اشتعلت طرقات الضاحية بالغضب أمس، ومعها بعض مناطق الأطراف، إثر خطف 11 لبنانياً في سوريا على يد «الجيش السوري الحر». هذا ما نقله بعض النسوة المفرج عنهن. «إنهم أمانة في أعناقنا». هكذا طمأن السيد حسن نصر الله الأهالي، كاشفاً عن اتصالات وساطة مع «دول اقليمية مؤثرة ». ليلاً عادت النسوة إلى بيروت، وكان المطار محجة للأهالي والمتضامنين، لكن مصير الرجال بقي مجهولاً
محمد نزال
«لم نكن قد ابتعدنا عن الحدود مع تركيا أكثر من كيلومترين، حتى اعترض طريقنا مسلحون داخل الأراضي السورية، فصعدوا معنا على متن الباص الذي كنت فيه، وكذلك فعلوا مع الباص الثاني التابع لنا أيضاً، ليأخذونا بعدها إلى مزرعة بعيدة عن الطريق. هناك أنزلوا الرجال، وهم 11 رجلاً، فيما سمحوا لنا نحن النساء بالمغادرة». هذا ما روته الحاجة حياة لـ«الأخبار»، مساء أمس، في اتصال هاتفي أثناء وجودها في أحد فنادق حلب، ومعها نحو 40 سيدة، قبل وصولهن إلى بيروت.
وتضيف حياة في روايتها: «ظهر المسلحون فجأة أمامنا، بكامل جهوزيتهم، ففهمنا أن كميناً أعد لنا. وجهوا أسلحتهم إلى سائق الباص، وأخبرونا أنهم من الجيش السوري الحر، وأنهم يريدون خطف الرجال بهدف مبادلتهم برجال لهم معتقلون لدى السلطات السورية». اللافت، بحسب رواية الشاهدة، أن الخاطفين أرشدوا النسوة، ومعهن أحد السائقين، إلى مكان مركز الشرطة في حلب، وطلبوا منهن إبلاغ رجال الأمن بما حصل، وأنه «على الشرطة أن تتصل بنا وهم يعرفون من نحن». وتضيف حياة: «لم نتعرض لأي عنف جسدي من قبل الخاطفين، ولكننا لا نعلم ماذا حصل لرجالنا بعد مغادرتنا، كما لم يتعرضوا لنا بأي إهانات شخصية، لكنهم كانوا يوجهون السباب إلى حزب الله ورموزه ».
أثناء رواية حياة لما حصل، كانت الغضب يلف شوارع الضاحية الجنوبية في بيروت، إذ لم يكد يشيع الخبر، عصر أمس، حتى قطع شبّان غاضبون الطرقات، مستخدمين الحاويات والإطارات المشتعلة. عند تقاطع مار مخايل كان التجمع الأكبر للغاضبين. حماسة بعض الشبّان دفعتهم للبحث عن سيارات تحمل لوحات سورية، بغية «فش خلقهم» وربما خطف من فيها. كاد البعض يفعلها هناك، لولا تدخل مسؤول من حزب الله ولجم حماستهم، موضحاً لهم أنه «لا تزر وازرة وزر أخرى». عبثاً كان الرجل يحاول تهدئة الشبّان، الذين كانوا يراكمون الإطارات فوق بعضها، في ظل تزايد أعداد المتجمعين في الساحة. لمحهم المسؤول يتوجهون ناحية منطقة الصياد، لتوسيع رقعة احتجاجهم، فباشر الاتصالات بـ«فوق» لإخبارهم أن الأمور «قد تفلت من يدنا». لم يكن الجيش حاضراً هذه المرة في مار مخايل. عند تقاطع جسر المطار لم يكن الوضع أفضل، وكذلك عند مفرق برج البراجنة أمام جامع الرسول الأعظم، وأحياء أخرى في الضاحية. سماء الضاحية صار لونها أسود. راحت رقعة الغضب تتسع لتصل إلى قلب العاصمة، وبعيداً ناحية البقاع، ما دفع بالنائب علي عمار للإطلالة عبر الشاشة، قائلاً لأهالي المخطوفين، وللمنتشرين في الطرقات، ان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله سيطل خلال دقائق ليخاطبهم.
«أولادكم وإخوانكم أمانة في أعناقنا، والمسؤولية الآن على الدولة وكل المعنيين. وسنعمل بالليل والنهار ليكون الاحبة بيننا». هكذا خاطب نصر الله أهالي المخطوفين، الذين احتشدوا في مجمع الكاظم في الضاحية، حيث مقر منظم حملة «بدر الكبرى» لزيارة العتبات المقدسة. أضاف نصر الله: «نفهم الانفعال ولكن نخاف أن يدخل أحد على الخط، كما أن من الممنوع الكلام عن خطف سوريين في لبنان، لأنهم إخواننا وأهلنا»، كاشفاً عن إجراء اتصالات بـ«دول اقليمية مؤثرة بهذا النوع من الملفات، ونحن لن نعدم أي وسيلة». بعض الأهالي قالوا إن السيد يقصد بكلامه تركيا. كان نصر الله مستشعراً خطورة ما يحصل في الشارع، بعدما وصلته طبيعة ردّة فعل الغاضبين، وما ينوي البعض القيام به كردة فعل، فتوجه إلى الشبّان في الطرقات، قائلاً لهم: «الناس من حقهم الاعتصام في ساحة أو باحة أو مسجد، ولكن باسم قيادة حركة أمل وحزب الله، أقول لكم إنه لا يجوز أن يقطع أحد الطرقات، لأن هذا لا يفيد بشيء، بل يضرنا».
أحد المعنيين في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، أوضح لـ«الأخبار» أنه قبل نحو شهر عمم المجلس على منظمي حملات الزيارة الامتناع عن تنظيم الحملات التي تمر عبر الأراضي السورية. ولفت المسؤول إلى أن البعض لم يتلزم بهذه التعليمات، ظناً منهم «أن الاختلافات مهما اشتدت في سوريا، فإنها لن تطالهم، إذ لا علاقة لهم بما يحصل هناك». يذكر أن التنبيه المذكور صدر بعد الحادث الذي وقع عند حدود القاع ــ الجوسية، خلال الشهر الفائت، والذي أدّى إلى مقتل لبناني وجرح خمسة أشخاص كانوا في طريقهم لزيارة العتبات المقدسة، وذلك جراء سقوط قذائف من جانب «الجيش السوري الحر» على المنطقة الحدودية.
حتى مساء أمس لم يكن أحد قد عرف شيئاً عن مصير الرجال المخطوفين. وقرابة الساعة العاشرة مساء، أعلن أن الجيش السوري سينقل النسوة اللواتي أفرج الخاطفون عنهن جواً، من حلب إلى بيروت قرابة منتصف الليل. وما أن أعلن الخبر حتى صار المطار محجة لأهالي المخطوفين، ولجمع كبير من المتضامنين الذين أتوا من الضاحية والبقاع والجنوب. ضاقت باحة انتظار الواصلين بالوفود الإعلامية المحلية والأجنبية. مر منتصف الليل، وإذ بالنواب محمد رعد وعلي عمار ونوار الساحلي وغازي زعير وحسن فضل الله يطلون من الداخل. خلفهم نسوة، أغلبهن من كبار السن، فاضت أعينهن بالدمع على وقع الزغاريد والصلوات. استجمعت احداهن قواها، صارخة: «حذاء السيد حسن أعلى من رؤوسهم». لم تشأ الإفصاح أكثر. قالت ان لا شيء آلمها كما آلمها أن يساء للسيد من قبل الخاطفين. دموع وعناق وزغاريد. حالة ربما لم تشهدها هذه القاعة في المطار قبلاً. إحدى السيدات العائدات قالت إن الخاطفين لم يكونوا ملثمين، وإنها حفظت ملامح البعض منهم، ويمكنها أن تفيد بها المعنيين. سُمع همساً من بعض المحتشدين أن المسؤول عن عملية الخطف هو ضابط سوري منشق برتبة نقيب، اسمه عمّار الدايخي. نقلت المعلومة إلى النائب الساحلي فدوّنها على محفظته. سيدة أخرى قالت إنها، ومعها سائر العائدات، تحدّين الخاطفين ورفضن العودة من دون الرجال، لكنهم «هددونا بالسلاح ولهذا عدنا حفاظاً على أرواح رجالنا، والآن كلنا ثقة بالسيد أن يعيدهم إلينا، وهو الذي ما وعد إلا وصدق».
وفي سياق المواقف التي أطلقت محلياً، اتصل رئيس الحكومة السابق سعد الحريري برئيس مجلس النواب نبيه بري، مستنكراً عملية الخطف «كائنة من كانت الجهة التي تقف وراءها، وعلى الخاطفين أن يعلموا أن الشعب اللبناني هو واحد موحد في هذه القضية». بدوره طالب النائب نهاد المشنوق بـ«الإفراج فوراً عن المدنيين اللبنانيين الذين تم احتجازهم في محيط مدينة حلب السورية»، مؤكداً أن هذا العمل مدان، وأنه «يمس بحرية الناس ومعتقداتهم، فلا يجوز التعرض لأمن المدنيين مهما كانت الاسباب ولأية طائفة انتموا». من جهته لفت وزير الخارجية عدنان منصور، في حديث إعلامي، إلى أن متابعة قضية المختطفين في حلب تجرى مع عدد من وزراء الخارجية العرب ووزير الخارجية التركي والامين العام للجامعة العربية، مشيراً إلى أن الاتصالات «أسفرت عن التأكد من مكان وجود المختطفين، وهم في أحد الأماكن التابعة للمعارضة السورية، ومن الممكن أن يتم اطلاقهم غداً (اليوم)». وكشف منصور أن «إحدى الجهات العربية رفيعة المستوى أبلغتني أن الخاطفين ينتمون إلى أحد فصائل المعارضة السورية». كلام منصور تقاطع مع كلام النائب رعد، الذي أدلى به في المطار، إذ قال: «لدينا ما يكفي من المؤشرات لنأمل إنهاءً سريعاً لهذه القضية التي زرعت القلق في لبنان الذي لا يحتاج الى مزيد ما يقلق اللبنانيين».
الاربعاء ٢٣ أيار ٢٠١٢
حلمي موسى
أثار قرار أصدرته حكومة جنوب أفريقيا يفرض على منتجات المستوطنات في الضفة الغربية المصدرة إليها أن تحمل إشارة خاصة، غضب الأوساط اليمينية في إسرائيل. بل إن الأمر استفزّ كالعادة حماة «الانتصاب القومي» في وزارة الخارجية الإسرائيلية من أنصار حزب «إسرائيل بيتنا» بزعامة أفيغدور ليبرمان. وقد استدعت الخارجية السفير الجنوب أفريقي في إسرائيل لتوبيخه على تجرؤ حكومته على اتخاذ مثل هذا القرار. ولكن هذا القرار في أساسه هو تتويج لقرار سبق واتخذته شركات تسويق أوروبية عدة أفلحت فيها حملات مقاطعة البضائع الإسرائيلية في تشكيل عنصر ضغط دفع حكومات إسرائيل للقبول بوضع شارة تمييز لبضائع منتجة في المستوطنات.
وكان وزير التجارة والصناعة الجنوب أفريقي روب ديفيس قد أعلن قبل أيام أن المستهلكين في بلاده لا ينبغي أن يبقوا مضللين عند شرائهم بضائع تنتج في الأراضي المحتلة ويظنون أنها بضائع تنتج في إسرائيل. وبحسب البلاغ، باتت مفروضة على التجار في جنوب أفريقيا مسؤولية وضع شارات على منتجات المستوطنات وعدم قبول وضع شارة «انتاج إسرائيل» عليها.
وأثار هذا القرار غضب الحكومة الإسرائيلية التي سارعت لاستدعاء سفير جنوب أفريقيا في تل أبيب وتوبيخ بلاده على هذا الموقف. وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية يغال بالمور أن «الأمر لا يتعلق بمعارضة سياسة للمستوطنات، وإنما خصوصاً إساءة للدولة عبر إشارة خاصة وفق معايير قومية، سياسية. وبناء عليه فإن هذه خطوة عنصرية في جوهرها. وما يصدمنا هو التفكير تحديداً بأن جنوب أفريقيا تبدي انعدام إحساس وتتحرّك بعمى في منزلق عنصري شديد».
ومن الواضح أن أكثر ما استفز إسرائيل في الخطوة الجنوب أفريقية ليس فقط أنها تصدر عن الدولة التي رمزت أكثر من غيرها للنضال ضد التفرقة العنصرية وإنما أيضاً حقيقة أن الوزير الذي اتخذ القرار هو وزير يهودي. وقد أشار رئيس مجلس المستوطنات في الضفة الغربية داني ديان إلى هذا الجانب عندما قال إن «المفاجئ هو أن متخذ القرار، وزير التجارة والصناعة الجنوب أفريقي روب ديفيس، يهودي. وهذا يثبت مرة أخرى أن اليهود من اليسار المتطرف يقودون بشدة أكبر الحملة الدعائية ضد دولة إسرائيل. هذا حال «جاي ستريت» في أميركا وديفيس وغولدستون في جنوب أفريقيا. ونحن سنثبت أن الاستيطان في يهودا والسامرة أقوى من كل الأعداء».
وكان وزير الخارجية الدنماركي، فيلي سوفندال، قد دعا لتمكين سلطات التسويق في الدنمارك لانتهاج أسلوب وضع شارات خاصة على منتجات المستوطنات. وحسب قوله فإن هذه خطوة تظهر بشكل واضح أن هذه المنتجات أنتجت في ظروف ليست مقبولة على حكومة الدنمارك ولا على الحكومات الأوروبية. وأعرب عن أمله في «أن نظهر بذلك للفلسطينيين في أرجاء العالم أننا نؤمن بأن المستوطنات ليست قانونية ومحظور استمرار البناء فيها».
ومن الواضح أن خشية إسرائيل من الخطوة الجنوب أفريقية ليست اقتصادية محضة وإنما سياسية ومعنوية. فحجم الصادرات الإسرائيلية لجنوب أفريقيا يصل إلى 538 مليون دولار سنوياً. وتصدر إسرائيل إلى هناك أساساً الألماس، كيماويات، آلات، أدوات حفر، بلاستيك ومعادن ومعدات اتصال. أما الدنمارك فتستورد من إسرائيل ما يصل إلى 336 مليون دولار سنويا وتتركز وارداتها على منتجات صناعية وزراعية.
وتعتبر إسرائيل أن انضمام كل من جنوب أفريقيا والدنمارك لحملة مقاطعة البضائع الإسرائيلية يشكل انتصاراً لحركة BDS الدولية (والتي أخذا اسمها من الأحرف الأولى لكلمات «مقاطعة»، «صرف استثمارات» و«عقوبات») الساعية لفرض العزلة على إسرائيل في كل النواحي الاقتصادية، السياسية والأكاديمية، بقصد تحويلها إلى دولة منبوذة. وتنظر إسرائيل إلى الأمر على أنه سابقة لأن هذه هي المرة الأولى التي تتخذ فيها دولة ذات سيادة، وليس شركة تجارية أو جمعية، قراراً بفرض عقوبات كهذه.
وكانت المرة الأولى التي طرح فيها أمر وضع إشارات على منتجات المستوطنات في العام 1999. وفي العام 2005 وقع إيهود أولمرت، بصفته وزير الصناعة والتجارة على اتفاق لترتيب الأمر مع مفوضية الاتحاد الأوروبي. وبحسب الاتفاق تضع إسرائيل إشارة على بضائع تنتج في الضفة الغربية، وباتت هذه البضائع لا تنال أفضليات ضريبية من الاتحاد كان يمنحها لمنتجات إسرائيلية. ومنحت الحكومة الإسرائيلية للمنتجين في المستوطنات تعويضات تناسب ما حرموا منه من امتيازات ضريبية في أوروبا.
عموماً هذا هو الحال مع الاتحاد الأوروبي، وهناك توصية من وزارة الزراعة البريطانية بوضع إشارات على منتجات المستوطنات، لكنها حتى الآن ليست توصية ملزمة. وكما سلف فإن إسرائيل تخشى من نجاحات حركة المقاطعة وامتدادها من مقاطعة بضائع المستوطنات إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية. ولا يقلّ عن ذلك أهمية أن جنوب أفريقيا افتتحت خط الدول التي توصي بأشكال من المقاطعة للمنتجات الإسرائيلية والتي ينظر لها على أنها خطوة في طريق نزع الشرعية عن إسرائيل.
أقام اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني ومركز مهدي عامل الثقافي لقاءاً فكرياً ثقافياً في الذكرى ال 25 لاستشهاد المفكر حسن حمدان (مهدي عامل) واحتفالاً بيوم الانتصار لحرية الكلمة والبحث العلمي في العالم العربي
وذلك نهار الأحد 20 أيار الماضي في قصر الأونيسكو قي بيروت.
افتتح النشاط بكلمة اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني ألقاها رئيس الاتحاد علي متيرك وكلمة مركز مهدي عامل الثقافي ألقتها إيفلين حمدان.
ثم بدأت الندوة الأولى بإدارة الدكتور حسان حمدان وقدم فيها الرفيق حسان زيتوني عرضاً للمراحل التي يمر بها القارئ عند دراسة مهدي عامل وكيفية تطور فهم النص العلمي عند الباحثين. كما قدم الرفيق مصطفى حجازي دراسة حول ما يواجه نص مهدي عامل راهناً والتغيرات التي يجب أخذها بالاعتبار عند دراسة مهدي في واقعنا الراهن. واختتمت الندوة بمجموعة من الأسئلة والمداخلات.
بعد الندوة توجه وفد من الحضور إلى ضريح الشهيد مهدي عامل برفقة عائلته ووضعوا إكليلاً من الورود على الضريح وأكدوا في كلمة مختصرة أن ذكرى مهدي يجب أن تكون في دراسة الحاضر وليس في استرجاع الماضي.
أما ندوة بعد الظهر فأدارها الرفيق عمر الديب. افتتحت الندوة بقراءات شعرية للشاعر سعيد ملاعب مما كتبه مهدي في الشعر. ثم قدم الرفيق ألكسندر عمار دراسة نظرية حول كيفية فهم الثورات العربية الحاصلة الآن في ضوء تحليل مهدي ومن منظار حركة التحرر الوطني. أما د. مفيد قطيش فقدم مداخلة شاملة لخص فيها المفاصل الأساسية لفكر مهدي عامل وكيفية فهم هذا الفكر في عصرنا الجديد، في ضوء التغيرات السياسية الحاصلة حالياً، وفي تطور مفهوم التبعية مع تطور الآليات الاقتصادية. وكان النقاش غنياً في هذه الندوة من قبل مجموعة واسعة من الرفاق والمختصين.
حضر اللقاء حشد متنوع من الشباب والناشطين والمثقفين والباحثين مما أغني النقاش من جوانب متنوعة.
وأعلن الاتحاد في ختام اللقاء عن نيته إصدار أعمال الندوة في كتيب يطبع لاحقاً، وعن إطلاق دعوة لتصميم بوسترات فنية بعنوان "حرية الكلمة والبحث العلمي في العالم العربي" من قبل طلاب ومصممين غرافيكيين ليصار إلى نشرها لاحقاً.
عقدت "لجنة حقوق المستأجرين في لبنان" و"تجمع المستأجرين" اجتماعا تحضيريا للتحرك المقرر من اجل مناقشة اقتراح قانون الايجارات الذي أقرته لجنة الادارة والعدل النيابية، ودرس اثاره على الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والاسكانية، وذلك من خلال المشاركة في المؤتمر الوطني للمستأجرين الذي سيعقد في قصر الاونيسكو في 23 الجاري عند الخامسة مساء.
وعقد اللقاء في مركز الاتحاد الوطني للنقابات في حضور رئيس الاتحاد كاسترو عبدالله ورئيس لجنة الدفاع عن المستأجرين نبيل العرجا وعدد من ممثلي النقابات.
وشدد المجتمعون على المشاركة الكبيرة في لقاء الاونيسكو لوضع آلية تحضيرية من المناطق كافة.
نظمت الجمعيات والمنظمات التالية:
اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني - التجمع الديمقراطي العلماني - مجلة الآداب - المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين - مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب - المنتدى الاشتراكي - النادي الثقافي الفلسطيني في الجامعة الأميركية في بيروت - النادي العلماني في الجامعة الأميركية في بيروت - ناشطون وناشطات مستقلين/ات - نسوية
اعتصاماً شبابياً حاشداً أمام المتحف الوطني قي بيروت تضامناً مع الأسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية ومع الأسرى العرب في السجون العربية وكافة معتقلي الرأي. رفع المعتصمون لافتات طالبت بحرية الأسرى ونددت بالممارسات القمعية السائدة من قبل كل الأنظمة العربية. ورفعت في الاعتصام صور كبيرة لعبد الهادي الخواجة وابراهيم الشريف المعتقلين في البحرين وسلامة كيلة المعتقل في سوريا ثم المنفي إلى الأردن وصور الأسرى الفلسطينيين وعلى رأسهم أحمد سعدات والمضربين عن الطعام بلال ذياب وثائر حلاحلة.
وألقى محمد صفا رئيس مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب كلمة بإسم المعتصمين قال فيها:
منذ ٦٤ عاماً وفلسطين تعلّمنا كيف نثابر، كيف نجعل من الانتفاضة والمقاومة خبزنا اليومي، علّمتنا ان لا نثق بحكامنا، علمتنا ان الحرية لا تنتجها سوى الشعوب، علمتنا قبل ان نعلم، كيف نقول "الشعب يريد".
ولما بدأت الشعوب العربية بتردادها، عرفنا حينها ان حرية فلسطين هي من حرية الشعوب العربية، عرفنا حينها ان معركتنا مع الاحتلال والامبريالية، هي معركتنا ضد انظمتنا، ضد البؤس والانهزام، ضد العمالة والفقر وضد الاستبداد والديكتاتورية.
فمن المحيط الى الخليج، نرى كيف تخرج النساء والرجال، والاطفال والكهول، يبنون/نين الحرية، يوماً بعد يوم، من المعتقل، الى الساحات، وفي المظاهرات، وفي شهدائهم/ن يبنون تراثاً آخر، تراثاً يتكلّم عن الحرية والعدالة والنضال.
ومن تونس الى مصر وسوريا، الى البحرين واليمن والسعودية، ومن فلسطين الى كل مدينة عربية، المعركة واحدة، معركة الشعوب ضد حكامها وضد الاحتلال والصهيونية.
فما يجمع بين سلامة كيلة ورزان غزاوي وعبد الهادي الخواجة وجميع معتقلي/ات الرأي في السجون العربية، وبين احمد سعدات وبلال دياب وثائر حلاحلة في سجون الاحتلال الاسرائيلي، هو اكبر من السجون التي تحتجزهم/ن، هو مسيرة حرية جميع الشعوب العربية ضد الاستبداد والاحتلال، ما يجمعهم هو النضال، هو عدم المساومة على حق الشعوب بالمقاومة والثورة.
مجلة الجزيرة العربية (البحرين): شارك عشرات النشطاء العرب مساء الأربعاء في فعالية تضامنية أمام مبنى المتحف الوطني ببيروت تطالب بالحرية لجميع معتقلين الرأي السياسي في سجون الاحتلال الإسرائيلي وفي السجون العربية.
وقد رفع النشطاء في الفعالية صورا للمعتقلين في السجون والمعتقلات، وعبارات تندد بأحكام الاضطهاد السياسي، بالإضافة إلى صورة نبيل رجب رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان، والتي توسطت أرض الاعتصام، وكذلك صورا للأمين العام لجمعية وعد إبراهيم شريف، والحقوقي الدولي المضرب عن الطعام عبد الهادي الخواجة.
والجدير بالذكر أن الفعالية من تنظيم مجموعة من مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية والعربية، وعدد من النشطاء الحقوقيين المستقلين.
كما في كل سنة، ينتظرون حلول ذكرى خروجهم قسراً، من أرضهم فلسطين. يتذكرون مفاتيح البيوت التي تدلّت، ذات يوم، من أعناقهم، يوم ظنّوا أن العودة قريبة، والمفتاح ينتظر دخول الأبواب الموصدة. ينتظرون ذكرى النكبة قبل حلولها، كأنها عرسٌ يذكرهم بما لا يُنسى، هم القاطنون في مخيمات سكنوها، ذات يوم، على أنها ممرّ موقت، فغدت المسكن المحتّم، بلا أي حقوق تنصف عيشهم، وغدهم.
ولمّا خُضّبت نكبتهم بالدماء، في العام الماضي، أضيف إلى الذكرى مأتم آخر، حملهم من نكبة إلى نكبة. وقد أحيت المخيمات الفلسطينية في لبنان، والمنظمات المدنية الذكرى الرابعة والستين للنكبة، بمسيرات واعتصامات ونشاطات، عبرت عن توق فلسطينيي الشتات للعودة إلى تراب الوطن.
في مارون الراس
تسند أم عبد الرحمن، وهي والدة الشهيد عبد الرحمن صبحا، علم فلسطين على كتفها، وتسير على الدرب إلى حدود فلسطين، حيث ارتفع ولدها شهيدا منذ عام ويوم. تسير كأنها تائهة عما يدور حولها من هتافات وتكبيرات. يرتفع أمام عينيها الدامعتين ذلك الشريط الشائك، الذي مزق ثياب ابنها، قبل أن تمزق رصاصات العدو جسده. تسير إلى أن يوقفها الجيش اللبناني، على بعد أمتار من الحدود. تتوه للحظات بين الذكريات، وتطير فوق تلك الحدود، قبل أن تستدير نحو صورة ابنها، التي علقت على مجسم خارطة فلسطين في ذكرى شهداء العودة، الذين سقطوا قبل عام ويوم، في أثناء إحيائهم يوم النكبة في مارون الراس. كان من المفروض أن تكون أم عبد الرحمن، أمس، وحيدة هي وذكرياتها أمام صورة ولدها، لكنها منعت من الزيارة، فخالفت موعدها الذي قطعته بيوم واحد، وجاءت إلى هنا.
أمس، أحيت عوائل الشهداء، وفصائل ولجان وروابط فلسطينية، ذكرى شهداء العودة من المكان الذين استشهدوا فوقه، ووضعوا اكاليل من الورد والقوا كلمات وهتفوا، وعادوا. وكانوا قبل ذلك قد عرّجوا على «حديقة إيران» في مارون الراس (علي الصغير)، فألقوا نظرة على فلسطين، قبل انتقالهم إلى المكان الذي أقاموا عليه مراسمهم بكل هدوء، تحت أنظار وانتشار كثيف للجيش اللبناني، منعا لحصول أي حماسة غير محسوبة من قبل المحتفلين. وكذلك كانت الصورة على المقلب الآخر من الحدود، فقد انتشر جيش العدوّ الإسرائيلي، إلى جانب تمركز عدد من الصحافيين الإسرائيليين، على احدى التلال المطلة على مكان الذكرى.
مرت الذكرى بهدوء وفق الحسابات وما هو مخطط له، وعادت عوائل الشهداء إلى مخيماتها بانتظار ذكرى جديدة.
المخيمات
أحيا أبناء «مخيم الجليل» في بعلبك (عبد الرحيم شلحة)، الذكرى أمس، بسلسلة من النشاطات التي تؤكد الالتزام بحق العودة وتحرير القدس. فقد نظمت «جمعية النجدة الفلسطينية» حملة رسوم في المخيم، قام بها الأطفال والفتية للتعبير عن مدى الالتزام بالقضية. كما نظمت الفصائل الفلسطينية مسيرة شعبية، تقدمتها أعلام فلسطين وقيادات الفصائل واللجان الشعبية. وألقى أمين السر لـ«حركة فتح» في البقاع فراس الحاج، كلمة في نهاية المسيرة، ربط فيها التزامن بين ذكرى النكبة وانتفاضة الأسرى في سجون العدو الصهيوني، داعياً إلى أوسع حملة تضامن مع الأسرى وقضيتهم . وأكد أهمية حق العودة ورفض التوطين والتمسك بالهوية الوطنية والثوابت الفلسطينية، التي أرساها الرئيس الراحل ياسر عرفات، معلناً استعداد «حركة فتح» الدائم لإتمام المصالحة الفلسطينية، بموجب اتفاقية القاهرة والدوحة، مع التأكيد على الشراكة السياسية والديموقراطية مع كافة الفصائل الفلسطينية.
وفي عين الحلوة (محمد صالح)، خرجت صرخة من أفواه «الشبيبة الفلسطينية» في مخيم عين الحلوة، معلنةً «اننّا نعاهد شهداءنا الأبرار، وأسرانا البواسل، أننا لن نفرط بذرة تراب من أرض فلسطين مهما كان ألم النكبة قاسياً، ولن نتنازل لآلة البطش الصهيونيّة مهما كلف الأمر، فستستمر قوافل الجيل الفلسطيني الجديد، الذي ولد معه حلم القدس والعودة في متابعة درب المقاومة، حتى تحرير جميع الأسرى والمعتقلين، واسترجاع كامل التراب الفلسطيني». جاء ذلك في الاعتصام الذي نظّمته «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» و«منظمة الشبيبة الفلسطينية» في المخيم، أمس، والذي تجسد بنصب خيمة عند مدخل المخيم، لمناسبة إحياء ذكرى النّكبة، وتضامناً مع الأسرى المعتقلين داخل السجون الصهيونية. وتحدث مسؤول الجبهة في صيدا والجنوب عبد الله الدنان، عن «الجرائم التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني، وتزايد الاستيطان بصورة غير مسبوقة في الضفة والقدس، ومحاولات التهويد وطمس الطابع العربي الإسلامي للقدس». وألقى كلمة «الشبيبة الفلسطينية» محمد حريز، مؤكداً «ضرورة العودة إلى الثوابت الفلسطينية، حتى تحرير كامل التراب الفلسطيني، وعودة الفلسطينيين إلى ديارهم، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس». ولم تختلف ذكرى النكبة في المخيم عن سابقاتها، فقد نفذ اللاجئون مسيرات ولقاءات ومهرجانات، شارك فيها حتى الأطفال.
كما نظمت «حركة الجهاد الإسلامي»، مهرجان العودة في مخيم الرشيدية في صور (حسين سعد). وألقى عضو المكتب السياسي في الحركة الشيخ نافذ عزام، كلمة عبر الهاتف، أكدا فيها ان «النكبة في العام 1948 كانت كالزلزال، الذي هز المنطقة وغيّر خارطتها». وأكد عزام أن «الشعب الفلسطيني، بعد مرور 64 عاماً، لا يزال يحلم بالعودة. ونؤكد لإخواننا في الشتات أن معاناتهم التي يعيشونها في المخيمات، تزيدنا إصراراً على التمسك بحق العودة، ولن نساوم عليكم». من جهتها، اعتبرت «رابطة العروبة والتقدّم»، في بيان أصدرته أمس، أن «ذكرى نكبة فلسطين مرّت أمس، أمام مواجهة العرب لها بصمت مريب. لم يخرج لإحياء ذكراها إلا الشعب الفلسطيني البطل، الذي لا يزال مستمراً في القتال والمواجهة بكل الأشكال، حتى اليوم، رغـــم كل الـــصعاب ورغم تخلّي الأنظمة العربية عنها».
شمالاً، رفع الأهالي الأعلام الفلسطينية والرايات السوداء فوق أسطح المنازل والمحال التجارية والسيارات. كما انطلقت مسيرة في مخيم نهر البارد شاركت فيها فصائل المقاومة واللجان الشعبية وفاعليات ووجهاء المخيم والمؤسسات الثقافية والتربوية والفرق الكشفية وحشد جماهيري، وتم وضع أكاليل من الزهور على أضرحة الشهداء وقراءة الفاتحة على أرواحهم. وألقى كلمة فصائل المقاومة واللجان الشعبية في الشمال جمال الشهابي ممثل حركة حماس في الشمال اعتبر فيها أن «سياسة التهويد والتهجير والمؤامرة، ما زالت فصولها منذ وعد بلفور وأن الحقوق لا تستجدى وإنما تنتزع انتزاعا». كما احتشد اهالي مخيم البداوي في تجمع جماهيري، ألقى فيه حسين زيد كلمة المؤسسات ولجنة مهرجان حق العودة في الشمال ناشد فيها الحكومة اللبنانية والاونروا «الإسراع لإعادة إعمار نهر البارد وعودة أهلنا الى بيوتهم على أمل العودة بعدها الى أرضنا فلسطين». أما كلمة فصائل المقاومة واللجان الشعبية في الشمال فألقاها أبو خالد غنيم عضو قيادة حركة فتح في الشمال، مطالبا الحكومة اللبنانية «باتخاذ قرار سياسي لإنهاء الحال العسكرية وإلغاء التصاريح وتسليم حي جنين والعقار 39 وأراضي منظمة التحرير التي تقع على العقار 36 لتحويل جزء منها الى مقبرة وإعادة إعمار حي المهجرين والجزء الجديد من المخيم والتعويض على العائلات والتجار وإعادة إعمار المباني المهدمة وتوفير الأموال لإعادة إعمار المخيم القديم والجديد».
لبنانيون يتذكرون..
وللمناسبة ذاتها، نفذ كل من «اتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني»، و«التجمع الديموقراطي العلماني»، و«مجلة الآداب» و«المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين»، و«مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب»، و«المنتدى الاشتراكي»، و«نسوية»، اضافة الى ناشطين وناشطات مستقلين، اعتصاماً أمام المتحف الوطني في بيروت أمس. وأعلن المعتصمون عن تضامنهم مع «جميع معتقلي الرأي في سجون الأنظمة والاستبداد العربي، ومع جميع الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي». وقالوا إن «فلسطين تعلّمنا كيف نثابر، منذ ٦٤ عاماً، وكيف نجعل من الانتفاضة والمقاومة خبزنا اليومي. علّمتنا أن لا نثق بحكامنا، وعلمتنا أن الحرية لا تنتجها سوى الشعوب، وعلمتنا قبل أن نعلم، كيف نقول: الشعب يريد».
غسان ريفي
لماذا تُركت طرابلس وحيدة على مدى ثلاثة أيام في مواجهة مصيرها المكتوب بحسابات السياسة المتسللة تحت «عباءة السلفيين» ومطالبهم، والمسلحين الفالتين من عقال كل السياسيين، ولماذا تهيّبت الدولة الموقف وانكفأت تاركة الشارع في أيدي «أشباح» استباحوا أحياء المدينة عن «بكرتها وأصيلها»، وانتشروا بين شوارعها الكبرى والصغرى يُسيّرون دوريات «راجلة ومؤللة»، ويستعرضون أسلحتهم الجديدة عند حواجزهم «الطيارة»؟
يخطئ من يعتقد أن معارك طرابلس العسكرية هي نتيجة تحرّك مطلبي رفضاً للاعدالة في قضية الموقوفين الإسلاميين، أو اعتراضاً على توقيف شخص بتهمة الانتماء الى «القاعدة» وأخواتها، لأن مسار الفراغ الأمني بدأ بالتدحرج منذ العاشر من شباط الماضي، عندما انفجر مستودع أسلحة وذخائر في منطقة أبي سمراء في طرابلس، وما تلاه من اشتباكات مفاجئة في التبانة، نجحت في إقصاء قضية انفجار المستودع عن الواجهة، ثم طوي التحقيق في هذه القضية برغم سقوط ضحايا وتوقيف أشخاص أفرج عنهم لاحقا بلا أي ضجيج.
في 22 نيسان 2012، عبرت طرابلس قطوعاً أمنياً جديداً عندما نجحت مسيرة ضد النظام السوري في افتعال إشكال أمني مع «حركة التوحيد الإسلامي» في محلة أبي سمراء، بعدما فشلت في استدراج مواقع أخرى مصنفة في خانة «القوى الحليفة لسوريا في طرابلس».
في 27 نيسان 2012، ضبط الجيش اللبناني الباخرة «لطف الله 2» وعلى متنها ثلاثة مستوعبات من الأسلحة والذخائر في مرفأ طرابلس.
في 8 ايار 2012، ضبط الجيش كمية من الذخائر مهربة في سيارتين إلى المدينة عبر المرفأ عينه.
وبين كل محطة من تلك المحطات، كانت ترتفع وتيرة التوتر في المدينة بتظاهرات أسبوعية ضد النظام في سوريا، ما لبثت أن انضمّت إليها اعتصامات متكررة في ساحة عبد الحميد كرامي (النور) للمطالبة بالإفراج عن الموقوفين الإسلاميين، وتحوّلت إلى اعتصام دائم تحت خيمة للإفراج عن موقوف واحد من بينهم (طارق مرعي)، خصوصاً بعدما تم الإفراج عن العميد فايز كرم المدان بالتعامل مع إسرائيل، إلى أن تم توقيف شادي المولوي يوم السبت الماضي بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي، فارتفعت وتيرة الاعتصامات في ساحة كرامي، وتطورت إلى قطع الطرق المحيطة بها بالإطارات المشتعلة، وتمدّد الوضع نحو أحياء عدة في المدينة، ليتطور الى انتشار مسلح غير مسبوق في تاريخ طرابلس منذ انتهاء الحرب الأهلية حتى يومنا هذا.
كانت الأمور واضحة منذ البداية: ثمة شيء ما يتم تحضيره للمدينة في «الغرف السوداء». حتى أبسط المتابعين كانوا مقتنعين بأن طرابلس على شفير مشكلة كبرى وأن الاحتقان المتراكم سينفجر بقوة... لكن المفارقة أن أي إجراء لم يتّخذ من قبل أحد لتدارك الموقف ومنع الانفجار.
جاءت معارك التبانة المتجددة فجر يوم الأحد الماضي، من خارج السياق، إذ لا علاقة بين تلك التحركات الاحتجاجية (توقيف الاسلاميين والمولوي) وحالة التوتر المستمرة بين التبانة وجبل محسن كجزء من جرح مفتوح منذ 12 أيار 2008 على خلفية أحداث 7 أيار في بيروت.
ساد الارتباك جميع القوى السياسية التي لم تكن تتوقّع أن يصدق حدسها. لكن الارتباك الأكبر ساد في أوساط فريق «الحكومة الطرابلسية». فالرئيس نجيب ميقاتي كان يعرف أنه مستهدف مباشرة في كل تلك التحركات والقلاقل الأمنية، وهو كان على اطلاع بحيثيات موثقة لقرار استراتيجي بإسقاط الاستقرار في طرابلس، كي يقال إنه لا يستطيع الحفاظ على استقرار «بيته» فكيف سيحفظ استقرار كل لبنان وأن الأمور لن تستقيم إلا بسابع من أيار جديد، ساحته طرابلس، لتصحيح الانقلاب الذي حصل منذ سنة ونيف على سعد الحريري.
برغم ذلك، وقع ميقاتي في حالة من الارتباك في طريقة التعامل مع ذروة الهجوم المنظّم على المدينة. واكتشف أنه أمام معادلة صعبة ومؤذية في جانبيها:
الأول، دفع الجيش لمواجهة حالة تريد تحويل المدينة إلى نموذج أكبر لـ«مخيم البارد»، مع ما يعني ذلك من مواجهة بين الجيش وشريحة من أبناء المدينة، علما أنه لم يسبق لرئيس حكومة أن استخدم الجيش في مواجهة مع المواطنين لوقف اشتباكات، والأمثلة كثيرة منذ تجربة الرئيس الشهيد رشيد كرامي في العام 1975 إلى تجربة الرئيس فؤاد السنيورة في العامين 2007 و2008. وثمة خشية دائمة لرؤساء حكومات لبنان من استخدام الجيش ضد أي مشكلة أمنية في الشارع، فكيف إذا كان هذا الشارع هو شارع مدينة ممثلة في الحكومة برئيسها وأربعة وزراء منها؟
الثاني، محاولة تغليب الحكمة في التعامل مع الأزمة برغم ما تحمله من مخاطر استمرارها لوقت أطول، وهو ما لجأت إليه الحكومة في معالجة المشكلة الحالية، مع ما يعني ذلك من مخاطر أن يكون الأمن بالتراضي.
في المحصلة، تمكن الجيش من فرض معادلة أن الأمن حاجة وطنية لأهل طرابلس كما لكل اللبنانيين، وفرض على السياسيين بمختلف مشاربهم، أن يرفعوا الغطاء السياسي عن كل المسلحين، حتى يكون قرار استعادة الأمن مهما كانت كلفته، موضع إجماع وطني، وبالفعل، كان ذلك كافياً لانكفاء المسلحين، ولو أن السلاح قابل للاستخدام مجددا.
على مدى ثلاثة أيام، تحوّلت طرابلس من صندوق بريد لرسائل تكتب بدماء فقراء باب التبانة وجبل محسن والقبة، إلى ساحة لتنفيس احتقان اقليمي وتحديدا سوري.. وهذا يعني، أنه في غياب الحوار الوطني والإجماع حول سياسة «النأي بالنفس»، ستكون جولة الحرب المقبلة أشرس من المعركة التي انتهت، وأن أسلحتها قد تتطور لتتمكن من تدمير الحجارة المتهالكة على جانبي شارع سوريا الفاصل بين التبانة وجبل محسن، وكذلك تهشيم صورة ما بقي من الدولة في طرابلس تمهيداً لإسقاطها في لبنان.
المجريات الميدانية
شهدت طرابلس، أمس، سباقاً بين من يريد ضبط الوضع الأمني ومن يريد إعادة عقارب الساعة الى الوراء وإبقاء المدينة في حالة الفلتان الذي عاشته على مدار الساعات والأيام الثلاثة الماضية.
فما ان استبشر الطرابلسيون خيراً بانتشار الجيش اللبناني في مناطق التبانة والقبة وجبل محسن والحارة البرانية والمنكوبين والذي بدأ فجرا واستمر حتى ساعات الظهر وأخمد نيران المعارك الضارية، وبدأت معه المدينة باستعادة بعض من حيوتها، حتى جاءهم صوت الرصاص ودوي القنابل اليدوية من أسواق المدينة الداخلية بفعل اشتباكات حصلت بين عائلتي النشار وهاجر على خلفية سياسية شاركت فيها عناصر سلفية، وأخرى تابعة لقوى 8 آذار.
وشملت تلك الاشتباكات سوق الصاغة، سوق العطارين، وسوق البازركان وأوقعت جريحين هما أحمد داوود وتوفيق حمود، ما أعاد الأمور الى نقطة الصفر فأقفلت المحال التجارية أبوابها وخلت الشوارع سريعا من السيارات، إلا أن الأمر لم يدم طويلا حيث بدا واضحا أن التوجيهات التي أعطاها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى قيادة الجيش كانت واضحة بعدم التساهل مع أية محاولات للعب بأمن المدينة.
وعلى الفور، سارع الجيش بمؤازرة فهود قوى الأمن الداخلي الى تطويق الاشتباكات بعد اتصالات عملت على خطها لجنة المساعي الحميدة وعدد من القيادات السياسية، لكن ذلك لم يثمر إعادة الحركة الى الشوارع التي بقيت خالية من السيارات والمارة بعد الظهر.
وبالعودة الى انتشار الجيش في المناطق الساخنة، فقد نجح الجيش اللبناني في ضبط الوضع الأمني وإسكات صوت الرصاص والقذائف الصاروخية، فعاد الأهالي الى منازلهم لتفقد الأضرار، فيما عملت الوحدات العسكرية على تسيير دوريات راجلة ومؤللة في مختلف المناطق، وأقامت فهود قوى الأمن الداخلي حواجز ثابتة في مختلف الشوارع وعملت على تفتيش السيارات والتأكد من أوراق أصحابها، كما أوقفت عددا من الدراجات النارية المخالفة.
الجيش: الأمن حاجة وطنية
وصدر عن قيادة الجيش اللبناني البيان الآتي: «استكملت وحدات الجيش فجر اليوم (أمس) عملية الانتشار في المناطق التي شهدت اشتباكات مسلحة في طرابلس، وخصوصاً في أحياء جبل محسن وباب التبانة وشارع سوريا، وأعادت الوضع إلى طبيعته، وهي تقوم بتسيير دوريات وإقامة حواجز في شوارع المدينة لمنع الإخلال بالأمن ولتمكين المواطنين من ممارسة حياتهم الطبيعية. كما تم تعزيز قوى الأمن الداخلي في المدينة للمساعدة في تسيير أمور المواطنين وحفظ النظام.
إن قيادة الجيش إذ تأسف لسقوط الضحايا البريئة في صفوف المدنيين والعسكريين، تؤكد أن فرض الأمن هو حاجة وطنية لكل اللبنانيين، وأن الفوضى لن تكون في مصلحة أحد، وأن وجود الجيش في طرابلس أو في أي منطقة أخرى هو لحماية الاستقرار فيها، وليس لمواجهة الأهالي أو الاشتباك معهم، ولهذه الغاية لا تعنيه المواقف التحريضية أو الاستفزازية الصادرة من هنا أو هناك، والتي تدعو الجيش مرّةً لعدم التدخل، ومرّةً لضرب شعبه وبالتالي توريطه في أوضاع تسيء إلى دوره، ولا تخدم أمن المواطنين واستقرارهم.
إن قيادة الجيش تراهن مجدداً على وعي أهل المدينة ووقوفهم إلى جانب جيشهم، وتؤكد قرارها الحاسم بإزالة كل المظاهر المسلحة من المدينة، بما في ذلك إطلاق النار من دون إنذار باتجاه أي مسلح فور مشاهدته، كما أنها ستقوم بكلّ ما من شأنه الحفاظ على السلم الأهلي ومنع الفوضى».
ويعقد مجلس الأمن الفرعي في الشمال اجتماعا في سرايا طرابلس عند الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم، بمشاركة وزير الداخلية العميد مروان شربل.
يذكر أن التدابير الأمنية تركت ارتياحا في صفـوف المواطنين الذين توجهوا صباحا الى أماكن عملهم، فيما أبقـت المدارس أبـوابها مقفلة على أن تستأنف التدريس المعتاد اعتبارا من صباح اليوم.
في غضون ذلك، باشرت الورش الفنية في بلدية طرابلس وكهرباء لبنان وسائر المؤسسات بإصلاح الأعطال التي خلّفتها المواجهات، على أن تقوم الهيئة العليا للاغاثة بالكشف على الأضرار في الساعات المقبلة.
وتفقد رئيس بلدية طرابلس الدكتور نادر غزال مناطق التبانة وجبل محسن واستمع الى شكاوى الأهالي الذين طالبوا بالاسراع برفع الردميات من الشوارع وإعادة تنظيفها، وأكد غزال أن المعاناة واحدة في هذه المنطقة التي تضم التبانة وجبل محسن، ونحن بتنا نأسف أن تتحول الى صندوق بريد بدلاً من أن يسعى الجميع الى إعادتها لسابق عهدها «باباً للذهب» وليس باب التبانة. وقال غزال إن البلدية أوعزت الى رؤساء الدوائر بمباشرة العمل فور جهوزية الشـارع وأهليته لاستقبال آليات التنظيف وورش الطوارئ.
وعقد نقباء المهن الحرة اجتماعا في دار نقابة المحامين في طرابلس، وأكدوا أن أمن طرابلس والطرابلسيين فوق كل اعتبار وأن طرابلس مدينة للسلام والعيش المشترك والمصالحة المستمرة وهي ترفض كل مظاهر التفرقة والتقاتل وتعتبرها غريبة عن طبيعة أبنائها. وأكد المجتمعون عدم قبولهم «ببقاء طرابلس بؤرة للنزاعات وصندوق بريد للرسائل المتفجرة».
امجد سمحان
أحيا الفلسطينيون، أمس، الذكرى الرابعة والستين للنكبة، حيث خرج الآلاف في تظاهرات عمّت مدن الضفة الغربية وبلداتها وقراها، وداخل القدس المحتلة، وأراضي العام 1948، وقطاع غزة، رافعين شعاراً واحداً «راجعين راجعين»، فيما امتلأت المستشفيات الفلسطينية بالجرحى الذين سقطوا في مواجهات مع جنود الاحتلال عند نقاط التماس.
وأصيب أكثر من 300 فلسطيني خلال مواجهات بالقرب من سجن «عوفر» في غربي مدينة رام الله، وبالقرب من حاجز قلنديا العسكري في شمالي القدس المحتلة.
وانطلقت مسيرة من مدينة رام الله في الضفة باتجاه سجن «عوفر»، ضمن فعاليات إحياء ذكرى النكبة، وللتأكيد على دعم الأسرى، وللتشديد على أن نجاحهم في تحقيق أهدافهم، ضمن إطار معركة «الأمعاء الخاوية»، لا يعني توقف الفعاليات الداعمة لهم.
ودفعت قوات الاحتلال بأعداد كبيرة
من جنودها الى المكان، وأطلقت الرصاص المطاطي وقنابل الغاز بغزارة شديدة.
كذلك، شهدت أنحاء عديدة في الضفة مواجهات كان أبرزها حين حاول مئات الفلسطينيين اجتياز أحد الحواجز العسكرية في غربي رام الله، محاولين «الزحف نحو مدينة الرملة المحتلة». وأفاد شهود عيان بأن جنود الاحتلال اعتدوا بالضرب المبرح على المشاركين في الفعاليات قبل اعتقال عدد منهم.
وفي مدينة بيت لحم، أصيب أكثر من خمسين فلسطينياً بجروح بعد إطلاق جنود الاحتلال الرصاص المعدني المطاط وقنابل الغاز. وحاول شبان فلسطينيون اقتحام مسجد «بلال بن رباح» في بيت لحم قبل أن تتدخل قوات الاحتلال وتمنعهم، بعدما هددت باقتحام المدينة بالكامل في حال لم ينسحب الشبان من محيط المسجد الذي تحتله إسرائيل وتزعم أنه «آثار يهودية».
إلى ذلك، شهدت مدينة القدس المحتلة منذ ساعات الفجر الأولى مواجهات عنيفة في منطقة العيسوية ومعبر قلنديا في شمالي القدس، بعدما اقتحمت قوات الاحتلال العيسوية، وانتشرت في شوارعها وأحيائها.
وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن مواجهات سجلت في ثلاثة أماكن رئيسية هي حاجز قلنديا، وحاجز بيتونيا بالقرب من سجن «عوفر»، وعند «قبر راحيل» في بيت لحم، حيث اشتبك نحو 200 شخص مع الجيش، مشيراً إلى إصابة جنديين إسرائيليين.
وأصيب أكثر من 25 فلسطينياً بحالات إغماء واختناق في المنطقة الزراعية في شمالي قطاع غزة إثر إطلاق الاحتلال قنابل الغاز المسيلة للدموع بشكل مفاجئ في بلدة بيت حانون.
وبعيداً عن المواجهات، شاركت حشود من الفلسطينيين في تظاهرة مركزية في مدينة رام الله.
وفي نابلس في شمالي الضفة، تجمع الآلاف أمام مقرّ وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا) لتأكيد حق العودة. وفي الخليل في جنوبي الضفة، خرج الآلاف للتظاهر حاملين الأعلام الفلسطينية وصور الأسرى.
وفي هذه الأثناء، تظاهر آلاف الفلسطينيين في قطاع غزة أمام مقر الأمم المتحدة وسط الدعوة لعدم العودة للمفاوضات مع إسرائيل والتمسك بالوحدة وخيار المقاومة.
وفي أراضي العام 1948، نظمت تظاهرة مركزية أخرى في قرية اللجون المهجّرة المحاذية لمدينة أم الفحم داخل الخط الأخضر، حيث شارك المئات إحياءً لذكرى النكبة.
وشهد المهرجان، الذي دعت له لجنة المتابعة العليا لفلسطينيي 48، مشاركة مجموعة من القيادات السياسية والدينية والشبابية في الداخل الفلسطيني، حيث أكّد المشاركون على ضرورة التمسّك بحق العودة.
وفي السياق، نفذت مختلف المدن والبلدات الفلسطينية داخل أراضي 1948 إضراباً عاماً، في وقت انطلقت مسيرات شعبية من مراكز المدن رافعة الأعلام الفلسطينية وأسماء أكثر من 500 قرية ومدينة دمّرتها العصابات الصهيونية وهجّرت سكانها.
في هذا الوقت، أعلن الأسرى الإداريون الخمسة، ومن بينهم بلال ذياب وثائر حلاحلة، موافقتهم على اتفاق إنهاء الإضراب المفتوح عن الطعام، اعتباراً من فجر أمس.
الأخبار: منذ اللحظة الاولى لتسلمه الحكم، حرص الرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا هولاند على تكريس القطيعة مع عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، منتقداً احتكار الأخير للسلطة ومتعهداً بعدم التفرد بالحكم بالتزامن مع مصارحته الفرنسيين بصعوبة التحديات الداخلية الواجب عليهم التعامل معها خلال ولايته الاولى وبشكل خاص أزمة المديونية. في هذه الأثناء، يتوقع فيه أن يعلن اليوم رئيس الحكومة المكلف جان مارك إيرو، عن تشكيلته الوزارية الجديدة من دون أن يعرف حتى اللحظة ما اذا كانت الحكومة الأولى في عهد هولاند شخصيات يسارية من خارج الحزب الاشتراكي، أم هل ستكون حكومة مصغرة تقتصر على الاشتراكيين
عثمان تزغارت
باريس | في خطابه الاول في قصر الإليزيه، بعد تسلمه الحكم، حرص الرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا هولاند على الظهور بأسلوب وخطاب مغايرين جذرياً لسلفه، الرئيس المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي. وقال هولاند في خطاب تسلمه الحكم «أريد أن أوجه رسالة ثقة إلى الفرنسيين، بالرغم من أنني أدرك جيداً ثقل العقبات التي ستعترضني في هذا المنصب وفي مقدمتها المديونية الضخمة». وأضاف «سأحدد الأولويات، لكنني لن أتخذ بنفسي كل القرارات، ولن أتدخل في كل شيء وفي كل مكان». وأراد هولاند بذلك أن يبرز الفرق بينه وبين ساركوزي، الذي كان يلقب بالـ«سوبر رئيس»، لتدخله في كل صغيرة وكبيرة في تفاصيل العمل الحكومي.
وهو ما انتقده هولاند خلال المناظرة الانتخابية، قائلاً لساركوزي: «أنا كرئيس للجمهورية سأحترم المؤسسات، ولن أعتدي على صلاحيات رئيس الحكومة، كما فعلتَ حيث وصفته بأنه أحد معاونيك». وواصل هولاند انتقاد أداء سلفه ساركوزي بقوله «إن السلطة في أعلى هرم الدولة يجب أن تُمارس بما يليق بها من كرامة وبساطة. فالفرنسيون يحتاجون إلى التهدئة والمصالحة وإلى دولة عادلة وغير منحازة لطرف ضد آخر أو فئة ضد أخرى».
وأجمع المراقبون على اعتبار أن البرنامج الذي اختاره هولاند للساعات الأولى الموالية لتسلمه الحكم عكس خيارات تهدف إلى إبراز قطيعة رمزية مع الشطط الساركوزي، للظهور بصورة «رئيس عادي» على حد تعبير هولاند، ومغاير بشكل تام لمفهوم الـ«سوبر رئيس» الذي ارتبط بساركوزي. وتضمن البرنامج الفقرات التقليدية المعمول بها في أعراف الجمهورية الخامسة، ومنها صعود الشانزيليه في سيارة مكشوفة لتحية جموع الفرنسيين، ووضع باقة ورد على ضريح الجندي المجهول، تحت «قوس النصر» في ساحة شارل ديغول، في أعلى الشانزيلييه. ثم التوجه إلى قصر الإليزيه حيث استقبل الرئيس المنتهية ولايته الرئيس الجديد في احتفالية رسمية، تلاها اجتماع على انفراد لتبادل الشيفرة النووية وغيرها مما يوصف بـ«أسرار الدولة». ثم جرت مراسم التنصيب الرسمي للرئيس الجديد من قبل رئيس المجلس الدستوري، جان لوي دوبريه. ثم اختتم المراسم بالخطاب التقليدي الذي يفتتح الولاية الرئاسية.
إلى جانب هذه الفقرات التقليدية التي لا يشذ عنها أي رئيس فرنسي يتسلم الحكم، يقوم كل رئيس جديد باختيار فقرات إضافية في برنامج تسلم الحكم، غالباً ما تكون ذات بعد رمزي يعكس شخصية الرئيس ومساره وأولويات برنامجه السياسي. عام 1981، إثر الفوز التاريخي لليسار، اختار ميتران التوجه إلى «البانتيون» («مقربة العظماء»، التي أُنشئت بعد قيام الثورة الفرنسية، يُنقل إليها رفات الشخصيات المؤثرة في الحياة السياسية والثقافية للبلاد)، ليضع وردة حمراء على قبر شهيد اليسار الفرنسي. أما هولاند فقد اختار خطوة مزدوجة تمثلت في وضع باقة ورد على قبر جول فيري، مؤسِّس المدرسة العلمانية الإجبارية في فرنسا، وأخرى على قبر العالمة ماري كوري.
من خلال تكريم جول فيري، أراد هولاند التشديد على مبدأ العلمانية، وترجمة وعوده بأن يعيد الاعتبار إلى قطاع التعليم العمومي الذي عانى الكثير من الخفوضات في الميزانيات وفي أعداد المدرسين في عهد ساركوزي. أما الخطوة الثانية، فقد كان القصد منها تثمين البحث العلمي، الذي صنع التفوّق الفرنسي في عصر النهضة الصناعية. وكان اختيار ماري كوري موفقاً على الصعيد الرمزي، لأنها إلى جانب تفوقها العلمي كانت رمزاً لتحرر النساء، الذي كان على الدوام في قلب نضالات اليسار. ولا تزال ماري كوري إلى اليوم الشخصية الوحيدة التي نالت جائزة نوبل مرتين (في مجال الفيزياء عام 1903، ثم في الكيمياء عام 1911).
وكان لافتاً أن هولاند حرص حتى في اختياره للرموز اليسارية في برنامج تسلمه الحكم على إبراز صورته كـ«رئيس عادي»، بعيداً عن مظاهر الفخامة التي ألقت بظلالها حتى على مراسم تسلم الحكم من قبل الرئيس اليساري الوحيد الذي سبقه في دخول الإليزيه، أي فرنسوا ميتران. وقد حرصت أقطاب الحزب الاشتراكي على إبراز هذا المعطى والإشادة بأن هولاند يريد أن يكون «رئيساً عادياً لفترة مشوبة بالتحديات الاستثنائية».
وكان شعار «الرئيس العادي» قد برز تلقائياً خلال الحملة الانتخابية، إثر ارتكاز انتقادات على الشطط اتسم به عهد «السوبرـ رئيس» ساركوزي في كتاب عن سيرة هولاند صدر هذا الأسبوع، بعنوان «الرجل الذي لم يكن يريد أن يصبح رئيساً». ونقل الصحافيان أنطوانان أندري وكريم ريسولي عن فرانسوا هولاند قوله إن شعار «الرئيس العادي» لم يتم التخطيط له سلفاً من قبل الخبراء الذين أعدوا شعارات حملته، بل خطر عفويا في ذهن نزيل الإليزيه الجديد، أثناء زيارته الجزائر، في آذار 2008 في بدايات حملة ترشيحه للرئاسة، ولم يكن وقتها يتصور أنه سيصبح شعاره الرئيسي بعد دخول الإليزيه.
ونقل الكاتب عن فرانسوا هولاند قوله: «كنت خارجاً من بيت (الرئيس الجزائري الراحل) أحمد بن بله، في حي باب الواد الشعبي، بالعاصمة الجزائرية، وسألني أحد الصحافيين المرافقين لنا إن لم أكن «طيباً» أكثر من اللزوم لتولي المنصب الرئاسي، فرددت: أنا طيب، نعم. لكنني قوي العزيمة. ولا تناقض في ذلك، فأنا شخص عادي. وأعتقد أنه حان الأوان لتولي «رئيس عادي» الحكم في فرنسا، بعد الشطط الذي رأيناه في عهد الـ«سوبرـ رئيس» ساركوزي»!
إيرو على رأس الحكومة
أعلن الأمين العام الجديد لقصر الإليزيه، بيار ـ رونيه ليماس، أمس، أن الرئيس فرانسوا هولاند قرّر تعيين جان مارك إيرو (الصورة)، رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي، رئيساً للحكومة. ويرتقب أن يكشف إيرو عن تشكيلة حكومته ظهر اليوم. وتشير التسريبات الأولية الى أن الأمينة العام للحزب الاشتراكي، مارتين أوبري، التي كانت منافسة إيرو الأبرز على منصب رئاسة الوزراء ستكون «الرجل الثاني» في الحكومة، برتبة وزيرة دولة. لكن لم يُعرف المنصب الذي ستتولاه، حيث تتضارب التقديرات التي تتوقع أن تتولى أوبري وزارة بارزة قد تكون وزارة العمل أو التعليم أو العدل.
ولُم يعرف بعد هل ستتضمن هذه الحكومة الأولى في عهد هولاند شخصيات يسارية من خارج الحزب الاشتراكي، أم هل ستكون حكومة مصغرة تقتصر على الاشتراكيين، على أن تتوسع في وقت لاحق، بعد الانتخابات البرلمانية، التي ستجرى الشهر المقبل، لتخصيص حقائب وزارية لبقية الحلفاء اليساريين، وفي مقدمتهم «جبهة اليسار» و«حزب الخُضر».
وتشير التسريبات الأولية الى أن زعيم تيار يمين الحزب الاشتراكي، مانويل فالس، سيتولى منصب وزير الداخلية، فيما يرجح أن يتولى رئيس الوزراء السابق، لوران فابيوس، منصب وزير الخارجية، ما يعني أن الدبلوماسية الفرنسية ستبقى، حتى بعد رحيل ساركوزي عن الحكم، بيد شخصية معروفة بميولها الصهيونية.
الاربعاء ١٦ أيار ٢٠١٢