سعدى علوه - السفير
قبل نحو شهرين من اليوم، ادعت "منظمة كفى عنف واستغلال" عبر المحامية موهانا اسحق، على صاحبة عمل، بجرم حمل العاملة في منزلها على الانتحار، وفق ما تنص عليه المادة 553 من قانون العقوبات في لبنان. وتحاول "كفى"، التي تساند عبر أحد برامجها العاملات المهاجرات قانونياً، أن لا تجعل انتحار العاملة أو محاولة انتحارها مناسبة لإغلاق ملفها، بمعنى التعامل مع القضية وكأنها قرار شخصي بمعزل عن حجم الاستغلال اللاحق بالعاملة. واعتبرت "المفكرة القانونية" الدعوى بمثابة "محاولة لقلب النهج المعتمد لدى النيابات العامة والقوى الأمنية والمتمثل بطي القضية على أساس أنها قضاء وقدر"، خصوصا أن العاملة التي حاولت الانتحار كانت تتعرض لأنواع مختلفة من العنف، حيث شعرت أن موتها هو الوسيلة الوحيدة لخلاصها من وضعها المكرس بموجب "نظام الكفالة" المطبق في لبنان. من هذا المنطلق، رأت "المفكرة" أنه من شأن هذا التوجه أن يحول كل قضية انتحار إلى سؤال كبير عن مدى تشكيل ظروف الاستغلال دافعاً إلى الانتحار؟ وتحويل كل انتحار أو محاولة انتحار إلى مناسبةٍ لمحاكمةِ لاإنسانيةِ شروطِ العملِ بأكملها. تتطلب هذه الأسئلة، وفق "المفكرة"، مشاركة الحقوقيين والباحثين في العلوم الاجتماعية والإنسانية، لا سيما الباحثين والاختصاصيين في علم النفس. وبغض النظر عما ستؤول إليه نتيجة هذه الدعوى والحكم الذي سيصدر فيها، إلا أنها تشكل نموذجاً عن سعي المجتمع المدني، ومنه منظمات "كفى" و"كاريتاس" و"المفكرة"، للعمل على الساحة القضائية لتسجيل اختراقات جوهرية في المسرح الذي من المفترض أنه يشكل النافذة الأساسية لإنصاف عاملات المنازل في ظل الأوضاع السيئة التي تحيط بعدد لا بأس به منهن، وتحت مظلة "نظام الكفيل" الذي يترك العاملة رهينة مزاج صاحب العمل. حكمان تكشف المحامية موهانا اسحق لـ"السفير" أنه سبق لـ"كفى" أن ربحت دعويين مؤخراً تم تقديمهما في العام 2010 في إطار المساعدة القانونية للعاملات اللواتي يتعرضن للعنف. تتعلق الدعوى الأولى بحالة عاملة من الجنسية السريلانكية كانت صاحبة عملها قد اقتطعت راتبها على مدى ثلاث سنوات. يومها لجأت العاملة إلى سفارة بلادها لمساعدتها، وتوصلت الأخيرة إلى اتفاق مع صاحبة العمل يقضي بعودة العاملة للعمل في منزلها، على أن تدفع لها مجمل مستحقاتها على دفعات متقاربة إلى حين انتهاء عقد عملها. لم تتقيد صاحبة العمل بالاتفاق ولجأت السفارة إلى "كفى" لمساعدة العاملة، وكانت الدعوى القضائية. وبعد ثلاث سنوات من المحاكمة، أنصف القضاء الجزائي العاملة وحكم بإعادة المستحقات كلها للعاملة، وبإلزام صاحبة العمل بدفع عطل وضرر لها بما قيمته نحو مليوني ليرة، وفق اسحق. لكن "نظام الكفيل" أثر في مجريات الدعوى، إذ تم ترحيل العاملة بعد انتهاء عقدها مع صاحبة عملها التي ادعت عليها، والأخيرة غيرت مكان سكنها وصار متعذراً إبلاغها بالحكم أو الحجز على أملاكها، لدفع مستحقات العاملة. وهذا لا يقلل من أهمية الحكم، إذ إن صاحبة العمل لن تتمكن من الاختفاء بصورة دائمة، خصوصاً أنه من حقها الاعتراض قبل انتهاء المهل القانونية للحق. أما الحكم الثاني الذي أنصف فيه القضاء في الدعوى التي رفعتها "كفى" فتمثل بإدانة صاحبة عمل بتعذيب العاملة في منزلها بعد إثبات اعتداءاتها عليها بتقرير من الطبيب الشرعي. وكشفت مجريات الدعوى عن قدرة القضاء أيضاً على كشف المراوغة التي يلجأ إليها محامو الدفاع عن المدعى عليهم عبر المماطلة بتقديم دفوع شكلية. ودان القضاء لجوء المدعى عليهم إلى استعمال الدفوع الشكلية عن غير حق، وردهم إلى الأساس. وقضى الحكم بتجريم صاحبة العمل وسجنها لمدة 15 يوماً وتغريمها بدفع عطل وضرر للعاملة بقيمة مليون ونصف مليون ليرة لبنانية. ولكن هنا أيضاً تم ترحيل العاملة، وغيّرت صاحبة العمل مكان سكنها وتعذر إبلاغها. وتحدد اسحق العوائق خلال الدعاوى التي ترفعها بـ"استغراق المحاكمات وقتاً طويلاً وفي ترحيل العاملة بسبب نظام الكفيل، بالإضافة إلى كلفة المحاكمات خصوصاً أن العاملة عاجزة عن تحملها، وبإمكانية تنفيذ الأحكام". هذه الصورة المضيئة عن أداء القضاء في ملفات العاملات في المنازل لا تختصر كامل المشهد الذي ترسمه "المفكرة القانونية" عبر مشروع "رصد الأعمال القضائية التي تطال العاملات المهاجرات في الخدمة المنزلية، وتحديداً في المحاكم الجزائية في قصور عدل بيروت وبعبدا والجديدة" بالتعاون مع "منظمة العمل الدولية". ويشمل الرصد، وفق سارة ونسا من "المفكرة"، مجالس العمل التحكيمية في بيروت وبعبدا، حيث لا مجلس عمل تحكيميا في الجديدة. ويخلص الرصد بشكل عام إلى أنه "يتم استخدام المواد القانونية وتطبيقها بطريقة تكرس نظام الكفالة بالرغم من عدم وجود نص قانوني واضح ينص عليه في لبنان"، وهو ما يضيء على الزاوية المظلمة هنا. تجريم عاملات يشمل المشروع الأعمال القضائية خلال العام 2013، بما فيها دعاوى تم تحريكها قبل هذا التاريخ ولكن أحكامها صدرت خلال العام المنصرم. أما في مجلس العمل التحكيمي فتم رصد الملفات المتراكمة، كونه لا حكم في 2013. وتابعت "المفكرة"، وفق ونسا، نحو 220 حكماً أو أكثر. يتعلق ثمانون في المئة منها بدعاوى الإقامة ونظام العمل، أي ما يسمى "نظام الكفيل". وتعطي ونسا مثالاً على تكريس نظام الكفيل خلال المحاكمات عبر تجريم العاملة بما يسمى "الفرار من المنزل"، مشيرة إلى أنه "لا نص قانونياً يجرم الفرار. لذا، عندما تترك عاملة مهاجرة منزل صاحب العمل يتم الادعاء عليها وفق المادة السابعة من القرار 36/1969 التي تطلب من الأجنبي الذي يحوز إقامة سنوية وله أكثر من ثلاثة أسابيع في لبنان أن يبلغ القوى الأمنية (الأمن العام في حال العاملات المهاجرات) عن مكان إقامته". وتخلو هذه المادة من نص يعاقب على الفرار. في الحقيقة، هناك القانون العسكري الذي يجرم الفرار، إذ يعاقب الجندي في الجيش على الفرار من الخدمة أو من مهمته في محاربة العدو، وهناك الفرار من السجن. مع ذلك، تشير ونسا إلى أن "ثمانين في المئة من الأحكام التي رصدتها المفكرة تجرّم عاملات المنازل لتركهن العمل ومنازل أصحاب العمل عبر تكييف المادة السابعة من القرار 36/1969 على الوقائع الميدانية لقضايا العاملات". وتلفت إلى أن 190 حكماً من أصل 220 جاءت أحكاماً غيابية من دون مثول العاملات أمام المحاكم بسبب ترحيلهن. وتقول ونسا إن هذه الأحكام تتميز بأنها "عبارة عن نموذج - ورقة معدة مسبقاً حيث يتم ملء الفراغات المتعلقة بالمعلومات الشخصية للعاملة"، ولكنها تنتهي إلى النتيجة نفسها. وتراوح الأحكام بين فرض غرامة مالية على العاملة من دون عقوبة بالسجن (تراوح بين 300 و600 ألف ليرة لبنانية) أو أحكام غرامة وسجن بين شهر وثلاثة أشهر مع غرامة قد تصل إلى مليون ليرة؛ ويتم أحياناً الاكتفاء بمدة التوقيف. عليه، يُستنتج أن "المنظومة التي ترعى وجود العاملة من أساسها في لبنان تؤثر في الدور المنتظر من القضاء الذي من المفترض أن يكون النافذة العادلة التي يتم دخولها أو النفاذ منها لإنصاف العاملة". مع ذلك، ترى ونسا أن هناك أحكاما صدرت عن بعض القضاة وتنصف العاملة، ولكن "لا قيمة فعلية لها على الأرض"، كونها صدرت بعد ترحيل العاملة أو بعد توقيفها مدة طويلة قد تصل إلى عشرة أشهر. وبالرغم من ذلك لا يتم تعويضها عن حجز حريتها ظلماً. وأشارت إلى أن بعض القضاة "ذهبوا أبعد من ذلك"، وادعوا على بعض أصحاب العمل أمام النيابة العامة بتهمة التعسف بالإدعاء على العاملة بجرم السرقة وسوء استعمال هذا الحق عندما يتبين أنه ادعي زوراً وبهتاناً، وكذلك بتعذيب العاملة. لكن للأسف إن النيابات العامة لم تتحرك. ورصدت "المفكرة" 22 ملفاً أمام مجالس العمل التحكيمية، فتبين أن العاملة هي الطرف المدعي وصاحب العمل مدعى عليه، وهي ملفات لم ينته النظر فيها بعد. وتتركز الدعاوى على عدم سداد أجور العاملة وفسخ تعسفي لعقد العمل. وتشير الملفات في مجالس العمل التحكيمية إلى سفر العاملة وتركها البلاد. وهنا، تم رصد إشكالية إقامة العاملة وإمكانية تجديد إقامتها طالما أنها مربوطة بصاحب العمل الذي ادعت عليه. وبالتالي، لن يقبل بتجديد إقامتها لتبقى وتحاكمه في البلاد. ويتضمن المشروع نفسه جزءاً يتلخص برصد محاكمات العاملات من خلال حضور هذه المحاكمات. وأشارت ونسا إلى أن "المفكرة" حضرت أربع جلسات محاكمة لأربع عاملات وهي جلسات "يشوبها استهتار بمنح العاملة الظروف المؤاتية التي تمكنها من الدفاع عن نفسها، وتأمين حقها بالترجمة والمساعدة القانونية".