشروط الفنية للتصنيف الأوّلي لشركات التفكّك الحراري (Due diligence to short list only proven technologies). * تقويم الشركات وتصنيفها. * وضع دفاتر الشروط الفنية للمناقصة النهائية. * تقويم العروض. * مراقبة التنفيذ. وأخيراً، يطالب التقرير بمنح رئاسة الحكومة صلاحيات مراقبة سير عمل التنفيذ وتوفير التمويل للتنفيذ. (الأخبار)
1.5 مليون طنهي كمية النفايات الصلبة التي ينتجها لبنان سنوياً، ينتهي 40 في المئة منها في مكبات عشوائية، و50 في المئة في مطامر، ولا يُدوَّر أكثر من 10 في المئة، وهذا يُعَدّ هدراً فاقعاً يوازي الهدر المحقق في عقود سوكلين الباهظة، ويترك آثاراً بيئية وصحيّة خطرة.
خيارات عامةعلى الرغم من الصورة السوداوية لواقع النفايات في لبنان، يكتفي تقرير اللجنة الوزارية برئاسة سعد الحريري، باقتراح خطّة لا تتضمن سوى أفكار عامّة وشعارات، منها: * إن أي عملية للتخلص من النفايات الصلبة المنزلية في المدن المكتظة يجب أن تراعي خصوصية هذه المدن، وأهمها ندرة الأراضي، ما يجعل من المطامر الصحية والتسبيخ غير المستحبة. * إن التسبيخ والطمر الصحي في حال توافُر الأراضي والأبعاد الملائمة يبقى اختياراً بيئياً ومادياً مثالياً يتجانس مع طبيعة الحال في معظم الأرياف اللبنانية.