محمد نزال - الاخبار
القصة أبعد من رجل يضرب زوجته، بقسوة، فتارة تموت وأخرى تبقى على قيد الحياة مع ألمها. القصة أبعد من رلى يعقوب، أو منال العاصي التي فارقت الحياة، أمس، إثر تعرّضها لضرب عنيف من زوجها (كما ذكرت التحقيقات الأمنية والقضائية). القصة، على ما يبدو، في الثقافة. في مجتمع يُصرّ ناسه، أصحاب الألم، على طمس ألمهم لاعتبارات اجتماعية، عادات وتقاليد، دين، وغير ذلك من العناوين. عندما يتآمر صاحب الوجع على نفسه، فيسكت مراعاة لتلك الاعتبارات، لا يرفع الصوت عالياً، لا ينتفض، خوفاً من «فضيحة» هنا أو حفاظاً على «السترة» هناك، فهذا يعني أننا أمام شيء أبعد، بل أخطر، من مجرد عنف زوجي أو أسري.
ماذا يعني أن تحاول والدة منال أن تعطي إفادة غير صحيحة، أمام المحققين، فتقول إن ابنتها «المقتولة» وقعت في المطبخ وماتت، رغم كونها شاهدة على صرخات ابنتها المكبوتة عندما كان زوجها يضربها؟ ماذا يعني أن تصمت شقيقة القتيلة، أيضاً، وتتحدث في إفادتها عن «وقوع على حافة المجلى»؟ وماذا يعني ألا ينتفض شقيق القتيلة، وهو ذكر (بالمعنى الذكوري كما الزوج) على زوج أخته، بل يُساعده على نقلها إلى مستشفى المقاصد في بيروت، حيث لم تلبث إلا ساعات قليلة قبل أن تُفارق الحياة؟ لولا شقيقة أخرى للقتيلة، أبت أن تصمت على وجع أختها، لكنا اليوم أمام تحقيق قد أقفل على «لا شيء». لكانت القضية أقفلت على كونها «موتاً فجائياً أو ربانياً»، وما شئت من تسميات. نطقت شقيقتها، أمام المحققين، بالحقيقة التي تعلمها، فتحرّك القضاء تجاه الزوج، وطلب توقيفه، ليتوارى بعدها عن الأنظار. البحث مستمر عنه الآن. التواري عن الأنظار، في القانون، من الوقائع التي يركن إليها القضاء عادة في تثبيت التهمة أو الشبهة. بعد شيوع خبر وفاة منال العاصي، أمس، خرج بعض الناشطين ببيانات استنكار وإدانة للعنف الزوجي، وتناقلت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الخبر. اختلطت الشائعات بالحقائق، كما باتت العادة في الآونة الأخيرة، لتعود وتتضح الأمور شيئاً فشيئاً، وإن كانت لم تتضح بعد نهائياً. فبحسب ما علمت «الأخبار» من مصادر أمنية وقضائية، فإن أي اتصال لم يرد إلى القوى الأمنية، ولا إلى فصيلة الطريق الجديدة تحديداً (ضمن نطاق مكان الحادثة)، ولكن بعد نقل منال إلى المستشفى، ارتاب الطبيب المعاين لما رآه من آثار كدمات، فاتصل على الفور بفصيلة الطريق الجديدة في قوى الأمن الداخلي. تردد قبل ذلك أن سيارة للصليب الأحمر حضرت، قبل نقل المصابة، ولكن الزوج واجه الجميع ورفض أن تُنقل زوجته إلى المستشفى. أحدهم قال إنه «كان في حوزته سلاح وهدد من يقترب منه». لكن هذا التفصيل الأخير لم يثبت بعد في التحقيقات. وتلفت المصادر المعنية إلى أن الزوج كان اتصل بوالدة زوجته وشقيقتها، ليحضرا إلى منزله، وهذا ما حصل فعلاً، قبل أن يحتجزهما في غرفة، و«يبدأ بتعذيب زوجته وضربها على غرار ما كان يفعل سابقاً». النيابة العامة في بيروت كانت تتابع مجريات القضية مع القوى الأمنية، وبعد وفاة الزوجة في المستشفى، كلّفت طبيباً شرعياً بالكشف على جثتها. التقرير، هذه المرّة، وعلى عكس حالات سابقة (مثل قضية رلى يعقوب) جاء ليؤكد «وجود كدمات على رأسها وفي أماكن أخرى من جسدها، وأنها ضُربت بآلة معدنية (ليست سكيناً) على رأسها، ما أدّى إلى نزف داخلي كان هو السبب المباشر للوفاة». الراحلة منال العاصي، أم لابنتين، الأولى عمرها 15 عاماً والثانية عمرها 11 عاماً. المحققون استغربوا «سبب تكتّم ذويها عمّا حصل، مع علمهم بما حصل، ولهذا كان لا بد من كسر حاجز الخوف عندهم. فبعدما تحدثت إحدى شقيقاتها عمّا حصل عادوا وتكلموا كلهم». أحد المتابعين للقضية، ممن هم على صلة بها، رأى أنه «في حالة كهذه لا يمكن القوى الأمنية أن تعلم بحقيقة الأمر، ما لم يخطرها أحد بما يحصل، وبالتالي هذه مشكلة في الثقافة والعادات منتشرة عند كثير من الناس، فلا يتكلمون بحقيقة ما يحصل معهم تحت عنوان: مشاكل عائلية أو زوجية. ربما يكون هذا مفهوماً في حالات الخلاف التقليدي، أو المشاجرات، ولكن عندما يصل الأمر إلى حدّ الموت ويظل الصمت هو هو، فنحن هنا أمام مأزق كبير». شيّعت الراحلة أمس في مأتم حاشد في منطقة الطريق الجديدة، في ظل حالة غضب في الشارع. القضية هناك، وبعيداً هناك، كانت مثار جدل وأخذ ورد طوال يوم أمس. الزوج ملاحق الآن، ودوريات التحرّي تبحث عنه، نظراً إلى «اقتناع لدى القضاء بتورطه في قتل زوجته على نحو مباشر، بغض النظر إن كان هناك نية قتل أو لم تكن، ولكن ما هو مرجح الآن بحسب التحقيقات والإفادات أن ضربه لها بطريقة عنيفة، وبآلة معدنية، كان السبب المباشر للوفاة... ولكن بالتأكيد التحقيق لم يقفل بعد، ويمكن أن تنقص أشياء مما ذكر ويمكن أن تزيد، وكل هذا رهن انتهاء التحقيق».