ولم تحرك هذه الخطوة سوى الشباب الشيوعيين، وكأن بقية اللبنانيين من الاتجاهات السياسية الاخرى يحصلون مجاناً على الخبز!
لم يصدر الا بيان يتيم من الاتحاد العمالي العام يعترض فيه على ما حصل حيال الربطة التي باتت "الامل الوحيد" لعائلات كثيرة، فيما اللبنانيون يغرقون في أخبار المحكمة الدولية، و"سموم" البيانات والتصريحات الاعلامية من هنا وهناك.مع غياب القضايا المعيشية والمطلبية عن اهتمام القوى والاحزاب اللبنانية، استرعى انتباه المارة والسائقين حضور جمع من شباب الاتحاد على مسافة أمتار من تمثال الرئيس رياض الصلح، وهم يرفعون أرغفة الخبز وينادون على الأسر الفقيرة والمحتاجين لدق ناقوس الخطر على مصير لقمة عيشهم وحياتهم الاجتماعية في ظل "بورصة" اسعار المواد الغذائية.
يرسم شبان الاتحاد "مشاريع" تحركاتهم في مقرهم في أحد مباني محلة مار الياس. في الشقة صالون يضم طاولة كبيرة يلتقي حولها يساريون متمرسون ويتقنون فن الجدال والنقاشات. ترتفع قبالتهم صورة كبيرة لـ "تشي" غيفارا، ملهمهم الذي ينهلون من مسيرته ومواجهاته، دروساً في تحدي الواقع الذي يعيشونه والمثابرة على المواجهة حتى لو كانوا ينشطون في بيئة غزتها "نيران" المذاهب والطوائف في مشهد لم يعد يشبه لبنان في أواخر الستينات وأوائل السبعينات عندما كانت المطالب المعيشية والتربوية تلقى الصدى المطلوب. "أنت بخطر"على لوحة مثبتة في الصالون تعلق اعلانات الحملات التي خطها شبان الاتحاد ومنها "أنت بخطر" التي حذرت من أخطار الـ TVA على مشتريات اللبنانيين، الى شعارات كتبوها على لافتات كرتونية منها "حتشتاق للمجدرة وتترحم عالفروج" الى "بنزين سيارات الوزير عحسابك يا نفر".عادل (18 سنة)، طالب في كلية الحقوق للجامعة اللبنانية، يواظب يومياً على زيارة مقر الاتحاد. شدته تجربة المخيمات الشبابية والمشاركة في مساعدة النازحين جراء العدوان الاسرائيلي في تموز 2006، للالتحاق بصفوف الاتحاد. يعبر باطمئنان عن خياره "الابحار" في مركب اليسار الذي يشق طريقه في بحر الانقسام والفرز المذهبي.
ويفاخر محمد جمول (25 سنة) بـ"الجذور العلمانية" لأسرته "ووجدت في الاتحاد المساحة الحوارية الوحيدة في لبنان التي تعبر عن أفكاري ومكنوناتي".ويقول "اعرف الاغراءات المادية والوظيفية التي تقدم الى شبان في عمري انضووا في صفوف اتحادات أخرى تغلب عليها الخيارات المذهبية، ويتلقون مساعدات مادية. ونحن من أفقر الاتحادات الشبابية مالياً".لا يحتاج الناشط في الاتحاد عربي عنداري (36 سنة) الى بطاقة تعريف عنه في صفوف اللقاءات الشبابية والطالبية في بيروت والمناطق. يقول "نحن مستمرون بالشغل والعمل، ونعرف سلفاً ان أحلامنا لا تتحقق بكبسة زر في الوصول الى وطن علماني تتحقق فيه العدالة الاجتماعية".لا يحتاج عنداري الى سؤال لتكر سبحة نقمته واعتراضاته على الوضع المعيشي الذي وصل اليه اللبنانيون بفعل ارتفاع الضرائب وغلاء الاسعار وآخرها التلاعب في أرغفة الخبز.
"الناس الجوعانين"
يحضر عنداري الى ساحة رياض الصلح مع رفاقه بالحماسة نفسها التي ترافقه قبل عشرين عاماً لينقل أوجاع المحتاجين و"الناس الجوعانين". ولا تختلف هواجس رفيقته هبة الأعور، التي تبدأ حديثها عن أزمة الرغيف والتي وفق رأيها لا تأخذ الاهتمام الكافي والمطلوب من الجهات المعنية والقوى السياسية.
هبة انهت دراستها في الجامعة الاميركية في حقل الكومبيوتر وتواجه بشدة "أوساخ الحرب الاهلية والطائفية". اتخذت اليسار خياراً ونشأت في منزل يعنى بالحوادث السياسية والتهديدات في لبنان والمنطقة.لا توفر هبة فرصة الا وتعمل على استثمارها في خدمة الاتحاد والمشاريع التي يعمل على تحقيقها. وعندما التقيناها كانت منهمكة للتوجه الى المطار لاستقبال وفود أجنبية حضرت للمشاركة في أعمال المؤتمر الثامن للاتحاد الذي افتتح أعماله قبل اسبوعين في مقر الاونيسكو وسيصدر وثيقة سياسية وينتخب قياداته الجديدة في الاسابيع الثلاثة المقبلة.ويحسب الاتحاد على الحزب الشيوعي اللبناني، لكن اللافت في الاعضاء ان 70 في المئة من غير المنتمين الى الحزب ينتشرون في مختلف المناطق وتوحدهم مظلة اليسار. ولم يمنع الانقسام المذهبي في أكثر المدن والبلدات اللبنانية وتوزع خيارات شبابها على قوى طائفية وسياسية عند فريقي 8 و14 آذار، شباب الاتحاد من السير في مشروعهم.
أما يارا فتؤمن بالقاعدة الآتية: "ان التراكم الكمي يؤدي الى التغيير النوعي". وهي نشأت في بيئة عائلة يسارية وشدتها أغاني مرسيل خليفة.وكانت في الرابعة عشرة من العمر عندما خرجت من المدرسة وشاركت في اعتصام مطلبي للاتحاد وقرأت وثيقته السياسية و"شعرت انها تشبهني". وسرعان ما نسجت علاقة عاطفية ونضالية بينها وبين الاتحاد.
وتروي يارا قصتها هذه على مسمع الامين العام للاتحاد حسين مروة (27 سنة) وهو متخرج في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية. ويلفتك في شخصيته وهو ينفث دخان سيجارته، نموذج الشباب اليساري في عز الايام الغابرة لـ"الحركة الوطنية" التي أخذت على عاتقها آنذاك تغيير وجه لبنان ونظامه السياسي. لحسين والد قومي لم يستقبل بارتياح الخيار الشيوعي لنجله. وهو من بلدة الزرارية في الجنوب التي شكلت خزاناً لليساريين قبل صعود نجم حركة "أمل" و"حزب الله".ويفاخر مروة بـ "الاستقلالية" التي يتمتع بها الاتحاد بعيداً من توجهات قيادة الحزب الشيوعي.ويعترف بأن الشيوعي يعمل على امرار وجهة نظره السياسية عبر الرفاق الحزبيين "وفي المحصلة لا توجد املاءات علينا ولا نقبلها". ويدافع عن سياسة الاتحاد الذي ينتهج خياراً علمانياً - يسارياً ويقدم رؤية بديلة من الطروح الطائفية.ويذكر بمبادرة "شباب خائف على وطن" وسعي الاتحاد الدائم الى "العمل على ألا يكون الشباب اللبنانيون أوراقاً في أيدي الزعامات الطائفية". كما ان لديه ملاحظات عدة على اقرانه من الشباب المنضوين في صفوف اتحادات طالبية وشبابية حزبية "والتي يعمل وينهمك أفرادها في استنساخ خطابات الزعماء ورؤساء الاحزاب".وتسلم مروة الامانة العامة للاتحاد من عنداري ولم يحسم بعد ما اذا كان سيترشح ثانية.لا يعارض القائمون على الاتحاد وتوجهاته فتح قنوات العلاقة مع سائر القوى الشبابية والطالبية واتصالاتهم "باردة" مع حزبي الكتائب و"القوات اللبنانية" ولا سيما بعد التصريحات والمواقف الاخيرة للنائبين سامي ونديم الجميّل حيال الفلسطينيين و"الاعتزاز بالعلاقة السابقة التي كانت تربط الكتائب باسرائيل".ولدى الاتحاد ملاحظات على "التيار الوطني الحر" وطريقة تعامله في الحكومة ومجلس النواب مع موضوع الحقوق المدنية للاجئين الفلسطينيين. ويضيف "نحن نحرص على ألا نعادي أحداً، وحرصاء على تناول الهموم الشبابية مع سائر الافرقاء، لكننا صراحة لا نستطيع تقبل الخطابات العنصرية ضد الفلسطينيين".ويوجه رسالة الى اقرانه ان أكثر "خطابات السياسيين بعيدة من هموم الشباب اللبناني وقضاياهم، ومن جهتنا مستمرون رغم التحديات في الايمان بالمقاومة ومواجهة اسرائيل والعمل على خفض سن الاقتراع والمشاركة في الحياة السياسية ومحاربة الطائفية والوصول الى قانون مدني للاحوال الشخصية، فضلاً عن ضرورة النهوض بالجامعة اللبنانية الى جانب سلسلة أخرى من القضايا التي تشغلنا".
التأسيسانطلق "اتحاد الشباب الديموقراطي" عام 1970 ولديه 32 فرعاً في لبنان، والملاحظ ان 40 في المئة من أعضائه اناث.ويتألف المكتب التنفيذي من 10 أعضاء، بينهم 4 شابات، ويعتمدون في موازنتهم على الاشتراكات ومشاريع الاشغال اليدوية. ونظم الاتحاد 10 مخيمات هذا الصيف، وهو عضو في "اتحاد الشباب الديموقراطي العالمي" المناهض للامبريالية ويحتل فرع لبنان موقع نائب الرئيس فيه.
رضوان عقيل