البلد: ريمون ميشال هنود
في العاشر من كانون الأوّل 2011 عرضت بعض نشرات الأخبار مشاهد تظهر تعرّض شبّان وشابّات اتحاد الشباب الديمقراطي للضرب بالعصي والهراوات على يد أفراد من القوى الأمنيّة المولجة حراسة مبنى مصرف لبنان، على اعتبار أنّ اتّحاد الشباب الديمقراطي أقام اعتصاماً بالقرب من المبنى احتجاجاً على استمرار ضربات السياسات الاقتصادية الموجعة للفقراء والكادحين، وتبيَّن أنّ اتّباع أسلوب الضّرب المبرح، والذي أسفر عن أكثر من عشرة جرحى، كان بهدف طرد المعتصمين وافشال الاعتصام، ولا يختلف عاقلان متنوِّران على أنَّ الفعلة المشينة، تناقض تماماً كلّ الشعارات التي دأبت على اطلاقها منذ سنوات عدّة الى الآن، القوى السياسيّة اللبنانيّة الطائفيّة، والتي يترأسها أبناء الطبقة الحاكمة بأمرها، والتي تدعو "أي الشعارات" الى التعويل على عنصر الشباب على اعتبار أنّه أمل الوطن المتبقّي القادر على تطهيره من الفساد والافساد.
وبالمناسبة فانّ السلوك المستهجن هذا لم يتطاول على شباب يعتريهم الجهل، ويحتاجهم التثقيف واعادة التأهيل، انّما تطاول على نخبة وخيرة شباب لبنان المثقّف التقدّمي اللاطائفي العلماني، والذي يعمل من أجل نقل مبادئه الى الشريحة الأكبر من الشباب اللبناني التي غرّرت بها الشّعارات المذهبيَّة الفئويّة الضيّقة عبر التمكّن من دغدغة مشاعرها، وبالتّالي ضمّها الى كنفها وجعلها تتفيّأ مظلاّتها، لتتحكّم بها في نهاية المطاف عبر تحريكها بواسطة أجهزة الريموت كونترول من خلال أزرار تضغط عليها أصابع الأزلام والمحاسيب، والتمكّن من تسخيرها لخدمة المصالح السياسيّة للطوائف بدلاً من أن تكون مجنّدة لخدمة الوطن بغية انتشاله من مستنقعات الطائفيّة والمذهبيّة والعائليّة من أجل زوال آلام الالتهابات المذهبيّة المزمنة عن جذوع وأغصان الأرز العربيّ الخالد، والتي غزتها منذ العام 1840.
ما هكذا يُعامَل شبابٌ ساروا كلّ مساحة الأراضي اللبنانية سيراً على الأقدام ولمدّة ثلاثة وثلاثين يوماً في صيف العام 2008 وأقاموا صِلات تعارف مع مئات الأفراد اللبنانيّين على اختلاف انتماءاتهم وأطيافهم ومشاربهم، ولقاءات حواريَّة لبثّ نهجهم العلماني التحرّري النابذ للتمييز بين عِرق وعِرق ولون ولون ودين ودين، والمؤمن بالانسان الكفوء النزيه. ما هكذا يُعامل شبابٌ مؤمنٌ أشدّ الايمان بمقولة جبران: الأرض كلّها وطني والعائلة البشريَّة عشيرتي، وبمقولة المناضل الأممي أرنستو غيفارا: أي بقعة على المستديرة، يجتاحها الظّلم، تكون هي وطني، وتعوِّلُ عليه أرواح روّاد عصر النّهضة من عليائها لتطبّق مبادئها المعادية للانعتاق والتزمّت الوبيلين، واللّذين ما زال وباؤهما متفشِّياً بالقسط الأكبر من نفوس أبناء النّسيج الاجتماعي اللبناني بشكلٍ هستيريّ، كجبران والرّيحاني والنّعيمه وشبلي الشميّل وفرح أنطون وأحمد فارس الشدياق وكمال جنبلاط.
ما هكذا يُعامل شبابٌ سبق أن شكَّل عصب التظاهرات الحاشدة التي دعت منذ أشهر الى اسقاط النّظام الطائفي في لبنان، والتي لقيت ترحيباً من الرئيس ميشال سليمان، والرئيس الأسبق اميل لحّود ومن ضمير لبنان الدكتور سليم الحصّ، وتشجيعاً من وزير الداخلية الأسبق زياد بارود. ما هكذا يُعامل شبابٌ يهدف الى اعادة السّلام الداخلي الى نفوس اللبنانيّين، لكي يشعر ابن الضنيّة والهرمل الذي يعمل في بيروت بأنّه لم يأتِ الى عاصمة لبنان من كوكبٍ آخر. ولكي لا يشعر ابن الشمال والبقاع والجنوب الذي يعمل في كسروان، بأنّه غريب فيها ! ولكي لا يشعر ابن كسروان بأنّه عبء ثقيل في المتن وبعبدا. والقضاء على المناطقيَّة في لبنان من أولويّات هؤلاء المتنوّرين الشباب، لأنّ المناطقيّة جزءٌ لا يتجزأ من الحالة الطائفيّة العفنة المقيتة، وهي أمرٌ واقعٌ مخزٍ ما زال يُمعن في الذّبح بأظافره النّتنة.
الاربعاء 14 كانون الأول 2011