روسيا وأوروبا ولبنان

مروان اسكندر - "النهار" أكد الرئيس الروسي خلال زيارته الرسمية لسوريا استعداد بلاده لتأمين حاجات سوريا المستقبلية من الغاز عبر تمديد الخط الذي هو قيد الانشاء الى تركيا والتفريع الى اليونان وايطاليا ليصل الى سوريا ولبنان، وهذا التوجه بعيد الاهمية اقتصادياً واستراتيجياً. ومن أجل تقدير أهمية توجه كهذا، لا بد من الاشارة الى بعض الحقائق الرئيسية. تملك روسيا اكبر احتياط من الغاز في العالم، وتأتي بعدها ايران فقطر. وروسيا هي الدولة النووية الوحيدة في العالم التي تصدر من الغاز والنفط أعلى مستوى من صادرات موارد الطاقة في العالم، ناهيك بانها تصدر ايضا كميات ملحوظة من الاورانيوم المخصب لتشغيل مفاعلات نووية كهربائية روسية، في أوكرانيا مثلاً. كما تصدر أورانيوم مخصباً الى الولايات المتحدة بما يساوي 600 مليون دولار سنوياً. واستناداً الى الارقام المتوافرة والمقدرة للمستقبل، تغطي روسيا حالياً أكثر من 30 في المئة من حاجات دول اوروبا الغربية من الغاز، وفي ضوء العقود المنجزة سوف ترتفع هذه النسبة الى 50 في المئة سنة 2025، أما نسبة مستوردات الدول الاوروبية من حاجاتها من المشتقات النفطية أو النفط الخام من روسيا فتبلغ 29 في المئة. وقد تعرضت توجهات التعاون بين روسيا وأوروبا في مجال امدادات الطاقة في 2008 و2009 لشكاوى من حجب امدادات روسيا الى أوكرانيا بسبب مستحقات متأخرة، ومنع أوكرانيا وصول الغاز الروسي الذي يسلم بعضه عبر خطوط تمر في أراضيها في اتجاه دول اووربا الغربية وتركيا. ازاء تقطع امدادات الغاز عبر أوكرانيا الى دول أوروبا الغربية وتركيا، ولو لوقت قصير، أقرت السلطات الروسية انجاز خطوط اضافية، من اهمها خطوط جديدة لتصدير الغاز الى تركيا ومنها غرباً الى اليونان وايطاليا. وقد تم توقيع اتفاقات مد هذا الخط منذ أكثر من سنة، وبدأ العمل على انجازه. وجدير بالذكر ان 65 في المئة من حاجات تركيا من الغاز حاليا و30 في المئة من النفط ومشتقاته هي من روسيا، كما تحصل اليونان على 75 في المئة من حاجاتها من الغاز من روسيا أيضاً. سنة 2010 شهدت انتخابات رئاسية جديدة في أوكرانيا فاز فيها حليف لروسيا وقع مع السلطات الروسية اتفاقات في شأن اسعار الغاز ورسوم العبور وكمياته لعشر سنين، كما وقع اتفاقا لتمديد تسهيلات وجود الاسطول الروسي على البحر الاسود في أوكرانيا مدة 25 سنة تبدأ بعد انقضاء المعاهدة الحالية التي ينتهي مفعولها سنة 2017، الامر الذي يعني امكان استمرار وجود الاسطول الروسي على البحر الاسود حتى سنة 2042. وتتمتع روسيا اليوم بثروة هائلة من الغاز وثروة ملحوظة من النفط. وقد حصنت علاقاتها مع دول الجوار، سواء بعد دحر عدوان جورجيا صيف 2008 أو بعد انتخابات أوكرانيا. وفي الوقت ذاته، تجاوزت روسيا مفاعيل انهيار الاسواق المالية العالمية في 2007 و2008 والنصف الاول من 2009. ويذكر ان احتياطها النقدي تدنى خلال 2007 و2008 من 700 مليار دولار الى 320 ملياراً، وخصوصا بعد السحوبات الكبيرة للاستثمارات من السوق الروسي. اليوم، وبعد تحسن أسعار النفط وبالتأكيد الغاز، واتباع سياسة صرف مرنة بالنسبة الى سعر الروبل، استعادت روسيا جاذبيتها للاستثمار وعوضت خسائرها السابقة. وقد صار احتياطها المالي على مستوى 450 مليار دولار، واحتياطها المعلن من الذهب، علماً بان روسيا هي ثاني اكبر بلد منتج للذهب في العالم، على مستوى 100 مليون أونصة أو ما يساوي، بالاسعار الحالية 120 مليار دولار. ان التوجه الروسي الانفتاحي على تركيا وسوريا ولبنان يتكامل مع انفتاحها على اليونان وايطاليا. وبالنسبة الى لبنان، ثمة فوائد كبيرة من توسيع التعاون الاقتصادي والفني مع روسيا، ولعل من المفيد تعداد بعض الفرص. إن توفير امدادات الغاز الطبيعي من روسيا عبر تركيا وسوريا الى لبنان امر كبير الفائدة، حتى لو كانت فترة الانتظار طويلة - بين سنتين وثلاث - لان توافر الغاز بواسطة الانابيب يسمح بمد انابيب في لبنان لتأمين الغاز لمعامل الكهرباء والاسمنت في الوقت ذاته، فنحقق وفورات على صعيد اسعار المحروقات، على افتراض زيادتها بنسبة 10 في المئة فقط مدى سنتين، تضاهي 600 مليون دولار سنوياً. وحينئذ نحقق استفادة رئيسية من اعتماد لقيم الغاز الاكثر ملاءمة للبيئة والاقل تلويثا من الفيول أويل أو المازوت، أي المشتقات المستعملة حالياً في معاملنا لانتاج الكهرباء المتقادمة العهد والمسببة لتلوث كبير للبيئة. وروسيا، التي كانت تعتمد بيروت مركزا لتسويق بعض انتاجها من الذهب، يمكن استدراجها لمعاودة هذا النشاط شرط ان نؤمن شروط نشاط السوق المالية على نطاق واسع. ولا شك في ان تجارة الذهب توفر قاعدة وصدقية كبيرة لأي سوق، كما تساهم في رفع حجم اعماله، ولا شك في ان اقتناص هذه الفرصة أمر جيد للبنان ولروسيا. وعلى صعيد التبادل السياحي، يستطيع لبنان جذب عدد ملحوظ من الزوار الروس. وللتذكير فقط، نشير الى ان عدد السياح الروس الذين زاروا بلداناً اخرى في 2009 بلغ 10 ملايين روسي وروسية. وكي نحقق تطورا على هذا الصعيد في الاتجاهين، يجب تسهيل الحصول على التأشيرات، وربما حتى الغاؤها كما حصل حديثاً بين تركيا وروسيا، ومن المؤكد ان زيادة الحركة السياحية تؤدي الى تحسن فرص تصدير بعض المنتجات اللبنانية كالفاكهة والخضر والعرق والنبيذ، الخ. وتتمثل أكبر فرصة متاحة للبنان لاستقطاب شركات روسية ورجال أعمال روس في امكان تعديل انظمة الشركات القابضة والعاملة خارج لبنان وتطويرها. وكانت قبرص بلد المقصد لانشاء هذا النوع من الشركات، وكل الشركات الروسية الكبرى ومنها شركة "غاز بروم" وشركة "جنفور" لتجارة المشتقات و"لوك أويل" مسجلة في قبرص كشركات قابضة ذات نشاط خارجي. في نهاية 2010 يتوقف نظام "الاوف شور" في قبرص التزاما لسياسات بلدان الوحدة الاوروبية، وتالياً سيكون على شركات "الاوف شور" في قبرص ان تبحث عن مكان مناسب بديل. ولبنان، الذي لديه نظام لشركات كهذه قابل للتطوير والتعديل، يجب ان يتلقف هذه الفرصة ويبادر الى تطوير قوانينه والى وضع خطة للتسويق الاعلامي لدى جميع هذه الشركات العاملة انطلاقا من قبرص، ما عدا بالطبع الشركات التي يملكها اسرائيليون. إننا على اقتناع بأنه يمكن لبنان استقطاب 5000 الى 10000 شركة "اوف شور". ومن المعلوم ان أدنى مستوى لإنفاق أي من هذه الشركات يساوي رسوماً على مستوى 3000 دولار سنوياً، ومعاشات لخمسة أو عشرة موظفين تساوي، مع تكاليف المكاتب والاتصالات والتنظيفات الخ، موازنة على مستوى 150 الفاً الى 250 الف دولار سنوياً، وتالياً قد نزيد الدخل القومي ما بين 750 مليون دولار سنوياً و1،5 مليار دولار وذلك تبعاً لسرعة استقطاب الشركات المعنية. الامر الواضح ان الزمن ينقضي سريعا، وان امكانات التعاون مع روسيا وشركاتها وسلطاتها كبيرة، فعسى ان نقوم بخطوات المبادرة.
آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة