Hiba Awar

Hiba Awar

سعد الله مزرعاني

كان بمقدور الشيخ المعمم الذي صلّى على جثمان الرفيق همدان المسجّى خفيفا أمامه وكأنّه لا يريد أن يثقل على حامليه، أن يكتفي بعبارة «اللهم لا نعرف عنه إلا خيراً». يستطيع المئات ممن هبّوا إلى وداع الفقيد أن يكونوا شهوداً على استثنائية الرجل. ويستطيع آلاف سواهم ممّن عرفوه أن يُزكّوا تلك الشهادة.

وهمدان مهدي هذا، لم يعرفه رفاقه وأصدقاؤه من خلال موقع تنظيمي أو من خلال تصريح. لكنّهم، مع ذلك، عرفوه كثيراً وطويلاً. وظلّ هو هو، لم يتغيّر. حتى في شكله لم يتغيّر. ولولا ذلك المرض الخبيث، لظنّ عارفوه أنّه سيبقى على ما هو عليه، إلى يوم القيامة. لم يتغيّر همدان أيضاً في سلوكه وعلاقاته وإخلاصه وتفانيه: كأنّما كان، دائماً، ينفّذ المهمة الأولى في كلّ أعماله اليومية الكثيرة التي واظب على القيام بها دون كلل ودون تهاون ودون تأفّف... طيلة ما يقارب الخمس وخمسين سنة!

بصمت عمل همدان: في المهمات التي كانت تتطلب الصمت بسبب طبيعتها السرية: توزيع المنشورات. تبليغ مواعيد اللقاءات والاجتماعات. نقل وإيصال الأشخاص والأسلحة في مراحل الأزمات وفي زمن المقاومة. متابعة أماكن ومهمات سرية. وبصمت عمل أيضاً في مراحل التوترات والتحوّلات والصراعات الداخلية والثرثرة والنميمة!

ولقد مكّنه شعوره العالي بالمسؤولية، وترفّعه العفوي عن الصغائر، كما مكّنه دفء قلبه ولسانه، من أن يبقى محطّ ثقة الجميع، الذين وإن اختلفوا على كلّ شيء فقد أجمعوا على محبته واحترامه، وخصوصاً أقرب الناس إليه، وهم الفريق الذي عمل معهم وعملوا معه، فتأثّروا كثيراً بأسلوبه الهادئ وباستقامته الراسخة وبشغفه الدائم.

يجب أن نشهد الآن بأنّه كان يحمينا من الكثير من أخطائنا. وأنّه كان يملك من الصلابة والثقة والتفاني ما يجعلك تشعر، فوراً، أن الدنيا ستكون بخير، وأنّ المستقبل واعد، وأنّ المناضلين لا يطلبون، لا جزاء ولا شكوراً.

كان يمارس دوره وتأثيره دون أن يقول كلمة واحدة واعظاً أو عاتباً أو حتى مذكّرًا! فكلماته كانت بمقدار ما كانت تقتضيه هُنيهات التبليغ، وكان ذلك منتهى... البلاغة! لا تنصف هذه الكلمات همدان. فهو قد مضى في صفائه ونقائه وعطائه إلى حدود ما يتصوّره الناس من سِيَرِ القديسين: فهو الذي انهمك في مهماته إلى حدود الاستغراق الكامل، كاد ينسى أن ينشئ لنفسه عائلة. وحين فعل متأخّراً لم ينسَ أن يؤكّد أنّه لا يبغي من حطام هذه الدنيا شيئاً.

جعلت الصعوبات، كما السنوات، نظراته أكثر تساؤلاً، لكنّها لم تبدل أبدًا من عزيمته وسيرته. حتى في ذروة مرضه، وحين أصبح ينطبق عليه قول المتنبي «لولا مخاطبتي إياك لم ترنِ»، ظلّ يشعرك أنّه واثق ومؤمن. تأفّفه الوحيد كان من الطعام الذي أبته معدته المصابة. لكنّه تغلّب على ذلك بما كان اعتاده من تناول القليل منه حين كان في ذروة الصحة والحاجة.

همدان ابن مرحلة ومدرسة البذل والاستقامة والإخلاص والتفاني، أضاف على قيم هذه المدرسة الكثير، وفضيلته الكبرى كانت في المثابرة، برغم تبدّل الأحوال والظروف: كأنّه لم يكن يرى إلا النصف الملآن من الكأس، وكأنه لم يرَ من الناس ومن رفاقه إلا حسناتهم، وكأنّه لم يكن يعلم عنهم إلا خيراً!

وكالة روسيا اليوم : بلغت التكنولوجيات الاعلامية في العالم مستوى لا يسمح بتغطية الثورات على الهواء المباشر من المكان بعينه فحسب، بل وفي بضع جبهات في آن واحد. كما انها تسمح بالتلاعب بالرأي العام، بتقديمها ما يسمى بمعلومات موضوعية انطلاقا من مصالح بعض الجهات. وهذا هو بالذات ما يتابعه العالم كله في طرابلس، حيث يواجه الثوار على مدى نصف السنة قوات حكومة معمر القذافي، بدعم من الآلة العسكرية لحلف الناتو. واتضح بعد مرور 4 ايام من زحف فصائل الثوار نحو العاصمة الليبية، ان معركة طرابلس، التي اعتبرتها قنوات التلفزيون العربية آخر ساعات القذافي، تواجه نوعا من الغموض. وفيما يتعلق بقنوات التلفزيون فان عشرات المشاهد المصورة، التي تعرض سقوط العاصمة الليبية بايدي الثوار، ما هي الا مشاهد ولقطات مزورة تم تصويرها واخراجها في "اجنحة ليبية " بدولة قطر. والدليل الواضح على ذلك هو لقطات الفيديو التي تبين طرابلس المستولى عليها من قبل الثوار، وقدمتها شبكة الانترنت، حيث لا وجود لبعض التماثيل وعناصر الديكور المعماري في المباني التاريخية للعاصمة الليبية. كما يستغرب المشاهد من الضوء الساطع المزعج العيون في شوارع المدينة، التي لم تستيقظ بعد، جراء الغارات الجوية للناتو، وما زالت تعاني من انقطاع الكهرباء. ويحير هذا الديكور المسرحي، الذي اخرجه على عجل مخرجون من قطر وعدم مطابقته للواقع، كل من يريد ادراك ما يحدث.

وبموجب المعلومات الواردة في المدونات المنشورة في شبكة الانترنت من قبل اهالي طرابلس، فان البث الحي الذي قدمته بعض القنوات الغربية والعربية، وجرى تصويره عمدا بهدف غض النظر عن تدخل قوات التحالف في اراضي ليبيا . ويشهد البلد في واقع الامر بدء العملية البرية، مما لا يتماشى تماما مع قرارات الامم المتحدة. وبالرغم من ان لندن تتحدث الآن عن النظر في احتمال نقل وحداتها العسكرية الى البلاد، فان الحقائق تشهد على ان هذا الاحتمال قد تحول الى الواقع.

وكان يجري التخطيط لعملية الناتو في طرابلس بهدف الاستيلاء على المدينة في 21 أغسطس/آب. وقامت القوات الجوية للناتو قبل اسبوعين من ذلك، بقصف بلدة زليتن شرقي طرابلس. وصرح موسى ابراهيم، الناطق الرسمي باسم السلطات الليبية للصحفيين، ان هدف القصف فتح الطريق للثوار الى طرابلس. وتسبب القصف في مقتل 85 شخصا من اهالي القرية واحترقت من جراء ضرب الصواريخ منازل فيها نساء وأطفال وشيوخ ابرياء، اعلنهم الناتو فيما بعد أهدافا عسكرية.

ويقول العشرات من شهود العيان وأصحاب المدونات الالكترونية، ان الاحد الماضي شهد انزالا بحريا نفذه مرتزقة من الفيلق الاجنبي الفرنسي، سبق ان شاركوا في معارك افغانستان والعراق. وبالاضافة الى ذلك تشهد بعض المعلومات المتوفرة لدى الصحفيين، ان افرادا من قوات الصاعقة البريطانية من الفوج 22 للقوات الجوية البريطانية الخاصة (ساس)، بصفتها احدى الوحدات الاربع للقوات الخاصة البريطانية، شاركوا في الهجوم على طرابلس. كما جرى اشراك جنود من قطر والامارات، وقتل معظمهم بموجب معلومات شهود عيان. اما الثوار الليبيون فكلفوا باداء دور الجمهور، الذي يطلق النيران صوب مكان مجهول ويلوح بأعلام ملكية ويمثل ابتهاجه امام كاميرات "الجزيرة".وقد اطلق على هذه العملية لقب "فجر عروس البحر"، وتم اعدادها خلال 10 اسابيع. وسبقها تدمير نظام المواصلات في طرابلس كلها. وقضت التحضيرات للهجوم على طرابلس بتشغيل آلة الدعاية. وكان من المقرر الاعلان عن مقتل معمر القذافي نتيجة قصف الناتو. وحتى تم إعداد صور تبين العقيد الميت، وذلك بواسطة البرنامج الخاص بتحرير الصور. لكنها ظهرت في شبكة الانترنت قبل اوانها مما افشل خطط "المتآمرين".

أما الثوار الذين احسوا نجاتهم من العقاب، باشروا بارتكاب جرائم بكافة انواعها، بما فيها اغتصاب النساء والنهب والسلب بدلا من تطوير نجاح القوات الاجنبية الخاصة، وذلك في شهر رمضان المبارك، الذي يفرض الحظر حتى على الأفكار الشريرة.

وكانت المعلومات عن اعتقال او مقتل أبناء معمر القذافي، محمد والساعدي وسيف الاسلام، الى جانب مقتل رئيس المخابرات الليبية بمثابة فقرة في سلسلة الحملة الدعائية التضليلية. كما تم اعداد نبأ مضلل يفيد بمقتل ابنة القذافي عائشة ونشر صورتها الفوتوغرافية، وذلك باستخدام صورة بناظير بهوتو، التي سقطت ضحية لعملية ارهابية في باكستان. لكن كل تلك الافتراءات باءت بالفشل. والامر كذلك بالنسبة الى تقدم الثوار في العاصمة، و يقولون لحد الآن انهم يسيطرون على 95 % منها. وقام سيف الاسلام بافشال خططها بعد ظهوره حيا في فندق "ريكسوس"، ليلتقي بالصحفيين الاجانب.

وفيما يتعلق بصحفيين يزعم انهم اختطفوا على ايدي قوات القذافي، اتضح انهم يقومون باداء مهام سرية كلفتهم بها الاستخبارات الامريكية والبريطانية والفرنسية تحت ستار الاعلاميين. وثمة معلومات تفيد انهم كانوا يهددون بقتل زملاءهم، الذين قرروا كشف حقيقة ما يحدث في طرابلس.

وتسيطر قوات القذافي حتى الوقت على سرت وسبها وزليتن ومرسى البريقة ورأس لنوف. ويزعم الثوار بالمناسبة، انهم يسيطرون على البلدتين الاخيرتين بالرغم من انعدام اية ادلة تشهد على ذلك. وقد أكدت القناة "الليبية" فشل مفاوضات الثوار مع شيوخ قبيلة القذاذفة، التي ينحدر منها القذافي، حول تسليم سرت دون اراقة الدم. ويقول شهود عيان ان اهالي المدينة يستعدون للمعركة الحاسمة. وثمة معلومات تفيد بدخول وحدات من الجيش الجزائري واحة غدامس، جنوب شرق ليبيا، التي لا تكن اية مشاعر تعاطف مع الثوار.

وبالرغم من فشل الحرب الخاطفة، فتح الغرب والناتو صندوق "باندورا" (صندوق المشاكل)، الذي سيزج بليبيا حتى بعد رحيل القذافي او مقتله، في ملحمة قد تنتقل الى غيرها من الدول.

المصدر : مراسلة دينا بيانيخ في وكالة "ايتار – تاس" الروسية.

روسيا اليوم : يستضيف برنامج "حديث اليوم" في هذه الحلقة السيد مارات موسين، نائب رئيس لجنة التضامن الروسية مع الشعبين الليبي والسوري.

بصدد الحرب في ليبيا قال السيد موسين انها مثال نمطي لحروب من نوع جديد، حروب القرن الحادي والعشرين، التي تعتمد على التخلي عن استخدام الدبابات، وانما على شن عمليات سرية استخباراتية، مع التركيز على استخدام طرق التلاعب بالوعي الاجتماعي، وتسريب معلومات كاذبة إلى وسائل الإعلام. وذلك إضافة إلى عمليات القوات الخاصة والإفراج عن سجناء من المجرمين الجنائيين لاستخدامهم في زرع الفوضى.. وكذلك قصف الإهداف من أماكن بعيدة، باستخدام الطيران أو السفن الحربية، مثلما يحدث في ليبيا.. وبالتالي تقتضي العمليات السرية أو الحروب من هذا النوع وضع خطط معينة، وإيجاد تناقضات داخلية وطابور خامس، واستخدام القوات الخاصة والعناصر الإجرامية لتأجيج النزاع في البلد المستهدف. أما نقطة الضعف في مثل هذه العمليات، تكمن في قصر مدتها. وحتى إذا كان الطرف الآخر قويا، يبدأ عامل الوقت بالعمل ضد المخططات العسكرية المذكورة. وذلك أن الحقيقة تكتشف مع الوقت. وإذا استطاع الطرف المضاد أن يصمد، تبدأ آليات الأكاذيب تتعثر. وعندما يدرك الإنسان العادي أنه مخدوع ـ  يوجه ذلك ضربة جدية ضد وسائل الإعلام المحترمة. ومن الممكن مواجهة هذا التدفق من المعلومات الكاذبة عبر إيجاد دلائل تثبت بطلانها. وبالتالي فإن مقاومة هذه الأساليب ممكنة وضرورية. ونرى أن العملية بدأت في بيلاروس أولا، ونقلتها وزارة الخارجية الأمريكية فيما بعد إلى شمال إفريقيا والشرق الأوسط، ما يعني أن مثل هذه التقنيات لا تزال قيد التجربة. كما سبق لروسيا أن واجهت هذه التقنيات في 8 أغسطس /آب 2008، عندما جرى تقديم الدبابات الجورجية على أنها روسية. وخلال الأيام الثلاثة  الاولى على التوالي، كانت وسائل الإعلام تخدع العالم كله، محملة روسيا مسؤولية الجرائم، التي ارتكبها الطرف الجورجي. ومع ذلك وعلى الرغم من عدم استعداد روسيا لمواجهة هذه الأساليب، لم تلبث الحقائق أن اكتشفت آنذاك.

وبشأن الحرب الاعلامية اشار موسين الى انه بعد مرور نحو 100 يوم على العمليات العسكرية، كان ثمة يومان يعتقد أن الروس انتصروا خلالهما في الحرب الإعلامية. فقد كانت تتدفق الأكاذيب بصورة مستمرة من قبل (بي ـ بي ـ سي) و(أسوشيتد برس) و(فرانس برس) و(إذاعة الحرية)، وغيرها من وسائل الإعلام، التي كانت تردد روايات مروعة عن معارك دامية في مدينة الزاوية الليبية. وأرسل الجانب الروسي إلى الزاوية مجموعة تلفزيونية صورت نساء يدفعن عربات أطفالهن، وصبيانا على دراجاتهم الهوائية، وزبائن في مقاهي. وعندما سألهم الصحفيون عن الجثث والقناصين، أجابوا أن كل ذلك لا وجود له إطلاقا، أما المعارك فانتهت قبل شهرين. وجرى عرض هذه اللقطات على المسؤولين العسكريين الروس .. وان بوسعهم التصدي لمثل هذه الحملات كل يوم! وبامكانهم الانتصار في الحرب الإعلامية حتى بدون آلية ضخمة لأداء هذه المهمة. لكن ذلك يتطلب وجود مختصين يدركون كيف وأين يمكن تصوير اللقطات اللازمة، وإيصالها إلى وسائل الإعلام.. وهذا المثال يشكل خير نموذج لاستخدام سلاح الأكاذيب، كما في وصايا الدكتور غوبلز، الذي قال: "الأكذوبة الصغيرة قد تكشف، أما الكبيرة فقد يصدقها الناس". وبالإمكان، بل من الواجب كشف مثل هذه الأكاذيب الكبيرة.

وما يجري في طرابلس، يوضح أن الناتو، دون الإعلان عن شن عملية برية، أرسل إلى هناك حوالي 5 آلاف من المرتزقة الأجانب، وأغلبهم من الأوروبيين، إلى جانب مرتزقة من تنظيم "القاعدة" أو من الجزائر أو التشاد أو بلدان أخرى. هذه حقائق تسنى كشفها بفضل جهود مجتمع الإنترنت، بما في ذلك جمعية "آنا" الروسية المستقلة،  التي أنشئت لأغراض الدفاع في الحروب الإعلامية، التي ترافق النزاعات الإقليمية الصغيرة، التي تخاض في إطار الحرب العالمية الثالثة. ومن خصوصيات هذه الحروب إعداد مواد متنوعة قابلة لاستخدامها في مختلف الحالات، مثل بناء "ديكور" لكل من الساحة الخضراء ومجمع باب العزيزية. وهناك ممثلون محترفون، كالذي مثل سيف الإسلام القذافي في مسرحية القبض عليه. ويبدو أن صوت محمد، الابن الأكبر للقذافي، تعرض لمعاملة خاصة ما أثناء حواره مع قناة الجزيرة. وفي برنامج "فوتوشوب" تم العثور على صور يظهر فيها الزعيم الليبي ميتا.. كلها معلومات كاذبة، تم إعدادها مسبقا، وتم تسريبها إلى وسائل الإعلام دفعة واحدة..

وفي الوقت الذي يعلن كبار المسؤولين الأمريكيين فيه أن الولايات المتحدة تحارب في شمال إفريقيا، الصين وروسيا، ليس أمام روسيا الا ان تحدد خيارها الوحيد وهو المقاومة، لأنه بعد الحرب في ليبيا ستندلع الحرب في سورية. فالأمريكيون يخططون لطرد روسيا من حوض البحر الأبيض المتوسط، وإغلاق قاعدتها البحرية هناك. ويدرك الروس انه لا يحق لهم لنا ترك سورية في مأساتها. وأن هذه العملية لن تنتهي بالشرق الأوسط أو شمال إفريقيا، بل وعليهم انتظار استخدام السلاح الإعلامي ضد روسيا في السنوات أو الأشهر القادمة، وذلك لأن لهذه العملية أسباب اقتصادية. فحاليا تقطع أمريكا الغاز والنفط الليبيين عن الصين بوساطة الاستخبارات الفرنسية.

جريدة قاسيون - د. قدري جميل تسعى قوى الإمبريالية الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل الصهيونية من خلال الرفع المستمر لمنسوب التدخل الخارجي، إلى إغلاق إمكانية المخرج الآمن من الأزمة الوطنية العميقة الشاملة التي تمر بها البلاد.فالحل الصحيح للأزمة معروف، وهو الإصلاح الجذري الشامل، فسورية وطناً وشعباً مستهدفة من الأعداء قبل أن يستهدف النظام نفسه، وهم يستخدمون في هذا الاتجاه بشكل ناجح حتى الآن أخطاء النظام وتباطؤه في عملية الإصلاح المطلوبة ونقاط الضعف في المجتمع السوري، ويدفعون الأمور على هذه الأرضية باتجاه القلاقل الداخلية والفتنة الطائفية.. الأمر الذي يهدف إلى منع الإصلاح الحقيقي نهائياً واستدعاء التدخل الخارجي بحده الأقصى وصولاً إلى إلغاء دور سورية التاريخي الوطني حتى ولو تطلب الأمر تفتيتها..فالمطلوب من الشحن الطائفي الذي تقوم به بعض القنوات الفضائية وبعض القوى السياسية المشبوهة، أن يتحول الصراع الجاري في البلاد حول الإصلاح ومآلاته إلى صدام طائفي تحركه قوى الفساد الكبير خارج جهاز الدولة وداخله، ما سيضع مصير سورية نفسها على طاولة البحث.. إن العنف الطائفي المسلح هو سلاح الإمبريالية الأمريكية وإسرائيل الصهيونية والرجعية العربية المتحالفة معهما.. وهو يهدف إلى إجهاض الحركة الشعبية في البلاد ومنعها من الوصول إلى أهدافها المحقة والمشروعة والتي يقف على رأسها تحرير الAffinityCMSن والقضاء على الفساد، وإزالة التوزيع غير العادل للثروة والوصول إلى المستوى الضروري من الحريات السياسية في البلاد، بما يضمن تطورها اللاحق اقتصادياً- اجتماعياً، وصولاً إلى أعمق عدالة اجتماعية وأعلى نمو ممكن، وهي مهمات مطلوبة موضوعياً ووطنياً.إن نجاح الإصلاح الجذري الشامل يعني تحويل سورية إلى نموذج يحتذى لكل شعوب المنطقة، وإحباط المخططات الأمريكية- الصهيونية بشكل حاسم، مع كل ما يمكن أن ينجم عن ذلك من تغيير حقيقي ونهائي لميزان القوى في منطقتنا لمصلحة الشعوب، الأمر الذي سيلعب دوره حتماً في التأثير على مجرى تطور العالم كله، في ظل الأزمة العميقة التي تعيشها الرأسمالية العالمية اليوم.والمطلوب لكي لا ينجح الإصلاح المنشود، توجيه الصراع في المسارات الخطأ، وأهم أدوات ذلك هي الفتنة الطائفية.ـ لا شك أن أخطاء النظام في العقد الماضي قد خلقت الأرضية لزيادة الثغرات التي ينفذ منها العدو اليوم.ـ ولا شك أن انخفاض منسوب الحريات السياسية، وانسداد أقنية التعبير عن هموم ومشاكل الشعب قد خلق حالة احتقان نعيش نتائجها اليوم.ـ ولا شك أن ارتفاع منسوب الفقر والبطالة قد خلق الأرضية الموضوعية للأشكال الاحتجاجية السلمية المختلفة.ـ ولا شك أن المعالجات الأمنية الخاطئة والمبالغ بها قد خلقت الأرضية لردود الفعل ولظهور العقلية الثأرية.وبالقدر نفسه، من المسؤولية التاريخية تجاه مصلحة الوطن والشعب، لم يعد هناك أي مبرر أمام الحركة الشعبية كي تغض النظر عن المسلحين الذين يدّعون القرابة معها، بل لم يعد هناك أي مبرر كي تتسامح معهم، فالمطلوب منها أن تقتلعهم وأن تقمعهم بأيديها حمايةً للوحدة الوطنية ووحدة البلاد، فهنالك اليوم مسؤولية جديدة تضاف لمسؤولياتها، وعلى حلها سيتوقف ليس فقط مصيرها، بل مصير الوطن.ومن جهة أخرى، لابد من الإشارة إلى أن اقتلاع المسلحين الطائفيين من كل شاكلة ولون، بغض النظر عن الجهة المحسوبين عليها، هو عمل سياسي بالدرجة الأولى يستهدف البيئة التي يعملون بها باتجاه كسبها وإقناعها بخطرهم عليها وعلى الوطن.. وهذا الإقناع إن كان يتطلب قرارات جريئة وسريعة باتجاه الإصلاح الجذري الشامل، إلاّ أنه يتطلب حواراً وطنياً واسعاً صريحاً شفافاً يقال فيه ما يجب أن يقال، هذا الذي يقال في كل بيت وفي كل شارع وفي كل قرية وفي كل مدينة..إن الفتح السريع لأبواب ونوافذ الحوار الصريح، الجريء، حول مشاكل البلاد التي تشغل بال الناس، من أكبرها إلى أصغرها، هو ضرورة لتخفيض حدة التوتر والشحن، وتفويت الفرصة على أعداء الخارج ومن يرتبط بهم في الداخل.

في تمّوز 2002، وفي حمأة التحضيرات لاحتلال العراق، أجرى الجيش الأميركي إحدى أكبر «الألعاب الحربيّة» في تاريخه. «اللعبة» كانت تشبيهاً لحملةٍ تجري في الخليج العربي ضدّ دولةٍ «مارقة» متخيّلة هي، في توصيفها، مزيج بين العراق وإيران. على الأسطول الأميركي المكوّن من مجموعة حاملات طائرات معزّزة أن يثبّت سيطرته على الخليج، وأن يسحق القوى البحرية والجوية المعادية، ومن ثمّ يغزو أرض العدوّ. في المقابل، أعطيت الدّولة المارقة ــــ بحسب السيناريو ــــ أسطولاً «عالمثالثياً» نموذجياً خالياً تماماً من القطع البحرية الكبرى والمتطوّرة، ومكوّناً أساساً من زوارق صغيرة وقوارب دوريّة، يدعمها أسطول جوّي صغير لا فرصة له أمام الطيران الأميركي.

أدار دفّة الجانب الأميركي في السيناريو نخبة من قادة جيشه، وأعطيت قيادة القوة المعادية إلى جنرال متقاعد اسمه فان ريبر. ما أثار خيبة المخطّطين الأميركيين أنّ فان ريبر لم يقاتل كما كانوا يتوقّعون، وكما «يفترض به»: ألغى القيادة المركزيّة لجيشه، وقسّمه الى مجموعات مستقلّة. تخلّى عن أساليب الاتصالات الحديثة واعتمد حصراً على الخطوط السلكية ورسلٍ يجيئون ويذهبون على درّاجات ناريّة. أمّا في البحر، فقد وجّه كلّ ما يملك، حتّى اليخوت والمراكب المدنيّة، لتضرب الأسطول الأميركي من حيث لا يتوقّع: سلّحت السّفن المدنيّة بصواريخ مضادّة للسّفن أطلقت من مسافات قريبة، استعملت الزوارق السريعة في هجمات انتحاريّة، حتّى الطّائرات الخفيفة ذات المراوح حمّلت بالمتفجّرات وصارت تنقضّ على السّفن الأميركيّة على طريقة الكاميكاز. مع نهاية اليوم الأوّل من التّشبيه، كانت حاملة الطّائرات الأميركيّة، ومعها ثلثا الأسطول، ترقد في قاع الخليج.

نجاح قوات الأطلسي في إسقاط نظام العقيد معمر القذافي يفتح الباب أمام استنساخ النموذج الليبي في أكثر من بلد عربي، ولا سيما أن البند الرئيسي في الاستراتيجية الجديدة للحلف هو مدّ نطاق عمله خارج حدوده التقليدية في أوروبا، وبالخصوص نحو الشرق الأوسط والخليج

بشير البكر

لن يظل الحدث الليبي محصوراً ضمن حدوده الجغرافية، بل ستكون له امتدادات وتداعيات تذهب إلى عموم المنطقة العربية. فهو ثاني حدث عربي على قدر كبير من الأهمية بعد احتلال العراق. ومن مراقبة ردود الفعل العربية والدولية، يمكن الوصول إلى استنتاج أساسي، وهو أن ما حصل في ليبيا قابل لأن يعمّم على غالبية البلدان العربية، وخصوصاً في الدول التي تشهد حراكاً احتجاجياً واسعاً، أو تعيش أزمة بين الحكم والشارع.فرح وحزن على مواقع الفايسبوك، بين من أخذتهم النشوة بسقوط حاكم طرابلس، ومن يرى أن المنطقة العربية دخلت عصر التدخلات الخارجية بوتيرة سريعة. وبرز لدى جماهير المعسكرين التركيز الأساسي على الوضع السوري؛ فالفريق الأول يرى أن سقوط القذافي يفتح الطريق أمام سقوط الرئيس السوري بشار الأسد، بينما يجزم أنصار المعسكر الثاني بأن إقدام الأطلسي على تقويض حكم القذافي يؤكد أن الثورات العربية تحولت إلى مطيّة للتدخل الغربي في المنطقة.

يستدعي اختلاط المواقف إلقاء الضوء على رؤية الحلف الاطلسي للمنطقة. والبداية من القمة الأخيرة للحلف التي انعقدت في تشرين الثاني الماضي. ورغم أن رياح الربيع العربي لم تكن قد هبّت بعد من تونس، كان الحلف قد أولى في استراتيجيته للعشرية الجديدة منطقتي الشرق الأوسط والخليج العربي مكانة خاصة. هذا الالتفات إلى الجغرافيا العربية ليس بالجديد، فهو انطلق منذ وصول الرئيس الأميركي السابق جورج بوش إلى الحكم، وسبق غزو العراق إطلاق مشروع المتوسطية الذي مهّد لمشروع الشرق الأوسط الكبير. ومبادرة المتوسطية طرحها وزير الخارجية الأميركي الأسبق الجنرال كولن باول سنة 2002، ورصدت لها الولايات المتحدة في حينه 200 مليون دولار، وحاولت تفعيلها من خلال جملة من الهيئات والتفاهمات السياسية والأمنية والدفاعية بإشراك المجتمع المدني وبعض الدول العربية، مثل المغرب والجزائر وتونس والأردن والبحرين، وانعقدت دورة «منتدى المستقبل» الأولى في المغرب والثانية في البحرين. ولكن المشروع لم يتقدم كثيراً، وتعثّر لأسباب مالية من حيث الشكل، ولكن من الناحية الفعلية لم تكن المنطقة مستعدة لاستقبال هذا الوافد الجديد بسبب الظلال التي خيّمت عليها بعد تفجيرات 11 سبتمبر والحرب على الإرهاب التي أطلقها بوش بعد إسقاط نظام طالبان في أفغانستان، وحاول تعميمها على مستوى العالم ككل، ولكنه اتخذ من الشرق الأوسط ركيزة أساسية، وهذا ما تبلور عام 2004 عبر صيغة «مشروع الشرق الأوسط الكبير» الذي جرى تقديمه بوصفه مبادرة طموحة لتعزيز الديموقراطية ونشرها في الشرق الأوسط الكبير، وذلك بإعادة تكييف وتعديل نموذج اُسْتُعْمِلَ من قبل في الضغط من أجل نشر الحريات في الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية. وجرى رسم مخطط شامل جرى عرضه على مؤتمرات القمة لكل من مجموعة الدول الثماني الكبرى، ومنظمة حلف شمالي الأطلسي والاتحاد الأوروبي. ووضعت القمم سياقاً في إطار الحصول على التزامات فعلية من الأقطار الشرق أوسطية والشرق آسيوية لتطبيق إصلاحات سياسية واقتصادية واسعة، ومساءلتها عن سجلها في حقوق الإنسان.بوش رأى أن فترة ما بعد إسقاط «طالبان» في أفغانستان نموذج للتغيير السياسي، وأعرب عن اعتقاده بإمكان تكرار التجربة في دول أخرى بإقامة مؤسسات ديموقراطية. ورأى أن هذه التجربة تمثّل ميراثاً يجب العمل من خلالها لتغيير ما سمّاه عادات العنف والخوف والإحباط التي غرست بذور الإرهاب وأدت إلى نموه في الشرق الأوسط، على حدّ زعمه، وأن من الضروري إقامة المؤسسات الديموقراطية التي تستجيب لتطلعات الشعوب. وعلى الفور انتقل الأمر إلى تنسيق التعاون مع أوروبا، وجرى اعتماد المشروع من طرف مجموعة الثماني والقمة الأميركية الأوروبية وقمة حلف الأطلسي التي انعقدت في حزيران 2004.مشروع الشرق الأوسط الكبير رأى أن منطقة الشرق الأوسط تقف على مفترق طرق، وأن المطلوب هو السير في طريق الإصلاح، وجرى تحديد هدف المشروع بـ«الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة الأمنية ومصالح حلفائها»، وتركز على الدفع باتجاه «إعادة تشكيل» منطقة الشرق الأوسط عبر الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي.وصل المشروع إلى طريق مسدود بسرعة، ولم يكتب له النجاح، وجرى طيّه كلياً في ولاية بوش الثانية، وذلك لأسباب عديدة، منها الإخفاق الأمني في أفغانستان، وانطلاق أعمال المقاومة في العراق للاحتلال الأميركي. وتجدر هنا ملاحظة أن واشنطن غيّرت الكثير من أولوياتها انطلاقاً من المفاجآت التي وجدتها في طريقها العراقي. فهي على الأقل كانت تحاول ممارسة ضغوط على النظام في سوريا من أجل حسابات تتعلق بلبنان وفلسطين وإيران، وكان المطلوب من الحكم السوري أن يقدم تنازلات فعلية في هذا الاتجاه، ولكن إدارة بوش، بعدما أيقنت أن وصفة تعميم الديموقراطية غير ممكنة، لجأت إلى القرار 1559 الذي كان يراد منه أن يرسم مساراً لمحاصرة النظام السوري، ولكن انتصار المقاومة في حرب تموز 2006 فكّ الطوق عن دمشق.إقلاع إدارة بوش عن المشروع لا يعني أنه انتهى أو أنه لا حظوظ له في المطلق، وقد بقي في نظر الكثيرين وصفة مثالية جاهزة لاختراق المنطقة، من باب الإصلاحات الديموقراطية. وغاب عن بال الكثير من الأنظمة أنه تحّول إلى خطة دولية، وبالتحديد إلى مشروع أوروبي أميركي مشترك، ولذا سعى العديد من الزعماء الأوروبيين إلى إلباس سلسلة المبادرات الأميركية رداءً عملياً عن طريق بعض الاقتراحات التنفيذية، وخصوصاً من خلال تفعيل التعاون بين أوروبا والأطلسي على أساس استراتيجية الدفاع المشترك، التي صارت بمقتضاها القوى الأوروبية الأمنية والعسكرية تحت تصرّف الأطلسي، في الوقت الذي بدأ فيه الحلف يحتل مكانة أساسية في مشاريع أوروبا.من ناحية ثانية، لم يلاحظ منتقدو المشروع فيه أكثر من أنه يرمي إلى تغيير الأنظمة، ولم يدققوا في أنه اعتمد بكثافة على تقرير التنمية البشرية التابع للأمم المتحدة الذي وضعه عدد من المثقفين والخبراء العرب كأساس لتحليل أوضاع الشرق الأوسط، وكمنطلق لتحديد المناهج والحلول.وفي السياق، ركن الذين هلّلوا للفشل الأميركي في العراق إلى مسألة غياب الاستقرار في هذا البلد، وأخذوا منه سبباً يلغي إمكان تعرّضهم لاستهداف خارجي. وحده الرئيس اليمني علي عبد الله صالح التقط الرسالة، ولخّصها بمثل بدوي يقول «إذا حلقوا شعر أخيك، بلّل شعر رأسك». والقصد هنا هو أن إسقاط صدام حسين يقدم درساً لبقية إخوته الحكام العرب مفاده أن الدور سيصل إليهم، ولكن هؤلاء استراحوا إلى إنجاز الاستقرار الأمني. ورغم أهمية ذلك، بيّنت التطورات الأخيرة في تونس ومصر وسوريا واليمن أن هذا لا يكفي وحده، فليس بالأمن وحده يمكن أن تساس الشعوب وتدار البلدان، وتبقى الذريعة الأساسية التي مهدت لاحتلال العراق هي الحكم الديكتاتوري وغياب الحرية، قبل أن تلفق إدارة بوش كذبة أسلحة الدمار الشامل.فشل مشروع الشرق الأوسط الكبير في حينه لهذه الأسباب، ولكن السبب الرئيسي لوضعه على الرف هو أنه جرى تقديمه كأجندة خارجية مفروضة بالقوة على بلدان المنطقة. ورغم أن واشنطن حاولت أن تجعل منه هدفاً نبيلاً، فشلت في تسويقه على المستوى الشعبي. والجديد اليوم هو ثلاثة أمور؟ الأول هو أن الأجندة الاحتجاجية الداخلية باتت موجودة من تلقاء نفسها، وهو ما لم يتأخر الأميركيون عن ركوب موجته، منذ أن استوعبوا الصدمة التونسية وتلافوا الوقوع في الأخطاء نفسها حين عالجوا الملف المصري، لذا أخذوا مسافة من حسني مبارك ومن نظامه، وتصرفوا كراع للحل في اليمن، ودخلوا على خط الحركة الاحتجاجية في سوريا، إلى حدّ أنهم سبقوا الأطراف الدولية كافة بالدعوة إلى تنحّي الرئيس السوري. ومهما كان الموقف، وعلى اختلاف المبررات والدوافع، فقد توافرت الأرضية والعناصر لتقاطع الأجندتين الداخلية والخارجية عند نقطة تغيير الحكام. والأمر الثاني هو أن التدخلات العسكرية لم تعد بحاجة إلى تغطية من الأمم المتحدة، ولا تلقى أي اعتراضات دولية مؤثرة. والانقسام الذي شهده العالم حيال الغزو الأميركي للعراق لن يتكرر مرة أخرى، ولذا يقدم النموذج الليبي مثالاً صارخاً على ما ينتظر المنطقة، إذا استمرت حال الاستعصاء الراهنة بين شارع يريد إسقاط النظام وأنظمة تتلكّأ في إجراء إصلاحات جذرية ولا تقدم لشعوبها سوى الحلول الأمنية.أما الأمر الثالث فهو أن الحلف الأطلسي بات الأداة الغربية للتدخلات الخارجية، ولم تعد الولايات المتحدة وأوروبا بحاجة إلى إرسال قواتهما مباشرة من أجل مهمات قتالية خارج أوروبا.

 

السفير: اختتم "اتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني" أمس، المخيم الكشفي الصيفي، الذي أقيم على ضفاف نهر الليطاني (القاسمية)، بمشاركة أكثر من أربعين كشفيا، تراوحت أعمارهم بين الثامنة والرابعة عشرة. وتخلل المخيم، الذي استمر لأربعة أيام، أنشطة كشفية، وترفيهية، وبيئية، ومسيرا مسائيا نحو بلدة الزرارية، حيث وضع المشاركون إكليلا من الورد على ضريح الاتحادية بيسان مروّه. وفي الحفل الختامي ألقى مسؤول كشاف الاتحاد في الجنوب إحسان دبوق كلمة، لفت فيها إلى أهمية العمل التطوعي، وانخراط الأولاد في العمل الكشفي، الذي يساهم في التوعية والمعرفة والانضباط.

يتشرف اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني

بدعوتكم لحضور

النقاش المفتوح مع المناضل الكبير الرفيق محمد دكروب

حول

إعادة إصدار مجلة الطريق

المكان: مركز الاتحاد مار الياس

الزمان: الخميس 18 آب الساعة السابعة مساء

ملاحظة: للراغبين في قراءة العدد الاول من المجلة قبل اللقاء مراجعة الرفيقة مروى صعب على الرقم 03670238

لاستلام العدد قبل الجلسة والتحضير للنقاش

سعر العدد 10.000

http://www.al-tarik.com/

الفاشيّة تطلّ من دخان حرائق بريطانيا

قد لا نرى ما يجري في بريطانيا اليوم يتكرر إلا في عواصم الدول «المتقدمة»، حيث يشكل حادث معيّن الشرارة لخروج عدد من الجماعات للمطالبة بمزيد من العدالة الاجتماعية، لا الحرية والعدل مثلما هو سائد في العالم العربي. هذه الأحداث البريطانية تتّسع وتأخذ طابع حرب شوارع لتصل نيرانها إلى أبرز المدن الصناعية، ولتهدد شبكة الأمان الاجتماعي في كامل أرجاء المملكة المتحدة. وسط هذه الأجواء، تسعى حكومة دايفيد كاميرون إلى الرد بحزم وقوة بهدف إعادة الأمان والاستقرار إلى البلاد، وتمنح في سبيل ذلك الشرطة صلاحيات واسعة كالسماح باستخدام خراطيم المياه والرصاص المطاطي، إن دعت الحاجة، لتكون سابقة تاريخية في بريطانيا منذ عقود

نزار عبود

لندن | في اليوم الخامس لاندلاع الاضطرابات في بريطانيا، أطلّ شبح الفاشية مغمَّساً بدماء ثلاثة من الشبان الآسيويين في مدينة برمنغهام الواقعة على بعد 195 كيلومتراً شمالي لندن. كان الضحايا في طريقهم لحماية محالهم التجارية في وسط المدينة بعد منتصف الليل عندما دهسهم سائق عمداً ولاذ بالفرار بعدها. المدينة التي تعدّ من أكبر المدن البريطانية، تعجّ بجالية كبيرة متحدرة من شبه القارة الهندية التي مرت بصدامات عرقية في السابق مع البيض.

خرج الشبان الثلاثة من مسجد عند الواحدة والربع فجراً بعد أداء صلاة التراويح، وتوجهوا نحو متاجرهم لتفقدها عندما بوغتوا بالهجوم. اعتداء يهدّد بايقاظ مشاعر عداء بين المسلمين وغير المسلمين في المدينة، لذا منعت الشرطة تجمعات إسلامية أمام المستشفى الذي نقل إليه أحد الضحايا وقد مات متأثراً بجراحه. فُتح تحقيق في الحادث، واعتقل متهم، فيما لم توضح الشرطة ما إذا كان متورطاً بالجريمة أو لا، لكنها أكدت أنها عثرت على السيارة التي استُخدمت في الاعتداء.وأظهر والد الضحية، هارون جهان، حرصاً شديداً على عدم تحويل الجريمة إلى حالة ثأرية. وقال، في رسالة للإعلام، «لا أدري لماذا قتلوه»، متابعاً: «لا أوجه اللوم إلى الحكومة ولا ألوم أحداً، إنني مسلم وأؤمن بالقدر، وهذا قدر ولدي الذي أحبه كثيراً، وحزني شديد لوفاته». غير أن ذوي الضحيتين الأخريين أعربوا عن شديد غضبهم، منتظرين من رجال الأمن أداء واجبهم ومعاقبة الفاعل.برمنغهام، شأنها شأن العديد من المدن الصناعية الكبرى، التي تقلّصت قدراتها على المنافسة التجارية في العالم المفتوح، بقيت تشهد أعمال نهب وحرق بالرغم من الحضور المعزز لرجال الشرطة. لذا تواصلت اجتماعات اللجان الأمنية وعلى رأسها لجنة الطوارئ (كوبرا) التي شُكّلت من أجل التصدي لأعمال الإرهاب بعد 11 أيلول 2001. وعند خروجه من الاجتماع الذي رأسه دافيد كاميرون، نبّه عمدة لندن بوريس جونسون إلى ضرورة عدم تقليص عدد رجال الأمن ضمن خطة التقشف الحكومية. وقال بهذا الخصوص «من الواضح أن التركيز اليوم كان خارج لندن وحول أرجاء البلاد. تركز النقاش حول الوضع في الغرب والمناطق الوسطى مثل برمنغهام ومانشستر»، معرباً عن ارتياحه للإجراءات العاجلة التي اتُّخذت في لندن.العاصمة التي كانت مرتعاً للعابثين بالأمن على مدى ثلاثة أيام متتالية، نعمت بليلة هادئة بعد استدعاء عناصر الأمن وإلغاء إجازاتهم ومأذونياتهم. انتشرت الشرطة التي تضاعف عدد أفرادها خمس مرات في كل الأحياء، بينما آثر التجار إقفال معظم محالهم التجارية خشية المفاجآت المنظمة من قبل عصابات غير منظمة إلا بواسطة التواصل الإلكتروني. أنفقت لندن مليارات الدولارات في إقامة بنى تحتية تلبي احتياجات زوار الألعاب الأولمبية التي ستقام فيها العام المقبل، وهي ما قد تذهب أدراج الرياح إذا لم يكن الوضع الأمني مستتباً حتى ذلك التاريخ.بدوره، توعد كاميرون بأن يزج بمئات الموقوفين الذين تثبت إدانتهم بأعمال الشغب في السجن، وبألا يتوانى عن بذل كل ما يلزم من أجل وضع حد للفوضى التي عمّت البلاد. وطمأن إلى «أننا لن نسمح بانتشار ثقافة الخوف في شوارعنا، وهناك أمور بالغة السوء في مجتمعنا»، مشيراً إلى تلك المجموعات التي كانت تسرق وتحرق مُظهرةً سعادة بما تفعل. ولفت كاميرون إلى مجموعة من السارقين الذين كان ينتشلون حقيبة شاب تظاهروا بمساعدته، وبثّت صورهم على شاشات التلفزة. وأكد رئيس الحكومة المحافظ أن كل التشريعات الضرورية ستوضع في تصرف رجال الأمن بما في ذلك السماح باستخدام هراوات خاصة وخراطيم المياه، كاشفاً أنه سمح للشرطة باستخدام الرصاص المطاطي لضبط الأوضاع.وفي مدينة مانشستر، وقعت أعمال شغب ونهب من قبل مجموعات مقنَّعة خاضت حرب كرّ وفرّ مع رجال الأمن. لكن مجموعات أخرى خرجت، بناءً على دعوة على مواقع التواصل الاجتماعي، حاملة المكانس لتنظف الشوارع وتحاول إعادة الأمور إلى الحد الأدنى من طبيعتها. ونقلت الأشرطة المصورة مشاهد تُظهر عصابات تحطّم واجهات المحال وتحرقها. في المقابل، لم يسلم من الاعتداءات رجال الإعلام حتى، إذ هاجم شبان مصوِّر إحدى القنوات التلفزيونية. ووصلت أعمال الشغب إلى مدينة سالفورد المتاخمة لمانشستر التي بدا واضحاً إصرار الفوضويّين على السيطرة على وسطها، في ظل عجز الشرطة عن ضبط الوضع بالصورة التي حصلت في لندن، رغم توقيف المئات منهم.إلى ذلك، بقيت القطاعات الإنتاجية في بعض المناطق شبه معطَّلة، وكذلك عدد من شبكات الاتصالات كما لو أن بريطانيا تعيش حالة حرب حقيقية. وفي ظل هذه الأجواء، ظلت بعض المحال مقفلة.لكن المحاكم بقيت مشرعة الأبواب لمعالجة الأعداد الهائلة من القضايا التي يتعين عليها بتّها سريعاً. وعكف رجال شرطة «سكوتلنديارد» على دراسة أشرطة الفيديو الكثيرة التي يحتاجون للتعرف من خلالها على وجوه كبار المجرمين وملاحقتهم، يساعدهم في ذلك أن الكثير من المستهدفين يمتلكون سجلات ويمكن التعرف آلياً على هوياتهم وتحديد عناوينهم، مع تشديد الشرطة على أن الملاحقة لن توفر حتى صغار السارقين.وبدأت مفاعيل أزمة الشغب تلقي بظلالها على عموم الوضع الاقتصادي في البلاد، بدليل أن المصرف المركزي البريطاني أعلن أن إنكلترا مقبلة على مخاطر صعود التضخم إلى خمسة في المئة هذا العام، بينما النمو الاقتصادي سينخفض إلى مستوى خطير يصل إلى 1.4 في المئة، عازياً الأسباب إلى الوضع العالمي المعدي، فضلاً عن العوامل الداخلية المستجدّة.

القذافي ونجاد يسخران

رأت حكومة الزعيم الليبي معمر القذافي أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون «فقد شرعيته»، مشيرة إلى ضرورة تركه السلطة بسبب أحداث الشغب التي شهدتها بريطانيا، بينما دعا الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد (الصورة) لندن إلى وقف تعاطيها «الوحشي» مع مثيري الشغب. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الليبية، خالد كعيم، إن «المجتمع الدولي يجب ألا يقف مكتوف الأيدي أمام هذا العدوان الجسيم على حقوق الشعب البريطاني الذي يطالب بحقه في حكم بلاده». وفي إيران، دان نجاد «السلوك الوحشي للشرطة البريطانية» في مواجهة أعمال الشغب التي تهز بريطانيا، طالباً من مجلس الأمن الدولي التدخل في المملكة. كما أوضح النائب في البرلمان، حسين إبراهيمي، أن بريطانيا يجب أن تسمح لوفد من مراقبي حقوق الإنسان بالتحقيق في أوضاع مدنها المضطربة.(رويترز)

السلف الشهرية للمستشفيات حلّ موقت لتوفير الخدمات الصحية

محمد وهبة

«يجب ارساء التغطية الأساسية الصحية الشاملة للبنانيين ويكون تمويلها الأساسي من المال العام، ما يعفي المواطن من اللجوء إلى هنا وهناك ومن دون زيادة الكلفة على العمل». هكذا أنهى وزير العمل شربل نحاس، المؤتمر الصحافي الذي عقده أمس لإعلان التعديلات التي طرأت على النظام المالي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بما يتيح له إعطاء المستشفيات سلفة شهرية على فواتيرها المستحقة والمتراكمة. ثمة رابط أساسي بين الأمرين؛ فالتغطية الصحية الشاملة الممولة من الخزينة العامة، هي حلّ جذري وأساسي لاختلالات نظام الضمان الصحي في لبنان، فيما السلفات الشهرية للمستشفيات هي حلّ موقت لمعالجة العوارض التي يعاني منها النظام.

حلّ موقت

على أي حال، فإن نحاس يؤكد أن «تراكم الشغور في الصندوق أدى تباعاً إلى تراكم فواتير المستشفيات المستحقة على الضمان عن المضمونين، إلى أكثر من سنة ونصف السنة». وقد رتّب هذا الأمر على المستشفيات أعباء إضافية «ودفع بهم إلى أزمة مالية شديدة» يقول نحاس. في هذا الإطار، اتفق الصندوق والمستشفيات على صيغة مؤقتة مبنية على معدل فواتير المستشفيات في عام 2010، فيدفع لكل مستشفى سلفة شهرية على حساب قيمة هذه الفواتير، ويضاف إليها ما نسبته 20% من قيمتها من أجل استيعاب ما تراكم. الوضعية الجديدة، بحسب نحاس، تعطي المستشفيات صورة واضحة عن عائداتها المالية وتعوّض لها الديون المتراكمة على الضمان.وتشير التعديلات على النظام المالي للصندوق، إلى أن قيمة السلفة يجب أن توزّع بين المستشفى والأطباء بنسبة حصّة لكل منهما من مجموع المعاملات المدفوعة خلال السنة الماضية. كذلك يعاد النظر في قيمة السلفة المحددة لكل مستشفى بعد نهاية كل سنة، فيما تشترط التعديلات ألّا يكون المستشفى مديناً للصندوق باشتراكات تزيد على فترة 3 أشهر.أيضاً، تذكر التعديلات التي طاولت البند الثالث من التنظيم الحسابي للصندوق والمادة 174، أنه يجب إيداع مديرية ضمان المرض والأمومة تقريراً شهرياً يتضمن عدد حالات الدخول إلى كل مستشفى يكون أساساً لدراسة تطور حركة الدخول وانعكاس ذلك على مقدار قيمة السلفة. واعطي المدير العام للصندوق صلاحيات تتيح له اتخاذ أي تدبير إداري أو قانوني يؤمن استرداد أو تعديل قيمة السلفة، وله أن يمدّد مهلة تسديد السلفة في الحالات والظروف الاستثنائية التي يعود له تقديرها، ويمكنه أيضاً، في حال امتناع أي مستشفى عن قبول أي مريض مضمون، أو في حال مخالفته الأنظمة المرعية التطبيق، أن يتخذ أي تدبير يؤمن مصلحة الصندوق ووقف إعطاء السلفة ضمناً.

معالجة جذرية

رغم أن هذا الحلّ جاء بعد أزمة طويلة بين المستشفيات والصندوق كان سببها الرئيسي عدم إقرار مجلس الضمان زيادة التعرفات الاستشفائية التي يطالب بها أصحاب المستشفيات الخاصة، فهو ليس سوى «حلّ منطقي يعالج العوارض وليس السبب» يقول نحاس. ولكنه حلّ يؤمن معالجة لمجموعة من المشاكل التي عانى منها المضمونون لفترة طويلة، فهو يفرض على المستشفيات استقبال كل المضمونين، لا سيما الاختياريين بينهم. المعروف أن المستشفيات توقفت منذ فترة طويلة عن استقبال مرضى الضمان الاختياري لأن هذا الفرع كان عاجزاً بنيوياً ولم يكن بإمكانه سداد المستحقات المتأخرة عليه للمستشفيات حتى أقرت الحكومة تخصيص الفرع بمبلغ 100 مليار ليرة.وتأتي هذه المعالجة لتضاف إلى الصيغة التي يعمل عليها حالياً لإنجاز تسوية للمشاكل المتراكمة في فرع الضمان الاختياري، فهناك عدد كبير من الذين انتسبوا ثم توقفوا عن سداد الاشتراكات، وبعضهم تراكمت عليه الغرامات، وآخرون لم يتبلغوا تسجيلهم في الصندوق لكن تراكمت عليهم الغرامات... «هذا الوضع ناتج من أن الضمان الاختياري يعاني اختلالاً لكونه يتناقض مع نفسه. فلا يمكن أن يكون لدينا ضمان اجتماعي لكن اختياري» بحسب نحاس. فالضمان، أي ضمان اجتماعي، «يجب أن يكون قائماً على طابع الشمولية»، وبالتالي فإن القول بأن الضمان الاختياري هو خاسر «أصبح تحصيل حاصل». لكن النتيجة على المضمونين كانت مختلفة، فهم باتوا يلجأون اليوم إلى وزارة الصحة من أجل الحصول على الاستشفاء. لذلك يرى نحاس أن «المسألة الاساسية للتخلص من هذه المشاكل هي وضع آلية واضحة لتأمين تغطية صحية شاملة».هذه التغطية الشاملة هي مطلب لكل فئات اللبنانيين ولكل الشرائح العمرية ولكل المضمونين وانسبائهم... ويمثّل المال العام أحد مصادر التغطية الرئيسية، على ما يقول نحاس. الوضع الحالي للتغطية الصحية في لبنان، هو عبارة عن صيغ مشتتة وحالات بلا علاج ومشاكل متكررة ومتجددة. غير أن الوضع المأمول التوصل إليه بحسب نحاس، «هو إرساء التغطية الشاملة التي تمثّل مصلحة عامة وتعفي المواطن من اللجوء إلى هذه الوسيلة أو تلك، فضلاً عن أن هذه الصيغة تؤمن عدم زيادة كلفة العمل في لبنان المؤلّفة من كلفة اشتراكات الضمان على العمال وأصحاب العمل».غير أن هذا التوجّه امامه تحدٍّ كبير؛ ففي عام 2008 أقرت كل الأطراف السياسية اللبنانية في ورشة عمل أقيمت بدعوة من الاتحاد الأوروبي، بأن التغطية الصحية الشاملة الممولة من الخزينة هي الحلّ للنظام الصحي في لبنان، لكنها عادت وتراجعت عن قرارها بعد فترة غير طويلة. فهل هناك إمكانية لإقرارها مجدداً؟ يجيب نحاس انطلاقاً من البيان الوزاري الذي تطرق إلى «سعي الحكومة للتغطية الشاملة. وبالتالي هي مسؤولية ملقاة على عاتق الحكومة وعلى الضمان ووزارة العمل».

الأكثر قراءة