Ihsan Masri

Ihsan Masri

ورد كاسوحة - الاخبار

 

في الوقت الذي يزداد فيه الحصار على حزب «سيريزا» الحاكم في اليونان بغرض إرغامه على التنازل عن الشروط التي وضعها للتفاوض مع ترويكا الدائنين الأوروبيين تحدث مفاجأة على جبهة أوروبية أخرى وتضطرّ القوى المهيمنة هناك إلى استعارة الخطاب نفسه الذي استعملته نظيرتها في اليونان إبان صعود «سيريزا» إلى السلطة. هذه المرّة يُستعمَل الخطاب في مواجهة حزب «بوديموس» الذي حقّق نتائج باهرة في الانتخابات البلدية الاسبانية وضَمِن لنفسه حصّة وازنة من مقاعد التمثيل المحلّي، وخصوصاً في المدن الكبرى (مدريد وبرشلونة). قبل هذا الفوز كانت هنالك محطّة مفصلية، في 31 كانون الثاني الماضي، استطاع من خلالها الحزب حشد الألوف من مناصريه اعتراضاً على سياسات التقشف التي اتبعتها حكومة ماريانو راخوي اليمينية.

المسيرة كانت حاشدة وتخلّلتها شعارات أظهرت تضامن الحزب والحركات الاحتجاجية التي تناصره مع «سيريزا» الذي كان قد فاز بالانتخابات اليونانية لتوّه، والى جانب هذا التضامن حضرت أيضاً شعارات مثل «نعم نستطيع « و»تك تاك، تك تاك» التي ترمز إلى الوقت الفاصل بين لحظة الاحتجاج والتغيير المقبل عبر الصناديق. حينها خرج رئيس الوزراء الاسباني ماريانو راخوي ليردّ على هذه التظاهرة بالقول إنّ «بوديموس» يجازف بمصير اسبانيا تماماً كما فعل «سيريزا» من قبله باليونان وانه يكتفي ببيع الأحلام، ولا يقدر على تحقيق الوعود التي أطلقها للشعب الاسباني. لا يعبر راخوي في هذا الموقف عن حزبه الحاكم فقط (حزب الشعب اليميني) بل عن مجمل الطبقة السياسية الاسبانية التي أصبح وجودها مرتبطاً بالخضوع للإملاءات الأوروبية الخاصّة ببرامج التقشّف وتقليص النفقات الاجتماعية.

الخلفية التاريخية لظهور «بوديموس»

هكذا، غدت السياسات النقدية الأوروبية هي المحدّد الرئيسي لعمل الحكومات الاسبانية المتوالية، وقد تفاقم الاعتماد عليها بعد الأزمة المالية عام 2008 لتصبح الجهةَ الوحيدة التي يحقّ لها وضع الفيتو على السياسات الاقتصادية للدولة.

مع الرأسمالية قبل ذلك كانت الأمور أفضل قليلاً، ولم تكن الاقتطاعات من مداخيل الطبقة الوسطى قد أصبحت كبيرةً إلى هذا الحدّ وهو ما يفسر تحدّر معظم المنتمين إلى حركة الاحتجاج التي عرفت لاحقاً بالغاضبين من هذه الطبقة. فالتغيرات التي طرأت على الدورة الاقتصادية بعد ذلك التاريخ أتت على حسابهم هم بالدرجة الأولى وهمّشت اعتمادهم المتزايد على الادخار وأموال التقاعد، الأمر الذي يعتبر مساساً بأهمّ الحقوق التي أمكن تحصيلها بعد زوال الديكتاتورية. إذ إنّ ما حصل غداة الانتهاء من الفاشية لم يكن ذا تأثير كبير على البنية الطبقية للمجتمع الاسباني، حيث ظلّت الأفضلية للطبقات الغنية «المعفاة من الضرائب»، ولم تستطع الطبقات الأخرى الاستفادة من الإصلاح السياسي المصاحب لعملية الانتقال الديمقراطي إلا بعد وصول الاشتراكيين إلى الحكم في عام 1982. فبوصولهم تحولت الديمقراطية السياسية التي أرست «التعددية الحزبية» إلى أداة لتوسيع القاعدة الاجتماعية للسلطة، وبدأت الثروة بالوصول إلى مختلف طبقات الشعب، ما وسّع من نفوذ الطبقة الوسطى وجعلها تتحول إلى قاعدة «مستقرّة» للحكم حتى يومنا هذا. حصلت في ما بعد تغيرات بنيوية في الاقتصاد الإسباني قادت البلاد إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وعجّلت في القطيعة مع «سياسات النمو» التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة وخصوصاً اليسارية منها. وعندما حصلت الأزمة المالية في عام 2008 كانت البلاد قد وصلت عملياً إلى حائط مسدود نتيجة للتراجع الذي أصاب عملية التراكم الرأسمالي، إذ لم يعد الإنتاج يصبّ في عملية توسيع المشاركة الاقتصادية، وأصبح همّه الأساس هو خدمة الفائض الذي يذهب بالكامل لجيوب المستفيدين من الانضمام إلى السوق الأوروبية، وهؤلاء كانوا دائماً تعبيراً عن قلّة، ما عوقّ حتى إمكانية الوجود الفعّال في السوق. على الأثر تراجعت نسب النمو كثيراً، وازدادت البطالة، وعادت الطبقة الوسطى التي تُعتبر الدعامة الأساسية لوجود الحكم إلى الانحسار. وبذلك تكون الفائدة التي جنتها اسبانيا من زوال الديكتاتورية والانتقال إلى التعددية السياسية قد انتفت، وبالتالي أصبحت العملية السياسية برمّتها موضع تساؤل، وهو بالضبط ما عبرت عنه أدبيات حركة الغاضبين التي اجتاحت الساحات والميادين في عام 2011 مستلهمةً كتابات المناضل والمفكّر الراحل ستيفان هيسيل.

تثمير الاحتجاج سياسياً

الغضب هنا ليس ممارسةً احتجاجية فحسب وإنما فعل منّظم يرمي إلى تأطير الاحتجاج وتحويله مع الوقت إلى آلية ضغط يمكن من خلالها إجبار الحكم والطبقة السياسية على التراجع عن سياسات الإذعان للاتحاد الأوروبي، أو في أفضل الأحوال إيجاد بديل يستطيع تصحيح العملية السياسية ومعاودة جعلها «ملكاً للشعب». في عام 2011 بدأ الفعل التراكمي عبر احتلال الساحات والميادين وأشهرها على الإطلاق كان ميدان «بويرتا ديل سول» في قلب العاصمة مدريد. استمرّت الاحتجاجات لمدة شهر كامل، وقوبلت من السلطة «بالتجاهل» و»عدم الاكتراث»، وأحياناً كانت السلطة تلجأ إلى القمع ولكن من دون التخلّي عن سياسة الاحتواء التي جرى التعويل عليها لتنفيس الطاقة الاحتجاجية وجعلها تذوي وتنتهي مع الوقت. أدرك الناشطون بعد انقضاء كلّ هذه المدة أن الرسالة من احتجاجهم قد وصلت ولا داعي بالتالي للاستمرار على الوتيرة نفسها من التصعيد لأنها ستضعهم في مواجهة الطبقات المتضرّرة من احتجاجهم وستضيّق رقعة المتعاطفين معهم بدل زيادتها، فعمدوا من تلقاء أنفسهم إلى إزالة المخيم وفكّ الاعتصام القائم في ميدان «بويرتا ديل سول»، على أمل أن يواصلوا الضغط ولكن بأشكال أخرى. هذه الأشكال تمثّلت في تسيير تظاهرات كلّ بضعة أشهر لإبقاء الضغط قائماً على الحكم وكانت القوى الاحتجاجية المسيّرة للتظاهرات تعمد بالتوازي مع رفع الشعارات المناهضة لسياسات التقشّف والداعية إلى توفير سكن لمن فقد منزله وفرص عمل للعاطلين إلى تأطير هذا الفعل لكي لا يبقى فقط مجرّد احتجاج ويذهب كما ذهبت معظم القوى الاحتجاجية التي قادت التظاهرات في مصر وتونس و...الخ. بقيت الأمور تتطوّر في هذا الاتجاه إلى أن أُعلن في شباط من عام 2013 تأسيس حزب «بوديموس» الذي سيقود ابتداءً من هذا التاريخ عملية نقل الاحتجاج من الشارع إلى الأطر الانتخابية التي تجرى عبرها المنافسة السياسية بين الأحزاب القائمة. وقد تجاوز «بوديموس» عبر هذا «الانخراط الشجاع» السياسات التقليدية لليسار الراديكالي والتي ترفض باستمرار أن تكون جزءاً من العملية السياسية التي تقودها البورجوازية الحاكمة، وبذلك يكون قد طوّر إلى جانب نظيره في اليونان «سيريزا» نظرية الصراع مع الرأسمالية، عبر جعلها أقلّ نخبوية وأكثر فاعلية وقرباً من الواقع وتناقضاته.

الصعود والنجاحات الانتخابية

هذه الفاعلية قادته إلى الانخراط في المؤسّسات القائمة ومحاولة تغيير سياساتها، وبعد أن كان عمله يتركّز على تصعيد النضال الجماهيري بشكل أساسي أصبح الآن يهتمّ بكيفية الاستفادة من هذا الزخم لجعل المؤسّسة التي يناضل من داخلها أقلّ انحيازاً إلى النخبة وشبكات الفساد السياسي. وأول محطّة على هذا الطريق هي الانتخابات الأوروبية التي أجريت قبل سنة من الآن، حيث استطاع فيها الحصول على خمسة مقاعد في البرلمان الأوروبي. ومنذ ذلك الوقت وهو يصعد في استطلاعات الرأي، ويتقدم في قياس المزاج الشعبي على الحزبين الرئيسيين في إسبانيا: حزب الشعب الحاكم والحزب الاشتراكي. ونجاحه هذا أقلق المؤسّسات الحاكمة في اسبانيا وأوروبا عموماً، إذ ليس من السهل عليها أن تتلقّى صفعة جديدة بعد الصفعة الأولى التي تلقّتها بوصول حزب «سيريزا» إلى الحكم في اليونان وشروعه في تغيير السياسات الاقتصادية التي وضعتها الترويكا الأوروبية لهذا البلد. ومن المتوقّع في حال وصول «بوديموس» إلى السلطة في الانتخابات التشريعية المقبلة أن يحذو حذو «سيريزا» ويبدأ في التراجع عن الخطوات التي أقدمت عليها الحكومات الاسبانية السابقة بدفع من بروكسل وبرلين. وحينها سيكون على الحزب الراديكالي الصاعد أن يكون مستعداً لمعركة من نوع جديد، إذ سيتحوّل الصدام مع المؤسّسات الأوروبية إلى واقع فعلي، ويبدأ بالتمدّد على كامل رقعة اسبانيا بعد اقتصاره لحدّ الآن على مدريد وبرشلونة حيث النفوذ الكبير لـ «بوديموس» وخصوصاً بعد الفوز في الانتخابات المحلية. المعركة هنا تكتسب أهميتها انطلاقاً من الواقع المحلّي الذي كرّسه الانتصار في الانتخابات البلدية وليس العكس، وهو ما يعطي لهذه الانتخابات طابعاً مفصلياً، على الأقلّ لجهة التمدّد الميداني وكسب الأرض في انتظار معركة الحسم في تشرين الثاني المقبل.

أهمية الفوز في المحلّيات

لم يعد «بوديموس» بعد هذا الفوز كما كان، فوجوده سياسياً في المشهد أصبح أقوى، وشبكة تحالفاته ازدادت متانةً مع حصول القيادية السابقة في حركة الغاضبين والناشطة اليسارية البارزة آدا كولاو على رئاسة بلدية برشلونة، وهي التي قادت طيلة السنوات الماضية الحراك ضدّ التيار المحافظ في المدينة بزعامة غزافيي ترياس. هذا التشبيك مع الرفاق السابقين والمنظمات الناشطة في الأقاليم والمدن ضدّ سياسات التقشف وطرد «المالكين» الجدد من ديارهم يضع الحزب الراديكالي على أرضية ثابتة ويسمح له بالتمدّد على حساب النخبة التقليدية المتمثلة في حزبي الشعب والاشتراكي. فالانتخابات الأخيرة «قضت» على النفوذ التقليدي لهذه الأحزاب في المدن الكبرى ووضعت قواعدها أمام خيارات ليس من بينها معاودة تكليفهم - أي الأحزاب - بتمثيلها سياسياً، وفي هذه الحالة ستكون القواعد أقلّ تمسكاً بالتصويت وفقاً للثنائية القديمة (شعب - اشتراكي) وأكثر استعداداً للتعامل مع «الائتلاف» الجديد الذي يقوده بوديموس، ويسعى من خلاله إلى تحسين ظروف معيشة الطبقتين الوسطى والشعبية. طروحاته الخاصّة بالمحافظة على وتيرة الإنفاق الاجتماعي والحدّ من سياسات الصرف التعسّفي والإبقاء على المدخرات والمعاشات التقاعدية تصبّ في هذا الاتجاه، وتحفّز شريحة واسعة من «المتردّدين» على وضعه ضمن الخيارات المتاحة في المرحلة المقبلة. هذا التغيّر الملحوظ في اتجاهات التصويت يدلّ على حجم الانزياح الحاصل في الخريطة السياسية. وهو انزياح لا ينهي تماماً وجود الأحزاب القديمة أو احتكارها للسلطة، ولكنه يجعلها أقلّ قدرةً على التأثير، محتفظاً لها «بوجود رمزي» إلى جانب القوى الجديدة الصاعدة. التعددية الفعلية (لا الصورية) هنا تصبح هي الانجاز الأكبر لبوديموس وباقي التيارت اليسارية الراديكالية في اسبانيا، وعبرها سيتمّ الانتقال من مرحلة انتخابية إلى أخرى وصولاً إلى تسلّم السلطة بالكامل، وعندها ستكون المعركة الفعلية مع بروكسيل وبرلين قد غدت على الأبواب. *كاتب سوري

قبل يومين كان القضاء المتهم الأول بالمشاركة في جرائم قتل رولا وكريستال وفاطمة ومنال ونسرين ورقية وسارة وغيرهنّ الكثيرات. فالتأخير في المحاكمات والسعي الى اختلاق الأسباب التخفيفية وابقاء القتلة احرارا او موقوفين بلا محاكمات عادلة... كل ذلك جعل صبر الناس ينفد، فنزلوا الى الشارع مطالبين بالإسراع في محاكمة قتلة النساء

إيفا الشوفي - الاخبار

في الأول من نيسان عام 2014 أقرّ المجلس النيابي تحت ضغط منظمات المجتمع المدني قانون «حماية أفراد الأسرة من العنف الاسري». صحيح أنّ القانون خضع لعملية تشويه في اللجان النيابية أفرغته من مضمونه، إلا أن إقراره مثّل كسراً لأسطورة «قدسية الحيز الخاص المؤسسة للعديد من الانتهاكات بحق المرأة داخل الأسرة، عبر نقل المعركة السياسية من اجل المساواة والعدالة الى قلب هذا الحيز، والتصدي لانتزاع هذا الحيز من سطوة المؤسسات الدينية الذكورية»، وفق بيان المنتدى الإشتراكي.

لم يحصل كسر القدسية هذا سوى بعد نضالات طويلة وتضحيات ثمينة، فقُتلت كريستال ومنال ورولا وفاطمة وصونيا وغيرهنّ الكثيرات. مثّل مقتل منال العاصي بعد تعذيبها على يد زوجها الجريمة التي حرّكت الاف الناس، فنزل في 8 اذار 2014 نحو خمسة الاف شخص للمطالبة بقانون يحمي النساء من العنف الأسري، وكان لهم هذا بعد شهر. بعد ذلك بدأت قرارات الحماية تصدر عن القضاة وتوجهت النساء الى المحاكم ليرفضن التعنيف، كذلك بدأت تظهر الثغر في القانون. منذ اقرار القانون حتى اليوم قُتلت ديالا وولاء وسلوى ونوّار الخالد وسلام ونسرين روحانا وفاطمة. السيناريو نفسه تكرّر بعد عام، فقُتلت سارة الأمين بـ 17 رصاصة في رأسها لينكشف لنا ما يحصل في القضاء من مماطلة وتقصير، وليعلن الناس أنّه «للصبر حدود»، فكانت تظاهرة أول من أمس، التي نظمتها منظمة «كفى» أمام المتحف للإسراع في محاكمة قتلة النساء. كثيرات من المشاركات (والمشاركين) في التظاهرة كانوا هنا منذ عام، أي في تظاهرة 8 آذار، في الفترة الفاصلة بين التظاهرتين ظنوا انّ الأمور سالكة. تقول حنان «لم نكن على علم بأنّ القضاء يماطل في بت هذه القضايا. لو لم تُقتل سارة لما عرفنا انّ هناك قتلة أحرارا».

 

رجال ونساء، صغار وكبار أعلنوا أنّ صبرهم نفد، فصرخوا عالياً «ثوروا ثوروا وعلّوا الصوت أحسن ما غيرن يموت»، «شو يا قاضي سرود عبرود ما نسينا فاطمة بكور». قرر هؤلاء رمي العقلية الذكورية التي يصنعها هذا المجتمع في الزبالة، فرموا أكياسا سوداء كُتبت عليها عبارات مثل «اتحمّلي، ما تخربي بيتك، المرا جازتها بتسترها، الف مرة ارملة ولا مرة مطلقة»، وغيرها من الأقوال التي يستخدمها المجتمع من أجل إخضاع المرأة، وإحكام السيطرة الذكورية على الأسرة. لكن ماذا بعد نفاد صبر المشاركين والمشاركات؟ ما الخطوات التي ستأخذ حق النساء اللواتي قُتلن؟ تقول محامية «كفى» ليلى عواضة «استراتيجيتنا اليوم هي المطالبة بمحكمة اسرية خاصة لبت ملفات العنف ضد النساء. هذه المحكمة كنت مطروحة في النسخة الاولى من القانون وجرى حذفها. لم نصر عليها آنذاك لأننا رأينا انها ليست اولوية، ولكننا كنا مخطئين، هذه المحكمة تمثل مطلبا اساسيا». في تلك الفترة كان رجال الدين اوائل المعترضين على هذه المحكمة، لأنها تعدّ مسّاً مباشراً بصلاحياتهم داخل الأسرة. تضيف عواضة «جميع التحقيقات والمحاكمات التي تحصل تتعاطى مع حادثة القتل، لا مع العنف المتكرر من ضرب وتعذيب طوال سنوات. هذه الامور يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار، ويجب استخدامها في تشديد العقوبة، أي إن القضاء يجب ان يحاكم على العنف المرتكب، لا على فعل القتل فقط. بعض الأحكام التي صدرت كُتب فيها حرفياً : ثار غضبه فأقدم على قتلها!». أم رولا يعقوب حضرت بمأساتها. في التظاهرات السابقة كانت لا تنفك تردد «قتلي بنتي. جبلا التابوت وجبلا فستان ونحنا ما معنا خبر. كان بدو يدفنا بلا ما يقلنا». اليوم، قبل سؤالها عن أي شيء تصرخ بقلب محروق «منعوا عنه المحاكمة، دافعين مصاري شو انن بلا ضمير! انشالله يحترق قلبن متل ما حرقولي قلبي. باعوا ضميرن عحساب بنتي». يشير الاختلاف في كلام الأم المفجوعة الى التبدّل الذي حصل في القضية، لم تعد حادثة القتل ما يزعج الأم، بل أصبحت المحاكمة غير العادلة هي القضية، إفلات المتهم من العقاب هو ما زاد غضبها، لتصبح اليوم تريد الثأر، وتحديداً الإعدام. هي وثقت في البداية بالقضاء ولجأت اليه ظنّا منها انها ستتمكن من أخذ القليل من حق رولا المغدورة إلا أن الحكم الصادر بمنع المحاكمة عن كرم الباز جعلها تتخلى عن هذه الثقة. حضرت أخت نسرين روحانا الى جانب والدة رولا. تقول «الو 6 اشهر موقوف لا جلسات ولا محاكمة. لم يعد لدينا امل بالقضاء بسبب ما نراه من معاناة اللواتي سبقننا». والدة فاطمة بكور جلست على أدراج المتحف تصرخ «خالد الغوراني الو سنة و8 اشهر بالحبس من بعد ما ذبح بنتي هيي وحامل. صارو 3 جلسات، كل 3 اشهر جلسة 10 دقايق. بدي ينحكم باشد العقوبات حتى يصير عبرة للكل». انطلقت التظاهرة باتجاه وزارة العدل، ومرت من جانب والدة فاطمة فتاة تحمل لافتة كُتب عليها «اليد التي ستمتد الى النساء سنقطعها»، لترتفع الصرخات المطالبة بـ»الاعدام»، علما ان اكثرية الناشطات والناشطين في التظاهرة يقفون ضد عقوبة الاعدام ويطالبون بالغائها. «من أيار 2013 حتى ايار 2015 هناك 16 حالة قتل في المحاكم لم تُبتّ ولم يصدر حكم في أي منها، بالعكس بعض المتهمين أحرار!»، تقول رئيسة منظمة «كفى» زويا روحانا. إذاً هو عنف أصبح اليوم يستدرج عنفا مضادا، سببه كما تبيّن في التظاهرة تراخي القضاء في ملاحقة القتلة والمماطلة في المحاكمات، ما رسّخ لدى الأهالي فكرة الثأر كسبيل وحيد لأخذ حق بناتهنّ. هذا المؤشر الخطير يفرض على القضاء التحرّك فوراً لتحقيق العدالة، كي لا يكون مشاركاً في تعميم العنف وخلق عنف مقابِل. يعترض احد المشاركين على الهتافات: «لا يجوز ان نطالب بالاعدام، هذا ليس الحل. الانسان لا يردعه شيء عن الجريمة سوى الخوف من القانون لذلك فالحل هو التشدد في تطبيق القانون». صحيحٌ أنّ القوانين تتطور مع تطور المجتمع، إلّا أنّ القوانين يمكن أن تمثل ايضاً وسيلة لتطوير المجتمع فتكون المبادِرة الى هذا التطور، وهذا هو المطلوب اليوم من القضاء، أي أن يقود تطور المجتمع عبر رفض العنف ليس بصفته امرا غير اخلاقي، بل بصفته عنفا يؤثر على المجتمع ككل. تقول عواضة «ليس من السليم على الإطلاق المطالبة بعنف مقابل. لا يمكن كمنظمة ان نطالب بالاعدام لانه مخالف لحقوق الانسان، لكن في هذا الوقت لا يمكن ان نزايد على اهل الضحايا الذين لم يشف غليلهم أي حكم صدر حتى اليوم». لم يكن الرهان على قانون العنف الاسري يوماً لوقف الجرائم، إنما الرهان الاساسي منه هو تكريس الحق باللجوء الى القضاء، فالقانون لن يوقف الجرائم (مثلما لم يوقف القانون عمليات السرقة او القتل) لكنه سيكون رادعاً للمجتمع عبر التأكيد على محاسبة المجرم، وإنزال اشد العقوبات بحقه. لهذا فإن القضاء يؤدي الدور الرئيسي بردع المجرم، وما لم تحصل محاكمة عادلة وتشدد في المحاسبة، فسنتعرف في الأيام المقبلة على مجرمين جدد، وعلى ضحايا جدد، سيكون المساهم الأول في مأساتهم هو القضاء.

مع عازفة الساكسوفون المصرية المكسيكية ليتي النجّار، يقدم الفنان اللبناني أمسيتين في «المركز الثقافي الروسي» مختلفتين جذرياً عن حفلاته المرتقبة في المهرجانات المقبلة

 

بشير صفير - الاخبار

 

 

من يحصر اهتمامه الموسيقي بالأغنية، ويفضّلها ملتزِمة، فلن تهمّه هذه المقالة. ومَن يعتقد أن العمل الموسيقي لا يكون ملتزماً إلا إذا عبّرَت عن ذلك عبارات واضحة، فقد يصاب بخيبة طفيفة ممّا سيقرأ. أما من لا يرى في الموسيقى إلاّ مصدراً للتسلية (والتسلية غير الترفيه!) فنتمنّى عليه، بمحبّة، الاكتفاء بما قرأ حتى الآن. هذه السطور لا تستهدف إطلاقاً من يرى في زياد الرحباني صاحب ”عايشة وحدا بلاك“ و/أو مصدراً ”لآخر نكتة“، كما أنها قد تزعج مَن يعتقد أن حفلةً في ”المركز الثقافي الروسي“ لا بدّ من أن تكون احتفالاً بذكرى ثورة أكتوبر.

 

مناسبة المقالة أنّ المؤلف الموسيقي زياد الرحباني يقدّم حفلتَين في ”المركز الثقافي الروسي“ (3 و4 حزيران/ يونيو المقبل)، حيث روسيا هي امتداد للاتحاد السوفياتي وسياسة ”آلة البيانو في كل بيت“… وحيث أبو شعبها معجَبٌ حتى الذهول بإحدى سوناتات بيتهوفن، لا بنشيد الأممية، على أهميّته ونُبْل رسالته… حيث ”ديكتاتورها“ الفولاذي قد ينفي إلى سيبيريا من يَثبُت تورّطُه في عرقلة رغبته الستالينية في الحصول على تسجيلٍ أعجبه لأحد أعمال موزار الرقيق. هذه المقالة تتناول حفلتَين موسيقيّتَين، وهاتَان الأخيرتان تتوجّهان إلى كل من يتفق مع الزعيمَين الشيوعيَّين المذكورَين أعلاه على كل شيء، بما في ذلك مقاربتهما للموسيقى، وكذلك إلى مَن لا يتفّق معهما إلا على ذلك.

نبدأ من عنوان الحدث Kiki Rosa. إنها إحالة إلى الجزء اللاتيني الاحتفالي من برنامج الأمسية. لكنّها أولاً إشارة إلى ضيفة الحدث، عازفة الساكسوفون المصرية/ المكسيكية ليتي النجّار… إنها إشارة إلى نصفها اللاتيني طبعاً. أما الأهم، فهو العنوان الفرعي لأمسيتَين: The un-mobile/un-dinner night. لنشرح قليلاً هذا العبارات. الكل يعرف أن لزياد نشاطاً موسيقياً ثابر عليه منذ السبعينيات، وهو العزف في حانات. هذا ما تفعله كل فرق الجاز وتوابعه في العالم. الجمهور الذي يحضر هذه الأمسيات بعضه تهمّه الموسيقى، والبعض الآخر تهمّه السهرة بما تتضمّنه من أكل وشرب وأحاديث… وموسيقى. هكذا هي الحال في العالم لا في لبنان فحسب، لكن ”عندنا“ تضاف فئة ثالثة إلى تلك الجيدة وتلك المقبولة… فئة مَن قد يطرق كأساً بكأس خارج الإيقاع وفي لحظة حسّاسة قبل أن يغرق في صحنه الشهيّ، أو مَن قد يطلق العنان لضحكة لا تتوافق من أي نغمةٍ معروفة في العلوم الموسيقية حتى الآن. في الواقع، هذه كلّها غرائز أو شبه ذلك، ولا يجوز كبحها. لكن ثمّة مخرَج ممتاز من هذه الأزمة، اعتمدته كل فرق الجاز، وهو نقْل النشاط، من حين لآخر، إلى المسارح. أما في ما يتعلّق بالموبايل، فلا كلام يعبّر عن حسناته التي ”افتَعَلَت بحسناتنا“. من جهة ثانية، نشير إلى أن حفلتَي ”المركز الثقافي الروسي“ مختلفتان جذرياً عن حفلات زياد المرتقبة في المهرجانات المقبلة. الاستنتاج الأول هو أنْ لا تضارب بين النشاطين، والثاني هو أن زياد الرحباني هو من القلّة القادرة على تقديم نموذجين فنّيين مختلفين (هذا ولن ندخل في تفاصيل الأنماط العديدة في كل نموذج!)، والأهم أنه يقوم بالمهمّتين بمهنية المتفرّغ لأحد النموذجين، أو حتى لواحدٍ من الأنماط التي يشملانها: موسيقى كلاسيكية، جاز، فانك، سول، لاتيني، شرقي، بوب،… وعلى رأس اللائحة، النمط الأهم من كل هذه التسميات، والأبرز في ريبرتوار زياد: الموسيقى (هي الأصيل وما الأنماط سوى وكيل معتمَد لها، عند هذه الشعوب أو تلك). ثانياً، يتألف البرنامج من كلاسيكيات ريبرتوار الجاز والبوسا- نوفا والموسيقى اللاتينية وغيرها… بالإضافة إلى أعمال خاصّة لطالما تمنّينا إدراجها في الحفلات مثل أغنية «شو بحبّك» (وهي مقطوعة كلاسيكية للبيانو المنفرد، لكنّها مُرفَقَة بـ”شبه أغنية“ مع مرافقة للفرقة) و”رمادي عا رصاصي“ (التحفة العصية على التصنيف التي لا تسجيل لها إلا في فيديو ”موسيقى على قيد الحياة من بيروت“) ومقطوعة موسيقية نادرة رافقت نصوصاً ساخرة ولم تعزف في حفلة من قبل، وكذلك أغنية ”اسهار“ بنسخةٍ موسيقية وغيرها. من الكلاسيكيات، يدخل زياد الرحباني إلى ريبرتوار فرقته أعمالاً مثل Flight to Jordan والرثائية الموجِعَة I Remember Clifford وغيرهما. أما الفرقة الموسيقية، فتضم إليه (بيانو)، ليتي النجّار (ساكسوفون وكلارينت)، مارتين لوياتو (ترومبت)، منير الخولي (غيتار)، خالد عمران (باص)، ريكاردو أبي هيلا (درامز) وأيمن زبداوي (إيقاعات). من بين التسجيلات التي أصدرها الرحباني منذ السبعينيات، لا توجد إلاّ ”وثيقة“ واحدة لهذا الجانب من نشاطه الموسيقي، وهي شريط ”بهالشكل“ الذي حوى تسجيلاً لحفلة في جامعة الـBUC. مضت نحو ثلاثة عقود على تلك الحفلة، والـBUC باتت LAU، وإلى مسرحها يعود زياد لتقديم أمسية في العاشر من حزيران (يونيو)، وستكون، تقريباً… ”بهالشكل“ (يرجى إعادة قراءة المقالة).

* حفلة زياد الرحباني: 20:30 مساء 3 و 4 حزيران (يونيو) ـ «المركز الثقافي الروسي». 01/790212.

راديكال- د. توفيق شومر

 

لقد عرف التاريخ رجالاً عظماء، برزت أفكارهم ومواقفهم، وقدرهم التاريخ بحق. لكن باعتقادي هناك من هم أعظم منهم: الذين تمكنوا من دفع حركة التاريخ دون أن ينتظروا التقدير الكافي واللازم من أحد. لقد كان فردريك أنجلز أحد هؤلاء، فقد كان الثوري المقاتل الذي لا ينتظر التقدير ولا يسعى إليه.

 

يقدم أنجلز في كثير من الأحيان على أنه الرجل الذي دعم ماركس في مشروعه والذي يسر له سبل العيش ليتمكن من إتمامه طوال سنوات عمله في المكتبة البريطانية. ويقدم أحياناً بأنه من شوه فكر ماركس بنشره مجموعة المكتب التي لم ينجزها ماركس وبالأخص المجلدين الثاني والثالث لكتاب “رأس المال”. ويقدم أحياناً على انه التابع الأمين الذي حاول أن يعرض ويوضح أفكار صاحبه ولكنه لم يكن أبداً عظيماً بحد ذاته. وحتى على الصعيد الفلسفي تم إهمال أنجلز وإرفاقه بكارل ماركس دون الأخذ بإسهاماته الفلسفية والفكرية المستقلة عن ماركس. ففي موسوعة جامعة ستانفورد الفلسفية نجد أنه تم الحديث عن أنجلز كجزء متضمن من المدخل الخاص عن ماركس، ولم يتم فرد مدخل خاص عن أنجلز.

 

اعتقد أن من المهم لنا اليوم ونحن نستذكره بذكرى وفاته والتي تمر في الخامس من آب، (5/8/1895) أن نلقي بعض الضوء على أهمية هذا الرجل العظيم ونبرز بعض الحقائق المنسية. لم يكن أنجلز مجرد الداعم لماركس بل كان الشريك الكامل في تقديم الاشتراكية العلمية بوصفها فكر الطبقة العاملة الثورية، وفي بناء المنظومة الفكرية للفكر الشيوعي. (لقد صدر مؤخراً كتاب عن دار نشر جامعة كامبردج بعنوان “فردريك أنجلز والاقتصاد السياسي الماركسي” (2011) والذي يوضح بشكل كبير إسهامات أنجلز في البناء النظري للنظرية الثورية للطبقة العاملة.)

 

كان أول لقاء لأنجلزمع ماركس عام 1842، وهو في سن 22 عام، في مكتب الاخير في لندن عندما كان محرراً لجريدة الرينش، وكان لقاءاً بارداً لأن ماركس اعتقد أن أنجلز ما زال من الهيجليين الشباب. لكن أسهامات أنجلز في الجريدة خلال وجوده في مانشستر، أدت إلى صداقتهما التي استمرت مدى حياتهما.

 

لقد توجه أنجلز إلى مانشستر ليدير عمل عائلته هناك. وكونه من أسرة بورجوازية أهّله للاحتكاك مباشرة مع تطور الحركة العاملة. وخلال وجوده في مانشستر تعرف على الحركة العمالية الناشطة هناك وتمكن من التعرف على الافكار الثورية المنتشرة في بريطانيا.

 

لقد كان أنجلز هو أول من تبنى مفهوم الشيوعية عام 1843 في مقال دفع به إلى جريدة الرينش، ولقد كان لاحتكاكه مع الطبقة العاملة في مانشستر الدور الأكبر في كتابته لكتابه الأول “حالة الطبقة العاملة في انجلترا” عام 1845، والذي نشر اجزاء كبيرة منه على شكل مقالات في جريدة الرينش (خلال عامي 1843-1844). لقد قدم الكتاب أول وصف دقيق وعلمي لمعاناة الطبقة العاملة وطبيعة العلاقة بين الطبقة العاملة في تشكلها مع الطبقة النقيض: الطبقة البورجوازية. كما وصف الصور البشعة لإستغلال الطبقة البورجوازية للطبقة العاملة ووضح أن هذه الطبقة في تبلورها ستكون الطبقة الثورية المحركة للتطور التاريخي.

 

إذن لقد كان انجلز هو أول من توجه إلى فكرة الشيوعية وهو أول من أبرز الدور الثوري للطبقة العاملة. وفي الحقيقة أن هذا الكتاب، بالإضافة إلى المقال المهم الذي كتبه أنجلز عام 1844 حول “قراءة نقدية في الاقتصاد السياسي”، ساهما بشكل كبير في تبني ماركس نفسه لفكرة الشيوعية ووجها الاهتمام لدى ماركس لدراسة الاقتصاد السياسي ودوره في الحراك الاجتماعي. أي أن أنجلز كان المحرك الأول الذي دفع ماركس للتحول الجاد نحو كتابة كتابه الأهم رأس المال. وهذه الأطروحات هي التي غيرت موقف ماركس من أنجلز والتي أدت إلى أن يكون لقاءهما الثاني في باريس في نهاية 1844 أكثر حرارة من لقاءهما الاول. وبعد اللقاء الثاني انطلق تعاونهما فكان باكورته كتاب “العائلة المقدسة” (1845) الذي قدما به نقدهما اللاذع للهيجليين الشباب ولليسار الهيجلي، كونهما (ماركس وأنجلز) كانا من اتباعه حتى وقت قريب.

 

وتسارعت الاحداث وقام الاثنين بالالتحاق بعصبة الشيوعيين وقاما بكتابة كتابهما الاشهر “بيان الحزب الشيوعي” عام 1848.

 

الفكرة الثانية والمهمة التي تعود في جذورها لكتابات أنجلز هي فكرة “الاشتراكية العلمية” فقد ساهم أنجلز بشكل أساسي من خلال كتابه “الاشتراكية العلمية والاشتراكية الطوباوية” ( المنشور عام1880) وكتابه في الرد على دوهرنج “ضد دوهرنج” (المنشور عام 1878) حيث قدم خلالهما التصور المعروف اليوم حول المادية الجدلية والاشتراكية العلمية.

 

لكن الفكرة الأهم التي لا بد من أبرازها هنا هو دور أنجلز في تثبيت أهمية النظرية الثورية في الحركة الثورية العالمية كوسيلة مهمة في تحديد توجه الحركة الثورية نحو تحقيق أهدافها. وهذا ما أشار له لينين بوضوح في كتابه “ما العمل” فحين أعلن جملته الشهيرة “لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية” ربط لينين هذا الطرح بالصراع الذي خاضه أنجلز في الأممية الشيوعية ضد الانتهازية وضد الاقتصادويين ولذلك نجده يقدم اقتباساً طويلاً (صفحتين) من كراس أنجلز حول “حرب الفلاحيين الألمان” ليوضح أهمية النظرية في الحراك الثوري حيث يقول أنجلز: “فلأول مرة منذ وجدت حركة العمال يجري النضال بصورة منتظمة في جميع اتجاهاته الثلاثة المنسجمة والمترابطة: الاتجاه النظري والاتجاه السياسي والاتجاه الاقتصادي العملي (مقاومة الراسماليين).” وهنا تبرز أهمية النظرية في العمل الثوري فهي الاتجاه الأول بحسب الترتيب وهي المهمة في الترابط مع الاتجاهين الآخرين. بالتأكيد نحن اليوم أحوج ما نكون لأن يكون الاتجاه النظري مترابطاً مع العمل السياسي والاقتصادي للثوريين.

 

لقد ساهم أنجلز في بناء النظرية الثورية للطبقة العاملة ولم يكن رجل الظل أبداً، ولا بد لنا اليوم أن نراجع دوره وأهميته وفكره بشكل مستقل وليس كمكمل فقط لدراسة فكر كارل ماركس.

غسان ديبة - الاخبار

 

الى حسن اسماعيل في 25 أيار 2000، عندما خرج آخر جندي إسرائيلي من أرض الجنوب وأقفلت بوابة فاطمة للمرة الأخيرة، تم ما لم يجرؤ على أن يحلم الكثيرون به. حُرّر لبنان في ذلك اليوم الذي اصبح يوم المقاومة والتحرير. يوم ليس فقط لتخليد ذكرى التحرير، بل يوم أيضاً للمقاومة كي يتذكر اللبنانيون حالياً وتتذكر الاجيال المقبلة أن التحرير لم يأتِ تلقائياً أو نتيجة اتفاقات أو صفقات إقليمية أو دولية، كما تعودت أكثرية اللبنانيين أن تقرأ أحداث وتاريخ وطنها.

فقد بذل المقاومون، الذين هبوا للدفاع عن وطنهم بصمت في أكثر الأحيان، حياتهم، كما فعل الآلاف من الشهداء، ومن حياتهم، كما فعل الآلاف من الأسرى والمعتقلين والجرحى، ومن نذر يسير من زمن حياتهم، كما فعل المقاومون الآخرون. إن أي ذكرى، ولو بذلت التضحيات الكبرى من أجلها ولو كانت عظيمة كذكرى طرد الأجنبي، قد تتحول إلى مجرد ذكرى عابرة قد لا يهتم بها الكثيرون إن كانت ذات بعد واحد أو أمراً حتمياً مفروغاً منه، مثل أن يعتبر الناس أن التحرير يأتي دائماً بعد الاحتلال وأن القتال ضد الجيش المحتل حصل لهزمه فقط. كتب البر كامو في رسالته الرابعة الى صديق ألماني إبان الاحتلال النازي متوجهاً الى الجنود النازيين عشية معركة تحرير باريس: «إنكم قبلتم باليأس وأنا لم أستسلم له....أنتم رأيتم عدم عدالة الحالة الانسانية وأردتم الاضافة اليها... أنا اخترت العدالة لأبقى أمينا للعالم... وعلينا أن نبرهن أننا لا نستحق الظلم. هذه هي المهمة التي أوكلنا أنفسنا بها وستبدأ في الغد». وفي ليلة التحرير في 24 آب 1944، كتب في مجلة المعركة التي أصدرتها المقاومة الفرنسية: «لا يأمل أحد ان الرجال الذين حاربوا بصمت لأربعة اعوام ويحاربون اليوم... يمكن أن يقبلوا بعودة قوى الاستسلام والظلم تحت اي ظرف كان. لا يتوقع أحد ان هؤلاء الرجال- وهم أفضل الأمة- سيقبلون ما فعله الافضل والأنقى لمدة خمسة وعشرين عاماً بأن يحبوا وطنهم بصمت وبصمت أيضا يكرهون زعماءهم. إن باريس التي تحارب الليلة تنوي القيادة غداً، ليس من أجل السلطة بل من أجل العدالة، ليس من أجل السياسة بل من أجل الأخلاق؛ ليس لإخضاع فرنسا بل لعظمتها. إن مدينة الأضواء تعجّ بلهيب الامل والمعاناة... وفيها بريق ليس فقط التحرير وإنما حرية الغد». في رسائل وكتابات كامو الأبعاد الأوسع للقتال ضد الاحتلال، وفي أوروبا بعد نهاية النازية، وإن اختلف الكثيرون حول ما تحقق من حرية وعدالة كما أمل كامو، لكن الإنسان الأوروبي الذي حقق ذاته وأكد إنسانيته بالتمرد على البربرية النازية، استطاع ان يخط لنفسه طرقاً للعدالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية أتت في أشكال مختلفة، وفي بعضها كنتيجة مباشرة للتجلي السياسي لفعل المقاومة كما حدث في فرنسا وايطاليا ويوغوسلافيا. في لبنان اليوم نسينا ان المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني كانت أيضاً من اجل العدالة والحرية وليس فقط التحرير. أردنا ان نقول للجندي الصهيوني ان عنصريتك وفاشيتك لا مكان لهما في لبنان، وأن الفقراء والجنوبيين وافضل شباب الوطن الذين هبوا ضدك لن يقبلوا ان يعود لبنان الى ما كان عليه لأن عنصريتك وطائفيته شكلان مختلفان لافكار الفصل والتفرقة، ولان فاشيتك الشكل الاكثر تطوراً للعنف الاجتماعي والسياسي لطائفيته. اعتقد الكثيرون بارتباط التحرير والتغيير، وبأن الارض لمن يحررها فخاب املهم، وبالتالي خاب امل لبنان بحرية الغد. حصل هذا الإجهاض قبل 25 ايار، فبعد ان تحرر الجزء الاكبر من لبنان في 1985 وانكفأت اسرائيل الى الشريط الحدودي كان هناك امل بالتغيير، لكن اتفاق الطائف في 1989 أتى ليعلن عصر المحاصصة بين الطوائف، بدلاً من ان يعلن عصر انعتاق الفرد والطبقة من سلاسل طوائفهم، ومن ثم أتى منطق الرأسمال بعد 1992 ليعلن تحويل الاقتصاد اللبناني الى اقتصاد ريعي بأشكاله المختلفة، فزادت الفوارق في الدخل والثروة في الاقتصاد الداخلي وهرب الشباب والمتعلمون واصحاب المهارات الى الاقتصاد الخارجي في هجرة كبرى جديدة في تاريخ لبنان، وزادت مديونية الجميع من الدولة الى الافراد، وبالتالي اخضع اللبناني لسلطتي المال والحاجة الى الخارج، ففقد ما ظنه أنه سيمتلكه من سيطرة وخيارات وعدالة وحرية في حياته الاقتصادية. في ذكرى المقاومة والتحرير، علينا ان نتذكر التحرير بإجلال، ولكننا ننساه بسرعة لأن التحرير قد حصل ولا شيء سيتغير. إن المقاومة اليوم هي للدفاع عن الجنوب وليست لتحرير المناطق المتبقية، فأكثر من 17% من حدود العالم متنازع عليها، ولا هي للدفاع عن مناطق أخرى من الداخل أو في الخارج. ان النضال من اجل الحرية والعدالة هو فعل المقاومة اليوم لأن المقاومين حملوا السلاح يوماً من اجل هذه القيم التي تحطمت في وطن غارق في طائفيته وريعيته، وهو يستجدي الخارج واثرياء الداخل لتسليح جيشه ولتمويل تعليم اولاده ولإطفاء حرائق أحراجه ولبناء جسوره واصلاح بناه التحتية بعد الحروب حتى وصل به الدرك الى استجداء تمويل بث مباريات كأس العالم، وكل هذا وثروة اللبنانيين تعد بمئات مليارات الدولارات. ان بيروت وصيدا وصور والنبطية وبنت جبيل ومارون الراس قاتلت ليس من اجل وطن حيث الفقراء والعمال والموظفون والمعلمون والفلاحون والمزارعون والشباب في غربة عميقة، بل من اجل وطن الحرية والعدالة. وكما قال كامو: «ليس من اجل السياسة بل من اجل الاخلاق».

من أجل سارة وكثيرات غيرها، تجمّع أمس عدد كبير من النساء أمام قصر العدل، ليعبّرن عن رفضهنّ لما تعانيه النساء من عنف جسدي ومعنوي. فضحايا العنف الذكوري أصبحن كثيرات، والوقت أثبت أنّ القانون المشوّه الذي أقرّه المجلس النيابي لم يمثّل رادعاً كافياً لمنع المجرمين عن ارتكاب جرائمهم. من هنا أصبح من الواجب التحرّك لوقف الجرائم الممنهجة لأن «الساكت عن الجريمة، شريك فيها»

إيفا الشوفي - الاخبار

منذ نحو أسبوع قُتلت سارة الأمين بـ 17 رصاصة في رأسها. لم يحاول زوجها المجرم الهرب انما انتظر القوى الأمنية بأعصاب باردة وأشعل سيجارة ريثما تصل. يثق المجرم علي الزين بالدولة وتحديداً بالسلطتين التشريعية والقضائية، ولهذه الثقة اسبابٌ استنتجها القاتل من الجرائم التي حصلت سابقاً. فزوج الضحية رولا يعقوب، كرم البازي، حرٌ طليق، حتى إنّ قاضي التحقيق في الشمال منع المحاكمة عنه لعدم كفاية الأدلة. ماتت رولا في السابع من تموز عام 2013، وكانت تبلغ من العمر 32 عاماً، ولم يأخذ القاضي بافادات الشهود عن تعرّضها للعنف الجسدي على يد زوجها.

القاتل جان ميشال ديب، زوج الضحية نسرين روحانا، خطفها من امام مجمع تجاري في بيروت وعلى مرأى من الناس وأطلق النار عليها في نهر ابراهيم ورماها في الوادي. أوقفت السلطات المجرم وهو يقبع في السجن منذ نحو 6 أشهر إلا أنه حتى اليوم لم تبدأ المحاكمة. القاتل خالد غوراني، زوج الضحية فاطمة بكور، ذبحها على فراشها وهي حامل في شهرها السابع. «صارو 3 جلسات بمحكمة الجنايات، والقاضي كل 3 اشهر وأكتر بيجي بيحكي كلمتين وبيقلنا فلوا. هوي نايم بالحبس الو سنة و8 اشهر ونحنا عم نتعذب. اذا قاضي من هالقضاة اندبحت بنتو متل فاطمة شو بيعمل؟ «، تصرخ والدة فاطمة. وحدهم الضحايا وأهاليهم لا يثقون بالدولة. ثقتهم بالسلطة التشريعية اندثرت عندما أقر مجلس النواب في 1 نيسان 2014 قانونا مشوّهاً ومفرغاً من مضمونه شرّع فيه الاغتصاب الزوجي تحت ما يسمى «الحقوق الزوجية الجنسية» للرجل، لأول مرّة في قانون مدني، وجرى تعميم هذه الحقوق بوصفها حقاً يمكن الرجل أن يستوفيه من زوجته متى شاء. حاولوا أن يثقوا بها مرة أخرى عندما توجهوا الى القضاء لكنّ المماطلة والقرارات الصادرة عن بعض القضاة قتلت الضحايا مرة أخرى وأفسحت المجال أمام معنّفين آخرين ليتمادوا في جرائمهم، فكانت سارة الضحية الأحدث لكنها بالتأكيد لن تكون الأخيرة.

 

بالأمس، تجمّع عدد من النساء بدعوة من التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني ومجموعة من الناشطين والمنظمات النسائية والمدنية ليطالبوا بأمر بسيط جداً: العدالة لأرواحهنّ. أمهات الضحايا حضرن بحزنهنّ، لم تعد الجرائم شخصية بالنسبة لهن إنما أصبحت قضيتهنّ. وقف أولاد سارة الأمين الى جانب أمهات نسرين روحانا، فاطمة بكور، منال عاصي ورقية منذر أمام قصر العدل. حاولت احدى القاضيات أن تمر بسيارتها لكن الطريق كانت مقفلة بأجساد اهالي الضحايا، فصرخت بوقاحة «ما بيصير هيك بدنا نمرق». لم يبدُ على وجه القاضية أي تأثّر بالمشهد الذي تراه أمامها، حتى انها بالكاد لاحظت صور النساء اللواتي متن على ايدي أزواجهن. شقيق سارة، محمد الأمين، أعلن أنّ هذه القضية «هي قضية كل قاضٍ وكل محامٍ لديه ابنة وأخت، لكن قبل ان نتحدث عن القضاء والمحاكمات العادلة علينا أن نؤكد أنه من دون تشريع عادل يُنصف المجتمع لا شيء يمكنه أن يوقف هذه الجرائم». رأى بيان التجمع النسائي الديمقراطي انّ هذه الأفعال «مؤسسة على منظومة أبوية وذكورية سائدة في مجتمعنا تطبع كل مؤسسات المجتمع وتأتي من سطوة مجتمع ذكوري يريد اخضاع النساء والسيطرة عليهن». أمّا المحامية بريجيت شلبيان، فقد أكّدت في كلمة نقابة المحامين في بيروت أنّه تبيّن أنّ «قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري لا يمثل رادعاً كافياً لمنع المجرم عن ارتكاب جريمته، كما أنه لا يمثل وسيلة كافية للوقاية من جرائم العنف الاسري»، مضيفة أن «تأمين الحماية للنساء لا يقتصر فقط على اصدار قرار حماية من القضاء، بل يوجب على الدولة وضع الآليات اللازمة لتأمين حماية فعلية وفعالة قبل وبعد اصدار قرار الحماية». أما إنصاف الضحايا، فيكون «عبر اجراء محاكمة سريعة لمرتكبي هذه الجرائم مع التأكيد على ضرورة عدم التفتيش عن ذرائع لتبرير هذا الفعل الجرمي وتخفيض العقوبة بحق المجرم».

رغم الأعاصير وأشكال الاستقطاب المذهبي وصحوة الغرائز التي نشهدها اليوم، لا يزال الأمل يحدو الفنان الملتزم. يراه في الجيل الجديد، ويواصل درب التأليف والكتابة، ضارباً موعداً مع جمهوره غداً على خشبة «المركز الثقافي الروسي»

 

محمد همدر - الاخبار

 

 

«شو بدنا نعمل، بدنا نكمل»، لسان حال سامي حوّاط (1956) حين يخبرك عن جديده أو قديمه، أو عن تلك الطاقة وذلك الإصرار الذي يجعله يتابع مسيرته الغنائية والموسيقية بالروحية نفسها. جيل الأغنية الملتزمة الذي صعد نجمه وارتفع صوته خلال الحرب الأهلية، تنحّى في زمن السلم، لكن الإحباط الذي عرفه اليسار وفنانوه في التسعينيات من القرن الماضي، لا يقارن بما يشهده العالم اليوم. لا تكفي كلمة «إحباط» لوصف ما يجري في العالم العربي اليوم، لكن بالنسبة إلى سامي «بعد في أمل...».

 

يصعد سامي وفرقته على خشبة مسرح «المركز الثقافي الروسي» غداً ليقدّم أغنيات جديدة، أغلبها من كلماته وألحانه وبعضها للشاعر جورج يمين ضمن أمسية تحمل عنوان «غير مطرح». في حديثنا معه، يعتبر حواط أن الناس والعالم تغيروا، والأشياء أصبحت في مكان آخر، لكن نحن لا نزال في مكاننا. نسأله إن كان قصده الجمود، أو الخمول، يجيب: «لا على العكس... نحن لا نزال في مكاننا بالمعنى الإيجابي، ثابتون على مبادئنا، لم نتغيّر، الباقي ذهب إلى غير مطرح». يستذكر الثمانينيات، حين كان هناك نقاش فكري، قبل أن يضيف: «لطالما حذّرنا من لعبة الطوائف والمذاهب، هذه المشكلة لا تزال مستمرة الى اليوم وتفاقمت. كانت هذه اللعبة وسيلة بيد رأس المال ولا تزال». يرسم حواط صورة سوداء وحزينة لما يجري اليوم، لكنه لا يفقد الأمل، يصرّ على أنها مجرد غيمة أو غيوم ستمرّ حتماً، كما يصرّ على أنّه يحمل في قلبه أملاً بالجيل الجديد رغم كل الاستقطاب المذهبي والطائفي المسعور الذي نشهده اليوم. يقول: «أنا انطلقت من الأصل، من الخميرة التي كونتنا في بدايات الصراع، مع الحركة الوطنية ولا أزال أنطلق من هناك». ينطلق حواط من أساس الصراع ومن المبادئ والمواقف القديمة في رؤيته وتقديره للأشياء وفي أعماله. يضيف «الأهم أن يبقى الإنسان صادقاً مع نفسه ومع تاريخه».

أعمال جديدة من كلماته وألحانه وبعضها للشاعر جورج يمين أمسية «غير مطرح» ستحمل جديد سامي الذي يفكر في إصداره مستقبلاً ضمن أسطوانة جديدة. لا تنفصل كلماته عما نعيشه من أوضاع، فهو يغني همّ الناس، بقديمه وجديده. يعلّق: «ما غنيته، يصلح لكل لحظة». ويضيف مستطرداً: «أنا مقاوم أساساً. هذه هويتي. من المهم جداً أن يتمسك الإنسان بهويته». لذا، هو كموسيقي شاهد دائم على الظروف والأحوال وهموم الناس ويومياتهم. ويرى أنّ كلماته الجديدة لا بدّ من أن تعبّر عما نعيشه ونشاهده في كل يوم. مثلاً أغنية «مالت الأيام ميلاً سريعاً» تعبّر عما وصلنا إليه اليوم بغمضة عين، عن هذا الانحدار والمصير المجهول الذي نواجهه، «لكن رغم هذا، بدنا نكمل». سيقدم سامي حواط أيضاً بعض المقطوعات الموسيقية من دون غناء، وستصعد والدته لمرافقته غناءً كما كانت تفعل في الثمانينيات. يريد سامي أن يعطيها أدنى حقوقها، فهي صوت جميل ليس له مكان في هذه الأيام. يقول: «صودف أنها والدتي. لذا أحاول إعطاءها أدنى حقوقها»، منوّهاً بدورها وبمساعدتها له كثيراً في مشاريعه الموسيقية. يمضي سامي حواط هذه الأيام في بيروت، يفكّر في أنشطة قد يستضيفها في أواخر الصيف على خشبة المسرح الصغير الذي شيّده في قريته زبدين (قضاء جبيل). لا يرى في ما يحصل سبباً للتوقف عن الإنتاج الموسيقي والتأليف والكتابة والغناء. لا يخلع «البيريه» (قبعته) ولا يستغني عن عوده. هو لا يزال واحداً من الرأي العام، صوت الذين لا صوت لهم! * «غير مطرح» لسامي حواط: 20:30 مساء الغد ــــ المركز الثقافي الروسي

حملة مقاطعة داعمي «إسرائيل» في لبنان لم تعد حركة مغمورة. فمنذ انطلاقتها قبل 13 عاماً، باتت من أنشط الحملات المدنيّة اللبنانيّة، مع امتداد عالميّ آخذٍ في التعاظم. وبمناسبة انطلاقة الموقع الجديد للحملة (boycottcampaign.com) كان لنا لقاءٌ مع بعض أعضائها.ما السبب الذي دفعكم الى تأسيس هذه الحملة؟

 

مجدولين درويش (ناشطة سياسيّة): انطلقت الحملة عقبَ مجازر جنين، ربيعَ عام 2002، بدافعٍ رئيسي: فضحُ تواطؤ بعض الشركات مع الكيان الصهيونيّ. فقد شعرنا بأنّ التظاهرات وبيانات الاستنكار لم تعد كافية، وأنّ العدوّ موجود بين ظهرانينا: في المأكولات التي نأكلها، والمشروبات التي نشربها، والملابس التي نرتديها، والعطور والمساحيق التي نستخدمها.

■ لماذا اخترتم هذه التسمية بالتحديد؟ دونا جعلوك (محامية): سمّينا حملتنا كذلك لأننا ظننّا آنذاك أنْ لا شركات إسرائيليّة في لبنان (وقد تبيّنتْ لنا لاحقاً غلطتُنا)؛ ولأنّنا لم نشأ أن تعكس تسميتُنا عداءً لأيٍّ كان باستثناء الكيان الصهيونيّ، الذي لا نعترف بشرعيّته الأخلاقية على أيّ شبرٍ من أرضنا.

■ من أين تمويلكم؟ محمود هاشم (كاتب فلسطينيّ): من عند الله. بجدّ، نحن لا نأخذ تمويلاً من أحد، بل ندفع لنشاطاتنا من جيوبنا (المثقوبة)، ونكرّس ساعاتٍ من وقتنا كلّ أسبوع خدمةً لهذه القضيّة. غير أنّ هذا، في الواقع، هو أحدُ مصادر قوّتنا لأنّنا لا نضطرّ ــ من أجل المال ــ إلى أن نَخضعَ لإملاءاتٍ أو توجيهاتٍ من أحد على الإطلاق.

■ ما هي الأهداف التي تسعوْن إلى تحقيقها؟ وما هي الاستراتيجيّة التي تتّبعونها في عملكم؟ عفيفة كركي (معلّمة ثانويّة): هدفُنا هو تمكين أوسع الفئات من الإسهام في مقاومة الصهيونيّة. بدأ عملنا بالدعوة إلى مقاطعة الشركات التي تدعم العدوّ وفقاً لمعاييرَ، أبرزُها: (أ) بناء مصانع و»مراكزِ بحثٍ وتطوير» في أراضٍ «طُهّرتْ» من الفلسطينيين. (ب) شراء شركاتٍ إسرائيليّة أو أسهمٍ فيها. (ج) دعم جمعيّات «خيريّة» إسرائيليّة. (د) الإسهام في الحرب على شعبنا (عبر تزويد عدوّنا بأسلحةٍ ومعدّاتٍ أمنيةٍ وجرّافات). (هـ) رعاية نشاطات فنيّة ورياضيّة وثقافيّة وتربويّة إسرائيليّة. ومع الانطلاقة العالميّة لـ»حركة مقاطعة إسرائيل وسحبِ الاستثمارات منها وفرضِ العقوبات عليها (BDS)» في عام 2005، تطوّر عملُنا ليشمَلَ المجالات الثقافيّة والفنيّة والرياضيّة.

■ هل من إنجازات؟ سارة قدّورة (طالبة جامعيّة): بالتأكيد، وهي مرشّحة للتزايد والتطوّر مع ازدياد عدد أعضائنا وتوسّع مجالات كفاءاتهم. فلنذكرْ بعضَها سريعاً: منع 3 شركات إسرائيليّة من العمل في لبنان (سينيرون ولومينوس لتقنيّات اللايزر، كيم وزوزي للحليّ والأحذية وغيرها)، إجبار الفنّانة الصهيونيّة لارا فابيان على عدم الإتيان إلى بيروت، إقناع فنّانين عرب بعدم المشاركة في مهرجان «سلام الشرق» في النمسا، فضح تطبيعيّة المخرج زياد دويْري في فيلمه «الصدمة» ودفع مكاتب المقاطعة إلى عدم عرض فيلمه، الإسهام في حثّ فرقة «مشروع ليلى» على عدم تقديم فرقة زارت الكيانَ الغاصب، الإسهام في إغلاق ستاربكس في الكيان الغاصب في نيسان 2003، نشر الوعي بين عشرات آلاف الناس عبر المقالات والمنشورات وموقعنا الجديد،...

■ هل تطرحون المقاطعة بديلاً من المقاومة المسلحة؟ عبد الملك سكّريّة (طبيب أسنان): المقاطعة رديفٌ للمقاومة المسلّحة، لا بديل منها. لكنْ، في حين أنّ المقاومة المسلّحة هي من صُنع قلّةٍ متفانيةٍ وشابّةٍ في الأغلب، فإنّ المقاطعة تتيح لفئات الشعب كافّةً المشاركةَ في العمل المقاوم.

■ ولماذا تركّزون على الناحية الفنيّة؟ رجاء جعفر (محاسبة): إنّ تقديم الفنانين العالميّين عروضَهم في كيان العدوّ يُسهم في التغطية على ارتكاباته وفي تطبيعها في العقول. وبذلك يبدو الفنّانون وكأنّهم يقولون: «سنعزف في إسرائيل غيرَ آبهين لجرائمها واحتلالها وعنصريتها». في رأينا أنّ الفنّ غيرُ منفصل عن السياسة، بل يسهم في زيادة منسوب العدالة أو الظلم في العالم.

■ ألاحظ أيضاً أنكم تعملون على المقاطعة الأكاديميّة والثقافيّة. ما الأسباب؟ شيراز المجلّي (موظّفة في مؤسّسة دوليّة): باختصار، لأنّ المؤسّسات الإسرائيليّة الأكاديميّة والثقافيّة ضالعةٌ في القمع عبر ترويج روايةٍ مزيّفةٍ عن «الديمقراطيّة الإسرائيليّة»، ومنع نشر الرواية الحقيقيّة للنكبة، وتقديم مبرّرات «أخلاقيّة» للقتل، والإسهام في بناء المشاريع العنصريّة (كجدار الفصل)، وتزويد المحاكم العسكريّة بمتخرّجي القانون.

■ موقعكم الإلكترونيّ الجديد انطلق في يوم الأرض (30 آذار). ما أبرز صفحاته؟ أحمد الحلّاني (دكتوراه في الكيمياء): أبرزُها: وثيقة المقاطعة، دليل أبرز الشركات الداعمة لكيان العدوّ، أشكال المقاطعة، التطبيع، نشاطات الحملة، العالم يقاطِع، أدبيّات المقاطعة؛ فضلاً عن بابٍ بالإنكليزيّة من أجل توثيق عُرى التواصل مع المنظّمات العالميّة المقاطِعة.

■ وماذا عن قانون المقاطعة القديم في لبنان؟ هل من اقتراحات لديكم لتجديده؟ مروان كيّال (محامٍ): نعم، نعمل فعلاً على اقتراح تعديلاتٍ جديدةٍ لقانون مقاطعة «إسرائيل» الصادر سنة 1955، وقد كلّفنا محاميَّيْن في الحملة ذلك. والهدف مدُّ هذا القانون ليشمل مجالاتٍ ثقافيّةً ونشريّةً وفنيّةً لم يلحظْها القانونُ، ومحاولة استثناء فلسطينيّي مناطق الـ 48 من المقاطعة ما لم يروّجوا للتطبيع. ونحن نناشد مكتبَ مقاطعة «إسرائيل»، التابع لوزارة الاقتصاد، أن يدلو بدلوه في هذا المجال، كما في مجالات أخرى تخصّ مقاطعة الكيان الغاصب.

■ ما نشاطاتكم المقبلة؟ ميّ الخطيب (موظّفة): سنصدر قريباً وثيقةً حول «المقاطعة الرياضيّة لإسرائيل» بالتعاون مع حركةٍ نشأتْ في لبنان حديثاً باسم «المخيّمات تقاطع». كما أنّنا في صدد كتابة رسائل إلى فنّانين عالميين قادمين إلى لبنان بعد إحيائهم عروضاً في الكيان الصهيونيّ، ومنهم غلوريا غاينور وشارل أزنافور. وبمناسبة يوم النكبة في 15 أيّار بدأنا حملةً إلكترونيّةً ضدّ لعبةPirate Kings التي طوّرتْها شركةٌ إسرائيليّة. باختصار، نحاول أن نتصدّى، بحسب إمكاناتنا، لعدوّنا الوجوديّ، انتصاراً لفلسطين ولبنان وقيم العدالة. (الاخبار)

محمد المعوش - قاسيون

بعد تحول المعاناة المعنوية (النفسية) إلى معاناة شعبية عامة في المجتمعات بشكل عام، خلال التطور التاريخي الحاصل خلال المنتصف الثاني من القرن الماضي، فلم تعد محصورة بالطبقات الميسورة كما ظهرت في بداية القرن العشرين.

 

مع بروز تيار «التحليل النفسي»، أصبح هذا العلم مجبراً تاريخياً على التصدي للظواهر التي يطرحها الواقع، ولكن لأن الأسئلة على المستوى النفسي هي أكثر تحديداً ومباشرةً، فإن هذا العلم مكبوح عن تأدية دوره في تبرير الواقع، وتحديداً في مجتمعاتنا التابعة الأكثر تعبيراً عن أزمة الرأسمالية في عجزها عن استيعاب تناقضاتها.تكثف المعاناة الفردية بشكل سرطانتتكثف المعاناة الفردية في جانبها المعنوي دون قدرة الأيديولوجية البورجوازية على تبريرها، بل تحاول ذلك من خلال استعادة مختلف التيارات المثالية الغيبية المُنتَجة تاريخيا،ً وإكساءها الطابع العلمي، والتي لا تملك أي قدرة على الصمود واقعياً، بالرغم من التكاثر الفطري للمذاهب والمقولات «النفسية» عبر أداوت الدعاية والإعلام والتعليم والبحث وفي الفكر اليومي، في محاولة لاستيعاب ما تنتجه المعاناة النفسية من شبه تعطل حركة الأفراد في علاقتهم مع واقعهم والأمراض الجسدية التي تنتجها هذه المعاناة؛ ألم يعتبر النفساني العربي «سامي علي»، كما اعتبر فيلهلم رايش من قبله أن السرطان هو من أبرز أمراض المجتمع الراهن، أي الرأسمالية في شكلها القائم، نتيجة «السد العلائقي» مع الواقع كما يسميه «علي»، أو «الدراع» كما يسميها «رايش»، وهو ما يفجر طاقة الفرد في داخله من خلال السرطان.هذا بالرغم من الانفجار الذي تشهده المنطقة العربية والعديد من دول العالم لكنه سيكون المهمة المطروحة بقوة في التصدي للتناقضات الاجتماعية القائمة، خلال استعادة الصراع لشكله السياسي، ضد العسكرة واشعال الحروب التي تقوده الولايات المتحدة الاميركية، وتمارسه قوى لا تتوافق مصالحها مع الحلول السياسية.استعادة الصراع تطرح مهمة استعادة الصراع على المستوى العلمي وعلى الجبهة الأيديولوجية، في جانب العلوم الإنسانية بشكل مباشر، وعلوم الصحة والسياسات الصحية، وعلى المستوى الثقافي بالضرورة، بعد أن فقدت الرأسمالية قدرتها على إدارة الحياة الثقافية، وبعد فقدان المبادرة الناجم عن أزمتها والتناقضات التي أثبتت عدم صوابية الطروحات الرأسمالية عملياً بشكليها الليبرالي والأصولي.مقاومة محاولات أنسنة العلومتُجبر الأطراف «العلمية» العالمية على محاولة تبني مقولات أقرب إلى الماركسية، في محاولتها الخروج من التناقضات التي تحكم مناهجها البورجوازية، دون أن تتبنى التبعات العملية لهذه المقولات التي تحاول تضمينها في أدبياتها، وهو ما يظهر بشكل جلي في مقاومة محاولات العلوم البيئية أنسنة العلوم، من خلال دفعها إلى التخلي عن احتضان الإنسان والطبيعة، كحاضن أساسي وغاية نهائية لهذه العلوم، وكفكر بديل يتقدم على كل المستويات، مثبتاً قدرات الفكر العلمي المادي التاريخي على أن يجيب عن الأسئلة الإنسانية في بعدها الراهن والتاريخي. المنابر الإعلامية البديلةإن الميل المتزايد الواضح لتبني المزيد والمزيد من الأوساط العلمية للفكر والسياسة التي تخدم الغالبية العظمى من الناس، يصبح أكثر وضوحاً يوماً بعد يوم ولم يعد يأخذ مجالاً خAffinityCMSً، كما تتزايد المنابر الإعلامية «البديلة» التي تتبنى هذه الطروحات، التي لم تكن مقبولة قبل ذلك ولا بأي شكل من الأشكال في الإعلام الرأسمالي المبرمج والمراقب، حتى آخر حرف فيه لخدمة مموليه.

غسان ديبة - الاخبار

«الخوف الجماعي يؤدي الى غريزة القطيع وينتج وحشية ضد الذين لا يعتبرون جزءاً منه» برتراند راسل

بعد انتفاضات الربيع العربي في 2011، تنادى البعض الى اعلان الأسف على عدم استفادة لبنان من الاضطرابات في بعض البلدان العربية، ربما متذكراً عن وعي (او بسبب وجود هذه القناعة في اللاوعي الجماعي اللبناني) ما حدث من هجرة للرأسمال العربي الى لبنان نتيجة الانقلابات العسكرية، التي أتت بأنظمة ذات توجهات اشتراكية سارت في دروب التأميم والتضييق على رأس المال، وبسبب الحروب العربية ـ الاسرائيلية الذي بقي لبنان خارجها، وأخيراً بسبب الاجواء السياسية العربية بعدم اليقين والتوتر في ظل محاور متحاربة، والتي وإن كان لبنان في فترة جزءاً من هذه المحاور الا ان حرب 1958 اخرجته منها.

إضافة الى هجرة الرأسمال، ترافقت الاضطرابات السياسية والعسكرية في القرن العشرين في محيط لبنان، دائماً، مع هجرات بشرية ضخمة اليه، كهجرة الارمن بعد الحرب العالمية الاولى وانهيار السلطنة العثمانية وهجرة الفلسطينيين في 1948 وبعد 1967. وبعكس هجرة راس المال الاجنبي المرحب به دائماً في لبنان كونه ساهم في جعل لبنان مركزاً مالياً في الشرق الأوسط فإن الهجرة البشرية دائماً شكلت ازمة للبنان من حيث التأثير الاقتصادي والديموغرافي الحقيقي في بعض الاحيان والمصطنع في أحيان أخرى. الهجرة الأرمنية مثلاً، أدت بسبب كون الاكثرية من الفقراء (الكثير افقر من خلال التهجير والاقتلاع) وتركز الهجرة في مدينة بيروت وبسبب الضائقة الاقتصادية إبان الانتداب، الى رد فعل سلبي من البعض، بسبب المنافسة على الوظائف وانخفاض الاجور الناجمين عن دخول أعداد لا باس بها الى سوق العمل آنذاك. إلا انه على المديين المتوسط والبعيد كان للهجرة الارمنية تأثير إيجابي في الاقتصاد اللبناني، بسبب عرض العمالة في قطاعات معينة كالإنشاء والصناعة، وتوفر عمالة ماهرة ومبادرين أرمن لخلق المؤسسات في قطاعات مثل صناعة السجاد والأحذية.

 

اما في حالة الفلسطينيين، كانت الاعداد البشرية والتمكن السياسي ثم العسكري للفلسطينيين (والمالي أيضاً من خارج اطار البورجوازية الفلسطينية التقليدية) أقوى في تأثيرها السلبي من التاثير الايجابي للراسمال الفلسطيني والعمالة الماهرة، اللذين ساهما أيضاً في جعل لبنان مركزاً مالياً ومركزاً سياحياً وتجارياً. واستطاعت القوى اليمينية ان تؤجج روح العداء ضد الفلسطينيين خدمة لمصالحها السياسية ومشاريعها المغامرة فأدخلت البلاد حرباً اهلية واجتياحات اسرائيلية لا يزال يعاني اللبنانيون والفلسطينيون من اثارها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. يستعاد اليوم مع تدفق أعداد كبيرة للاجئين السوريين إبراز الجانب الاقتصادي السلبي للأزمة السورية لهذا اللجوء الجديد. واستعمل تقرير البنك الدولي الصادر في 2013 حول الكلفة في التجييش ضد هذا اللجوء. وتم التشديد على الارقام التي اعطيت حول الكلفة الافتراضية البالغة حوالى 7 مليارات دولار، والتي في اكثرها كانت حسابات محاسباتية وغير اقتصادية، اي على طريقة اضافة تكلفة استعمال البنى التحتية مثل الكهرباء واستعمال الطرقات والمدارس والنفايات وغيرها، من دون الاخذ بعين الاعتبار السعة الزائدة الموجودة في المدارس والتي تخفض الكلفة الفعلية او عدم الاستعمال الفعلي لهذه الخدمات بسبب نقص العرض كالكهرباء مثلاً. كما تم التركيز على فرضية ان البطالة سترتفع الى اكثر من 20% اي بزيادة 100% بالاضافة الى انضمام اكثر من 170000 الى صفوف الفقراء في استعمال غير دقيق للارقام، التي لا يمكن ان تكون صحيحة بناء على الحدس الاقتصادي البسيط. وبشكل عام يشوب هذا التقرير الكثير من العيوب المنهجية. والآن بعد حوالى السنتين على صدوره، لم يتم حساب تطابق الواقع الآن مع هذه التنبؤات او الافتراضات. فعلى الرغم من صحة بعض هذه السلبيات، الا ان الارقام مبالغ بها وتعتمد إما على حسابات غير اقتصادية، أو على نماذج اقتصادية مبنية في داخلها نتائجها، خصوصاً لناحية استبدال العمالة اللبنانية بالعمالة السورية، وتجدر الاشارة هنا إلى أن اكثرية اللاجئين هم من الاعمار التي لا تعمل ومن النساء الذين لا ينافسون في سوق العمل. الى ذلك، فإن بعض الجوانب الاقتصادية الإيجابية لم يتم أخذها بعين الاعتبار ولم يتم نقاشها بشكل جدي على المستوى العام. أولاً، تدفق اعداد لا بأس بها من البورجوازية والطبقة الوسطى السورية، وما لذلك من تاثير ايجابي في الطلب على السلع والخدمات. ثانياً، الإنفاق من قبل المؤسسات الدولية على اللاجئين، وبالتالي اصبح العديد من المناطق يعتمد على الإنفاق على الطعام والنقل والخدمات التعليمية مثل اجور المعلمين، وكل هذا الانفاق في اكثره على السلع المنتجة محلياً، ما يؤدي الى تاثير إيجابي في الاقتصاد. وفي دراسة لم تنشر بعد تم حساب المضاعف لهذا الانفاق وبلغ حوالى 1.3، وهو شبيه بالمضاعف في الدول الراسمالية المتقدمة. ثالثاً، ان ظاهرة اللجوء أدت الى تحول الإنفاق للعمالة السورية الى الداخل اللبناني، بعد ان ارتحل الكثير من العائلات الى لبنان، وبالتالي فإن ما كان يقال إن العمال السوريين لا ينفقون اجورهم في لبنان لم يعد صحيحاً بالكامل. رابعاً، ان تدمير الصناعة السورية ادى الى تراجع منافستها للسلع اللبنانية. خامساً، ان الكثير من المبادرين الراسماليين السوريين أنشأوا مؤسسات في لبنان في الكثير من القطاعات، وبعضها نقل وسائل عمل وتكنولوجيات حديثة في التصنيع، ولو كان هذا الاستثمار من غير السوريين لكان سمي «استثمار اجنبي مباشر» وصنف بالايجابي من ناحية تاثيره في ميزان المدفوعات وخلق الوظائف. مما لا شك فيه ان اللجوء السوري الى لبنان قضية معقدة ولا يقتصر تاثيره في النواحي الاقتصادية بل يتعداها الى الجوانب السياسية والاجتماعية والديموغرافية، ولكن استعمال الاقتصاد للتحريض وخلق مناخات من العداء ضد السوريين، لعبة خطرة، وقد استعملت في السابق إن كان في لبنان او في انحاء العالم، ولا تزال تُستغل من قبل القوى السياسية التي تستعمل التحريض على الاجانب أساساً في جذب المهمشين والفقراء والطبقة الوسطى الخائفة دوماً الى اجنداتها الفاشية، وهذا ما يجب النضال دائماً ضده.

الأكثر قراءة