السفير: الاسم: جوعان، والشهرة «معتّر». العمر: من عمر الفقر، والمذهب «يساري». مكان الولادة: أينما وجد الظلم. تلك هي عناصر الهوية المقتضبة التي يحملها شباب «اتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني»، الذين احتشدوا أمس في ساحة رياض الصلح، للمطالبة بتراجع وزارة الاقتصاد عن قرارها القاضي برفع سعر ربطة الخبز، عبر خفض وزنها بنسبة عشرة في المئة. تظاهر الشباب في أثناء انعقاد جلسة مجلس الوزراء في السرايا الحكومية، ليرفعوا الصوت علّ الوزراء يسمعون، أو يلمحونهم في أثناء عودتهم من السرايا. دوريات مؤللة للجيش اللبناني انتشرت أمام العوائق الحديدية التي احتشد الشبان خلفها، رافعين رغيف الخبز، ومرددين الشعارات. شعارات الرغيف، والفقر، والظلم. شعارات تصنع هويتهم في «جمهورية الجوع».فجأة، تتغير اللكنة من اللبنانية - البيروتية، إلى المصرية. الشاب، وهو صحافي مصري، يصرخ بأعلى صوته: «ارفع سعر الخبز وغلّي.. بكرا الثورة تقوم وما تخلّي». تعلو الأصوات من حناجر بدت صادحة في الهواء، بقوة أكثر، مع شعار آخر: «يا حكومة حرامية.. على السرقة مبنية». هتاف ثالث: «حكومة الوحدة للسرقة.. سقى الله أيام الفرقة (التفرقة)». عينا رياض الصلح شاخصتان إلى الساحة الأمامية، وظهره موجّه إلى التجمّع الذي زاد عدد أفراده عن المئة. وبينما يتجهّز عناصر الجيش اللبناني للمغادرة، بعد انقضاء نصف ساعة على بدء الاعتصام، يُسمع شعار آخر، من وحي المناسبة: «يا عسكر خيّك معنا.. جيب سلاحك واتبعنا». تغادر الآليات العسكرية، تشقّ طريقها السيارات المدنية. في تلك السيارات، يُسمع استهجان على لسان أحد ركابها، لا يعجبه مشهد الرغيف مرفرفاً في الهواء. هو ربما لا يعرف أن سعره قد ارتفع. وربما يعرف. الرغيف المدعوم.. في مصر وصل الصحافي المصري إلى لبنان منذ أسبوع، وفضّل عدم نشر اسمه تحسباً للمضايقات الأمنية، عند عودته إلى مصر بعد شهر تقريباً. يقول الشاب إنه شارك في الاعتصام «ليس من أجل زملائي في الاتحاد فحسب، بل لأن الرغيف همٌّ مشترك بين شعب لبنان وشعب مصر. همّ الرغيف، والفقر». يقول الشاب إن مصر، حتى اليوم، تشهد وقوع «شهداء» في طوابير «العيش» (الخبز)، لافتاً إلى أن سعر الرغيف في مصر «مقبول، لكن الحكومة المصرية تعمّدت أن يكون الرغيف المدعوم من قبلها رديئاً، لتقول إن الرغيف الجيد موجود في مكان آخر: الأفران الحديثة. حيلة اعتادها الشعب الفقير، واعتاد معها الرغيف المدعوم، الذي ربما يتعود عليه الشعب اللبناني بطريقة أو بأخرى». يأخذ محمد نصرالله، الشاب العشريني، قسطاً من الراحة بعد ترداد الشعارات. بروح حماسية، تشبه حماسة الشعارات التي يرددها، يشرح نصرالله: «أتينا لنقول إن الشعب ليس مهتماً بالقرارات الظنية. الشعب همه أن يأكل!». لكن الشعب الذي يتحدث عنه الشاب ليس موجوداً في الساحة، لأجل الرغيف. يبرر: «الشعب مسيّس. ولأنه كذلك، فهو لا يلبي دعوتنا». «ماذا بقي لنا غير الرغيف؟» في كلمة «الاتحاد»، استنكرت منى عوالي مرور «أكثر من أسبوع على رفع سعر ربطة الخبز، وسلب رغيف منها، ولا يزال القرار من دون أية مراجعة. وزير الاقتصاد محمد الصفدي يصم أذنيه عن سماع صرخات الأطفال والفقراء. ماذا بقي لنا أيها الملياردير غير رغيفنا؟ المدارس والطعام والبنزين والمياه والكهرباء والمستشفيات؟ كلها خدمات نحن محرومون منها، وإن تنعمّنا ببعضها.. فبأسعار غالية لا تطاق». وأكملت عوالي: «ستقول لنا إنها فقط 161 ليرة. وتتلون الشاشات بأصحاب المطاحن والأفران يقولون: إنها فقط 161 ليرة. كلا، إنها رغيف، إنها حق، إنها مادة أساسية يأكلها الفقراء وذوو الدخل المحدود». وأشارت كلمة «الاتحاد» إلى أنه «لو كانت عملية السطو التي حصلت على رغيفنا تفيدكم سياسياً، لكان نزل الآلاف إلى الشوارع»، لافتة إلى أن المتظاهرين «لن نسكت، سنملأ الشوارع ضجيجاً، وعلى قلة أعدادنا سنؤرق أيامكم، حتى نستعيد هذا الرغيف». ولـ«الشعب»، حصة ختامية من الكلمة: «وأخيراً، صفعة على وجوه المواطنين، آن لكم أن تستفيقوا من غيبوبتكم، آن لكم أن تعرفوا من هو العدو. إنهم أعداء حقوقكم. أعداء أطفالكم ووطنكم. لا تستمعوا إلى خطاباتهم الاستفزازية، ولا تسيروا خلفهم من حرب إلى حرب. استفيقوا واعلموا أن السماح بسرقة هذا الرغيف، سيكون بطاقة سماح ليسرقوا ما بقي لكم من حياة». وفي السياق نفسه، أكد منظمو التظاهرة، ان «الاتحاد» يحضّر لاعتصام مفتوح الأسبوع المقبل، وقد يتحول إلى إضراب عن الطعام حتى تتراجع الوزارة عن قرارها.
جعفر العطّار