Ihsan Masri

Ihsan Masri

منذ أكثر من ثلاثة أشهر تقدّم مؤسّسو «النقابة العامة لعمال التنظيفات والرعاية الاجتماعية» بطلب الى وزارة العمل للترخيص للنقابة، وأعلنوا صراحة أن هدفها تنظيم العاملات والعمال في الخدمة المنزلية نقابياً للدفاع عن مصالح هذه الفئة العمالية. الى اليوم يرفض وزير العمل سجعان قزي ترخيص النقابة بحجة أنها مخالفة لقانون العمل. لذلك تحرّكت مئات العاملات أمس لمناسبة عيد العمال ليقلن للوزير إنّ التنظيم النقابي حقّ لهنّ سيحصلن عليه مع رخصة أو من دونها

 

إيفا الشوفي - الاخبار

 

 

قبل أيام من عيد العمال، قُتلت ثلاث عاملات في يومٍ واحد. لم تتمكن هؤلاء من الخضوع أكثر لنظام الاستعباد المسمى «كفالة». كذلك، تم اكتشاف أنّ هناك طفلة بنغلادشية بعمر الثانية عشرة جاءت الى لبنان لتعمل في الخدمة المنزلية لأكثر من 18 ساعة يومياً ومن دون أجر. في عيد العمال، أطلّ وزير العمل سجعان قزي على شاشة تلفزيون «المستقبل» ليجدّد رفضه المطلق لحق عاملات المنازل في التنظيم النقابي، ولم يكتفِ بذلك فقط. فوفق بيان منظمة «كفى»، شتم قزي الناشطة في المنظمة غادة جبور بعدما توجّهت اليه أثناء المقابلة لتقول له إن النقابة حق لعاملات المنازل وإن الأفعال أهم من الأقوال.

 

«غضب قزي إثر هذا التصريح وترك المقابلة وبدأ يشتم ويسبّ، وبالطبع لم يفته استخدام كلمات رخيصة ونابية تثبت مدى ذكوريته وتعجرفه، مع العلم بأنها لم تكن المرّة الأولى التي يعبّر فيها الوزير بهذه الطريقة»، بحسب البيان. مصادر الوزير تنكر ما ورد في بيان «كفى»، إذ إن الوزير رفض «فقط أن يناقش الأمر خارج إطار البرنامج الموجود فيه». في عيد العمّال في الاول من أيار لم يكن يوم عطلة لعاملات المنازل. انتظرن حتى يوم الاحد لتنظيم مسيرة حاشدة للمطالبة بحقّهن في التنظيم النقابي الذي تعمل السلطة جاهدةً من أجل منعه. عاملات من جنسيات مختلفة حملن لافتات تدعو «لوقف الاتجار بهنّ»، «قتل نظام الكفالة لإنقاذهنّ» و»التحقيق جدياً في حالات الانتحار». رقصن على إيقاع الاغاني تعبيراً منهنّ عن رغبتهنّ في عيش حياة سعيدة، أردن أن يقلن للذين يتهمون العاملات «بالانتحار بسبب مشاكل نفسية» إنّهن يحببن الفرح، إلا أنّ ما يحدث بين جدران البيوت من ظلم وقهر واستغلال «مشرّع» هو الذي يقتلهن. ترتدي سيباستيان، القادمة من ساحل العاج، كنزة النقابة الحمراء وتجول بين المشاركات. لماذا أنتنّ هنا؟ تسألها إحدى النساء، فتجيبها بغضب «لأنه ليس لدينا الحق في أن نأكل. لأننا ننام في المطبخ أو على الشرفة، ونعمل منذ الرابعة صباحاً حتى الثانية ليلاً. نحن هنا لأنهم يقفلون أبواب البيوت علينا كأننا سجينات، ويعاملوننا معاملة سيئة، كذلك فإنّ أوراقنا مصادرة. ونحن لا نريد هذا». تتدخل غريتا القادمة من إثيوبيا لتشرح للمرأة ببساطة، فتقول مع ابتسامة «أنت يمكنك أن ترتدي ما يحلو لك، لكن أنا ما دمت موجودة لدى كفيلي ممنوع عليّ أن أرتدي ما يعجبني. إذا إنتي مش مبسوطة بشغلك بتفلي، بس أنا شو بعمل؟ إذا فليت بياخدوني عالحبس. أنا ما سرقت وما قتلت، بس أنا بالحبس لإني فليت». تأخذ غريتا يوم عطلة واحد كل شهرين، وفي يوم عطلتها أمس اختارت أن تطالب بحقوقها.

يقدّر عدد عاملات المنازل ما بين 150 و220 ألفاً من إجمالي القوى العاملة التي تقدّر بـ1.45 مليون، ولا تزال هذه الفئة مستثناة من قانون العمل بموجب المادة السابعة. القضية الأساس اليوم هي تعنّت وزير العمل في رفض ترخيص «النقابة العامة لعمال التنظيفات والرعاية الاجتماعية»، وفق التسمية الرسمية الواردة في الطلب المقدم الى الوزارة، ضارباً عرض الحائط بالحق في التنظيم النقابي للعمال الذي تصونه المواثيق الدولية، مستنداً بذلك الى أنّ «عمال المنازل مستثنون من أحكام قانون العمل، وبالتالي لا يمكنهم تأسيس نقابة. كذلك فإنّه لا يمكن تأسيس نقابة لغير اللبنانيين». حجة الوزير سبق أن دحضها المحامي نزار صاغية الذي أكد أن استثناء هذه الفئة من القانون يشير الى أنها «لا تخضع لشروط تأسيس النقابات التي ينص عليها قانون العمل، ولا يعني إطلاقاً منعهم من تأسيس نقابة وتجمّع للدفاع عن حقوقهم»، كذلك فإنّ مؤسّسي هذه النقابة عمال لبنانيون. مع ذلك، يتشبّث الوزير بموقفه؛ فبعد مرور أكثر من 3 أشهر على المؤتمر التأسيسي للنقابة، لم يوقّع الى اليوم طلب النقابة، وهو أعلنها صراحة أنه «لن يوقّع». إلّا أنّ الوزير يؤيد جميع مطالب العاملات، وفق ما يقول لـ»الأخبار»، لكن «تحقيق هذه المطالب لا يتم عبر إنشاء نقابة، بل من خلال مجموعة إجراءات بدأت بها وزارة العمل، وهي عبارة عن 16 إجراءً عرضتهم الوزارة على السفارات المعنية التي وافق معظمها عليها بانتظار الرد المتبقي من سفارة الفيليبين». بحسب الوزير، فإنّ «هذه الإجراءات تذهب أبعد بكثير ممّا تطالب به العاملات». اللجوء الى السفارات لا ينفع برأي العاملات. تتساءل غريتا جدياً «نحن لا نعرف لماذا توجد السفارات هنا. هم يعلمون بكل ما نعانيه من عذاب وظلم، ومع ذلك لا يتحركون. صديقتي عملت هنا لثلاث سنوات ورُحّلت من دون أن تأخذ دولاراً واحداً، والسفارة لم تفعل شيئاً». لماذا الإصرار على عدم الترخيص للنقابة؟ يقول نقابيون إنّ أسس العمل النقابي بالنسبة إلى القوى المسيطرة في البلد هي أن يبقى خاضعاً بشكل دائم للسلطة، وبالتالي فإن أي تحرك خارج هذا الإطار يحارب، وتعود الى الأذهان هنا تجربة هيئة التنسيق النقابية. من الصعب على هذه القوى أن تسمح لعاملات منازل أجنبيات مهمشات ومستضعفات بتحصيل حقوقهن عبر تحرّك مستقل، إذ قد يؤدي ذلك الى استنهاض القوى الأخرى المستضعفة بدورها. لذلك فإن محاولة وزير العمل إعطاء هؤلاء جزءاً بسيطاً من حقوقهن، بشرط رفض انتظامهنّ نقابياً، تدخل ضمن إطار «تقديمات» السلطة لهذه الفئة ومحاولة لفرض «مقايضة» عليها تبقيها تحت السيطرة. يرتكز رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين كاسترو عبدالله على بيانات الوزير السابقة المناهضة للاتجار بالبشر ليؤكد أنّ قزي «يذهب فعلاً في بياناته أبعد من مطالب النقابة، لكنه لا ينفّذ ما يقول». ويضيف أن «النقابة قائمة سواء وقّع الوزير أو لم يوقّع»، متأسفاً لـ»الإهانة التي وجّهها الوزير الى الجمعيات والمنظمات الداعمة لهذا التحرك». معلومات وزير العمل تقول إن منظمة العمل الدولية لا تشارك أو تدعم تحرّك أمس بناءً على «كلامٍ» حصل بين الوزارة والمنظمة، إلا أنّ عاملين في المنظمة كانوا حاضرين بوضوح في احتفالات العاملات في الخدمة المنزلية أمس، في المسيرة من وطى المصيطبة الى الحمرا، وفي المهرجان الذي أقيم بعد الظهر في موقف للسيارات في شارع الحمرا. أحد الحاضرين من المنظمة قال لـ»الأخبار» إنها تدعم بشكل كامل حق العمال في التنظيم النقابي، وتحديداً عاملات المنازل، وهذا جزء من مبادئها، وهي شاركت عبر ممثليها في التحرّك أمس، على عكس معلومات الوزير.

شربل نحاس - الاخبار

 

 

الدواء الشافي وضرورة تعميم منافعه

 

عيّن مجلس الوزراء في جلسته بتاريخ 8 نيسان 2015 رئيس وأعضاء مجلس إدارة «الهيئة الاقتصادية الخاصة في طرابلس» وهم: الوزيرة السابقة ريا الحسن رئيسة ومديرة عامة، والوزير السابق جهاد أزعور ووسيم منصوري وأنطوان حبيب ورمزي الحافظ وأنطوان دياب وعشير الداية أعضاء. ولا بد من تحية الحس الوطني لدى الوزيرة الحسن لأنها قبلت العمل بالسخرة، وفق تعبير وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس في مقابلة تلفزيونية، لقاء بدل أتعاب رمزي لا يفوق ثمانية ملايين ليرة شهرياً، لتنمية مدينة طرابلس العزيزة.

 

كما وافقت حكومة «المصلحة الوطنية» في 23 نيسان على اقتراح القانون المقدم من النواب أنطوان زهرا ونعمة الله أبي نصر وسامر سعادة وحكمت ديب واسطفان الدويهي لإنشاء «منطقة اقتصادية خاصة في قضاء البترون»، وقررت إحالته على مجلس النواب. النعمة المفترضة حلت إذاً على طرابلس وهي آتية إلى البترون، والعقبى لسائر مراكز المحافظات والأقضية ومواقع الزعامات، لأن هذا الترياق لا يجوز حجبه عن أحد، عملاً بالمبدأين الدستوريين القائلين بالمساواة بين اللبنانيين وبالإنماء المتوازن.

من مقارنة إيدال بـ«المنطقة الخاصة» يمكن قياس الوقاحة في استباحة حقوق المواطنين من منطلق إنساني، تقتضي الرأفة بالجهود المضنية التي يبذلها مجلس نواب الأمة في الرقابة والتشريع دعوته إلى إقرار قانون واحد لمجمل «المناطق الاقتصادية الخاصة» المنتظرة يشمل كل الأراضي اللبنانية عوضاً عن اضطراره لمناقشة سلسلة طويلة من القوانين المتطابقة والمستنسخة لكل منطقة على حدة. ما هي العناصر التي تدخل في تركيب هذا الدواء السحري وتجعله الحل الشافي للتخلف والحرمان؟ تلحظ «المناطق الاقتصادية الخاصة» مجموعة من الإجراءات تندرج تحت العناوين التالية:

الهيئة العامة لإدارة المنطقة الخاصة

 

الهيئة مسماة عامة (وليست خاصة كالمنطقة، ربما من باب التندر) على الرغم من كونها متفلتة من أحكام النظام العام للمؤسسات العامة ومن الرقابة عليها. فهي، وفق المادة 2 من القانون، «لا تخضع لأحكام المرسوم الذي يحدد النظام العام للمؤسسات العامة،» وهي، وفق المادة 4، «تخضع للأحكام الواردة في هذا القانون وللأنظمة الخاصة بها دون سواها، ولرقابة ديوان المحاسبة المؤخرة وفقاً لنظام خاص» (لاحظوا درجة خصوصية هذه الهيئة العامة)، وهي، استكمالاً للسياق، «لا تخضع لرقابة كل من مجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي». فاطمئنوا. ولا تنتفضوا إذا قرأتم في المادة 6 أن أول «واردات الهيئة هو الاعتمادات الملحوظة لها في الموازنة العامة»، «فيسواها ما يسوى» المال العام غير الخاضع للرقابة منذ عقدين ونصف العقد أصلاً. والهيئة، وفق المادة 8، ومثل المحكمة الدولية «الخاصة» بلبنان، تتولى «وضع شروط الترخيص للمشاريع الاستثمارية» وفي الوقت ذاته تتولى «الموافقة على الترخيص بهذه المشاريع الاستثمارية». وهي «تتلقى طلبات الترخيص بالعمل للأجانب في المنطقة وإصدار تلك التراخيص بقرار منها (الهيئة) وفقاً لنظام منح التراخيص الخاصة (أيضاً) بالمنطقة، وإطلاع وزارة العمل عليه»، لعله نظراً إلى الهم الإحصائي المستشري. وكي لا يتبقى أي قيد أو يحصل أي سهو، لم ينس واضعو القانون إضافة إلى أنها «تتولى أيضاً أي مهام أخرى يتطلبها حسن سير العمل في المنطقة».

دفعاً لأي التباس، تكرّس المادة 9 منطق الدويلة إذ تقول: «تمارس الهيئة حصراً، في ما يخص المشاريع الاستثمارية التي تخضع لأحكام هذا القانون (أو الأنظمة التطبيقية لأحكامه)، صلاحية جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات في ما يتعلق بمنح التراخيص الادارية وإجازات البناء». الدولة والبلديات مكفوفة اليد إذن ومنزوعة الصلاحيات كلياً، لأن جل أعمالها إدارية أصلاً، والصلاحيات التي تحوزها الهيئة حصرية. هيئة بعد هيئة، تكتمل فسيفساء الدويلات، فترتاح الدولة والبلديات، وتتفرغ لهواياتها السياسية والإعلامية. المشغل... الهيئة الخاصة لإدارة المنطقة الخاصة لكن الهيئة تستطيع هي أيضاً التفرغ لهواياتها. قد يتخيل البعض أن ملاكها الذي يضم ثمانين شخصاً، اقتصاديين وإداريين وفنيين وحقوقيين (والمحدد في المرسوم 2226 تاريخ 11/6/2009)، صمم لكي ينهض هذا الفريق من الاختصاصيين المتحمسين للعمل بالسخرة لتنمية طرابلس اليوم، والبترون غداً، بأعباء إدارة المنطقة، طبقاً لما ورد في المادة 1 من القانون، حيث عُرّفت الهيئة بأنها تتولى «إدارة هذه المنطقة». لكن الواقع غير ذلك. فالقانون لحظ، إلى جانب الهيئة، جسماً غريباً يشغل البال، اسمه «المشغل». وهذا المشغل، وفق المادة 1 نفسها، «يتولى مسؤولية تشغيل واستثمار المنطقة كلياً أو جزئياً ضمن نطاق العقد المنظم لهذه الغاية مع الهيئة، كما يمكن أن يتولى مسؤولية إنجاز مشروع إنشاء المنطقة وتأهيلها وتجهيز بنيتها وغيرها من الأمور اللازمة»... وذلك حتى «إنتهاء فترة الإشغال». (إنتهاء بهمزة قطع، وفقا للنص التشريعي الجليل، ولكن الرئيس سهيل بوجي لم يعد هنا لتصحيح الأخطاء المادية واللغوية الوفيرة في النص). ويمكن، بحسب المادة 14، «الترخيص للمشغل... بحق تأجير المستفيدين جزءاً من المساحات الداخلة في المنطقة المخصصة للأشغال، كما يمكن أيضاً تأجير المخازن والمستودعات وغيرها واستيفاء بدلات الإيجار من جانب المشغل» كما «يجوز للهيئة أن تمنحه حق إستيفاء بدل من المستفيدين عن تأدية بعض الخدمات». ماذا يتبقى من «الإدارة» إذا تولى المشغل التشغيل والاستثمار والإنجاز والتأهيل والتجهيز وغيرها من الأمور اللازمة وتأجير الأراضي والأبنية وقبض بدلات الخدمات؟ زيادة في الوضوح، تنص المادة 12 على «جواز منح المشغلين مهام توفير بعض الخدمات في المنطقة عن طريق توليهم مسؤولية إقامة مشاريع إنتاجية مثل الكهرباء وخدمات الإتصالات والماء وغيرها وتشغيلها بصورة مستقلة في المنطقة بأسعار منافسة وفقاً للترتيبات الناشئة عن العقد»، أي بخرق حصرية المؤسسات العامة الخدمية كافة، انسجاماً مع منطق سيادة الدويلة، واستيحاء من تجربة سوليدير «الخاصة» لناحية فرض أسعار الخدمات على المؤسسات المقامة فيها. الهيئة مصممة إذن للقيام بعمل واحد فتستريح: إبرام العقد مع المشغل (أو المشغلين). فما هي شروط إبرام هذا العقد؟ ولماذا لا تقوم الهيئة بالإدارة بنفسها؟ وإلا لماذا لم يؤسس القانون «المشغل» بدل تأسيسه «هيئة» لا تطالب إلا باستيلاد المشغل كما الشرنقة تستولد الفراشة الزاهية؟ ولماذا التضحية بتضحية الوزيرة ريا الحسن وإلهائها برئاسة الهيئة بدل تكليفها بإدارة «المشغل»؟ هنا تبرز أهمية الطابع الخاص للهيئة العامة وأهمية عدم خضوعها لنظام المؤسسات العامة وللرقابة، فهذه الامتيازات هي الخيط الرفيع الذي يسمح بجعل المنطقة الخاصة خاصة فعلياً وبالكامل.

تضحيات المستثمرين

 

نصل إلى الأنشطة المأمولة في المنطقة. تنص المادة 17 على أن «المشاريع الاستثمارية في المنطقة تتعاطى أعمال التجارة والصناعة والخدمات والتخزين وغيرها من النشاطات والمشاريع الإستثمارية»، أي كل شيء، «ما عدا الخدمات السياحية»، من دون أن نفهم ما القصد من هذا الاستثناء. هل مطعم سندويشات يوفر «خدمة سياحية؟»، وهل مجمع أو هنكار لإيواء العمال البنغاليين أو النيباليين يوفر «خدمة سياحية». على الأرجح لا، فالعمال ليسوا سياحاً في القاموس اللبناني، والدليل أنهم لا يجوز أن يدخلوا إلى المسابح كما صرح مدير مسبح الريفييرا الراقي، لولا قرار وزير السياحة فادي عبود الذي قضى بالسماح «لكل إنسان ولكل عامل» بدخول المسابح «السياحية» إذا دفع المبلغ المحدد للدخول، والتمييز بين الإنسان والعامل واضح وصريح، وقد تعمد الوزير ذكر الصنفين جنباً إلى جنب تأكيداً على التمييز وبسبب تنافس الدوافع الإنسانية والعمالية الجامحة لديه. المستثمرون معفيون من كل رسم أو ضريبة قد تخطر على البال، وإليكم لائحة الطعام بأطباقها الشهية: الرسوم الجمركية بما فيها معدل الحد الأدنى، ورسم الاستهلاك الداخلي، والضريبة على القيمة المضافة، ورسوم الاستيراد والتصدير عن الآليات والأجهزة والمعدات والمواد والسلع (المادة 32)، وضريبة الدخل على الأرباح (المادة 33)، ورسوم الترخيص وضريبتا الأملاك المبنية والأراضي عن الأبنية والإنشاءات العقارية (المادة 35)، وأي رسوم وضرائب على إصدارات الأسهم والأوراق المالية (المادة 37). هل من مزيد؟ وهل نسوا شيئاً؟ لا سمح الله وجل من لا يخطئ. صحيح أن الرسوم الجمركية ورسم الاستهلاك الداخلي والضريبة على القيمة المضافة تستوفى في حال إخراج السلع من المنطقة لإدخالها إلى الأسواق اللبنانية (المادة 32)، إنما تبقى المعدات والأدوات المستخدمة لإنتاجها معفاة، وتبقى سائر الإعفاءات قائمة. هذا الإجراء الجمركي كان لا بد منه تلافياً لاهتزاز السلم الأهلي، وإلا لكانت كل المؤسسات القائمة في البلد انتقلت إلى المنطقة أو سارت إلى الإفلاس أو التهريب. لكن ما رأيكم بالمؤسسات التي لا تبيع سلعاً بل خدمات؟ من مكاتب محاماة واستشارات وإعلان وإعلام وغيرها؟ ولماذا يتبقى ولو واحدة منها خارج «المنطقة»؟ وماذا عن المؤسسات التي تصدر سلعاً والتي لا تستفيد من الإعفاءات وتدفع الضرائب على الاستهلاك على معداتها وعلى مدخلاتها السلعية ولا تسترد هذه الأخيرة إلا بعد وقت طويل وعناء كبير؟ في الخلاصة الدولة قررت ألا تحصّل شيئاً من «المؤسسات العاملة» في المنطقة لا هي ولا البلديات. إنما مقابل ماذا؟ وفق القانون الشافي، أتى التنازل عن الأموال العامة المتأتي من إعفاء المؤسسات في «المنطقة»، ولعله وجب وصفها بالمؤسسات المنطقية، غير مشروط. غير أن ثمة استثناء على هذا الكرم الحاتمي، وهو أن الإعفاء من ضريبة الدخل على الأرباح بالتحديد مقيد بشرطين قاسيين جداً لا بل تعجيزيين (المادة 33): «أن لا تقل قيمة الأصول الثابتة في المؤسسة أو رأسمالها عما يوازي ثلاثماية ألف دولار أميركي بالعملة اللبنانية»، و«أن لا تقل نسبة اللبنانيين من مجمل المستخدمين والعمال في هذه المؤسسات عن 50% منهم». لا بد، ولو اعتراضياً، من تحية الحس الوطني الذي تبدى عبر إصرار المشترع على احترام السيادة المتجسدة في «العملة اللبنانية» قاعدة لمقياس قيم الأصول الثابتة أو رأس المال، وهي تبلغ مستوى فلكياً. ولا بد من تحية التحيّز الوطني والاجتماعي الذي تبدى عبر حفظ 50% من عديد العاملين للبنانيين، مقابل 50% لسائر سكان الكرة الأرضية. غير أن سائر الإعفاءات تبقى سارية حتى لو خرق هذا الشرط، ولن يكون من السهل معرفة مدى تقيد المؤسسات بالشرط المذكور نظراً لإزالة أي دور رقابي في هذا المجال، حتى للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي يتوفر لديه وحده جهاز تفتيش فعلي وإن غير كاف. عفواً، نسينا شرطاً تعجيزياً ثالثاً للاستفادة من الإعفاء من ضريبة الدخل على الأرباح، وهو تحقيق أرباح. فالمؤسسة التي لا تحقق أرباحاً (وما أكثرها في لبنان، بالنظر إلى شطارة اللبنانيين والمحاسبين خصوصاً وبفضل السرية المصرفية) لن تستفيد من هذا الإعفاء بسبب انتفاء الأرباح، وهي أصلاً لن تكون بحاجة إليه، لكنها سوف تستطيع في المقابل توظيف حتى 100% من الأجانب في اندفاعة أممية لا بد من تحيتها في مناسبة عيد العمال العالمي. تبقى الإشارة، للإنصاف والأمانة، إلى أن المادة 36 «تعفي الشركات المغفلة على أنواعها من شرط وجود أشخاص لبنانيين في مجالس إدارتها» (خلافاً لقانون التجارة)، وأن المادة 37 تسمح «بأن تكون جميع أسهم المؤسسات العاملة في المنطقة أسهماً لحامله» (وهو ما يجيزه قانون التجارة أصلاً). فما القصد يا ترى من هذين الإعفاءين؟ أليس إعلان القرار الحازم بالتطنيش الكامل على هوية مالكي الشركات ومديريها؟ احتراماً للحرية الفردية أو لأي قصد سام آخر يا ترى؟ يبقى سؤال مقلق: لماذا منع السياحة في المنطقة؟ هل لتشجيعها من حولها؟ هل لتحفيز العجلة الاقتصادية في الأقاليم وإغداق منافع مطاعم السندويش عليها وزيادة الطلب على العقارات التي يشكو اللبنانيون من انخفاض أسعارها؟ والله أعلم.

 

العاملون في المؤسسات العاملة

 

إذا كانت رئيسة الهيئة تخسر لأنها تعمل بالسخرة، وكانت الدولة والبلديات لا تكسب شيئاً من «المنطقة» لا بل تخسر ما كانت تحصله من المؤسسات التي سوف تنتقل من خارج المنطقة إلى داخلها، فمن المستفيد من القانون الشافي غير «المستثمرين» وبعض تجار السندويش والأراضي من حولها؟ هل تعود الفائدة إلى العاملين فيها؟ وقد أكد علماء الغيب أن «منطقة البترون» مثلاً سوف توفر خمسة آلاف فرصة عمل. الجواب لا، بكل وضوح. فالمادة 28 صريحة: «خلافاً لأي نص آخر، تخضع علاقات العمل بين الأجراء والمؤسسات العاملة في المنطقة والمتعلقة بشروط الأجر والصرف من العمل للاتفاقات التعاقدية الناشئة بين الفرقاء». هكذا! طار قانون العمل، وطارت شرعة الحقوق المدنية لمنظمة الأمم المتحدة، وطارت كل مواثيق منظمة العمل الدولية، وطار كل نص آخر (من باب الحيطة والحذر من أي سهو أو خطأ مادي، في غياب الرئيس سهيل بوجي لتصحيحه)، وطارت ثمرات قرن ونصف القرن من النضالات العمالية. لا قيود على الدوام ولا على العطل ولا على الصرف إلخ... عاش العمال وعيدهم. رفعاً للالتباس، تذكّر المادة 31 بأن «المستخدمين والأجراء العاملين في المؤسسات الاستثمارية المنشأة في المنطقة يستثنون من أحكام الضمان الاجتماعي»، وبأن «أصحاب العمل الذين يستخدمون هؤلاء الأجراء في المنطقة يعفون من موجب التصريح والتسجيل ودفع الاشتراكات المتوجبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي». المادة 28 كانت كافية لحرمان المستخدمين والأجراء من «الضمان الاجتماعي»، فلماذا المادة 31؟ قد يكون الجواب كامناً في المادة 29، ونصها: «تقدم للهيئة طلبات الترخيص بالعمل أو طلبات تجديد العمل العائدة لأصحاب عمل أو لأجراء دخلوا إلى لبنان لتعاطي عمل في المنطقة». إذا قرأنا هذه المادة وتوقفنا عند حصر تقديم طلبات الترخيص بالعمل أو طلبات تجديد العمل بالهيئة (وليس بوزارة العمل) وعطفناها على إعفاء أصحاب العمل من موجب التصريح عن العاملين في المؤسسات للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتسجيلهم لديه (وليس فقط من موجب دفع الإشتراكات المتوجبة له عنهم)، يكون القانون الشافي قد محا أي أثر للعاملين، الأجانب واللبنانيين، لدى وزارة العمل ولدى الضمان. فكيف يمكن التحقق من نسبة الخمسين في المئة (50%) المغدقة على اللبنانيين مقابل ضريبة الأرباح الافتراضية يا ترى؟ يبدو الغرض بالتالي حماية حرية أصحاب العمل في حرمان العاملين، الأجانب واللبنانيين، من الحقوق الهزيلة التي منحتهم إياها القوانين والشرع والمعاهدات. هنا أيضاً، تبقى الإشارة، للإنصاف والأمانة، إلى أن المادة 34 تنص على شرط قاس لإفادة أصحاب العمل من إعفائهم من متوجبات الضمان الاجتماعي، وهو التالي: «يتوجب على أصحاب العمل المعنيين بالإستفادة من الإعفاءات المبينة أعلاه تأمين تقديمات صحية لأجرائهم ومن هم على عاتقهم، مماثلة أو تفوق تلك التي يوفرها الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي للمنتسبين إليه». لكن هذا الشرط القاسي يجب ألا يخيف المستثمرين الأفاضل، فتأمين التقديمات الصحية لا يشتمل على تعويضات نهاية الخدمة وعلى حوادث العمل، وعلى الأرجح أيضاً على «تقديمات الأمومة»، فالأمومة لا يجوز، احتراماً لحقوق المرأة، اعتبارها مشكلة صحية. وزيادة في الطمأنينة، يتوجب التذكير بأن الأجانب يسدد عنهم أصحاب العمل اشتراكات للضمان من دون أن يستفيدوا من أية تقديمات ولذا تفرض وزارة العمل تغطيتهم على حساب أصحاب العمل ببوليصة تأمين (تغطيتها واهية أصلاً)، وسوف يعفى أصحاب العمل من دفع المتوجبات عنهم للضمان إنما يعفون أيضاً من «تأمين تقديمات صحية مماثلة لتقديمات الضمان» لأن الضمان لا يوفر لهم أية تقديمات أصلاً. وهذا يشجع أصحاب العمل إلى مكافحة البطالة على سطح الكرة الأرضية بتشغيل أكبر عدد ممكن من الأجانب. الحبكة متقنة. أخيراً، وفي حرص حريص على احترام الفقرة ج من مقدمة الدستور، التي تنص على أن «لبنان جمهورية... تقوم... على العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل»، تنص المادة 34 من القانون الشافي على أن «الرواتب وملحقاتها للمستخدمين والأجراء العاملين في المؤسسات المنشأة في المنطقة تعفى من ضريبة الدخل». ولا أحد يشك أن مدراء هذه المؤسسات سوف يتقاضون الحد الأدنى للأجور كما فرضه محمد شقير وغسان غصن ورفاقهما، بنضالهم المشترك، على مجلس الوزراء، وهم لن يستفيدوا بالتالي من الإعفاء المذكور، بينما يستفيد منه سائر الأجراء (غير المصرح عنهم أصلاً) من الأجانب واللبنانيين وأبناء طرابلس والبترون، لأنهم لن يعملوا بالسخرة وأجورهم الخيالية ستصيبها الشطور العليا من الضريبة التصاعدية على الأجور. هكذا تنتعش البلاد وتبنى الدول.

 

رزق الله على «إيدال»

 

أعضاء الهيئة يضحون، والدولة والبلديات تضحي، والعمال اللبنانيون والأجانب يضحون. المشغل والمستثمرون وبائعو السندويشات وبعض تجار الأراضي يكسبون. أركان الانتظام العام يضحى بها: قانون العمل والحقوق المدنية للعمال، رقابة مؤسسات أساسية في الدولة من وزارة عمل وصندوق ضمان اجتماعي ووزارة أشعال عامة ومديرية التنظيم المدني وديوان محاسبة وإدارة مناقصات وتفتيش مركزي. كل عمليات تحويل الثروة وهضم الحقوق هذه تتم من دون قيد أو شرط: لا تصريح عن العمال ولا احتساب لقيمة الإعفاءات ولا حدود زمنية لها ولا شروط ملزمة مقابلة. صيغة «المناطق الاقتصادية الخاصة» مستوحاة من ترتيبات درجت في الإمارات، حيث تقوم السلطة بمنح أحد «المشغلين» امتياز «منطقة خاصة» فيقوم باستيفاء الإيجارات والرسوم من المؤسسات، ويحل محل الإدارات العامة حيالها. فتكون النتيجة تحويل الإيرادات العامة إلى جيب المشغل. صيغ كهذه ما كانت لتنشأ خارج واقع مجتمعي قوامه أن الغالبية العظمى من القوة العاملة أجنبية. ثمة في لبنان، منذ تاريخ 16 آب عام 2001 قانون يحمل الرقم 360 أنشأ «المؤسسة العامة لتشجيع الإستثمارات في لبنان»، المعروفة باسم «إيدال». غايته، وفق اسبابه الموجبة، «توفير فرص عمل جديدة والمساهمة في نقل التكنولوجيا والمساعدة على تحسين وتطوير انتاجية القطاع الخاص وزيادة نسبة النمو وتفعيل حركة التصدير... وذلك من خلال منح (هذه الاستثمارات) حوافز مالية وضريبية متعددة وفقاً لمعايير محددة... كما (يلحظ القانون) سير معاملات الترخيص بعيداً عن الروتين الاداري والبيروقراطي المعقدة، على ان تفتح هذه الالية الباب امام اصلاح اداري شامل في المستقبل». لذا لحظ القانون المذكور عدداً من الإجراءات لا بدّ من مقارنتها مع ما لحظ قانون «المنطقة الاقتصادية الخاصة». على الصعيد التنظيمي، لا يختص قانون «إيدال» بنطاق عقاري محدد بل يستند إلى تصنيف للمناطق اللبنانية وفقاً لتقدير مستويات تطورها الاقتصادي، فيحدد لكل من الفئات سقفاً متدرجاً للمنح، ويلحظ، لكل المناطق، إطاراً موحداً أسماه «سلة الحوافز». لم يلحظ «مشغلاً» بل أناط بمجلس إدارة المؤسسة المهام الإدارية والتنفيذية كافة. واعتبر المؤسسة مؤسسة عامة وأخضعها لنظام المؤسسات بما في ذلك الإجراءات المالية للموازنة العامة، ولم يستثنها من نطاق عمل السلطات الرقابية. واعتبر خدمة «الشباك الموحد» لتسهيل المعاملات إجراء تمهيدياً لتسهيل المعاملات الإدارية، وأخضعها للنظم المعمول بها من قبل الإدارات الأصيلة (عمل، تنظيم مدني، بلديات...) وأعطى هذه الأخيرة صلاحية الرفض، إنما ضمن مهلة محددة. في ما خص «سلة الحوافز»، حصر القانون مسؤولية «إيدال» بتحضير الملفات ورفعها إلى مجلس الوزراء للموافقة على كل منها بمرسوم. والحوافز محدودة في الزمن ومشروطة بتنفيذ «المستثمر» لمندرجات العقد مع المؤسسة. والحوافز تقتصر على الإعفاء من الضريبة على الأرباح (وهي غير مؤكدة الحصول على خلاف الرسوم الإدارية والرسوم على الاستهلاك) وخفض رسوم إجازات العمل للأجانب إلى النصف (ما يعني عدم محو أثرهم)، على ألا تتعدى نسبتهم ثلث العاملين (عوضاً عن 50% أو 100% في قانون المنطقة الحرة)، مع إلزام التصريح والتسجيل في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (كي لا يعاقب العاملون) وخفض رسوم رخص البناء إلى النصف والإعفاء من رسوم تسجيل العقارات. هل من داع لإبقاء على إيدال بعد إنشاء المناطق الخاصة؟ خلال عام 2011، دعا وزير العمل في حكومة «كلنا للعمل» زميله وزير المالية، محمد الصفدي، إلى احتساب المتوجبات على المؤسسات المستفيدة من «سلة الحوافز» وتسجيل هذه المتوجبات في واردات المالية والإعفاء المقابل لها في نفقاتها، كي تعرف الدولة قيمة الحوافز «الممنوحة» وتتم مقارنتها بالمنافع المحققة، بناء على حد أدنى، لا مبرر لمنح الحوافز دونه، من الفاعلية في استخدام المال العام (مقارنة قيمة المنح من المال العام، الإعفاءات ناقص الإيرادات الإضافية الناتجة عن الأعمال، من جهة، بمردود المشاريع على الاقتصاد الوطني المقيم، أي حجم الأجور والتقديمات للعمال وحجم الأرباح غير المسربة إلى الخارج، من جهة أخرى)، فرفض وزير المالية هذا الطلب، أكان لأنه لم يفهم المقصود أو جرياً على عادته في رفض أي إجراء يسمح بضبط الأوضاع المالية والاقتصادية. رزق الله على إيدال وأيامها. من مقارنة إيدال بــ«المنطقة الخاصة»، يمكن قياس تقدم الوقاحة في تدمير أسس الانتظام العام واستباحة حقوق المواطنين خلال 15 سنة. ويجدر التذكير بأن الكتل الطائفية رفضت، جميعاً، بما فيها التي تدعي الحرص على «الشارع السني» وعلى «المحرومين»، لتقوية سطوتها عليهم ولصرف نفوذها، على حسابهم، في ساحة المحاصصة والاقتتال، التغطية الصحية الشاملة للبنانيين الممولة من الضرائب على المداخيل الريعية (بحيث ينتفي مبرر حرمانهم منها لقاء تحفيز مستثمرين افتراضيين). إننا فعلاً نتقدم إلى الوراء، بخطى ثابتة وبإيقاع منتظم.

 

لفتة نظر وأحجية

 

يجدر لفت النظر إلى التشابه المريب بين نص المرسوم 1791، تاريخ 23/6/2009، الذي لحظ تكليف مجلس الإنماء والإعمار بردم مساحة 500,178 م2 من الأملاك العمومية البحرية من أجل إنشاء المنطقة الاقتصادية الخاصة في طرابلس، ونص المرسوم غير المتخذ في مجلس الوزراء وغير الشرعي، الذي صدر بتاريخ 6/4/2011 رقم 5790، والذي قضى بردم مساحة 634,640 م2 مقابل شاطئ صيدا، من دون تحديد أية غاية له. من يسبق فيكون له الفوز بالمركز المجلي: منطقة طرابلس التي حازت قانونها وهيئتها دون أن ينجز ردم البحر لإنشائها؟ أم صيدا برمدها شبه المنجز وإن كانت وجهة استخدامه مبيّتة؟ أم البترون باقتراح قانونها الجامع لقواها السياسية التي ما اجتمعت على شيء، وبمئات آلاف الأمتار الحرجية التي يطرحها دير كفرحي من الأوقاف التي لم توقف أصلاً خدمة لمطاعم السندويش وتجار العقارات؟ الدق حامٍ. وقد تدخل حلبته مناطق خاصة أخرى. إنما بانتظار نتيجة السباق المفتوح، يبقى الثابت أننا بتنا بحاجة إلى لجنة تحقيق دولية، «خاصة» هي الأخرى، لمعرفة حصة المكر ودور الماكرين، مقابل حصة السذاج ودورهم، في صياغة سياسات الدولة الافتراضية التي نعيش فيها. لكل إنسان في لبنان ولكل عامل، كل سنة وأنتما بخير.

احتفل الحزب "الشيوعي اللبناني" اليوم الجمعة بـ "عيد العمال" بمسيرة من البربير إلى ساحة رياض الصلح، شارك فيها وفد قيادي من "الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين"، يتقدمه عضو لجنتها المركزية ابو لؤي أركان.وألقى أمين عام الحزب خالد حدادةكلمة في ساحة رياض الصلح، دعا فيها إلى "تكاتف الجهود لحماية حقوق العاملين وحماية التعليم الرسمي والجامعة اللبنانية من هجمات المحاصصة الطائفية والسياسية" مجددا دعوته إلى "ضرورة إقرار سلسلة الرتب والرواتب التي هي حق من حقوق الموظفين".ودعا حدادة إلى "عقد مؤتمر تأسيسي لوطن جديد، للبنان جديد، لكي يكون للسنة الذين ينطقون باسمهم زورا وللشيعة والدروز والمسيحيين والعمال والمعلمين، ليكون لهم الحق في نظام يختارونه هم، ولا يفرض عليهم من قبل الهيئات الاقتصادية، وقد رأيناهم بالأمس جميعا يزحفون أمام أحد السفراء ليس لمصلحة الفقراء اللبنانيين، بل لمصلحتهم، لمصلحة من اكتسب 11 مليار دولار من جيوب اللبنانيين ومن تجار العقارات الذين من أجلهم سن قانون الإيجارات الجديد".وشدد حدادة على أن "العيد اليوم ليس فقط عيد العمال بل عيد المعلم والكل وعيد المدرسة الرسمية وعيد المقاومين".من جهته، أكد عضو "هيئة التنسيق النقابية" نقيب معلمي المدارس الخاصة نعمة محفوض، أن "القرار هذا العام هو بإعطاء الشهادة، وأن المعلمين هم المرجع في مسألة إعطاء الشهادة"، مؤكدا أن "هيئة التنسيق النقابية لن تتهاون في مصير الطلاب".واستغرب كلام وزير العمل سجعان قزي في تخفيض أجور العمال، مذكرا بسياسة تدمير الجامعة الوطنية.بدوره، قال رئيس "الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين" كاسترو عبد الله: "يطل علينا هذا العام في ظل وضع سياسي واقتصادي واجتماعي متدهور يهدد حريتنا ولقمة عيشنا وهذه الأزمات تتفاقم دون حلول وخصوصا أن خيارات الدولة في مواجهة هذه التحديات يهدد السلم المجتمعي" مشددا على ضرورة "تضافر الجهود لنواجه هذه المخططات التدميرية للفقراء معا".وإذ هنأ العمال بعيدهم، تمنى عبدالله أن "تحقق هذه المناسبة توسيع الانخراط في النقابات وتوحيد العمل مع جميع القوى والهيئات الشعبية والشبابية والنسائية من أجل عقد اجتماعي يحمي العمال".إلى ذلك، انتقد أمين سر "لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين" زكي ضاهر "التعديلات في قانون الإيجارات الجديد، الذي يساهم في تهجير الفقراء من بيوتهم ويدمر ما تبقى من عيش مشترك في بعض أحياء العاصمة" مشيرا إلى أن "القانون الجديد تجاوز مبادئ الدستور والمساواة"، داعيا إلى سحبه. وختم موجها التحية إلى "كل من يصنع في عيده أملا لا يموت".("موقع السفير"، الوكالة الوطنية للإعلام)

غسان ديبة- الاخبار

 

«يا عمال العالم اتحدوا» كارل ماركس

 

في عام 2006 التقيت في معهد ماكس بلانك في مدينة دريسدن أحد الفيزيائيين الروس، وفي حديث معه حول نظم التقاعد في جامعته في الغرب، قال لي انه لا يستثمر في الادوات المالية لأنه تعلم في الاتحاد السوفياتي أن الوسيلة الوحيدة التي يجب أن تدر دخلاً على الإنسان هي العمل. تفاجأت في ذلك الحين أن مسلمات النمط الاقتصادي الاشتراكي الذي يلغي عوائد الرأسمال يمكن أن تستمر بشكل أخلاقي في وعي الكثير من المواطنين لسنوات بعد انتهاء التجربة الاشتراكية هناك.

 

صحيح أن الرأسمالية تخفي بعلاقاتها أصل الإنتاج والثروة من العمل وتنسب بعضه إلى أدوات غير منتجة فيصبح النقد ينتج ثروة وكذلك الأوراق المالية ومشتقاتها، ولكن العلماء الاقتصاديين (وليس خدم الرأسماليين المتلبسين برداء العلم) استطاعوا سبر أغوار هذه العلاقة. يقول جون ماينارد كينز: «أنا أتعاطف مع المبدأ الماقبل كلاسيكي القائل إن العمل ينتج كل شيء بمساعدة التقنية والموارد الطبيعية والأصول الناتجة من العمل السابق... من المفضل اعتبار العمل... كعامل الانتاج الوحيد». طبعاً يعبر هذا عن السؤال الاساسي الذي طرحه قبل كينز الاقتصادي البريطاني دافيد ريكاردو في بدايات القرن التاسع عشر حول اصل القيمة في الاقتصاد (اي ما الذي يحدد قيمة الجريدة التي تحملها الآن)، والسؤال المشتق منه كيف تحدد حصص الطبقات الاجتماعية من الانتاج (اي لماذا اجرك هو ما هو عليه ونسبته من ربح المؤسسة التي تعمل لديها). كان جواب ريكاردو ان القيمة يحددها العمل وكان متشائماً حول مستقبل الرأسماليين في ظل سيطرة الريع على الربح الرسمالي في مجتمعات لا يزال يسيطر فيها ملاك الاراضي في تلك الفترة في بدايات الرأسمالية. أتى ماركس بعد ريكاردو ليطرح هذه المواضيع بشكل أكثر شمولية ضمن ديناميكية الراسمالية والمنافسة والابتكار والتحديث التكنولوجي، التي تلغي تشاؤم ريكاردو، وتضع الربح خارج إطار الإلغاء الريعي له، وذلك بسبب سيطرة الصناعة في خضم الثورات العلمية والتكنولوجية.

إلا أن ماركس أخذ نظرية القيمة لريكاردو وطورها وعلى أساسها بيّن أن رأسمال ما هو إلا علاقة استغلالية مرحلية على المستوى التاريخي سيأتي يوم إعلان نهايتها عاجلاً أم آجلاً، إذ ان العمل سيكون هو العامل الوحيد في الانتاج وستعود الآلات والأراضي والأدوات المالية الى كونها أدوات تقنية او طبيعية في عملية الانتاج لا عائد لها، باعتبار أن الإنسان وعمله سيكون أصل القيمة بشكل ظاهر وقانوني وسياسي. في الأول من أيار 1886 أطلق العمال الأميركيون إضرابات عمت الولايات المتحدة الأميركية للمطالبة بجعل يوم العمل 8 ساعات، وكانت شيكاغو المدينة الأكثر حماسة، فاستمرت فيها الفعاليات حتى الرابع منه، عندما أطلقت الشرطة النار على متظاهرين في الهايماركت وقتلت عدداً منهم. منذ ذلك الوقت تبين أكثر فأكثر أن الصراع الطبقي حول الأجر وطول يوم العمل وسرعته وليس فقط المحددات التكنولوجية أو الطبيعية هي التي تحدد حصص الطبقات الاجتماعية في النظام الرأسمالي. ويعرف ذلك العمال والموظفون وبالطبع يعرفه الرأسماليون. بعد انتهاء الفترة الذهبية للراسمالية التي استمرت من 1945 الى بدايات السبعينيات، حيث تماهت زيادة الاجور مع النمو الاقتصادي والارباح في الانظمة الراسمالية المتقدمة، بدأ الرأسمال هجوماً مركزاً على الأجر والمحظيات الاقتصادية والاجتماعية للطبقة العاملة، وانتج هذا الوضع الحالي المتراجع لمكانة العمال والموظفين. وقد كانت هندسة الانفصال بين نمو الانتاجية ونمو الاجور التي حصلت بعد 1973 السبب الرئيسي في هذا التراجع، إذ أدت نتيجة التراكم الحاصل لمدة اربعين سنة الى تراجع حصة الأجر من الناتج الاقتصادي في أكثرية البلدان الراسمالية. وعلى سبيل المثال فإن متوسط الأجر الفعلي قد بقي على حاله في الولايات المتحدة طيلة تلك الفترة وارتفعت الهوة بين الأجر وعوائد الراسمال وزاد تفاوت الأجر بين العمال والموظفين وما يتقاضونه المدراء التنفيذيون من واحد الى ثلاثين الى واحد الى 300! ما حدا مؤخراً إلى أن يعلن جوزيف ستيغليتز ان الحلم الاميركي ما هو الا اسطورة في ظل عدم مساواة كبرى وانسداد سبل الترقي الاجتماعي وتحول اميركا الى مجتمع استقطابي طبقي. كما تبين هذا الهجوم في الحلول التي استنبطت بعد الازمة الراسمالية العالمية في 2008، وخصوصاً في أوروبا، حيث أتت الحلول عبر فرض التقشف، وفي حالة اليونان التي لا يزال الصراع فيها مفتوحاً، عبر خفض الاجور، وذلك لتأكيد سيطرة الرأسمال الأوروبي. بالطبع ان مقاومة عمال وموظفي وشعب اليونان، والتي لم تبق على مستوى المقاومة كما كان يحصل في السنوات الماضية بل أوصلت ممثليها إلى السلطة السياسية، ستعطي شعوب أوروبا والمتوسط والعالم نكهة جديدة في الأول من أيار غداً. على المدى التاريخي، فإن رأس المال حتى الآن يفصل بين الإنسان وثمار عمله المتراكم المتجسد بالآلات والتكنولوجيا والتي ستحرر الإنسان من العمل المأجور. واليوم في أول أيار 2015 في خضم التطور التكنولوجي الذي بدأت تباشيره تؤشر لحصول هذا التحرر، وفي خضم الهجوم الشرس للرأسمال لضمان عدم حصول هذا التحرر، نستذكر كارل ماركس الذي وضع العلم الذي سينهي هذا الفصل الاصطناعي الذي بانتهائه وبانتهاء رأس المال يتحرر الإنسان من تقسيم العمل في مجتمع شيوعي يكون الإنسان فيه حراً، حيث يصبح العمل لتحقيق الذات، كما قال ماركس: «أتصيد في الصباح واصطاد الأسماك بعد الظهر وأربي الأبقار في المساء وأنقد الفن بعد العشاء من دون أن أكون صياداً أو صائد اسماك أو مزارعاً أو ناقداً». حتى ذلك الوقت نكرر مع الشاعر البريطاني أودن أنه مع كل إنجازات الأمس واحتمالات الغد «لكن اليوم النضال».

غسان ديبة - الاخبار

 

«إن عروق اميركا اللاتينية مفتوحة. ارضها وثمارها واعماقها الغنية وشعبها وقدراتهم، كلها كان يمتصها الرأسمال الاوروبي، ومن ثم الاميركي» أدواردو غاليانو

في القرن الواحد والعشرين، بدأت اميركا اللاتينية بالتحول نحو اليسار، بعد عقود من القمع السياسي والظلم الاقتصادي والتدخل العسكري، ساقتها الديكتاتوريات اليمينية والولايات المتحدة، في انحاء القارة، لحماية الطبقات الاوليغارشية، ومصالح واشنطن، ولمحاربة المد اليساري. سبقت هذا التحول فترة من اشاعة الديمقراطية وسقوط الديكتاتوريات في ظل استمرار الظلم الاقتصادي، متغطيا هذه المرة ليس بمحاربة الشيوعية، بل بايديولوجيا الاقتصاد الراسمالي الحر، وما عرف في التسعينيات بتوافق واشنطن والخصخصة والتجارة الحرة، والى ما هنالك من طلاسم كانت في جعبة صندوق النقد والبنك الدوليين، وتلامذة الفكر الاقتصادي الحر، الذين عرفوا بـ»صبية شيكاغو».

وهؤلاء على الرغم من ادعاءاتهم بتوافق الراسمالية والحرية، لم يتوانوا عن خدمة الديكتاتوريات، وعلى رأسها ديكتاتورية بينوشيه، تلك التي قتلت واخفت عشرات الالاف وحطمت امال الملايين من التشيليين الفقراء والعمال والمثقفين وخيرة شبابها باشتراكية ديمقراطية في سبعينيات القرن الماضي. بدأ هذا المد التغييري اليساري في فنزويلا في 1999، وامتد في السنوات التالية ليشمل اكثرية الدول، ومن بينها البرازيل ونيكاراغوا والاكوادور والسلفادور وبوليفيا والارجنتين والاوروغواي والتشيلي وغيرها. فوجئ الاميركيون بما يحدث، في ما سمّاه الرئيس الاميركي مونرو حديقتهم الخلفية، فهم كانوا يعتقدون ان الديمقراطيات في اميركا اللاتينية في عهد ما بعد الاتحاد السوفياتي ستشبك مصالحها معها، وستستمر في اتّباع النموذج النيوليبرالي، فاذا بهذا النموذج يلاقي هناك بداية نهايته، لتأتي الازمة الراسمالية العالمية في 2008 وتعلن انتهاءه فعليا. طبعا، لا الولايات المتحدة ولا الرأسمالية المحلية ستقفان مكتوفتي الايدي امام هذه التحولات، وستحاولان عكسها كما تفعلان على نحو مكثف في فنزويلا، ولكن طرق المواجهة ستختلف باختلاف موازين القوى والنظرة الايديولوجية في واشنطن. المشهد الصراعي اليوم في ثلاثة بلدان كالتالي: كوبا: تسارعت وتيرة الانفتاح الاميركي على كوبا، وذلك بسبب رؤية اوباما المختلفة واقتناعه بفشل السياسات الاميركية على مدى الخمسين سنة الماضية في اسقاط النظام الكوبي، إذ لم يفلح الحصار الاقتصادي في كسر ارادة الشعب الكوبي، حتى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، الذي أدى إلى ما عرف بالفترة الخاصة، حيث انهار الانتاج والاستثمار والصناعة والتجارة الخارجية.

 

وكان التحول نحو اليسار في اميركا اللاتينية، وخصوصا في فنزويلا، دعما للاقتصاد الكوبي، ورفعا للعزلة السياسية التي عانتها خلال الحرب الباردة. اليوم اضطر أوباما إلى ان يلتقي ليس زعيما «ديمقراطيا» لكوبا، بل التقى راوول كاسترو، اي الرجل (لمن لا يعرف ويظن انه ورث زعامة اخيه) الذي كان من اوائل قادة الثورة في الهجوم على ثكنة المونكادا في 1953، ومن اكثرهم شيوعية، اذ كان عضوا في الشبيبة الاشتراكية، معتنقا الماركسية قبل اكثرية قادة الثورة. وقد عرف بتشدده منذ ذلك الحين. تراجع الولايات المتحدة هو نصر كبير لكوبا، فجميع الاجراءات الاميركية كانت دائما من جانب واحد، اذ لم ترغب الثورة الكوبية يوما بالانقطاع عن جارتها التي تبعد فقط نحو 90 ميلا عنها. فنزويلا: منذ شباط 2014 تحاول القوى اليمينية اسقاط النظام عبر استعمال العنف في الشارع. لا شك ان الرأسمال الفنزويلي يريد الخلاص من التهديد المسلط دائما عليه، ويريد ايضا استعادة مواقعه في السلطة السياسية، لكن الارضية التي تسمح له بذلك هي الشكل الذي اتخذته «اشتراكية القرن الواحد والعشرين»، التي وإن اممت بعض القطاعات الاقتصادية المهمة، وعلى رأسها النفط، الا انها سمحت للقطاع الخاص بالاستمرار حتى في القطاعين المالي والمصرفي، ولم يتعرض الاثرياء لاي مصادرة لاصولهم او لثرواتهم، بل استمروا في السيطرة على اجزاء مهمة من الاقتصاد، ومن بينها الاعلام الذي يستخدم يوميا في التحريض المغرض على الحكومة والاشتراكية، كما ان الاشتراكية الفنزويلية اتخذت منحى توزيعياً، مستخدمة عائدات النفط الطارئة نتيجة التأميم ورفع الاتاوات وارتفاع اسعار النفط في اكبر سياسة اجتماعية شملت السكن والنقل والصحة والتعليم وغيرها، ما اخرج ملايين الفنزويليين من الفقر والاهمال والتهميش. كل هذا اتى على حساب اقامة اقتصاد اشتراكي منتج. عندما انخفضت اسعار النفط، تكشّفت اخطاء هذا النموذج، ودخلت البلاد في ازمة اقتصادية خانقة، تستفيد منها الطبقات البورجوازية في خلق القلاقل والاضطرابات، لكن اغلبية الشعب الفنزويلي، التي احست للمرة الأولى في تاريخها، انها تملك قدَرها ووطنها وثرواته، لن تسمح باعادة عقارب الساعة الى الوراء. البرازيل: كانت البرازيل دائما من اكثر البلدان التي تتمتع بسوء كبير في توزيع الدخل والثروة. وكان لوصول حزب العمال الى السلطة في 2003 وقع ايجابي على الاقتصاد البرازيلي، فزادت اعداد الطبقة الوسطى على نحو كبير، وانخفضت معدلات الفقر، وتخلصت البرازيل من عبء دينها الخارجي. كل هذا طبعا لم يرق الاوليغارشية الداخلية، التي استعملت فضيحة فساد لاطلاق تظاهرات خلال الاسابيع الماضية، وصلت الى حد رفع لافتات تطلب من الجيش تنفيذ انقلاب عسكري! ويرتبط الكثير من المنظمين الذين يتغطون بلباس المجتمع المدني بمؤسسات يمينية متطرفة في الولايات المتحدة. تحاول الطبقات الاوليغارشية والثرية عكس التحولات التي حصلت، مستغلة الديمقراطية التي تمسكت بها الاحزاب اليسارية، وعدم جذرية التوجهات الاشتراكية والحفاظ على القطاع الخاص والاسواق، بما يحفظ قوة هذه الطبقات ويفتح المجال ايضا للفساد المالي، ولكن شعوب اميركا اللاتينية نهضت واغلقت عروقها، التي كانت مفتوحة منذ العهد الكولونيالي، ولن تسمح للمغامرين اليمينيين بان يعيدوا 11 ايلول 1973، إذ لن يكون هناك بنوشيه اخر، لان النهضة عمت اليوم اميركا اللاتينية كلها، كما حلم تشي غيفارا عندما ذهب الى بوليفيا، التي اصبحت اليوم يحكمها الاشتراكيون والفلاحون والسكان الاصليون ممن احبهم ومات من اجلهم.

سيد محمود - الاخبار

 

 

القاهرة - استجاب عبد الرحمن الأبنودي (1939 ـ 2015) لشائعات موته ورحل أمس على نحو جعل جمهوره العريض يكتب على فايسبوك: «القلب الأخضراني دبلت فيه الأغاني». جملة من إحدى الأغنيات التي كتبها لعبد عبد الحليم حافظ. قبل موته، تعرّض الشاعر المصري الكبير لحملة اغتيال معنوي من بعض النشطاء بسبب مواقفه السياسية الأخيرة التي انطوت على دعم كبير للرئيس عبد الفتاح السيسي، ومعها سخرية من الشباب المحسوبين على الثورة.

تلك المواقف وغيرها جعلت الأبنودي في أيامه الأخيرة موضوع شد وجذب بين أنصار يطالبون بالنظر إلى مواهبه بمعزل عن مواقفه السياسية، وخصوم يَرَوْن أنّ موهبته تلزمه موقفا نقديا من السلطة، وخصوصاً أنّه أظهر انحيازاً لـ «ثورة ٢٥ يناير». ومن المقرر تشييعه اليوم من الإسماعيلية، حيث عاش السنوات الخمس الأخيرة بعيداً عن القاهرة، بعد إصابته بحساسية في الصدر، فيما شخّص الأطباء أسباب الوفاة بتهور حاد في الدماغ، وسيُنقل جثمانه في طائرة عسكرية من «مستشفى الجلاء العسكري» في القاهرة الى الإسماعيلية، حيث يدفن في مقبرة أعدها هناك. تعطي سيرة الأبنودي مثالاً على معنى أن يكون الشاعر شعبياً وجماهيرياً دونما التخلي عن معايير الإجادة الجمالية، وما تتطلبه من شروط فنية ملزمة. ظهر الأبنودي ضمن شعراء الستينات، أبناء الموجة الثالثة من شعر العامية، التي أعقبت ترسخ قصيدة العامية على يد صلاح جاهين وفؤاد حداد، بعدما أنجز بيرم التونسي مهمته في العبور بالزجل الى تخوم القصيدة. وبرغم أنّ صاحب «جوابات حراجي القط» جاء من صعيد مصر، ابناً لرجل أزهري كان يعمل مأذوناً شرعياً، ويملك مكتبة تراثية عتيقة، إلا أنّه اختار الكتابة بالعامية، بعدما اختبر شاعريته في قصائد فصيحة رفض نشرها عندما وجد أنّ حكايات أمه فاطمة قنديل، وعمته يامنة أكثر شعرية وجاذبية. كانت الأم والجدة أيضاً «غنيتين بما تحملانه من أغانٍ، وما تحرسانه من طقوس هي خليط من الفرعونية والقبطية والإسلامية» كما قال لنا مرة (الأخبار 23/3/2009). لم يكن التمرد على العربية الفصحى الأول في علاقته مع الأب. سرعان ما أعقبه تمرد ثان حين قرّر معاداة الصعيد مع صديقيه الشاعر أمل دنقل، والقاص يحيى الطاهر عبد الله. غزا الثلاثي القاهرة بالمعنى الجمالي، وتزامن وصولهم مع تحولات عاشها الأدب المصري، لم تكن بمعزل عن تحولات مجتمعية وسياسية. جاؤوا باحثين عن دور في مجتمع يشهد يومها تغييرات سياسية واجتماعية مع اندلاع «ثورة 23 يوليو» 1952 ومعارك عبد الناصر مع الغرب لتأكيد استقلالية قراره السياسي. على الصعيد الفني، كانت الساحة الأدبية تشهد تغييرات أفسحت المجال لأصوات شعرية تكتب بلغة الحياة اليومية، وتعبّر عن طموح اللحظة الجديدة، وتسعى إلى تجاوز الزجل الشعبي الذي بلغ مداه مع تجربة بيرم التونسي. كان الأخير شاعراً كبيراً، لكنه عبّر عن هموم المدينة التي واصل فؤاد حداد وصلاح جاهين التعبير عنها بطموح مختلف. تولى جاهين تقديم الأبنودي مع مجايليه سيد حجاب وفؤاد قاعود في الباب الصحافي الشهير، الذي كان يقدمه في مجلة «صباح الخير». ونشرت «دار ابن عروس»، التي أسسها جاهين ديوان الأبنودي الأول «الأرض والعيال». منذ عنوانه أو عتبته الأولى، أعلن الأبنودي خياره بالتعبير عن هموم أهل الصعيد، الذين يعانون الفقر والتهميش. عرف الأبنودي الشهرة على نحو أسرع من مجايليه، حين قدم نفسه كشاعر غنائي مع «تحت الشجر يا وهيبة»، التي غناها محمد رشدي ولحنها عبد العظيم عبد الحق. تواصلت رحلته مع أصوات نضرة أمثال محمد رشدي، وبعده عبد الحليم حافظ، ومحمد قنديل، ونجاة. أصوات تولت مع ملحنين كبليغ حمدي وكمال الطويل ومحمد الموجي مهمة التعبير عن «ثورة يوليو».

برغم نجاحه في نقل الأغنية إلى جمالية فريدة أغناها بالصور الشعرية مستكملاً ما بدأه احمد رامي ومرسي جميل عزيز وصلاح جاهين، الا أنّ مساهماته في تطوير قصيدة العامية تواصلت بوضوح من خلال دواوينه «عماليات»، و«الأرض والعيال»، و«الزحمة»، و«الفصول»، و«صمت الجرس»، و«المشروع والممنوع»، وصولاً إلى «الموت على الاسفلت»، حتى ديوانه الأخير «الميدان» المكتوب بتقنية الرباعيات. في كل تلك الأعمال، نجد أنفسنا أمام شاعر جمالي من طراز فريد، تتميز قصائده بجمالية فذة، مع نبرة إنشادية ناعمة ووعي استثنائي بطرق تشكيل الصورة الفنية. عرف كيف يستثمر مخيلته الصعيدية التي تحفل بالأساطير التي كانت أسبق من معرفة النقد العربي بما يسمى الآن «الواقعية السحرية». اختزنت ذاكرته السير والملاحم الشعبية التي أعاد إنتاجها وهو يكتب عن ملاحم لأفراد عاديين، كانت الحيلة طريقتهم الأولى في مغالبة البؤس، وكان إيمانهم بثورة ناصر أفقاً واعداً لم يتركوه. يعرف قراء العامية المصرية الملامح التي رسمها الأبنودي لبسطاء مثل «أحمد سماعين» أو «حراجي القط» العامل في السد العالي وهو يتبادل خطاباته مع زوجته. تبدو هذه الشخوص كأقنعة ابتكرها لتحقيق هدفين: الأول إيصال رسالته الشعرية، وتأكيد انحيازه للفقراء والمهمشين. والثاني العيش بقدر من التوازن يجنبه الصدام المباشر مع السلطة، بعد تجربة سجن عاشها منتصف الستينيات بتهمة الانتماء إلى تنظيم شيوعي صغير اسمه «وحدة الشيوعين». كانت غالبية أعضائه من الكتاب والفنانين أبرزهم جمال الغيطاني، وصلاح عيسى، وصبري حافظ، والناقد ابراهيم فتحي. سجنوا جميعاً ثلاثة أشهر قبل الإفراج عنهم استجابة لشرط وضعه جان بول سارتر لزيارة مصر قبل أيام من نكسة الـ 1967، التي كانت زلزالاً دفع الكثير من أبناء هذا الجيل إلى مراجعة قناعات سياسية وفنية. جاءت النكسة ليرى كل الأحلام تنهار. أول رد فعل عليها كان الأغنية التي كتبها لعبد الحليم بعنوان «عدى النهار» وجاءت عتاباً لناصر ودعماً لاستمراره زعيماً. إنّها مفارقة جيل لا مفارقة تخص شخص الأبنودي، الذي خرج إلى الجبهة ليكتب «يا بيوت السويس». خلال عصر السادات، بدا التضييق الأمني عليه، فسافر إلى تونس لاستكمال مشروعه في جمع السيرة الهلالية. ثم اختار لندن منفى اختيارياً لثلاث سنوات، أنهاها عبد الحليم مستخدماً «سلطته» في السماح له بدخول مصر. اعتقد السادات أنّ الأبنودي سيكون صوته، فأعلن رغبته في تعيينه «وزيراً للثقافة الشعبية»، لكن الأبنودي رفض اتفاقية «كامب دايفيد»، وكتب قصيدته الشهيرة «المشروع والممنوع» التي كانت أقسى نقد وُجِّه إلى نظام السادات. طوال مسيرته، ظل موقفه من السلطة مثار لغط بين منتقديه. برغم الرضى الذي نعم به خلال نظام مبارك، إلا أنّه أظهر انحيازاً لـ «ثورة يناير»، وقبلها رفضاً لممارسات الداخلية في أغنيات فيلم «البريء»، لكنه في المقابل، كتب اوبريتات تمجد ثورة نظام انتقده بقسوة في أغنية «الميدان»، التي قدمتها فرقة «كايروكي» عقب «ثورة يناير». وقدم كذلك أغنية «ضحكة المساجين» تحية لرمز شبابها علاء سيف، إلا أنه عاد وعبّر عن ضيق من هؤلاء الشباب بسبب إصرارهم على أن النظام لم يسقط. جملة كتبها في قصيدة عنوانها «لسه النظام ما سقطتش»، داعياً إلى رحيل «دولة العواجيز». عاش لغزاً كبيراً في معايير العلاقة مع السلطة ومات وعلاقته بالجماهير في مكان آمن بفضل اعتماده على آليات فريدة في التواصل مع الناس، تقوم على استخدام ذكي للهجة صعيدية مطعمة بنفس سردي ساخر. وصفة في بناء نص شفاهي بالغة العذوبة، وفي الوقت عينه يتمسك بشعرية صافية، كما يتجلى في ديوانيه البارزين «الفصول» و«صمت الجرس». تشير نصوصه النثرية التي نشرها في «الأهرام» الشهر الماضي إلى فنية سردية عالية، تكسب نصه وهجاً استثنائياً، لكنه مات كمداً قبل استكمالها، كما لم يستكمل مشروعاً آخر حلم به هو إنجاز ديوان للزجل المصري المجهول، وهي مهمة لا تقل فرادة عن مهمته التاريخية في جمع نصوص السيرة الهلالية مع شعرائها الشعبيين. مهمة يصعب تجاهلها ونحن نودع الشاعر، الذي يمتلك وحده نصف وجدان المصريين. لقد صاغه في أغنيات تبقيه حياً الى الأبد.

طلال سلمان - السفير

مثقل باسمه ذي التاريخ، بثقافته الواسعة التي أنارت عقله، بالتجربة النضالية التي اغتالتها الخيبات إذ التهمت الطائفية والمذهبية العقائد وشوق الجمهور إلى التغيير، المقاتل ضد اليأس حتى إرهاق القلب بعد العقل، المعاند، المكابر في رفض الخضوع لمنطق الأمر الواقع، المحاصر بمرارة الخيبة وتساقط الرفاق أمام هيمنة ملوك الطوائف، المفجوع بانهيار القيم أمام إغراءات السلطة وشراسة الهزيمة، والصامد عند آخر معاقل الأمل في قلب آلام الجسد الذي أرهقته الأوجاع التي منبعها سياسي وأخطرها الاستسلام للمرض الذي ينهش قدرته على الصمود وإن بقيت روحه متوثبة كراية نضال فوق قمة التحدي. هذه هي عناوين السجل النضالي لهذا «الشيخ» الذي هجر مهنة «المحامي» أو كاد ليتفرغ للعمل السياسي بالفكر والرأي والثقافة والتجربة والإيمان بالشعب متجاوزاً الأعراف والألقاب والتقاليد، قبل أن يغرق في بحر المرارة رافضاً الاستسلام للأمر الواقع والتسليم به قدراً. لعل سليمان تقي الدين قد فوجئ بحفاوتي به، حين التقينا أول مرة في أوائل نيسان 1975. كانت «السفير» قد أتمت في قلب التعب والقلق عامها الأول، وتقدمت لتحتل مكانتها في هذا الوطن الصغير، مشفوعة برصيد معنوي ممتاز على المستوى العربي. تحدث سليمان قليلاً، وأفضت في الحديث عن بعقلين، عن عائلاتها العريقة عموماً، وعن آل تقي الدين بشكل خاص، مع لمحة عن آل حمادة.. وسط دهشة ضيفي. وشرحت له أنني أمضيت بعض سني مراهقتي في بعقلين، التي انتقل إليها والدي الرقيب في الدرك رئيساً لمخفرها الذي كان يعتلي المركز الثقافي القائم الآن بديلاً من السجن، في حين كان الطابق الأول مخصصاً للمحكمة ومخفر الدرك. ثم إن ظروف عملي بعدما اخترت الصحافة مهنة قد أتاحت لي أن أعرف عن قرب عدداً من كبار العائلة العريقة وذات الرصيد السياسي ـ الديني ـ الثقافي المميز أشهرهم القانوني البارع، ثم النائب والوزير بهيج تقي الدين، وشقيقيه منير الإداري والمؤرخ لواحدة من الحقبات المهمة في تاريخ لبنان (ولادة استقلال) ثم السفير خليل تقي الدين وأخيراً الكاتب المبدع قصاً ساخراً والذي اقتحم الحياة السياسية من باب أضيق من أن يتسع لتطلعاته ونكاته وفوضاه الثورية: سعيد تقي الدين. ... وكان لبنان على موعد مع الحرب الأهلية، وكنا نستشعر مقدماتها في الأجواء المتوترة التي تحيط بنا في هذا الوطن الصغير المأزوم بنظامه الطوائفي، والأضيق من أن يتسع لثورة تهدف إلى تحرير فلسطين ضاقت بها الأرض العربية فاستقرت بأثقالها وطموحاتها وتناقضات فصائلها وصراع الأنظمة العربية فيها وعليها، في لبنان الذي يكاد يضيق بأهله المتخوفين من تطور اعتراضهم على نظامهم السياسي إلى فتنة سوف تتحول ـ بالضرورة ـ إلى حرب أهلية ـ عربية ـ دولية بحجم الصراع مع الكيان الإسرائيلي الذي طمح مؤسسوه لأن يكون دولة يهود العالم. ظللنا على تواصل، وكنت أتابع الأنشطة الثقافية متعددة المنابر لهذا المناضل الذي ضاقت به الأحزاب أو ضاق بها، ويأخذني الإعجاب بغزارة إنتاج هذا القلق الباحث عن يقين.. خصوصاً وأنه كتب عن «مقدمات الحرب الأهلية» وعن «العرب والمسألة السياسية»، عن «المسألة الطائفية في لبنان» و»تحولات المجتمع والسياسة». كذلك فقد كتب، وقد تذكر أنه ـ في الأصل ـ محام، عن القضاء في لبنان، وأصول المحاكمات الجزائية، والدين والتنظيم القضائي، والمحاكم الاستثنائية ودورها في لبنان، والقضاء النظامي والقضاء غير النظامي في لبنان، وعن استقلال المحاماة، وعن الطعون الانتخابية أمام المجلس الدستوري، وواقع وآفاق السلطة القضائية في لبنان، و»محامون للألفية الثالثة» والتحديات التي تواجه السلطة القضائية المستقلة في لبنان. وكان لا بد أن يهتم، وهو الشوفي المستنير، بسجل الأحكام المذهبية الذي ألّفه سميّه القاضي سليمان تقي الدين، وحقق في وثائق تاريخ الشوف، وإيضاحات عن الديوان العرفي في عاليه، وعن الأسر في جبل الشوف. إلى أين يذهب المثقف المستنير؟! إلى اليسار حكماً.. ولكن أي يسار وقد ضربت الحرب الأهلية اليسار في لبنان بالطائفية، مستفيدة من التداخل بين المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية التي كان اليسار عمودها الفقري.. قبل أن يستشهد القائد كمال جنبلاط. ولقد خاض سليمان تقي الدين معارك سياسية وفكرية ومواجهات صعبة، عبر منظمة العمل (الشيوعي)، من خلال الكتابة والدعوة، عبر منبر اتحاد الكتاب. نظم وحاضر وثقف. لم ييأس ولم يتوقف عن النضال، مواجهاً السقوط الذريع للأحزاب الوطنية والتقدمية، وسيادة المناخات الطائفية والمذهبية، لا سيما بعد الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982 ورحيل المقاومة الفلسطينية من لبنان. كتب وحاضر واقتحم مجالات كانت مغلقة، قاوم سيادة المنطق الطائفي والمذهبي. قاتل ضد «الكانتونات». ضد التهجير. ضد التفريق القسري بين الأخ وأخيه نتيجة الفرز الطائفي الذي أخذ يتمدد ليشمل مختلف المناطق، حيث انزوت كل طائفة في منطقة مشكّلة جيشها، بديلاً من الجيش الوطني، مستولدة مدناً بديلة من المدن التي نهشها التهجير الطائفي والمذهبي. قاتل ضد التعصب بأشكاله كافة وضد المتعصبين لأية طائفة انتموا. لكن الموجة كانت أعلى من قدرة القلة من أمثاله القابضين على جمر علمانيتهم، بما هي الوطنية والعروبة. وقاوم أساساً اليأس: اليأس من الذات، اليأس من الشعب، لكنه اصطدم بجدران لا تخرق، ولم يستسلم ولم يرتد إلى طائفته، ولم يهادن الطائفيين، وظل يعمل ويكتب ويدعو، بالفكر والوعي والحقائق الأصلية، والمصلحة الوطنية، والحرص على حماية المستقبل. ظل متمسكاً بأحلامه التي وعى عليها قريبة من التحقق، حين كانت أعلام الحركة الوطنية ترفرف، في مختلف جنبات البلاد، وحين كان المناضلون يملأون الساحة هتافاً بضرورة التغيير، ولو بإسقاط النظام طالما استحال تغييره. .. وعاد سليمان تقي الدين إلى «السفير» كاتباً لافتتاحياتها. كان يكتب مرتين في الأسبوع متناولاً شؤون الوطن والأمة. كتب في النظام الطائفي الذي كان امتيازاً لبنانياً فكاد يتحول إلى «النموذج» الذي تقلده سائر الأنظمة في المشرق، خصوصاً، حتى بات الشعار الطائفي ـ معلناً أو مضمراً ـ أوضح من أن تغطيه الخطب القومية والاحتفالات الكرنفالية التي تتحدث عن وحدة الأمة، وعن تحرير فلسطين باعتباره الهدف الأساس أو المعبر الأساس إلى توحيد الأمة. لم يتعب سليمان تقي الدين ولم يملّ من نقد النظام الذي كان لبنانياً فصار نموذجاً عربياً. بعد أسابيع قليلة من عودته شنت إسرائيل حربها الجديدة على لبنان (تموز ـ آب 2006).. وكان على سليمان تقي الدين أن يخوض، من موقعه، المواجهة المشرفة لهذه الحرب، وصمود الشعب، لا سيما في الجنوب وفي الضاحية الجنوبية لبيروت وبعض البقاع، والتعاطف العام الذي أظهره «إخوتهم في الوطن» في المناطق الأخرى، في حين قدم مجاهدو المقاومة نموذجاً فذاً في المواجهات جعلت تقدم العدو مكلفاً جداً في بعضها ومستحيلاً في بعضها الآخر.. وكان أن تحقق النصر مؤزراً، واضطر العدو إلى الانسحاب، وفتحت صفحة جديدة في تاريخ المواجهة مع العدو الشرس الذي كان يتصرف في الحروب ضد الدول العربية وكأن جيشه لا يقهر، وكأن أطول حروبه لن تتجاوز مدتها الأسبوع ثم يكون الاحتفال بالنصر الأكيد. وعلى امتداد تسع سنوات، حتى اليوم، ظل سليمان تقي الدين يطل من افتتاحية «السفير» على قرائه، مرتين في الأسبوع، الثلاثاء والسبت. بل إنه واصل الكتابة حين دهمه المرض. كان يعتبر استمراره في الكتابة مواجهة لعلها الأشرس بين المواجهات التي خاضها ضد الانحراف الفكري والتحجر الحزبي وسيادة المناخ الطائفي أو المذهبي. لم تلتبس الأمور على سليمان تقي الدين في أي يوم: الطائفية والمذهبية، القمع والتحجر الفكري، انفضاض المناضلين يأساً أو سقوطاً في غواية اللعبة السياسية والمنافع والمكاسب الشخصية التي أتاحها النظام عبر أركانه الذين احتكروا العمل السياسي بتبوئهم مواقع القيادة في الدولة، وتطئيف الوظيفة العامة أكثر مما كانت في أي يوم، ليستطيعوا التحكم بمن يدخل إلى نعيمها تائباً منصرفاً عن العمل السياسي، مسلماً بوحدانية القائد أو القيادة المرجعية للطائفة. ولقد واجه سليمان تقي الدين مجموعة من المآزق، وعلى مختلف المستويات.. فالطائفية قد التهمت الأحزاب، وصار لكل طائفة مرجعية واحدة (أو اثنتان متكاملتان في أحسن الأحوال)... وصارت المناصب والمواقع حكراً على من تزكيهم هذه المرجعيات. قاوم اليأس وظل يكتب ويحاضر ويؤلف الكتب ويشارك في الندوات مقدماً دراسات مميزة... لكن السور استمر يرتفع حتى كاد يضيق عليه في مجالات نشاطه. ولعل اليأس هو مصدر المرض، فالمناخ السياسي في لبنان صار ولادة للقهر والإحساس بالعجز. .. وظل يكتب ويكتب، في منازلة غير متكافئة مع المرض الذي هدّ طاقته، مفترضاً أن مقاومته هنا هي امتداد لمقاومته اليأس من الوطن ومن العمل الوطني ومن الدعوة إلى النضال ضد الطائفية والمذهبية التي احتكر أقطابها الدولة والهيمنة بالنفوذ على المصالح بإخضاع أصحابها لقدرتهم على إيذائها أو تنميتها. صارت التبعية للزعامات التي باتت هي القيادات السياسية والمرجعيات في توزيع المنافع والتحكّم بأصحاب المصالح، على حساب أهل الكفاءة والخبرة. وظل سليمان تقي الدين مناضلاً، كاتباً ومحاضراً ومثقفاً لم يضعف ولم يستسلم ولم يتنازل عن إيمانه بمبادئه. ولقد تبدّت صلابته في مقاومته الداء الذي أصابه، فأنهكه وفرض عليه التوقف عن الكتابة ولو إلى حين... لكأنه هنا يتابع مقاومته للنظام الفاسد المفسد، الذي يعتبر الوطنية كما العروبة وأسباب التقدم أخطر أعدائه، فيكافحها بضراوة لا تعرف الحدود. ولسوف يعود قلم سليمان تقي الدين إلى الصفحة الأولى في «السفير» مضيفاً إليها نصاعة الفكر مع جزالة الأسلوب، من دون أن ينصّب نفسه واعظاً أو مبشراً بالجنة. سليمان تقي الدين نموذج لمناضل من بلدي شرَّف قلمه بحماية كرامة الإنسان ومواجهة المحاولات المتكررة لإلحاق الهزيمة به. سليمان تقي الدين علامة مضيئة في حياتنا الفكرية والسـياسية... ونحـن على ثقـة أنه عائد إلينا ليكمل رسالته.

توضيح اتحادي

توضيح للرفاق والأصدقاء الحريصين على منظمتنا حول بعض ما تم تداوله عن الاتحاد في وسائل التواصل الاجتماعي كما في بعض وسائل الإعلام:

حفلت مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة بعدد من المغالطات السياسية والتنظيمية حول عمل الاتحاد وآلياته وقرارته وكان بعضها عن قصد التشويه والتشويش. ويهم الاتحاد في هذا الإطار أن يذكر أن أي قرار اتخذه على المستوى التنظيمي كان مستنداً إلى عوامل دامغة لا تقبل الشك بحسب كل أنظمته وقوانينه وكان آخرها القرار المؤتمري الماضي بمنع نشر الشؤون الاتحادية الداخلية وعدم الاساءة إلى منظمتنا وممثليها في وسائل الاعلام كافة بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا القرار أتى نتيجة لرغبة جامحة عند معظم مندوبي الفروع الاتحادية في كل المناطق. كذلك أكدت قرارات المجلس الوطني وتوصيات الفروع والمحافظات الإلتزام بهذه المعايير بشكل صارم وشامل. ورغم ذلك استمر البعض بالنشر الاعلامي لآراء تنظيمية حيناً، ولأكاذيب وإشاعات أحياناً أخرى مع مجموعة من الإهانات الشخصية لعدد من ممثلي المنظمة. تعامل الاتحاد بروية مع كل هذه الارتكابات رغم بشاعتها، وكلف رفاقاً للتواصل بهدف حذف المنشور ووقفه، كما نظم اجتماعاً على مستوى كل الفروع الاتحادية الثلاثين القائمة، وكان الرأي تأكيداً جديداً وطلباً متجدداً من الرفاق بوقف هذه الحملة دون أن تجد هذه الطلبات والتمنيات والقرارات آذاناً صاغية. بل كان الرد يأتي بالمزيد من التجريح والتشويه والتظليل.

بناء عليه، وبعد عدة محاولات والكثير من الوقت والجهد، اضطر المجلس الوطني للاتحاد مكرهاً، وبناء على قرارات المؤتمر والنظام الداخلي وتوصيات الفروع، أن يأخذ قراراً باعتبار كل المصرين على التهجم والتشويه والمستمرين فيه منذ فترة ليست بقصيرة، خارج التنظيم الاتحادي. ورغم أحقية القرار ومنطقيته، ترك المجلس الوطني الباب مفتوحاً لإعادة النظر بالقرار بحال اعتذار المجرحين ووقف حملاتهم خلال اليومين التاليين، إلا أن الرد كان بتصعيد جديد كرس القرار التنظيمي المتخذ بعد انقضاء المهل واستمرار حملات التشويه والتجريح. وفي هذا الإطار، ومنعاً لأي التباس خاصة بظل محاولات التشويش تقوم بها

عدة جهات يهمنا أن نذكر بما يلي:

1. ديمقراطية الاتحاد: يعقد الاتحاد مؤتمره العام بشكل دوري دون أي تأخير عن المواعيد المحددة منذ عدة مؤتمرات حتى الآن، وهي مؤتمرات تشارك فيها كل الفروع الاتحادية وتنتج من خلالها المجلس الوطني الذي يدير عمل المنظمة بين مؤتمرين ويصبح بالتالي مكتسباً لشرعية القيادة نتيجة دورية الانتخاب وشفافيته. وكما في القيادة المركزية كذلك في الفروع والمحافظات التي تنتخب بشكل سنوي. ومن الجدير ذكره أن الاتحاد اعتمد مبدأ اللائحة الناقصة في انتخابات مجلسه الوطني الأخير من أجل منع إقصاء أي رأي سياسي أو تنظيمي عن التمثيل في الهيئات القيادية، وهو ما سمح بوجود هذا التنوع في هيئات منظمتنا. وعلى الرغم من ذلك استقال البعض من أعضاء المجلس الوطني الذين استفادوا من نظام اللائحة الناقصة لعدم قبولهم بالقرارات التي يتخذها بأكثرية أعضائه. وهؤلاء الحريصون الذين يصرون على دورية المؤتمرات وديمقراطيتها هم أنفسهم من اضطروا مكرهين على قرارات تنظيمية بحق من جرح ويجرح بالمنظمة من موقع الخلاف العدائي.

2. المجلس الوطني للاتحاد وهيئاته القيادية لطالما تسامحوا في الكثير من الأحيان عن العديد من التجاوزات التنظيمية وأحياناً السياسية، وأيضاً عن نشر الآراء الخاصة عن المنظمة في الإعلام، وطوال سنوات كانت القيادات المتعاقبة على منظمتنا تمارس سياسية النفس الطويل والاستيعاب لأن الأمور لم تخرج عن إطار الأدبيات العامة والأخلاق الرفاقية، إلا أن وصول الأمور حد الإهانات والشتيمة في وسائل الإعلام بحق المنظمة والأفراد فيها، مترافقاً مع كم من التجاوزات وصل حد استقلالية البعض في ممارسته عن المنظمة وقراراتها والتنسيق مع هيئاتها في السياسة والتنظيم وضع أعضاء المجلس الوطني جميعاً أمام استحقاق لا هروب منه.

3. إن الإطر التنظيمية تتيح لكل المعترضين اللجوء إلى النظام الداخلي من أجل عقد مؤتمر استثنائي (من خلال ثلث مندوبي المؤتمر السابق) وقيادة الاتحاد لن تعترض ذلك أو انتظار المؤتمر القادم قريباً من أجل تقديم رؤيتهم للمندوبين والحصول على تأييدهم إن أحسنوا ذلك. أما كل الأفعال الأخرى فهي أفعال هدامة تسيء لمنظمتنا بالمزيد من التشويه والتشويش ولا تؤدي أي وظيفة لأصحابها إلا إن كان المراد هو ذلك.

4. أما في السياسة والنضال، فيعيب الكثيرون على منظمتنا عملها في قضايا مدنية وحقوقية ويتهمونها أنها أصبحت من جمعيات المجتمع المدني أو ال NGO

وفي هذا الاطار يؤكد الاتحاد على استمرار عمله النضالي في كل القضايا الاساسية في العمل المطلبي كما في العمل السياسي والمدني. ومثلما عمل الاتحاد في قضايا الزواج المدني والأحوال الشخصية ومقاطعة الشركات الداعمة للعدو وفي حملة رفض التمديد، وفي القضايا المطلبية وآخرها حملة قيمتك أكبر حول النقل والسكن والاتصالات والسياسة الضريبية، وفي قضايا العمل التضامني والمقاوم مثل حرية الأسير جورج عبدالله والأسرى الكوبيين (الذين تحرروا) وفي التثقيف والتوعية والندوات والمخيمات، وفي الرياضة والكشاف والبيئة، وفي دعم هيئة التنسيق ومواكبتها، وفي العمل الخارجي من خلال اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي، وفي العمل الفني والثقافي من خلال فرقة رفاق الدرب والمسرحيات والمعارض الفنية. عمل الاتحاد في كل هذه القضايا بفخر وسيستمر بالعمل عليها بالمزيد من الفخر في الفروع وعلى الصعيد المركزي.

لذلك تؤكد الهيئات الاتحادية على استمرار احترامها كل الأطر التنظيمية وكل المقترحات المقدمة من خلال هذه الأطر وكل القرارت الصادرة عنها، ويهمها أن ترسل لكل الرفاق والاصدقاء التأكيد على استمرارية منظمتنا في ممارستها الديمقراطي كما في نضالاتها وأهدافها السياسية، والتزامها المحاسبة الداخلية عند تعريض المنظمة لارتكابات وتجاوزات لا تستطيع أية هيئة قائمة أن تتقبلها، رغم تغاضيها عن كل الأخطاء التي تقع في دائرة الالتزام الاخلاقي العام.

 

جريدة السفير

اجتمع المجلس العام لـ «اتحاد الشباب الديموقراطي العالمي» (وفدي) في بيروت من 2 إلى 5 نيسان الجاري في بيروت بضيافة «اتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني» بمشاركة 76 مشاركاً من 48 منظمة. وتحدّث في حفل الافتتاح كل من رئيس الاتحاد العالمي نيكولاس باباديمتريو، ممثل «اتحاد الشباب الديموقراطي الأردني» ناصر أبو نصار، رئيس «اتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني» حسان زيتوني وتلاه حفل فني منوع على مسرح المركز الثقافي الروسي، الخميس الماضي. واختتمت الاجتماعات السياسية والتنظيمية ببيان سياسي وخطة عمل مشتركة للمنظمات المشاركة ومقررات تنظيمية وداخلية. وتخللت اللقاء ندوة حول الوضع الراهن في ليبيا وشمال أفريقيا، وزيارة تضامنية مع الشعب الفلسطيني إلى مخيم عين الحلوة بالتعاون مع «منظمة الشبيبة الفلسطينية».

امال خليل- الاخبار

ثلاث آليات للجيش اللبناني، كانت أول الحضور إلى الاعتصام التضامني الذي دعا إليه اللقاء الإعلامي اللبناني وناشطون من المجتمع المدني، مع جريدة «الأخبار» عصر أمس، ضد اتهامات وتهديدات السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري، لها. حركة الدعوات التي نشطت على مواقع التواصل الاجتماعي منذ يوم السبت، أثمرت عشرات المتضامنين في باحة سنتر الكونكورد في فردان، حيث تقع مكاتب الجريدة. جلّهم من القراء الذين ليست لهم مناصب أو مصالح أو مصادر تمويل.

بحماسة، نزلوا إلى الميدان وأخذوا يستدلون على كتّاب «الأخبار» والعاملين فيها، ليلقوا التحية أو ليلتقطوا الصور و»السيلفي». وإن لم يفعلوا مباشرة، استحدثوا لأنفسهم منابر خاصة على صفحاتهم، لنقاش السلوك السعودي بحد ذاته. كان تضامنهم ناصعاً بدافع من مبادرة فردية بريئة. شيب وشبان وشابات ومناضلون ومناضلات وطلاب وطالبات لبنانيون وعرب... وجدوا أنفسهم في الباحة، يتحلقون حول أسرة «الأخبار». لم يكن من بينهم عنصر استثنائي. كانوا متجانسين. أما هي فازدانت بهم، إذ «كما يكونون تكون الأخبار». لكن الحاضرين بكمهم ونوعهم، سلّطوا الضوء على الغائبين. ما هو عذرهم؟ هل المشكلات الفردية مع «الأخبار»، إن وجدت، أهم من التضامن الإعلامي ضد أي تهديد ووعيد؟ عدد من الزملاء شارك بصفته الشخصية وليس ممثلاً لمؤسسته. فيما حضر سياسيون وأحزاب وهيئات. وتحدث الزميل فيصل عبد الساتر باسم المتضامنين، مشيراً إلى أن تصريح عسيري «تجاوز لكل الخطوط الحمراء التي تمس بأساس من أسس الصحافة اللبنانية»، ووضعه برسم نقابتي الصحافة ونقابة المحررين وتجمع الوسائل الإعلامية على اختلاف أطيافها «ولا عذر لأحد لأن يكون خارج التأييد للجريدة في مواجهتها لهذا السفير وما يمثله من افتراءات على الجريدة». من جهتها، نقابة العاملين في الإعلام المرئي والمسموع أصدرت بياناً قالت فيه إن «من حقوق اللبنانيين إبداء آرائهم بكافة الوسائل المشروعة، بالأخص تجاه القضايا التي تتعلق بمستقبل المنطقة وترتبط بمصيرهم على أرضهم». ووجدت النقابة أن تصريح عسيري «خروج عن الممارسة الديبلوماسية السعودية العلنية في لبنان»، متسائلة: «ماذا لو نفذ لبنان سياسة المعاملة بالمثل وأدلى سفيرنا في السعودية بمثل هذه المواقف تجاه أي شخصية أو مؤسسة سعودية عامة أو خاصة؟». بيان النقابة كان منفرداً. لم يدعم ببيانات مماثلة من المعنيين، نقابتي الصحافة والمحررين ووزارة الإعلام... قد تكون عطلة الأعياد قد انسحبت على المواقف والآراء.

الأكثر قراءة