اشتعلت طرقات الضاحية بالغضب أمس، ومعها بعض مناطق الأطراف، إثر خطف 11 لبنانياً في سوريا على يد «الجيش السوري الحر». هذا ما نقله بعض النسوة المفرج عنهن. «إنهم أمانة في أعناقنا». هكذا طمأن السيد حسن نصر الله الأهالي، كاشفاً عن اتصالات وساطة مع «دول اقليمية مؤثرة ». ليلاً عادت النسوة إلى بيروت، وكان المطار محجة للأهالي والمتضامنين، لكن مصير الرجال بقي مجهولاً
محمد نزال
«لم نكن قد ابتعدنا عن الحدود مع تركيا أكثر من كيلومترين، حتى اعترض طريقنا مسلحون داخل الأراضي السورية، فصعدوا معنا على متن الباص الذي كنت فيه، وكذلك فعلوا مع الباص الثاني التابع لنا أيضاً، ليأخذونا بعدها إلى مزرعة بعيدة عن الطريق. هناك أنزلوا الرجال، وهم 11 رجلاً، فيما سمحوا لنا نحن النساء بالمغادرة». هذا ما روته الحاجة حياة لـ«الأخبار»، مساء أمس، في اتصال هاتفي أثناء وجودها في أحد فنادق حلب، ومعها نحو 40 سيدة، قبل وصولهن إلى بيروت.
وتضيف حياة في روايتها: «ظهر المسلحون فجأة أمامنا، بكامل جهوزيتهم، ففهمنا أن كميناً أعد لنا. وجهوا أسلحتهم إلى سائق الباص، وأخبرونا أنهم من الجيش السوري الحر، وأنهم يريدون خطف الرجال بهدف مبادلتهم برجال لهم معتقلون لدى السلطات السورية». اللافت، بحسب رواية الشاهدة، أن الخاطفين أرشدوا النسوة، ومعهن أحد السائقين، إلى مكان مركز الشرطة في حلب، وطلبوا منهن إبلاغ رجال الأمن بما حصل، وأنه «على الشرطة أن تتصل بنا وهم يعرفون من نحن». وتضيف حياة: «لم نتعرض لأي عنف جسدي من قبل الخاطفين، ولكننا لا نعلم ماذا حصل لرجالنا بعد مغادرتنا، كما لم يتعرضوا لنا بأي إهانات شخصية، لكنهم كانوا يوجهون السباب إلى حزب الله ورموزه ».
أثناء رواية حياة لما حصل، كانت الغضب يلف شوارع الضاحية الجنوبية في بيروت، إذ لم يكد يشيع الخبر، عصر أمس، حتى قطع شبّان غاضبون الطرقات، مستخدمين الحاويات والإطارات المشتعلة. عند تقاطع مار مخايل كان التجمع الأكبر للغاضبين. حماسة بعض الشبّان دفعتهم للبحث عن سيارات تحمل لوحات سورية، بغية «فش خلقهم» وربما خطف من فيها. كاد البعض يفعلها هناك، لولا تدخل مسؤول من حزب الله ولجم حماستهم، موضحاً لهم أنه «لا تزر وازرة وزر أخرى». عبثاً كان الرجل يحاول تهدئة الشبّان، الذين كانوا يراكمون الإطارات فوق بعضها، في ظل تزايد أعداد المتجمعين في الساحة. لمحهم المسؤول يتوجهون ناحية منطقة الصياد، لتوسيع رقعة احتجاجهم، فباشر الاتصالات بـ«فوق» لإخبارهم أن الأمور «قد تفلت من يدنا». لم يكن الجيش حاضراً هذه المرة في مار مخايل. عند تقاطع جسر المطار لم يكن الوضع أفضل، وكذلك عند مفرق برج البراجنة أمام جامع الرسول الأعظم، وأحياء أخرى في الضاحية. سماء الضاحية صار لونها أسود. راحت رقعة الغضب تتسع لتصل إلى قلب العاصمة، وبعيداً ناحية البقاع، ما دفع بالنائب علي عمار للإطلالة عبر الشاشة، قائلاً لأهالي المخطوفين، وللمنتشرين في الطرقات، ان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله سيطل خلال دقائق ليخاطبهم.
«أولادكم وإخوانكم أمانة في أعناقنا، والمسؤولية الآن على الدولة وكل المعنيين. وسنعمل بالليل والنهار ليكون الاحبة بيننا». هكذا خاطب نصر الله أهالي المخطوفين، الذين احتشدوا في مجمع الكاظم في الضاحية، حيث مقر منظم حملة «بدر الكبرى» لزيارة العتبات المقدسة. أضاف نصر الله: «نفهم الانفعال ولكن نخاف أن يدخل أحد على الخط، كما أن من الممنوع الكلام عن خطف سوريين في لبنان، لأنهم إخواننا وأهلنا»، كاشفاً عن إجراء اتصالات بـ«دول اقليمية مؤثرة بهذا النوع من الملفات، ونحن لن نعدم أي وسيلة». بعض الأهالي قالوا إن السيد يقصد بكلامه تركيا. كان نصر الله مستشعراً خطورة ما يحصل في الشارع، بعدما وصلته طبيعة ردّة فعل الغاضبين، وما ينوي البعض القيام به كردة فعل، فتوجه إلى الشبّان في الطرقات، قائلاً لهم: «الناس من حقهم الاعتصام في ساحة أو باحة أو مسجد، ولكن باسم قيادة حركة أمل وحزب الله، أقول لكم إنه لا يجوز أن يقطع أحد الطرقات، لأن هذا لا يفيد بشيء، بل يضرنا».
أحد المعنيين في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، أوضح لـ«الأخبار» أنه قبل نحو شهر عمم المجلس على منظمي حملات الزيارة الامتناع عن تنظيم الحملات التي تمر عبر الأراضي السورية. ولفت المسؤول إلى أن البعض لم يتلزم بهذه التعليمات، ظناً منهم «أن الاختلافات مهما اشتدت في سوريا، فإنها لن تطالهم، إذ لا علاقة لهم بما يحصل هناك». يذكر أن التنبيه المذكور صدر بعد الحادث الذي وقع عند حدود القاع ــ الجوسية، خلال الشهر الفائت، والذي أدّى إلى مقتل لبناني وجرح خمسة أشخاص كانوا في طريقهم لزيارة العتبات المقدسة، وذلك جراء سقوط قذائف من جانب «الجيش السوري الحر» على المنطقة الحدودية.
حتى مساء أمس لم يكن أحد قد عرف شيئاً عن مصير الرجال المخطوفين. وقرابة الساعة العاشرة مساء، أعلن أن الجيش السوري سينقل النسوة اللواتي أفرج الخاطفون عنهن جواً، من حلب إلى بيروت قرابة منتصف الليل. وما أن أعلن الخبر حتى صار المطار محجة لأهالي المخطوفين، ولجمع كبير من المتضامنين الذين أتوا من الضاحية والبقاع والجنوب. ضاقت باحة انتظار الواصلين بالوفود الإعلامية المحلية والأجنبية. مر منتصف الليل، وإذ بالنواب محمد رعد وعلي عمار ونوار الساحلي وغازي زعير وحسن فضل الله يطلون من الداخل. خلفهم نسوة، أغلبهن من كبار السن، فاضت أعينهن بالدمع على وقع الزغاريد والصلوات. استجمعت احداهن قواها، صارخة: «حذاء السيد حسن أعلى من رؤوسهم». لم تشأ الإفصاح أكثر. قالت ان لا شيء آلمها كما آلمها أن يساء للسيد من قبل الخاطفين. دموع وعناق وزغاريد. حالة ربما لم تشهدها هذه القاعة في المطار قبلاً. إحدى السيدات العائدات قالت إن الخاطفين لم يكونوا ملثمين، وإنها حفظت ملامح البعض منهم، ويمكنها أن تفيد بها المعنيين. سُمع همساً من بعض المحتشدين أن المسؤول عن عملية الخطف هو ضابط سوري منشق برتبة نقيب، اسمه عمّار الدايخي. نقلت المعلومة إلى النائب الساحلي فدوّنها على محفظته. سيدة أخرى قالت إنها، ومعها سائر العائدات، تحدّين الخاطفين ورفضن العودة من دون الرجال، لكنهم «هددونا بالسلاح ولهذا عدنا حفاظاً على أرواح رجالنا، والآن كلنا ثقة بالسيد أن يعيدهم إلينا، وهو الذي ما وعد إلا وصدق».
وفي سياق المواقف التي أطلقت محلياً، اتصل رئيس الحكومة السابق سعد الحريري برئيس مجلس النواب نبيه بري، مستنكراً عملية الخطف «كائنة من كانت الجهة التي تقف وراءها، وعلى الخاطفين أن يعلموا أن الشعب اللبناني هو واحد موحد في هذه القضية». بدوره طالب النائب نهاد المشنوق بـ«الإفراج فوراً عن المدنيين اللبنانيين الذين تم احتجازهم في محيط مدينة حلب السورية»، مؤكداً أن هذا العمل مدان، وأنه «يمس بحرية الناس ومعتقداتهم، فلا يجوز التعرض لأمن المدنيين مهما كانت الاسباب ولأية طائفة انتموا». من جهته لفت وزير الخارجية عدنان منصور، في حديث إعلامي، إلى أن متابعة قضية المختطفين في حلب تجرى مع عدد من وزراء الخارجية العرب ووزير الخارجية التركي والامين العام للجامعة العربية، مشيراً إلى أن الاتصالات «أسفرت عن التأكد من مكان وجود المختطفين، وهم في أحد الأماكن التابعة للمعارضة السورية، ومن الممكن أن يتم اطلاقهم غداً (اليوم)». وكشف منصور أن «إحدى الجهات العربية رفيعة المستوى أبلغتني أن الخاطفين ينتمون إلى أحد فصائل المعارضة السورية». كلام منصور تقاطع مع كلام النائب رعد، الذي أدلى به في المطار، إذ قال: «لدينا ما يكفي من المؤشرات لنأمل إنهاءً سريعاً لهذه القضية التي زرعت القلق في لبنان الذي لا يحتاج الى مزيد ما يقلق اللبنانيين».
الاربعاء ٢٣ أيار ٢٠١٢