حلمي موسى
أثار قرار أصدرته حكومة جنوب أفريقيا يفرض على منتجات المستوطنات في الضفة الغربية المصدرة إليها أن تحمل إشارة خاصة، غضب الأوساط اليمينية في إسرائيل. بل إن الأمر استفزّ كالعادة حماة «الانتصاب القومي» في وزارة الخارجية الإسرائيلية من أنصار حزب «إسرائيل بيتنا» بزعامة أفيغدور ليبرمان. وقد استدعت الخارجية السفير الجنوب أفريقي في إسرائيل لتوبيخه على تجرؤ حكومته على اتخاذ مثل هذا القرار. ولكن هذا القرار في أساسه هو تتويج لقرار سبق واتخذته شركات تسويق أوروبية عدة أفلحت فيها حملات مقاطعة البضائع الإسرائيلية في تشكيل عنصر ضغط دفع حكومات إسرائيل للقبول بوضع شارة تمييز لبضائع منتجة في المستوطنات.
وكان وزير التجارة والصناعة الجنوب أفريقي روب ديفيس قد أعلن قبل أيام أن المستهلكين في بلاده لا ينبغي أن يبقوا مضللين عند شرائهم بضائع تنتج في الأراضي المحتلة ويظنون أنها بضائع تنتج في إسرائيل. وبحسب البلاغ، باتت مفروضة على التجار في جنوب أفريقيا مسؤولية وضع شارات على منتجات المستوطنات وعدم قبول وضع شارة «انتاج إسرائيل» عليها.
وأثار هذا القرار غضب الحكومة الإسرائيلية التي سارعت لاستدعاء سفير جنوب أفريقيا في تل أبيب وتوبيخ بلاده على هذا الموقف. وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية يغال بالمور أن «الأمر لا يتعلق بمعارضة سياسة للمستوطنات، وإنما خصوصاً إساءة للدولة عبر إشارة خاصة وفق معايير قومية، سياسية. وبناء عليه فإن هذه خطوة عنصرية في جوهرها. وما يصدمنا هو التفكير تحديداً بأن جنوب أفريقيا تبدي انعدام إحساس وتتحرّك بعمى في منزلق عنصري شديد».
ومن الواضح أن أكثر ما استفز إسرائيل في الخطوة الجنوب أفريقية ليس فقط أنها تصدر عن الدولة التي رمزت أكثر من غيرها للنضال ضد التفرقة العنصرية وإنما أيضاً حقيقة أن الوزير الذي اتخذ القرار هو وزير يهودي. وقد أشار رئيس مجلس المستوطنات في الضفة الغربية داني ديان إلى هذا الجانب عندما قال إن «المفاجئ هو أن متخذ القرار، وزير التجارة والصناعة الجنوب أفريقي روب ديفيس، يهودي. وهذا يثبت مرة أخرى أن اليهود من اليسار المتطرف يقودون بشدة أكبر الحملة الدعائية ضد دولة إسرائيل. هذا حال «جاي ستريت» في أميركا وديفيس وغولدستون في جنوب أفريقيا. ونحن سنثبت أن الاستيطان في يهودا والسامرة أقوى من كل الأعداء».
وكان وزير الخارجية الدنماركي، فيلي سوفندال، قد دعا لتمكين سلطات التسويق في الدنمارك لانتهاج أسلوب وضع شارات خاصة على منتجات المستوطنات. وحسب قوله فإن هذه خطوة تظهر بشكل واضح أن هذه المنتجات أنتجت في ظروف ليست مقبولة على حكومة الدنمارك ولا على الحكومات الأوروبية. وأعرب عن أمله في «أن نظهر بذلك للفلسطينيين في أرجاء العالم أننا نؤمن بأن المستوطنات ليست قانونية ومحظور استمرار البناء فيها».
ومن الواضح أن خشية إسرائيل من الخطوة الجنوب أفريقية ليست اقتصادية محضة وإنما سياسية ومعنوية. فحجم الصادرات الإسرائيلية لجنوب أفريقيا يصل إلى 538 مليون دولار سنوياً. وتصدر إسرائيل إلى هناك أساساً الألماس، كيماويات، آلات، أدوات حفر، بلاستيك ومعادن ومعدات اتصال. أما الدنمارك فتستورد من إسرائيل ما يصل إلى 336 مليون دولار سنويا وتتركز وارداتها على منتجات صناعية وزراعية.
وتعتبر إسرائيل أن انضمام كل من جنوب أفريقيا والدنمارك لحملة مقاطعة البضائع الإسرائيلية يشكل انتصاراً لحركة BDS الدولية (والتي أخذا اسمها من الأحرف الأولى لكلمات «مقاطعة»، «صرف استثمارات» و«عقوبات») الساعية لفرض العزلة على إسرائيل في كل النواحي الاقتصادية، السياسية والأكاديمية، بقصد تحويلها إلى دولة منبوذة. وتنظر إسرائيل إلى الأمر على أنه سابقة لأن هذه هي المرة الأولى التي تتخذ فيها دولة ذات سيادة، وليس شركة تجارية أو جمعية، قراراً بفرض عقوبات كهذه.
وكانت المرة الأولى التي طرح فيها أمر وضع إشارات على منتجات المستوطنات في العام 1999. وفي العام 2005 وقع إيهود أولمرت، بصفته وزير الصناعة والتجارة على اتفاق لترتيب الأمر مع مفوضية الاتحاد الأوروبي. وبحسب الاتفاق تضع إسرائيل إشارة على بضائع تنتج في الضفة الغربية، وباتت هذه البضائع لا تنال أفضليات ضريبية من الاتحاد كان يمنحها لمنتجات إسرائيلية. ومنحت الحكومة الإسرائيلية للمنتجين في المستوطنات تعويضات تناسب ما حرموا منه من امتيازات ضريبية في أوروبا.
عموماً هذا هو الحال مع الاتحاد الأوروبي، وهناك توصية من وزارة الزراعة البريطانية بوضع إشارات على منتجات المستوطنات، لكنها حتى الآن ليست توصية ملزمة. وكما سلف فإن إسرائيل تخشى من نجاحات حركة المقاطعة وامتدادها من مقاطعة بضائع المستوطنات إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية. ولا يقلّ عن ذلك أهمية أن جنوب أفريقيا افتتحت خط الدول التي توصي بأشكال من المقاطعة للمنتجات الإسرائيلية والتي ينظر لها على أنها خطوة في طريق نزع الشرعية عن إسرائيل.