السلف الشهرية للمستشفيات حلّ موقت لتوفير الخدمات الصحية
محمد وهبة«يجب ارساء التغطية الأساسية الصحية الشاملة للبنانيين ويكون تمويلها الأساسي من المال العام، ما يعفي المواطن من اللجوء إلى هنا وهناك ومن دون زيادة الكلفة على العمل». هكذا أنهى وزير العمل شربل نحاس، المؤتمر الصحافي الذي عقده أمس لإعلان التعديلات التي طرأت على النظام المالي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بما يتيح له إعطاء المستشفيات سلفة شهرية على فواتيرها المستحقة والمتراكمة. ثمة رابط أساسي بين الأمرين؛ فالتغطية الصحية الشاملة الممولة من الخزينة العامة، هي حلّ جذري وأساسي لاختلالات نظام الضمان الصحي في لبنان، فيما السلفات الشهرية للمستشفيات هي حلّ موقت لمعالجة العوارض التي يعاني منها النظام.
حلّ موقت
على أي حال، فإن نحاس يؤكد أن «تراكم الشغور في الصندوق أدى تباعاً إلى تراكم فواتير المستشفيات المستحقة على الضمان عن المضمونين، إلى أكثر من سنة ونصف السنة». وقد رتّب هذا الأمر على المستشفيات أعباء إضافية «ودفع بهم إلى أزمة مالية شديدة» يقول نحاس. في هذا الإطار، اتفق الصندوق والمستشفيات على صيغة مؤقتة مبنية على معدل فواتير المستشفيات في عام 2010، فيدفع لكل مستشفى سلفة شهرية على حساب قيمة هذه الفواتير، ويضاف إليها ما نسبته 20% من قيمتها من أجل استيعاب ما تراكم. الوضعية الجديدة، بحسب نحاس، تعطي المستشفيات صورة واضحة عن عائداتها المالية وتعوّض لها الديون المتراكمة على الضمان.وتشير التعديلات على النظام المالي للصندوق، إلى أن قيمة السلفة يجب أن توزّع بين المستشفى والأطباء بنسبة حصّة لكل منهما من مجموع المعاملات المدفوعة خلال السنة الماضية. كذلك يعاد النظر في قيمة السلفة المحددة لكل مستشفى بعد نهاية كل سنة، فيما تشترط التعديلات ألّا يكون المستشفى مديناً للصندوق باشتراكات تزيد على فترة 3 أشهر.أيضاً، تذكر التعديلات التي طاولت البند الثالث من التنظيم الحسابي للصندوق والمادة 174، أنه يجب إيداع مديرية ضمان المرض والأمومة تقريراً شهرياً يتضمن عدد حالات الدخول إلى كل مستشفى يكون أساساً لدراسة تطور حركة الدخول وانعكاس ذلك على مقدار قيمة السلفة. واعطي المدير العام للصندوق صلاحيات تتيح له اتخاذ أي تدبير إداري أو قانوني يؤمن استرداد أو تعديل قيمة السلفة، وله أن يمدّد مهلة تسديد السلفة في الحالات والظروف الاستثنائية التي يعود له تقديرها، ويمكنه أيضاً، في حال امتناع أي مستشفى عن قبول أي مريض مضمون، أو في حال مخالفته الأنظمة المرعية التطبيق، أن يتخذ أي تدبير يؤمن مصلحة الصندوق ووقف إعطاء السلفة ضمناً.
معالجة جذرية
رغم أن هذا الحلّ جاء بعد أزمة طويلة بين المستشفيات والصندوق كان سببها الرئيسي عدم إقرار مجلس الضمان زيادة التعرفات الاستشفائية التي يطالب بها أصحاب المستشفيات الخاصة، فهو ليس سوى «حلّ منطقي يعالج العوارض وليس السبب» يقول نحاس. ولكنه حلّ يؤمن معالجة لمجموعة من المشاكل التي عانى منها المضمونون لفترة طويلة، فهو يفرض على المستشفيات استقبال كل المضمونين، لا سيما الاختياريين بينهم. المعروف أن المستشفيات توقفت منذ فترة طويلة عن استقبال مرضى الضمان الاختياري لأن هذا الفرع كان عاجزاً بنيوياً ولم يكن بإمكانه سداد المستحقات المتأخرة عليه للمستشفيات حتى أقرت الحكومة تخصيص الفرع بمبلغ 100 مليار ليرة.وتأتي هذه المعالجة لتضاف إلى الصيغة التي يعمل عليها حالياً لإنجاز تسوية للمشاكل المتراكمة في فرع الضمان الاختياري، فهناك عدد كبير من الذين انتسبوا ثم توقفوا عن سداد الاشتراكات، وبعضهم تراكمت عليه الغرامات، وآخرون لم يتبلغوا تسجيلهم في الصندوق لكن تراكمت عليهم الغرامات... «هذا الوضع ناتج من أن الضمان الاختياري يعاني اختلالاً لكونه يتناقض مع نفسه. فلا يمكن أن يكون لدينا ضمان اجتماعي لكن اختياري» بحسب نحاس. فالضمان، أي ضمان اجتماعي، «يجب أن يكون قائماً على طابع الشمولية»، وبالتالي فإن القول بأن الضمان الاختياري هو خاسر «أصبح تحصيل حاصل». لكن النتيجة على المضمونين كانت مختلفة، فهم باتوا يلجأون اليوم إلى وزارة الصحة من أجل الحصول على الاستشفاء. لذلك يرى نحاس أن «المسألة الاساسية للتخلص من هذه المشاكل هي وضع آلية واضحة لتأمين تغطية صحية شاملة».هذه التغطية الشاملة هي مطلب لكل فئات اللبنانيين ولكل الشرائح العمرية ولكل المضمونين وانسبائهم... ويمثّل المال العام أحد مصادر التغطية الرئيسية، على ما يقول نحاس. الوضع الحالي للتغطية الصحية في لبنان، هو عبارة عن صيغ مشتتة وحالات بلا علاج ومشاكل متكررة ومتجددة. غير أن الوضع المأمول التوصل إليه بحسب نحاس، «هو إرساء التغطية الشاملة التي تمثّل مصلحة عامة وتعفي المواطن من اللجوء إلى هذه الوسيلة أو تلك، فضلاً عن أن هذه الصيغة تؤمن عدم زيادة كلفة العمل في لبنان المؤلّفة من كلفة اشتراكات الضمان على العمال وأصحاب العمل».غير أن هذا التوجّه امامه تحدٍّ كبير؛ ففي عام 2008 أقرت كل الأطراف السياسية اللبنانية في ورشة عمل أقيمت بدعوة من الاتحاد الأوروبي، بأن التغطية الصحية الشاملة الممولة من الخزينة هي الحلّ للنظام الصحي في لبنان، لكنها عادت وتراجعت عن قرارها بعد فترة غير طويلة. فهل هناك إمكانية لإقرارها مجدداً؟ يجيب نحاس انطلاقاً من البيان الوزاري الذي تطرق إلى «سعي الحكومة للتغطية الشاملة. وبالتالي هي مسؤولية ملقاة على عاتق الحكومة وعلى الضمان ووزارة العمل».