بصدد الحرب في ليبيا قال السيد موسين انها مثال نمطي لحروب من نوع جديد، حروب القرن الحادي والعشرين، التي تعتمد على التخلي عن استخدام الدبابات، وانما على شن عمليات سرية استخباراتية، مع التركيز على استخدام طرق التلاعب بالوعي الاجتماعي، وتسريب معلومات كاذبة إلى وسائل الإعلام. وذلك إضافة إلى عمليات القوات الخاصة والإفراج عن سجناء من المجرمين الجنائيين لاستخدامهم في زرع الفوضى.. وكذلك قصف الإهداف من أماكن بعيدة، باستخدام الطيران أو السفن الحربية، مثلما يحدث في ليبيا.. وبالتالي تقتضي العمليات السرية أو الحروب من هذا النوع وضع خطط معينة، وإيجاد تناقضات داخلية وطابور خامس، واستخدام القوات الخاصة والعناصر الإجرامية لتأجيج النزاع في البلد المستهدف. أما نقطة الضعف في مثل هذه العمليات، تكمن في قصر مدتها. وحتى إذا كان الطرف الآخر قويا، يبدأ عامل الوقت بالعمل ضد المخططات العسكرية المذكورة. وذلك أن الحقيقة تكتشف مع الوقت. وإذا استطاع الطرف المضاد أن يصمد، تبدأ آليات الأكاذيب تتعثر. وعندما يدرك الإنسان العادي أنه مخدوع ـ يوجه ذلك ضربة جدية ضد وسائل الإعلام المحترمة. ومن الممكن مواجهة هذا التدفق من المعلومات الكاذبة عبر إيجاد دلائل تثبت بطلانها. وبالتالي فإن مقاومة هذه الأساليب ممكنة وضرورية. ونرى أن العملية بدأت في بيلاروس أولا، ونقلتها وزارة الخارجية الأمريكية فيما بعد إلى شمال إفريقيا والشرق الأوسط، ما يعني أن مثل هذه التقنيات لا تزال قيد التجربة. كما سبق لروسيا أن واجهت هذه التقنيات في 8 أغسطس /آب 2008، عندما جرى تقديم الدبابات الجورجية على أنها روسية. وخلال الأيام الثلاثة الاولى على التوالي، كانت وسائل الإعلام تخدع العالم كله، محملة روسيا مسؤولية الجرائم، التي ارتكبها الطرف الجورجي. ومع ذلك وعلى الرغم من عدم استعداد روسيا لمواجهة هذه الأساليب، لم تلبث الحقائق أن اكتشفت آنذاك.
وبشأن الحرب الاعلامية اشار موسين الى انه بعد مرور نحو 100 يوم على العمليات العسكرية، كان ثمة يومان يعتقد أن الروس انتصروا خلالهما في الحرب الإعلامية. فقد كانت تتدفق الأكاذيب بصورة مستمرة من قبل (بي ـ بي ـ سي) و(أسوشيتد برس) و(فرانس برس) و(إذاعة الحرية)، وغيرها من وسائل الإعلام، التي كانت تردد روايات مروعة عن معارك دامية في مدينة الزاوية الليبية. وأرسل الجانب الروسي إلى الزاوية مجموعة تلفزيونية صورت نساء يدفعن عربات أطفالهن، وصبيانا على دراجاتهم الهوائية، وزبائن في مقاهي. وعندما سألهم الصحفيون عن الجثث والقناصين، أجابوا أن كل ذلك لا وجود له إطلاقا، أما المعارك فانتهت قبل شهرين. وجرى عرض هذه اللقطات على المسؤولين العسكريين الروس .. وان بوسعهم التصدي لمثل هذه الحملات كل يوم! وبامكانهم الانتصار في الحرب الإعلامية حتى بدون آلية ضخمة لأداء هذه المهمة. لكن ذلك يتطلب وجود مختصين يدركون كيف وأين يمكن تصوير اللقطات اللازمة، وإيصالها إلى وسائل الإعلام.. وهذا المثال يشكل خير نموذج لاستخدام سلاح الأكاذيب، كما في وصايا الدكتور غوبلز، الذي قال: "الأكذوبة الصغيرة قد تكشف، أما الكبيرة فقد يصدقها الناس". وبالإمكان، بل من الواجب كشف مثل هذه الأكاذيب الكبيرة.
وما يجري في طرابلس، يوضح أن الناتو، دون الإعلان عن شن عملية برية، أرسل إلى هناك حوالي 5 آلاف من المرتزقة الأجانب، وأغلبهم من الأوروبيين، إلى جانب مرتزقة من تنظيم "القاعدة" أو من الجزائر أو التشاد أو بلدان أخرى. هذه حقائق تسنى كشفها بفضل جهود مجتمع الإنترنت، بما في ذلك جمعية "آنا" الروسية المستقلة، التي أنشئت لأغراض الدفاع في الحروب الإعلامية، التي ترافق النزاعات الإقليمية الصغيرة، التي تخاض في إطار الحرب العالمية الثالثة. ومن خصوصيات هذه الحروب إعداد مواد متنوعة قابلة لاستخدامها في مختلف الحالات، مثل بناء "ديكور" لكل من الساحة الخضراء ومجمع باب العزيزية. وهناك ممثلون محترفون، كالذي مثل سيف الإسلام القذافي في مسرحية القبض عليه. ويبدو أن صوت محمد، الابن الأكبر للقذافي، تعرض لمعاملة خاصة ما أثناء حواره مع قناة الجزيرة. وفي برنامج "فوتوشوب" تم العثور على صور يظهر فيها الزعيم الليبي ميتا.. كلها معلومات كاذبة، تم إعدادها مسبقا، وتم تسريبها إلى وسائل الإعلام دفعة واحدة..
وفي الوقت الذي يعلن كبار المسؤولين الأمريكيين فيه أن الولايات المتحدة تحارب في شمال إفريقيا، الصين وروسيا، ليس أمام روسيا الا ان تحدد خيارها الوحيد وهو المقاومة، لأنه بعد الحرب في ليبيا ستندلع الحرب في سورية. فالأمريكيون يخططون لطرد روسيا من حوض البحر الأبيض المتوسط، وإغلاق قاعدتها البحرية هناك. ويدرك الروس انه لا يحق لهم لنا ترك سورية في مأساتها. وأن هذه العملية لن تنتهي بالشرق الأوسط أو شمال إفريقيا، بل وعليهم انتظار استخدام السلاح الإعلامي ضد روسيا في السنوات أو الأشهر القادمة، وذلك لأن لهذه العملية أسباب اقتصادية. فحاليا تقطع أمريكا الغاز والنفط الليبيين عن الصين بوساطة الاستخبارات الفرنسية.