اللامساواة عند أخطر مراحلها: متى ينتفض الفــقراء؟

اللامساواة عند أخطر مراحلها: متى ينتفض الفــقراء؟
06 Feb
2014

يتجه العالم سريعاً صوب نقطة حرجة. ليس الكلام تهويلياً، فالبشرية «تقف عند مفترق طرق حاسم بسبب اللامساواة» على حدّ تعبير الأمم المتّحدة. معدلات الظلم تزداد. هل ستُهمل التحذيرات الحالية؟ التقرير الأخير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي يقول «إن المقصيّين سيحتجّون في وقت ما على «التقدّم» الذي لم يشملهم». وسيؤدّي ذلك إلى «تقويض النسيج الذي يضمن تماسك المجتمعات»

حسن شقراني - الاخبار

بعد اندلاع الأزمة الاقتصادية وانهيار الأسواق المالية قبل خمس سنوات، استعاد العالم على نحو واسع روح كارل ماركس شعبياً ونخبوياً _ مع التحفظ على معنى الكلمة الأخيرة واعتبارها التاريخي. البعض أحيا الرجل الملتحي تحت عنوان: «لقد حذّركم من هذه المصائب قبل 150 عاماً». آخرون، مثل بعض أشهر أساتذة الاقتصاد في كبرى الجامعات، استغلّوا الحالة لإمرار رسالة ملغومة: «لو أن كارل ماركس حياً لكان مصرفياً».

الأهمّ من ذكر أبي الشيوعية، ما تعنيه أفكاره ومناهجه، وكيف تُترجم اليوم. أخيراً، استعاد الكاتب تشارلز كيني في مجلة «فورين بوليسي» الفيلسوف الألماني، تحت عنوان «الطبقة العاملة العالمية تتوحد، وهذا جيد»، معتمداً على تحليل نقدي من وحي الحفر على قبر ماركس اللندني: «يا عمال العالم اتحدوا»، يُقدّر هذا الصحافي أنّ معدلات اللامساواة وازدياد الهوة أفقياً وعمودياً في العالم «قد تُعيد بسمة روحية على وجه ماركس» خلال العقد المقبل. تزامن هذا الرأي مع مطالعة مثيرة للاهتمام نشرها شون مكلوي في مجلة «رولينغ ستون». العنوان وحده يكفي: «الحياة العصرية مليئة بالأدلّة عن رؤية ماركس: من هاتف iPhone5s إلى عولمة الشركات». هل توقع ماركس أن تصمّم «آبل» هذا الهاتف وتخلق هوساً به؟ بالطبع لا، ولكنه تحدّث عن ميول الرأسمالية إلى تركيز قيمة عالية على منتجات عبثية، ما يؤدّي، مع الوقت، إلى «تبعية تتطور إبداعياً وحسابياً، لشهيات (استهلاكية) وهمية، غير إنسانية وغير طبيعية». وهنا يلمع التساؤل: «فعلياً، هل الهاتف الجديد أفضل بكثير من سلفه الذي صدر العام السابق، أو حتّى مقارنة مع نسخة 4S قبل عامين؟». الفكرة هي أنه في عالم يتمتع فيه أغنى 85 شخصاً في العالم بثروة تفوق ما يملكه أفقر ثلاثة مليارات نسمة، تُعيد الزخم بقوّة إلى مقولة ماركس بأن انتفاضة العمال لن تُخسرهم سوى السلاسل التي تُقيّدهم. لا شكّ أن المطالعات التي تتطرّق إلى عدم المساواة والظلم الاقتصادي تتزايد، رغم تخطي الركود وعودة البلدان الصناعية إلى «النمو». حتّى دعوات البابا «التقدّمي» فرنسيس لإعادة المادة إلى دورها في خدمة للمجتمعات وليس تأليهها، فيها ما يكفي من الروح الماركسية. المعطيات السائدة دفعت برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي الى إعداد تقرير عن حالة اللامساواة المتزايدة؛ نُشر أخيراً تحت عنوان مخيف: «انقسام الإنسانية: مواجهة المساواة في البلدان النامية». صحيح أن خبراء الوكالة الأممية يركزون على الدول النامية في بحثهم، إلّا أنّ الطروحات تتخذ طابعاً كونياً وخصوصاً أن عمل البرنامج هو تحت عنوان «شعوب متمكنة، أمم صامدة». يُذكّر هؤلاء بالأرقام التي تُظهر مستوى الشرخ الموجود في العالم حالياً، رغم أنّ حصة الفرد من الناتج المحلي في البلدان الفقيرة والنامية ارتفعت إلى أكثر من ضعف ما كان عليه في بداية تسعينيات القرن الماضي، ورغم ارتفاع مؤشرات اجتماعية مثل العمر المرتجى، إلا أن المشكلة متجذّرة: فيما يُسيطر أغنى 1% من سكان العالم على 40% من أصوله، يكتفي النصف الأفقر بواحد في المئة من تلك الأصول. ليست مؤشرات الفقر والغنى الوحيدة الصادمة في مقاربة اللامساواة في البلدان الناشئة تحديداً. مثلاً، احتمال أن تموت امرأة ريفية خلال الولادة يساوي ثلاثة أضعاف مثيله في المناطق الحضرية. كذلك فإنّ الأشخاص المعوقين يتحملون أكلافاً معيشية تساوي خمس مرات المعدل العام. ما تُحذّر منه الأمم المتّحدة اليوم هو الآتي: «حين تزيد المداخيل والفرص بالنسبة إلى الأقلية فقط، وحين تستمر أوجه اللامساواة لفترات طويلة وفي أماكن متعددة ومع تعاقب الأجيال، فإنّ المهمشين، والذين يظلّون مقصيّين بصورة منهجية من منافع التنمية سيحتجّون في وقت ما على «التقدّم» الذي لم يشملهم». وسيؤدّي الحرمان المتنامي إلى «تقويض النسيج الذي يضمن تماسك المجتمعات». يُمكن استخلاص ثلاث رسائل ضمنية من هذا التحذير. أوّلاً، أن الظلم يتم بصورة «ممنهجة»، أي أنه نتيجة سياسات وليس منتجاً عرضياً. ثانياً، أنّ الأمم المتّحدة أضحت تعي، وتُعبّر بصراحة وطلاقة عن ضرورة التفريق بين النموّ الكمّي، الذي تفرضه الرأسمالية، والسياسات التنموية الحقيقية، ولذا تضع كلمة «تقدّم» بين مزدوجين. ثالثاً، نتيجة النمط المعتمد سيكون تفكك المجتمعات في نهاية المطاف؛ ليُصبح العالم تماماً عبارة عن تلك المشاهد المرعبة التي نراها في أفلام الخيال المستقبلي. فعلياً، يخلص التقرير إلى 11 رسالة يُفترض أن تتلقفها المجتمعات وتصوغ السياسات على أساسها. أبرزها أن «العالم يشهد اليوم انعداماً في المساواة أكثر من أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية ... وهناك إشارات واضحة على عدم إمكانية استدامة هذا الوضع لفترة طويلة». تقنياً، كانت العولمة المحرّك الذي زاد من معدلات عدم المساواة خلال السنوات العشرين الماضية، غير أنّ «خيارات السياسات (أي السياسيين) لعبت دوراً كبيراً أيضاً». وبخلاف «التصوّر الشائع بأنّ المجال السياسي لخفض اللامساواة محدود للغاية»، يُشدّد معدّو التقرير على أنّ «التجربة تشير إلى إمكانية خلق هذا المجال السياسي المطلوب». مع قراءة هذه المعطيات، يبرز التساؤل الآتي: هل تكون تلك الرسائل الـ 11، كما تعاليم ماركس، عبارة عن أوراق في زجاجات تُرمى في بحر اللامساواة؟ اليوم، هناك من يتمتع برفاهية الانتظار ليعرف الإجابة عن هذا السؤال. ولكن في المقابل، هناك 1.2 مليار نسمة يعيشون في الفقر المدقع، يسرق الجوع أرواحاً كثيرة منهم يومياً، فيما تتكفل الأمراض والآفات الأخرى بشريحة دسمة؛ هؤلاء يريدون الإجابات الآن.

 

الأكثر قراءة