محمد نزال - الاخبار
هذه المرّة لن يكون التحرّك نقابياً بالمعنى التقليدي للكلمة. ليس لزيادة الأجور، أو لرفع الغبن عن الموظفين، أو لتحسين ظروف العمل، بل «من أجل السلم الأهلي والوحدة الوطنية» باعتبارهما المدخل الى تحقيق المطالب. هذا ما أعلنته هيئة التنسيق النقابية، أمس، بعد اجتماعها في مقر نقابة المعلمين في لبنان، إذ كان لا بد من التوقف عند «الأوضاع الأمنية المتفجرة والعمليات الإرهابية التي تطاول المواطنين الأبرياء، في ظل الفراغ وحال الشلل، اللذين يطاولان العمل الحكومي والمؤسسات الدستورية، واللذين يدفع ثمنهما المواطنون استهتاراً وتأجيلاً لحل مطالبهم الاجتماعية، وفي مقدمتها سلسلة الرتب والرواتب».
بالتأكيد لن يكون بمقدور حنّا غريب، رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي، ومن معه من ناشطين، وضع حد لـ«أبو قتادة» أو «أبو دجانة» أو «الضحوك الذّباح». ليس بمقدورهم، في لحظة، سجن المسؤولين الفاسدين الذين أذلوا الناس وما زالوا يفعلون. ليس مطلوباً، أصلاً، من غريب وممن هم معه أن يكافحوا «الإرهاب أمنياً، لكن هل يكون السكوت هو البديل؟ هيئة التنسيق ترفض ذلك، ولهذا أعلنت في بيانها «إطلاق مبادرة لكل الهيئات النقابية والمدنية والأهلية، حول ضرورة التحرك على المستوى الوطني ككل، وكل من موقعه، تحت شعار الدفاع عن السلم الأهلي والوحدة الوطنية، وتأليف الحكومة وتسيير المؤسسات الدستورية ومعالجة الملفات الاجتماعية، ما يقتضي تضافر كل الجهود وتوحيد كل الطاقات بهذا الخصوص». يقول غريب في حديث مع «الأخبار» إن «الناس لا بد أن يدخلوا على المشهد، لا يجوز أن يخلوا الساحة، فالناس كما هو ظاهر في الآونة الأخيرة باتوا كمن شطبوا من المعادلة. لا يجوز الانكفاء أمام الهجمة التي يتعرّض لها البلد في ظل حالة التعطيل الشامل للمؤسسات. آن الآوان للناس، ومن موقع وطني وبلغة الوحدة، أن يقولوا: نحن هنا». إذاً، يُدرك غريب أن «الكيان بات كله في خطر، وأن الواجب الوطني يستدعي من الجميع أن يتحملوا مسؤولياتهم، وأن يبادروا من تلقاء أنفسهم. نحن سنبادر من جهتنا وننتظر تعاون الجميع معنا». في بيان الهيئة إشارة إلى أن «ادانة التفجيرات وبيانات الاستنكار ما عادت تكفي، بل المطلوب الانتقال الى التحرك العملي لتجميع اللبنانيين وتوحيدهم وطنياً، وعدم تركهم فريسة للفتن الطائفية والمذهبية. ولهذا أجرينا ونجري الاتصالات اللازمة بهذا الشأن، تمهيداً لإعلان خطوة عملية على الأرض». يلفت غريب إلى تحركات مقبلة، لكن «لا نريد أن نكون وحدنا، بل نريد جمع كل الطاقات الوطنية. لقمة العيش مثلاً يمكنها أن توحد الناس، وسيكون تحركنا دائماً على أساس وطني». هكذا، يبدو الوطن، في ظل الفراغ والتفجيرات والانتحار، على حافة الانتحار. لنأمل أن يخفف صوت غريب، ومن معه، شيئاً من الموت الزاحف إلينا.
"دخيلك بردانة يا أختي غطيني". لم تسعف الحياة منال العاصي بأكثر من هذه العبارة قبل أن تغيب عن الوعي ولتفارق الحياة بعد ساعات على تعنيفها من جانب زوجها محمد النحيلي. النحيلي ضربها وسحلها وحرقها ومثّل بجثتها على مرأى ومسمع من أربعة أفراد من عائلتها، وفق ما روت شقيقتها غنوى العاصي لـ"السفير". غنوى تؤكد أنهم خافوا منه: "واحد مجرم عليه كذا بلاغ بحث وتحرٍ، وما منقدر عليه، هددنا جميعاً بالقتل"، تقول مبررة عدم تدخلهم وهم يشهدون ساعات من تعذيب وقتل شقيقتهم أمام أعينهم. العائلة التي عادت وادعت على صهرها بتهمة قتل ابنتها قررت ليل أمس، وفق ما أكدت لـ"السفير" توكيل "منظمة كفى عنفاً واستغلالاً" تكليف محام عنها، بعدما كان أفرادها قد تريثوا.ومساء أمس، وكي تكتمل المأساة فصولاً، عرفت بنات منال تفاصيل مقتلها. بعدما كانت العائلة قد أخفت ظروف مقتل والدتهما، شاهدت تالا (15 عاماً) وسارة (13 عاماً) تقريراً تلفزيونياً يروي كيفية وقوع الجريمة. والأهم صورة منال في المستشفى. انهارت الفتاتان وكأن أمهما قد قتلت للتو، وكأنها توارى في الثرى في تلك اللحظة.يؤكد مصدر قضائي رفيع المستوى لـ"السفير" أن حق منال (33 عاماً) التي قتلت ووريت في الثرى عصر أمس الأول، لن يضيع، رداً على سؤال عن سبب عدم تشريح جثتها. ويشدد المصدر على أن تقريري الطبيب الشرعي الذي عاينها قبل وفاتها وبعدها، يؤكدان أنها قتلت نتيجة الضرب المبرح والعنف الممارسيّن عليها. وأوضح المصدر نفسه أن "ليس هناك من داع لتشريح جثتها كون الصور التي أخضعت لها في مستشفى المقاصد، والتي استند إليها الطب الشرعي مع مشاهداته الوصفية وإفادات الشهود، كافية لإدانة المتهم".في المقابل، أبدى مصدر حقوقي خشيته من أن "يتم الطعن لاحقاً بتقريري الطبيب الشرعي عند بدء المحاكمات، وأن يطالب فريق الدفاع عن النحيلي بإثباتات علمية إضافية قد لا تكون متوافرة بسبب تحلل جثة منال بعد مدة من الدفن. ما يحول دون الإدانة الكاملة للمتهم".ويقترح المصدر الحقوقي أن "يتم التأكد من الأدلة الموجودة وإجراء التشريح اللازم قبل فوات الأوان، في حال ارتأت النيابة العامة ذلك، تحسباً لأي اجتهادات دفاعية قد تطرأ". وذكّر المصدر بعدم قدرة اللجنتين الطبيتين المنبثقتين من نقابتي أطباء بيروت والشمال، واللتين أُوكلتا بالتحقيق بقضية رولا يعقوب، على القيام بما يلزم من تشريح للرقبة والدماغ بسبب تحلل جثتها، عندما تسلم الأطباء الملف وقرروا ما يلزم، بعد نحو شهرين على مواراتها في الثرى.هذا في القضاء، لكن تفاصيل قتل منال العاصي لا تقل أهمية في دلالاتها عن إحقاق العدالة في قضيتها. قتلت منال على مرأى ومسمع من معظم أفراد عائلتها: أمها، شقيقها وشقيقتيها. على مسمع من معظم أهالي الحي الذي تسكنه. وسط حضور أكثر من ثلاث فرق إسعاف قدموا لنقلها إلى المستشفى لكن زوجها منعهم. وعلى مرأى ومسمع من جيران عجزوا عن التدخل لأن "المشكلة عائلية"، والأهم لأن الزوج ذو سطوة ويهابه الجميع.تهابه العائلة التي اعتادت تعنيفه ابنتها، اعتادت اتصالاته ليقول: "تعوا شوفو قتلتلكم بنتكم"، اعتادت أن يضربها من دون أن يتقدم أحد منهم بشكوى. وجريمة قتل منال لم تخرج عن السياق نفسه.تغيير إفادةتروي غوى العاصي، شقيقة منال، لـ"السفير" وقائع اليوم الدامي الذي عاشته منال وانتهى بقتلها، وهم شهود على لفظها أنفاسها.عند العاشرة والنصف من قبل ظهر الأربعاء الماضي، كانت والدة منال وشقيقتاها غنوى وعبير يشربن القهوة في منزل الأولى في طريق الجديدة عندما اتصل النحيلي وقال للأم: "قتلتلك بنتك تعي خديها ع القبر". ركضت الشقيقتان ووصلتا قبل أمهما ليجدن منال "مضرجة بدمائها وتتنفس بصعوبة". نهر النحيلي عبير وغنوى وأكمل مهمته "سحلها في كل البيت، سحبها من شعرها وأجلسها على الكنبة وبدأ بصفعها وركلها على كامل جسدها.. كان الدم ينزف من رأسها ومن أنفها ومن فمها". غنوى تقول إنه كان قد رماها بمياه الفاصوليا الساخنة: "كانت حبوب الفاصوليا تملأ المنزل وكانت منال محروقة". رجته النساء الثلاث أن يسمح لهن بنقل منال إلى المستشفى "يا حبيبي يا قلبي الله يخليك، الله يخليلك شبابك"، قلن له من دون جدوى. ضربهن جميعاً ثم أقفل الباب ورحل. قامت شقيقتا منال وغيّرتا ملابسها قبل أن يعود بعد عشر دقائق. عاد النحيلي بصحبة شقيق زوجته ليشهد على ما يفعله أيضاً. شارك الشقيق الذي يبلغ من العمر 27 عاماً في التمني على صهره السماح لهم بنقل شقيقته إلى المستشفى من دون جدوى. غادرت غنوى: "لأني خفت يقتل أخي كمان، كان مسلحاً، وقلت أكيد رح يقتل حدا تاني". ركضت إلى الشارع وشرعت تترجى شباب الحي مساعدتها. قالت لهم إنه يقتل منال، توسلت إغاثتها ولكن أحداً لم يتجاوب معها "كلهم بخافو منه"،.وقد غادر شقيق منال وشقيقتها الثانية منزلها وتركاها مع أمها والنحيلي الذي كان قد اعتدى على الجميع بالضرب: "خنق أمي وضرب أخي وأنا هربت"، تقول غوى. بعدها أقفل الباب على الوالدة مع ابنتها الفاقدة للوعي بعدما أخذ هاتفها وحقيبتها، وغادر. بعد نحو ساعتين تقريباً عاد مع شقيق منال ونقلاها إلى مستشفى المقاصد بعدما عمم عليهم ضرورة القول إنها وقعت عن سلم المنزل وأن رأسها ارتطم بحافة المجلى".في المستشفى التزمت الوالدة بتعليمات صهرها، قاتل ابنتها الذي كان حاضراً أيضاً. تقول غوى إن ما قيل عن عدم اتصالهم بالقوى الأمنية غير صحيح: "أنا اتصلت فيهم وبعض شباب الحي اتصلوا أيضاً"، نافية علمها بسبب عدم حضورهم. هنا يذكّر المصدر الحقوقي بإفادات بنات رولا يعقوب التي لا تتجاوز كبيرتهن الثانية عشرة من العمر، ليقول: "إذا كان البالغون قد غيروا إفاداتهم تحت الضغط والخوف فكيف بصغيرات يعشن مع عائلة والدهن؟".وفي المستشفى شك الأطباء في كلام عائلة منال وبكل ما بدا عليها من عنف وكدمات. اتصلت المستشفى بالقوى الأمنية في المنطقة التي طلبت بدورها طبيباً شرعياً. قال الطبيب الشرعي وبعض عناصر الأمن للأم: "إذا أصريت على القول أن ابنتك وقعت ولم يكن ذلك صحيحاً ستعتبرين شريكة في الجريمة". سجل الطبيب تقريره وأجريت الصور الشعاعية التي أكدت وجود نزيف في الرأس أدى إلى موت منال دماغياً وسريرياً. قرابة منتصف الليل لفظت منال أنفاسها الأخيرة بعدما كان زوجها قد هرب مع وصول عناصر الدرك لإجراء تحقيقاتهم. ومع موتها ووجود الأدلة على تعرضها للضرب والقتل، اعترفت عائلتها بما حصل. روى أفرادها للقوى الأمنية كيف قتلها زوجها أمامهم جميعاً، وكيف هددهم بالقتل وكيف خافوا وأخفوا الحقيقة في البداية.ليتزوج ثالثةمصدر أمني أكد لـ"السفير" أن أحداً لم يتصل بقوى الأمن وأن "مستشفى المقاصد" هي من أعلمهم بالأمر"، مشيراً إلى أن أفراد عائلة منال اعتبروا في إفاداتهم الأولية أن الحادث "قضاء وقدر" وجاء نتيجة سقوطها عن سلم المطبخ وارتطامها بالمجلى. ولفت إلى أن التحريات الاستقصائية أثبتت تعرض منال للضرب فتم الاتصال بالنائب العام في بيروت الذي أشار بالكشف على المنزل وبتكليف طبيب شرعي بمعاينة الضحية. وأكد الطبيب، وفق ما أفادت العائلة، أنها تعرضت للضرب بـ"آلة حادة على رأسها وأنحاء مختلفة من جسدها، وأن العنف أدى إلى إصابتها بنزيف في الدماغ وبموتها". ومع مواجهة عائلتها بهذه الحقائق، وبالتحديد بعد تأكد مقتل منال، روت العائلة كامل التفاصيل واتخذت صفة الإدعاء الشخصي بحق النحيلي. المصدر الأمني نفسه أكد لـ"السفير" أن النحيلي "مطلوب بعدد من بلاغات البحث والتحري بسبب مشاكل وتجاوزات قانونية عدة وإطلاق نار وغيرها".من جهته، أكد مصدر في الدفاع المدني لـ"السفير" أن فرقة إسعاف توجهت عند الواحدة وعشر دقائق إلى منزل منال لنقلها إلى المستشفى بعد ورود اتصال بهذا الشأن، ولكن "زوجها نهر الشباب وقال لهم إنه لا يريد نقلها إلى أي مكان"، فرحلوا.ومثلهم رحل مسعفون من فرق إغاثة أخرى، ومع الجميع رحلت منال، ابنة الثلاثة والثلاثين عاماً، أم لطفلتين. رحلت بعدما أمضت سنوات طويلة من العنف الزوجي وسط صمتها وصمت عائلتها على البطش الذي كان يمارسه زوجها بحقها. قتلت منال وعائلتها ليست الوحيدة الشاهدة على الجريمة، الحي بكامله شاهد، ولم يحرك أحد ساكنا. من هو هذا الرجل الذي أخاف حيا بكامله؟ إلى أي سلطة يطمئن هذا الرجل الذي استمر بقتل زوجته وتعنيف عائلتها على مدى أكثر من سبع ساعات؟ إلى أي منظومة اجتماعية ودينية وقانونية يستند؟ رجل مطلوب للعدالة والمفروض أنه ملاحق يتجول حراً ويمارس عمله بشكل عادي ويعيش حياته طبيعياً وكان يقرر الزواج للمرة الثالثة بعدما تزوج إمرأة ثانية على منال وأنجب منها صبياً. رجل أمضى سنواته الأخيرة يبطش بزوجته ويعنفها بكل ما أوتي من قوة من دون أن يتجرأ أحد على مواجهته، وعلى التقدم بشكوى ضده: "كنا نقول منحلها عائلياً، وبعدين نحن منخاف منه". لا تملك عائلتها غير هذا الجواب. المسألة ليست في القانون وحده، بل فينا نحن جميعاً الذين نشارك في جرائم العنف الأسري كل من موقعه وعلى طريقته.
12 امرأة يقتلن سنوياً و15 يطلبن المساعدة يومياًأكدت منظمة "كفى عنفاً واستغلالاً" استعدادها لتقديم كامل المساعدة القانونية لعائلة الضحية منال العاصي التي قتلت على يد زوجها، وأنها تنتظر التوكيل القانوني الذي يتيح لها تقديم هذه المساعدة. وأشارت مديرة "كفى" زويا روحانا لـ"السفير" الى أن 12 سيدة على الأقل يقتلن سنوياً في لبنان بسبب العنف الأسري.وتشير أرقام "كفى" أيضاً إلى أن 300 سيدة يتعرضن للعنف الأسري قصدن مكاتبها خلال العام 2013 ، وخلال الدوام الرسمي من الإثنين لغاية الجمعة، لطلب المساعدة القانونية والنفسية والاجتماعية. ويشير الرقم إلى ورود أكثر من حالة في اليوم الواحد.أمّا على الخط الساخن المخصص لتقديم الاستشارات في "كفى" فتتصل نحو 15 سيدة معنفة في اليوم، بينهن نحو خمس سيدات لمتابعة حالاتهن، فيما تطلب المساعدة الإستشارية نحو عشر سيدات جديدات كل يوم.وعبر مشروعها المشترك مع قوى الأمن الداخلي، حوّلت المخافر الأمنية نحو عشرين امرأة إلى مكاتب "كفى" بعدما اتصلن بالقوى الأمنية طلباً لمساعدتهن في مواجهة العنف الذي يتعرضن له.وأمس، اتصل رجل من إحدى المناطق ليبلغ احتجاز صهره لابنته وزوجته، طالباً المساعدة، وتمت إحالته إلى المخفر المختص.وفي تفصيل حالات السيدات المعنفات اللواتي تتم مساعدتهن قانونياً ونفسياً واجتماعياً تبرز أنواع مختلفة من العنف الجسدي والمعنوي واللفظي والمادي وطبعاً الجنسي. وتقول السيدات إنّ العنف الجنسي، وإن لم يصل إلى الاغتصاب، ولكن أيا منهنّ لا تقبل بإقامة علاقة جسدية مع معنفها زوجها بكامل رضاها، بل يتصرف الزوج وكأنها ملكية خاصة به، ويجب أن تبقى على المستوى الجنسي المطلوب لتلبية رغباته بغض النظر عمّا يفعله بها."لا للعنف": لكسر جدار الصمتاستنكرت "جمعية قل لا للعنف" "الجريمة النكراء" في حق منال العاصي، التي اعتبرتها "ضحية هذا المجتمع والتقاليد والمورث الثقافي الذي فشل في حمايتها من بين براثن ذلك الوحش المفترس". وسألت "كيف لم يخلصها جيرانها وكيف لامرأة لبنانية أن تقتل أمام أعين الجميع من دون أن يحرك أحد ساكناً".ورأت نائبة رئيس الجمعية ميرنا قرعوني، أنه "لم يعد كافياً المطالبة بإقرار قوانين تحمي المرأة من العنف الأسري، فإن المطلوب بموازاة ذلك العمل على تغيير النظرة الاجتماعية وتوعية النساء ليكسرن جدار الصمت وتشجيعهن على الإبلاغ عن كل حالة عنف يتعرضن لها". وأشارت إلى أن جرائم العنف الأسري يسبقها عادة سنين من الضرب والإهانات التي تسكت عنها المرأة وصولا إلى احتمال خسارتها حياتها".
توقيف الجاني؟
تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي وعدد من المواقع الالكترونية ليلا خبرا عن توقيف قوى الامن الداخلي محمد النحيلي زوج منال العاصي، علما انه، حتى منتصف الليل، لم يصدر عن شعبة العلاقات العامة في قوى الامن الداخلي اي بيان رسمي في هذا الشأن.
بعلبك – وسام اسماعيل - النهار
قضى حسين محمد قطايا (خمسيني من اصحاب الحاجات الخاصة) تاركا قضية انسانية تتفاعل بين اهالي مدينة بعلبك. غير ان قلب قطايا الذي وجد مكانا في قلوب اهالي المدينة، لم يشفع له امام مستشفياتها ليجد سريرا يساعده على اجتياز ازمته الصحية، حتى قضى منتصف ليل الاثنين امام المستشفى بعد اصابته بضيق تنفس شديد وانخفاض بضغط الدم ادى الى غيابه عن الوعي، وما لبث ان فارق الحياة بعد اكثر من اربع ساعات قضاها متنقلاً من مستشفى الى آخر.
عائلة قطايا لجأت الى "النهار" لوضع ما جرى برسم المسؤولين والرأي العام، ولفتت الى انه كان في حال غير شديدة الخطورة ويتنفس بصعوبة ويعاني انخفاض ضغط الدم، فكانت وجهتهم الاولى مستشفى "دار الحكمة" في بعلبك. وانتظر قطايا ساعات لدخول غرفة العناية الفائقة، لكن من دون جدوى، إذ اكتفى فريق الطوارئ في المستشفى بفحص سريري وبابلاغ ذويه بضرورة وضعه في غرفة العناية. وبعد اكثر من ساعة رفض استقباله بحجة عدم وجود غرف شاغرة. وتلفت شقيقته هنادي الى ان المفاجأة كانت في "المعاملة اللا انسانية من الموظفين". فبعد فشلهم في الاستحصال على سرير للمريض وتضييع الوقت بدل ان تجرى له الانعاشات المطلوبة لاكثر من ساعة، والتأخير في تقديم العلاج، خرج احد الموظفين راكضا خلفهم للمطالبة ببدل الفحص السريري 30 الف ليرة. واضافت: "مع مرور الوقت كانت حالة حسين تتدهور أكثر، ونحن نركض من مستشفى الى آخر دون جدوى بذريعة عدم توافر سرير شاغر في غرف العناية المركزة، حيث بقينا من الساعة السادسة مساء الى التاسعة في بحث عن سرير، وكان حسين بدأ يدخل في غيبوبة تامة، حتى تم استقباله أخيراً في المستشفى الططري بعد اتصالات بالمعنيين، فأدخل العناية المركزة وفارق الحياة الثانية فجرا". وأوضح خالد الشمالي الذي عمل على نقل قطايا بسيارته أنه طلب من موظفي مستشفى "دار الحكمة" تقديم سيارة اسعاف لنقله الى المستشفى بعدما تدهورت حالته، لكنه لم يستجب. واعتبر ان الاهمال وعدم استقباله في قسم الطوارئ في المرة الأولى كان سبباً لتردي حالته الصحية. وطالب فادي رعد (من اقرباء الفقيد وكان برفقته خلال نقله) بفتح تحقيق لمحاسبة المقصرين. "النهار" قصدت المستشفيات التي لجأت اليها عائلة قطايا للوقوف على حقيقة ما جرى. وقال المدير العام لمستشفى "دار الحكمة" الدكتور محمد عمار انه ليس على علم بالامر، ولدى مراجعته الجهة المختصة في المستشفى اكد انه في تاريخ دخول قطايا لم يكن هناك سرير شاغر في غرف العناية المركزة، مؤكداً ان قسم الطوارئ اجرى له الاجراءات الطبية اللازمة، وطلب من مرافقيه نقله الى مستشفى آخر. المدير العام في مستشفى "دار الامل" علي علام أكد ان قطايا حضر إلى الطوارئ واجريت له الاسعافات الاولية مؤكدا على عدم شغور غرفة العناية التي يتطلبها المريض لمعالجته، مما دفع بالادارة الى الطلب من عائلته التوجه فورا الى مستشفى آخر خصوصا ان طوارىء المستشفى كانت تعجّ حينها بالحالات المماثلة، وأهل الفقيد شهود على ذلك. ورد سبب عدم توافر سرير الى الضغط الكبير جراء عشرات المرضى الذين يلجأون اليها، لبنانيين وسوريين. واوضح ان قطايا كان يحتاج الى عناية خاصة ولا يمكن ادخاله الى غرف استشفائية او عادية او حتى الطوارىء مع تدهور حالته، لذلك كان على المستشفى الطلب من عائلته نقله الى مكان آخر. لكن رغم كل التبريرات يبقى السؤال: "كيف يقبل اصحاب المستشفيات ان يقف مريض على باب الطوارئ ولا يتم إدخاله رغم آلامه الشديدة؟".
امينة الزياني - السفير
تقف ندى ونيروز يومياً أمام المبنى، تنحنيان عند قارعة الطريق وتتأملان مكان اغتيال والدهما المعارض اليساري البارز شكري بلعيد الذي اغتيل يوم 6 شباط من العام الماضي. فقد صار طقساً يومياً لعائلة بلعيد أن تمر وتلقي التحية على دماء الشهيد وتجدد الوعد له: «لن ننسى ولن نسامح». «من قتل شكري؟». هو السؤال الذي ما زالت تطرحه عائلة الفقيد في الذكرى الأولى لاغتياله، برغم «الهدية» التي أعلن عنها وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو، أمس الأول، والتي تتمثل بإعلان مقتل كمال القضقاضي، أي المتهم الأول في قضية الاغتيال. هدية لا تغني الرغبة في معرفة القاتل الحقيقي لبلعيد. و«من قتل شكري؟»، سؤال يفرض نفسه في الذكرى الأولى لاغتياله. فتفاصيل الاغتيال يعرفها التونسيون جيدا. الساعة تشير إلى الثامنة إلا ربعا بتوقيت تونس، اليساري المعارض، صاحب حلم الحزب اليساري الكبير، والمنسق العام لـ«حزب الوطنيين الديموقراطيين الموحد»، يخرج من العمارة الكائنة في ضاحية المنزه السادس في تونس العاصمة، يدخل سيارته منتظراً رفيقه وسائقه، وأمام مرأى ومسمع من حارس البناية وزوجته تقف دراجة نارية كانت تترصده، بضع رصاصات أردت المعارض لنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي ولحكم «حركة النهضة» و«الترويكا» وكان رمزاً خالداً في تاريخ السياسة التونسية. عام مر على هذه الحادثة ليتحول السؤال حول هوية المجرم سؤالاً استنكارياً، حيث إنّ غالبية طارحيه يؤكدون أنّ الإجابة واضحة: القاتل الحقيقي هو من تستر على الإرهاب، من علم بوجود تهديدات جدية بقتل بلعيد من دون أن يتحرك لحمايته. وفي الذكرى الأولى للاغتيال، اجتمعت «لجنة الدفاع عن شكري بلعيد» وهي لجنة تكونت من مجموعة من المحامين غالبيتهم ممن عملوا مع بلعيد أو تمرنوا في مكتبه أو رفاقه لمتابعة التحقيق في القضية والمطالبة بكشف الحقيقة في مقر الهيئة الوطنية للمحامين في تونس، أمس، حيث تدخل كل من عميد المحامين محمد الفاضل وأرملة بلعيد بسمة الخلفاوي وشقيقه عبد المجيد وعدد من أصدقائه لتلتقي كل الكلمات في مسار واحد، وهو الإصرار على أن مقتل القضقاضي لن يحل لغز الاغتيال وأن جزءاً مهماً من الحقيقة لا يزال مخفياً ولا بد من الكشف عنه. عبد المجيد بلعيد أعاد توجيه أصابع الاتهام نحو «حركة النهضة»، قائلا إنها «تريد غلق الملف لأنها متورطة في الاغتيال». وأكد في حديث إلى «السفير» أنّ الإعلان عن عملية أمنية ضد كمال القضقاضي، أمس الأول، ومن معه والقضاء عليهم قبل يومين فقط من الذكرى يمس من مصداقية الحدث. وتابع أنّ تلخيص وزير الداخلية لطفي بن جدو للحقيقة في المتهم الرئيسي الذي قتل يعد محاولة لغلق الملف نهائياً ودفن الحقيقة مع دفن القضقاضي. صديقه وزميله الذي عمل معه في مكتب المحاماة ذاته لمدة سنوات أحمد الصديق، وهو عضو مجلس أمناء «الجبهة الشعبية» أكد لـ«السفير» أنّ «ما حصل يوم أمس (أمس الأول) في منطقة رواد من محاصرة للمجموعة الإرهابية والتي انتهت بقتل القضقاضي ومن معه ... يجعلنا ننتبه أكثر من أي وقت مضى إلى حجم الامتداد والتعقد الذي بلغته منظومة الجماعات الإرهابية في بلادنا، إذ انّ أول ما يتبادر إلى الذهن بالنسبة لأي متابع يقظ، وبعيداً عن حملات التشكيك من جهة أو صيحات الانتصار والثناء والإكبار من جهة أخرى، هو قدرة المطلوب الرقم واحد والمتهم الأول إلى حد الآن في جريمتي اغتيال شكري بلعيد وذبح الجنود (في جبل الشعانبي) على التنقل مئات الكيلومترات داخل البلاد ودخول العاصمة والاختباء والتجهز والاستعداد لمواجهة دامت أكثر من عشرين ساعة بما يعني انه حظي ومن معه بدعم وإسناد وتواطؤ من منظومة كاملة موجودة على امتداد البلاد». وأوضح أحمد الصديق أن «ملف الإرهاب لا يزال مفتوحاً على مصراعيه ويوجب الكثير من اليقظة والاستعداد ورفع جهوزية الوحدات المتصدية له، وسياسياً رفع درجة الالتزام بمقاومة ناشطيه والحزم في تعرية الغطاء الذي يتمتع به الإرهاب من عنف سياسي وخطاب التكفير وضرورة تحييد المساجد، ولن نسمح أبدا بأن يكون قتل القضقاضي، في مشهد يثير الكثير من الأسئلة، سبباً في دفن الحقيقة التي ما زلنا وسنظل نطالب بالكشف عنها كاملة حتى يحاسب ويعاقب كل من ساعد القضقاضي ومن معه وتستر عليهم وسهل مهمتهم كائناً من كانوا». المخاوف من أن تنسى الذاكرة الوطنية دماء بلعيد التي سالت في ذات اليوم من العام الماضي جعلت السؤال «من قتل شكري؟» يتحول إلى تعبير ثقافي أيضاً، حيث سيكون اليوم موعداً للمثقفين وللفنانين لـ«تأبين الشهيد» في حراك رمزي. فبالإضافة للندوة الصحافية التي ستعقدها اليوم لجنة الدفاع عن بلعيد في الساحة التي اغتيل فيها، والتي سُميت في ما بعد باسمه، للحديث عن مستجدات القضية، سينظم في الشارع الرئيسي في تونس العاصمة في شارع الحبيب بورقيبة، تجمّع واسع يهدف إلى إحياء ذكرى بلعيد، وسيعرض خلاله فيلم وثائقي لمداخلاته كما سيجرى عرض موسيقي شبابي في المكان ذاته مساء. وفي مكان ليس ببعيد عن مكان الاحتفال بالذكرى الأولى لاغتيال بلعيد، فأمام منزل بسيط وفقير يجلس والد كمال القضقاضي وحيداً محاطاً بالكراسي الفارغة التي لم يطأها المعزون قط، وحيداً مثقلاً بالحزن بعد التعرف، أمس، على جثة ولده.
محمد نزال - الاخبار
القصة أبعد من رجل يضرب زوجته، بقسوة، فتارة تموت وأخرى تبقى على قيد الحياة مع ألمها. القصة أبعد من رلى يعقوب، أو منال العاصي التي فارقت الحياة، أمس، إثر تعرّضها لضرب عنيف من زوجها (كما ذكرت التحقيقات الأمنية والقضائية). القصة، على ما يبدو، في الثقافة. في مجتمع يُصرّ ناسه، أصحاب الألم، على طمس ألمهم لاعتبارات اجتماعية، عادات وتقاليد، دين، وغير ذلك من العناوين. عندما يتآمر صاحب الوجع على نفسه، فيسكت مراعاة لتلك الاعتبارات، لا يرفع الصوت عالياً، لا ينتفض، خوفاً من «فضيحة» هنا أو حفاظاً على «السترة» هناك، فهذا يعني أننا أمام شيء أبعد، بل أخطر، من مجرد عنف زوجي أو أسري.
ماذا يعني أن تحاول والدة منال أن تعطي إفادة غير صحيحة، أمام المحققين، فتقول إن ابنتها «المقتولة» وقعت في المطبخ وماتت، رغم كونها شاهدة على صرخات ابنتها المكبوتة عندما كان زوجها يضربها؟ ماذا يعني أن تصمت شقيقة القتيلة، أيضاً، وتتحدث في إفادتها عن «وقوع على حافة المجلى»؟ وماذا يعني ألا ينتفض شقيق القتيلة، وهو ذكر (بالمعنى الذكوري كما الزوج) على زوج أخته، بل يُساعده على نقلها إلى مستشفى المقاصد في بيروت، حيث لم تلبث إلا ساعات قليلة قبل أن تُفارق الحياة؟ لولا شقيقة أخرى للقتيلة، أبت أن تصمت على وجع أختها، لكنا اليوم أمام تحقيق قد أقفل على «لا شيء». لكانت القضية أقفلت على كونها «موتاً فجائياً أو ربانياً»، وما شئت من تسميات. نطقت شقيقتها، أمام المحققين، بالحقيقة التي تعلمها، فتحرّك القضاء تجاه الزوج، وطلب توقيفه، ليتوارى بعدها عن الأنظار. البحث مستمر عنه الآن. التواري عن الأنظار، في القانون، من الوقائع التي يركن إليها القضاء عادة في تثبيت التهمة أو الشبهة. بعد شيوع خبر وفاة منال العاصي، أمس، خرج بعض الناشطين ببيانات استنكار وإدانة للعنف الزوجي، وتناقلت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الخبر. اختلطت الشائعات بالحقائق، كما باتت العادة في الآونة الأخيرة، لتعود وتتضح الأمور شيئاً فشيئاً، وإن كانت لم تتضح بعد نهائياً. فبحسب ما علمت «الأخبار» من مصادر أمنية وقضائية، فإن أي اتصال لم يرد إلى القوى الأمنية، ولا إلى فصيلة الطريق الجديدة تحديداً (ضمن نطاق مكان الحادثة)، ولكن بعد نقل منال إلى المستشفى، ارتاب الطبيب المعاين لما رآه من آثار كدمات، فاتصل على الفور بفصيلة الطريق الجديدة في قوى الأمن الداخلي. تردد قبل ذلك أن سيارة للصليب الأحمر حضرت، قبل نقل المصابة، ولكن الزوج واجه الجميع ورفض أن تُنقل زوجته إلى المستشفى. أحدهم قال إنه «كان في حوزته سلاح وهدد من يقترب منه». لكن هذا التفصيل الأخير لم يثبت بعد في التحقيقات. وتلفت المصادر المعنية إلى أن الزوج كان اتصل بوالدة زوجته وشقيقتها، ليحضرا إلى منزله، وهذا ما حصل فعلاً، قبل أن يحتجزهما في غرفة، و«يبدأ بتعذيب زوجته وضربها على غرار ما كان يفعل سابقاً». النيابة العامة في بيروت كانت تتابع مجريات القضية مع القوى الأمنية، وبعد وفاة الزوجة في المستشفى، كلّفت طبيباً شرعياً بالكشف على جثتها. التقرير، هذه المرّة، وعلى عكس حالات سابقة (مثل قضية رلى يعقوب) جاء ليؤكد «وجود كدمات على رأسها وفي أماكن أخرى من جسدها، وأنها ضُربت بآلة معدنية (ليست سكيناً) على رأسها، ما أدّى إلى نزف داخلي كان هو السبب المباشر للوفاة». الراحلة منال العاصي، أم لابنتين، الأولى عمرها 15 عاماً والثانية عمرها 11 عاماً. المحققون استغربوا «سبب تكتّم ذويها عمّا حصل، مع علمهم بما حصل، ولهذا كان لا بد من كسر حاجز الخوف عندهم. فبعدما تحدثت إحدى شقيقاتها عمّا حصل عادوا وتكلموا كلهم». أحد المتابعين للقضية، ممن هم على صلة بها، رأى أنه «في حالة كهذه لا يمكن القوى الأمنية أن تعلم بحقيقة الأمر، ما لم يخطرها أحد بما يحصل، وبالتالي هذه مشكلة في الثقافة والعادات منتشرة عند كثير من الناس، فلا يتكلمون بحقيقة ما يحصل معهم تحت عنوان: مشاكل عائلية أو زوجية. ربما يكون هذا مفهوماً في حالات الخلاف التقليدي، أو المشاجرات، ولكن عندما يصل الأمر إلى حدّ الموت ويظل الصمت هو هو، فنحن هنا أمام مأزق كبير». شيّعت الراحلة أمس في مأتم حاشد في منطقة الطريق الجديدة، في ظل حالة غضب في الشارع. القضية هناك، وبعيداً هناك، كانت مثار جدل وأخذ ورد طوال يوم أمس. الزوج ملاحق الآن، ودوريات التحرّي تبحث عنه، نظراً إلى «اقتناع لدى القضاء بتورطه في قتل زوجته على نحو مباشر، بغض النظر إن كان هناك نية قتل أو لم تكن، ولكن ما هو مرجح الآن بحسب التحقيقات والإفادات أن ضربه لها بطريقة عنيفة، وبآلة معدنية، كان السبب المباشر للوفاة... ولكن بالتأكيد التحقيق لم يقفل بعد، ويمكن أن تنقص أشياء مما ذكر ويمكن أن تزيد، وكل هذا رهن انتهاء التحقيق».
سعدى علوه - السفير
قبل نحو شهرين من اليوم، ادعت "منظمة كفى عنف واستغلال" عبر المحامية موهانا اسحق، على صاحبة عمل، بجرم حمل العاملة في منزلها على الانتحار، وفق ما تنص عليه المادة 553 من قانون العقوبات في لبنان. وتحاول "كفى"، التي تساند عبر أحد برامجها العاملات المهاجرات قانونياً، أن لا تجعل انتحار العاملة أو محاولة انتحارها مناسبة لإغلاق ملفها، بمعنى التعامل مع القضية وكأنها قرار شخصي بمعزل عن حجم الاستغلال اللاحق بالعاملة. واعتبرت "المفكرة القانونية" الدعوى بمثابة "محاولة لقلب النهج المعتمد لدى النيابات العامة والقوى الأمنية والمتمثل بطي القضية على أساس أنها قضاء وقدر"، خصوصا أن العاملة التي حاولت الانتحار كانت تتعرض لأنواع مختلفة من العنف، حيث شعرت أن موتها هو الوسيلة الوحيدة لخلاصها من وضعها المكرس بموجب "نظام الكفالة" المطبق في لبنان. من هذا المنطلق، رأت "المفكرة" أنه من شأن هذا التوجه أن يحول كل قضية انتحار إلى سؤال كبير عن مدى تشكيل ظروف الاستغلال دافعاً إلى الانتحار؟ وتحويل كل انتحار أو محاولة انتحار إلى مناسبةٍ لمحاكمةِ لاإنسانيةِ شروطِ العملِ بأكملها. تتطلب هذه الأسئلة، وفق "المفكرة"، مشاركة الحقوقيين والباحثين في العلوم الاجتماعية والإنسانية، لا سيما الباحثين والاختصاصيين في علم النفس. وبغض النظر عما ستؤول إليه نتيجة هذه الدعوى والحكم الذي سيصدر فيها، إلا أنها تشكل نموذجاً عن سعي المجتمع المدني، ومنه منظمات "كفى" و"كاريتاس" و"المفكرة"، للعمل على الساحة القضائية لتسجيل اختراقات جوهرية في المسرح الذي من المفترض أنه يشكل النافذة الأساسية لإنصاف عاملات المنازل في ظل الأوضاع السيئة التي تحيط بعدد لا بأس به منهن، وتحت مظلة "نظام الكفيل" الذي يترك العاملة رهينة مزاج صاحب العمل. حكمان تكشف المحامية موهانا اسحق لـ"السفير" أنه سبق لـ"كفى" أن ربحت دعويين مؤخراً تم تقديمهما في العام 2010 في إطار المساعدة القانونية للعاملات اللواتي يتعرضن للعنف. تتعلق الدعوى الأولى بحالة عاملة من الجنسية السريلانكية كانت صاحبة عملها قد اقتطعت راتبها على مدى ثلاث سنوات. يومها لجأت العاملة إلى سفارة بلادها لمساعدتها، وتوصلت الأخيرة إلى اتفاق مع صاحبة العمل يقضي بعودة العاملة للعمل في منزلها، على أن تدفع لها مجمل مستحقاتها على دفعات متقاربة إلى حين انتهاء عقد عملها. لم تتقيد صاحبة العمل بالاتفاق ولجأت السفارة إلى "كفى" لمساعدة العاملة، وكانت الدعوى القضائية. وبعد ثلاث سنوات من المحاكمة، أنصف القضاء الجزائي العاملة وحكم بإعادة المستحقات كلها للعاملة، وبإلزام صاحبة العمل بدفع عطل وضرر لها بما قيمته نحو مليوني ليرة، وفق اسحق. لكن "نظام الكفيل" أثر في مجريات الدعوى، إذ تم ترحيل العاملة بعد انتهاء عقدها مع صاحبة عملها التي ادعت عليها، والأخيرة غيرت مكان سكنها وصار متعذراً إبلاغها بالحكم أو الحجز على أملاكها، لدفع مستحقات العاملة. وهذا لا يقلل من أهمية الحكم، إذ إن صاحبة العمل لن تتمكن من الاختفاء بصورة دائمة، خصوصاً أنه من حقها الاعتراض قبل انتهاء المهل القانونية للحق. أما الحكم الثاني الذي أنصف فيه القضاء في الدعوى التي رفعتها "كفى" فتمثل بإدانة صاحبة عمل بتعذيب العاملة في منزلها بعد إثبات اعتداءاتها عليها بتقرير من الطبيب الشرعي. وكشفت مجريات الدعوى عن قدرة القضاء أيضاً على كشف المراوغة التي يلجأ إليها محامو الدفاع عن المدعى عليهم عبر المماطلة بتقديم دفوع شكلية. ودان القضاء لجوء المدعى عليهم إلى استعمال الدفوع الشكلية عن غير حق، وردهم إلى الأساس. وقضى الحكم بتجريم صاحبة العمل وسجنها لمدة 15 يوماً وتغريمها بدفع عطل وضرر للعاملة بقيمة مليون ونصف مليون ليرة لبنانية. ولكن هنا أيضاً تم ترحيل العاملة، وغيّرت صاحبة العمل مكان سكنها وتعذر إبلاغها. وتحدد اسحق العوائق خلال الدعاوى التي ترفعها بـ"استغراق المحاكمات وقتاً طويلاً وفي ترحيل العاملة بسبب نظام الكفيل، بالإضافة إلى كلفة المحاكمات خصوصاً أن العاملة عاجزة عن تحملها، وبإمكانية تنفيذ الأحكام". هذه الصورة المضيئة عن أداء القضاء في ملفات العاملات في المنازل لا تختصر كامل المشهد الذي ترسمه "المفكرة القانونية" عبر مشروع "رصد الأعمال القضائية التي تطال العاملات المهاجرات في الخدمة المنزلية، وتحديداً في المحاكم الجزائية في قصور عدل بيروت وبعبدا والجديدة" بالتعاون مع "منظمة العمل الدولية". ويشمل الرصد، وفق سارة ونسا من "المفكرة"، مجالس العمل التحكيمية في بيروت وبعبدا، حيث لا مجلس عمل تحكيميا في الجديدة. ويخلص الرصد بشكل عام إلى أنه "يتم استخدام المواد القانونية وتطبيقها بطريقة تكرس نظام الكفالة بالرغم من عدم وجود نص قانوني واضح ينص عليه في لبنان"، وهو ما يضيء على الزاوية المظلمة هنا. تجريم عاملات يشمل المشروع الأعمال القضائية خلال العام 2013، بما فيها دعاوى تم تحريكها قبل هذا التاريخ ولكن أحكامها صدرت خلال العام المنصرم. أما في مجلس العمل التحكيمي فتم رصد الملفات المتراكمة، كونه لا حكم في 2013. وتابعت "المفكرة"، وفق ونسا، نحو 220 حكماً أو أكثر. يتعلق ثمانون في المئة منها بدعاوى الإقامة ونظام العمل، أي ما يسمى "نظام الكفيل". وتعطي ونسا مثالاً على تكريس نظام الكفيل خلال المحاكمات عبر تجريم العاملة بما يسمى "الفرار من المنزل"، مشيرة إلى أنه "لا نص قانونياً يجرم الفرار. لذا، عندما تترك عاملة مهاجرة منزل صاحب العمل يتم الادعاء عليها وفق المادة السابعة من القرار 36/1969 التي تطلب من الأجنبي الذي يحوز إقامة سنوية وله أكثر من ثلاثة أسابيع في لبنان أن يبلغ القوى الأمنية (الأمن العام في حال العاملات المهاجرات) عن مكان إقامته". وتخلو هذه المادة من نص يعاقب على الفرار. في الحقيقة، هناك القانون العسكري الذي يجرم الفرار، إذ يعاقب الجندي في الجيش على الفرار من الخدمة أو من مهمته في محاربة العدو، وهناك الفرار من السجن. مع ذلك، تشير ونسا إلى أن "ثمانين في المئة من الأحكام التي رصدتها المفكرة تجرّم عاملات المنازل لتركهن العمل ومنازل أصحاب العمل عبر تكييف المادة السابعة من القرار 36/1969 على الوقائع الميدانية لقضايا العاملات". وتلفت إلى أن 190 حكماً من أصل 220 جاءت أحكاماً غيابية من دون مثول العاملات أمام المحاكم بسبب ترحيلهن. وتقول ونسا إن هذه الأحكام تتميز بأنها "عبارة عن نموذج - ورقة معدة مسبقاً حيث يتم ملء الفراغات المتعلقة بالمعلومات الشخصية للعاملة"، ولكنها تنتهي إلى النتيجة نفسها. وتراوح الأحكام بين فرض غرامة مالية على العاملة من دون عقوبة بالسجن (تراوح بين 300 و600 ألف ليرة لبنانية) أو أحكام غرامة وسجن بين شهر وثلاثة أشهر مع غرامة قد تصل إلى مليون ليرة؛ ويتم أحياناً الاكتفاء بمدة التوقيف. عليه، يُستنتج أن "المنظومة التي ترعى وجود العاملة من أساسها في لبنان تؤثر في الدور المنتظر من القضاء الذي من المفترض أن يكون النافذة العادلة التي يتم دخولها أو النفاذ منها لإنصاف العاملة". مع ذلك، ترى ونسا أن هناك أحكاما صدرت عن بعض القضاة وتنصف العاملة، ولكن "لا قيمة فعلية لها على الأرض"، كونها صدرت بعد ترحيل العاملة أو بعد توقيفها مدة طويلة قد تصل إلى عشرة أشهر. وبالرغم من ذلك لا يتم تعويضها عن حجز حريتها ظلماً. وأشارت إلى أن بعض القضاة "ذهبوا أبعد من ذلك"، وادعوا على بعض أصحاب العمل أمام النيابة العامة بتهمة التعسف بالإدعاء على العاملة بجرم السرقة وسوء استعمال هذا الحق عندما يتبين أنه ادعي زوراً وبهتاناً، وكذلك بتعذيب العاملة. لكن للأسف إن النيابات العامة لم تتحرك. ورصدت "المفكرة" 22 ملفاً أمام مجالس العمل التحكيمية، فتبين أن العاملة هي الطرف المدعي وصاحب العمل مدعى عليه، وهي ملفات لم ينته النظر فيها بعد. وتتركز الدعاوى على عدم سداد أجور العاملة وفسخ تعسفي لعقد العمل. وتشير الملفات في مجالس العمل التحكيمية إلى سفر العاملة وتركها البلاد. وهنا، تم رصد إشكالية إقامة العاملة وإمكانية تجديد إقامتها طالما أنها مربوطة بصاحب العمل الذي ادعت عليه. وبالتالي، لن يقبل بتجديد إقامتها لتبقى وتحاكمه في البلاد. ويتضمن المشروع نفسه جزءاً يتلخص برصد محاكمات العاملات من خلال حضور هذه المحاكمات. وأشارت ونسا إلى أن "المفكرة" حضرت أربع جلسات محاكمة لأربع عاملات وهي جلسات "يشوبها استهتار بمنح العاملة الظروف المؤاتية التي تمكنها من الدفاع عن نفسها، وتأمين حقها بالترجمة والمساعدة القانونية".
يتجه العالم سريعاً صوب نقطة حرجة. ليس الكلام تهويلياً، فالبشرية «تقف عند مفترق طرق حاسم بسبب اللامساواة» على حدّ تعبير الأمم المتّحدة. معدلات الظلم تزداد. هل ستُهمل التحذيرات الحالية؟ التقرير الأخير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي يقول «إن المقصيّين سيحتجّون في وقت ما على «التقدّم» الذي لم يشملهم». وسيؤدّي ذلك إلى «تقويض النسيج الذي يضمن تماسك المجتمعات»
حسن شقراني - الاخبار
بعد اندلاع الأزمة الاقتصادية وانهيار الأسواق المالية قبل خمس سنوات، استعاد العالم على نحو واسع روح كارل ماركس شعبياً ونخبوياً _ مع التحفظ على معنى الكلمة الأخيرة واعتبارها التاريخي. البعض أحيا الرجل الملتحي تحت عنوان: «لقد حذّركم من هذه المصائب قبل 150 عاماً». آخرون، مثل بعض أشهر أساتذة الاقتصاد في كبرى الجامعات، استغلّوا الحالة لإمرار رسالة ملغومة: «لو أن كارل ماركس حياً لكان مصرفياً».
الأهمّ من ذكر أبي الشيوعية، ما تعنيه أفكاره ومناهجه، وكيف تُترجم اليوم. أخيراً، استعاد الكاتب تشارلز كيني في مجلة «فورين بوليسي» الفيلسوف الألماني، تحت عنوان «الطبقة العاملة العالمية تتوحد، وهذا جيد»، معتمداً على تحليل نقدي من وحي الحفر على قبر ماركس اللندني: «يا عمال العالم اتحدوا»، يُقدّر هذا الصحافي أنّ معدلات اللامساواة وازدياد الهوة أفقياً وعمودياً في العالم «قد تُعيد بسمة روحية على وجه ماركس» خلال العقد المقبل. تزامن هذا الرأي مع مطالعة مثيرة للاهتمام نشرها شون مكلوي في مجلة «رولينغ ستون». العنوان وحده يكفي: «الحياة العصرية مليئة بالأدلّة عن رؤية ماركس: من هاتف iPhone5s إلى عولمة الشركات». هل توقع ماركس أن تصمّم «آبل» هذا الهاتف وتخلق هوساً به؟ بالطبع لا، ولكنه تحدّث عن ميول الرأسمالية إلى تركيز قيمة عالية على منتجات عبثية، ما يؤدّي، مع الوقت، إلى «تبعية تتطور إبداعياً وحسابياً، لشهيات (استهلاكية) وهمية، غير إنسانية وغير طبيعية». وهنا يلمع التساؤل: «فعلياً، هل الهاتف الجديد أفضل بكثير من سلفه الذي صدر العام السابق، أو حتّى مقارنة مع نسخة 4S قبل عامين؟». الفكرة هي أنه في عالم يتمتع فيه أغنى 85 شخصاً في العالم بثروة تفوق ما يملكه أفقر ثلاثة مليارات نسمة، تُعيد الزخم بقوّة إلى مقولة ماركس بأن انتفاضة العمال لن تُخسرهم سوى السلاسل التي تُقيّدهم. لا شكّ أن المطالعات التي تتطرّق إلى عدم المساواة والظلم الاقتصادي تتزايد، رغم تخطي الركود وعودة البلدان الصناعية إلى «النمو». حتّى دعوات البابا «التقدّمي» فرنسيس لإعادة المادة إلى دورها في خدمة للمجتمعات وليس تأليهها، فيها ما يكفي من الروح الماركسية. المعطيات السائدة دفعت برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي الى إعداد تقرير عن حالة اللامساواة المتزايدة؛ نُشر أخيراً تحت عنوان مخيف: «انقسام الإنسانية: مواجهة المساواة في البلدان النامية». صحيح أن خبراء الوكالة الأممية يركزون على الدول النامية في بحثهم، إلّا أنّ الطروحات تتخذ طابعاً كونياً وخصوصاً أن عمل البرنامج هو تحت عنوان «شعوب متمكنة، أمم صامدة». يُذكّر هؤلاء بالأرقام التي تُظهر مستوى الشرخ الموجود في العالم حالياً، رغم أنّ حصة الفرد من الناتج المحلي في البلدان الفقيرة والنامية ارتفعت إلى أكثر من ضعف ما كان عليه في بداية تسعينيات القرن الماضي، ورغم ارتفاع مؤشرات اجتماعية مثل العمر المرتجى، إلا أن المشكلة متجذّرة: فيما يُسيطر أغنى 1% من سكان العالم على 40% من أصوله، يكتفي النصف الأفقر بواحد في المئة من تلك الأصول. ليست مؤشرات الفقر والغنى الوحيدة الصادمة في مقاربة اللامساواة في البلدان الناشئة تحديداً. مثلاً، احتمال أن تموت امرأة ريفية خلال الولادة يساوي ثلاثة أضعاف مثيله في المناطق الحضرية. كذلك فإنّ الأشخاص المعوقين يتحملون أكلافاً معيشية تساوي خمس مرات المعدل العام. ما تُحذّر منه الأمم المتّحدة اليوم هو الآتي: «حين تزيد المداخيل والفرص بالنسبة إلى الأقلية فقط، وحين تستمر أوجه اللامساواة لفترات طويلة وفي أماكن متعددة ومع تعاقب الأجيال، فإنّ المهمشين، والذين يظلّون مقصيّين بصورة منهجية من منافع التنمية سيحتجّون في وقت ما على «التقدّم» الذي لم يشملهم». وسيؤدّي الحرمان المتنامي إلى «تقويض النسيج الذي يضمن تماسك المجتمعات». يُمكن استخلاص ثلاث رسائل ضمنية من هذا التحذير. أوّلاً، أن الظلم يتم بصورة «ممنهجة»، أي أنه نتيجة سياسات وليس منتجاً عرضياً. ثانياً، أنّ الأمم المتّحدة أضحت تعي، وتُعبّر بصراحة وطلاقة عن ضرورة التفريق بين النموّ الكمّي، الذي تفرضه الرأسمالية، والسياسات التنموية الحقيقية، ولذا تضع كلمة «تقدّم» بين مزدوجين. ثالثاً، نتيجة النمط المعتمد سيكون تفكك المجتمعات في نهاية المطاف؛ ليُصبح العالم تماماً عبارة عن تلك المشاهد المرعبة التي نراها في أفلام الخيال المستقبلي. فعلياً، يخلص التقرير إلى 11 رسالة يُفترض أن تتلقفها المجتمعات وتصوغ السياسات على أساسها. أبرزها أن «العالم يشهد اليوم انعداماً في المساواة أكثر من أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية ... وهناك إشارات واضحة على عدم إمكانية استدامة هذا الوضع لفترة طويلة». تقنياً، كانت العولمة المحرّك الذي زاد من معدلات عدم المساواة خلال السنوات العشرين الماضية، غير أنّ «خيارات السياسات (أي السياسيين) لعبت دوراً كبيراً أيضاً». وبخلاف «التصوّر الشائع بأنّ المجال السياسي لخفض اللامساواة محدود للغاية»، يُشدّد معدّو التقرير على أنّ «التجربة تشير إلى إمكانية خلق هذا المجال السياسي المطلوب». مع قراءة هذه المعطيات، يبرز التساؤل الآتي: هل تكون تلك الرسائل الـ 11، كما تعاليم ماركس، عبارة عن أوراق في زجاجات تُرمى في بحر اللامساواة؟ اليوم، هناك من يتمتع برفاهية الانتظار ليعرف الإجابة عن هذا السؤال. ولكن في المقابل، هناك 1.2 مليار نسمة يعيشون في الفقر المدقع، يسرق الجوع أرواحاً كثيرة منهم يومياً، فيما تتكفل الأمراض والآفات الأخرى بشريحة دسمة؛ هؤلاء يريدون الإجابات الآن.
في تقرير «الأجندة العالمية 2014»، الصادر في تشرين الثاني من العام الماضي، صنّف المنتدى الاقتصادي العالمي قضية توسع الفروقات في المداخيل «كثاني أكبر خطر عالمي في السنة ونصف السنة» المقبلين. انطلاقاً من هذا التصنيف أعدّت منظمة «أوكسفام» تقريراً تحت عنوان «القبض على المؤسسات السياسية واللامساواة الاقتصادية»، يكشف عن جوانب عديدة من تركّز الثروة في أيدي القلّة
فراس أبو مصلح - الاخبار
«اللامساواة الاقتصادية تنتشر بسرعة في معظم الدول. تنقسم ثروة العالم إلى قسمين: النصف تقريباً يذهب إلى الواحد في المئة الأغنى من السكان، والنصف الآخر يذهب إلى الـ99% الباقين. حدد المنتدى الاقتصادي العالمي هذه الظاهرة كتهديد أساسي للتطور البشري. اللامساواة الاقتصادية الحادة وقبض أصحاب الثروات على المؤسسات السياسية هما غالباً أمران مترابطان. في غياب الروادع، تتقوّض المؤسسات السياسية وتصبح الحكومات خادمة لمصالح النخب الاقتصادية، على حساب الناس العاديين. ليست اللامساواة الحادة أمراً محتوماً، ويمكن ــ بل يجب ــ عكس المنحى السائد سريعاً».
بهذه الخلاصات استهلت منظمة «أوكسفام» تقريرها الصادر في 20 كانون الثاني 2014، http://www.oxfam.org/sites/www.oxfam.org/files/bp-working-for-few-politi... تركّز الثروة والقوة السياسة يمتلك 1% فقط من سكان العالم ما يقارب نصف ثروة العالم. وتقارب ثروة الـ1% الأغنى نحو 110 تريليونات دولار، أي 65 ضعف الثروة الإجمالية لنصف سكان الأرض الأقل ثراءً، بحسب إحصاءات «أوكسفام». في المقابل، استقرت نسبة الرواتب من الناتج المحلي القائم لمعظم الدول، وتراجعت تلك النسبة في دول أخرى، في حين ارتفعت قيمة الأسهم وأرباح الشركات الى مستويات عالية وغير مسبوقة، وفاقمت سياسات «التقشف» هذا المنحى بتجميدها للرواتب وتقليصها للخدمات والتأمينات الاجتماعية، فيما منحت المزيد من التسهيلات الضريبية لرؤوس الأموال، بحسب التقرير. هذا المنحى المتفاقم في السنوات الثلاثين الأخيرة أدى الى «تطور شبكة عالمية من الجنات الضريبية»، ساهمت في تزايد اللامساواة الاقتصادية. «ثروات ضخمة تُخفى عن الأنظار»، فلا تخضع للضرائب، «ما يحرم الخزائن الوطنية من موارد حيوية بالنسبة إلى المجتمع.» تقدر «أوكسفام» هذه الثروات المهربة بحوالى 18.5 تريليون دولار، أي أكبر من الناتج المحلي للولايات المتحدة، «الدولة الأغنى على وجه الأرض»، والبالغ 15.8 تريليون دولار! «هذه الشبكة من السرية والضرائب المتدنية (على الثروات والمداخيل العالية) تسهل التدفق غير المشروع لكميات ضخمة من رأس المال من البلدان الأفقر. بين عامي 2008 و2010 خسرت أفريقيا ما دون الصحراء ما يقدر بـ63.4 مليار دولار سنوياً بهذه الطريقة، ما يعادل أكثر من ضعفي المساعدات التي تلقتها»، بحسب «أوكسفام». تعكس استطلاعات الرأي التي أجرتها «أوكسفام» في ست دول حول العالم (إسبانيا والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) الاعتقاد السائد لدى أكثرية الناس بأن القوانين والأنظمة باتت تصمم لمنفعة الأثرياء. ففي الولايات المتحدة، «في حقبة ما بعد الأزمة الاقتصادية» عام 2009، استحوذ الواحد في المئة الأغنى على 95% من النمو المحقق، في حين ازداد 90% من السكان فقراً، ويُعزى ذلك، إلى حد كبير، إلى سياسة إنقاذ كبريات المؤسسات المالية المترنحة من أموال دافعي الضرائب، في حين تُرك أكثرية هؤلاء لمصيرهم، بعد تبخر جزء مهم من مدخراتهم بفعل انفجار فقاعة الرهونات العقارية، وخسارة الكثيرين لمنازلهم. أما سبب اختلال السياسات، فتظهره «المعطيات الإحصائية التي تدعم بقوة مخاوف «أوكسفام» حول زيادة تركز الثروة وعدم المساواة في التمثيل السياسي. تظهر دراسة حديثة أدلة إحصائية على التمثيل الطاغي لخيارات الأثرياء الأميركيين في السياسة الحكومية، مقارنة بخيارات أبناء الطبقات الوسطى. في المقابل، لا تظهر خيارات المواطنين الأفقر أي تأثير يذكر على أنماط تصويت المسؤولين الحكوميين (على المشاريع والقوانين)». «تشير الأدلة الحديثة إلى ترابط بين اللامساواة في الدخل واللامساواة في الفرص، فالوضع الاجتماعي ــ الاقتصادي للأهل يحدد إلى درجة كبيرة الفرص المتاحة للأولاد». الأدلة تشير إلى «تجميع الفرص» أو احتكارها، من حصة من الإنفاق العام أو تعليم ذي نوعية جيدة أو وظائف مجزية، ما يؤبد الفوارق الاجتماعية ــ الاقتصادية، بحسب «أوكسفام» التي تخشى أن يؤدي تمتع الأثرياء بنسب الضرائب الأدنى، واستحواذهم على الرعاية الصحية الأفضل والتعليم الأفضل لأبنائهم، إلى توريث امتيازاتهم عبر الأجيال، وحرمان الآخرين فرص الترقي الاجتماعي، وحبسهم في دائرة الفقر والتخلف.
القبض على المؤسسات السياسية
تعتبر «أوكسفام» «بعض اللامساواة ضرورية لتحفيز النمو ومكافأة الإبداع وأصحاب الخبرات والمبادرة»، إلا أنها ترى أن اللامساواة الاقتصادية «الحادة» «قد يكون لها آثار سلبية على النمو الاقتصادي وتقليص الفقر، وقد تفاقم المشاكل الاجتماعية، كعدم المساواة بين الجنسين.» لكن الأهم أن «تركز الثروة يقوّض التساوي في التمثيل السياسي». في غياب «الروادع السياسية» للحدّ من تحكم الثروة في السياسة، تعمل الحكومات لمصالح الأثرياء، ويتم لَيّ القوانين لمصلحتهم، وتتسع الفروقات الاجتماعية، وتتقوّض الحكومة الديمقراطية، و«يتمزق النسيج الاجتماعي»! لا ديمقراطية حيث تتركز الثروة في أيدي القلة. يقول القاضي في المحكمة العليا الأميركية، لويس برانديس، «يمكن أن يكون لدينا ديمقراطية، أو يمكن أن يكون لدينا تركز للثروة في أيدي القلة، ولكن لا يمكن أن يجتمع الأمران»! في ما يشبه الوصفة العالمية الموحدة، يتشابه أثر قبض أصحاب الثروات على المؤسسات السياسية في الدول الغنية والفقيرة على السواء: تحرير أسواق المال، وأنظمة ضريبية «ملتوية» وقوانين تسهل التهرب الضريبي، وسياسات «التقشف»، أي تجميد الأجور والإنفاق الاجتماعي والاستثماري، واحتكار ريوع النفط والثروات الطبيعية. هذه كلها أمثلة توردها «أوكسفام»، وتُظهر من خلالها كيف ينتج الريع السياسي الثروة وتفاوت المداخيل. تظهر أمثلة تاريخية أن هذا المنحى الخطير يمكن عكسه: في العقود الثلاثة التي تلت الحرب العالمية الثانية، خفضت الولايات المتحدة وأوروبا اللامساواة بالتزامن مع نمو اقتصاداتها. كذلك حققت أميركا اللاتينية خطوات واسعة نحو المساواة في العقد الأخير، عبر الضرائب التصاعدية والخدمات العامة والتأمينات الاجتماعية. وكان ذلك في صلب «العملية السياسية الشعبية» التي تعبر عن مصالح الأكثرية، تؤكد أوكسفام. فمن غير الممكن إحداث توازن مع نفوذ الشركات العملاقة وأصحاب المليارات من دون إشراك قطاعات واسعة من المواطنين في العملية السياسية، دفاعاً عن مصالحهم.
العمل من أجل التغيير
تخلص «أوكسفام» إلى أن «تركز الثروة والدخل يعوق تحقيق مبدأ المساواة في الحقوق والفرص، عبر جعل التمثيل السياسي للمجموعات غير المحظية أصعب، لمصلحة المجموعات النافذة»، و«الاختلال في توزيع الثروة يشوه المؤسسات ويقوض العقد الاجتماعي بين المواطنين والدولة»، وتدعو «الذين لديهم القدرة على عكس منحى تزايد اللامساواة» إلى عمل الآتي: ــ «عدم استخدام ثرواتهم لكسب نفوذ سياسي يقوض التعبير الديمقراطي لإرادة مواطنيهم»: فقد «عملت أوكسفام طوال سبعين عاماً على محاربة الفقر والظلم في أكثر من تسعين دولة، كما حاربت الجنات الضريبية والدَين الذي يفوق قدرة الاقتصاد على الاحتمال. خلال هذه التجارب، شهدت أوكسفام بشكل مباشر كيف يقبض الأفراد والمجموعات الأثرى على المؤسسات السياسية لتعظيم سطوتهم ومصالحهم، على حساب بقية المجتمع. المستويات غير المسبوقة من اللامساواة الاقتصادية التي نشهدها اليوم تنبئنا بأنه في غياب الروادع، ستمعن المؤسسات التمثيلية في التآكل، وفارق القوة بين الذين يملكون والذين لا يملكون قد يترسخ ويصبح عصياً على التغيير». ــ «تنظيم الأسواق لتحفيز النمو المستدام والعادل»: بحسب أوكسفام، «ليست الأسواق ظواهر مستقلة تعمل حسب قوانينها الطبيعية الخاصة، بل هي في الحقيقة بُنى اجتماعية تضع قوانينها المؤسسات وتنظمها الحكومات التي يُفترض أن تكون مسؤولة أمام المواطنين... حيث هناك نمو وتقليص للفروقات الاجتماعية، تعمل القوانين الحاكمة للأسواق لمصلحة الطبقات الوسطى والشرائح الأفقر في المجتمع. ولكن حيث الأغنياء يكسبون وحدهم، تكون القوانين محوّرة لتخدم مصالحهم حصراً». ــ دعوة الحكومات إلى اعتماد نظام ضريبي تصاعدي على المداخيل والثروة، واستعمال الواردات الضريبية لتقديم خدمات التعليم والتأمينات الاجتماعية والتغطية الصحية الشاملة للمواطنين: في هذا الإطار، أميركا اللاتينية هي «الإقليم الوحيد الذي نجح في تقليص الفوارق الاجتماعية خلال العقد الأخير»، عبر زيادة الواردات الضريبية وزيادة الإنفاق الاجتماعي. بين عامي 2002 و2011 «انتقل حوالى 50 مليون شخص إلى صفوف الطبقة الوسطى، ما يعني أنه للمرة الأولى في الإقليم ينتمي ناس إلى الطبقة الوسطى أكثر من أولئك الذين يعيشون في الفقر». «بحسب بعض التقديرات، ارتفع الإنفاق الاجتماعي كنسبة من الناتج المحلي في أميركا اللاتينية 66% خلال السنوات العشرين الماضية». ــ تظهر دراسات «أوكسفام» أن الدول التي قلّصت اللامساواة بنجاح اعتمدت رزمة من السياسات المشتركة: إنهاء السرية المالية، والتضييق على التهرب الضريبي، وإعادة توزيع المداخيل، وتقوية برامج الحماية الاجتماعية، والاستثمار في خدمات الصحة والتعليم الشاملة، وتطبيق الضريبة التصاعدية، ورفع الحد الأدنى للأجور، وصيانة حقوق العمال، وإزالة موانع المساواة أمام المرأة.
أعلن وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو امس ان المتهم بقتل المعارض التونسي شكري بلعيد قتل خلال عملية لمكافحة الارهاب، وذلك بعد نحو سنة من جريمة الاغتيال.
وقال في مؤتمر صحافي ان الحرس الوطني (الدرك) "نجح في قتل سبعة ارهابيين مدججين بالسلاح. كشفت التحاليل هوية بعضهم... وبينهم كامل القضقاضي" المتهم بقتل بلعيد. وعزت السلطات اغتيال المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي الى مجموعة "انصار الشريعة" المتهمة بالانتماء الى "القاعدة".وقتل 20 جنديا وعنصرا من قوى الامن عام 2013 في مواجهات او في انفجار قنابل زرعها من يشتبه في أنهم جهاديون. وفي تشرين الاول استهدف اعتداءان انتحاريان فاشلان مواقع سياحية.
صالح عبد الجواد - الاخبار
في تاريخ الثورة الفلسطينية ورجالاتها الذي لم يكتب بعد، يأتي كتاب بسام أبو شريف عن الراحل وديع حداد (وديع حداد ثائر أم إرهابي؟ بيروت، دار رياض الريس، 2014) كسحابة ماطرة على أرض قاحلة. فهذا الرجل الذي شكّل ظاهرة نادرة، لم يوفَ، وعلى الأغلب لن يوفى حقه كاملاً، فبعض أسراره، والتي هي من أسرار هذه الثورة، مضت على الأغلب معه ومع كثير من رفاقه الذين رحلوا، من قبله أو من بعده. في حياته، وهو الكتوم بامتياز عكس كثير من قادة الثورة «المسحوبين من لسانهم»، كان حداد لغزاً، وبعد مماته ظل أسئلة بلا جواب.
حداد رجل استثنائي بكل المعايير والمقاييس فلسطينياً وعربياً، بل ودولياً. هو أحد ثلاثة أسسوا حركة القوميين العرب في بيروت وعمان ودمشق (مع جورج حبش وهاني الهندي)، والتي كانت بفضل تحالفها مع عبد الناصر حتى عام 1967 إحدى أهم حركات التحرر الوطني العربية في الخمسينيات والستينيات. وحتى بعد حلها، فقد فرخت امتدادات تنظيمية وأيديولوجية عربية مهمة و(خصوصاً في فلسطين، اليمن الجنوبي والكويت). بعض هذه التنظيمات كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لا تزال تكافح حتى اليوم على أرض فلسطين المحتلة، وإن خفت بريقها القديم إلى حد كبير. لكن أهمية هذا الرجل الذي ضرب، في حياته الخاصة والعامة، كرفيق دربه وصديق عمره جورج حبش، المثال الأنصع على عمق الالتزام والتفاني في سبيل شعبه، حتى اغتياله مسموماً في بغداد عام 1978، تكمن في قيادته فرع أو جهاز «العمليات الخارجية» في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذي بناه وأداره وديع حداد من الألف إلى الياء منذ عام 1968. صمم حداد الجهاز ليكون «اليد الضاربة الثورية» للجبهة ضد مصالح وأهداف إسرائيلية أو غربية حليفة لها، في كل أنحاء العالم وليس فقط على أرض فلسطين المحتلة التي شُردت عائلته منها عام 1948 كغالبية الشعب الفلسطيني (عائلة وديع حداد شردت من صفد بعد سقوطها في مطلع أيار/ مايو 1948 وعائلة جورج حبش شردت من اللد بعد سقوطها في منتصف تموز/ يوليو 1948). تجربة التهجير القسري البشعة للشعب الفلسطيني، كتطهير عرقي وتدمير اجتماعي وحضاري، غير المسبوقة في حجمها في القرن العشرين، تركت بصماتها وشكّلت وعيَ من سيصبحون القادة الجدد للحركة الوطنية الفلسطينية منذ منتصف الخمسينيات وحتى اليوم، أكانوا من حركة فتح أم حركة حماس أم الجبهة الشعبية (أبو جهاد من الرملة، وصلاح خلف من يافا، وأحمد ياسين من جورة عسقلان، وأبو يوسف النجار وعبد العزيز الرنتيسي من يبنا، وكمال عدوان من برير، خالد وهاني الحسن من حيفا، وممدوح صيدم من عاقر، وعبد الفتاح حمود من التينة... إلخ). تركزت أعمال فرع العمليات الخارجية على خطف الطائرات ومهاجمة مطارات إسرائيلية وتفجير أنابيب نفط لشركات غربية ومهاجمة شخصيات صهيونية داعمة للكيان الصهيوني مالياً. لكن شهرة هذا الجهاز بنيت بالأساس على ظاهرة خطف الطائرات التي كان يراد لها أن تحقق ثلاثة أهداف: أرادت الجبهة من هذه العمليات، ذات الطنة والرنة إعلامياً، أن تعيد ظهور الشعب الفلسطيني المغيّب إلى واجهة المسرح الدولي. كما أرادتها أداة مقايضة لتحرير مناضلين فلسطينيين تلقّوا أحكاماً قاسية جداً من سجون الاحتلال. لاحقاً تضمنت قائمة المطالب مناضلين فلسطينيين وأجانب من سجون غربية. في مرحلة لاحقة ومتأخرة (1972) أرادها وديع حداد أداة تمويل مالي للجبهة، التي لم تجد من يموّلها، وكانت تعاني من أزمة مالية خانقة عكس حركة فتح التي أغدقت عليها الأموال، وخصوصاً من دول وهيئات خليجية. العمليات الخارجية انطلقت من تحليل بسيط تبنّته وأعلنته الجبهة الشعبية، مفاده أن العدو الإسرائيلي ذو طبيعة خاصة، يستمد شرايين حياته من دعم قوى غربية استعمارية ساهمت في تحقيق مشروعه ماضياً وحاضراً بوصفه رأس حربتها بالوكالة، وعليه، فإن ضرب هذه الشرايين والمصالح هو هدف شرعي تجاه عدو بدأت أياديه الطويلة تتجاوز حدود فلسطين، لتفرض هيمنتها وأجندتها الاستعمارية على المنطقة العربية بأسرها وضد حركة التحرر العربي بأسرها. سرعان ما أصبحت الظاهرة في عهد عولمة السفر والانتقال مثار قلق إسرائيلي وغربي بل وحتى كوني. لا أحد يجادل في صواب هذا التحليل النظري لجذور إسرائيل الاستعمارية وامتداداتها، لكن ترجمة ذلك، من خلال عمليات خطف الطائرات الاستعراضية هنا وهناك، كان ساذجاً من ناحية فهمه لمفهوم المصالح الغربية، وغير ملمّ بقواعد اللعبة الدولية من ناحية أخرى، عدا عن آثاره السلبية البعيدة المدى على القضية الفلسطينية بشكل عام، وعلى تطور الجبهة الشعبية نفسها بشكل خاص. يقدم لنا بسام أبو شريف، بفضل علاقته بالجهاز رواية مشوّقة من الداخل لفرع «العمليات الخارجية» وبعض عملياته وخصوصاً عملية الخطف الجماعي لأربع طائرات غربية وواحدة إسرائيلية في مطلع أيلول/ سبتمبر 1970 (الفشل كان نصيب محاولة خطف الطائرة الإسرائيلية من مطار هيثرو/ لندن بقيادة ليلى خالد والنيكاراغوي الساندينستي اليساري باترك أرغويلو). وهي العملية التي وفرت غطاءً وضوءاً أخضر دولياً لضرب المقاومة الفلسطينية في أيلول 1970 بعدما كان النظام الأردني قد وفر عبر سنوات من الإعداد الغطاء الشرق أردني والعربي. ثقافة بسام أبو شريف الأنغلو _ ساكسونية ولغته الإنكليزية المتمكنة، سمحتا له بإقامة علاقات واسعة مع صحافيين غربيين (من خلال عمله في مجلة «الهدف» الناطقة باسم الجبهة الشعبية والتي كان رئيس تحريرها الشهيد غسان كنفاني). لهذا السبب ولكونه أحد كوادر الجبهة المتميزين، اختاره وديع حداد متحدثاً وناطقاً باسم بعض هذه العمليات. ولهذا السبب، تشكل المعلومات التي يقدمها رواية غنية بالتفاصيل من الداخل لأحداث تمت تغطيتها في حينه من قبل وسائل الإعلام، لكنها كانت عاجزة بالطبيعة عن معرفة كثير من الأسرار الداخلية المهمة، وخصوصاً كيف تم تخطيط هذه العمليات وتنفيذها. لكن من الواضح، من خلال رواية بسام، أن ارتباطه المتأخر نسبياً بالجهاز (في صيف 1970) لم يسمح له بالاطلاع على كثير من التفاصيل الخاصة بالمراحل الأولى، وخصوصاً عملية المخاض التي أدت إلى ولادة «الجهاز»، ولا عمليات «الجهاز» الأولى (خطف طائرة إل عال إسرائيلية إلى الجزائر في أواخر تموز/ يوليو 1968 ومهاجمة طائرة إل عال أخرى في مطار زيوريخ في شباط/ فبراير 1969... إلخ). وهل كان لتأسيس «الجهاز» علاقة بالصراع الداخلي في صفوف الجبهة، بين ما سمي تبسيطاً في حينه بيمين ويسار والذي يعكس في الحقيقة الصراع بين جناح بقيادة وديع حداد أصرّ على استمرار تبني الجبهة للخط القومي «الرومانسي» لحركة القوميين العرب (الحركة الأم)، في مقابل خط آخر داخل الجبهة بقيادة نايف حواتمة دعا إلى التخلي عن هذا الخط وتبني الماركسية اللينينية، وهو ما أدى لاحقاً إلى انشقاق الجناح اليساري في 21 شباط/ فبراير 1969 وتأسيسه للجبهة الديموقراطية (الجبهة الشعبية الديموقراطية لتحرير فلسطين). هذا الارتباط المتأخر بالجهاز، انعكس في فجوات كثيرة من رواية بسام عن التجربة. كان من الممكن أن يتجاوز بسام أبو شريف هذه الفجوات وغيرها لو أنه جمع شهادات من أشخاص آخرين، وخصوصاً ممن عاصروا التجربة من قبله، لكن الكتاب ليس ببحث أكاديمي، يسعى إلى توثيق تجربة من كل أبعادها، بقدر ما كان محاولة رد اعتبار لمناضل جاد بحياته _ رغم ما يمكن أن يؤخذ عليه _ بصمت وعز وجلال. وهو أيضاً محاولة رد اعتبار لبسام الذي هجر الجبهة (لحظة ضعفها وضعفه) ليلتحق كجندي مجند في خط أبو عمار التسووي متنكّراً لإرثه. لعل هذين السببين معاً، كانا وراء غياب أي منحى نقدي في كتابه تجاه وديع حداد أو لتجربة العمليات الخارجية، فحين تكون من أنصار «اذكروا محاسن موتاكم» وعندما يصبح «بيتك من زجاج» فإيثار السلامة شأن أولي الألباب.
نقد العمليات الخارجية
صحيح أن العمليات الخارجية أبرزت، كما أراد لها مخططوها ومنفذوها، اسم فلسطين وقضيتها المغيبة، لكنها صنفت هذا الاسم والجبهة الشعبية في خانة «الإرهاب»، على الأقل في أذهان الرأي العام الغربي. كما أن منظمة التحرير دفعت في ما بعد ثمناً سياسياً كبيراً، من أجل أن تتخلص من صفة «الإرهاب» التي علقت بها بفضل هذه العمليات وغيرها (عمليات منظمة أيلول الأسود، عمليات جماعة أبو نضال وأبو محمود ... إلخ). وصحيح أن هذه العمليات، التي لفتت أنظار العالم، نجحت كما يركز كتاب أبو شريف في جذب نضال جماعات أممية عدة (مثل جماعة بادر _ ماينهوف في ألمانيا الغربية، الألوية الحمراء في إيطاليا، الجيش الأحمر في اليابان ... إلخ) لكن هذه الجماعات من اليسار المتطرف، بغض النظر عن تعاطفها العميق مع الشعب الفلسطيني، كانت هامشية في بلادها، وما كانت لتقدم أو لتؤخر القضية الفلسطينية. وفي التحليل النهائي، فقد ساهمت هذه الجماعات في تقديم خدمة غير مقصودة للأنظمة الرأسمالية الحاكمة في بلادها، حيث استغلت هذه الأنظمة نشاطات هذه الجماعات لإمرار قوانين أحكمت من سلطتها. من جانب آخر، أفرزت هذه العمليات، التي كانت أيضاً تعبيراً عن المأزق العسكري الذي وصلت إليه المقاومة الفلسطينية المسلحة في وجه إسرائيل، منحى استعراضياً لدى المقاتلين، أضرّ بروح الجبهة القتالي، حيث أصبح حلم وهدف كل مقاتل ومقاتلة في القواعد أن يصبح نجماً كليلى خالد. في حين أنّ مثال وتجربة المقاومة الباسلة في أزقة مخيمات اللاجئين وبيارات البرتقال في قطاع غزة 1967 - 1973 كان هو المثال الذي كان يجب أن يطور ويحتذى. والأهم من هذا وذاك، أن ضرب مصالح إسرائيل ومن يدعمها ويؤازرها لا يتأتى من خلال أعمال استعراضية، وإنما من خلال عمل جماهيري على الأرض ببطء صبور ودؤوب يسعى إلى تغيير منظومة القيم ويعمل على بناء مجتمع مقاومة وثقافة مقاومة لا يفلّه الحديد. أخيراً، نشير إلى أنه من الناحية التكتيكية وقعت العمليات الخارجية في مأزق عملياتي لم تستطع أن تحله. هذا المأزق تمثل في أن العناصر التي جندت للعمل في فرع الجهاز الخارجي كانت نسبياً من أشخاص تمتعوا بروح إنسانية عالية. وبالتالي كانت عاجزة عن تنفيذ تهديداتها بقتل الرهائن في حالة عدم تلبية مطالبها. ويبدو من خلال مقابلات أجريت مع بعض هذه العناصر (ليلى خالد، أمينة دحبور وغيرهما) أن التعليمات التي أعطيت لهم كانت تمنعهم من قتل الرهائن. استغلت إسرائيل هذه النقطة لاجتياح الخاطفين، الذين لم يستطيعوا أن يطبقوا تهديدهم، ما جعل إسرائيل تبدو في وضع المنتصر الأسطوري. لم يستخلص وديع حداد العبر والدروس من هذا المأزق القاتل، ومن حقيقة أن نمط وعقلية هذه العمليات أصبحا معروفين للإسرائيليين الذين طوروا وسائل مضادة كان عاجزاً عن مجاراتها. ظل وديع حداد، الذي أصبح بفضل دوره هذا الهدف الأول على قائمة بنك أهداف الاغتيالات الإسرائيلية منذ نهاية الستينيات، في منصبه الكفاحي هذا حتى عام 1972 عندما حلت الجبهة الشعبية في قرار اتخذه مؤتمرها العام (في مخيم البداوي قرب طرابلس) جهاز فرع «العمليات الخارجية» بعد انتقادات حادة من داخل الجبهة وخارجها وضغوط خارجية جعلته عبئاً على تنظيم كان قد أثخن بالجراح نتيجة معارك «أيلول الأسود» عام 1970 و«معارك الأحراش» في تموز عام 1971. لكن ظل وديع حداد، بفضل نقائه الثوري، حتى في أعين منتقديه من رفاق الأمس بطلاً متميزاً، وهكذا وصفوه عند نعيه، وكلمسة حب ووفاء بـ«عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية». * كاتب عربي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت
الهوامش: i عملية 22/ 2/ 1972، طائرة لوفتهانزا من طوكيو لفرانكفورت، تم تحويل الطائرة إلى عدن ودفعت فدية من5 ملايين دولار ii هل من المصادفة أن أول عملية لفرع الجهاز الخارجي جرت يوم 23/ 7/ 1968 (طائرة إل عال رحلة 426 من روما لتل أبيب، حوّلت للجزائر وجرى تبادل أسرى محدود) كانت قبل فترة قصيرة من انعقاد مؤتمر الجبهة العاصف في آب/ أغسطس 1968. وأن عملية 18/ 2/ 1969 (طائرة إل عال رحلة 432 من أمستردام لتل أبيب هوجمت بالأسلحة الرشاشة أثناء توقفها في مطار كلوتن/ زيوريخ) كانت قبل ثلاثة أيام فقط من انشقاق الجبهة الديمقراطية!