Ihsan Masri

Ihsan Masri

 

فاتن الحاج – الاخبار

 

هل يحرّر رئيس مجلس النواب نبيه بري سلسلة الرتب والرواتب بعد ولادة الحكومة الجديدة؟ هل يقفز المشروع الذي أعدته اللجنة النيابية الفرعية معدّلاً إلى الجلسة العامة للمجلس من دون المرور باللجان المشتركة كسباً للوقت؟ هي أسئلة راودت المعلمين والموظفين في اليومين الأخيرين، فيما بدا أنّ هيئة التنسيق النقابية ستسابق العمر القصير للحكومة، وستستعد كما قالت قياداتها للضغط باتجاه إقرار السلسلة في الأسابيع القليلة المقبلة، وقبل بدء دورة انتخاب رئيس الجمهورية في 25 آذار، أو موعد توقيف التشريع في المجلس النيابي.

 

الضغط لن يكون بالنزول إلى الشارع، فلا نية أصلاً باللجوء إلى مثل هذا الخيار راهناً، وقبل أن تأخذ الحكومة ثقة المجلس النيابي على وجه الخصوص، إلّا أنّ الهيئة تنوي رفع مذكرة مطلبية جديدة إلى رؤساء الكتل النيابية تتضمن ملاحظات القطاعات الوظيفية حول التقرير النهائي للجنة النيابية الفرعية ودراسة للسلسلة بالأرقام بهدف تعديل المشروع، وإنصاف كل المكونات التي يطاولها. وإذا كانت الهيئة ستضع السلسلة على النّار وفي رأس سلم الأولويات، فإنّ الهم الأمني ومطلب السلم الأهلي والوحدة الوطنية لن يتراجع، بحسب القيادات، بل سيسير جنباً إلى جنب مع العنوان الاجتماعي والاقتصادي، بما أن دوامة السيارات المفخخة لم ولن تنته بتأليف الحكومة. ستجتمع هيئة التنسيق في مقر رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي، عند الرابعة من بعد ظهر غد الثلاثاء، مع بعض هيئات المجتمع المدني للتشاور في ما ستقرره في العنوان الوطني.

أما بالنسبة إلى السلسلة، فيتحدث رئيس نقابة المعلمين نعمه محفوض عن وجهتي نظر، الأولى تقول بإحالة المشروع على اللجان النيابية المشتركة ودراسته بأسرع وقت ممكن بعد الأخذ بملاحظات النقابة والروابط تمهيداً لرفعه إلى الهيئة العامة للمجلس النيابي، وتؤكد وجهة النظر الثانية أهمية كسب الوقت بإحالة المشروع على الجلسة العامة مباشرة لكون عمر الحكومة لا يساعدنا. «القصة عند الرئيس بري وما فينا نعمل ولا خطوة، إذا ما شفناه».

لكن ما يخشاه رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة محمود حيدر هو أن «لا نستطيع فعل شيء قبل إنجاز البيان الوزاري»، وإن كان يعتقد أن لا مبرر لمقاطعة جلسات المجلس النيابي ما دامت الحكومة العتيدة جامعة لكل المكونات السياسية في البلد. مطلوب، كما يقول، تفعيل الاتصالات واللقاءات مع القوى السياسية ورئيس مجلس النواب تحديداً من أجل الإسراع في تعديل المشروع بما يؤمن العدالة لكل القطاعات، وإحالته مباشرة على المجلس النيابي بعدما أشبع درساً وتمحيصاً.

رئيس رابطة أساتذة التعليم المهني والتقني إيلي خليفة يفضل إمرار السلسلة على اللجان المشتركة لتعديل المشروع على نحو «يلبي طموحاتنا كقطاع أساتذة» قبل أن تقر في الهيئة العامة.

هكذا كسر تأليف الحكومة الحلقة المفرغة على حد تعبير مسؤول الدراسات في رابطة أساتذة التعليم الأساسي الرسمي عدنان برجي. السلسلة يجب أن تكون في مقدمة اهتمامات المؤسسات الدستورية من حكومة ومجلس نيابي و«خصوصاً أنّهم يقولون لنا إنها حكومة للبنانيين، فهل هناك أولى من إزالة العبء الاجتماعي والاقتصادي عن الناس؟ وماذا لو عرفنا أن سلسلة الرواتب يستفيد منها أكثر من ثلث الشعب اللبناني، وتضخ أكثر من ألفي مليار في السوق؟». ستطلب الهيئة، بحسب برجي، زيادة عادلة لكل القطاعات، وخصوصاً أن كلفة الحفاظ على الحقوق المكتسبة للمعلمين (60% لقاء الزيادة في ساعات العمل) لا تتجاوز 80 مليار ليرة. وبينما يشير برجي إلى أننا «سنبقي على إعلاء صوت المجتمع المدني ضد الشحن السياسي»، يلفت إلى أننا «سنطلب موعداً قريباً من الرئيس بري لتحريك عمل اللجان النيابية».

تأليف الحكومة يجب أن يعيد الملفات الاجتماعية إلى الواجهة، وعلى رأسها سلسلة الرتب والرواتب، يقول رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب. ويطالب بدعوة اللجان النيابية المشتركة إلى الانعقاد في وقت قريب لإنجاز الملف بما يتوافق مع «المذكرة المطلبية والدراسة القانونية الجديدة التي أعددناها في ضوء تقرير اللجنة النيابية الفرعية، التي سنوزعها على كل الكتل السياسية في الأيام المقبلة»، وفيما ينفي غريب إمكان اللجوء إلى الإضراب قبل نيل الثقة، يؤكد أن «السلسلة لن تكون الملف الوحيد الذي سنتابعه مع الحكومة الجديدة، فهناك ملف السلم الأهلي والمباراة المفتوحة لتثبيت أساتذة جدد في التعليم الثانوي الرسمي ورفع أجر الساعة للمتعاقدين».

يشدد غريب على أن «مشروع السلسلة منته، ولا عودة إلى الوراء، وبقيت أمامه محطتان، هما اللجان المشاركة والهيئة العامة، وآن الأوان لإنهاء طريق الجلجلة».

 

 

حسان الزين- السفير

 

كرّست الطبقة السياسية، في اليومين الماضيين، عبارة جديدة في قاموسها: فوتوشوب.

فإذا كان استعمال الفوتوشوب في تأليف الصورة التذكارية للحكومة يدلل على انفتاح الطبقة السياسية على العصر التكنولوجي، فإنه يدلل أيضاً على شفافيتها.

فهي لم تفعل ذلك خلسة من المواطنين، بل كانت صريحة وأملت من المواطنين قبول الأمر وعدم اعتباره لعباً في صورة تاريخية.

وأكثر من ذلك، لقد قَبِلَ مَن لم يكن في الصورة الأولى أن تُلتقط له صورة ملحق، وقَبِلَ من كانوا في الصورة الأولى أن يتم التصرّف بصورتهم، فوتوشوبيّاً. وهم في ذلك أثبتوا أنهم عمليّون ومرنون، بل مضحّون.

كيف لا، وهذه التضحية الصغيرة من أجل التضحية الأكبر: المصلحة الوطنية؟

فمن أجل المصلحة الوطنية وتأليف الحكومة تنازل أفرقاء الطبقة السياسية كافة ودوّروا الزوايا. ومن أجل الصورة التذكارية ضحّوا وقبلوا باستخدام الفوتوشوب. أي أن التضحية سمة المرحلة وعنوانها، بالنسبة إلى الطبقة السياسية، التي لا تدع عقبةً تقف في طريق المصلحة الوطنية. فهل تترك تأخّرَ وزيرٍ أو مغادرةَ رئيسٍ يحول دون الصورة التذكارية؟ وما هي الصورة التذكارية أمام المصلحة الوطنية؟ تفصيل. وكذلك هي تفاصيل المواقف السياسية التصعيدية الحادة التي شُحنت بها "الجماهير"، قبل الصورة الفوتوشوبيّة. "الجماهير" تفاصيل.

هذه هي السياسة. هذه هي المسؤولية. وهذه هي العبقرية اللبنانية التي لا يحدّها سورٌ أو حاجزٌ. ولها وحدها الحق الحصري والأدبي في استخدام الفوتوشوب في السياسة.

عناية جابر - السفير

 

 

 

لكتاب كريم مروة (إعداده وتقديمه) الصادر حديثاً عن "دار الفارابي" تحت عنوان "نزار مروة، في عوالمه الثقافية وفي دروب حياته" قصة تعود إلى العام الأخير من القرن، يشرحها مروة في تقديمه: "كان قد مضى على غياب نزار مروة ثمانية أعوام. أصابني حنين جارف إليه كما أصاب هذا الحنين أصدقاء آخرين، كان في مقدمتهم محمد دكروب الذي يعتبر نفسه مثلي صديق عمر لنزار ابتداء من مطلع خمسينيات القرن الماضي (...). تداولت مع محمد دكروب في إمكانية العودة إلى تراث نزار واختيار نماذج من كتاباته في الموسيقى والنقد الأدبي والفني. وقررنا البدء بالعمل. أقمنا ورشة للبحث عن كتابات نزار في المجلات والصحف وفي أرشيفه الخاص (...). وتطوع دكروب للاهتمام بالكتاب الأول المكرّس لكتابات نزار في الموسيقى، على أن يتم الإعداد للكتاب الثاني بعد فترة لا تتجاوز العام. وقد صدر الكتاب الأول بعنوان "في الموسيقى اللبنانية العربية والمسرح الغنائي الرحباني" مع مقدمة لدكروب". باختصار، أخذ كريم مروة على عاتقه الاهتمام بالكتاب الثاني، قارئاً ما كان ودكروب قد جمعاه من كتابات لنزار، مقالاً إثر مقال في الفكر وفي الموسيقى وفي الأدب وفي الفن وخلص إلى اختيار هذه المجموعة التي يضمها هذا الكتاب، مختاراً الابتعاد عن تقديم قراءته الخاصة لتلك المقالات من دون أن يتجنب الاعتراف بأن اختياره للمقالات هو بذاته تعبير عن وجهة نظره في تراث نزار. بمعنى أنه أخذ من تلك المقالات ما رأى فيه تعبيراً عن شخصية نزار وعن فكره وعن الاتجاه الذي اختاره لنفسه في الفكر وفي الأدب وفي الفن.

 

في الكتاب نقع على اكتشافات كريم مروة من خلال مقالات نزار، ما لم يكن يعرفه عن الراحل من فكر نيّر وسعة ثقافة ودقة في تقديم آرائه، دقة حرص فيها على ان يكون مسؤولاً في إعطاء آرائه بالأعمال الثقافية وبأصحابها، وهي بالتحديد مسؤولية المثقف النقدي بامتياز. ويشكل المقال الأول من الكتاب حول المثقف النقدي أصدق تعبير عما يشير إليه كريم مروة من إحساس عميق عند نزار بالمسؤولية.

 

ثمة خلل لا بد، يتمثل في عدم الإشارة إلى تواريخ المقالات وإلى المكان الذي نشرت أو قرئت فيه، يعزوه مروّة إلى نقص يعود إلى ان الذين كان قد كلفهم سابقاً بمهمة جمع المقالات وتصويرها، فاتهم تسجيل تلك التواريخ، ما أوجد صعوبة في تصحيح هذا الخلل لأن التصحيح كان سيقود إلى تأخر إصدار الكتاب، إذ اعتبر مروّة أن المهم في هذه النصوص التي كتبت في زمانها العائد إلى حياة نزار هو ما جاء فيها من مواقف وآراء وأفكار تعود إلى نزار بالذات الذي انقضى على غيابه واحد وعشرون عاماً.

 

سيرة حياة نزار، وسيرة نشاطه الثقافي، تطوّع مروّة لتقديمهما استناداً إلى معرفته التفصيلية بحياته منذ بواكير عمره تحت ما أسماه "مدخل إلى عالم نزار مروّة في ما يشبه السيرة"، وهو مدخل يقدم للقارئ الكثير مما يمكن أن يكون واسطة معرفة بهذا المثقف المميّز في تاريخنا اللبناني، والعربي الحديث.

 

أقسام ستة أضاءت على فكر الراحل، إلى ملحق "نزار مروة في عيون أصدقائه"، كتب فيه كل من وليد غلمية ومارسيل خليفة وعباس بيضون وإبراهيم العريس وكاتبة هذه السطور، في مقال أعاد لي نكهة علاقتي بفكر الراحل، فلطالما انتقد الرجل بصدق، وكتب بإخلاص، بنى ذائقة وعلّم، ولو اختلف المرء معه في حدود التعليم وعليها، كمثل طرحه فكرة لا بد من نقاشها ثانية، هي فكرة ان التطريب يعيق الموسيقى العربية في تطورها. غير أن ذلك لم يطغ ولو لمرة واحدة على شرحه لجماليات القطع الموسيقية موضوع نقده.

قد لا يكون مارسيل خليفة في حاجة إلى تكريم إضافي، لا لأنه لا يستحق ذلك، بل لأن الشخص والموسيقي – الذي أعطى هذه الواحة الفنيّة الكبيرة التي غطت مسافات شاسعة من حياتنا وثقافتنا (في لبنان والعالم العربي) – كان كرّم الجميع منذ عقود، عبر أخذه في رحلة مدهشة من الألحان والكلمات والأخيلة والأحلام والآمال... لذا تبدو كلّ محاولة تكريمية، وكأنها تبقى قاصرة فعلا، بمعنى كيف تكرم وجدان شعوب بأسرها وبلداناً بأسرها، حملها معه في موسيقاه، من دون أن تسقط في السهو والنسيان، لتقدم تحية مرجوة؟

في أي حال، حضر مارسيل خليفة بما يمثل، ليلة الخميس الماضي في قصر الأونيسكو، عبر حفل موسيقي تكريمي له أحيته "الأوركسترا الوطنية للموسيقى الشرق - عربية" (التابعة للكونسرفتوار الوطني) بقيادة أندريه الحاج، وبمشاركة كورال جامعة سيّدة اللويزة، وبحضور وزير الثقافة كابي ليون، الذي قدم درعا للمحتفى به قائلا له: "أنت ساحر وثائر. سحرك مصدره حلم، وثورتك مصدرها عنف الحنجرة، وعنف الأنامل التي تضرب على آلة العود. أنت ابن المعهد العالي للموسيقى، وأنت ابن هذه المدرسة ومنها. لك منها، ولك عليها ألف تحيّة وتقدير، أمثالك يكرّمون بموسيقاهم وليس بتكريم الدروع".

من هنا، يبدو الحفل هذا الذي أقيم، بمثابة "صلح ما" (إن جاز القول) وإعادة وصل ما انقطع بين خليفة وبين المعهد العالي للموسيقى، إذ كان الفنان قد صرح قبل أيام في مؤتمر صحافي أنه طُرد من المعهد قبل ثلاثين سنة بسبب مواقفه السياسية، من هنا قد نفهم هذه اللفتة التي تأتي اليوم، وكأنها استدراك لهذا الزمن الذي مضى. لكن مهما يكن من أمر، أتاح هذا الزمن لمارسيل خليفة أن يكون ما هو عليه اليوم، إذ أفرد وقته للعمل الموسيقي، وهو عمل في أي حال، لا يمكن تجاهله ولا التغاضي عنه، أكنا نحبه أم لا.. أكنّا معه أم لا. فالمساحة الموسيقية التي أبدعها مارسيل ستبقى حاضرة في ذاكرتنا، كما ستستمر في ذاكرة الجيل المقبل.

في العودة إلى تفاصيل الحفل، تنوع عزف الأوركسترا اللبنانية، والغناء الذي قدم الجزء الأكبر منه كورال جامعة اللويزة. لنتنقل بين "الحنة" (سميح القاسم)، و"يا نسيم الريح" (الحلّاج)، و"قالوا مشت" (أدونيس)، و"خبئيني أتى القمر" (محمد السويدي)، و"في البال أغنية" و"سلام عليك" (محمود درويش)، إضافة إلى المقطوعات الموسيقيّة التالية: تانغو، صلاة، ولونغا نهوند، والإضافة إلى ذلك مشاركة رامي خليفة (ابن الفنان) عزفا على البيانو، بينما قُدمت وصلتان غنائيتان لكل من أميمة الخليل التي صدحت بـ"وقلت بكتبلك" (محمد العبد الله) والفنان المصري محمد محسن الذي غنى "ركوة عرب" (طلال حيدر). بهذا المعنى قدمت مروحة واسعة من الأغاني التي جال خليفة في شعر أصحابها، بمعنى أن الحفل لم يتوقف فقط عند تعاونه التاريخي مع شعر درويش، بل اختار شعراء ومناخات شعرية أخرى، ليقدم تلك "الوجوه" المتعددة التي عمل عليها الفنان اللبناني.

وإذا كنّا نعرف أميمة – التي رافقت خليفة منذ البدايات – "فالاكتشاف" الجديد ما قدمه المصري محمد محسن الذي بدأ صعوده الفني مع ثورة 25 يناير، وهي موهبة أكيدة في طور التفتح، وقد تكون مناسبة الخميس فرصة لنتعرف إليه شخصيا، بعد أن سبقه اسمه إلينا.

هو حفل نستعيد فيه بعض ما قدمه خليفة، وربما من ميزات هذا الحفل، أن نستمع إلى ما حفظناه غيبا، بأصوات أخرى، تفتح لهذه الموسيقى ولهذه الأغاني العديد من الآفاق الأخرى.

إسكندر حبش - السفير

محمد صالح  - السفير

في 16 شباط 1985 حققت المقاومة الوطنية والإسلامية إنجازاً تاريخياً حين نجحت بطرد قوات الاحتلال الإسرائيلي من مدينة صيدا ومنطقتها. وهذه الأيام تأتي الذكرى التاسعة والعشرون لهذه المناسبة وصيدا بمكوناتها السياسية تحتفل بهذا النصر كيوم مجيد في تاريخ المدينة. ورفع "التنظيم الشعبي الناصري" والقوى والأحزاب الوطنية لافتات النصر الحمراء والرايات التي تحمل الشعارات العائدة لجبهة المقاومة، والتي زرعت في عدد من الشوارع والساحات مؤرخة لبعض العمليات النوعية التي نفذت ضد العدو وأسماء المقاومين الشهداء الذين نفذوها. وأحيت عاصمة الجنوب صيدا، أمس، في ساحة الشهداء الذين سقطوا إبان الاجتياح بدعوة من "الشعبي الناصري" والأحزاب والقوى الوطنية والفصائل الفلسطينية ذكرى انتصارها على الاحتلال الاسرائيلي، وأكدت هويتها الوطنية وخطها العروبي. وأضاء أهالي صيدا شعلة التحرير التي رفعها الأمين العام لـ"التنظيم الشعبي الناصري" أسامة سعد بحضور ممثلين عن الأحزاب والفصائل الفلسطينية وشخصيات اجتماعية. ووجه سعد في كلمة تحية لأبناء صيدا والمقاومة الوطنية والإسلامية في يوم تحرير المدينة، وقال: "البعض في صيدا وغير صيدا لا يهنأ له عيش إلا في أقبية التعصب والفكر الظلامي، أمّا نحن أحرار صيدا ومقاوموها فنؤكد أنّ لصيدا هوية واحدة، هي الهوية الوطنية العربية المقاومة المقاتلة في فلسطين وفي الجنوب". وإذ أكد أنّ "صيدا تستحق أن نحمي خياراتها وخيارات أهلها ومصالحهم"، دعا أبناء صيدا إلى "عدم المغالاة في غضبهم وإحباطهم وقلقهم وفي شعورهم بالغبن والخوف المتبادل بين الجماعات اللبنانية. وعلينا أن نعرف أين نوجه غضبنا، وكيف نحصل على حقوقنا ممن يسرقون لقمة عيش أبناء الشعب". وفي شأن الافكارالتي تطرح لتحصنين صيدا وآخرها طرح "الجماعة الأسلامية"، قال سعد: "نمد أيدينا بكل وضوح لهذا العرض، لكن الخطوة الأولى في هذا الإطار، تكون بإخراج المدينة من العزلة التي فرضتموها أنتم عليها". وأبدى سعد استعداده لـ"أي طرح إيجابي هدفه تحصين صيدا سياسياً وأمنياً". إلى ذلك، أحيت دائرة صيدا في "تيار المستقبل" ذكرى شهداء مجزرة مستشفى صيدا الحكومي بلقاء في مكان المجزرة بمنطقة "البركسات" خلف المستشفى الحكومي، شارك فيه المنسق العام للتيار في الجنوب ناصر حمود وممثلون عن الفصائل الفلسطينية. من جهته اعتبر رئيس بلدية صيدا السابق عبد الرحمن البزري في تصريح أن "البعض على ضفتي الاستقطاب في لبنان قد نسي أو تناسى أن صيدا ومقاومتها كانا من أوائل المنتصرين على الاحتلال وعملائه".

 

 

أنهت وزارة الداخلية والبلديات دراسة ستة عقود زواج مدني، فتمّ تسجيلها في دوائر النفوس. ليكون بذلك قد تمّ البت بعقود الزواج الإثني عشر التي عُقدت على الأراضي اللبنانية، بما فيها زواج خلود سكرية ونضال درويش الذي أقرّ في نيسان 2013.واحتفل بالأمس الناشطون المدنيون بخطوة جهدوا من أجل إرسائها في المجتمع اللبناني، خصوصاً بعد ما أسموه "مماطلة متعمّدة" لعدم انتشار الظاهرة وتحوّلها إلى واقع أو خيار بديل يمكن أن يلجأ إليه أي لبناني شطب الإشارة إلى مذهبه من سجلات قيده. وهي خطوة لا بدّ من أن تشجّع الذين ينوون الزواج مدنيّاً، وتحثّهم على عقده في لبنان.قبل أيام كان أنطوان مخايل يخطط وخطيبته منال للزواج في قبرص، وهو شاطب للإشارة إلى مذهبه. قال: "ما بدّي وجع راس. ينتظرون طويلاً قبل تسجيل زواجهم ويرجئون إنجاب الأطفال لربما قررت الوزارة عدم تسجيله لسبب أو لآخر. هذا حقي بالزواج مدنياً، وإذا كانت الدولة اللبنانية تمننني بهذا الحق، آخذه من دولة أخرى من دون منّة".يقول أنطوان ما يقوله بعد معاناة طويلة مع دائرة النفوس حيث سجلّه، والمدرسة التي أراد التعليم فيها والتي رفضته لأنه شاطب الإشارة إلى المذهب. يشير إلى أن قصّته تشبه قصص كثيرين من شاطبي الإشارة، "فإذا سهّل مأمور النفوس أمره، يواجه صعوبة في التوظيف، وإذا تم توظيفه سيصعب عليه الزواج أو الإرث أو حتى الطلاق حتى ولو كان زواجه دينياً". يدّعم رأيه بكثير من الأمثلة، منها الشاب الذي رفضه سلك عسكري، وعدم تمكن آخر من وراثة أبيه لأنهما شطبا الإشارة إلى مذهبيهما.إحباطالإحباط نفسه طال ليلى، الشابة التي شطبت الإشارة إلى مذهبها بسهولة تامة. وقد وافقت على الزواج من حبيبها كنسياً، كما وافق كاهن رعية الزوج على تزويجها في الكنيسة بالاستناد إلى إخراج قيدها الذي لا يحمل إشارة إلى مذهبها. تمت المراسم بحضور عدد كبير من المدعوين، ثم حمل الزوجان ورقة الزواج لتسجيلها في دائرة النفوس. حملت ليلى معها قرار وزير الداخلية والبلديات السابق زياد بارود، الذي يجيز شطب الإشارة إلى المذهب ويفيد بتسهيل معاملات الشاطبين، لكن مأمور النفوس أبى تسجيلها وردّها للمطابقة مع سجل النفوس في مكان ولادة ليلى. بعد إتمام المطابقة عادت إلى مأمور النفوس ومعها الأوراق الصحيحة والمختومة من المعنيين، لكنه أبى تسجيل زواجها مرة أخرى. تروي أنها سألته عن السبب فردّ "ما بيخصّك"، وأنها صرفت أشهراً للتمكن من تسجيل زواجها من دون جدوى. كان مختار البلدة وكاهن الرعية ينصحانها بالزواج مرة ثانية، ولكن مدنياً، فيكون أسهل عليها تسجيل زواجها. في البداية أرادت مقاومة مأمور النفوس حتى نيل حقّها، لكن "بعدما قلل من احترامي في مكتبه مزّقت الأوراق وكأن زواجها لم يكن". استبدلت ليلى أوراق زواجها الكنسي بتأشيرة وتذكرتي سفر إلى قبرص حيث تزوّجت "وزوجها" مرّة ثانية مدنياً. وكان قد مرّ على زواجهما الأول نحو سنة.بعد ما عانته ليلى جرّاء تسجيل زواجها الكنسي، وهي شاطبة الإشارة إلى المذهب، لم تفكّر في عقد زواجها المدني في لبنان "لأني ما عدت أقوى على مواجهة الطائفيين أو حتى الانتظار لنيل أبسط الحقوق".على أثر تسجيل الزيجات الست عدل أنطوان عن قراره وبدأ التفكير جدياً في الزواج مدنياً في لبنان، "يبدو أننا بتنا على السكة الصحيحة"، قال.يصرّ الناشطون في المجال المدني على أن الممارسات الخاطئة التي تصدر عن بعض موظفي الدولة، من مأموري نفوس وكتاب بالعدل أو غيرهم من المعنيين، يمكن مواجهتها "بسهولة" بالاحتكام إلى القانون.يعتبر الكاتب بالعدل جوزف بشارة أن مسألة الزواج المدني أضحت مكرّسة في لبنان. ويشير إلى أن هناك فئة واسعة من المواطنين شطبت الإشارة إلى المذهب، وأن من بينهم من يستفسر بجدّية عن عقد الزواج المدني في لبنان. وبالنسبة إليه ما عاد هناك من معوقات يمكن أن تقف في وجه أي زوجين، لأن الحلول تأتي من القانون، وإن لم تأتِ من القانون فهناك مجال أمام القاضي للاجتهاد، "وقبل هذا هناك الدستور والمواثيق الدولية التي تتقدم على أي قانون، وهي جميعها تراعي مبدأ مساواة المرأة بالرجل وتضمن حقوق الطفل بشكل أساس".ويلفت بشارة إلى أن عقد الزواج مدنياً في لبنان بين زوجين من طوائف مختلفة يمكن أن يحلّ مشكلة الإرث بينهما لأن شاطب الإشارة إلى المذهب يمكن أن يورّث زوجته وأبناءه على حدّ سواء.تذليل العقباتلا ترى المحامية نايلة جعجع أن النضال في سبيل الزواج المدني كخيار بديل لكل اللبنانيين قد انتهى. وتلفت إلى أن القرار بالزواج مدنياً في لبنان أو شطب الإشارة إلى المذهب ليس بالأمر السهل في بلد توغلت الطائفية إلى كل ما فيه من بشر وحجر، "لكن، في المقابل، بات لدينا قوانين وقرارات يمكن أن تقف في وجه أي موظف أو مسؤول ينوي عرقلة شاطب للإشارة أو أي ثنائي ينوي الزواج مدنياً". وتؤكد أن الحالات التي رصدها الإعلام، والتي عانت بسبب شطبها للإشارة إلى مذهبها سواء لناحية التوظيف أو لناحية التسجيل لدى مأمور النفوس أو غيرها من المسائل لها حلولها. فتشير على السبيل المثال لا الحصر، أنه في حالة ليلى كان يكفي منها أن تطلب من مأمور النفوس الذي رفض تسجيل زواجها تعليلاً خطياً لرفضه، كي يعود عن قراره لأنه غير قانوني ومناقض لقرار وزارة الداخلية.أما في شأن التهويل من عدم الحصول على الوظائف، ولا سيما تلك العائدة إلى القطاع العام فتعتبر جعجع أن المحاصصة في التوظيف يمكن أن تُفقد حتى المحتفظ بالإشارة إلى المذهب وظيفته، إذا لم يحمل الوساطة المطلوبة مع طلب التوظيف، "إذاً هي ليست حالة خاصة لشاطبي الإشارة، علماً أن رئيس مجلس الخدمة المدنية خالد قباني كان واضحاً في شأن عدم تأثير شطب الإشارة إلى المذهب على موضوع التوظيف".لا يعرف الناشطون في المجال أعداد اللبنانيين الذين شطبوا الإشارة إلى طوائفهم، لكن الناشط في "اتحاد الشباب الديموقراطي" عربي العنداري يشير إلى أن آخر لوائح شطب أظهرت وجود نحو 15 ألف مواطن من دون الإشارة إلى المذهب، وعند الاستيضاح عن الرقم تبيّن أن من بينهم من سقطت الإشارة إلى مذهبهم سهواً، بينما يعاني آخرون من مشاكل بسبب انتقالهم من دين إلى آخر أو من مذهب إلى آخر. ويقدّر العنداري عدد شاطبي الإشارة إلى المذهب بنحو ألفين، منذ انطلاق حملة الشطب. وهو على غرار جعجع، يؤكد أنه "إذا كان كلٌ يغني على ليلاه على صعيد الإدارة، فإن القانون بمواده الموجودة يحمي حقوق كل مقبل على الخطوة".يلفت المحامي باسل عبد الله من "تيار المجتمع المدني" إلى أن شطب الإشارة إلى المذهب لا يعني التخلّي عن الدين، "بل يعني أن المواطن يريد من الدولة أن تعامله كمواطن وليس كابن لهذه الطائفة أو تلك". ويعترف أنه لم يُبذل جهد كاف في هذه الحملة التي من شأنها أن تبدّل في المنظومة الطائفية للبلد في حال جمعت عدداً كبيراً من المواطنين. مع ذلك، يرى، أن الأمور بدأت تسلك مسارها الصحيح، وأن العقبات بدأت تذلل في حالات الزواج والتوظيف وحتى الإرث وتحرير التركات والوصية، وفي إمكان شاطبي الإشارة أن يتبعوا قانون الإرث لغير المحمديين، وهو قانون مدني يتبعه المسيحيون.هنا، تلفت جعجع إلى أن شاطب الإشارة إلى المذهب يمكن أن يرث من أب مسلم بإعلان إشهاره لدى المحاكم الشرعية لأن أساس اتباع الإسلام هو إعلان الإشهار وليس الإشارة إلى المذهب على سجل النفوس.يعوّل الناشطون في مجال شطب الإشارة إلى المذهب والزواج المدني على جمع أعداد كبيرة من المواطنين، حتى تتحوّل المدنية إلى قاعدة لا استثناء. وهم بالنتائج التي حصدوها إلى الآن يعتبرون أنهم بدأوا "بنخر" النظام الطائفي وخلخلته.

أهتز التونسيون فرحاً وغبطة بعد الموافقة على دستورهم الثاني منذ استقلال البلاد في سنة 1956 (إلى درجة أن القيادي اليساري منجي الرحوي ارتمى في حضن غريمه النهضوي الحبيب اللوز، برغم أنه لم تمر سوى أيام قليلة على تكفيره إياه)، وتهاطلت عبارات الود والمحبة من كل مصر وبرّ (لم يجف حبر توقيع الرؤساء الثلاثة على الدستور، ليجدوا في رفوف مكاتبهم برقيات التهنئة مرسلة من بريطانيا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، مع هدية مفخخة عبارة عن قرض بنكي مقداره 450 مليون دولار من طرف صندوق النقد الدولي!).

الإعلان الدستوري الذي وُلد بعد عناء أشهر عدة من المناكفات والصراعات السياسية، أتى ليغلق خلفه حقبة عسيرة مرّت بها البلاد بعد ثورتها على نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. ويا للصدفة! ها هم نواب المجلس الوطني التأسيسي يوافقون في الوقت نفسه على تركيبة حكومة جديدة تترأسها شخصية لا يُعلم عنها أي انتماء حزبي سابق. وتأتي تزكية الحكومة الجديدة (التي قيل إن اسم رئيسها اقتُرح من طرف دول أوروبية) على خلفية أزمة سياسية عميقة أصابت البلاد إثر اغتيال الزعيم العروبي محمد البراهمي في 25 جويلية/ تموز الماضي. وبقدر ما يحق للتونسيين الشعور بحالة من الانشراح بعدما قطعوا الشوط الأبرز في المرحلة الانتقالية التي تسبق ارساء المؤسسات السياسية الديمقراطية القادمة، فإنه لا بدّ من إبراز بعض العناصر الايجابية التي وصلت بتونس إلى برّ الأمان، ولو على نحو وقتي. أول تلك العناصر، الدور المحوري الذي أدّته القوى العلمانية ومكونات المجتمع المدني في التصدي لمشروع حركة النهضة لأخونة المجتمع. فبعدما أغرتها نتائج انتخابات المجلس التأسيسي في 23 أكتوبر 2011 التي دفعتها إلى اعتلاء مرتبة الحزب الأكثر شعبية بالبلاد، تسرّعت حركة النهضة في أول مشوارها في الحكم من أجل استغلال الفراغ الرهيب التي خلّفه حلّ الحزب الحاكم السابق فور الثورة. فتوجه النهضويون لاحتكار الحكم وحدهم، تاركين نصيباً قليلاً من المناصب لحزبين صغيرين (حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، وحزب التكتل الديمقراطي) لم يتجاوز دورهما سوى تلميع صورة حركة النهضة دولياً. وضخت الادارة التونسية بأنصارها وأتباعها، واشترت ذمم بعض رجال الأعمال الفاسدين، وحاربت الاعلام بمختلف أصنافه، وفتحت الباب واسعاً أمام التيارات الارهابية والتكفيرية لترتع في البلاد دون رقابة. وهي سياسة أفزعت جميع القوى الحية في المجتمع، بما فيها تلك التي كانت حليفة لحركة النهضة ذات يوم (جبهة 18 أكتوبر للحريات في عهد بن علي، الذي جمع حركة النهضة وقوى علمانية ليبرالية ويسارية). المحطة الفارقة التي عجّلت في انجاز التغييرات السياسية الجوهرية التي تعيشها تونس، كان اغتيال البراهمي من طرف تنظيم أنصار الشريعة (صدفة أخرى، أن رموزاً معروفين من حركة النهضة شاركوا في أنشطة هذا الفصيل المصنف أخيراً، - أميركياً وتونسياً - تنظيماً ارهابياً). فمن حينها التقت جميع الفصائل التي لم يتخيل يوماً أنها تلتقي يوماً حول أجندة سياسية واضحة المعالم. فالاتحاد العام التونسي للشغل (المنظمة النقابية الأكبر في البلاد) واتحاد الصناعة والتجارة (المنظمة الأكثر تمثيلاً لرجال الأعمال والتجار) وعمادة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان (أعرق منظمة حقوقية في كامل القارة الأفريقية) اجتمعوا كلهم لإطاحة حكومة علي العريض النهضوية. اليوم بعدما تنفس الجميع الصعداء إثر التخلص من عبء فشل حكم وزراء غير مؤهلين لإدارة شؤون جمعية صغيرة الحجم، فما بالك بدولة برمتها، تجد تونس نفسها في خط الانطلاقة لمشوار جديد في حياتها الانتقالية. عندما نتمعن جيداً في كوكبة المتسابقين على ذلك الخط، ماذا نجد؟ هناك حركة النهضة المنهكة بصعوبة ادارة أمور العباد، وهي التي وجدت نفسها على فم المدفع تجاه حراك شعبي وجماهيري ضخم، تعددت مشاغله واهتماماته، بين مطالب بمحاكمة حركة النهضة على خلفية اغتيال القياديين المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وأخرى ذات مسحة اجتماعية أو اقتصادية، وتلك المتعلقة بقضايا حماية الحريات العامة والفردية والتوقف عن الاعتقالات السياسية، كلها ملفات أرهقت حكام تونس الجدد، وقلصت بدرجة ملحوظة حجم المساندة الشعبية لسياستهم. على يمينها، يقبع حزب التحرير، الذي لا يفوّت الفرصة تمرّ دون أن يعبّر عن معاداته المرضية للعلمانيين، وها هو يضيف إلى قائمة معاركه الواهية، معركة جديدة شعارها ضرورة الغاء دستور «الكفار»! بينما تزدحم العديد من الفصائل اليسارية والليبرالية على شمالها، وكل واحد منها يغرّد على ليلاه. حركة نداء تونس التي تمنحها استطلاعات الرأي المتتالية موقعاً متقدماً في نيات التصويت يجرّ وراءه صراعا عميقا في داخله قد يحد من سرعة امتداده. فذلك الحزب الذي جمع في هياكله يساريين سابقين ونقابيين بيروقراطيين وأتباع الحزب الحاكم المنحل سابقاً، تحت لافتة الحفاظ على المشروع الحداثي للمجتمع التونسي، المهدد من طرف الإسلاميين، لم يقلع نهائياً عن بعض الممارسات والسلوكيات الحزبية، التي عُرفت عن التجمع الدستوري الديمقراطي. وهو مهدد في أية لحظة بالانفجار، ما لم يعمل على تجاوز تأليه قائده الباجي القائد السبسي، وعلى حياكة برنامج يتخطى مسألة الصراع حول هوية سكان البلاد. في مزيد من الشمال، تحضر مكونات الجبهة الشعبية التي تضم في صلبها أحزاباً يسارية وقومية متفاوتة الأحجام، يزداد نفوذها تدريجياً في الخريطة السياسية، برغم صعوبة تقبل جزء من نظرياتها لدى مجتمع محلي لا يزال ينأى بنفسه عن الأفكار اليسارية غير المتأصلة في وعيه. وفي انتظار أن تُطلق الهيئة العليا المستقلة للانتخابات شارة بداية السباق الانتخابي، تتعدد الأولويات التي يجب علاجها في ما تبقى من الفترة الانتقالية القادمة. أول تلك الملفات هو معالجة ارث الماضي، الذي لا يزال عالقاً إلى حد اليوم. فطبيعة الثورات التي تقوم على أنقاض أنظمة فاسدة، تضع على رأس أولوياتها محاسبة أولئك الحكام الذين استفادوا من مراكزهم للإثراء الشخصي. وبرغم مرور أكثر من ثلاث سنوات، لم ينل التعاطي مع هذه المسألة العناية المطلوبة. ربما الخلل يكمن في الجهاز القضائي المختل، الذي لطالما كان حزام حماية للفاسدين، أو ربما لافتقاد تونس منظومة قانونية ملائمة لمثل هذه النوعية من القضايا، لكن عملية الموافقة التي جرت أخيراً على قانون العدالة الانتقالية قد تسرّع في التعاطي السليم مع هذا الموضوع، وتطوي هذا الملف على نحو نهائي ودون رجعة. التحدي الثاني العاجل المطروح هو معالجة استفحال ظاهرة العنف الذي استفحل بين مختلف النشطاء السياسيين. منخرطون في ما سُمي زيفاً وبهتاناً «لجان حماية الثورة» (مجموعات اجرامية تتهجم على معارضين لحكم النهضة) اعتدوا في عدة مرات على اجتماعات حزبية ونقابية، دون محاسبة أو صد. وحضور هؤلاء دون رادع من شأنه أن يوفر كل عوامل التوتر التي تعفّن المشهد السياسي. التحدي الثالث، هو تحييد الادارة التونسية عبر مراجعة جميع التعيينات التي أجرتها حركة النهضة، منصّبة موالين لها في الأجزاء المفصلية منها. ومنع الدعاية الحزبية في داخل المساجد والمؤسسات الدينية التي يُفترض أن تكون بمنأى عن الصراعات الحزبية. التحدي الرابع، هو حماية المؤسسات المهتمة بتنظيم الانتخابات من اندساس أتباع وأنصار الأحزاب السياسية. هي مهمة صعبة لا محال، لكنها شرط أساس لانجاز انتخابات تتطابق مع المعايير الدولية في النزاهة والشفافية. لا أحد يشك في أن تونس لها الكثير من القدرة على أن تصبح النموذج الديمقراطي الذي يتوق إلى بلوغه جيرانها. وهذا المثال لن يتحقق ما لم تتشبع مختلف القوى الحزبية والاجتماعية، على نحو نهائي، بالقيم الديمقراطية وبالحرية.

* صحافي تونسي

بيروت - مهى سلطان –الحياة

الخميس ١٣ فبراير ٢٠١٤

من أعماق الجراح في سورية، من خرابها ومجازرها وأهوالها، من دموع الأطفال والقتلى والمعذبين، تأتي إلينا أعمال الفنان السوري يوسف عبدلكي في المعرض الذي نظمته نايلة كتانة كونغ في غاليري تانيت (مار مخايل - شارع أرمينيا - بناية ليست فلج - يستمر حتى 8 آذار/ مارس)، متضمناً ثلاثين رسماً بأحجام متوسطة وكبيرة (فحم على ورق مع أكريليك)، كي تفتح نوافذ الروح على وجع دفين، ببلاغة الرموز الاستعارية التي ترتمي في الشعر، بالمشهدية الآسرة لطبقات الألوان الفحمية المخضبة بنور خفي وحاد كحافة السكين المسنونة والمغروزة في لحم الطير، كالأشياء المبعثرة والمتطايرة بفعل القصف على المنازل والأحياء السكنية، تلك الأشياء التي أضحت بحكم المخلفات البشرية، المتبقية كآثار شاهدة على عذابات الإنسانية. لكأن الذين رحلوا تركوا أشياءهم كي تنوب عنهم، كالزنابق التي ذبلت في زهريات غارقة في صمتها الكئيب وقد تلطخت بالدماء. وكثيراً ما نثر يوسف عبدلكي ضمات الأزهار على قبور باردة كي ترقد بسلام إلى جوار صور الراحلين الذين لم يعد لهم أسماء ولا وجوه ولا ملامح ولا ماضٍ، لم يبق منهم سوى ظلال ذكريات. لا شيء سوى بحيرات الدم على الأرض وقد اختلطت بآثار أقدام.

بعد مسيرة طويلة من النضال السياسي والاعتقال والنفي، يروي يوسف عبدلكي حكاية النزف، من داخل غرفه السود التي لا تعرف نهاراً ولا تشرق فيها شمس، يرينا مجراه وسيلانه، يرينا سمكته من صيد الأيام الماضية، وهي في حجرة الاعتقال على طاولة مثل كائن مقيد بالحبال وقد سيق إلى الذبح. في ظل ذلك الأسود العاري كالجدار والكثيف لفرط ما هو مأتمي، ثمة صراخ مكتوم وتمزقات وكوابيس تستيقظ من أوكارها إلى عرض الشارع، بل إلى خرابه الشاسع إلى صورة القتل البدائية، والأحداث المتنقلة في الساحات العربية، لكأنها صورة واحدة لزمن المجازر والعنف. إنها الأيقونية المهيبة التي تتجلى لناظريها كمفردات أحادية مقتلعة من جرف عظيم، بقوة التعبير والرموزية العنيفة، والتعارض الصراعي بين النور والظلمة والأحمر اللاذع. فالأشياء قد خرجت عن طبيعتها الصامتة المحايدة إلى البوح عن الواقع المرير الذي يتخطى أي توصيف كلامي للفجائع نحو بلاغة التصوير، بل نحو الإدانة والاتهام. ومثل أنفاس ضئيلة بين الحياة والموت كذلك الأسود والأبيض يتبديان لغةً قائمة بذاتها في فن الرسم الذي لا يحتاج لأكثر من ورق وفحم كي يتحقق، ولكن بأي قلب وبأي شعور وبأية مخيلة؟

من يتبع أحوال مسرى الدم في أعمال يوسف عبدلكي يدرك الكيفية التي تم بها القتل. إذ إن بقع الدم التي دخلت على ثنائية الأسود والأبيض في نتاجه الأخير تتلبس المعنى الراهن، وهي تسعى للقبض على الحدث الساخن. بين سيلان الدم من اليد أو من فجوة خلف الرأس ومن ثم البقع الانفجارية المتشظية ورذاذها على الصحون والأواني والزهريات وأباريق الشاي التي كانت وحدها شاهدة على الرعب الذي تنبري أدواته الهمجية، من خلال نصل عملاق يتبدى مثل نصبٍ أو وثن. وهو مجرد كناية ظاهرة، تتكشف عنها مآسٍ خرجت هذه المرة عن دائرة المفردة الوحيدة التي اعتدنا رؤيتها في بؤرة الوسط في أعمال الفنان، إلى نوع من السِيَر الملحمية الطابع، كلوحة أم الشهيد والقتلى في مجازر درعا ودوما، وقد دخلت على بعض هذه الأعمال نصوص شبيهة بالكتابات العفوية على الجدران التي باتت من سيمياء هذا العصر. وهي كتابات سائلة بحبرها وبياضها على جدران هشة متهالكة، تذكر بمضامينها مقاطع من القص الشعبي والروايات الشفهية التي خلّدت دمشق عبر الأزمنة كجنة رياحين وأنهار عذبة. لكن يوسف عبدلكي يستنبط قراءة جديدة للتاريخ، في عمل جداري، يتقاطع فيه الزمان والمكان بغرابة مأسوية، تتمثل بهامة القديس «يوحنا فم الذهب» الذي يبدو مسجى في جامع الحسين بحي الميدان في دمشق. لكأن شهادة القديس ما زالت مأثرتها حيّة في الراهن، وطغاة الماضي هم طغاة الحاضر أنفسهم مهما اختلفت العقائد والأديان.

يرسم يوسف عبدلكي حالات الحضور في الغياب، كي يجسد الفاجعة كنغمة سوداء في ليل العالم الذي يزداد جدباً وعجزاً حيال المأساة السورية. لذا، يرسم الضحايا كعصافير وأسماك في سكون ليل ينحدر من السماء كطيف من كتمان يطوي صفحات المجازر والبؤس وآلام الهجرات. في سحابة ألوانه السوداء تتجول أصوات الأحزان فوق قامات الضحايا. فالكل يلمع في الظلمة حتى عيون الموتى اللزجة وعيون الأمهات الثكالى اللواتي يحسبن أعمار الأطفال الراحلين على الأصابع. فالأمهات غارقات في عتمة البكاء الدفين، وهن يحملن صور العائلة إلى ممالك الجدران المتصدعة، وإلى عتمة الظلال قبل أن تتحول إلى ليل مضيء فوق عراء المقابر وابتهالات وجوه الضحايا التي اتخذت السماء وسادة لخلاصها. هكذا، يرسم عبدلكي وسادة عباءات السماء وهي تختلط بالسواد الذي يتسلق جداول الدم التي تتشرد في أحشاء الدمار، وعلى جدران البيوت التي تتلوى وتنحني وهي تشق شرايين العتمة كي تموت مثل أصحابها مرة واحدة. فالعتمة أشبه بسكين تخترق الأجساد والقلوب كي تمتطي سديم أحوال الجحيم في فصول خرائب الوطن المفقود، وهي تتوغل في قلب الفاجعة وتنسكب كضوء يكشف ملامح الضحية، لذا يسترسل الضوء في زيارات سرية للمآتم، كي يواسي الأحزان التي تهبط وهي متشحة بالصمت، الصمت الذي هو أصل الخطيئة.

 

شهادات من زمن الرعب

لطالما كان الرسم رفيق الإنسان وهو الفن الذي لا يحتمل المساومة - على حد قول المصور الفرنسي الشهير آنغر، ويوسف عبدلكي قد أعاد لمهنة الرسم مجدها المفقود بين مجايليه، ليس ككتابة للشكل مشابهة لصورته في الواقع المرئي فحسب، بل كعاطفة منبثقة من غشاء القلب إلى صميم التعبير الإنساني.

لذا، فإن مسرحة الواقع تبدو مختلطة بروح التداعيات والإلهامات، كي تبدو قطعاً مقطوفة من الحياة، بل ككائنات متوحدة ومعزولة آتية من فتات الوجود. لعل الوجودية هي العنصر الأبقى المتأتية من البراعة التقنية التي يمتاز بها يوسف عبدلكي، ما يجعل مقاربته للأشياء على بساطتها لغة جمالية شديدة التفرد والتعقيد. إذ الفراغ الكبير الذي يحوط جمجمة أو غصناً أو إناء أزهار أو سمكة أو فاكهة، ليس إلا فضاءً لتأويلات بصرية بين عتمة السواد ودرجات الرمادي وحركات الظلال وما يكتنفها من زيوح ومسارات متحركة على سطحٍ شبيه بسطح المحفورة الطباعية. وقد يصح القول عنها إنها خلفية ولكنها ليست مجردة وصامتة كما يبدو، بل هي شريكة في الألم والوحدة حين يكون الموضوع متربعاً وسط اللوحة بحسيّة مادية مستقاة أساساً من جذورها في موضوع الطبيعة الصامتة.

ولكن يوسف عبدلكي قد خرج عن صمته ومواربته الإيحائية السابقة إلى لملمة الجراح والاعتراض، قرر ألّا يسلك طريق الوهم، بل أن يستنبط من الواقع رموزه الدالة كي يصفها بحدودها الخارجية وأشكالها السكونية، كي تبدع وجوداً داخلياً يجد طريقة للرؤية تتنامى تحت تأثير الخيال. فإن استكشاف أداة ينهي ارتباطها تشكيلياً بالوجود الخارجي للأشياء الاعتيادية كي تستقر اللوحة ليس في ماضيها، بل كي يصبح الزمن الذي تتحرك فيه اللوحة مَعبراً نحو المستقبل بعد أن يتحقق انفلاته من الحاضر. لذا، جاءت أعماله شهادات عن زمن الرعب الذي لا يُنسى.

 

يشتد اﻟﺪﻣﺎر من ﺣﻮﻟﻨﺎ وبنا، وﻻ ﯾﺒﺪو أﻧﻪ ذاﻫﺐ ﻟﯿﻨﺘﻬﻲ ﻗﺮﯾﺒﺎً، ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ، اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ وﻟﺒﻨﺎن، دﻣﺎر ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻓﻲ اﻟﺤﺠﺮ واﻟﺒﺸﺮ واﻷﺣﻼم، وﻻ دﻣﺎر ﺑﻼ ﺻﺮاع، واﻟﺼﺮاع اﻟﯿﻮم ﻓﯿﻪ ﻻﻋﺒﯿﻦ ﯾﺘﺴﻠﺤﻮن ﺑﻠﻐﺔ ﻓﯿﻬﺎ ﻣﻌﺎﻧﻲ وأﻫﺪاف ﯾﻔﺮﺿﻮﻧﻬﺎ ﺑﻘﻮة إﻋﻼﻣﻬﻢ ودوﻟﻬﻢ، في القوانين والأﻧﻈﻤﺔ والعلاقات التي ﺗﺤﺪد ﺷﺮوط اﻟﻠﻌﺒﺔ، وﺑﺎﻟﺤﺪﯾﺪ واﻟﻨﺎر.

واﻟﺼﺮاع بعيد عن ما ﯾﻌﻨﻲ اﻟﻨﺎس، وما ﯾﺒﻨﻲ ﻟﻬﻢ ﺣﯿﺎﺗﻬﻢ، ﺣﯿﺚ ﻟﻬﻢ ﻓﯿﻬﺎ اﻟﺪور واﻹﻋﺘﺮاف اﻟﻜﺎﻣﻞ واﻟﻘﯿﻤﺔ. الحياة التي ﺗﻔﺘﺢ ﻟﻬﻢ اﻟﻄﺮﯾﻖ إﻟﻰ اﻷﻣﺎم، ﻻ أن ﺗﻜﻮن ﺳﺠﻨاً ﯾﺤﺪﻫﻢ ﻛﻤﺎ هو الحال اليوم، ﻓﯿﺘﺠﻤﺪون ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻬﻢ، وﯾﺘﻮﻗﻒ اﻟﻮﻗﺖ وﯾﺪور اﻟﻔﺮد ﻓﻲ اﻟﻔﺮاغ.

اﻟﺼﺮاع ﻋﻠﯿﻬﻢ وﻫﻢ ﺧﺎرج اﻟﻠﻌﺒﺔ. واﻟﻀﺠﯿﺞ ﻛﺜﯿﺮ اﻟﯿﻮم، ﻓﻲ اﻟﺘﻠﻔﺰﯾﻮن واﻟﺠﺮﯾﺪة وﻣﻮاﻗﻊ اﻟﺘﻮاﺻﻞ اﻹﻓﺘﺮاﺿﻲ وﻓﻲ أﺣﺎدﯾﺚ اﻟﺸﺎرع وﻓﻲ اﻟﺒﯿﻮت...، وﻓﯿﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﺗﺤﻀﺮ "اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ"وﯾﻐﯿﺐ اﻹﻧﺴﺎن وﻟﻐﺘﻪ، وﻛﺄن اﻷوﻟﻰ ﻻ دﺧﻞ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ، ﻓﺘﻜﻮن "اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ" ﻓﺎرﻏﺔ ﻣﻦ اﻹﻧﺴﺎن وﻟﻐﺔ ﻫﻤﻪ، وﯾﻜﻮن ﻫﻮ ﻓﺎﻗﺪ ﻟﺪورﻩ ﻓﻲ ﺗﻘﺮﯾﺮ ﻣﺼﯿﺮﻩ، دورﻩ ﻓﻲ ﺧﻠﻖ ﻋﺎﻟﻤﻪ ﻛﻤﺎ ﯾﺠﺐ. وﻟﻐته هي ﻟﻐﺔ ﺗﻌﺒﻪ في ﯾﻮﻣﯿﺎﺗﻪ وﺗﻔﺎﺻﯿﻠﻬﺎ، اﻟﺘﻲ ﻗﻠﯿﻼ ﻣﺎ ﺗﻌﻠﻦ وﯾﺠﺮي اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺣﻞ ﻟﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﺟﻤﺎﻋﻲ، ﺗﻘﺎل ﺑﺼﻮت ﺧﺎﻓﺖ، ﺻﻮت اﻟﻤﻠﻞ ﻣﻦ روﺗﯿﻦ اﻟﺘﻜﺮار ﻟﻜﻞ ﺷﻲء، ﺻﻮت ﺑﺮودة اﻟﺤﯿﺎة وﻋﻼﻗﺎﺗﻬﺎ، ﺻﻮت ﺗﺤﻄﻢ اﻷﺣﻼم اﻟﺘﻲ رﺳﻤﺖ ﯾﻮﻣاً ﻋﻦ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﺗﺘﺤﻘﻖ ﻓﯿﻪ اﻟﺬات واﻟﺪور واﻟﻄﻤﻮح، ﺻﻮت اﻹﺳﺘﻬﺘﺎر ﺑﻘﯿﻤﺔ اﻟﻔﺮد ﻓﻲ اﻟﺸﺎرع واﻟﺠﺎﻣﻌﺔ، اﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ واﻟﺪوﻟﺔ، اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻌﻤﻞ والفن، واﻟﺒﯿﺌﺔ واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻹﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ، صوت ﻣﺼﺎدرة أﻓﻜﺎرﻩ وﻤﺸﺎﻋﺮه. ﺻﻮت ﻓﺮاغ اﻟﯿﻮﻣﯿﺎت وﺛﻘﻠﻬﺎ صوت ﺗكشفُ اﻟﻮﻫﻢ ﻟﺴﻌﺎدة ﻃﺎل اﻟﺴﻌﻲ وراءﻫﺎ وﻻ ﻗﺪرة ﻟﻺﻣﺴﺎك ﺑﻬﺎ. إﻧﻪ ﺻﻮت ﻛﺮﻫﻬﻢ ﻟﻤﺎ ﯾﺘﻜﺮر ﻋﻦ"اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ" اﻟﯿﻮﻣﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﺴﻤﻌﻮن، وﺻﻮت ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﻏﺎﻣﺾ أﺳﻮد ﻻ ﯾﻨﻔﻚ ﯾﺰداد ﻇﻠﻤﺔ، وواﻗﻊ ﯾﺘﻔﺠﺮ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﻢ، ﻻ دور ﻟهم ﻓﻲ رﺳﻢ ﻣﻌﺎﻟﻤﻪ.

ﺣﺮوب وﺟﻮع ودﻣﺎر وﺗﻔﻜﻚ واﻧﻬﯿﺎرات وﻏﺮﺑﺔ ﻋﻦ اﻟﺤﯿﺎة، ﻓﯿﻜﻮن اﻟﻀﻌﻒ أﻣﺎم ﻣﺎ ﺳﯿﺄﺗﻲ، وﻧﺴﯿﺮ ﻧﺤﻮه سير الغرباء. هو درب اﻟﻤﻮت ﻻ درب اﻟﺤﯿﺎة واﻹﺑﺪاع واﻹﻧﺘﺎج. ﻫﻜﺬا ﯾﺠﺮي ﺗﻐﯿﯿﺐ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺘﻐﯿﯿﺐ ﻟﻐﺘﻪ، وﻣﺎ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﺪول واﻟﺤﻜﻮﻣﺎت واﻟﻤﻔﺎوﺿﺎت واﻹﻧﺘﺨﺎﺑﺎت واﻟﻤﺠﺎﻟﺲ واﻟﻤﺆﺗﻤﺮات واﻟﺤﺪود واﻟﺴﯿﺎدة واﻹﺳﺘﻘﻼل واﻟﻮﻃﻦ، إن ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻛﻠﻬﺎ ﻟﻺﻧﺴﺎن؟!

ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس وﻟﻐﺘﻬﻢ أن يقتحموا اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ، وان ﯾﻜﻮﻧﻮا ﻫﻢ ﻣﻦ ﯾﻤﺜﻠﻮن ذاﺗﻬﻢ، ﻻ ﻣﻦ ﯾﻨﻮب ﻋﻨﻬﻢ ﺑﺎﻟﻮﻫﻢ، وأن ﺗﺘﻢ ﺗﻌﺮﯾﺔ ﻣﻦ ﻛﺎن مسؤولا عن ﻟﻌﺒﺔ الخداع وإﻫﺪار اﻟﻌﻤﺮ. واﻟﺴﯿﺎﺳﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻨﺎس ﻫﻲ ﺗﻐﯿﯿﺮ ﻋﻼﻗﺎت اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻢ ﺣﯿﺎﺗهم وﺗﺤﺪهم ﻓﻲ أدوارهم ﻓﺘﻨﺘﺞ ﻛﻞ اﻟﺘﻌﺐ اﻟﻤﻮﺟﻮد وﻛﻞ اﻟﻔﺮاغ واﻟﺘﻜﺮار وﻛﻞ ﻏﯿﺎب اﻟﺪور الفعلي، وﻫﻲ ﻣﺎ ﯾﺮﺳﻢ ﻛﻞ ﺗﻔﺎﺻﯿﻞ اﻟﻨﻬﺎر واﻟﻠﯿﻞ، وﺑﻘﺎء اﻟﻔﺮد ﻣﺘﻔﺮﺟاً ﺳﻠﺒﯿﺎً. أﻣﺎ ﺳﯿﺎﺳﺔ اﻟﯿﻮم ﻓﻬﻲ إﻟﻬﺎء وﺧﺪاع, وهي ﺿﺪ اﻷﻏﻠﺒﯿﺔ. وعلينا ﻣﻦ اﻵن اﺳﺘﺤﻀﺎر ﻫﺬﻩ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﻨﻄﻘﻬﺎ ﻛﻞ ﻓﺮد ﺑﻤﻔﺮدﻩ ﻟﻜﻲ ﺗﻜﻮن ﻟﻐﺔ ﺟﻤﺎﻋﯿﺔ، ﻟﻐﺘﻨﺎ ﺟﻤﯿﻌاً، ﻓﻼ ﺣﻞ ﻓﺮدﯾاً ﻣﻬﻤﺎ ﺑﺪا اﻟﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻈﺎﻫﺮ ﻓﺮديا ﺿﯿقا وﻏﯿﺮ ﺳﯿﺎﺳﻲ، لن نرضى ﺗﻐﯿﯿب هذه اللغة، وﺗﻐﯿﯿﺒﻨﺎ، ﺑﺎﻧﺘﻈﺎر اﻹﻧﻔﺠﺎر اﻟﻘﺎدم. . فمن لا دور له لا قيمة فعلية له, وليس بقادر على تقرير مصيره. فﻟﯿﻘﻒ ﻛﻞ ﻓﺮد شابا او ﻋﺎملا ﻓﻼﺣا وﻓﻨﺎن وﻛﻞ ﻣﻨﺘﺞ ومضطهد ﻟﯿﻨﺘﺰع ﻗﯿﻤﺘﻪ، ولنستعد القدرة على ﺗﺤﺪﯾﺪ اﻟﻤﺼﯿﺮ.

                                                                                                               

                                                                                                                                اتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني

الأكثر قراءة