بسّام الطيارة رحبت وزارة الخارجية اليابانية بحضور السفير الأميركي، جون روس، الاحتفال بالذكرى الـ ٦٥ لقصف هيروشيما بالقنبلة النووية في 6 آب، التي ستتمثل فيها كل من فرنسا وبريطانيا للمرة الأولى أيضاً. ورأى المتحدث يوشيدو سينغوكو أن هذه المشاركة سوف تكون مناسبة «لإدراك إلى أي درجة لا تودّ اليابان أن تتكرر مرة ثانية فظاعة القصف النووي». بالطبع، ينتظر اليابانيون اعتذاراً من واشنطن بسبب القنبلتين اللتين ألقيتا في ٦ و٩ آب لـ«التعجيل» في إنهاء الحرب حسب تبرير أميركي. وحتى اليوم لم يزر أي رئيس أميركي، إحدى هذه المدن التي فقدت سكانها خلال ثوان. وبات معروفاً أن رقم الضحايا يتجاوز بكثير الرقم الرسمي الذي سُطِّرَ في كتب التاريخ إبان احتلال الولايات المتحدة لليابان، بحيث حُصر تعداد الضحايا المباشرين، أي الجثث التي دُفنت في الأيام والأسابيع التي تلت الكارثة، ولم يأخذ بعين الاعتبار الضحايا الذين «اندثرت آثارهم» بفعل وجودهم في «عين الانفجار» واعتبروا «مفقودين». إضافة الى أن السنوات التي تلت كشفت عن لوائح طويلة لضحايا مباشرة بفعل تأثير الإشعاعات، مع وجود ولادات تحمل آثار تشوهات خلقية. وهو ما دفع المدير السابق لمتحف هيروشيما، أكيهيرو تاكاهاشي، إلى القول «أشعر بالكراهية تجاه الولايات المتحدة»، لكنه استطرد بأن من الصعب «محاربة الكراهية بالكراهية»، وطالب السفير بـ«الصلاة الحارة من أجل الضحايا»، وأن يعلن موقفاً مع «نزع شامل للأسلحة النووية». كل هذا التأجيج العاطفي الذي يرافق سنوياً ذكرى «نكبة اليابان» لا يغطي هذا العام التحولات التي هي على قدم وساق لإحداث تغيير ثوري كبير في سياسة اليابان العسكرية والدبلوماسية، إذ علمت «الأخبار» أن رئيس الوزراء الياباني، ناوتو كان، يستعد لطرح تغيير في الدستور الياباني من أجل السماح لقوات الدفاع اليابانية بالعمل خارج الحدود. ومن المعروف أن الدستور الذي وضعه حاكم اليابان، الجنرال ماك أرثر، إبان فترة الاحتلال، يحظر (مادة 9) إنشاء جيش وحل الخلاف بالطرق العسكرية ويمنعه من السعي للحصول على قدرات نووي. هذا لم يمنع طوكيو من تجهيز «سرايا دفاع وطني»، هي بالواقع جيش حديث متطور يمكن تصنيفه بين الخمسة الأوائل في العالم. إلا أن عقبة «منع الانتشار في الخارج» الدستورية أخّرت انغماس طوكيو في أزمات الساحة الدولية. رغم أنها تشارك بقوى غير مسلحة في المنطقة المحايدة في هضبة الAffinityCMSن السورية المحتلة، كما سبق لها أن رعت اتفاق السلام في كمبوديا. وجرى تعديل الدستور أول مرة في ١٩٩٠ للسماح لها بالمساهمة بنقل تموينات في حرب العراق الأولى قبل أن ترسل «فرق هندسة» بعد الاحتلال الأميركي للعراق. وشاركت أيضاً ببواخر تموين في حرب أفغانستان قبل أن تنسحب أخيراً. ومنذ مدة، تطالب واشنطن اليابان بالمساعدة العسكرية المباشرة، وكان التردد الياباني مرده «ردات الفعل السلبية» لدى الصين والكوريتين بسبب «ماضي اليابان الاستعماري». أما اليوم فتبدو الأمور متغيرة، فكوريا الجنوبية تخشى جنوح الشمال الكوري نحو «عربدة عسكرية»، بينما الصين باتت ترى نفسها في مركز قوة لا يسمح لها بالتنديد بالأمر حتى لا يعدّ علامة ضعف. إذاً تحت عنوان «تحديث جيش الدفاع»، تستعد اليابان للانتقال إلى مرحلة جديدة في تاريخها الحديث، يراها المراقبون «تطوراً طبيعياً»، إلا أن الظروف الدولية والتوقيت ليس من قبيل الصدف. إذ تستعد للعمل بقوة للوصول إلى مقعد دائم في مجلس الأمن، وترى أن الظروف مؤاتية للضغط على حلفائها الذين يستعدون لخوض «معركة الملف النووي الإيراني». وقد يفسر هذا حضور فرنسا وبريطانيا أيضاً ذكرى هيروشيما. ورداً على سؤال لـ«الأخبار» قال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية، برنار فاليرو، الذي رفض الخوض في مسألة سياسة اليابان الدفاعية، إن «فرنسا تقيم علاقات تعاون ودفاع ممتازة مع اليابان وتتمنى تطويرها». ويبدو أن الدول الغربية تعوّل كثيراً على اليابان لمساعدتها في حال حصول أزمة أو قرار أممي باللجوء إلى القوة. وبما أن من الصعب جداً أن تكون شبه الجزيرة الكورية مسرحاً لأي تدخل ياباني، فيمكن أن يكون المسرح الخليجي محلاً لتطبيق دور أكثر فعالية على الساحة الدولية، وخصوصاً أن الأمر يتعلق بـ«خطر نووي» وأن رئيس الوكالة الدولية للطاقة النووية التي ترعى الملف الإيراني هو ياباني. ويلعب رئيس الوزراء، كان، على الخوف الياباني من كوريا الشمالية بعد «تمارين إطلاق صواريخ فوق طوكيو» في العام الماضي، ثم قبل أشهر مهاجمة الغواصة الكورية الجنوبية، من أجل تمرير هذه التغيرات التي يعارضها الشعب «في تفاصيلها»، ولكن دون أن يعارض خطوطها الكبرى، كما ذكر أحد الخبراء اليابانيين، بانتظار كشف التفاصيل عما «وراء الانفجار الذي طال ناقلة النفط اليابانية في الخليج».