Hiba Awar

Hiba Awar

بانيتا يشرف على احتفال رفع العلم العراقي

أنزل الاحتلال الأميركي في احتفال رمزي أمس، علمه الذي كان مرفوعاً فوق قاعدة عسكرية أميركية بالقرب من مطار بغداد الدولي. لفلفه ووضبه في صندوق كي يُعيده الى الديار، ورفع مكانه علم البلاد المُحتلة. زعم أنّه ينهي بذلك تسع سنوات من مهمة «نشر الديموقراطية». عدّد تضحياته، قال إنّه قدّم آلاف آلاف القتلى والجرحى ومئات المليارات من الدولارات. لم يذكر ما خلّف من مآس. لم يذكر مئات الآلاف من الشهداء العراقيين والأيتام أو الأرامل والمعوقين. لم يذكر عقود النفط التي تقاسمها مع حلفائه. لم يذكر هواجس التقسيم والطائفية التي تتهدد البلاد. يخرج المحتل من البلاد كما دخلها برواية كاذبة لم يصدّقها حتى جنوده

بعد تسع سنوات من الاحتلال، ومقتل أكثر من 4500 جندي أميركي وجرح 32 ألفاً آخرين، وكلفة فاقت 800 مليار دولار، أعلن الأميركيون رسمياً، أمس، نهاية الحرب في العراق، زاعمين أنّهم رغم الكلفة الباهظة التي تكبّدوها في الأرواح والأموال، فقد وضعوا العراق على طريق الديموقراطية وتخلصوا من الديكتاتورية. لكن الواقع أنهم يخرجون من بلاد الرافدين تاركين وراءهم جروحاً مفتوحة من حرب قتل فيها أكثر من 100 ألف عراقي، وخلفت عشرات الآلاف من الأيتام والأرامل والمعوقين، وخلقت بلداً مضطرباً أمنياً وسياسياً وطائفياً.

وأُقيم في المناسبة احتفال رسمي في قاعدة عسكرية أميركية بالقرب من مطار بغداد الدولي، شارك فيه وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا وقائد القوات الأميركية في العراق الجنرال لويد أوستن، والسفير الاميركي لدى بغداد جيمس جيفري، ورئيس هيئة الاركان المشتركة الاميركية الجنرال مارتن ديمبسي، وقائد المنطقة الوسطى الجنرال جيمس ماتيس، اضافة الى نحو 160 من الجنود الأميركيين. وعن الجانب العراقي حضر رئيس هيئة الاركان العراقية المشتركة الفريق بابكير زيباري والمتحدث باسم وزارة الدفاع العراقية اللواء محمد العسكري.

وأنزل الأميركيون علم الاحتلال ووضبوه للعودة الى الديار، ورفعوا مكانه علم العراق، في إشارة الى أنّ العلم الأميركي قد تقاعد. وقال بانيتا إنه «بعد الدماء التي بذلها الأميركيون والعراقيون، مهمة خلق عراق قادر على حكم نفسه وتأمين أمنه أصبحت حقيقة. الأرواح التي أُزهقت لم تذهب عبثاً». وأضاف متوجهاً الى جنود الاحتلال «ستتركون بفخر عظيم وأبدي. آمنون لأنكم تعرفون أن تضحياتكم ساعدت الشعب العراق على بدء فصل جديد من تاريخه». وأعاد بانيتا تأكيد وعود باراك أوباما، بأنّ الولايات المتحدة تخطط لإبقاء وجود دبلوماسي متين في العراق، وتعزيز علاقاتها به بنحو عميق ومستديم والمحافظة على قوة عسكرية قوية في المنطقة.

ورغم هذا الاحتفال الرسمي، لا تزال هناك بقايا قوات ستخرج مع نهاية العام الجاري بموجب الاتفاق الذي أبرمه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، ومع أن أوباما بدوره وعد بأن تعود قواته قبل الميلاد الى ديارها، لكن سيبقى نحو 4000 جندي في الكويت لعدة أشهر، كي تكون على شكل قوة تدخل سريع في إذا كانت هناك حاجة لذلك. ويفترض أن يبقى نحو 150 جندياً أميركياً فقط في العراق بعد 31 كانون الأول ملحقين بالسفارة الأميركية الواقعة قرب نهر دجلة، على أن يتولى متعاقدون مدنيون مهمة تدريب القوات العراقية على المعدات العسكرية الأميركية.

وأقرّ بانيتا، قبل وصوله الى العراق وخلال محطته الأفغانية، بالصعوبات التي يمكن أن تواجه العراق خلال السنوات المقبلة، قائلاً «سيواجهون صعوبات في المستقبل. سيواجهون تحديات من الإرهاب، سيواجهون تحديات من هؤلاء الذين يريدون تقسيم بلادهم. سيواجهون تحديات من اختبار الديموقراطية، ديموقراطية جديدة سيعملون على إنجاحها».

وخلال الاحتفال، قال بانيتا إن «القوات الامنية العراقية قادرة على مواجهة أي تهديد ارهابي»، وإنه «في الفترة المقبلة سيكون العراق مسؤولا عن أمنه ومستقبله». أما أوستن فقال إن الولايات المتحدة «زرعت بذور الديموقراطية فيما كان العراق يكتب دستوره ويجد العراقيون أصداء لأصواتهم».

بدا قادة الاحتلال وكأنهم يتكلمون عن عراق آخر يدرك أهله جيّداً أنّه دُمر على مدى تسع سنوات، تقول مريم كاظم من مدينة الصدر إن «الأميركيين يتركون وراءهم بلداً مدمراً. الأميركيون لم يتركوا مدارس حديثة أو مرافق كبيرة، بل تركوا آلاف الأرامل والأيتام». أما العضو في التحالف السياسي الموالي للزعيم مقتدى الصدر النائب أمير الكيناني، فرأى أن هذا الاحتفال الأميركي «يمثل فشلاً للولايات المتحدة في احتلال العراق، بسبب المقاومة الهائلة التي أبداها الشعب العراقي».

وترك الاحتلال لفريد خضير عكازين يسير بهما، بعدما فقد ساقه قبل أكثر من 8 سنوات بسبب طلقة بندقية من جندي أميركي، ولآخرين ترك آثار جرائم ارتكبت بأيدي جنود أميركيين ومتعاقدين خاصين مع الاحتلال، أفلتوا من العقاب. وفي مدينة الفلوجة لا تزال آثار الحرب بادية على شوارع المدينة من مبنى مدمر قرب الجسر نفسه وسوق يحمل ندبات القصف والمعارك. ويقول أحد السكان «الأميركيون دمروا الفلوجة، ووجودهم كان بمثابة لعنة. نحن ما زلنا على قيد الحياة، الا ان وضعنا أصبح تعيساً بسببهم».

والواقع أن الاحتلال يخرج تاركاً وراءه عشرات التحديات من التمرد المستمر والسياسة الهشة إلى اقتصاد يعتمد أساساً على النفط ويعاني من انقطاع الكهرباء والفساد. وتدور تساؤلات كثيرة بعد الانسحاب حول ما إذا كان سينشب صراع طائفي أم ستهيمن طائفة على أخرى؟ وإذا كان سيعود تنظيم «القاعدة» الى الانبعاث من جديد؟ وهل ستمتد النزاعات الحالية بين الأكراد في كردستان العراق التي تتمتع بحكم شبه مستقل إلى صراع مع الحكومة العراقية المركزية في بغداد بسبب الأرض المتنازع عليها؟

وفيما كان الاحتلال يسدل الستار عن فصل أليم من تاريخ بلاد الرافدين، كان المئات من محافظة ديالى يتظاهرون رافضين قرار مجلس المحافظة تشكيل الإقليم. وهو قرار رفضه التيار الصدري أيضاً، معتبراً إياه تحدياً لرغبة أبناء المحافظة بطريقة استفزازية. واتهم الحكومة المحلية في المحافظة بالتصرف «إما من مصلحة حزبية أو شخصية أو وفقاً لأجندات خارجية».

(الأخبار، أ ب، أ ف ب، يو بي آي، رويترز)

المالكي: الأقاليم المستقلة مشاريع تقسيم

عاد رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي (الصورة)، الى بلاده أمس بعد زيارته واشنطن. وقال على متن الطائرة الذي أقلته الى بغداد إنه التقى خلال الزيارة ممثلين عن شركة «أكسون موبيل» الاميركية لمناقشة عقود نفطية وقّعتها الشركة مع اقليم كردستان. وأضاف «عقدنا معهم لقاءً وأطلعناهم على وضع هذه العقود». وأشار الى أنهم «هم وعدوا بأن يراجعوا قرارهم».

من جهة ثانية، قال المالكي إن الدعوات إلى انشاء اقاليم مستقلة «ممارسات مدعاة لتقسيم العراق»، في اشارة الى اعلان أعضاء في مجالس محافظات ديالى وصلاح الدين والأنبار التي تسكنها كلها غالبيات سنية، عن بدء اجراءات التحول الى اقاليم. وعلق على الاحتفالات التي يقيمها سكان مدينة الفلوجة لمناسبة الانسحاب الاميركي من البلاد، قائلاً إن «المقاومة أوقعت نفسها في ما لا حق لها فيه، وهي انزلقت من عملية المقاومة الى قتل واقتتال طائفي».

(أ ف ب)

نبيه عواضة

صوّبت والدته فوهة المسدس نحو رأسها وضغطت على الزناد لتنطلق منه رصاصة الخلاص، مختارة الموت على الوقوع في قبضة رجال الأمن العراقي الذين حاولوا اعتقالها. لحقت الزوجة بزوجها "الشيخ" الشيوعي الذي أعدم قبل انتحارها بأيام غداة انقلاب عبد السلام عارف في العراق. يروي المناضل حسين العطار حكاية استشهاد والدته ووالده وهو يردّ رأسه إلى الخلف مسترجعاً تلك الأوقات بخليط من الحنين والحزن والعزة والفخر.

هو ابن "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" التي بلغت من العمر 44 سنة. قصته قصة واحد من مناضليها يؤمن أن أسوأ ضريبة يدفعها الثائر هي ضريبة التقاعد عن الثورة لا الموت. وهو اذ كان يكشف للمرة الاولى اسرار مرحلة حساسة جداً في العمل الثوري الفلسطيني بداية سبعينيات القرن الماضي، فإنه يرفض أن يظهر بمظهر البطل، فتلك مرحلة صنعها رجال مجهولون، يعيشون بيننا او في بلادهم. وأجمل ما في القضية الفلسطينية انها استطاعت ان تستقطب شباناً وشابات من مختلف جنسيات العالم لتصبح بذلك قضية الأحرار وجواز سفرهم الحقيقي الذي لم يكن يوما بحاجة الى اذن شرعي او ختم خاص من حراس الحدود.

حفيد المرجع الديني.. شيوعي ففدائي

كان اسمه كفاح حين ولد في العام 1951. هكذا سماه أبوه نجل آية الله سيد علي سيد عبدالله "بحر العلوم" وأحد أبرز مساعديه في الحوزة الدينية في النجف الاشرف، قبل ان يخلع عمامته وينضم للشيوعيين "كردة فعل" على اعدام الامين العام للحزب الشيوعي العراقي يوسف سليمان يوسف المعروف بـ"فهد" في الرابع عشر من شباط من العام 1949.

يبدأ إبن "الشيخ" سرد قصته ضاحكاً فيتحدث كيف ذهبت والدته الى محلية النجف التابعة للانتداب البريطاني بعد ولادته بثلاث سنوات كي تسجله واثنين من إخوانه في دائرة الاحوال الشخصية، فشتمها الموظف بعدما أخبرته بأسماء أبنائها الثلاثة، ساخراً منها لعدم تسميتهم لينين وماركس وستالين. تعود الام خائبة وتضطر لتستبدل الاسماء. أخوه الاكبر نضال صار اسمه عبد الامير اما هو فقد أصبح اسمه حسين فيما اخوه جهاد اضحى اسمه جواد. لحقهم آخرون إلى أن باتوا ستة اشقاء.

شب الاولاد على الشيوعية وعلى معاناة الوالد مع التزامه الحزبي والعقائدي حتى يعدم الاب وتنتحر الام سنة 1963، ليتشردوا بين عائلات عدة تتناوب على الاهتمام بهم. ومن النجف يغادرون الى بغداد ليعيشوا في غرفة صغيرة في احد الاحياء الفقيرة في العاصمة في فقر مدقع يدفع حسين الى ترك مدرسته والتفرغ للعمل لدى إبن عمه في محل لتصليح الاحذية، ومن "اسبوعيته" صار بالإمكان تسيير الحال من دون الاضطرار الى العوز والعناية.

يكبر الاولاد وقد تغلغلت الحكاية في قلوبهم، حكاية القضية الفلسطينية. يستمرون في النضال السري داخل صفوف الشيوعيين العراقيين. حسين يمضي وقته بعد العمل في احد مكاتب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في بغداد يحفظ الاناشيد الثورية، ويبدي حماسة شديدة لمتابعة الاخبار الواردة عن معركة الكرامة حيث دارت هناك مواجهات عنيفة بين القوات الاسرائيلية والفدائيين على الضفة الشرقية لنهر الاردن في 21 آذار من العام 1968 منيت على اثرها اسرائيل بهزيمة كبيرة. في حينها كان حسين قد قطع صلته بالشيوعيين ودخل "الجندية" في الجيش العراقي آملا الذهاب مع فصيل بلاده الذي ارسل الى الاردن كي يشارك بالحرب الى جانب الفدائيين لكن ذلك لم يتحقق فبقي في معسكر قرب بغداد.

مع الوقت راحت علاقته تتوطد بالجبهة الشعبية الى أن طلب من مسؤولين فيها الالتحاق بصفوفهم كي يذهب للقتال في فلسطين، وهو كان قد اطمأن حينها الى مصير اخوانه ولم يعد هناك ما يقلقه بشأنهم معتبراً ان التحاقه بالفدائيين يحرره من اعباء الفقر ومن الاستبداد ومن مطاردات النظام، كما أنه كان معجباً جداً بطريقة عمل الشخصية الاسطورية في الجبهة، الدكتور وديع حداد، وقد بدأت اخبار عملياته تملأ الدنيا.

وافقت الجبهة على طلبه، وحدد موعد رحيله من العراق إلى الاردن. ذاك الصباح لم يكن بحاجة الى وداع أحد، حتى بندقيته التي تركها جانباً. نزع عنه ثيابه العسكرية دون طقوس خاصة ولبس ثياباً مدنية وتوجّه الى باحة المدرسة العسكرية التابعة للجيش العراقي، ومن ثم تسلق حائطها وخرج إلى حياته الجديدة في الاردن.

إنه كارلوس

وصل إلى معسكر كبير قرب مدينة جرش يضم مقاتلين من دول مختلفة عربية وأجنبية. يستعيد اسمه الاول، "كفاح". يذهب مع المجموعات وينفذ عمليات ضد أهداف اسرائيلية في فلسطين المحتلة. في المرة الاولى لم يصدق انه يخوض الاشتباك مع حامية إحدى المواقع على الحدود الاردنية قرب الاغوار. عاد مغموراً بالفرح. شعور دفعه أكثر فأكثر نحو الحياة "الفدائية". غدا المعسكر بيته. يعيش وينام فيه. ويتطور فكرياً وعسكرياً ويبني صداقات متينة أبرزها مع شخص اجنبي اسمه الحركي "سامي". كان "سامي" فتى شديد الوسامة وشجاعاً ويتكلم سبع لغات ويبدي مهارة استثنائية في التدريب برغم بدانته وتأخره عن البقية في الركض الصباحي.

تعمّقت لاحقاً العلاقة بين الرجلين اللذين ينقلان مع آخرين الى معسكر في جبال السلط قرب مخيم البقعة الواقع على طريق عمان - جرش، وهناك يخوضان المعارك جنباً الى جنب ضد الجيش الأردني الذي حاول مراراً وتكراراً اقتحام المعسكر، لكنه في كل مرة كان يفشل. في فترات الهدنة ووقف اطلاق النار اخبر سامي كفاحاً بهويته الحقيقية: انه ايليتش راميريز سانشيز من فنزويلا. سرد له حكايته ووجد فيها كفاح تشابهاً كبيراً مع سيرته الا لناحية المال. فإيليتش الذي سيشتهر لاحقا باسم كارلوس كان ابن احد اكبر الاثرياء في فنزويلا لكن ابوه كان يسارياً ومن شدة افراطه في اليسارية سمى اولاده الاربعة تباعاً باسم "فلاديمير إيليتش أوليانوف لينين". كارلوس، كما نعرفه، حمل الاسم الثاني.

حين عقد اجتماع موسع في أحد المعاقل في جبال جرش شارك فيه مختلف قيادات الجبهة الشعبية، من بينهم جورج حبش وابو علي مصطفى وليلى خالد ووديع حداد، تقدم الاثنان، العراقي والفنزويلي من وديع وعانقاه وتبادلا الكلام معه. اعجب الرجل بالشابين، وعلى عجل قرر أولاً الانفراد بكارلوس فعقدا اجتماعاً سرياً وتناولا فيه تفاصيل العمل وكيفية التعاون. أسرّ كارلوس لرفيقه كفاح ببعض مما دار مع وديع وأخبره بأنه انتقل الى العمل في فرع العمليات الخارجية التابع للجبهة، ليختفي بعدها كارلوس، ولا يلتقيه كفاح بعد ذلك قط.

ذكراه الحزينة هي أحداث جرش في تموز من العام 1970. أسبوعان لا يوصفان. الموت والجوع والحصار في وادٍ سحيق في آخر جبال جرش باتجاه الأغوار قرب مجرى نهر الاردن، فقد حاصر الجيش الاردني في ذاك العام ما يقارب ثلاثة آلاف مقاتل من مختلف التنظيمات في واد يبلغ طوله 22 كيلومتراً. كان المقاتل المحاصر يقتات بست قطع من البسكويت المالح في اليوم الواحد، ولا يحصل الا على القليل القليل من الماء في أشد لحظات الصيف حراً. ومع ازدياد الجوع والعطش كانت قيادة المقاتلين تضطر الى ارسال الاشداء منهم الى النهر المحاذي كي يجلبوا الماء. يتسلل في كل مرة قرابة العشرين مقاتلاً يحملون "غالونات كبيرة" فارغة ويذهبون بها الى النهر فيصلونه ويرمون أجسادهم به، ويتحولون الى اطفال صغار يلهون بالماء، وما ان يفرغوا من ذلك ويهمون في حمل الغالونات الى رفاقهم حتى يشرع الجندي الاردني بقنص وقتل عدد منهم فيما تنجو القلة وتعود بكمية قليلة من المياه للرفاق. يوماً بعد يوم، كان الذاهبون إلى المهمة الأصعب يتساقطون، حتى بلغ عددهم 200 شهيد.

حطّموا بنادقكم

كل صيغ الاستسلام رفضت من قبل الجانب الاردني الذي أصر على امر واحد وهو ان يضع الفدائي بندقيته ارضاً ويخرج من الوادي رافع اليدين. وهذا ما حصل لكن البنادق لم تترك سليمة في تلك الجبال القاحلة. أوعز الشهيد ابو علي مصطفى وهو القائد الميداني حينها الى رفاقه بضرورة تحطيم البنادق في الأودية. اجلس مقاتليه في حلقة نصف دائرية واعطى اليهم تعليماته بتحطيم بنادقهم. أطرقوا، فصرخ بهم: "الآن". وبينما تدوي في الوادي قرقعة التحطيم، رفع ابو علي مصطفى المسدس إلى رأسه لينهي حياته، فسارع القيادي عبد الرحيم الملوح إلى دفع المسدس بعيداً لتخرج رصاصة إلى الأرض. راح الجميع يبكي.

عند رأس الجبل تجمّع المقاتلون واقتيدوا مكبلي اليدين الى معسكر للجيش الاردني فيه مرأب كبير للطائرات الحربية كان اشبه في حر ذاك الصيف بالجحيم. كان كفاح قد أصيب قبلاً فأعطاه الشباب بطاقة هوية لأحد الذين قتلوا على النهر وهو مدني يعمل في الهلال الأحمر الفلسطيني، فنقل على اساس انه المسعف الى المستشفى ومن هناك تمت مداواته من ثم نقل الى سوريا حيث خضع لعلاج اضافي في احد المستشفيات السورية لتستقر حالته ويأتي أبو عمار لزيارته ويعرض عليه الذهاب الى بغداد والاستقرار في وطنه. لم يلتقه جورج حبش في دمشق لأنه كان ممنوعاً من دخول الاراضي السورية.

حصل الرفيق على العضوية "الفتحاوية" برتبة ملازم تحت اسم مزور، وذهب الى بغداد ليمضي اجازة بين اخوانه قبل ان يقطعها ويذهب ثانية الى مكتب الجبهة ويطلب الرجوع الى رفاقه فتعود وتنقله سيارة تابعة لمجلة "الهدف" الى سوريا ومنها... الى بيروت.

الى فرع العمليات الخارجية

اوصلته السيارة الى قصر صالحة الكائن في منطقة الحمراء في بيروت وهناك التقى ثانية بوديع حداد الذي تذكّره كصديق لكارلوس. كان حداد الطبيب يعاين الجرحى القادمين من معارك الاردن. يشخص حالاتهم ويحوّلهم الى اطباء مختصين في المستشفيات اللبنانية. وكانت سيارة "الهدف" تقل يومياً الجرحى من الاردن الى ان اصبح المكان مكتظا، فقام وديع "بطرد" من بدأ يتماثل للشفاء ومن بينهم كفاح الذي احتار ومن معه في كيفية التصرف. قرروا بداية الذهاب الى مكتب الجبهة في مخيم شاتيلا، ظنوا بذلك ان وجهتهم سليمة لكنهم لاقوا هناك من نعتهم باليمينية وبالمهزومين والمستسلمين. صعقهم الاتهام فحصل تلاسن كاد يتطور الى عراك لولا استدراكه من قبل احد مرافقي "الحكيم" ويدعى أبو الحكم فاصطحبهم الى منطقة على البحر بين الرملة البيضاء والاوزاعي وهناك تعرفوا الى صياد لبناني راحوا يبيتون عنده في كوخه الذي على الشاطئ.

ظلوا هناك حتى أرسلتُ بطلبهم ونقلتهم الى شقة مقابل الملعب البلدي. كان في الشقة من ينتظرهم: وديع حداد وابو علي مصطفى وابو احمد فؤاد والملوح. أفرغ الكل ما في جعبته من كلام حمل الكثير من العتب خاصة على وديع بسبب طرده للرفاق من قصر صالحة وبدرجة اقل على من وصفهم بالمهزومين. بعدما غادر من غادر، بقي في الغرفة ابو علي مصطفى ووديع وكفاح، حيث عُرض على الاخير العمل في قسم العمليات الخارجية اي مع وديع حداد.

أقلته سيارة في اليوم الثاني الى صيدا. كانت المهمة التدرب على الغطس. استقبله "ابو محمد" رجل الظل الأبرز في هذا الميدان. بدا الرجل ودوداً ومفعماً بالحيوية. لا تفارق وجهه ابتسامة تخفي خلفها الكثير من العبء الآتي من كل الاتجاهات. لم يكن كفاح يعرف من يكون هذا الشخص الا انه اطمئن وارتاح لطريقة العمل معه خاصة بعد ان عرف انه عراقي مثله. التدرب على الغطس كانت الغاية منه التسلل بحراً لتفخيخ سفينة سياحية ترسو في ميناء بيروت وهي مقبلة من ايطاليا واليونان ومن ثم تتجه إلى قبرص ومنها الى حيفا وعلى متنها سياح يحملون جنسيات مزدوجة اسرائيلية – أوروبية وبعض هؤلاء يعمل لحساب المخابرات الإسرائيلية.

اعطاه ابو محمد ثانية "اللوازم" اي جواز سفر مزور وتأشيرة الى اثينا حيث ذهب لخطف السفينة التي ستذهب من ايطاليا الى اليونان فقبرص ومن ثم الى حيفا. لكن العملية فشلت بعدما أقدم احد افراد المجموعة وهو ايراني على تسليم نفسه الى مركز للشرطة من شدة خوفه. علم الرفاق بالأمر وقبل تسلم السلاح في اثينا غادرت المجموعة بشكل طبيعي الاراضي اليونانية وعادت أدراجها الى لبنان.

يعاود ابو محمد الاتصال به ويطلب منه التوجه الى ايطاليا لمحاولة الاستيلاء على السفينة نفسها، ولكن هذه المرة من خلال الصعود اليها من مرفأ باري الايطالي.

كانت العناصر المساندة والعاملة في اوروبا قد وفّرت كل الاحتياجات اللوجستية وأمنت وصول المجموعة الى المرفأ والصعود منه الى السفينة التي كان على متنها قرابة الف مهاجر يهودي مغربي الى اسرائيل يجلسون في الدرجة الثانية. اما افراد المجموعة فجلسوا في الدرجة الاولى بموجب الحجز الاساسي وهو خطأ لأنهم وهم ينتحلون صفة مواطنين افغان لا يعرفون كيفية التعامل في الدرجة الاولى على سفينة ترفيهية سياحية لناحية اللباس الرسمي وطريقة الأكل وهم فدائيون قادمون لتوهم من جبال ومعارك طاحنة، الأمر الذي اثار ريبة امن السفينة وقبطانها وسهل عملية مراقبتهم خاصة بعد تمنع العناصر عن النزول مثل سائر "السياح" الى الموانئ التي سبق وتوقفت عندها السفينة.

كانت الخطة استلام السلاح في قبرص، وأن يتمّ تهريبه في آلات موسيقية . لكن القبطان رفض السماح لهم بالنزول واستدعى الشرطة على عجل. ومع صعود الأمن وإخلاء السفينة شرعوا يفتشونهم فلم يجدوا شيئاً ما أثار حفيظة الفدائيين ودفعهم الى افتعال عراك قلبوا في خلاله الطاولة وحطموا الاثاث في حركة الغاية منها هي إبعاد الشبهة عنهم، فاتهموا القبطان بالعنصرية لأنهم "أفغان" "ومسلمون" وشكوا للشرطة ممارساته. وغادروا السفينة في قبرص إلى مطار لارنكا.

كوزو اوكاموتو

كانت الطائرة اللبنانية على وشك الإقلاع من مطار لارنكا الى بيروت ما استدعى تأخيرها ريثما يتم وصول المجموعة وسط إجراءات امنية مشددة اليها. سمعوا الكثير من الاهانات اللفظية من ركاب الطائرة بسبب "نقعهم" في الطائرة لساعات ظانين انهم أفغان ولا يتكلمون العربية.

وصلوا إلى بيروت لينقل كفاح الى بغداد على وجه السرعة لتدريب مجموعة على عملية خاصة وحساسة جداً. لم يكن يعرف طبيعة المهمة، لكنه تفاجأ هناك بالمجموعة اليابانية: كوزو اوكاموتو ورفاقه وعمل على تدريب هذه المجموعة وتحضيرها جيداً ومن هناك ذهبت الى باريس لتصل الى مطار اللدّ على متن طائرة فرنسية وتنفذ عمليتها الشهيرة في مطار تل ابيب والتي أسفرت عن مقتل ما يقارب المئة واستشهاد رفيقي كوزو الذي اعتقل بعد إصابته. العملية تلك مثلت فاتحة جيدة في العلاقة بين الرئيس العراقي محمد حسن البكر ووديع حداد فأرسل اليه مساعده ابو جبار ومعه مبلغ كبير من المال (مليون دولار) كهدية من الرئيس العراقي الى الجيش الاحمر الياباني فاستلم وديع الأمانة وسلمها لليابانيين.

الاعتقال الاول في ايطاليا

بداية العام 1973 ذهب كفاح بجواز سفر ايراني مزور الى ايطاليا لتدمير طائرة "العال" الاسرائيلية على مدرج المطار وهي تحاول الاقلاع. كان الحائط الشائك جانب المطار مرتفعاً ومن الصعب اصابة الطائرة بقذيفة آر بي جي مما اضطر المجموعة الى اختيار مكان آخر لقصف الطائرة وهو شرفة المسافرين. صعد كفاح ورفاقه الى الشرفة واندسوا بين المسافرين، لكنهم فوجئوا بتغير موعد سفر الطائرة الإسرائيلية وهي عادة درجت عليها الشركة "الاسرائيلية" لأسباب أمنية، ما دفع بالمجموعة الى محاولة اطلاق النار، لكن السلاح تعطل الأمر الذي أدى الى انكشاف امرهم واعتقالهم والحكم عليهم لمدة 12 عاماً. لكن بعد مرور تسعة أشهر تم الإفراج عنهم بموجب صفقة تبادل بين مجموعات وديع والسلطات الايطالية بعدما تم اختطاف ضابط استخبارات ايطالي ومقايضته بالمجموعة فتم الإفراج عنهم الى القاهرة ومنها توجهوا الى العراق الذي أقفل معسكرات التدريب اثر اتهام وديع بالضلوع بمحاولة انقلاب نفذتها مجموعة من الضباط ليتوجّه كفاح الى اليمن.

اليمن قاعدة الثوار

في تلك الفترة شهدت معسكرات الجبهة الشعبية في اليمن اوسع عمليات تدريب لمقاتلين من دول عدة، ابرزهم مجموعة عبدالله اوجلان المفرج عنهم يومها من سجون فرنسا بسبب حيازة أسلحة لكارلوس والمجموعة الايرانية يتقدمهم ابو اكرم الحسيني احد المقربين من مؤسس الجمهورية الإسلامية في ايران الامام الخميني الذي التقاه كفاح في النجف برفقة الحسيني، وقد حمّله التحية لوديع والجبهة الشعبية على الدعم الذي تقدمه لمعارضي الشاه، كذلك المرور الساحر دوماً للمناضلة ليلى خالد، فحين يذكرها كفاح يخفض صوته قليلاً متمتماً لكونها المسؤولة التنظيمية عن هذا العمل وأحد العقول المنفذة والمدبرة لمجمل العمليات.

كذلك فإن اليمن اصبح قاعدة لانطلاق عمليات عدة كان من بينها محاولة قصف طائرة "العال" في مطار اورلي، ضرب ناقلة النفط الاسرائيلية في مضيق البحر الاحمر، عملية تفجير مصفاة للنفط في سنغافورة تمد الاسطول الاميركي بالوقود. احتلال السفارة اليابانية في الكويت. خطف طائرة تقل 13 وزيراً من منظمة الدول المصدرة للنفط "اوبك". العملية الأخيرة دفعت بوديع للتعلق بساعديه بغصن شجرة وراح يتأرجّح فرحاً ما ان سمع بخبر نجاحها. يومها كان وديع وكفاح وآخرون في الصومال.

وهناك سيُصاب كفاح بالملاريا ويعالجه وديع بعدد من الحقن اليومية وهو في طور تجهيز نفسه للذهاب إلى كينيا، وقبل أن يتماثل للشفاء نهائياً توجّه على رأس مجموعة الى نيروبي. لم يكن من وداع بينه وبين وديع في كل مرة يخرج بها الا هذه المرة، فقد تعانقا طويلاً ربما لكون العملية في غاية الحساسية ومترابطة مع عملية ثانية هي عملية عينتيبي. كان هدف كفاح إسقاط طائرة "العال" بالصواريخ.

في أواخر الشهر الاول من بداية سنة 1976 وبعد تأخير في الموعد لمرة واحدة، التقى السفير الصومالي يومها في كينيا حسين عبد الله بالمجموعة وأخذهم الى البيت السري على ان يستلموا منه الصواريخ وينطلقوا نحو المطار فموعد الطائرة قد اقترب. استمهلهم السفير قليلاً واصطحبهم اولاً الى حديقة حيوانات وهناك امضوا بعض الوقت قبل ان يصروا على ضرورة التوجه الى المطار. كانت المجموعة مؤلفة من ستة افراد: الالماني توماس، والالمانيتان برجيت شولز ومونيكا هاسبا، اضافة الى محمود القوصي وابراهيم توفيق وحسين. ذهبت المجموعة الى المطار ومعها الصواريخ، وما إن وصلوا الى محاذاته حتى وصلت قوى كبيرة من الجيش الكيني، حاولت المجموعة الفرار وحصلت عملية مطاردة تخللها اطلاق نار في بعض الاحيان الى ان وقعت المجموعة في قبضة الجيش الكيني. وشى بهم السفير الصومالي وأبلغ عنهم وحصل على اللجوء السياسي في كينيا لقاء ذلك.

تم احتجاز المجموعة في ظروف سرية وبتكتم شديد من قبل السلطات الكينية. حضر كبار ضباط "الموساد" للتحقيق معهم إضافة الى كبار الضباط من كينيا، ومن هناك سينقلون الى اسرائيل.

كان التحقيق قاسياً، فقد بقيت المجموعة في العزل وخاضعة للاستجواب لمدة عام ونصف، استخدم خلالها المحقق وسائل التعذيب كافة من التعليق على عمود، الى الربط بالكرسي بطريقة معكوسة، الى وضع سيجارة مشتعلة في الأنف عدا عن الصعق بالكهرباء في اماكن حساسة من الجسد إضافة الى رمي الماء الساخن والبارد. والسؤال الوحيد الذي كان يوجه للمجموعة: هو مسار عمل وديع حداد.

في تلك الفترة حصلت عملية خطف طائرة فرنسية وعلى متنها قادة من الحركة الصهيونية العالمية. تمّ التوجه بها الى عينتيبي حيث بقيت عشرة أيام. فشلت المفاوضات وحصلت عملية اقتحام للطائرة قتل فيها 17 اسرائيلياً بينهم اربعة من الرهائن والبقية من الكومندوس على رأسهم قائد الهجوم، فيما سقط أعضاء المجموعة شهداء وكان عددهم ثمانية بينهم لبنانيان والمانيان واربعة فلسطينيين. على اثرها اعلنت اسرائيل ان مجموعة نيروبي تم اعتقالها في عينتيبي. استجوب كفاح على خلفية عملية عينتيبي، لكنه لم يعترف بشيء حتى باسمه وجنسيته العراقية، فقد عرف بها المحققون من خلال لكنته بعدما صادفه أحد المحققين وهو يهودي عراقي، ليعترف لاحقاً ان جواز سفره التركي مزور.

مضت سنوات الأسر العشر على كفاح متنقلا بين سجون الرملة ونفحة وعسقلان وقد خاض خلالها تجربة مريرة خلف القضبان، واثناءها جاءه خبر استشهاد رفيق دربه الدكتور وديع حداد، فبكى.

في 21 ايار من العام 1985 نفذت الجبهة الشعبية - القيادة العامة عملية تبادل للاسرى مع العدو، تم بموجبها الإفراج عن اكثر من الف اسير بينهم حسين.

كل شيء كان قد تغير بالنسبة إليه. شيئاً فشيئاً بدا يدرك حقيقة ذلك أنه خرج الى عالم لم يعد فيه وديع حداد. عالم لم تعد فيه الظروف التي خلقت وديع حداد.

في بداية شهر شباط من العام 1990 وبينما كان في دمشق، التقى بصديقه عمر عبد الستار فطلب منه الاخير التوجه معه الى موسكو. هذا ما حصل. سافر حسين الى موسكو وهناك التقى بمدير مكتب يفغيني بريماكوف وزير خارجية الاتحاد السوفياتي الذي تربطه صداقة قوية بعبد الستار فعرض عليه أمر صديقه.

صبيحة الثامن من شباط من ذاك العام، وقف حسين امام سلم الطائرة والى جانبه زوجته وطفلاه. توقف للحظات؟ للمرة الأولى، كانت بيده حقيبة صغيرة خالية من السلاح وكان فيها أوراق ثبوتية غير مزورة. نظر الى الحقيبة وابتسم، ثم تأبطها كما تأبطه ذات يوم رفاقه في معسكر الرشيد وصعد وعائلته الى طائرة تابعة للخطوط الجوية الالمانية الشرقية "انتر فلوك" في آخر رحلة لها من موسكو الى برلين وهناك قدم لجوءاً سياسياً في المانيا الموحّدة وقد انهار جدارها.

نبيه عواضة

إضراب ضاغط لـ «التنسيق» وصرّاف يعلّق مفاوضاته مع غصنتنفّذ هيئة تنسيق الأساتذة والمعلمين إضراباً وتظاهرة تنطلق عند الـ11 قبل ظهر اليوم من ساحة بشارة الخوري باتجاه السرايا الحكومية. هدف التحرّك إعادة النظر بقرار تصحيح الأجور في إطار اقتصادي أكثر شمولية. التحرك يؤتي ثماره مبكراً مع بدء التحضيرات، فأعلنت التعبئة التربوية لـ«حزب الله» مشاركتها، فيما بدا أصحاب العمل مربَكين وعلّقوا التفاوض مع الاتحاد العمالي

محمد وهبة

«التصحيح» هو عنوان المعركة التي تقودها هيئة التنسيق النقابية بوجه الحكومة. فالإضراب والتظاهرة اللذان تنفّذهما الهيئة سيكونان فاتحة لتغيير ما. غالبية الأطراف المعنية تعيد درس حساباتها وتربط مواقفها بحجم التظاهرة التي ستنطلق عند الحادية عشرة من قبل الظهر من تقاطع بشارة الخوري ـــــ السوديكو إلى السرايا الحكومية، رافعة مطالب اجتماعية مختلفة، منها تصحيح الأجور بنسب عادلة وشمول جميع اللبنانيين بالتغطية الصحية الشاملة وتعديل النظام الضريبي باتجاه استهداف الريوع العقارية والمالية، لا الأسر والفقراء والإنتاج.

عشية التظاهرة والإضراب، كانت هناك 3 عوامل تتفاعل: رجل الأعمال جاك صراف المقرّب من الرئيس نجيب ميقاتي أعلن وقف التفاوض مع الاتحاد العمالي العام، ورئيس جمعية التجار نقولا شمّاس استمهل الحديث عن التسويات والمواقف إلى ما بعد هذا اليوم، مشيراً إلى أن اليوم «ليس عادياً»، وبالتالي لا بد من الانتظار، فيما تبيّن أن هناك سككاً ومخارج عديدة تبحث في قنوات معينة للتوصل إلى ما يعيد للعمال بعض حقوقهم المهدورة.في ضوء هذه التفاعلات، كانت هيئة التنسيق النقابية تعدّ لتنفيذ باكورة برنامجها الضاغط ضد سياسات الحكومة ومواقف أصحاب العمل؛ فقد دعت الهيئة في بيان أمس «جميع الأساتذة والمعلمين في الثانويات والمدارس الرسمية والخاصة والمدارس والمعاهد الفنية والمهنية والموظفين في جميع الإدارات والمؤسسات العامة، إلى الإضراب والمشاركة الكثيفة في التظاهرة المركزية، رفضاً لقرار مجلس الوزراء المهين والمذل بشأن تصحيح الرواتب والأجور».تلقفت جهات عديدة هذه الدعوة بوصفها محطة مهمة تكمل المرحلة السابقة. حتى إن قطاع النقابات العمالية في «تيار المستقبل» انتقد ما وصفه بمسرحية «زيادة الأجور» لكونها وأبطالها من أهل السلطة والاتحاد العمالي العام، مشيراً إلى أن «الاستمرار بتطبيق السياسة المتبعة من قبل هذه الحكومة، لا يغدو كونه دواءً مؤقتاً مسكناً للمواطنين لن يدوم مفعوله طويلاً، وسرعان ما سينتهي، وحينها سترى الحكومة الربيع الاقتصادي والاجتماعي يقضّ مضاجعها».وفيما تتالت المواقف المؤيدة والمشاركة في إضراب الغد، ولا سيما التعبئة التربوية لـ«حزب الله»، التي أوضحت في بيان أن مشاركتها تأتي «دعماً للتحرك الرافض لطريقة معالجة مجلس الوزراء لمسألة الأجور والأزمة المعيشية»، أعلنت نقابات «الحزب الشيوعي» أيضاً مشاركتها إلى جانب نقابات عمالية أخرى في الإضراب والتظاهرة، متوعدة بأن الضغط سيكون كبيراً اليوم، وسيشعر به الرئيس ميقاتي والمسؤولون في السلطة. ودعا الاتحاد الوطني لنقابات العمّال والمستخدمين إلى أوسع مشاركة في الإضراب والتظاهر.في خضم هذه الاستعدادات لإسقاط قرار مجلس الوزراء الأخير، قرر ممثلو أصحاب العمل الأكثر قرباً من الرئيس ميقاتي، تعليق المفاوضات مع الاتحاد العمالي العام. فقد أعلن رجل الأعمال جاك صراف أن «الجدل لمجرّد الجدل لا يجوز من دون وجود أي رؤية ولا تجوز المزايدات».أما رئيس جمعية تجار بيروت، نقولا شماس، فقد رفض التعليق، مكتفياً بالقول «إن اليوم ستكون له دلالاته وسيكون أمراً كبيراً، لذلك يجب أن نستقرئ مجريات هذا الوضع قبل إطلاق أي موقف».في الواقع، تعكس هذه التعليقات مجموعة من الأسئلة عن الموقف الذي سيتخذه أصحاب العمل من احتمال إلغاء قرار زيادة الأجور الأخير وتصحيحه على قواعد مختلفة عن السابق! هل يُعدّون العدّة لخطوة جديدة مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي؛ إذ يتهاوى مشروعه في الشارع؟ هل يقرأ أصحاب العمل التحوّلات التي تلت موقف «حزب الله» في مجلس الوزراء وتعديله ببيان وحدة النقابات بعد أقل من ساعتين على انفضاض المجلس؟الأسئلة كثيرة ولا يجيب عنها إلا أصحاب العمل أنفسهم. بعضهم يرى أن مشروع وزير العمل شربل نحاس لتصحيح الأجور وكل ما يرتبط به هو أمر مفيد للاقتصاد ويزيل بعض الأعباء عن أصحاب العمل ويصحّح المسار السابق، لكنهم لا يعلنون ذلك صراحة، ويرغبون بالبقاء في مسار تكافلي مع زملائهم من أصحاب العمل للحفاظ على تكتل واحد بوجه العمال. إلا أن الوقائع الجارية منذ بدء الحديث عن تصحيح الأجور، تؤكد أن أصحاب العمل هم مجموعة تكتلات تحاول عدم إظهار خلافاتها، رغم أن غالبيتهم ترفض مجرّد الكلام عن تصحيح الأجور، وهناك قسم يتعاطى مع المسألة انطلاقاً من أنها أمر سياسي يجب أن يسوّى على هذا الأساس.المشترك بين هذه الآراء أنها لم تسهم في أي طرح ذي رؤية شاملة، بل تمترست جميعها وراء مواقف مسبقة تنتظر «تسوية ما» وتتنكّر لقناعاتها الحقيقية، لا بل إنها كانت ترفض فكرة النقاش الجدّي بعيداً عن الاصطفاف السياسي. جاء هذا الأمر ليعكس الخوف والقلق من تصحيح الأجور بالطريقة «اللبنانية التقليدية» التي كانت تُنفّذ في السابق بخلفية التسوية السياسية التي يتوافق عليها الأطراف. ربما لم يتوقع أي من أصحاب العمل أن تكون هناك طروحات مختلفة جذرياً، لكنها طرحت! عندها ربما لم يتوقع أي منهم أن تكون هذه الطروحات متماسكة ومندفعة، فتخلّوا عنها سريعاً ووقفوا متفرّجين على نحاس يطرحها. أصحاب العمل المقرّبين من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، يرفضون أي نقاش في ما يطرحه نحاس. وبحسب جاك صراف، ما يحصل بين أرباب العمل هو «تنوّع في الآراء» لكنه يوافق على أن لرئيس جمعية تجار بيروت نقولا شمّاس رؤية أخرى «رغم أن الجميع وقفوا صفاً واحداً وأعلنوا موقفاً واحداً في بيان واحد صدر أخيراً».أما خريطة الطريق لما بعد مرحلة إضراب وتظاهرة هيئة التنسيق، فهي تبدأ لدى صراف بالإشارة إلى دخول الهيئة في مفاوضات تصحيح الأجور، مشيراً إلى أن «ما زاد الطين بلّة هو أن هيئة التنسيق ليس لها علاقة مع القطاع الخاص». ويرفض صراف مشروع وزير العمل الذي يريد «إدخال بدلات النقل في صلب الراتب ليضرّ أصحاب العمل»، مصراً على «الحوار مع الاتحاد العمالي العام»، لكن ما يحصل هو أن «الحوار تحوّل إلى مزايدات اجتماعية، وشريعة للشريعة».

9 %

هي النسبة التي يقترحها وزير العمل شربل نحاس لدعم الأجور من خزينة الدولة بعد ضمّ بدلات النقل إلى صلب الراتب وتصحيح الأجور بزيادة نسبتها 17%، ما يوفّر للأجراء زيادة إجمالية على رواتبهم لا تقلّ عن 438 ألف ليرة ولا تزيد على 531 ألف ليرة

مشاركة كثيفة

يتوقّع المراقبون مشاركة كثيفة في التظاهرة اليوم بسبب السخط العام على قرار مجلس الوزراء الأخير وإعلان مجموعات نقابية وحزبية وشبابية كثيرة دعمها ومشاركتها في هذه التظاهرة، ولا سيما حزب الله والتيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل وقوى 14 آذار والحزب الشيوعي والتنظيم الشعبي الناصري وحركة الشعب والعديد من الاتحادات النقابية العمّالية، فضلاً عن هيئة التنسيق النقابية التي تضمّ روابط ونقابات الأساتذة والمعلمين في المدارس الرسمية والخاصة والموظّفين في إدارات الدولة.

محمد زبيب

كثيرون يصرّون على إغماض أعينهم عمّا يحصل في لبنان اليوم، فلا يعيرون اهتماماً كافياً لسابقة لم يشهدها لبنان في تاريخه، تتمثل في رجحان كفّة سقوط قرار مجلس الوزراء بزيادة الأجور للمرّة الثانية في شهرين. فقد نجح وزير العمل شربل نحّاس في إبقاء مشروعه «حيّاً يُرزق» على الرغم من التحالف الواسع الذي قام لوأده، وها هو حزب الله يضطر إلى الخروج من هذا التحالف ليعلن تأييده للمشروع، ولو بشرط التوصل إلى تسوية مع حليفه الرئيس نبيه بري. وها هو الرئيس برّي نفسه يبدأ رحلة التضحية ببعض المصالح الصغيرة، عبر الموافقة الضمنية على السير بمشروع نحّاس، ولكن مع تعديل «جوهري» يتعلق ببند شمول جميع اللبنانيين المقيمين بتقديمات صندوق الضمان الصحّي المموّل من الموازنة العامّة بدلاً من الاشتراكات، إذ تقضي التسوية «المفترضة» بأن يُترك هذا البند لوزير الصحّة علي حسن خليل الذي يعكف الآن على وضع مشروع «بديل» يحقق التغطية الصحّية لغير المضمونين تحت جناح وزارة الصحّة، وهو تعهّد أخيراً بأن يطرح مشروعه «البديل» للنقاش قريباً جدّاً، معلناً براءته من مشروع سلفه الوزير السابق محمد جواد خليفة.هذا لا يعني أن الوزير نحّاس قبل بهذه التسوية، فهو لا يزال مقتنعاً بمشروعه كسلّة متكاملة غير قابلة للتجزئة، إلا أن إبرام التسوية المذكورة سيضمن أكثرية في مجلس الوزراء تسمح بطرح المشروع للنقاش بعد تجاهله مرتين: في جلسة 11/10/2011 التي جرى فيها تجاوز صلاحيات الوزير المعني، وتفويض رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي التفاوض مع الاتحاد العمالي العام والهيئات الاقتصادية، واتخاذ قرار أسقطه مجلس شورى الدولة بالضربة القاضية، وفي جلسة 7/12/2011 التي جرى فيها التصويت على قرار جديد اقترحه الرئيس ميقاتي، وجاء أسوأ من القرار السابق برأي جميع النقابات والروابط في القطاعين العام والخاص.

إذاً، اللبنانيون أمام فرصة جدّية لتحقيق خرق ما مهم. إلا أن مستوى أهميّته سيكون رهناً باستعدادهم لممارسة الضغوط الكبيرة اللازمة لتحسين شروط التسوية وجعلها أكثر قرباً من حاجاتهم وتطلعاتهم. لذلك تبدو التظاهرة التي دعت إليها هيئة التنسيق النقابية اليوم مفصلية، ووجب المشاركة فيها بكثافة، ولا سيما من جانب أولئك الذين سارعوا (عن قصد أو عن غير قصد) إلى صرف انتباه الناس عن أهم معاركهم بوصف مشروع نحّاس بـ«الطوباوية»، وبأنه غير قابل للتحقق في ظل النظام الطائفي وأطره «الزبائنية» وسطوة مافياته ورسوخ مصالح أطرافه، فأولئك صرفوا حبراً كثيراً في التهليل لتظاهرات «الشعب يريد إسقاط النظام الطائفي»، وشاركوا فيها بحماسة لافتة من دون أن يتبرّعوا برسم خريطة طريق واحدة لكيفية إسقاط هذا النظام «الأكثري»، وهم أنفسهم اليوم يصرفون حبراً أكثر لتبخيس جدوى واحدة من الطرق المتاحة الآن عبر فرض تعديل بنيوي على النمط الاقتصادي المدمّر وكسر واحدة من أهم حلقات «الزبائنية» التي يقوم عليها هذا النظام، والمتمثلة في حق اللبنانيين جميعاً في الحماية الصحّية من دون «وسيط» أو «منّة» من أحد.«كيف الصحّة؟» أليس هكذا يبادر الناس عادة إلى السؤال عن أحوال بعضهم بعضاً. «الصحّة» هي الأساس في تحديد حاجاتهم والتعبير عن ثقافتهم وأعرافهم وتقاليدهم وهمومهم ومخاوفهم. إلا أن أكثر من نصف اللبنانيين المقيمين «صحّتهم مش منيحة»، وأكثر من 75% من الأجراء يفقدون ضمانهم الصحّي عندما يصبحون أكثر حاجة إليه في حالات البطالة والتقاعد، وكلهم يواجهون مخاطر المرض وحدهم من دون أي رعاية أو تدخّل من الدولة إلا من خلال «زبائنية فاقعة» يحتاج إليها النظام الطائفي ليحافظ على «ديمومته» ويستمد من خلالها «قوّته»، تماماً كحاجته الدائمة الى «وصايات خارجية» تحميه أو تحمي «أطرافه» المتنازعين على الحصص والمصالح المقيتة، وحاجته أيضاً الى قدر أقلّ من «الدولة» وقدر أكثر من «ليبرالية اقتصادية» مزعومة لا يوجد مثيلاً لها إلا في نماذج «الديكتاتوريات» العسكرية و«ممالك» الريوع النفطية.لقد نجح «أخطبوط» النظام الطائفي في تدجين خصومه بكفاءة عالية. جعل حصنه الأكثر مناعة يكمن تحديداً في سيادة شعور عام باليأس لدى هؤلاء، جعلهم يسلّمون بأنه غير قابل للكسر، وجعلهم يستسلمون له، فيما «الأخطبوط» يمدّ أذرعه إلى كل شيء ليهيمن على أوجه الحياة في هذا البلد: دمّر مشروع الدولة لمصلحة تنظيمات «وسيطة» دون مرتبتها، راكم مديونية عامّة تبلغ حالياً نحو 70 مليار دولار، رهن مصالح اللبنانيين وحاجاتهم لأولوية خدمة هذا الدين، فأصبحوا يسددون الضرائب والإتاوات لقلّة تتركّز لديها الثروة، وتكفي الإشارة الى أن 1% فقط من الحسابات المصرفية فيها الآن أكثر من 60 مليار دولار، فيما 70% من المودعين لا يمتلكون سوى أقل من 3 مليارات دولار من مجموع الودائع في القطاع المصرفي المحلي! كذلك تكفي الإشارة الى أن 20% من أصحاب الدخل الأعلى في لبنان يستأثرون بأكثر من نصف فاتورة الاستهلاك، فيما 50% من اللبنانيين لا تبلغ حصّتهم من هذه الفاتورة إلا 20%!حتماً هناك صعوبة في تغيير هذا الواقع، بل قد يكون البعض محقّاً في أن «الأخطبوط» مستعد لجر البلاد إلى حروبه إذا شعر بأن مصالحه مهددة بأي شكل من الأشكال، إلا أن الصحيح أيضاً أن اعتزال أكثرية «المناضلين» وانصرافهم الى ترتيب أوضاعهم كيفما اتفق بانتظار عاصفة هوجاء أو زلزال مدمّر أو «قوى خارجية» (قد) تطيح هذا النظام هو ما يجعل التغيير أكثر صعوبة.الآن، هناك معركة حامية الوطيس، تتخذ لنفسها عنواناً هو تصحيح الأجور: المعارضة النيابية غائبة كلّياً، ما عدا بعض الانتقادات الخجولة لما تسمّيه «أداءً حكومياً سيّئاً»، والموالاة تبدو متخبّطة في هذا الملف أكثر من أي ملف آخر، وقيادة الاتحاد العمّالي العام باتت مكشوفة جدّاً في خضوعها لميزان القوى الاجتماعي القائم، وهيئة التنسيق النقابية تبدو عاجزة حتى الآن عن سدّ الفراغ الذي يحدثه غياب العمل النقابي الجدّي، والنخب المثقّفة حائرة أمام هذا المشهد، ولكي تبرر عجزها وتكيّفها (وتورّطها) تذهب الى التشكيك في كل المشهد، وتتصرّف بلامبالاة واضحة تجاهه... ما يحصل يبدو صادماً لكل هؤلاء، فهل يكفّون عن التصرّف كما لو أنهم يواجهون استحقاقاً «عادياً»، ويقتنعون بأنهم في خضم تصادم كبير يحصل اليوم بين المصالح المتناقضة التي تراكمت منذ انهيار مشروع الدولة في الثمانينيات...؟ هل يقتنعون بأن الأوان قد آن للنزول إلى الشارع من أجل فرض ميزان قوى جديد؟

البلد: ريمون ميشال هنود

في العاشر من كانون الأوّل 2011 عرضت بعض نشرات الأخبار مشاهد تظهر تعرّض شبّان وشابّات اتحاد الشباب الديمقراطي للضرب بالعصي والهراوات على يد أفراد من القوى الأمنيّة المولجة حراسة مبنى مصرف لبنان، على اعتبار أنّ اتّحاد الشباب الديمقراطي أقام اعتصاماً بالقرب من المبنى احتجاجاً على استمرار ضربات السياسات الاقتصادية الموجعة للفقراء والكادحين، وتبيَّن أنّ اتّباع أسلوب الضّرب المبرح، والذي أسفر عن أكثر من عشرة جرحى، كان بهدف طرد المعتصمين وافشال الاعتصام، ولا يختلف عاقلان متنوِّران على أنَّ الفعلة المشينة، تناقض تماماً كلّ الشعارات التي دأبت على اطلاقها منذ سنوات عدّة الى الآن، القوى السياسيّة اللبنانيّة الطائفيّة، والتي يترأسها أبناء الطبقة الحاكمة بأمرها، والتي تدعو "أي الشعارات" الى التعويل على عنصر الشباب على اعتبار أنّه أمل الوطن المتبقّي القادر على تطهيره من الفساد والافساد.

وبالمناسبة فانّ السلوك المستهجن هذا لم يتطاول على شباب يعتريهم الجهل، ويحتاجهم التثقيف واعادة التأهيل، انّما تطاول على نخبة وخيرة شباب لبنان المثقّف التقدّمي اللاطائفي العلماني، والذي يعمل من أجل نقل مبادئه الى الشريحة الأكبر من الشباب اللبناني التي غرّرت بها الشّعارات المذهبيَّة الفئويّة الضيّقة عبر التمكّن من دغدغة مشاعرها، وبالتّالي ضمّها الى كنفها وجعلها تتفيّأ مظلاّتها، لتتحكّم بها في نهاية المطاف عبر تحريكها بواسطة أجهزة الريموت كونترول من خلال أزرار تضغط عليها أصابع الأزلام والمحاسيب، والتمكّن من تسخيرها لخدمة المصالح السياسيّة للطوائف بدلاً من أن تكون مجنّدة لخدمة الوطن بغية انتشاله من مستنقعات الطائفيّة والمذهبيّة والعائليّة من أجل زوال آلام الالتهابات المذهبيّة المزمنة عن جذوع وأغصان الأرز العربيّ الخالد، والتي غزتها منذ العام 1840.

ما هكذا يُعامَل شبابٌ ساروا كلّ مساحة الأراضي اللبنانية سيراً على الأقدام ولمدّة ثلاثة وثلاثين يوماً في صيف العام 2008 وأقاموا صِلات تعارف مع مئات الأفراد اللبنانيّين على اختلاف انتماءاتهم وأطيافهم ومشاربهم، ولقاءات حواريَّة لبثّ نهجهم العلماني التحرّري النابذ للتمييز بين عِرق وعِرق ولون ولون ودين ودين، والمؤمن بالانسان الكفوء النزيه. ما هكذا يُعامل شبابٌ مؤمنٌ أشدّ الايمان بمقولة جبران: الأرض كلّها وطني والعائلة البشريَّة عشيرتي، وبمقولة المناضل الأممي أرنستو غيفارا: أي بقعة على المستديرة، يجتاحها الظّلم، تكون هي وطني، وتعوِّلُ عليه أرواح روّاد عصر النّهضة من عليائها لتطبّق مبادئها المعادية للانعتاق والتزمّت الوبيلين، واللّذين ما زال وباؤهما متفشِّياً بالقسط الأكبر من نفوس أبناء النّسيج الاجتماعي اللبناني بشكلٍ هستيريّ، كجبران والرّيحاني والنّعيمه وشبلي الشميّل وفرح أنطون وأحمد فارس الشدياق وكمال جنبلاط.

ما هكذا يُعامل شبابٌ سبق أن شكَّل عصب التظاهرات الحاشدة التي دعت منذ أشهر الى اسقاط النّظام الطائفي في لبنان، والتي لقيت ترحيباً من الرئيس ميشال سليمان، والرئيس الأسبق اميل لحّود ومن ضمير لبنان الدكتور سليم الحصّ، وتشجيعاً من وزير الداخلية الأسبق زياد بارود. ما هكذا يُعامل شبابٌ يهدف الى اعادة السّلام الداخلي الى نفوس اللبنانيّين، لكي يشعر ابن الضنيّة والهرمل الذي يعمل في بيروت بأنّه لم يأتِ الى عاصمة لبنان من كوكبٍ آخر. ولكي لا يشعر ابن الشمال والبقاع والجنوب الذي يعمل في كسروان، بأنّه غريب فيها ! ولكي لا يشعر ابن كسروان بأنّه عبء ثقيل في المتن وبعبدا. والقضاء على المناطقيَّة في لبنان من أولويّات هؤلاء المتنوّرين الشباب، لأنّ المناطقيّة جزءٌ لا يتجزأ من الحالة الطائفيّة العفنة المقيتة، وهي أمرٌ واقعٌ مخزٍ ما زال يُمعن في الذّبح بأظافره النّتنة.

الاربعاء 14 كانون الأول 2011

نحّاس يتهم الحكومة بالانحياز الكامل ضد مصالح العمّال غير النظاميين

قضية تصحيح الأجور لم تنته فصولاً بعد، فالاتصالات متواصلة لإيجاد مخرج جديد للحكومة، قد يفضي الى التراجع للمرّة الثانية عن قرارها، فيما تستعد هيئة التنسيق النقابية لتنفيذ اضرابها غداً والتظاهر عند الحادية عشرة من قبل الظهر من السوديكو نحو السرايا الحكومية بمشاركة واسعة من قوى ومجموعات سياسية ونقابية وشبابية

تنفّذ هيئة التنسيق النقابية اضراباً غداً الخميس بهدف اسقاط قرار مجلس الوزراء الاخير المتعلّق بتصحيح الاجور، فيما دعت احزاب ونقابات ومجموعات شبابية الى المشاركة الكثيفة في التظاهرة التي دعت اليها الهيئة عند الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم نفسه من تقاطع بشارة الخوري - السوديكو الى السرايا الحكومية للمطالبة بتصحيح عادل للاجور وإقرار الضمان الصحي الشامل لجميع اللبنانيين المقيمين وفرض الضرائب على الارباح العقارية وارباح الفوائد وإيجاد فرص العمل للشباب من اجل الحدّ من الهجرة والبطالة.

 

في هذا الوقت، تواصلت الاتصالات السياسية الرامية الى اعادة طرح مشروع وزير العمل شربل نحّاس للنقاش على طاولة مجلس الوزراء بعد تجاهله في المرتين السابقتين خلافاً للأصول الدستورية، ويتولّى حزب الله هذه الاتصالات، وقد طرح وزير الزراعة حسين الحاج حسن في جلسة مجلس الوزراء المنعقدة مساء الاثنين الماضي ضرورة الاستجابة سريعاً تحت عنوان «التراجع عن الخطأ فضيلة». في حين أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مدعوماً من رئيس مجلس النواب نبيه بري باشر اتصالات موازية بهدف إمرار القرار الأخير بعد استكماله بإجراءات «مكمّلة» تستهدف زيادة بدل النقل «المؤقّت» بقيمة 2000 ليرة عن كل يوم عمل فعلي، وإقرار دعم المازوت، وتشكيل المجلس الاقتصادي الاجتماعي ليكون المكان الذي يناقش فيه مشروع نحّاس، بحسب ما تتداوله الاوساط النقابية والهيئات الاقتصادية... الا أن الرئيس ميقاتي أبلغ بأن هذه الاجراءات ليست كافية ولا مفر من اعادة طرح الملف برمته امام مجلس الوزراء، ولا سيما في ضوء التوقّعات بأن يعمد مجلس شورى الدولة الى رفض الموافقة مجدداً على مشروع المرسوم الذي احاله وزير العمل اليه لأخذ رأيه بمدى قانونيته.وقد وضع الوزير شربل نحّاس مذكّرة تتضمن ملاحظاته على قرار مجلس الوزراء الاخير الذي قضى بزيادة الحد الادنى للاجور الى 600 الف ليرة، وزيادة غلاء المعيشة بنسبة 30% على الاجر الشهري بين 500 الف ليرة ومليون ليرة، على ان لا تقل الزيادة عن 150 الف ليرة ولا تزيد على 200 الف ليرة، وبنسبة 20% على الاجر الشهري الذي يفوق المليون ليرة على أن لا تتعدى الزيادة 275 الف ليرة. وزيادة الحد الاقصى للمنح المدرسية الى مليون و500 الف ليرة... وتضمّنت هذه المذكرة مقارنة توضح مكاسب الاجراء والكلفة على اصحاب العمل بين قرار الحكومة الاخير وقرارها السابق الذي قضى بزيادة الحدّ الادنى للأجور الى 700 الف ليرة وزيادة 200 الف ليرة لفئة الاجور دون مليون ليرة و300 الف ليرة لفئة الاجور بين مليون ومليون و800 الف ليرة وزيادة بدل النقل الى 10 آلاف ليرة يومياً وزيادة سقف المنحة التعليمية الى مليون و500 الف ليرة. كذلك شملت المقارنة مشروعه الذي يتضمن الآتي:- رفع الحد الادنى الرسمي للأجور الى 861 الف ليرة بعد ضم بدل النقل اليه (يضاف الى ذلك دعم من الدولة بقيمة 77 الف ليرة ليرتفع الحد الادنى الفعلي الى 938 الف ليرة).- زيادة بدل النقل الى 236 الف ليرة شهرياً وضمّه الى الأجر قبل تصحيحه بنسبة 17% على شطر مليون ليرة من الاجر. على ان تحتسب الفوائد التي يراكمها صندوق الضمان على توظيفاته في تكوين المؤونات لدى المؤسسات لتغطية فروقات تعويضات نهاية الخدمة، ما يحرر أموالاً خاصة كبيرة لهذه المؤسسات.- تقديم دعم من الدولة للأجور بنسبة 9% على شطر مليون و500 الف ليرة من الاجر، وذلك عبر تسديد الخزينة العامّة الاشتراكات لصندوق المرض والامومة لتتحول قيمة هذه الاشتراكات الى زيادة فعلية على الاجر، ما يزيد مكاسب الاجراء ويخفف الكلفة على اصحاب العمل، على أن يتحوّل هذا الدعم الى زيادة فعلية على الاجر بعد إلغاء الاشتراكات وتطبيق التغطية الصحّية الشاملة لجميع اللبنانيين المقيمين المموّلة من ضرائب على الارباح العقارية وأرباح الفوائد.- إلغاء صفة المؤقت للمنحة التعليمية ووضعها في اطارها القانوني في فرع التعويضات العائلية والتعليمية في صندوق الضمان بعد رفع الاشتراكات من 6% الى 9% وتحديد قيمة المنحة بنحو 40 الف ليرة شهرياً عن كل ولد حتى سقف 160 الف ليرة شهرياً، اي ان المنحة سترتفع الى مليون و920 الف ليرة شهرياً يتقاضاها الاجير مع اجره الشهري وفق الآلية المتبعة لتسديد التعويضات العائلية.- شمول جميع اللبنانيين المقيمين بالضمان الصحي لتعميم المكاسب من تصحيح الاجور على نحو ثلثي القوى العاملة غير المعنية بتصحيح الاجور النقدية، وبالتالي إلغاء الاشتراكات التي تُعدّ بمثابة اقتطاع ضريبي على العمل، ما يحفّز التشغيل في الوظائف النظامية.- دعم فرص العمل للشباب عبر تسديد الدولة للاشتراكات المستحقة على كل موظّف يعمل لأول مرّة، وذلك عبر المؤسسة الوطنية للاستخدام وبصيغ تعاقدية مع المؤسسات تمتد على 5 سنوات وبشروط لا تسمح باستبدال عمالة سابقة بأخرى جديدة.- دعم الانتاج من خلال تغذية المناطق الصناعية والمؤسسات الصناعية الكبرى بالتيار الكهربائي بنحو تفضيلي.وتبيّن الرسوم البيانية المرفقة مع هذه المذكّرة المكاسب التي كان يمكن أن يحصل الأجراء والأكلاف التي كانت ستترتب على اصحاب العمل بموجب قراري الحكومة السابق والحالي ومشروع نحّاس نفسه، اذ تبلغ الكلفة على اصحاب العمل في مشروع نحّاس نحو 9.3% فقط بالمقارنة مع 14.5% في قرار الحكومة القديم و14.7% في قرار الحكومة الحالي، في حين ان الاجراء كانت مكاسبهم ستبلغ 21.8% في مشروع نحّاس بالمقارنة مع 14.3% في قرار الحكومة السابق و13.9% في قرار الحكومة الحالي... وهذه المقارنة كافية لإسقاط كل الحجج التي تلطّى وراءها جميع من رفضوا مشروع نحّاس من داخل مجلس الوزراء ومن خارجه، اذ إن المشروع يرتّب كلفة اقل على اصحاب العمل ومكاسب اكبر للأجراء (وعموم اللبنانيين) الا أنه سيساهم في ادخال تعديلات بنيوية على النمط الاقتصادي القائم عبر تمويل هذا المشروع من خلال نقل نحو 3500 مليار ليرة من الثروة الريعية وتوزيعها على الجميع من خلال دعم الاجور والتغطية الصحية للجميع وإطلاق برنامج استثمارات عامّة لزيادة الانتاجية والتنافسية في الاقتصاد.يدعم نحّاس مقاربته بأن اللبنانيين لم يعودوا قادرين على البقاء رهائن لمديونية عامّة هائلة تقارب الـ70 مليار دولار، كما لم يعودوا قادرين على القبول بأولوية خدمة الدين العام التي تحوّلت الى اداة توزيع رئيسة ساهمت في تركيز الثروة لدى قلّة قليلة جداً، اذ إن 3% فقط من الحسابات المصرفية تحتوي على اكثر من 65% من الودائع (0.8% من هذه الحسابات تحتوي على 46% من الودائع) في حين ان 70% من الحسابات المصرفية تحتوي على 2.6% فقط من الودائع. ازاء ذلك، من الطبيعي أن تتبلور مصالح اجتماعية - سياسية، تضغط بقوّة اليوم نحو إحداث تغييرات جوهرية، بعدما استُنفدت آليات التوزيع السابقة، وأثبت النمط الاقتصادي السائد عجزه عن تحقيق الحد الادنى من شروط الاستدامة، وفشله في تحقيق الحد الادنى أيضاً من ضرورات تقسيم المغارم والمغانم، بما يحفظ الوحدة الوطنية والسلم الاهلي ويؤمّن مقتضيات التنمية.وبحسب المذكّرة التي أعدّها نحّاس، ووزّعها على عدد كبير من المعنيين بهدف تحريضهم على رفض قرار مجلس الوزراء الإخير، فإن هناك اسباباً كثيرة تدفع الى اسقاط هذا القرار، فهو لا يستجيب للمطالب النقابية، ويمثّل عودة عن الوعود التي اعطيت للأجراء بقرار مجلس الوزراء الاول، اذ ألغى زيادة بدل النقل الى 10 آلاف ليرة، وحدد الحد الادنى للأجور بقيمة تقلّ 100 الف ليرة عن القرار السابق، فيما اعداد كبيرة من الاجراء اصبحت اجورهم بعد التصحيح ادنى مما كانت قد وصلت اليه في القرار السابق.وأدّى القرار المتخذ خلافاً للأصول الى حدين ادنيين فعليين يقيمان تمييزاً غير قانوني بين الاجراء: حد ادنى بقيمة 600 الف ليرة لمن يدخل الى العمل بعد صدور المرسوم. وآخر بقيمة 650 الف ليرة لمن دخل الى العمل قبل صدور المرسوم، وهذا الأمر قد يدفع ببعض اصحاب العمل الى اعتماد الحد الادنى الاقل بمجرد قيامهم بإبلاغ العاملين لديهم بصرفهم من العمل واعادة تشغيلهم في اليوم التالي بدلاً من زيادة اجورهم بقيمة 50 الف ليرة. وحذّر نحّاس من ان هذا القرار قد يكون مقصوداً بهدف خلق فارق في القدرة التفاوضية بين من لديه عمل ومن يسعى الى العمل، كذلك حذّر من أن الغاية من تحديد حد ادنى للأجور «وهمي» (اي تحديد مبلغ 600 الف من دون ضم بدل النقل اليه) هي لزيادة قدرة اصحاب العمل التفاوضية في المؤسسات غير النظامية لمواجهة مطالبات العمل بالحد الأدنى الفعلي (وقد أدلى بهذه الحجة فعلياً عدد من الوزراء)، وهذا مرفوض مرتين: اولاً لأنه مبنيّ على التغاضي عن حالات تخالف القانون صراحة وتستدعي الملاحقة، وثانياً لأنه تدخّل منحاز ضمن هذه الحالات ضد مصالح العاملين غير النظاميين. فتكون الدولة بذلك تتحالف مع اصحاب عمل يخرقون القانون اصلاً ضد أجرائهم الحاليين او المحتملين لظلمهم مرتين، مرة بالتغاضي عن تسجيلهم في الضمان الاجتماعي، ومرة ثانية بتسهيل خفض اجرهم. وخلص الى أن النتيجة في كل الاحوال هي تعطيل لمفهوم الحد الادنى للأجور وتعطيل للغاية التي احدث من اجلها. ذلك أن اعتبار الحد الادنى شعاراً تسويقياً لجلب المستثمرين (وقد ادلى بهذه الحجة فعلياً عدد من الوزراء أيضاً) ينزع عن هذا الرقم صفة الحد الادنى ويسمح بالتالي بتعيين الحد الادنى عند اي رقم ترويجي، وكان من الاجدى لأصحاب هذا الرأي «العجيب» ابقاء الحد الادنى عند مستواه السابق لا بل خفضه اذا استطاعوا.وفي مجال زيادة غلاء المعيشة، اشار نحّاس في ملاحظاته الى أن القرار الأخير اصرّ على مقاربة الاجور بتقسيم الاجراء الى فئات بحسب قيمة اجرهم بدل تقسيم الاجر الى شطور، وهو إمعان في المخالفة الدستورية التي اشار اليها مجلس الشورى في رأيه السابق. وقد اتت الزيادة في القرار بشكل مبالغ مقطوعة بحسب فئات الاجراء، وإن جرى تمويه هذه المبالغ من خلال ذكر نسبة مئوية لا تطبق الا على حالات معينة، اذ إن تحديد نسبة الزيادة لفئة الاجور دون المليون ليرة بـ30% لن تطاول سوى الاجور بين 500 الف ل.ل. و666 الف ل.ل. لتصبح بعد ذلك زيادة مقطوعة بقيمة 200 الف ليرة، وهذا ينطبق ايضاً على فئة الاجور فوق المليون ليرة حيث لن تطاول زيادة الـ20% سوى الاجور بين مليون ليرة ومليون و375 الف ليرة، لتصبح بعد ذلك زيادة مقطوعة بقيمة 275 الف ليرة، وكان من الممكن في سياق العمليات التسويقية وضع نسبة زيادة بقيمة 100% مثلاً بدلاً من 20% ما دام السقف هو الذي يحدد الزيادة فعلياً. والمفارقة ان فئة اصحاب الاجور التي تصيبها النسب المئوية ولا تبلغ زيادتها المبلغ المقطوع هي نفسها التي كانت إصابتها الافدح نسبياً بنتيجة عدم رفع «بدل النقل» وعدم تصحيح الاجور بنحو يستجيب للقرار السابق.وقال نحّاس ان الاعتبار القانوني يقضي باعتبار هذه بدل النقل جزءاً من الأجر، ونزع صفة المؤقّت عنه المستمرة منذ 18 عاماً، فهذا البدل وُضع بهدف واضح هو تحاشي زيادة الاجور بالنسب المتراكمة لارتفاع الاسعار، والافساح في المجال امام اصحاب العمل للتهرّب من تسديده للاجراء، وتمكينهم من عدم التصريح عنها للضمان الاجتماعي، وكل ذلك بحجّة انها ترتّب كلفة على المؤسسات في تكوين مؤونات تعويضات نهاية الخدمة، فبدلاً من ان يعالج القرار الاخير كل ذلك، عاد لتكريس التشوّهات.ويشرح الوزير نحّاس الاعتبارات الاقتصادية لمعارضته القرار واصراره على مناقشة مشروعه، فقد زاد الناتج المحلي الاسمي بنسبة 75% بين 2006 و2010 دون ان يترافق ذلك مع زيادة على الاجور، ما عدا الزيادة المقطوعة عام 2008 التي لا تتجاوز نسبتها 16%، ودون ان يترافق مع زيادة محسوسة في ارباح الغالبية العظمى من المؤسسات. ما انعكس ذلك تدنياً في حصتي الاجور والقطاعات المنتجة من الاقتصاد معاً. فمن الواضح أن هناك معطيات اقتصادية غير مؤشر ارتفاع الاسعار وجب ان تؤخذ بعين الاعتبار عند دراسة سياسة الاجور والسياسات الاجتماعية للدولة. من المفترض للحفاظ على التوازن الاقتصادي والاجتماعي أن تحافظ كتلة الاجور على حصة مستقرة من الناتج. وهذا يعني ان ترفع ليس فقط بنتيجة ارتفاع الاسعار بل ايضاً بمواكبة النمو الفعلي للنشاط الاقتصادي.(الأخبار)

الاربعاء ١٤ كانون الأول ٢٠١١
حسن عليق

خلال الأسبوع الماضي، جال رئيس محطة الـ«سي آي إيه» في لبنان، دانيال ماكفيلي، على عدد من «أصدقائه». المعلومات التي تسربت من اللقاءات التي أجراها تشير إلى أن هدف زيارات ماكفيلي كان محاولة التخفيف من وطأة ما كشفه حزب الله عن عمل الاستخبارات الأميركية في لبنان. قال ماكفيلي إن كل ما نُشِر لا أساس له من الصحة. لم يقتصر نفيه على ما أعلنه حزب الله وأمينه العام، بل تخطاه إلى نفي ما نشرته الصحافة الأميركية نقلاً عن مصادر رسمية في واشنطن. أكد أن وكالته لم تعتد نفي أو تأكيد ما يُتداول عنها بشأن عملها السري، إلا أن من التقاهم لم ينقلوا عنه تعليقاً على تأكيد المصادر الرسمية في بلاده لما أُعلن في لبنان وإيران عن سقوط شبكات تجسس تابعة للـ«سي آي إيه» في قبضة جهاز أمن المقاومة والسلطات الأمنية الإيرانية. وبحسب المتداول عن لقاءات ماكفيلي، فإنه قال إن المحطة التي يرأسها في بيروت لا تعمل في مجال التجنيد وإدارة شبكات العملاء في لبنان، بل إنها تكتفي بالتواصل مع الأجهزة الأمنية اللبنانية وتبادل المعلومات عنها. وعلى هذا القول، علق أمني بارز ساخراً: «يبدو أن ماكفيلي يخلط بين الـ«سي آي إيه» ووكالة التنمية». ويرى الأمني ذاته أن ماكفيلي سيشيع هذه الأجواء أمام جميع من سيلتقيهم، لمحاولة التخفيف قدر الإمكان من تداعيات ما أُعلن.

 

وبعيداً عن تبريرات رئيس محطة الـ«سي آي إيه» في لبنان، يبقى السؤال الأبرز في هذه القضية متمحوراً حول سبب كشف حزب الله بعض المعلومات التي في حوزة جهاز أمن المقاومة عن الاستخبارات الأميركية في لبنان. والسؤال يتعلق بما جرى خلال الأسبوع الماضي، عندما عرضت «قناة المنار» تقارير في برنامج «حديث الساعة» تتضمن تفاصيل عن هويات ضباط الاستخبارات الأميركية العاملين في لبنان، وعن جزء من آليات عملهم وبعض الأماكن المعتمدة من المشغلين للقاء عملائهم، إضافة إلى معلومات تؤكد أن كل ما يُكلّف عملاء الـ«سي آي إيه» جمعه يُنقل إلى الاستخبارات الإسرائيلية، فضلاً عن قيام الأميركيين بتسليم إدارة بعض شبكاتهم للاستخبارات الإسرائيلية.بعض عارفي عقل المقاومة في لبنان يؤكدون أنها اعتادت ألا تُظهر سوى جزء يسير مما في جعبتها، سواء كان ذلك متصلاً بالمعلومات أو بالقدرات التي راكمتها. ويعني ذلك، بحسب المصادر ذاتها، أن المعلومات التي كشفها جهاز أمن المقاومة عبر «المنار» ليس سوى الجزء اليسير مما لديه. ويقرأ بعض المقربين من حزب الله رسائل عديدة مبطنة في طيات «التسريب»، أبرزها:أولاً، إن جهاز أمن المقاومة يعرف الكثير عن نشاطها في لبنان، وإن ضباط هذه الاستخبارات وعملاءها خاضعون للسيطرة المعلوماتية و«العملياتية» للجهاز المذكور.ثانياً، إن الإدارة الأميركية شريكة لإسرائيل في الجرائم التي وقعت على الأراضي اللبنانية، سواء في الحروب أو في عمليات التفجير والاغتيال.ثالثاً، إن العمل الدبلوماسي الأميركي في لبنان لا يمكن فصله عن العمل الاستخباري، مع ما يستتبع ذلك من واجبات على الدولة اللبنانية القيام بها.رابعاً، لم يعد مسموحاً استمرار الاستخبارات الأميركية بمساعدة نظيرتها الإسرائيلية على الساحة اللبنانية، وهو الأمر القائم منذ ثمانينيات القرن الماضي. وما يسري على الأميركيين يشمل غيرهم من الأجهزة الغربية التي تعمل ليل نهار على توفير الدعم الاستعلامي و«اللوجستي» للإسرائيليين، من خلال تسهيل انتقال عملاء الاستخبارات الإسرائيلية من لبنان إلى أوروبا للقاء مشغليهم. وهذا الدعم تقدمه سفارات غربية في بيروت، ومثبت في وثائق التحقيقات القضائية التي أجرتها السلطات اللبنانية مع العدد الكبير من الموقوفين بشبهة التجسس لمصلحة إسرائيل.خامساً، أرادت المقاومة أن تدفع الأميركيين إلى إعادة النظر بأسس عملهم في لبنان وأهدافه، وجعلهم يُشغَلون لفترة طويلة في إعادة تقويم الأضرار التي أصابتهم، ومراجعة ملفات جميع عملائهم وتحركاتهم لمحاولة تبيان الثغر التي استغلتها المقاومة لكشف آليات عمل الـ«سي آي إيه» في لبنان. وفي هذا الإطار، تؤكد المصادر أن المقاومة لن تكشف طريقة عملها التي مكنتها من كشف التحركات الاستخبارية الأميركية، وهو السر الذي يحيطه جهاز أمن المقاومة بأطواق من الحماية، لأنه مفتاح مكافحة التجسس.وفي إطار ما تقدم، أتى كلام عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب نواف الموسوي، على شاشة «أل بي سي» أمس، معلناً تفاصيل إضافية عن هذه القضية، علماً بأن ظهور الموسوي كان يهدف حصراً إلى تناول ملف الـ«سي آي إيه»؛ إذ إن نواب حزب الله لا يزالون خاضعين لقرار حزبهم الامتناع عن إجراء مقابلات تلفزيونية إلا في حالات محددة. وقال الموسوي إن عملاء الـ«سي آي إيه» في لبنان يتزودون بتجهيزات تقنية لتحديد مواقع معينة من خلال تقنيات متطورة على شكل ساعة أو هاتف، وهذا لا يعني فقط جمع معلومات، بل إعداد المسرح لعمليات إرهابية عدوانية، سواء اغتيال أو تفجير أو التمهيد لعدوان إسرائيلي لاحق. وكشف الموسوي عن أن ضباط الاستخبارات الأميركية كانوا يعقدون عدداً كبيراً من لقاءاتهم مع عملائهم في مطاعم ونواد ليلية في منطقتي الضبية وجونيه، وكان تمويه التحركات يجري في منطقة جبيل. ووجه النائب الجنوبي للأميركيين وعملائهم الرسالة الآتية: «نحن نعرف كل ما يدور لديهم، وقادرون على الوصول إلى ما هو أكثر. نقول للعملاء الذين هم تحت النظر والمتابعة، إن أمامهم الفرصة للمجيء إلى جهاز أمن المقاومة أو للأجهزة الأمنية اللبنانية».

 

انطلقت حملة «حقي عليي» في باكورة اعتصاماتها من أمام وزارة الصحة. مطلبها إقرار الضمان الشامل لجميع اللبنانيين. وزير الصحة علي حسن خليل ترك وزارته ليناقش المعتصمين. الحوار بين الطرفين دام نحو ساعة. أكد خليل أنه يُعدّ لخطة متكاملة لتحقيق هذا المشروع، فيما أعلن المعتصمون أن محطاتهم المقبلة هي وزارتا العمل والمال، والاتحاد العمالي وهيئة التنسيق النقابية

رشا أبو زكي

منذ أيام، ادّعى عدد من الشباب في حملة «حقي عليي» أنهم مرضى. وزارة الصحة كانت مقصدهم. دخلوا كلّ على حدة. بعد أسئلة عديدة، أجابهم أحد الموظفين: «لنتحدث بصراحة. بما أنكم غير خاضعين للضمان الاجتماعي، لا يمكنكم الدخول إلى المستشفى بتغطية من وزارة الصحة إلا عبر الواسطة». كانت هذه العبارة حافزاً إضافياً لإقرار الاعتصام الأول للمجموعة الشبابية أمام وزارة الصحة تحت عنوان «دقيقة موت أمام وزارة الصحة. نحو إقرار الضمان الشامل لجميع اللبنانيين». وهذه العبارة، أيضاً، قالها جنيد (شاب في الحملة)، كما هي، في وجه وزير الصحة العامة علي حسن خليل الذي قرّر الانضمام إلى الشباب في اعتصامهم، لمحاورتهم.

 

حوار استمر نحو ساعة، فوق نحو 10 جثث (اصطناعية) ترمز إلى موت عدد من المواطنين غير المضمونين على أبواب المستشفيات الرافضة لاستقبالهم. عينا خليل اللتان كانتا تلاحقان الشعارات المرفوعة في الاعتصام، نطقتا قبل أن ينطق. قال إن السلطة السياسية بكاملها مسؤولة عن غياب هذا المطلب الاجتماعي الأساسي، «وقد يكون فريقنا السياسي مسؤولاً أيضاً». شبه الإقرار هذا لم يرض المعتصمين، فسارعوا إلى الهتاف «لا ثقة، لا ثقة».صمت الوزير لحظة. سأله أحد المعتصمين: «كيف تكون وزيراً في السلطة، وفي الوقت ذاته تشاركنا مطلبنا، منتقداً السلطة؟ هل من أحد في العالم يعتصم ضد نفسه؟». تنتقل العيون إلى معتصم آخر: «حضرتك تطرح خطة أخرى للتغطية الصحية تقوم على خصخصة هذا القطاع عبر تسليمه إلى شركات التأمين. تريد من كل مواطن أن يدفع 60 دولاراً شهرياً لكي يحصل على حق الاستشفاء؟ أليس هذا حقاً مجانيّاً للمواطن مقابل ما يدفعه من ضرائب للدولة؟».يتأهّب خليل للسؤال، مُهيّئاً الإجابة الصعبة: نحن في السلطة صحيح، ولكن تنفيذ مشروع كالتغطية الصحية الشاملة يحتاج إلى بنى تحتية. إن المشروع الذي تطرحه هو حق لكل لبناني، إلا أن النظام السياسي الطائفي حال دون تطبيقه. يدعو خليل الشبان إلى عدم بناء آرائهم على افتراضات غير واقعية يطلقها البعض وفق مصالحهم الضيقة. خطة وزارة الصحة لم تعلن بعد، ولم أقل يوماً إنني سألزّم التغطية الصحية لشركات التأمين. هناك فريق عمل في الوزارة يعمل على خطة متكاملة لتأمين ضمان صحي شامل، وهو يعمل على تفصيل الآليات التنفيذية للمشروع. خلاصة الخطة هي الآتية: على عكس الخطة التي طرحت على مجلس الوزراء (من قبل وزير العمل شربل نحاس) والتي تحمّل المواطن اللبناني 15 في المئة من كلفة الاستشفاء، الخطة التي سنطرحها ستؤمن تغطية صحية 100% ومن دون أي تكاليف إضافية يتحمّلها المواطن. ينتفض أحد المعتصمين، فقد شعر بأن الوزير يلمّح إلى أن الاعتصام مسيّس. يحمل المذياع، يقف في مواجهة خليل، ويقول: «يا معالي الوزير، تحاول تصنيفنا كما يُصنّف كل من يطالب بحق. نحن لا وزير يدعمنا، ولا جهة سياسية تقف خلفنا. نحن مواطنون نطالب بحق، ولا نقبل بأيّ منّة من أحد. وإن فشلت في مهمتك، فعليك الاستقالة. أما نحن، فسننتزع هذا الحق انتزاعاً».صوت يصرخ من خلف خليل: «كيف ستموّلون هذه الخطة؟ من الضرائب على الفقراء؟». يحاول خليل الالتفات إلى الصوت، إلا أنه يكتفي بتعديل وقفته، يستكمل شرحه: «التمويل على عكس الخطة المطروحة على مجلس الوزراء التي تعفي أصحاب العمل من اشتراكات الضمان تحت شعار تأمين استمرارية عمل الأجراء. كذلك فإن خطتنا، على عكس الخطة الآنفة الذكر أيضاً، لن تتمحور حول تأمين مصالح المستشفيات الخاصة. سنبحث عن تمويل من الأثرياء، من زيادة الضرائب على الربح العقاري، وعلى الودائع المرتفعة، وعلى التعامل بالأسهم». يصفّق البعض لما طرحه خليل، صوت يرتفع: «لا ثقة، جرّبناكم، الآن تريدون إقناعنا بأنكم استفقتم لحقوقنا؟ ماذا كنتم تفعلون في السنوات الثلاثين الماضية؟». يهتف عدد من الشبان «جرّبناكم، جرّبناكم». يبتسم خليل، ينظر إلى المعتصمين، وبلهجة واثقة يؤكد: «أنا أدعوكم إلى الحوار. استمعوا إلى خطتي قبل أن تحكموا عليها. الخطة سترفع إلى مجلس الوزراء قبل 15 كانون الثاني. وحينها لكم القرار».الحوار بين الشباب والوزير انتهى على وقع انتظار الخطة الموعودة. على جانب الطريق، يوزع شبان بيان صادر عن حملة «حقي عليي» على أصحاب السيارات. يشرح البيان أهداف الاعتصام، يفنّد المطالب، وموجبات التحرك. «لأن الفاتورة الصحية تأكل رواتب الموظفين وغير الموظفين. لأن أكثر من 50 في المئة من المواطنين غير مشمولين بالتغطية الصحية. لأن هذه السلطة تتحمل مسؤولية الجرائم التي ترتكب أمام أبواب المستشفيات الرافضة للمرضى. لأن كلفة الصحة في لبنان يمكن أن تنخفض 30 في المئة. لأن تغطية وزارة الصحة للاستشفاء تأتي على شكل تقدمة إلى المحتاجين».بخط عريض يكتب المعتصمون مطلبهم: «بدنا نقول إنو نحنا أصحاب حق، مش محتاجين، وإنو الصحة حق مش امتياز...». ويحدد البيان الاستهدافات المقبلة لاعتصامات الحملة: «وزارة العمل، وزارة المال، الاتحاد العمالي العام وهيئة التنسيق النقابية». معتصم مشاكس تكاد ابتسامته تغطي ملامح وجهه. يحضن صديقه كمن اكتشف أنه فاز في لعبة اللوتو منذ لحظات. «صديقي، على الرغم من عددنا القليل، استطعنا أن نجذب اهتمام وزير الصحة. هل لاحظت في كلمة الوزير أنه ظهر كمن ينافس وزير العمل على تأمين التغطية الصحية؟ قال إنه سيؤمن تغطية صحية 100%، «منيحة»، فليتنافسا على هذا المطلب، أعتقد أننا سنُفاجأ بأحدهما يدفع من جيبه لينتصر على الآخر. «منيحة»، لعل الضمان الشامل يتحقق على أيامنا».

لم يألف القضاء اللبناني إخلاء سبيل مدانين بالعمالة للعدو، لكن ذلك حصل. حزب الله لم يسكت هذه المرّة، وكذلك القاضي سعيد ميرزا الذي «صُدم» بالخبر، فيما يحاول وزير العدل إبعاد القضية عن سكة السياسة. هل تعرّضت القاضية «الحنون» لضغوط ما، أم أن الأمر اجتهاد قضائي فقط؟

محمد نزال

«نحن نقاتل لكي نوقف عميلاً واحداً للعدو الإسرائيلي، وليس لنطلق سراحه بعد ذلك، بل لتأخذ العدالة مجراها وينال عقابه». بهذه الكلمات علّق المدّعي العام لدى محكمة التمييز، القاضي سعيد ميرزا، على خبر إخلاء سبيل 4 مدانين بالعمالة لإسرائيل من جانب محكمة التمييز العسكرية. لا يمكن وضع كلام ميرزا في خانة الرأي الشخصي، لكونه متربعاً حالياً على رأس السلطة القضائية. لم يفهم ميرزا، لغاية يوم أمس، كيف أخلت القاضية أليس شبطيني سبيل الأربعة، المحكومين سابقاً بعقوبة السجن من 10 إلى 15 عاماً. ففي حديث له مع «الأخبار» يقول ميرزا: «شعرت بالصدمة عندما وصلني الخبر، كما صدمنا كلنا. لم نكن نتوقع حصول ذلك». القاضي المصدوم من فعلة شبطيني كان ليتفهم مبدأ «الرحمة والشفقة» لو لم يكن في المسألة «عمالة للعدو. هنا الرحمة ممنوعة في مثل هذه المسألة».

 

ينفي ميرزا بشدة ما ورد في بعض وسائل الإعلام عن موافقته على إخلاء السبيل، بل كل ما في الأمر أن ممثل النيابة العامة في محكمة التمييز العسكرية القاضي شربل أبو سمرا «ارتأى أن يوافق على ما قررته شبطيني، ومعها 4 ضباط في المحكمة العسكرية، من دون علمي بالأمر، علماً بأن رأي النيابة العامة استشاري وغير ملزم ولا يمكن استئنافه». وفي القانون، يوضح ميرزا أن الأربعة المخلى سبيلهم لم يكونوا موقوفين تحت عنوان التوقيف الاحتياطي، وبالتالي لم تكن قرينة البراءة ملازمة لهم، فهم مدانون قبل أن تصل القضية إلى محكمة التمييز . أما لناحية صوابية القرار من الناحية القانونية والإجرائية، فيؤكد ميرزا أنه «لا مشكلة قانونية في القرار ويمكن فعل ذلك من الناحية النظرية».هكذا، يشير كلام ميرزا، الواضح جداً، إلى أن ما حصل ليس عادياً وأمر غير مألوف في المحاكم اللبنانية. ولأن الموضوع على هذا القدر من الحساسية، لم يوكل حزب الله إلى أحد نوابه التكلم فيه، بل عهد بذلك إلى نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم. ففي مناسبة تأبينية، أول من أمس، قال قاسم: «اطلعنا في اليومين الماضيين على عمل أحد القضاة، الذين تصل إليهم قضايا التمييز في أحكام العملاء، وإذا بهذا القاضي يطلق سراح عدد من العملاء، من دون أن يأخذ في الاعتبار ملفهم المليء بالعمالة والذي يتطلب حكماً».كلام قاسم وما أثير حول القضية في وسائل الإعلام دفع بوزير العدل شكيب قرطباوي إلى إصدار بيان، أمس، دعا فيه الجميع إلى «عدم تناول الملفات القضائية العالقة خارج أقواس المحاكم». كذلك دعا القضاة «إلى عدم الدخول في سجالات إعلامية في أي ظرف من الظروف». وفي كلام قرطباوي إشارة واضحة إلى رفضه لما قامت به القاضية شبطيني، لناحية تصريحها المباشر لصحيفة «النهار» أمس. بيد أن أحد المقربين من شبطيني يقول إنه، بعد كلام الشيخ قاسم، وبعد مقدمة نشرة أخبار قناة «المنار» النارية، لم تجد أحداً من القضاء ولا من وزارة العدل يدافع عنها، أو بالحد الأدنى ليوضح للرأي العام حقيقة موقفها. وفي هذا الإطار، علمت «الأخبار» أن قرطباوي اتصل صباح أمس بالقاضية ولامها على تصريحها الإعلامي، وخاصة أنه يتعلق بقضية ما زالت تتابعها شخصياً في المحكمة، فأخبرته بأن حديثها مع الإعلامية التي أخذت منها التصريح «لم يكن بقصد النشر، بل كان حديثاً خاصاً».ومما جاء في كلام شبطيني أن قرار تخلية سبيل الأربعة «جاء من المحكمة ككل، ولم يمانع مفوّض الحكومة، وذلك بعد عدّة طلبات تخلية سبيل تقدموا بها منذ قبول الطعن الصادر بحقهم لدى محكمة التمييز العسكرية، لكن محاكمتهم ستتابع». وأضافت القاضية إن من بين المخلى سبيلهم 3 مرضى جداً، وهم «يكلفون الدولة مالاً لمعالجتهم، وقد مضى عامان و 10 أشهر على توقيفهم». هذا الكلام دفع بأحد القانونيين إلى السخرية من تصريح القاضية قائلاً إنها «تبدو كأم حنون من ناحية، وهذا حنان في غير محله قطعاً، وكمزايدة في الحرص على أموال الدولة من ناحية ثانية، علماً بأن تكلفة علاجهم لا تساوي شيئاً أمام قيمة الخسائر التي كبدوها للبلد من خلال عمالتهم لإسرائيل. وبالتالي، يبدو أن القاضية تعرّضت لضغوط سياسية ما لأخذ القرار، والآن تريد أن تبرر قرارها من خلال العاطفة وحنان الأم».يذكر أن شبطيني قالت، في ما يشبه التنصل من القرار، إنها لم تخل سبيل الأربعة وحدها، بل «كان معي في المحكمة 4 ضباط، وقد وافقوا كلهم على القرار، كما أن القاضي ميرزا ارتأى ترك الأمر للمحكمة». لكن، وبعيداً عن نفي ميرزا لموافقته المذكورة، فإن الأخير أكّد لـ«الأخبار» أن الضباط الأربعة في المحكمة وافقوا فعلاً مع القاضية، فهم ومعهم القاضية يشكلون هيئة المحكمة، حيث تؤخذ القرارات بموافقة الأكثرية، وليس لدى القاضية رأي مرجح هنا. بيد أن ميرزا تزداد حيرته و«صدمته» من عدم اعتراض أيّ من الأعضاء.

قنوات اتصال جانبيّة للتعويض بدعم المازوت وزيادة بدل النقل

الجميع يحاول تقطيع الوقت، بانتظار «حلّ سحري» يرفع سيف تصحيح الأجور عن رقبة الحكومة، فالرئيس نجيب ميقاتي يواصل اجتماعاته مع الأطراف المعنيّة، مبعداً وزير العمل (صاحب الصلاحية) مجدداً، وحزب الله لم يسحب «أرنبه» بعد للتعويض عن خطيئة تصويته، فيما الاتحاد العمّالي يراهن على قنوات اتصال جانبية تعفيه من اختبار قدرته على تنفيذ الإضراب بعد الأعياد

استجاب الاتحاد العمّالي العام لنصيحة التجّار، وأعلن أمس إضراباً عاماً في السابع والعشرين من هذا الشهر، بعد عطلة عيد الميلاد، باعتبار أن الفترة التي تسبق هذا العيد تشكّل نسبة 25% من الحركة التجارية في البلد، بحسب ما لفت إليه رئيس اتحاد غرف التجارة في لبنان محمد شقير، الذي قال «لمسنا الوعي التام لدى كل الأطراف المعنيين (...) واتفقنا على أن نكون للمرة الأولى، كاتحاد عمالي وهيئات اقتصادية، يداً واحدة ومطالبنا واحدة».

وأضاف شقير في تصريح الى «وكالة الأنباء المركزية» إن رئيس الاتحاد غسان غصن «أبدى كل تفهم، وهو يعلم جيداً أن موافقتنا على زيادة الحدّ الأدنى للأجور جاءت حفاظاً على المصلحة الوطنية ومصلحة العامل على السواء (...) واتفقنا معه على المطالبة بدعم المازوت والبنزين، وسنعدّ خطة في هذا الشأن تتطلب نحو 3 أسابيع لإنجازها، وذلك على أساس تجنّب النزول إلى الشارع،».لذلك لم يدع الاتحاد العمّالي الى التظاهر رفضاً لقرار مجلس الوزراء الأخير، الذي «أتى أسوأ من القرار السابق»، بحسب البيان الصادر عن المجلس التنفيذي للاتحاد، فالقرار الأخير «عمّق الهوّة الاجتماعية والمعيشية، وزاد من معدلات الفقر، وهو يبطئ عجلة الإنتاج، ويسبب الانكماش الاقتصادي (...) كما أنه شطب الزيادة على بدل النقل في ظل الارتفاع المطّرد لأسعار المحروقات (...) وأتى ليزيد في قهر العمال وذوي الدخل المحدود تطبيقاً لإملاءات أصحاب الثروات، أغنياء تجمّع البيال».ولم يأت المجلس التنفيذي على ذكر التحرّكات التي أعلنتها هيئة التنسيق النقابية، والتي ستبدأ بالإضراب والتظاهر يوم الخميس المقبل، علماً بأن اتحادات نقابية عمّالية عدّة دعته الى المشاركة في هذه التحرّكات، في حين أن اتحادات أخرى استمرت بمقاطعة اجتماعات المجلس التنفيذي بسبب اتهامات لقيادته بالتواطؤ مع الحكومة والهيئات الاقتصادية على مصالح العمال والموظفين، وعُلم أن هذه الاتحادات ستعقد اجتماعاً تنسيقياً غداً للطعن بتمثيل قيادة الاتحاد العمّالي لها والدعوة الى المشاركة الكثيفة في التظاهرة التي ستنطلق عند الحادية عشرة من قبل ظهر الخميس من تقاطع بشارة الخوري ـــــ السوديكو باتجاه السرايا الحكومية.المناقشات، التي سبقت إقرار المجلس التنفيذي الإضراب العام «المؤجّل» الى ما بعد 15 يوماً من الآن، لم تكن توحي بالجدّية بقدر ما كانت تهدف الى امتصاص نقمة العمّال على اتحادهم، عندها سأل رئيس التكتل النقابي المستقل جورج علم بلهجة ممازحة: «لماذا الاستعجال بالإضراب طالما أن الحكومة أقرّت الأجور؟»، فيما تحفّظ رئيس اتحاد الكيماويات سليمان حمدان (اشتراكي) على الاقتراح، ولم يصوّت ممثل اتحاد المصارف لأن مندوبه لم يكن يحمل تفويضاً، ورأى ممثلو الاتحادات المحسوبة على حركة أمل أن إضراب هيئة التنسيق النقابية هو مزايدة.وبررت مصادر قيادية في الاتحاد العمالي عدم استعجال التحرّك، بأن الاتحاد ملتزم بعدم الدعوة الى التظاهر أو الاعتصام في الشوارع «حرصاً على الأمن»، وقيادته تعي تماماً أنها لا تستطيع وحدها تنفيذ إضراب عام ناجح، فذلك لم يحصل منذ سنوات طويلة إلا عندما كان الاتحاد يتلقى دعماً سياسياً في مواجهة رفيق الحريري أيام الوصاية السورية، إذ كان يتم فرض حظر التجوّل بحجج أمنية، وكان الجيش يفرض الإضراب ... إلا أن السبب الأساسي لعدم استعجال التحرّك، بحسب المصادر نفسها، هو وجود قنوات اتصال جانبية مع أطراف في الحكومة وممثلين عن هيئات أصحاب العمل قد تفضي الى قرارات إضافية تتعلّق بدعم سعر المازوت ودعم سعر البنزين أو زيادة بدل النقل والإعلان رسمياً عن سحب اقتراح زيادة الضريبة على القيمة المضافة من مشروع موازنة عام 2012 ... وهو ما قد يتلطّى وراءه الاتحاد العمالي للتراجع علناً والقبول بصيغة قرار مجلس الوزراء لزيادة الأجور، كما هي.هذه القنوات الجانبية، أشار اليها بوضوح وزير الاقتصاد والتجارة نقولا نحاس، في حديث الى إذاعة صوت لبنان، إذ قال إن «مشاورات تجرى بين رئيس الحكومة والأطراف المعنية بتصحيح الأجور لدرس إمكان توفير بعض التقديمات الإضافية لتكون عيديّة قبل رأس السنة». إلا أن الوزير نقولا نحّاس التقى في حديثه مع «نغمة» بدأت تتردد في شأن تشكيل المجلس الاقتصادي الاجتماعي للهروب من مناقشة مشروع وزير العمل شربل نحاس في مجلس الوزراء، ولا سيما لجهة تأمين التغطية الصحية الشاملة لجميع اللبنانيين المقيمين. فقد أوحى نقولا نحّاس بأن البحث يدور الآن في شأن تشكيل المجلس باعتباره مطلباً اجتماعياً، وهو ما ركّزت عليه الهيئات الاقتصادية في بيانها أمس، على أثر اللقاء الذي جمع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس الهيئات عدنان القصّار، إذ اعتبرت الهيئات أن قرار زيادة الأجور ليس هو الحل الأنجع لمعالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المزمنة في لبنان، ودعت الحكومة إلى إعداد خطة اقتصادية ـــــ اجتماعية شاملة تلبي تطلعات جميع شرائح المجتمع اللبناني ومؤسسات القطاع الخاص وتساهم في المقابل في معالجة الواقع الحياتي على المدى الطويل. ورأت الهيئات أن المكان الأمثل لمثل هذه المعالجات هو المجلس الاقتصادي ـــــ الاجتماعي، الذي يجب الإسراع في إعادة إحيائه، وخصوصاً في هذا الظرف بالذات، الذي بات فيه إنشاء هذا المجلس مطلباً ملحّاً لا يجوز التغاضي عنه، لكونه يمثل المؤسسة الدستورية الأساس للحوار ومعالجة أي خلاف، ولا سيما بين الهيئات الاقتصادية والعمال أو بين العمال والدولة.إلى ذلك، واصلت هيئة التنسيق النقابية استعداداتها لتنفيذ الإضراب والتظاهر ضد قرار مجلس الوزراء، وأقرّت رابطة موظّفي الإدارة العامّة توصية الهيئة بالتحرّك، داعية جميع موظّفي الدولة إلى الإضراب والمشاركة الكثيفة في التظاهرة يوم الخميس المقبل، في حين أن وفداً من الهيئة التقى أمس مستشار الرئيس نجيب ميقاتي المكلّف بدرس اقتراحاتها، إذ أبلغه الوفد بأن هناك خيارين أمام الحكومة: إمّا العودة الى عام 1996 وتصحيح الأجور بنسبة 60% على الشطر الأول و40% على الشطر الثاني و20% على الشطر الثالث، وإمّا إقرار مشروع وزير العمل كسلة واحدة من دون أي تجزئة أو انتقاص من مكاسب الأجراء والموظفين.(الأخبار)

75%

هي نسبة زيادة الناتج المحلي بين عامي 2006 و2010، من دون أن يترافق ذلك مع زيادة الأجور، ما عدا الزيادة المقطوعة عام 2008 ، ودون أن تترافق مع زيادة محسوسة في الأرباح، ما انعكس تدنياً في حصص الأجور والقطاعات المنتجة من الاقتصاد معاً لمصلحة الريوع المعفاة من الضريبة.

مجلس الشورى مجدداً

أحال وزير العمل شربل نحّاس قرار مجلس الوزراء الأخير لتصحيح الأجور الى مجلس شورى الدولة لأخذ رأيه بمدى تطابقه مع الدستور والقوانين والاتفاقيات الدولية والعربية ، وحرص الوزير نحّاس على الحاق القرار بمقارنة بينه وبين القرار السابق الذي رفض مجلس الشورى الموافقة عليه، مبيّناً أن القرار الأخير يتضمن المخالفات نفسها لجهة التمييز بين الأجراء وتقسيمهم الى فئات بدلاً من تقسيم الأجور الى شطور، وأن القرار الجديد أوجد حدّين أدنيين للأجور بقيمة 600 ألف ليرة و650 ألف ليرة ... وأنه حمّل الأجراء والمؤسسات خسائر كبيرة.

العدد ١٥٨٤ الثلاثاء ١٣ كانون الأول ٢٠١١

الأكثر قراءة