الغيرة الزوجية، بكل ما يمكن أن يعلق فيها من ظنون وانفعالات، العنف الزوجي، الذكورية، ثقافة «الشرف» المسقطة جهلاً على ما لا شرف فيه، الخوف على العائلة وعدم القدرة على رفع الظلم، مفهوم «السترة» والصمت و... كل ذلك قتل منال عاصي. القرار الظني الصادر أخيراً، يلخص القضية، بانتظار الحكم النهائي. منال، ومن سبقها ومن يلحق بها، قتيلات «شرف» لا يزال البعض يراه حصراً بين فخذي امرأة. إليكم القصة
محمد نزال - الاخبار
أقل من شهرين على مقتل منال عاصي، على يد زوجها، ويصدر القرار الظني في القضية. ما كان هناك من داع للإطالة، أصلاً، في ظل اعترافات الزوج في مختلف مراحل التحقيق، فضلاً عن الأدلة والقرائن الواضحة، وذلك بحسب ما نقلت مصادر قضائية لـ«الأخبار».
قيل الكثير في قضية عاصي، الزوجة المعنّفة على مدى سنوات، المقتولة لاحقاً، على مرأى من أهلها... وصمتهم (في البداية). اختلطت الشائعات بالتحليلات والعواطف بين متناولي القضية، على غرار ما يحصل في الكثير من القضايا المشابهة، ليصدر أخيراً القرار الظني ويقطع «الشائعة» بالظن المؤيّد بوقائع، ليبقى الأمر رهن الحكم النهائي في محكمة الجنايات. إليكم القصة الكاملة بحسب ما جاء في نص القرار الظني، الصادر قبل أيام، عن قاضي التحقيق في بيروت فؤاد مراد. بدأ كل شيء عندما فتحت د. ش. هاتف زوجها و. ح. قبل 3 سنوات. وجدت فيه، بحسب إفادتها، رسائل متبادلة بينه وبين منال عاصي، تضمنت عبارات مثل «Call me» (اتصل بي) و«اشتقتلك». واجهت زوجها بما قرأت، فنفى أي علاقة له بمنال، وأخبرها أنها «تتوهم». لم تقتنع، فأطلعت شقيقة زوجها على الأمر، وطلبت منها أن تخبر منال، لكونها صديقتها، أن تبتعد عن زوجها. عرف الزوج بالأمر، فهددها بالطلاق، وأصبح يغيب عن المنزل. نحن أمام «غيرة زوجية» ستؤدي، في مرحلة لاحقة، دوراً أساسياً في ما حصل. ذات مرّة، دعيت د. ش. إلى مناسبة اجتماعية من قبل عائلة زوجها، وكانت منال حاضرة، فلاحظت الأولى أن الثانية ترمق زوجها بنظراتها. كيف سيتعامل القضاء مع مشاعر كهذه، في مجتمع فيه الكثير من التعقيدات داخل العلاقات الزوجية، في تحديد ما هو منطقي منها وما هو عكس ذلك في منظومة العادات والأعراف هنا؟ القرار الظني بدا متفهماً لهذه الغيرة لكونها نابعة من «الخوف على العائلة»! سيظهر هذا لاحقاً، لناحية منع القاضي المحاكمة عن الزوجة المذكورة من تهمة «التحريض». تلك الزوجة تقول، في إفادتها، إن زوجها أخبرها ذات مرة أنه اشترى هاتفاً، وذلك لضرورة عمله، وأنه سيستفيد منه في خدمة «الواتس آب» (للدردشة والتواصل). كانت الزوجة تعرف رقم منال، فكانت تراقب حركة الأخيرة على «الواتس آب» (أونلاين) كما تراقب حركة هاتف زوجها. تبدو هنا كمن دخل في حالة هوس وشك مستمرين. كأن الأمر أصبح قضيتها وشغلها الشاغل. أخبرت زوجها بارتيابها لأنها تراه ومنال «أونلاين» في وقت واحد. كانت تلاحظ أن زوجها لا يقفل هاتفه إلا عند حضوره إلى المنزل، وأخيراً طلبت منه الابتعاد عنها، على نحو واضح وصريح، فما كان منه إلا أن هددها بـ«رميها في الشارع».
ظلت «الغيرة» تعتمر في نفسها، ومرّت مدة طويلة، قبل أن تقرر في إحدى الليالي أن تستغل خلود زوجها إلى النوم، فتفتح هاتفه مجدداً، لتجد هذه المرة «عبارات عاطفية وجنسية». لم يورد القرار الظني حرفية هذه العبارات (موجودة في التحقيق الأولي). بدت الزوجة هنا كمن فقدت السيطرة على أعصابها، فقررت الاتصال بزوج منال، وإخباره بحقيقة الأمر. كانت مترددة، وهذا ما تظهره إفادتها، إضافة إلى إفادة زوج منال أيضاً في التحقيقات، إذ أجرت «ميسد كول» فقط، قبل أن يعاود هو الاتصال، لكنها لم تجب. عاودت الـ«ميسد كول» مرّة ثانية، فعاود هو الاتصال أيضاً، وهذه المرة أجابت. قالت له: «روح ضب مرتك لأنها على علاقة بزوجي، وأنا مهددة بالطلاق، فزوجتك تخرب بيتي». أخبرته أنها اتصلت بزوجته عدة مرات سابقاً، لردعها، لكن من دون جدوى. عاد واتصل بها بعد نحو ساعة، وأخبرها أنه عرف من يكون زوجها، وأنه «ضرب زوجته». في إفادة د. ش. تقول إنها «لم تطلب منه ضرب زوجته، أو قتلها، بل كانت فقط ترمي إلى الحفاظ على عائلتها وعدم تشتتها، وأن زوجها كان يخرج من المنزل ويغيب من العاشرة ليلاً ويعود عند الثانية فجراً، بحجّة صيد السمك من دون أن يجلب معه أي سمكة». تنتهي هنا إفادة الزوجة، ونأتي إلى إفادات زوج منال، المتهم بالقتل، الذي طلب له قاضي التحقيق العقوبة المنصوص عليها في المادة 549 من قانون العقوبات، التي تصل إلى حد «الإعدام». يكرر زوج منال، محمد النحيلي (40 عاماً)، ما قالته د. ش. عن الاتصال الذي دار بينه وبينها، مع إضافة أنها أخبرته بعلاقة زوجها بزوجته منذ نحو 5 سنوات. يقول النحيلي إنه، بعد الاتصال، ذهب إلى المنزل، فوجد منال تستعمل الـ«واتس آب». طلب منها إعطاءه الهاتف، فرفضت، ولما أصرّ على أخذه أعطته إياه وفتحت له قفله. وجد صورة المدعو و. ح. زوج د. ش. وقرأ عبارات تواصل زوجته معه، ومنها «بونجور حبيبي، حياتي، اشتقتلك». فصفعها، ولما سألها إذا كان وسيم هو الشخص الذي تخونه معه، أجابته بأنها تحبه، وهو عشيقها، وأنها أقامت معه علاقة جنسية. يُشار هنا إلى أن هذه إفادة زوج منال، في التحقيق معه، لكن للأسف منال قُتلت على يده، وبالتالي يصعب اليوم التثبت من هذه الإفادة لأن المعنية بها ما عادت موجودة، ليبقى التثبت من هذه النقطة على عاتق الهيئة الاتهامية ولاحقاً محكمة الجنايات التي تبني حكمها على «اليقين». بالتأكيد، الحديث هنا يدور عن إثبات حيثية في القضية، لا عن مسوغ للقتل، أو حتى لالتماس عذر مخفف، إذ ألغيت من نصوص قانون العقوبات تلك المادة التي كانت تُشرعن ما يُسمى «جريمة الشرف». ألغيب تلك المادة، قبل نحو 3 سنوات من النصوص، لكن للأسف يبدو أنها لا تزال حاضرة في كثير من النفوس. يقول النحيلي إنه «جن جنونه» وحصل تلاسن بينه وبين منال، وضربها وركلها على كل أنحاء جسدها. هنا ظهر «الوحش» الكامن داخل هذا «الذكر». تقرير الطبيب الشرعي ذكر أن منال تعرضت لضرب مبرح وعنيف جداً، قبل أن تفارق الحياة، على رأسها وجميع أنحاء جسدها في الجبين والعينين والخدين وجرح بعرض 7 سنتم في الفم، وجروح في الكتفين والرقبة والثديين والخاصرتين والمؤخرة وأصابع اليدين. تكسرت أسنانها، ووجدت حروق عند عنقها، نتيجة قذفها من قبل الزوج بطنجرة تحتوي على حبوب الفاصوليا ومياه ساخنة. سحبها من شعرها على الأرض، وسط بقع الدم المتناثرة في أرجاء المنزل. ولدى حضور والدة منال، بناءً على طلب الزوج، الذي اتصل بها لتأتي وتشاهد ما يفعل، ومعها أشقاء زوجته، ضربهم جميعاً ومنعهم من إغاثتها. وصل به الأمر، في مشهد غاية في الوحشية، أن امتص الدم من فم منال وبصقه في وجه والدتها. نهاية العنف والضرب، وكل هذا المشهد ما فوق الجنوني، أدى إلى نزف حاد في الدماغ أفضى إلى موت منال بعد نقلها إلى المستشفى. بذل محامي عائلة عاصي، رائد حمدان، جهده في القضية، ليصدر قرار القاضي أخيراً. وفي متن القرار جاء أن الزوج (النحيلي) اعترف بما فعل، وأنه كان يتعرض لها بالضرب سابقاً، على فترات متباعدة. اللافت، بعد توقيفه، أنه تبيّن وجود العديد من مذكرات التوقيف في حقه، وذلك بجرائم مختلفة، منها: «السرقة والقتل ومحاولة القتل والإيذاء، القيام بأعمال إرهابية، إثارة النعرات المذهبية والتحريض على النزاع بين الطوائف وحيازة واستعمال الأسلحة». طلب له القاضي، في القرار الظني، العقوبة وفقاً للمادة 549 عقوبات، التي تنص على أنه: «يعاقب بالإعدام على القتل قصداً إذا ارتكب: 1 - عمداً. 2 - تمهيداً لجناية أو لجنحة، أو تسهيلاً أو تنفيذاً لها، أو تسهيلاً لفرار المحرضين على تلك الجناية أو فاعليها أو المتدخلين فيها أو للحيلولة بينهم وبين العقاب. 3- على أحد أصول المجرم أو فروعه. 4- في حالة إقدام المجرم على أعمال التعذيب أو الشراسة نحو الأشخاص». كان لافتاً أن قاضي التحقيق قرر منع المحاكمة عن د. ش. (الزوجة) في جرم المادة 217 عقوبات (التحريض) لعدم توافر العناصر الجرمية، وبالتالي الافراج عنها فوراً في هذه الدعوى. وتنص المادة المذكورة على أنه: يعدّ محرضاً من حمل أو حاول أن يحمل شخصاً آخر بأي وسيلة كانت على ارتكاب جريمة. إن تبعة المحرض مستقلة عن تبعة المحرض على ارتكاب الجريمة». رأى القاضي أنه «بالعودة إلى وقائع ومعطيات الدعوى، فإنه لا يثبت أن المدّعى عليها د. ش. طلبت من النحيلي قتل زوجته عاصي، أو أنها أرادت خلق فكرة قتلها في ذهن الزوج». يُذكر أن زوجها أوقف بعد حصول الجريمة، لكن لم يدخل اسمه في القرار الظني هنا ضمن الادّعاء، لكنه أحيل آنذاك على «مكتب الآداب» في قوى الأمن الداخلي، وذلك في قضية «زنى» بعد حصول ادّعاء زوجي أمام القضاء. صحيح أن قاضي التحقيق طلب الإعدام لمحمد النحيلي، قاتل زوجته، ولم يلحظ له أي عذر «مُحلّ» أو «مُخفف» وفقاً لما كانت تنص عليه المادة 562 من قانون العقوبات، التي ألغيت عام 2011 وكانت تتناول ما يُعرف بـ«جرائم الشرف». وصحيح أن الزوج، حتى بحالة المادة الملغاة، فإنه ما كان ليستفيد من العذر حتى، إذ «لم يُفاجئ زوجته في جرم الزنى المشهود»... بل فعل ما فعله بقرار واع، ولم يتعرّض لصدمة بالعيان، وبالتالي ما كان ليستفيد أيضاً من «العذر المخفف» في القانون، لكن، في المقابل، لا يعني هذا أن حكم الإعدام هو الحكم الذي سوف تقره محكمة الجنايات لاحقاً، بغض النظر عن الموقف من هذه العقوبة، إذ لا يزال قانون العقوبات ينص في إحدى مواده على التخفيف في جرائم القتل، وإن كانت تتحدث عن العموميات ولا تتناول المواضيع الزوجية والأسرية على نحو الخصوص. فالمادة 252 من القانون المذكور تنص على أنه «يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بثورة غضب شديد، ناجم عن عمل غير محق، وعلى جانب من الخطورة أتاه المجنى عليه». هذه المادة يشكو منها بعض الحقوقيين، بعد إلغاء مادة «جرائم الشرف» سابقاً، لناحية إمكانية بعض القضاة الاستفادة منها في القضايا الزوجية والأسرية، رغم أنها تتحدث عن «الغضب» في مطلق الحالات. لهذا، فإنه إذا كان لدى بعض القضاة ذهنية «ذكورية» بنسبة ما، وأحب أحدهم التخفيف عن زوج أو أخ أو قريب في جريمة ارتكبها (من النوع المشار إليه)، فإنه سيلجأ إلى المادة المذكورة (التي هي محقة في الشكل، لكن يبقى الجوهر في صوابية الانتقاء بين حالة وأخرى). هذا يعني أن إلغاء النصوص، أو تعديلها، لا يلغي أصل المشكلة، التي تبقى أولاً، وقبل أي شيء آخر، نتيجة الثقافة والموروث الاجتماعي حيث يُبرر القتل باسم «الشرف»... بغض النظر عن الجدال في تحديد معنى هذا الشرف، أو الجهة المخوّلة تحديده.
هل يولد القانون اليوم؟
يحتشد اليوم عدد من الناشطين في مجال «حقوق المرأة» أمام المجلس النيابي، وسط بيروت، للمطالبة بإقرار مشروع قانون «حماية المرأة» (وسائر أفراد الأسرة). المشروع موضوع على جدول أعمال الجلسة النيابية، كبند تاسع، لكنّ الناشطين المستقلين، وأكثرهم من النساء، برعاية عدد من الجمعيات النسائية، يرفضون إقرار القانون كما أحيل من اللجان النيابية المشتركة كما هو حالياً، إذ يُصرون على مناقشة بعض البنود في الجلسة لإعادتها كما كانت سابقاً، أي قبل تعديلها من قبل اللجان المذكورة. يُذكر أن «الأصوات النسائية» ارتفعت خلال الأشهر الأخيرة، بعد سلسلة من جرائم القتل التي طاولت سيدات على أيدي أزواجهن، كان قد سبقها عنف من قبيل الضرب والإيذاء والتهديد والابتزاز، ولم تكن قضية منال عاصي آخرها. اليوم، وعلى فرض إقرار قانون الحماية المذكور، بأي صيغة كانت، فهذا لا يعني بالتأكيد انتهاء ظاهرة «العنف الزوجي» أو العنف الأسري عموماً، لكون المسألة ترتبط بظاهرة ثقافية اجتماعية، لكن تبقى النصوص التي تعاقب «المعنِّف» أفضل بكثير من خلوّ القوانين من نصوص كهذه، التي يأمل واضعوها والمنادون بها خفض نسبة هذا النوع من الجرائم. سيكون من أبرز المطالب التي سيطالب بها المحتشدون، اليوم، إقرار قانون لحماية المرأة من العنف الأسري، من دون تعميم التسمية لتشمل الأسرة بكاملها، لأنهم يرون أن مشروع القانون عندما صيغ وأحيل كان يتناول ما تعانيه المرأة تحديداً، وحاجتها الخاصة إلى الحماية.
السفير
دعا كل من الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح مروان البرغوثي، إلى الكف عن المراهنة على المفاوضات مع إسرائيل بعدما أثبتت عقمها، ودعيا إلى تفعيل المقاومة بكل أشكالها وإلى إرساء المصالحة الوطنية الفلسطينية وفق وثيقة الأسرى الموقعة في شهر أيار العام 2006. وجاء كلام القائدين الفلسطينيين في سياق حديثين أجرتهما معهما "مجلة الدراسات الفلسطينية" من خلف قضبان سجنهما، وسوف ينشران في عدد المجلة 98، الذي يوزع بنسخته الورقية اعتباراً من مطلع الأسبوع المقبل في فلسطين والوطن العربي. وبشأن المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، رأى سعدات أنّ "نتائج المفاوضات على مدار عقدين من الزمن حسمت الجدل في شأن جدوى استمرارها وفق منهج أوسلو والمرجعيات القائمة". وأضاف أنّ "الخروج من المأزق الراهن بات يحتاج إلى وقف المفاوضات والكفّ عن المراهنة عليها، أو على الأقل التزام الفريق المسؤول عنها بالشروط والأسس التي وضعها في وقت سابق للعودة إلى مسارها الصحيح: وقف الاستيطان؛ قرارات الشرعية الدولية كمرجعية سياسية؛ الإفراج عن الأسرى والمعتقلين؛ البناء على إنجاز الاعتراف الدولي بفلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة في إطار رؤية شاملة ترتكز على إعادة ملف القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة مرجعية وقرارات، والمطالبة بأن تنفذها إسرائيل، والعمل لنيل العضوية في كافة مؤسسات الأمم المتحدة، وخصوصاً المحكمة الدولية". وشدد سعدات على ضرورة إنجاز الوحدة الوطنية الفلسطينية على أساس وثيقة الأسرى للوفاق الوطني، ويقول "من وجهة نظري لا يمكن الفصل بين استمرار المفاوضات العقيمة وحالة الانقسام التي يعيشها شعبنا"، داعياً إلى "الشروع في تنفيذ اتفاق المصالحة عبر تأليف حكومة التوافق الوطني فوراً؛ انتظام عمل الإطار القيادي المؤقت المعنيّ بتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وإعادة بنائها، من أجل الإعداد لانتخابات المجلس التشريعي والرئاسة والمجلس الوطني للمنظمة عبر جدول زمني محدد لا يتجاوز ستة أشهر، ويمكن أن يجري تمديد الفترة إذا اقتضت الحاجة؛ تحشيد جماهير شعبنا، وهذا الأهم، حول رؤية وبرنامج سياسي وطني كفاحي موحد يرتكز إلى المقاومة بأشكالها وأساليبها كافة". واعتبر الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطيني أن "وثيقة الأسرى" لا تزال "أساساً سياسياً صالحاً لإنجاز المصالحة كمدخل لاستعادة وحدتنا الوطنية، وبناء مؤسسات شعبنا السياسية القيادية وفي مقدمها منظمة التحرير الفلسطينية على أسس وطنية وديموقراطية وفق آلية الانتخاب الديموقراطي، وبمشاركة شعبنا حيثما يمكن ذلك". ورفض سعدات حصر المقاومة بشكل واحد، وإنما شدد على ضرورة "امتلاك القدرة على تقديم هذا الأسلوب أو ذاك على غيره من الأساليب في كل ظرف، تبعاً لحاجات هذا الظرف، أو تلك اللحظة السياسية". وقال إن "طرح المقاومة الشعبية كخيار نضالي لا يستدعى المفاضلة بين مختلف أشكال النضال وأساليبه ... وحصر المقاومة الشعبية في إطار النضال السلمي يفرغها من مفهومها الثوري، فالانتفاضة الشعبية الفلسطينية الكبرى كانت نموذجاً للمقاومة الشعبية وبوصلة لكوكبة من أشكال وأساليب المقاومة المتميزة: السلمية، والعنيفة، والجماهيرية، والفصائلية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية. فالمنهج السياسي العلمي يرفض منطق تجزئة أشكال المقاومة وأساليبها". أما القيادي مروان البرغوثي فرأى أن المفاوضات قد آلت إلى فشل ذريع، فيما الاستيطان يأكل ما تبقى من أرض في الضفة الغربية وما بقي من أمتار قليلة في شوارع القدس الضيقة، ولا أمل في أن نستطيع تحقيق أي نتيجة. وقال إنّ "تجربة عشرون عاماً من المفاوضات منذ مؤتمر مدريد مروراً بأوسلو، لم تفض إلاّ لمزيد من الاستيطان وتكريس الاحتلال وتهويد القدس، ولمزيد من الاعتقالات... وقد حان الوقت لاستخلاص العبر والدروس من تكرار التجارب... ومن الملاحظ أن عكازة المفاوضات نخرها السوس منذ زمن وهي عاجزة عن تحقيق الأهداف الوطنية وبخاصة في غياب المساندة الحقيقية والفاعلة على الأرض وغياب الدعم العربي والدولي وفي غياب الأسس والمرجعيات القائمة على أساس الشرعية الدولية". واعتبر البرغوثي أنه "من غير المتوقع للمفاوضات أن تحقق الحد الأدنى من الطموحات الوطنية الفلسطينية، وإسرائيل تستخدم المفاوضات لكسب المزيد من الوقت ولفك عزلتها الدولية وتراهن على حالة العجز التي تعيشها الساحة الفلسطينية في ظل الانقسام والوضع العربي الراهن، مستغلة ذلك لتكثيف الاستيطان وزيادة عدد المستوطنين على نحو يحول دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس". وأكد أنه "يتوجب مواصلة العمل للانضمام للمنظمات والوكالات الدولية من دون تأخير أو إبطاء والدعوة الصريحة والرسمية ـ فلسطينياً وعربياً ـ للمجتمع الدولي ومؤسساته لمقاطعة إسرائيل وعزلها على المستوى السياسي والاقتصادي والإعلامي والعسكري والأكاديمي". وإذ شدد البرغوثي على ضرورة إرساء المصالحة الفلسطينية فإنه اعتبر أن "الخطوة الأولى لإعادة بناء الحركة الوطنية هي في المصالحة الوطنية وإعادة الاعتبار لوثيقة الأسرى للوفاق الوطني، وبناء وتطوير وتحديد الكيان المعنوي والسياسي الفلسطيني ممثلاً بمنظمة التحرير الفلسطينية ـ الإطار الجامع للفلسطينيين في الداخل والخارج ـ وعلى أساس ديموقراطي وعلى قاعدة الشراكة للجميع، وكذلك في تحديد مؤسسات السلطة وإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية ولعضوية المجلس الوطني وتعزيز سبل ومجالات مقاومة الاحتلال على كافة المستويات". وبشأن المقاومة، شدد البرغوثي على ضرورة "تفعيل المقاومة الشعبية على أوسع نطاق وانخراط الجميع فيها والعمل كذلك على مقاطعة المنتوجات والبضائع الإسرائيلية ووقف كل أشكال التنسيق الأمني والتفاوضي والإداري مع دولة الاحتلال". وقال "ليس هناك تناقض بين هذا الشكل وذاك، بل كافة أشكال النضال هي حلقات مكتملة في سلسلة واحدة، ونطاق المقاومة واسع وعلينا أن لا نختزل المقاومة بشكل واحد مهما كان هذا الشكل، بل إن سر نجاح المقاومة هو في شموليتها وتعدد أشكالها وأنواعها دون استثناء ودون استبعاد هذا الشكل أو ذاك أو وضعه في حالة من التناقض. إن استخدام هذا الشكل أو ذاك أو هذا الأسلوب أو تلك الوسيلة يجب أن يتحدد وفق كل مرحلة ومدى ملائمته وقدرته على تحقيق الأهداف، وقد أكدت الوثيقة وحدة المقاومة وضرورة قيام جبهة مقاومة واحدة وقيادة موحدة، لأن ذلك من شروط نجاح المقاومة". ينشر الحديثان ضمن ملف خاص هو بمثابة تحية من "مجلة الدراسات الفلسطينية" إلى "أسرى الحرية"، وفيه أيضاً تحقيق عن الأسيرين عاهد أبو غلمي وناصر عويص، وإحصاءات عن الأسرى وملفات محاكماتهم، وثبتاً بالمعتقلات والسجون واختصاصاتها وتوزعها الجغرافي، ومقالة لمديرة "مؤسسة الضمير" المحامية سحر فرنسيس بشأن وضع المعتقلين الفلسطينيين في القانون الدولي الإنساني.
سهى شمص - الاخبار
أكثر من 800 ألف لبناني قد تتغيّر حياتهم كلياً. سيتسمّرون أمام شاشة التلفاز لمشاهدة مصيرهم مع كل يد نائب ترفع للتصويت على مشروع قانون الإيجارات الجديد في الجلسة التشريعية العامة لمجلس النوّاب. قانون وحدَه ــ إذا أقر ــ قادر على تغيير مدينة كبيروت بأكملها.
قادر على تغيير ديموغرافيتها عبر فرز أحيائها على أساس طبقي، وربما طائفي، كما فعل قانون تحرير عقود الإيجارات الجديدة في العقدين الماضيين. ذاكرة حية ستمحى، بيوت قديمة ستتهدّم لتبنى مكانها أبنية شاهقة جديدة، توديع جيران بسطاء اعتادهم الحيّ لسنوات ليأتي مكانهم جيران من الأغنياء فقط، قادرون على تحمل كلفة مليون ومئة ألف دولار متوسّط سعر الشقة في مدينة بيروت الإداريّة حسب دراسة أجرتها «رامكو». دقّت الساعة الصفر بعد أربعين عاماً من الصراع بين المستأجرين والمالكين القدامى. لا توقعات حاسمة بشأن ما إذا كان القانون سيقر أو لا؛ فهناك احتمال كبير لأن يُقَرّ واحتمال كبير أن لا يقر؛ لأن المجلس النيابي مقسوم بدوره بخصوص الموضوع. «كتلة المستقبل تضغط باتجاه إقراره، بينما قد يتجه نواب كتلة الحزب التقدمي الاشتراكي إلى عدم إقراره»، بحسب ما يشير أمين سر لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين زكي طه. وأيضاً نواب التيار الوطني الحر سيتجهون إلى عدم التصويت على القانون بحسب ما يذكر رئيس تجمّع مالكي الأبنية المؤجرة جوزف زغيب. إن أقر القانون فسيذهب المستأجرون نحو التصعيد بخطوات يعلنونها لاحقاً. وستجري ندوة في نقابة المحامين يوم 10 نيسان، التي كانت قد أعلنت مبادرة لإيجاد قانون يرضي الطرفين غير قانون الإيجارات الجديد، تضم المحامي واصف حركة عن المستأجرين والمحامي جورج داوود عن المالكين للوصول إلى خلاصات ينبثق منها قانون يعبّر عن حاجات الطرفين. إن لم يقر القانون، فسيذهب المالكون نحو التصعيد، وهذه المرّة سيستعملون القوّة، كما يؤكّد زغيب. «نترك الموضوع مفاجأة لوقتها، قد نسترد شققاً بالقوّة، قد نسكّر بنايات. هناك خيارات عديدة». أمّا عن مبادرة المحامين، فيقول: «ليس هناك من مبادرة، ونحن نرفض الدخول في أي حوار مع المستأجرين»، والندوة في نقابة المحامين بطبيعة الحال ستُلغى. ما بين إقرار القانون أو عدم إقراره، هناك أيضاً شركات عقاريّة، سماسرة، مضاربون عقاريون، ومصارف ينتظرون ما سيحدث للقانون اليوم، ربّما أكثر من المالكين والمستأجرين أنفسهم.
كارول كرباج - السفير
«البدء من الصفر»، تلخّص تلك العبارة حال التحركات الطلابية في «الجامعة الأميركية في بيروت» منذ السبعينيات حتى اليوم. يعتقد بعض الطلاب المنخرطين اليوم في تحرك زيادة الأقساط أنهم يخوضون معركتهم «بشكل مختلف»، بينما لم يسمع البعض الآخر عن معارك طلابية قامت تاريخياً للهدف نفسه. لم يعلموا عن احتلال وتظاهرات وإضرابات عطلّت حرم الجامعة لأيام وأشهر، ولم يألفوا وجوه وأسماء من اعتقلوا وفصلوا وضربوا بالهراوات وأعقاب البنادق. شهدت الجامعة أربعة تحركات طلابية سابقة ضد زيادة الأقساط، في 1971 و1974 و1994 و2010. تتمتع كل مرحلة بخصوصيتها وإطارها السياسي وخلفيات لاعبيها المختلفة. لكنها أفضت جميعها إلى تسويات تخدم مصلحة الإدارة. فشلت التحركات المطلبية المتعاقبة في رفض الزيادة والحفاظ على نسيج الجامعة المتعدّد الطبقات. لا يملك طلاب اليوم ذاكرة جماعية تسمح لهم بمراكمة العمل والخبرة والاستفادة من أخطاء الأجيال السابقة. الأمر أشبه بحراك دائري، لاعبوه طلاب مرحليون. يخوضون المعركة، يكتسبون الخبرة.. ويتخرجون. فيما يتحمّل الجدد تداعيات الفشل، أو بالأحرى تسويات من سبقوهم. ويعودون بدورهم إلى المربع الأول بغياب أي تراكم في المعرفة والتنظيم والتأطير. بينما خطاب الإدارة يبقى موحداً ومكرّراً في تبريرها زيادة الأقساط. تراهن الإدارة على «الحراك الدائري» ذاك. تدرك أن التواصل بين الطلاب المتخرجين والطلاب الحاليين خجول، وأن الذاكرة المؤسساتية توجدها عادةً الاحزاب الطائفية لا المجموعات المستقلة والنوادي الثقافية. تراهن على شرذمة صفوف الطلاب بالسيطرة على الطلاب الحزبيين (أو معظمهم) من خلال اتصالات تُجريها مع قياداتهم في الخارج من جهة، وعلى ضعف تنظيم المستقلين ونفاد طاقاتهم سريعاً من جهة أخرى. نستعيد اليوم تحركات الأمس بعد مواصلة طلاب «الأميركية» تحركهم منذ نحو شهر ضد زيادة الأقساط وغداة اعتصامهم المفتوح أمام مبنى الإدارة «كولدج هول». نعود إلى ارشيف السبعينيات والتسعينيات والألفين وعشرة، وإلى شهادات أبرز الناشطين والمشاركين والمؤرخين، لنستعرض التجارب، نقارن بينها ونفتح النقاش حول أسباب تعثر الحركات المطلبية السابقة وعدم تحقيقها المطالب. يختلف طلاب اليوم عن الأمس نتيجة الزيادة المستمرة للاقساط وتقلص «المنح السياسية والحزبية». أصبحت الجامعة تضيق تدريجاً بالطبقات الوسطى، وهي فئات تُعنى عادة بالشأن العام. يعكس ذلك تبدّلاً في النسيج الاجتماعي لجامعة لطالما اعتُبرت منبع الحركات السياسية والثورية. إلا أن الأمر لا يتعلق بخلفية الطلاب الاقتصادية والاجتماعية فحسب، بل بواقع تراجع الحركات الجماهيرية والافكار الكبرى. وإذا قارنا بين المراحل الأربع، نجد أن معارك الأقساط بخطابها ولاعبيها لا تنفصل عن الاطار السياسي الذي كان سائداً. في حين قاد طلاب «حركة فتح» ويساريون وقوميون إضراب العام 1971 ضد زيادة 10 في المئة، وتأثروا بالحركة الطلابية الفرنسية في أيار 1968، طغت المجموعات اليسارية المناوئة للماركسية السائدة والفصائل الفلسطينية (مجموعات ماوية وتروتسكية وفوضوية) في إضراب 1974، وفق ما أكده الباحث والمؤرخ مكرم رباح. بينما سيطرت الأحزاب الطائفية على احتجاجات العام 1994، التي أعقبت الحرب الأهلية، ضد زيادة 10 في المئة مرة أخرى. قادته وجوه طلابية تنتمي إلى «حزب الله»، «الحزب التقدمي الاشتراكي» و«التيار الوطني الحر»، إضافة إلى «طلاب مؤسسة الحريري». بينما ألقى الاستقطاب السياسي بين 8 و14 آذار بثقله على إضراب العام 2010 ضد زيادة 25 في المئة، وإن حركته فعلياً مجموعات مستقلة نشطت بعد منتصف التسعينيات مثل «بلا حدود» (اليسارية)، يُبدي كثيرون تململاً من الأحزاب الموجودة. فسح ذلك المجال أمام النوادي المدنية والثقافية، مثل «النادي العلماني» و«نادي حقوق الإنسان»، لتؤدي دوراً أساسياً في الحراك الراهن من دون استبعاد الأحزاب كلياً. معارك مختلفة اختلف خطاب الطلاب ووسائل احتجاجهم مع كل مرحلة. فاعتبرت فترة السبعينيات الأكثر صخباً وعنفاً، حيث احتلّ المحتجون عامي 1971 و1974 مباني الجامعة وسيطروا على مداخلها واقتحموا مكتب عميد كلية الآداب والعلوم ومكتب رئيس الجامعة. فضّت إدارة الجامعة الاعتصامين بالقوة عن طريق اقتحام قوى الأمن الحرم الجامعي بفصل 22 طالباً في العام 1971 وباعتقال 61 طالباً وفصل 103 طلاب في العام 1974، استناداً إلى كتاب «حرم جامعي في حالة حرب» لمكرم رباح. كذلك، تصاعدت وتيرة التصعيد في العام 1994 بعد قيام الطلاب بوقفة احتجاجية على درج المدخل الرئيسي وصولاً إلى اقتحام المنزل الرسمي لرئيس الجامعة. اقتحمت قوى الامن ساحة «الماركواند هاوس» واعتدت بالضرب المبرح على الطلاب الموجودين ولاحقتهم في شوارع الحمرا، وفق شهادة الاستاذ في كلية الزراعة في الجامعة محمد أبيض الذي شارك في اعتصامات العام 1994. بينما لم تتجاوز احتجاجات العام 2010 الثلاثة أيام من الاضراب والاعتصام المفتوح، وانتهت بتسوية بين الأحزاب وإدارة الجامعة. وإذا كانت زيادة الأقساط مشتركة بين الاحتجاجات المتعاقبة، لكن تبدّل خطاب الطلاب واختلفت مطالبهم. فعلت أصوات رافضة السياسات «الامبريالية» والسلطة الأبوية التي تمارسها إدارة الجامعة على الطلاب في السبعينيات. فكانت الثورة داخل الحرم جزءاً لا يتجزأ من الثورة خارجها. وبينما حمل إضراب العام 1994 مطالب مشابهة للتحرك الراهن: «الحق في المشاركة بصياغة توجهات الجامعة ومراقبة أدائها وتوجهاتها المالية» (وفق بيان للطلاب في 1994) تحوّل إلى مطلب رافض لسياسة القمع والإرهاب الممارس على الطلاب بعد فضّ اعتصامهم في 10 تشرين الاول 1994 خلال فترة الوصاية السورية. خلّف «اليوم الدامي» أربعين جريحاً نقلوا إلى «مستشفى الجامعة الأميركية». اللافت أن المشاركين في تحرك 2010، الذي حمل شعار «نحو تعليم أفضل وأقل كلفة»، كان معظمهم في مرحلة التخرج. نشطت مجموعة صغيرة من «بلا حدود» ونوادٍ مدنية أخرى تؤمن بأحقية التعليم لجميع الطبقات. يعتبر الناشط المقرب من «بلا حدود» في تلك الفترة جيفري كرم أنه «لم يكن عند هذه المجموعة أي مصلحة مباشرة. كنا سنتخرج بعد أشهر، وكنا نخوض معركةً عن الطلاب الجدد». ويسجل لمجموعة الناشطين في العام 2010، أنهم خاضوا معركة مبنية على الأرقام وعلى تقسيم العمل بفعالية عالية. وبدعم عدد من المتخرجين، استطاعوا دحض حجج الجامعة بشكل علمي وموثق. أجرت المجموعة بحثاً لفهم بنية الجامعة ودينامية القوى، معتمدةً على حركات طالبية مماثلة في الولايات المتحدة الأميركية، لتشابه بنية «الجامعة الأميركية في بيروت» والجامعات الأميركية. يوضح كرم: «اكتشفنا أن الصلاحيات الحقيقية ليست في يد رئيس الجامعة، كما هي حال جامعات لبنان، بل في يد مجلس الأمناء. وفهمنا أن ما يحصل دائماً هو أن بعض أعضاء مجلس الأمناء يستخدمون علاقاتهم مع القوى السياسية لحثهم على السيطرة على مجموعاتهم داخل الجامعة. لذلك ركزنا هجومنا على مجلس الأمناء، لا على الرئيس والعميد فحسب». ويشرح أحد أعضاء «بلا حدود» هراتش هاسرجيان تجربته في تلك الفترة: «كنا طلاباً من جميع الاختصاصات. استخدمنا كفاءاتنا العلمية وفكرنا النقدي الذي اكتسبناه في الجامعة، للمطالبة بحقوقنا ومواجهة إدارة الجامعة». إلا أن المجموعة الصغيرة لم تتمكن من استقطاب «الأغلبية الصامتة» وإقناعها بشرعية حراكها المطلبي. فاعتمدت على حشد وتمويل الأحزاب الموجودة، التي طعنت الطلاب وقامت بصفقة مع الإدارة. وكأنها انخرطت في الحراك للقضاء عليه من الداخل أو خوفاً من فقدان السيطرة على الجسم الطالبي. هاجس التسوية تصدت إدارة الجامعة تاريخياً للتحركات المطلبية في الجامعة، مستخدمةً أدوات الإقناع أو القمع، أو الإثنين بالتوازي. كان يترافق غالباً استعمال القوة مع اتصالات ووساطات سياسية مكثفة. خلال تحرك 1994 مثلاً، حين كان النواب يتناوبون إلى حرم الجامعة للإدلاء بمواقفهم أمام الإعلام، حصل اتفاق سياسي بين الادارة وبعض الأحزاب تزامناً مع عملية الاقتحام، وفق أبيض. لم تتطوّر أحداث 2010 بحيث تُضطر الجامعة إلى استدعاء قوى الأمن، حيث قامت الاحزاب خصوصاً نائب الرئيس (من «القوات اللبنانية») والحكومة الطالبية حينها بالدور المطلوب نيابةً عن الإدارة، ما أحدث انشقاقات في أوساط الطلاب منعت الناشطين من مواصلة التحرك وسحب الثقة من الحكومة الطالبية. ولعل تصعيد الاحتجاجات بشكل فوري، أي البدء مباشرة بإضراب مفتوح، لم يسمح للمجموعة باستقطاب المزيد من المستقلين وتوسيع قاعدتها الطلابية. بالإضافة إلى ذلك، أدت عوامل أخرى إلى انحسار الزخم المطلبي، منها ترويج الاحزاب لـ«الصفقة» على أنها «انتصار طالبي»، واقتراب موعد الامتحانات النهائية والأبواب المفتوحة التي تنظمها الجامعة سنوياً. تشكل «صفقة 2010» هاجساً حقيقياً لكثيرين اليوم. فلم تمنع التسوية من زيادة 25 في المئة بل أجلتها سنة واحدة. «حيصير متل ما صار 2010»، سمعت الناشطة في «النادي العلماني» لما غانم الطلاب يرددون ذلك عند حثّهم على المشاركة في الحراك الحالي. أما اليوم، فالجو أقرب إلى «كيف يمكننا ضمان عدم حصول الصفقة»، تعبّر بحماسة. شاركت غانم بشكل خجول باضرابات العام 2010، وشعرت بالخيانة والاحباط بعد إبرام التسوية على حساب مصلحة الطلاب. لكنها تستثمر تجربتها المتواضعة حينها وتنخرط أكثر في حراك اليوم. «نحاول اليوم استقطاب أكبر عدد من الطلاب، بشكل منظم أو عشوائي، خصوصاً غير المسيّسين أو غير المعنيين بالشأن المطلبي منهم». ويستبعد الطلاب اليوم إتمام صفقة سياسية بأوامر من قيادات خارج الجامعة لأن معظم الناشطين اليوم، مستقلين وتابعين لنوادٍ مدنية وثقافية، يعبرون عن أهمية دعم الأساتذة لحراكهم اليوم، خصوصاً بعد تأسيس «اتحاد الأساتذة» (Faculty United) السنة الماضية لـ«بلورة مواقف موحّدة للأساتذة وتفعيل مشاركتهم في القرارات الأكاديمية والدفاع عن حقوقهم ومصالحهم»، وفق رئيسها جاد شعبان. ويبقى أن نجاح الحراك الحالي يعتمد على قدرة الناشطين بالحصول على دعم باقي مجموعات الضغط، لا الأساتذة والإعلام فحسب، بل المتخرجين والأهالي وبعض أعضاء «مجلس الأمناء»، إلا أن التحدي الأساسي للحراك الراهن يكمن بضمان عدم احتكار الأحزاب لتمثيل الطلاب، من دون أن يؤدي ذلك إلى ضعف البنية التنظيمية للحراك. وعلى الرغم من تقديرها عمل الحكومة الطالبية و«لجنة المتابعة لزيادة الأقساط»، تأسف جيليان غريزل، وهي طالبة أميركية من «بلا حدود» تنشط اليوم إلى جانب «النادي العلماني» والمجموعات الاخرى، لغياب تناقل الخبرات بين حراك 2010 والراهن. تتحدث عن تجربتها في الولايات المتحدة الأميركية حين استطاع الطلاب فصل رئيس كلية دراسات الشرق الأوسط بعد أن وثّقوا حالات فساد وسرقة فكرية تورط بها. تؤكد أن الحركة اليوم تحتاج إلى توثيق الهدر والفساد الحاصل في الجامعة. وفي الإطار نفسه، يعتبر رباح أنه «إذا قمنا بقراءة تاريخية للتحركات الرافضة لزيادة الأقساط، فيمكننا القول إنه من قصر النظر فعل الأمر بالأسلوب نفسه مع انتظار نتائج مختلفة». ويعلّل ذلك برغبة الطلاب اليوم بأ»استخدام وسائل الاحتجاج نفسها ولكن من دون المسّ بجوهر الخلل، من خلال دحض حجج الإدارة وبلورة البدائل المتعلقة بميزانية الجامعة، لا رفض الزيادة فحسب». تعاطت الإدارة تاريخياً مع الأساتذة كموظفين ومع الطلاب كأشخاص مرحليين، رفضتهم كشركاء. هل سيتمكن طلاب اليوم من تحقيق مطالب طلاب الأمس الذين اعتصموا وقمعوا واعتقلوا وفصلوا من جامعتهم؟ هل سيرفضون تحوّل شعار الجامعة من «لتكون لهم حياة.. وتكون حياةً أفضل» إلى «لتكون للأغنياء حياة.. وتكون الحياة لهم فقط» الذي رفضه طلاب السبعينيات والتسعينيات؟ هل سيسمعون نداء طالب في 1994 حين تمنى على «الطلاب الجدد التعلم من تجاربنا؟».
لان القضايا لا تنفصل في رؤوس المناضلين يدعوكم اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني إلى المشاركة الكثيفة في التحركات المحقة، أمام مجلس النوابالثلاثاء 1 نيسان تحرك ضاغط لإقرار قانون حماية المرأة من العنف الأسري الساعة الحادية عشر صباحا تحرك العمال المياومين في شركة كهرباء لبنان، تزامنا مع الجلسة. الأربعاء 2 نيسان تحرك هيئة التنسيق النقابية لإقرار سلسلة الرتب والرواتب الساعة الحادية عشر صباحا. تحرك لإقرار قانون النسبية كمادة ثابتة في الدستور اللبناني بغض النظر عن قانون الانتخاب، الساعة الخامسة عصرا.
يفتح الموقف الملتبس للقوى السياسية حيال سلسلة الرتب والرواتب فرصة جديدة أمام هيئة التنسيق النقابية لتوسيع تحركها باتجاه إشراك قوى اجتماعية وسياسية أخرى. الهيئة استعادت حراكها بحسم خطها التصعيدي، فيما التحدي هو العنوان. فهل يكون شعار المعركة المقبلة فرض سياسة ضريبية عادلة لتأمين سلسلة عادلة؟
فاتن الحاج - الاخبار
تعود هيئة التنسيق النقابية إلى الشارع مجدداً بإعلانها الإضراب العام في المدارس الرسمية والخاصة والإدارات العامة، الأربعاء المقبل، مترافقاً مع اعتصام تنفذه عند الحادية عشرة من قبل الظهر أمام المجلس النيابي، وذلك احتجاجاً على سياسة المماطلة في إقرار سلسلة الرواتب. يتزامن الاعتصام مع أعمال الهيئة العامة للمجلس التي تستمر أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس المقبلة.
يأتي ذلك في وقت دعت فيه «الهيئات الاقتصادية» إلى مؤتمر صحافي تعقده ظهر اليوم الاثنين في مقر غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان حيث يتوقع أن تستعيد فيه النغمة السابقة لجهة أن إقرار السلسلة يخرّب الاقتصاد الوطني ويدمر ديمومة عمل معظم اللبنانيين ومعيشتهم. سيكرس تجمع أصحاب الرساميل اليوم تفلّته من أي عبء ضريبي إضافي على أرباح المصارف والمؤسسات المالية وأرباح الفوائد والأسهم والسندات وتجارة العقارات، بالقول إنّ الإجراءات الضريبية المقترحة لتمويل السلسلة غير واقعية وعشوائية ولن تحقق النتيجة المرجوة. في المقابل، يسبق إضراب الأربعاء مؤتمر صحافي تعقده هيئة التنسيق بعد الظهر، في مقر نقابة المعلمين، ينتظر أن تعلن فيه مواقفها ممّا سيرد في مؤتمر الهيئات وتعلن التعبئة لسلسلة تحرّكات في الشارع قد تضطر اليها. ووسط احتدام السجال بين طرفي الصراع الاجتماعي، تنتهج القوى السياسية سياسة كسب الوقت بخطاب ازدواجي؛ فمن ناحية تقرّ بحقوق الموظفين فتعطيهم من طرف اللسان حلاوة، ومن ناحية أخرى تتذرع بنغمة الإيرادات لتمويلها والمرتقب تأمينها من مجموعة إجراءات ضريبية، علماً بأنّ الإيرادات محلها في قانون الموازنة بهدف تغطية العجز الإضافي فيها وليس العجز الناتج من زيادة الرواتب فحسب. أما التذرّع أخيراً بأنّ هناك فارقاً كبيراً يصل إلى 500 مليار ليرة لبنانية في حساب كلفة السلسلة بين حسابات اللجنة النيابية الفرعية ووزارة المال فسيحضر اليوم في اجتماع يعقد عند العاشرة صباحاً بين وزير المال علي حسن خليل ورئيس اللجنة النائب إبراهيم كنعان. وينتظر أن تأتي الوزارة بالمستندات التي توثّق هذا الفارق، وخصوصاً أن الأمر لا يعدو حتى الآن كونه «حكي بحكي»، مع التذكير بأنّ اللجنة اعتمدت على دراسات الوزارة وأرقامها. اليوم، سيتم التأكد ممّا إذا كانت هناك نيات صافية في الإقرار أو أن التمييع سيبقى سيد الموقف، إذ يتوقع أن يحدد موعد الجلسة المقبلة للجان المشتركة في ضوء هذا الاجتماع.
الإيرادات محلّها في قانون الموازنة بهدف تغطية العجز الإضافي فيها
الموقف الملتبس للقوى السياسية يمنح هيئة التنسيق النقابية فرصة جديدة لتطالب بسياسة ضريبية عادلة لتأمين سلسلة عادلة لكل المعلمين والموظفين، وأن يتجاوز شعارها مجرد إقرار السلسلة إلى إصلاح النظام الضريبي وفرض ضرائب على الثروة والريع ومصادر الارباح الكبيرة. وبهذا المعنى يكون باستطاعتها إشراك قوى اجتماعية وسياسية أخرى في تحركها التصعيدي الذي بدأ فعلاً. لم يعد كافياً أن ينحصر المطلب بالسلسلة فقط، كما حصل عندما خرج الآلاف من الأساتذة والمعلمين والإداريين والأجراء والمتعاقدين والمتقاعدين والمياومين وعائلات العسكريين إلى الشوارع والساحات ليهتفوا بشعار واحد هو: إحالة سلسلة الرتب والرواتب. الموظفون متحمسون للمواجهة، وقد ظهر ذلك عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. فهل تنتقل العدوى إلى باقي مكونات المجتمع اللبناني؟ وكانت الهيئة قد أكدت أن قواعدها لم تعد تنطلي عليها ذرائع من مثل الدعوة إلى إعادة درس الواردات والتكاليف، أو «تطيير» نصاب جلسة اللجان إلى أجل غير مسمى، واضعة إياها في «خانة كسب الوقت وتضييع فرصة إقرار السلسلة قبيل استحقاق الانتخابات الرئاسية، ما يشكل استهتاراً واستخفافاً بعقول اللبنانيين ومساساً بكرامتهم». ورفضت الهيئة ما سمّته «الإهانة والرضوخ المفضوح لإرادة الهيئات الاقتصادية التي تنهب ثلث الموازنة العامة سنوياً من جيوب الفقراء، ريوعاً مصرفية وعقارية، وهدراً وفساداً وصفقاتٍ على حساب حقوق المواطنين والاساتذة والموظفين المتمثلة في إقرار سلسلة رتب ورواتب عادلة بنسبة تساوي 120% كحد أدنى، أسوة بالقضاة وأساتذة الجامعة وبما يحفظ الحقوق المكتسبة لجميع الفئات الوظيفية». وإلى الإضراب العام والشامل والاعتصام، أوصت الهيئة الجمعيات العمومية في الوزارات والإدارات العامة والمدارس والثانويات الرسمية والخاصة ومدارس ومعاهد التعليم المهني والتقني بمناقشة تنفيذ كل أشكال التصعيد المشروعة، من إضرابات واعتصامات وتظاهرات، وصولاً إلى الإضراب العام المفتوح ومقاطعة أعمال الامتحانات الرسمية، مجددة التأكيد على استقلالية حركتها ووحدتها النقابية. إنصاف المراقب الجوي في سلسلة الرواتب سيكون عنوان تحرك مستقل للجنة المراقبين الجويين اللبنانيين. فاللجنة أعلنت أنّها ستعلق تقديم خدمات الملاحة الجوية في مطار بيروت الدولي، ما عدا طائرات الدولة وحالات الطوارئ، وذلك من العاشرة صباحاً حتى الثانية عشرة من ظهر الثلاثاء المقبل. إلى ذلك، خرجت مواقف تضامنية مع تحرك هيئة التنسيق، إذ دعا الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان والاتحادات الحليفة إلى المشاركة الفعالة في الإضراب والاعتصام، الأربعاء المقبل. كذلك أكدت المكاتب المركزية لأساتذة التعليم الثانوي والأساسي والمهني الرسمي والخاص في تيار المستقبل وقوفها إلى جانب الأساتذة والمعلمين في الحصول على سلسلة عادلة، محذرة من «مغبة تمييع إقرار السلسلة من خلال فذلكات جميع الكتل النيابية من دون استثناء، لأن عملية التشاطر هذه لن تجدي نفعاً، وأصبحت مكشوفة الأهداف». وطالبت المكاتب وزارة المال «بكشف الوقائع والحقائق حول إشكالية التمويل التي يجري تداولها وإعلان الموقف الواضح والصريح من السلسة لوضع الأمور في نصابها».
زحمة تحركات اجتماعيّة
تنعقد جلسات الهيئة العامة للمجلس النيابي ابتداءً من يوم غد الثلاثاء، وسط دعوات لتنفيذ تحركات احتجاجية بشأن ملفات اجتماعية عدة. فقد دعت جمعية «كفى عنف واستغلال» إلى اعتصام عند العاشرة والنصف من صباح الثلاثاء المقبل في ساحة رياض الصلح، لمواكبة الجلسة التشريعية والضغط باتجاه إقرار قانون لحماية النساء من العنف الأسري مع التعديلات التي طالبت بها الجمعية. ويأتي هذا الضغط بعد مقتل أكثر من 10 نساء خلال الأشهر القليلة الماضية بسبب العنف الأسري واستكمالاً لتظاهرة 8 آذار الجاري. وطلبت الجمعية من الداعمين/ات لإقرار القانون حماية النساء من العنف الأسري، ليحجبوا عن النواب بصمتهم الزرقاء ويلوّنوها بالأحمر، لون جراح النساء وآلامهنّ». وتشهد الساحة أيضاً في اليوم نفسه تحركاً للعمال المياومين في شركة كهرباء لبنان للمطالبة بقانون تثبيتهم في ملاك المؤسسة. وعند الخامسة من مساء بعد غد الأربعاء، تنفذ «المبادرة المدنية لقيام الدولة» تحركاً لإقرار اقتراح القانون الذي ينص على أن «النسبية هي النظام في التمثيل النيابي»، بغض النظر عن قانون الانتخاب.
أمجد سمحان - السفير
أحيا الفلسطينيون، أمس، ذكرى «يوم الأرض» الثامنة والثلاثين بفعاليات شعبية وتظاهرات مركزية في مدن الداخل الفلسطيني، فيما كان الحراك في الضفة الغربية متواضعاً مقارنة مع سنوات سابقة، واقتصر على زراعة أشجار وتظاهرات متواضعة شارك فيها عشرات. ويحيي الفلسطينيون «يوم الأرض» في 30 آذار من كلّ عام منذ 1976 عندما صادرت إسرائيل آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية الخاصة في مناطق الجليل وتحديدا في بلدة عرابة. وعلى إثر ذلك نظم سكان هذه المناطق إضرابا شاملا للمرة الأولى منذ احتلالها في العام 1948 فردّ الاحتلال باقتحامها بالدبابات، ما أدى إلى مواجهات أسفرت عن ستة شهداء فلسطينيين ومئات الجرحى. وفي بلدات سخنين وعرابة ودير حنا، في الجليل، وفي النقب أيضاً، انطلقت تظاهرات، أمس، شارك فيها الآلاف، ورفع المتظاهرون شعارات عديدة تخلّد ذكرى «يوم الأرض»، وتطالب بوقف السياسات الإسرائيلية التمييزية ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. وفي مدينة رهط والبلدات والقرى العربية في النقب، وكذلك مناطق 48 المختلفة، ساد إضراب شامل وأغلقت المحال التجارية، وعطلت المدارس العربية، وذلك بهدف إيصال رسالة واضحة إلى إسرائيل: «نحن هنا باقون». النائب طلب الصانع من النقب قال إن ذكرى «يوم الأرض» تمر في وقت تزداد الإجراءات التعسفية ضد الفلسطينيين في الداخل، داعيا إلى مقاطعة اقتصادية شاملة لكل المحال الإسرائيلية، لكي نوصل رسالة مفادها «هنا باقون مهما فعلتم، ومهما هدمتم، ومهما شردتم». وفي الضفة الغربية فرقت قوات الاحتلال تظاهرات في مدن الخليل وجنين ورام الله والقدس الشرقية وخصوصا حي راس العامود وبلدة العيسوية وضواحيها، حيث تم اعتقال عشرات الشبان وأصيب عدد آخر بجروح وكدمات، فيما أحيت مدن أخرى الفعالية من خلال زراعة بعض الأشجار. ووصف شهود عيان أن التظاهرات التي خرجت في المدن الفلسطينية «كانت متواضعة ولم ترق إلى مستوى الحدث». وفي رده على سؤال بخصوص تراجع الحراك الشعبي الفلسطيني في فعاليات «يوم الأرض»، قال المستشار السياسي للرئيس الفلسطيني نمر حماد إنّ ما يجري يمثل «مرحلة يمر فيها الشعب الفلسطيني بحالة إحباط ناجمة عن الانقسام الفلسطيني، ويضع سؤالا مهمّا، حول مصير هذا الانقسام وضرورة أن ينتهي فورا». وأكّد حماد أن الشعب الفلسطيني «حي وينبض بالحياة والثورة دائما، وإن كان هناك حالة إحباط حاليا فهي عابرة ولن تستمر». في سياق منفصل، أطلقت منظمة التحرير الفلسطينية بالتعاون مع الحكومة الفلسطينية وعدد من مؤسسات المجتمع المدني حملة لمقاطعة بضائع المستوطنات الإسرائيلية ودعم المنتج الفلسطيني، تحت شعار «قاوم بغذائك». وقال المتحدث باسم الحكومة الفلسطينية ايهاب بسيسو إن هذه الحملة تأتي ضمن إستراتيجية وطنية بالشراكة مع كافة القطاعات ذات العلاقة ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، من أجل تعزيز حضور المنتج الوطني، وفي ذات الوقت مقاطعة منتجات المستوطنات غير الشرعية المقامة على الأرض الفلسطينية. وبحسب ما تشير إليه المعطيات الحكومية، والتي حصلت عليها «السفير»، فإن الإستراتيجية الفلسطينية لمقاومة منتجات المستوطنات والتي تستند في الأساس إلى ما بذلته الحكومات السابقة من جهود في هذا الإطار، ستوفر 50 ألف فرصة عمل جديدة بهدف تعزيز دعم المنتجات الوطنية والإقبال على استهلاكها. وتقول المعطيات ذاتها إن نحو نصف دخل المستوطنات الإسرائيلية سببه شراء منتجاتها من قبل الفلسطينيين، موضحة أن 500 مليون دولار هي قيمة مبيعات المستوطنات في السوق الفلسطيني. وقال بسيسو «نريد أن نقضي على وجود بضائع المستوطنات ونفوت على الاحتلال (فرصة) أن يربح من شعبنا، ولا حل سوى بحملات مقاطعة على مستوى وطني لتحقيق هذه الغايات». من جهته، أكد رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله أنّ هذه الحملة توازيها مساعي حكومية لحماية المنتجات والصناعات الفلسطينية، مشيرا إلى أن «كل 30 دولاراً يتم استهلاكها من منتجات المستوطنات، في حال تطبيق المقاطعة فعليا ستوفر فرصة عمل جديدة لمواطن فلسطيني». وكانت حملة مماثلة أطلقت في وقت سابق في الأراضي الفلسطينية استهدفت بضائع المستوطنات التي تورد إلى السوق الفلسطينية. ويأتي ذلك بالتزامن مع حملة المقاطعة الدولية التي تنظمها مؤسسات أهلية فلسطينية وأجنبية لمقاطعة المستوطنات والاحتلال على مستوى العالم، خصوصا في أوروبا، عبر الضغط على البرلمانات والحكومات ومن خلال تنظيم الفعاليات المختلفة للحث على مقاطعة إسرائيل سياسيا وثقافيا واقتصاديا، وذلك ضمن خطوات للضغط عليها من أجل إنهاء احتلالها للأرض الفلسطينية. وأوضح أحد أعضاء حملة المقاطعة مصطفى البرغوثي لـ«السفير» أن الحملة أدت حتى اليوم إلى انخفاض أرباح المستوطنات بنسبة 20 في المئة على الأقل وخسائر تزيد عن 150 مليون دولار.
لم تكن عائلة «عبد الرحيم وشحة» تعلم أن ليلة الخميس (27 شباط) ستكون الليلة الأخيرة التي يبيتون فيها تحت سقف بيتهم وبين جدرانه، وأنهم بعدها سيبيتون لياليَ كثيرة ناقصي العدد... بدون ابنهم معتز
امون الشيخ عند السادسة من صباح ذلك اليوم، استيقظت العائلة على انفجار قنبلة داخل الشقة الأرضية من المبنى المكون من أربع شقق، تبعها صوت أحد جنود الاحتلال عبر مكبرات الصوت «آل وشحة، معكم دقيقة وحدة تطلعوا برا». في مهلة الدقيقة المليئة بالخوف والإرباك والتي يتكرر فيها تهديد الجنود عبر مكبرات الصوت، خرج بعض أفراد العائلة حفاة. «هو ما بينتظر دقيقة... هو كل 3 ثواني بيرجع بعيد الجملة»، يقول الأب عبد الرحيم. في الخارج، كان عدد مهول من الجنود المدججين بالسلاح قد انتشروا بآلياتهم على شكل طوق ضخم يسد كل مداخل الطرق المؤدية إلى المنزل الكائن في بلدة بير زيت قرب مدينة رام الله. اعتدى الجنود على اثنين من أبناء العائلة بالضرب وقيدوهما وغطوا وجهيهما ثم طرحوهما أرضاً، وأخذوا يحققون مع الوالد عن مكان وجود ابنه معتز، وأخبروه بأنهم يعلمون بأنه موجود داخل المنزل.
لثماني ساعات، ظلّت القوات المشتركة من الجيش ومخابرات الاحتلال، تقصف المنزل بصواريخ حارقة وتطلق الرصاص تجاهه. وعلى فترات عملت جرافات على هدم أجزاء منه، كل هذا للوصول إلى معتز، الشاب الأسمر النحيل الذي يبلغ من العمر 25 عاماً، قضى منها أعواماً إما في سجون الاحتلال أو في سجون السلطة الفلسطينية. بعد انسحاب قوات الاحتلال من المنطقة، تدافع أقارب معتز وجيرانه إلى المنزل المدمّر، الذي تتعالى منه سحب الدخان، فوجدوا معتز شهيداً غارقاً في دمائه وقد تفتتت أجزاء من جسده الذي زرعه الجنود بعشرات الرصاصات، استقرت اثنتان منها في قلبه الجميل. اليوم، وبعد مرور شهر على استشهاد معتزّ، ترى المنزل المدمّر _ مع كل ما كان فيه _ على حاله، وعائلة الشهيد تقيم في منزل متواضع شبه خالٍ من الأثاث، لكنه مليء بصور الشهيد معتز على الجدران، «ما عملوا اشي، كل يوم ويوم بيجي فريق من وزارة للسلطة وبيكتب تقرير وبيروح ما بيرجع»، تقول والدة معتز التي كانت تجلس وبجوارها أصدقاء لمعتز يرتدون قمصاناً طبعوا عليها صورته مع عبارة «لن أستسلم لهؤلاء الأنذال» التي قالها عندما دعاه الجنود إلى تسليم نفسه خلال محاصرته وحيداً لساعات. وتقول والدة الشهيد إن الشقق التي دمرها الاحتلال، كانوا يسكنون في ثلاث منها، أما الرابعة فقد كان يتم العمل على إنجازها وهي لابنها أحمد الأسير المحرر المُبعد إلى ألمانيا قسراً، حيث يبدو أن العائلة التي قضى كل أبنائها سنوات في الأسر لدى الاحتلال وفي السجن لدى السلطة الفلسطينية، تعيش على أمل عودة الابن الأكبر أحمد من منفاه في يومٍ ما. وعائلة الشهيد معتز وشحة لم تخسره هو فقط، بل خسرت منزلها المليء بالذكريات وما كان فيه من أموال احترقت بفعل الصواريخ المطلقة تجاهه، إضافة إلى خسارة كمية من المجوهرات يبدو أن جنود الاحتلال نهبوها (كالعادة) عندما دخلوا لتصفية الشهيد، كما يقول والده.
سبعة طلاب جمعوا التبرعات لإعادة إعمار منزل الشهيد في جامعة بير زيت التي تقوم في نفس بلدة الشهيد، عملت مجموعة من سبعة طلاب وطالبات بمجهود شخصي وبلا أي انتماء حزبي، على جمع التبرعات بهدف إعادة إعمار منزل الشهيد، وخصص الطلبة وهم من دائرة العلوم الاجتماعية والسلوكية بكلية الآداب، صندوقاً زجاجياً كانوا يطوفون به من كلية إلى أخرى داخل الجامعة وفقاً لجدول محدد، كما علقوا مثله في أماكن مختلفة داخل الحرم الجامعي. والفكرة انطلقت بعفوية من محادثة عبر موقع فيسبوك بين صديقتين بعد اغتيال وشحة، وبسبب مرور أيام دون قيام الجهات الرسمية بشيء فعليّ على الأرض بخصوص البيت الذي لا يمكن ترميمه ويحتاج إلى عملية إعادة بناء كاملة. «جمعنا في أول أربعة أيام مبلغ 4 آلاف شيكل _ أي نحو 1100 دولار _ والجميل أن زملاء لنا من جامعات أخرى تواصلوا معنا من أجل تطبيق الفكرة في جامعاتهم وسنقوم بفتح حساب باسم والدة الشهيد نضع الأموال فيه»، تقول الطالبة حميدة النتشة. ويقول الطالب عبد الرحيم زهران وهو يقف بجوار الصندوق الزجاجي الذي يمكنك رؤية الأموال داخله «نتمنى أن تعمل أي مؤسسات اجتماعية على تطبيق فكرتنا وجمع التبرعات على نطاق أكبر بعيداً عن الحزبية، وأسرة الشهيد، التي لا نعرف أي شخص فيها، شكرتنا على فكرتنا وسعيدة بها، وهذا المهم». وكتب الطلبة على الصندوق «من منطلق الواجب الإنساني والوطني، نبدأ حملة (تبرّع ولو بشيكل) للمساعدة في إعادة إعمار بيت الشهيد معتز وشحة». وعلى موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تفاعل بعض طلبة بير زيت على الصفحة شبه الرسمية للطلبة مع الحملة وأعطوا شعار «بير زيت تعيد بناء بيت شهيدها بنفسها»، للحملة التي انطلقت من جامعة تعرف بجامعة الشهداء، وآخر هولاء الشهداء طالب الصحافة ساجي درويش الذي استشهد بعد الشهيد معتز وشحة بأيام قليلة. ويقول رامز وشحة شقيق الشهيد إن الرقم التقديري الذي نحتاج إليه لإعادة بناء المنزل يقارب 130 ألف دولار، وإن حملة الطلبة هذه وحملة أخرى شعبية في بلدة بير زيت على صغر حجمها، إلا أننا نثمنها، «على الرغم من أن مسؤولية إعادة الإعمار كاملة تقع على عاتق جهات رسمية مختصة، وقد أبلغتنا أنها غاضبة من هتافات عَلَت خلال تشييع الشهيد معتز تندد بالسلطة وبالتنسيق الأمني مع الاحتلال».
اتهمت منظمة العفو الدولية إسرائيل الخميس الماضي بقتل عشرات المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ ثلاث سنوات «دون مراعاة الحياة الإنسانية». وقالت المنظمة إن «القوات الإسرائيلية التي لا تراعي الحياة الإنسانية، قتلت عشرات المدنيين الفلسطينيين، بمن فيهم أطفال في الضفة الغربية خلال السنوات الثلاث الماضية، مع إفلات شبه تام من العقاب». رواية إسرائيل عن استشهاد وشحة غاية في الشعوذة الإعلامية. تقول إن وشحة «الناشط الفلسطيني» قتل خلال عملية للجيش الإسرائيلي، وأكدت متحدثة باسم الجيش الإسرائيلي مقتل فلسطيني «متورط في أنشطة إرهابية».
سهى شمص - الاخبار
صدر القرار الظني بحق محمد نحيلي زوج منال عاصي، والمتهم بارتكاب جريمة قتلها. وقد دان القرار المتهم بالقتل المتعمّد وفق المادّة 549 من قانون العقوبات. هذا التطور القضائي المهم ينبئ بإعادة نظر ممكنة في التعامل مع قضايا العنف ضد المرأة، ولا سيما بعد الشكوك الكثيرة التي أحاطت بقرار القضاء عدم ملاحقة زوج رولا يعقوب. وما يزيد من أهمية القرار الظني أنه ترافق مع نجاح الضغوط على مجلس النواب، إذ رضخ رئيس المجلس نبيه بري ووضع مشروع قانون حماية المرأة (وسائر أفراد الأسرة) من العنف الأسري بنداً تاسعاً على جدول أعمال الجلسة التشريعية لمجلس النواب التي دعا إليها في 1 و2 و3 نيسان المقبل.
جلسة مجلس النواب ستنعقد في ظل اعتصام دعت اليه «جمعية كفى» لمواكبة المناقشات النيابية في الأول من نيسان. لكن هل ستفضي هذه التطورات الى نتائج مقبولة؟ فالحركة الحقوقية والنسوية تطالب بإقرار قانون لحماية المرأة من العنف الاسري، وليس تعميم القضية لتشمل الأسرة كلّها إمعاناً في إنكار حاجة المرأة إلى الحماية. كذلك فإن هذه الحركة تعارض بشدّة إقرار مشروع القانون كما خلصت إليه الصيغة المقرّة في اللجان النيابية المشتركة، فهذه الصيغة تضمنت أحكاماً مرفوضة، في مقدّمها الإقرار بوجود ما يسمّى «الحقوق الجنسية الزوجية» وبالتالي إخراج جرائم الاغتصاب الزوجي من نطاق هذا القانون. ويطالب التحالف الوطني و«كفى» بإحالة الشق الخاص بالعقوبات على قانون العقوبات، على أن يبقى الشق الخاص بالحماية مخصصاً للنساء، لأن إجراءات الحماية المنصوص عليها في هذا القانون وضعت تلبية لحاجات النساء. كذلك يطالب التحالف بتجريم الاغتصاب نفسه وليس الأذى الناتج منه فقط. ويرى التحالف أن قرار الحماية «يجب أن يشمل جميع الموجودين أو المقيمين مع المرأة عند وقوع العنف، بمن فيهم الأطفال، لأنهم في هذه الحال يكونون عرضة للعنف أو شهوداً عليه، من دون التراجع عمّا هو مقر في قانون حماية الأحداث.
عشية جلسة اللجان النيابية المشتركة، كشّرت «الهيئات الاقتصادية» عن أنيابها مجدداً، وجاهرت بمطلبها الرامي إلى الضغط على الحكومة لاسترداد مشروعي سلسلة الرواتب وسبل تمويلها، في حين حذرت هيئة التنسيق النقابية من إعادة النقاش إلى المربع الأول عبر التذرع بالإيرادات مرة أخرى، ملوّحة بالتحرك التصعيدي لمواجهة أي عرقلة تفتعلها أي كتلة نيابية
فاتن الحاج - الاخبار
أي اتجاه للعودة إلى النقطة الصفر في سلسلة الرتب والرواتب سيشلّ البلد. هذا الجو أشاعته هيئة التنسيق النقابية في لقاءاتها مع ممثلي القوى السياسية عشية جلسة اللجان النيابية المشتركة، عند الواحدة والنصف من بعد ظهر اليوم. ستواكب الهيئة أعمال الجلسة التي تناقش مشروعي قانوني السلسلة والبنود الضريبية لتمويلها.
وتترقب أن تكون حاسمة ليس لإقرار سلسلة كيفما اتفق ووضعها على جدول أعمال الهيئة العامة للمجلس النيابي الثلاثاء المقبل، إنما لتبني سلسلة تنصف كل القطاعات الوظيفية أي الأساتذة والمعلمين وموظفي القطاع العام والأسلاك العسكرية والأجراء والمتعاقدين والمتقاعدين والمياومين. الإنصاف يكون، كما أبلغت الهيئة الكتل النيابية في اليومين الأخيرين، بإقرار 121% للجميع من دون استثناء أسوة بالقضاة وأساتذة الجامعة اللبنانية، وتثبيت الحقوق المكتسبة للأساتذة والمعلمين (60%) لقاء الزيادة في ساعات عملهم وترجمة اعتراف اللجنة النيابية الفرعية بها إلى أرقام، وخصوصاً أن اللجنة كانت تضم كل الكتل. هذا الحق المكرّس في القوانين 53/66 و22/82 و45/87 و148/99 و159/2011 يشكل، بحسب روابط المعلمين، «ثمرة نضال نقابي طويل عمره 48 سنة منذ عام 1966 وحتى تاريخه، ولا يمكن لأحد التخلي عنه، وأنّ محاولة المساس به ستدفع الأساتذة والمعلمين للعودة مجدداً إلى التحرك الفوري والسريع دفاعاً عنه». في هذا الوقت، تأكّدت نيات تجمّع أصحاب الرساميل، إذ أعلنت «الهيئات الاقتصادية» أنها طلبت عقد لقاء طارئ مع رئيس الحكومة تمام سلام والتمني عليه استرداد مشروع السلسلة من مجلس النواب لإعادة درس وسائل وطرق التمويل وانعكاساتها على الاقتصاد والمجتمع اللبناني». كما تمنت على رئيس مجلس النواب نبيه بري «التريث في عرض المشروع على الهيئة العامة». كذلك تمنت عليه «إشراك الهيئات الاقتصادية في مداولات اللجان المشتركة كما جرت العادة». وكان ممثلو هذه الهيئات قد نفوا سابقاً المعلومات التي نشرتها «الأخبار» (http://www.al-akhbar.com/node/202180) عن نيتهم طلب استرداد المشروع، ليتبيّن لاحقاً أن هذه المعلومات صحيحة، وهذا ما أكّدته «الهيئات» في بيانها أمس، على أثر اجتماعها برئاسة الوزير السابق عدنان القصار، وبحثت خلاله في ما تعتبره «التأثيرات السلبية التي يلحقها بالاقتصاد اللبناني موضوع إقرار مشروع سلسلة الرتب والرواتب. وقررت خلال الاجتماع «الاستعاضة عن المؤتمر الصحافي الذي كانت تنوي تنظيمه جمعية تجار بيروت في مقرها يوم الاثنين الواقع فيه 31 آذار 2014، بمؤتمر صحافي سيعقد في مقر غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان عند الساعة الثانية عشرة ظهراً من اليوم نفسه». وقالت الهيئات إنها تتبنى التقرير الذي أعدته جمعية تجار بيروت حول اعتراضها على طريقة ووسائل تمويل السلسلة ضريبياً، واعتبار هذا التقرير تعبيراً دقيقاً عن موقف الهيئات الاقتصادية مجتمعة». يبدو أن الشركاء في تجمّع أصحاب الرساميل قرروا التضامن في ما بينهم، أو بمعنى أدق، نجح رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس بفرض هذا التضامن بعد ظهور ملامح تباينات في الموقف، واللافت أن شماس كان قد عزم على استكمال الضغط على الحكومة وحده، إذ دعا الى مؤتمر صحافي طارئ قبل يوم الاثنين في مقر الجمعية الكائن في الصنائع بهدف تلاوة مطالعته تحت عنوان «سلسلة الرتب والرواتب مشروعة، لكن تمويلها المقترح مذبحة بحق المواطن والاقتصاد». مصادر متابعة أبلغت «الأخبار» أن وزير المال علي حسن خليل ينوي طرح صيغة تسمح بالفصل بين مشروع السلسلة ومشروع الضرائب، بحيث يقرّ المشروع الأول في اللجان ومن ثم في الهيئة العامّة، على أن يُترك المشروع الثاني (الضرائب) لإدراجه في مشروع قانون الموازنة المنوي إعداده في هذه الحكومة وإقراره. وقالت هذه المصادر إن وزير المال اقتنع بأن الإيرادات محلّها في قانون الموازنة وبهدف تغطية العجز الإضافي فيها وليس العجز الناتج من زيادة الرواتب فقط. إذاً، ستكون جلسة اللجان المشتركة اليوم مفصلية في نتائجها. وقد نقلت هيئة التنسيق عن رئيس اللجنة النيابية الفرعية النائب ابراهيم كنعان، الذي التقته أمس، قوله إنّ «الأجواء إيجابية» وسيسعى جهده لإنجاز المهمة في جلسة واحدة، «فالملف لم يعد يحتمل المزيد من التأخير والمماطلة». وفيما لم يجاهر أحد من القوى السياسية حتى الآن بوقوفه ضد السلسلة، يستغرب كنعان إعادة فتح باب النقاش بمشروع الإيرادات والضرائب بعدما استغرق درساً وتمحيصاً أشهراً عدة، حيث استدعت اللجنة الفرعية الوزارات المعنية والنقابات وأصحاب الشأن وأنجزت كل الدراسات اللازمة وقدمت أرقاماً موثقة، وقد أقرت اللجنة الممثلة لكل الكتل النيابية المشروعين بالإجماع. هل هذا هو رأي كل القوى السياسية؟ «الأخبار» علمت أن النائبة بهية الحريري أوعزت لأعضاء كتلة المستقبل النيابية بعدم التراجع عن إقرار مشروع سلسلة الرواتب. ويقول النائب جمال الجراح إننا «سنقارب الملف بإيجابية، عسى أن نخرج بسلسلة تعطي حقوق الموظفين ولا تؤثر على الاقتصاد اللبناني وتراعي الإصلاحات المطلوبة، أي أننا نسعى إلى تأمين العناصر الثلاثة: الحقوق، الإمكانات والإصلاحات. ويلفت النائب رياض رحال إلى أنّ البحث قد يمتد إلى جلسات متتالية، ومن حق كل النواب غير الممثلين في اللجنة النيابية الفرعية أن يناقشوا المشروعين ويسجلوا ملاحظاتهم بشأنهما. أما أعضاء كتلة التنمية والتحرير فسيضغطون، بحسب النائب علي خريس، باتجاه إنجاز اللجان النيابية المشتركة بحث موضوع السلسلة في جلسة واحدة، وخصوصاً أنّ «رئيس مجلس النواب نبيه بري حريص جداً على وضع المشروعين على جدول أعمال الهيئة العامة للمجلس التي ستعقد أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس المقبلة». وإذا تعذر ذلك فيطمئن خريس إلى أنّ هناك توجهاً خلال هذه الفترة لعقد جلسات متتالية للهيئة العامة كل أسبوع أو كل 15 يوماً. وأعلن خريس تأييد كتلته للسلسلة بالكامل وأننا «نتبنى موقف الأساتذة وسنضغط من خلال حضورنا غداً (اليوم) لتبصر النور، متمنين أن تكون النيات صافية لدى كل الكتل النيابية وتنفذ ما جاهرت به لجهة دعمها للمشروع». وأوضح النائب علاء ترو (جبهة النضال الوطني) أننا «أعطينا موافقة مبدئية على السلسلة، لكننا سنستمع إلى وجهتي النظر لنصوغ موقفاً نهائياً من الملاحظات في ضوء الاجتماع الجمعة». ويقول النائب جوزيف معلوف من كتلة القوات اللبنانية إننا «ندعم بالمبدأ السلسلة من باب الحقوق والعدالة والواجبات التي يقوم بها العاملون في القطاع العام، وسنعكس هذا الموقف بوضوح في اللجان. وقد اجتمعت أخيراً بهيئة التنسيق وتبيّن أن هناك تناغماً بشأن كثير من النقاط، وإن كانت هناك نقاط أخرى تحتاج إلى حوار. أما التحدي فهو، بحسب معلوف، توفير مصادر التمويل، وهذا الأمر «ليس مسؤوليتنا كمجلس نيابي، بل من مسؤولية الحكومة». قناعات حزب الكتائب هي مع إعطاء السلسلة في أسرع وقت ممكن لأنّها حق للأسلاك العسكرية وموظفي القطاع العام، كما يؤكد النائب فادي الهبر. يقول إنّه يتحفظ شخصياً (وهذا ليس رأي الحزب) عن الضرائب الموضوعة على الشعب لكونها غير مدروسة وغير جاذبة لتوسيع السوق الاستهلاكية وقد تصدم الاقتصاد وتكبّله بدلاً من أن تحرره، كذلك فإنّ الإيرادات ليست دقيقة وقد تخفف من مداخيل الدولة ولا تزيدها، بدليل أنّه عندما يرتفع سعر السلعة من جراء الضرائب لا يشتريها المستهلك. يؤكد أنّ «المسألة لا تدار بالعاطفة التواقة، والدولة لا تستطيع أن تضع البلد على كف عفريت، إلا إذا أقنعنا بذلك خبراء اقتصاديون، ولا أعتقد أن المعلمين والموظفين يرضون بضرب الاقتصاد الوطني». عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب الوليد سكرية يعتقد أن الأمور سالكة باتجاه إقرار المشروعين، إلا إذا كان هناك اعتراض على بعض البنود الضريبية، ما قد يولد الحاجة إلى تمويل بديل. يقول إنّ اللجنة النيابية الفرعية حققت العدالة الاجتماعية باعترافها بحقوق المعلمين وحفاظها على القوانين الاستثنائية الخاصة بهم، وأنصفت الموظفين الإداريين بإعطائهم 6 درجات استثنائية كمتممات للراتب.