نُتّهم بأنّنا ليبراليّات من رفاقنا اليساريّين عندما نتحدّث عن قضايا النّساء، نُطالَب بالصّمت داخل منظّماتنا اليساريّة عندما نطرح أمراً يتعلق بقضايانا بحجّة أنّنا معنيّون بكلّ فئات الطبقات العاملة - لا بالنّساء وحدهنّ - وكأنّ الطبقة العاملة كتلةٌ واحدة، لا تفاوت بين شرائحها بحجم الاستغلال والاضطهاد في ظلّ الأنظمة والرّجعيّات القائمة.
إنّنا إذا أردنا تعريف اليساري بشكلٍ مبسّط، فاليساري هو كلّ رافضٍ لأنظمة الاستغلال والحرمان ولكلّ إفرازاتِها السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافيّة، وذلك يشمل العنصرية، الطائفية، الطبقيّة، الذّكورية، السلطة الدينية والأبوية وسلطة العسكر، وغيرها من الأدوات الّتي تنتجها الأنظمة وتتغذّى عليها وتستمرّ عبرها، لهذا فإنّنا لا نرى انفصالاً بين يساريّتنا ونسويّتنا، بل نراهما متلازمان، لا يكتمل أحدهما دون الآخر.
ومن هنا، تأتي مسؤوليّتنا كنسويّات في محاربة اختزال النسوية بفكرة "المساواة بين الجنسين" فقط لا سيّما في الأوساط اليساريّة، هنا تبرز أهميّة توضيح تقاطع صراعنا النسوي مع صراع باقي فئات المجتمع المهمّشة ضدّ رأس المال وأدواته، كما ضرورة توضيح منشأ السلطة الأبويّة المرتبط أساساً بالملكيّة الخاصّة والمجتمع الطبقي لنخلص بعدها إلى أنّ تحرير النساء يتطلّب القضاء على سبب استعبادهن، وأنّ لا خلاص حقيقي لنا إلّا عبر تهديم أنظمة الاستعباد القائمة وإرساء أنظمةٍ نقيضة تنتج عنها المساواة الطبقية بين الجميع.
بعد أن كانت النّساء تجسّد كآلهةٍ في الأساطير القديمة، وبعد أن كنّ رموزاً للحياة والحبّ والجمال، بعد أن كنّ الطبيبات الشّافيات من الأمراض، حصل تحوّل في المجتمع البشري، فإنتقل الإنسان من كونه جامعاً للنّباتات وصيّاداً للحيوانات إلى حالة تربية الحيوان وتدجينه كما زراعة النّباتات فمارس الرجال تلك المهام الّتي تطلّبت قوّةً جسديةً عالية فامتلكوا الأراضي نظراً لقيمتها الاقتصاديّة ما تطلّب ضرورة توريثها إلى النّسل القادم، وتزامن ذلك مع فهم الرّجل لدوره في عمليّة الإنجاب ومنح الحياة عندما تعرّف أكثر إلى تلك العملية عند الحيوانات الّتي قام بتربيتها. وبحيث أنّ المرأة هي من تحمل وتنجب، كانت بالتّأكيد تميّز نسلها، وبالتّالي كان يُنسَب لها، في حين كان الرّجل عاجزاً عن تمييز نسله نظراً لتعدد العلاقات الّتي كانت تقوم بها النساء آنذاك.
ولتوريث الأرض، صار الرجل يحتاج إلى تمييز نسله، فصار مهمّاً بالنّسبة له أن تمارس المرأة الجنس مع رجلٍ واحد لينسب نسله إليه، وصار على ذكور عائلة المرأة أن "تحافظ عليها" للرّجل القادم للزواج منها، ونشأت العائلة الّتي تُستعبد فيها المرأة وتقمَع وتمنَع من ممارسة حياتها بشكلٍ طبيعي "حفاظاً على عذريّتها" الّتي رُبطت لاحقاً بمفاهيم أخلاقيّة كالشّرف والعفّة.
ساد استعباد النساء وقمعهنّ واستملاك أجسادهن، فمنعن من الخروج والعلم والعمل والدخول في علاقات عاطفيّة أو جنسيّة، وُضِعت قيودٌ على لباسهن وحقوقهنّ في ممارسة حياتهنّ السياسيّة لاحقًا، وظلّ هذا القمع القائم على مصادرة أجساد النساء يتطوّر ويأخذ أشكالاً متعدّدة مع التطور التاريخي للمجتمعات الطبقية وعلاقات الإنتاج السائدة، واستمرّ ذلك حتّى في النّظام الرأسمالي الّذي يدّعي الحرّيّات، حتّى استغلّ النهج الليبرالي قضايا النّساء وسلّعها لخدمته في بعض الأماكن للتّرويج لبروبغندا "الحريات في رأس المال"، هذا الأمر الّذي جعل تقاطعيّة الصّراع النسوي مع الصراع ضدّ رأس المال مبهماً يجب توضيحه.
في المجتمع العبودي والاقطاعي حيث تغيب المنافسة بقيت المرأة في البيت، تهتمّ بالطبخ والغسل والتنظيف وتربية الأطفال، أمّا في الرّأسماليّة الّتي تقوم على المنافسة في السوق والمليئة بالتّناقضات، كان على العامل أن يعمل لقاء أجورٍ ضئيلة، لكن كان يفترض أن يعيش؛ يأكل ويشرب ويحصل على السكن والملبس ليتمكّن من العمل ثانيةً. ومن هنا احتاجت الرأسماليّة إلى المرأة في البيت، تستكمل مهامها في الطبخ والغسيل والتنظيف والإنجاب والتربية من دون أجر، فلا تضطر الرأسمالية إلى تأمين هذه الخدمات بالمجّان ما يكلّفها أثماناً باهظة، كما لا تضطرّ إلى رفع أجور العمّال من أجل تحصيل تلك الخدمات.
مع ذلك، فإنّ حاجة الرأسماليّة للعمّال كما حاجتها لإدخال المرأة إلى سوق العمل لادّعاء المساواة داخلها، دفعها إلى تمكين المرأة من العمل لكن بأجورٍ أقل، بحيث تحافظ على وجودها داخل البيت وتقوم ب"دورها" فيه، وهكذا صارت المرأة تعمل أكثر بأجرٍ أقل، وهكذا صارت الرأسمالية تستغلّ العاملات ضعف ما تستغلّ العمّال.
هذه السلطة الاقتصاديّة على النّساء انعكست اجتماعياً، سياسياً وقانونياً، إذ لم تنتزع النّساء حقوقهنّ في التصويت والانتخاب والمشاركة في القرار إلّا منذ عقود قليلة، وحتّى الآن تستغلّ السلطات الرأسمالية الذكوريّة وجود نساء من داخل الأنظمة الرجعيّة لتثبت "تقدّمها"، حتّى الآن لا تستطيع النساء في الكثير من البلاد منح جنسياتهنّ لأطفالهنّ، حتى الآن تناضل النساء في العديد من البلدان من أجل حقّهن في الإجهاض والرعاية الصحية الآمنة، حتّى الآن تتعرّض النساء للختان والتعنيف الأسري والتحرش والإغتصاب والقتل من دون آليّات محاسبة جدّيّة وواضحة، حتّى الآن يتمّ التحكّم بأجسادنا وتُفرض علينا معايير جسديّة روّجت لها الشّركات الكبرى لتبيع منتجاتها "التجميلية" ويتمّ إخضاعنا لأدوار جندريّة يعرّضنا رفضها للقتل أو النّبذ في أفضل الأحوال، ومع ذلك فإنّنا حتّى الآن نُطالَب بتأجيل قضايانا!
"إنّ حصول المرأة على بعض حقوقها لا يعني تحرّرها الكامل، ولكنّه يؤدّي إلى إضعاف الاستثمار الرأسمالي الّذي تعاني منه"، هكذا تقول النسويّة الماركسية ألكسندرا كولونتاي في إشارةٍ إلى أهميّة انتزاع النساء لحقوقهن في إضعاف الذّكورية بصفتها أداةً لرأس المال، وهذا تماماً ما يجعل النسوية لا تناقض يساريّتنا في شيء، بل يجعلها جزءاً لا يتجزّأ من اليسار، وهذا ما يضع المنظمات اليساريّة أمام مسؤوليّاتها في تعزيز الثقافة النسوية داخلها، كي لا نعيد نحن ضمن منظّماتِنا إعادة إنتاج أدوات وثقافة الأنظمة الرّجعية التي نحاربها.
ريم دياب
يلوك البعض المصطلحات السياسية ويبصقها كعلكة رخيصة، يشوّهها من دون حق بالتحدث فيها أساساً ، يتباهى بتفاهته وتحقيره لنضالات الالاف وقضاياهم الوجودية ثم يضع المسدس في رأسك لو تجرأت على "مناقشته" بقضيته. كثيرون هم حولنا، تنقطع انفاسهم اذا لم يحظوا بالانتباه فتراهم يتكالبون على جمع أكبر عدد من التافهين مثلهم حولهم... يضحكون على ما لا يفهمون، يتنافسون فيما بينهم على من هو الاكثر سفالة، يتصارعون مع خيالهم للفت الانتباه، يصفقون لبعضهم، وتقتلهم النشوة عندما يسخرون من حركات سياسية نضالية تكبر بلادهم وتاريخها.
المقدمة هذه التي تفتقر للأدب ربما، هي أقل ما يقال بحق هؤلاء. فليس للمنطق والنقاش والحوار الراقي مكانا مع هؤلاء، ولا نخجل بعد اليوم بمواجهة الحديد بالحديد والنار بالبركان. فيما يلوك هؤلاء مصطلح النسوية، يشكّل هذا المصطلح عنوان صراعنا اليومي منذ يومنا الأول في الحياة. فمنذ اليوم الاول يُحكم علينا وُيحدد لنا، نساءً ورجالاً، شكل حياتنا ونمط عيشنا. من طريقة اللبس والوانه الى طول الشعر وشكل الجسم ودوره وقدراته ودورنا الاجتماعي، وتوضع مشاعرنا في قوالب وتُجمّد أخرى، ونتعلم "الحكي والمشي" على أساس كل ما سبق، ونصير ما أرادوه ونعيش في اغتراب عن انفسنا وعن عالمنا، ويموت البعض منا قبل ان يدرك ذاته وما تريد وينتحر البعض بعد أن يتعرف الى ذاته ويخشاها، وينجو البعض بعد ان يختار أصعب الطرق وأخطرها.. أن يصارع ويكافح ويقاوم. النسوية لنا هي حركة سياسية ونضال سياسي يومي، نضطر الى خوضه على عدّة جبهات مهما كانت قاسية وطاحنة. النسوية بالنسبة الينا هي اللحظة الاولى من حياتنا التي ادركنا فيها ما نريده حقًّا فبدأنا نصارع لنكون، هي قضية وجود وشكل هذا الوجود. النسوية هي تاريخ عنيف مات فيه الكثير ليحيا الأكثر، هي مسمار اساسي في نعش النظام الرأسمالي المتوحش، هي أقوى الحركات واشرسها في الدفاع عن الفئات المهمشة ومأساتها.
لا يكون الرد لطيفاً حين يكون الفعل هو سخرية تافهة على واقع عنيف ومأساوي، ولسنا في صدد أخذ موقف الحمل الوديع بوجه الذئاب الجائعة، ولسنا من محبي السلام والعواطف المهترئة مع من لا يستحقونها. نحن تربينا على تقديم الحب غير المشروط، تربينا على التصرف وفقا لعواطفنا التي جُيِّشَت لتلائمهم، واضطررنا للنجاة بأقل الاضرار أن نروّض انفسنا وان نسلخ جلدنا لينمو آخر، اضطررنا على مرّ سنين طوال أن لا نتعلم ما تعلمناه ان نكسر القواعد التي كسرت عظامنا، أن نمزّق قلبنا حين يحكم علينا بالشقاء.
كان من الممكن ان يكون هذا المقال مادة سياسية دسمة ومقاطع تثقيفية هائلة، لكننا على استعداد بالتخلي عن التنظير الجميل والضروري لمرة واحدة بهدف التصدي لمن لا آذان لهم تسمع الا السخرية والانتهاكات والتوبيخ. وعلى الرغم من ذلك فإن للسخرية والنقد والتوبيخ فنٌّ لا يفقهونه احباء المنصات الافتراضية عبيد اهواء المجتمع ورأيه، عبيد الامتيازات الذكورية والحماية الابوية، الذين يأبون العيش الا تحت جناح الذكور وعطفهم وفخرهم. الى النساء اللواتي يجدن متعة في استفزازنا من اجل ارضاء اصحاب الامتيازات نقول: نحزن لأجلكنّ ونخشى عليكنّ كما نحشى على أنفسنا، ولا نخفي عليكنّ سراً فإننا نحزن ونغضب حين تخسركنّ صفوفنا، لكنّ التاريخ لا يرحم والمستقبل لا ينتظر احدا... نحن سائرات الى النصر والتحرر مهما كانت مواقفكنّ، ولن نرحم كل من يقف عائقاً في الطريق.
ولعلّ النّساء الغاضبات والحزينات في المصحّات العقلية هنّ نساء الأمازون اللواتي عُدن إلى الأرض بعد عدّة قرون. وكلّ واحدة منهنّ تجري بحثًا خاصًّا وغامضًا عن الانتماء - بحث أسميناه الجنون".
- فيليس تشسلر، كتاب "المرأة والجنون".
منذُ قرّر الإنسان الخوض في الحياة النفسيّة، عانت المرأة من استهدافٍ واضحٍ لكيانها وتشخيص ذكوريّ لحالتها النّفسانيّة بُني على نظرة دونيّة لجسدها. فرأينا مثلًا مع أبقراط أنّ الهستيريا كانت تمثّل حالة قلق وحزن عند النّساء لأنّهنّ كنّ يمتلكن رحم، حتّى أنّ كلمة هستيريا في اشتقاقها تعود إلى مصطلح hystera الّذي يعني حرفيًّا "الرّحم". فعُرِّف هذا المرض تاريخيًّا على أنّه مرض يرتبط فقط بالنّساء، ومع الأسف لازلنا إلى حدّ اليوم نعاني من الوصمة والتّنميط على أنّنا أشخاص هستيريّات في طبيعتنا.
حاولت عدّة كاتبات سردَ معاناتهنّ مع الطّب النّفسيّ والأشخاص الّذين كانوا موكَلين علاجهنّ، والّذين كانوا طبعًا رجالًا. فڨيرجينيا وولف مثلًا، ذكرت في روايتها "السّيّدة دالواي" أنّ الشرّير هو السير ويليام برادشو، وهو طبيب نفسي يرى كلّ الأمراض الباطنيّة على أنّها مجرّد نقص في التّناسب، ويسيء التّعامل مع أحد شخصيّات الرواية، السّيّدة سبتيموس وارين سميث. العلاج الوحيد الّذي يطرحه برادشو هو حبس النّاس وبالتّالي سلبهم/نّ من حقوقهنّ/م السياسيّة والوجوديّة.
وفي الأدب العربي، نصادف تجربة مي زيادة الّتي أدخلها أقاربها إلى مصحّة العصفوريّة للأمراض النّفسيّة في لبنان، إلّا أنّها استطاعت إثبات سلامتها العقليّة وخرجت من المستشفى.
اليوم، في ال٢٠٢١، لازالت النّساء تعاني بشدّة من تجاربهنّ مع الاختصاصيين النفسانيّين والاختصاصيات النّفسانيّات. تقول غدير: "مرّة عم قول لمعالجتي إنّه بحسّ منّي مقدرة حالي وعندي مشاكل بهالنّاحية، قالتلي: هههههه انت ما مقدرة حالك؟ حتعملي تمثال لحالك عشوي ههههه. وأكيد من وقتها معش رجعت لعندها". وفي حديثٍ آخر مع هبة، تروي: "معالجتي السابقة، وهيي معها دكتوراه والمفترض كتير شاطرة، إجت لعندي ع غرفة العناية بعد ما وعيت تاني يوم من محاولة إنتحار تقلّي إنّه أنا عندي هستيريا ومحاولة الإنتحار هيي لشدّ الإنتباه، وانّه هيي شخّصتني هيك بناء على زيارات قبل، وذكرتلي وحدة من الإشيا إنه انا كنت إجي عالجلسات لابسة قصير ومكشّف". تسرد مريم أيضًا معاناتها، فتخبرني:" يا ستي رحت عند معالج قبل سنتين مدري سنة، قبل ما قول أي شي يعني أوّل ما فتت دغري، قلّي: زاعجك جسمك؟ لأنّه واضح إنّك سمينة وهالوزن مش طبيعي. مع إنه وزني ما كان مضرّ لصحتي أبدًا". هذا كلّه بالإضافة إلى المئات من تجارب التحرّش والإبتزاز وتسريب معلومات المريض/ة الشّخصيّة.
لكلّ هذه الأسباب، ارتأت النساء أنّه من الضروري وجود علم نفس نسويّ. ونقصد به؛ علم النّفس الّذي يدرس المريض/ة كفرد إجتماعي وليس كحالة فرديّة. بمعنًى آخر، يحاول تبيان الإطار السياسي والإقتصادي والاجتماعي الّذي يتحكّم بحياة المُعالج/ة، ويبيّن تقاطع تجارب الأشخاص مع هويّاتهم/نّ الجنسيّة والجندريّة، مع قضاياهم/نّ الطبقيّة والعرقيّة.. إلخ. فخلال تجاربنا مع المعالجين النّفسيّين نلاحظ أنّهم يعاملوننا على أنّنا نحن المشكلة، أو على أنّ الخلل في أجهزتنا النفسيّة. بينما الحقيقة الواضحة هي أنّ أجهزتنا النّفسيّة تتفاعل مع محيطها، وتنتج ردّات فعل بناءً على ما تمرّ به من تجارب مع السلطة الّتي تتمثّل أحيانا بالدولة وأجهزتها، أو بالعائلة، أو بأيّ فردٍ يعطى إليه حقّ التّسلّط على غيره.
في يوم المرأة العالميّ، اخترتُ التحدّث عن علم النّفس النّسوي لأنّني أعلم شراسة كلّ التّجارب الّتي تخوضها النّساء والأقليّات والمجموعات المهمّشة، خاصّة في هذه الفترة الّتي تزداد فيها الصعوبات الاقتصادية، وبالتّالي تزداد فيها شراسة الرأسماليّة الّتي تحاول من خلال كلّ أشكالها في كلّ دول العالم أن تزيد من تفاقم معاناتنا مع الذكورية والأبويّة وأجهزة السلطة كافّةً.
أرى أنّ الهدف الأوّل من علم النّفس هو "المقاومة"، لذلك - كطالبة علم نفس - أحاول دائمًا فهمه في إطاره النّسويّ. وأرى أنّه من الضروري اعتماد التحليل النّفسيّ النسويّ لمعالجة كل الأفراد الّذين واللواتي يلجأن إلى النّفسانيّين لفهم ومعالجة مشاكلهم النّفسيّة.
في ٨ آذار وكل يوم، فلْنعمل معًا على تأمين العلاج النّفسي الّذي نستحقّ.
ملاحظة: تمّ الاعتماد في هذا المقال على معلومات من ويكي الجندر.
-لورين الخطيب
إن كان لا بدّ من رباطٍ عاطفي يربطنا بالجامعة اللبنانيّة فهو يعود إلى عام ١٩٥١ عندما خرج طلاب الطبقة العاملة والفقيرة مطالبين بتأسيس جامعةٍ وطنيّةٍ لهم، فمن منّا لا يملك عواطف خاصة تجاه صرح تعليمي تأسّس بنضالات الطلاب ودماء الشهداء ضدّ البورجوازيّة اللبنانيّة آنذاك؟ إلّا أنّ العاطفة هذه لا تغيّر شيئًا، على اسم "فرج الله حنين"، شهيد الجامعة اللبنانية، أن يضعنا أمام مسؤوليّاتنا كطلاب في الجامعة لاستكمال نضاله الّذي لم ينتهِ مع انتزاع حقّ الفقراء في تأسيس الجامعة.
إنّ نظام الخصخصة وحكم المصرف وحكم ال1% القائم اليوم في لبنان يُدخِل معركتنا الطبقية معه إلى قلب الجامعة اللبنانية. هكذا تعمل الأنظمة الرأسمالية، كما يؤكد الفيلسوف والمفكر نعوم تشومسكي، تضرب القطاع العام لتخلق تبريرًا لخصخصته. وكأيّ نظامٍ رأسمالي آخر، يضرب النظام اللبناني جامعة الوطن إمّا لخصخصتها فيما بعد، أو لحثّ طلّابها على تركها والنزوح إلى الجامعات الخاصة الّتي تتعاون مع المصارف لتأمين قروضٍ تعليمية للطلاب لا حرصًا منها على تنمية البلاد بل رغبةً بإثراء أصحاب رؤوس الأموال والمصرفيين.
لأجل هؤلاء الرأسماليين، ربط النظام اللبناني الجامعة اللبنانية بمجلس الوزراء، فغدت كلّ قراراتها الإدارية والمالية صادرةً عنه أو لا تمرّ إلّا بموافقته، فطالت المحاصصة الطائفية إدارة الجامعة وإدارات الكليات وأساتذتها وموظفيها، وضُرِبت بعرض الحائط الكفاءة، كما حصل في منتصف العام الدراسي السابق حيث أقيل أساتذة في كلية العلوم الطبية وجيء بآخرين تابعين لأحد أحزاب السلطة.
تطال الجامعة اللبنانيّة أيضًا سياسات التقشف الّتي تلجأ إليها الدولة عند كلّ عجز في موازنتها، وكما يدفع المواطنون الفقراء ثمن فشل النظام عندما ترفع الدولة الدعم عن بعض المنتجات تطبيقًا لسياساتها التقشفية، ندفع نحن طلاب الجامعة اللبنانية من صحّتنا الجسدية والنفسية أثمانًا باهظة كلّما قلّصت الحكومة من الموازنة المخصصة للجامعة تطبيقًا لسياساتها التقشفية أيضًا. هذا ويتم هدر مبالغ كبيرة من موازنة الجامعة، إذ أنّ بعض هذه الأموال تُدفع بدل إيجارات مبانٍ لا تستخدمها الجامعة ولا يستفيد منها الطلاب مثلًا بدلًا من إنفاقها في سبيل تطوير البنية التحتية في المباني الجامعية أو في سبيل تطوير بحوثٍ علمية تشكّل خطوةً من خطواتٍ كثيرة يجب اتخاذها للبدء بالإنتقال نحو اقتصادٍ منتج. وفي الحديث عن الهدر، أذكر ما صرّح به وزير التربية في الحكومة المستقيلة طارق المجذوب خلال مقابلته في برنامج "يسقط حكم الفاسد" حول تجديد العقد مع شركة دنش والإستشاري LACECO لتشغيل وصيانة مجمع الحدث الجامعي مع بداية شهر نيسان الفائت وحتى نهاية شهر تموز، وقد طلبت الشركتان تخصيص مبلغ مليوني دولار من موازنة الوزارة لتغطية النفقات اللازمة، وقد هوجمت ورفضت مطالب الوزير بالإفادة عمّا تم تنفيذه من أشغال في المجمع منذ تاريخ ١/٤/٢٠٢٠ في مثلٍ حي عن استيلاء الشركات الخاصة على المال العام الّذي يفترض أنّه مخصّص لاستفادة الطلبة منه.
كلّ هذا الإهمال للجامعة الوطنية انعكس عجزًا واضحًا في إيجاد حلول للمشاكل التي تواجهها، فخلال جائحة كورونا الّتي تطلبت إقفال الجامعة واعتماد التعليم عن بعد الّذي لم يتم تقييمه حتّى الآن بطريقةٍ علميّة، وفي ظل لامبالاة الإدارة بصرخاتنا الّتي علت في تلك الفترة لافتةً الأنظار إلى الّطلاب الفقراء جدًّا الذي لا تتوفر لديهم أجهزة لابتوب أو اشتراك شهري بالإنترنت، كنّا نحن الطلاب نساعد بعضنا في مبادراتٍ بسيطة، إما عبر التبرعات المادية لزملائنا أو عبر تأمين اشتراكاتهم في خدمات الإنترنت. هذه الإدارة نفسها الصامتة أمام الأزمة الإقتصادية الّتي أفقرت الناس، لا تبذل أي مجهود لإيجاد حلول لمن يعجز من الطلاب عن دفع رسوم التسجيل، ومرة أخرى نقف نحن الطلاب لنساعد بعضنا ونجمع التبرّعات في ظل مطالبتنا بتعليم مجاني لائق للجميع.
قرارات الإقصاء من السكن الجامعي المحصور بفرع واحد أصلًا، المجالس الطلابية التي لم ننتخبها والّتي تنصّب نفسها علينا حاكمًا وقاضيًا وتمنعنا من المشاركة في التظاهرات الطلابية، التعميمات البوليسية التي تقمع حرية التعبير وإجراءات الطرد الّتي اتخذت بحق الطلاب الذين أبدوا آراءهم على مواقع التواصل الإجتماعي، قانون انتخاب مجلس الطلاب المفصّل على مقاس السلطة والّذي يقصي غير اللبناني منّا، مناهج السلطة القديمة غير المحدّثة المستوردة من بلاد الاستعمار والّتي تغرّب الطلاب عن واقعهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي، تصديرنا إلى الخارج حفاظًا على الإقتصاد الريعي المعتمد الّذي ينظر إلى الطلاب والطالبات على أنّهم/ن رأسمال بشري "يضخّ" العملات الصعبة في البلاد، كلّ هذا يجعل الجامعة الوطنية مؤسسةً أخرى من مؤسسات البنية الفوقية للبورجوازيات اللبنانية، وكلّها تقذفنا إلى قلب صراعنا الطبقي، كلّها تؤكّد على ضرورة الإنخراط في الحراك الطلابي الّذي يحمل خطابًا سياسيًا معاديًا للسلطة ورأس المال لنكمل طريق من سبقنا، لنعيد للفقراء جامعتهم الوطنية وحقهم في التعليم المجاني اللائق.
ريم دياب
نصف قرن من النضال
خمسون عاماً على الانطلاقة الرسمية لإتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني، والتي سبقها نشاطات ومشاركات للشبيبة اليسارية اللبنانية في المهرجانات العالمية، واتحاد الشباب الديمقراطي جاء نتيجة الحاجة الموضوعية في المجتمع اللبناني يوم اتحدت الشبيبة الجامعية الطليعية المؤسسة للجامعة الوطنية وأنتجت أطرها من الاتحاد الوطني لطلاب الجامعة اللبنانية واتحاد الشباب الديمقراطي وانتظمت صفوف الاتحاديين لتعبر المناطق اللبنانية من الجنوب الى الشمال والبقاع والجبل وفي العاصمة بيروت.
سنوات قليلة وكانت الحرب الاهلية تفكك أوصال الوطن، وبقي الاتحاد صلة وصلهم فيما يزرع بهم حلم التحرر والأمل. وهنا نتذكر شهيد الاتحاد الرفيق وليد صعب الّذي أصر على تحويل عيد الاتحاد الى يوم للفرح والحياة في ظل ظروف الموت والتهجير.
وتجذّر دور الإتحاد أثناء الإجتياح الصهيوني لبلدنا مطلقاً قسم الصمود الشعبي وأنصار المقاومة، منخرطاً بشكل مباشر في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية وقدم مناضلين في العمليات التي نتج عنها أسرى ومعتقلين كالرفيقة سهى بشارة وانور ياسين وغيرهم. استمر عمل المقاومة يحكم مسيرة الاتحاد حتى التحرير بتجربة المقاومة المدنية بتحريره لبلدة أرنون الجنوبية في العام 1999 ولم يتخلَّ عن الأسرى وفي طليعتهم جورج عبدالله.
ولم يغب الاتحاد يوماً عن دوره بين الشباب في العمل الطلابي الجامعي، المهني والثانوي، وفي العمل الكشفي، وبين العمال الشباب وكان طليعياً وجريئاً في الحضور بعد انقسام البلد في العام 2005 فخاف على الوطن ورسم حدود وحدته. كما كان الإتحاد حاضراً في حرب تموز بتأمين الصمود الشعبي للمهجرين من قراهم ومدنهم وقدّم بذلك نموذج في تجربة التكافل الاجتماعي كما انه وبشبابه صمد وتصدى للعدوان مقدماً شهداء من خيرة كوادره في الجمّالية وصريفا والبازورية.
ولأن التاريخ وحده لا يصنع التغيير فالاتحاد اليوم في قلب هذه المعركة يراكم لها منذ حراك اسقاط النظام الطائفي وحتى انتفاضة 17 تشرين مروراً بحراك هيئة التنسيق النقابية وحراك 2015. كما يسعى الاتحاد من أجل ذلك التغيير بتثوير الانتفاضة بعد أن سدّ باب الإصلاح في هذا النظام المهترئ وبات على طرف النقيض مع طموحات الشباب اللبناني ومعيقاً لمستقبلهم. فإنخرط الاتحاد في قلب الانتفاضة الشعبية محركاً وموجّهاً لها يعمل بشكلٍ يومي على تجذيرها في المطالب والاساليب وهو من اليوم الأول ساهم بإعطائها الطابع الوطني بإنغماس كافة فروعه وقطاعاته في العمل المباشر في الساحات والخيم.
يأتي عيد الإتحاد الخمسون في ظروفٍ محلية وعالمية معقّدة، فالأزمة الاقتصادية المحلية تنفجر وينفجر معها مصير مجمتع عليه تحديد الخيارات بين التغيير والتأبيد، وطريق التغيير هو طريق الثورة الوطنية الديمقراطية التي تقطع التبعية مع الامبريالية وتحاسب السلطة المحلية مجتمعة وهي المنغمسة بالفساد والمسؤولة عن نهب أموال واحلام هذا المجتمع. وبين تأبيد هذه السلطة وتأبيد تبعيتها التي تُشرعن اليوم بالانبطاح لصندوق النقد وشروطه المذلّة لما تبقّى من كرامة وطنية.
وليست الظروف العالمية بأقل خطورة فقد كشف فيروس كورونا ترنّح الرأسمالية العالمية وعجزها عن تأمين البقاء لشعوبها بعد ان سقط الوهم بدولة "الرفاه" والعالم بين خيارات قديمة جديدة، الاشتراكية أو الفناء.
بهذه الظروف يصارع إتحادنا منحازاً الى فقراء هذا الوطن وطموحات شبابه وحقهم في البقاء على أرضه والعيش الكريم ولأن السلطة باتت عائقاً لهذه الطموحات فالإتحاد في قلب معركة التغيير يوسّع قاعدة المتضررين منها ويصوّب على طبقية المعركة بين أقلية ناهبة وأكثرية متضررة. وهو على الصعيد العالمي بتحالفاته اليسارية مع الشباب المشتعل على كافة أرجاء المعمورة يساهم بصناعة عالم الغد.
في العيد الخمسين تكبُر التحديات وتتجذر منظمتنا في بيئتها وتقبل التحدي، الأفق الجديد بات قريب وما ناضلنا طويلاً لاجله بات ممكناً.
لم يتبقى للاتحاد السوفيتي سوى شن هجوم أخير لانتزاع وسط ألمانيا (والتي أصبحت ألمانيا الشرقية في أعقاب الحرب) وعمل الهجوم السوفيتي على إتمام مهمتين أساسيتين وذلك لتشكك ستالين من نوايا حلفائه الغربيين في أن يقوموا بتسليم الأراضي الألمانية التي قاموا باحتلالها والمفترض وقوعها ضمن منطقة النفوذ السوفيتية مع نهاية الحرب، وتقرر أن يكون الهجوم موسعا وعلى جبهة مفتوحة مع التحرك بأقصى سرعة ناحية الغرب للقاء الحلفاء الغربيين في أبعد النقاط الممكنة غربا (باتجاه ألمانيا الغربية حيث مناطف نفوذ الحلفاء الغربيين) وإن ظلت المهمة الرئيسية للهجوم هي احتلال برلين، وعلى الرغم من تداخل أهداف المهمتين إلا أنهما مكملتين لبعضهما البعض؛ فلم يكن بمقدور القوات السوفيتية التقدم بسرعة أو السيطرة على مناطق النفوذ قبل احتلال برلين علاوة على الأهداف الأخرى التي ضمتها العاصمة الألمانية وبقيت محل اهتمام القيادة السوفيتية والتي تمثلت في هتلر نفسه وكذلك البرنامج النووي الألماني.
بدأ الهجوم السوفيتي لاحتلال برلين ووسط ألمانيا في 16 إبريل في هجوم موسّع على الخطوط الأمامية الألمانية عند نهري الأودر ونيس، وبعد عدة أيام من القتال العنيف تمكنتا الجبهتين الأولى البيلاروسية والأولى الأوكرانية من فتح ثغرات في الخطوط الأمامية الألمانية اندفعت خلالها باقي القوات السوفيتية صوب وسط ألمانيا، وبحلول 24 إبريل أكملت عناصر من الجبهة الأوكرانية الأولى والجبهة البيلاروسية الأولى عملية تطويق برلين وبذلك دخلت معركة برلين مراحلها النهائية، كما نجحت الجبهة البيلاروسية الثانية في اختراق الخطوط الدفاعية للجيش الثالث بانزر جنوب شتشيتسين وأصبحت بذلك قادرة على التحرك بحرية ناحية الغرب حيث مجموعة الجيوش الحادية والعشرين البريطانية ثم شمالا حتى ميناء ستارلسوند على بحر البلطيق، ومع استمرار توغّل القوات السوفيتية غربًا التقت عناصر فرقة الحرس الخامسة والثمانين بنادق وجيش الحرس الخامس مع الفرقة التاسعة والستين مشاة التابعة للجيش الأول الأمريكي عند نهر إلبه بالقرب من مدينة تورغاو الألمانية.
وفي تمام الساعة 02:41 من صباح 7 مايو 1945 وقّع قائد الأركان الألماني الجنرال ألفرد يودل وثائق استسلام القوات الألمانية للحفاء والتي نصت على استسلام القوات الألمانية والقوات التابعة لها من الدول الحليفة استسلاما غير مشروط وذلك في مقر القيادة العليا لقوات الحلفاء الاستطلاعية، وتضمنت وثيقة الاستسلام العبارة التالية:وبحلول 29 و30 إبريل ومع اقتراب القوات السوفيتية من وسط برلين تزوج أدولف هتلر من إيفا براون لينتحر في اليوم التالي بعدما تناول السيانيد ثم أطلق على نفسه الرصاص بعدها قام هيلموت فايدلينغ قائد قوات الدفاع عن برلين بتسليم المدينة للقوات السوفيتية في 2 مايو.كانت حملة برلين والتي استمرت ما بين 16 إبريل وحتى 8 مايو قد كبّدت الجيش الأحمر إجمالا خسائر كبيرة في الأفراد بلغت 361,367 ما بين قتيل وجريح ومريض ومفقود بالإضافة إلى 1,997 دبابة ومدفع هجومي إلا أن الخسائر الألمانية في تلك المعركة لم يتم حصرها أو معرفتها بدقة منذ ذلك التاريخ وحتى وقتنا الحاضر.
وفي اليوم التالي وقبل انتصاف الليل بقليل وقّع المشير فيلهلم كايتل وثائق استسلام القوات الألمانية في مقر قيادة القوات السوفيتية ببرلين لتنتهي بذلك الحرب العالمية الثانية في أوروبا.
وفي الاتحاد السوفيتي أعتُبر يوم 9 مايو 1945 هو النهاية الفعلية للحرب عندما دخلت وثيقة الاستسلام الألماني حيّذ التنفيذ بتوقيت موسكو حيث أعتمد هذا التاريخ عطلة رسمية للبلاد تحمل اسم عيد النصر في روسيا (كجزء من عطلة يومي 8-9 مايو) كما هو الحال في الكثير من الدول السوفيتية السابقة كما أُقيم موكب يوم النصر في موسكو يوم 24 يونيو.
وبالفعل استسلمت كل القوات الألمانية قبل الموعد المحدد في وثائق الاستسلام الموقعة في ألمانيا عدا مجموعة الجيوش الوسطى والتي ظلت تقاتل في تشيكوسلوفاكيا حتى 11 يونيو.
كما رفضت حامية ألمانية صغيرة على جزيرة بورنهولم الدنماركية الاستسلام حتى قامت القوات السوفيتية بقصف الجزيرة وغزوها واحتلال الجزيرة قبل أن يعيد الاتحاد السوفيتي الجزيرة للحكومة الدنماركية بعد أربعة أشهر من تحريرها من أيدي القوات الألمانية.
استشهد الشاب فواز فؤاد السمان، ٢٦ عاما متأثرا بجراحه بعد اصابته ليلة امس برصاص حي من قبل الاجهزة الامنية في طرابلس، ان الانفجار الاجتماعي يبدأ من طرابلس، فحيث يتراكم الفقر والجوع سيتراكم الغضب والحقد الطبقي ضد السلطة الاوليغارشية حكماُ.
يدين اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني اغتيال الشاب فواز السمان، ليضاف شهيداُ لانتفاضة 17 تشرين المجيدة.
لا لم تكن الحرب بسبب الغريب او بسبب بوسطة عين الرمانة او بسبب رغبة في الرئاسة او او..الطائفية قناع الطبقية، الاساس المحرك.
كلها اسباب مكملة لتكتمل العناصر التي استغلتها طبقة الأوليغارشيا كي تشعل الحرب الكارثة.
السبب الأساسي هو الاقتصاد هو المال، المحرك الأساسي للحرب هو تعطل النموذج الاقتصادي وتزايد التناقضات الاجتماعية بين الطبقات.
القضاء على الحركة العمالية والنقابية هو الهدف، لطمر بذور التغيير الاجتماعي. أما تشكل يسار قوي يناهض اليمين المتطرف والرأسمالي، دفع بالأمور نحو الانهيار الكامل كحل وحيد لليمين كي يبقى موجوداً، فهو يتجدد بالحروب واستغلال الناس بحجة 'لبنان'.
ان الحرب قد تكون وسيلة لتحقيق السلام والعدالة، المهم هو ما وصلنا اليه، طبقة الأوليغارشيا المنتصرة اضحت السلطة ولكن عقم النظام الاقتصادي لن يولع حرب جديدة إنما أدى لعودة الحركة الاجتماعية التغييرية في ١٧ تشرين، علماً الحرب خيار وارد دوماً للأوليغارشيا.
كيف نقرأ الخطة المطروحة على مجلس الوزراء؟
يجدر عدم الانسياق الى محاولات حصر الحديث كلّه بما يسمى " haircut" او "قصّة الشعر" التي ستلحق الودائع. ليس لان هذا الامر غير مهم او يمكن تجاوزه، بل لانه ليس الامر المهم الوحيد. فالخطة المطروحة على مجلس الوزراء تخبرنا اننا مقبلون على ايام اكثر قتامة مما مضى، وليس واضحا كيف سنتجاوزها.
نحن الآن في خضم صراع قاس على توزيع خسائر تراكمت في السابق وخسائر ستتراكم لاحقا، وميزان القوى لا يزال مائلا بصورة حاسمة لمصلحة الاوليغارشية. وهذا ما يجب ان نركّز عليه ونناضل لتغييره. امّا الوصفات التقنية فتصبح مجرد وسائل للوصول الى الهدف.
باختصار، تدعونا هذه الخطة الى تحمّل المزيد من الالام في السنوات الخمس المقبلة، والقبول بمستوى معيشي ادنى بكثير مما نعيشه الآن، على امل ان نخرج بعدها من الازمة الطاحنة، ولكنها لا توضح لنا بصورة وافية الى اين سنخرج: اي دولة واي مجتمع واي اقتصاد واي علاقات مع الخارج؟
الاهم، ان الخطة المطروحة لا تجزم اننا سنخرج سالمين في النهاية، لانها ترهن ذلك بتنفيذ جملة واسعة من الشروط الصعبة، التي ستزيد التوترات السياسية والاجتماعية والضغوط الاقتصادية والمالية والنقدية، وقد تساهم بانفجار المزيد من الازمات والصراعات، وقد تؤدي (ربما) الى المزيد من تراكم وسائل القسر والاستغلال وتمركزها.
1- الشرط الاول في الخطة المطروحة، هو تصفية الخسائر المتراكمة على مدى ربع القرن الماضي. وتمثّل هذه الخطة اول اقرار رسمي بحجم الخسائر الضخمة المحققة في الجهاز المصرفي، الا انها تكتفي بتقدير الخسائر المحاسبية بالعملات الاجنبية، التي بلغت نحو 83.2 مليار دولار حتى اذار 2020، وتطرح شطب الجزء الاكبر من هذه الخسائر دفتريا من ميزانيات الحكومة ومصرف لبنان والمصارف، وتوزيعها على الجميع، بما في ذلك المودعين واصحاب المصارف وليس بينهم حصرا.
2- الشرط الثاني في هذه الخطة، هو التقشّف الشديد في الموازنة العامّة، عبر تخفيض الانفاق العام، بما في ذلك فاتورة الاجور ومعاشات التقاعد وخدمة الدين العام، واستبدال الانفاق الاستثماري العام بالخصخصة والشراكات مع المستثمرين من القطاع الخاص، وزيادة الايرادات الضريبية من الدخل والاستهلاك والسعي الى الحد من التهرّب الضريبي والتهريب الجمركي واستعادة بعض الاموال المنهوبة (من دون توضيح الاليات). والهدف هو تخفيض الدين الحكومي من 175.6% من مجمل الناتج المحلي المقدر في 2019 الى 91.9% في هذا العام، اي من 90.2 مليار دولار الى 31.5 مليار دولار، اي سيتم شطب 58.7 مليار دولار من هذا الدين دفعة واحدة، من ضمنها ما لا يقل عن 20 مليار دولار من الدين بالعملات الاجنبية.
3- الشرط الثالث، هو تخفيض سعر صرف الليرة الرسمي، والانتقال من نظام سعر الصرف الثابت الى نظام سعر الصرف العائم المضبوط. الا ان الخطة ترى ان هذه التعديل يجب ان تسبقه عمليات اعادة هيكلة الدين العام والقطاع المصرفي (مصرف لبنان والمصارف). وتتوقع الخطة تخفيض سعر الليرة الرسمي تدريجيا الى 3 الاف ليرة في عام 2024، اي سيجري رفع سعر الدولار بنسبة 100%.
4- الشرط الرابع، هو الحصول على تمويل خارجي بالعملات الاجنبية بقيمة تراكمية تصل الى 27.3 مليار دولار بين 2020 و2024، اي بمعدّل وسطي يبلغ 5.5 مليار دولار سنويا. وترى الخطة ان الخيار الوحيد المتاح الآن هو طلب تدخّل صندوق النقد الدولي (او اي ترتيب مماثل) والحصول على التمويل المقرر في "سيدر"، وتقدّر الخطة الا تتجاوز قيمة التمويل الذي ستحصل عليه الحكومة من صندوق النقد الدولي و"سيدر" مستوى 10 الى 15 مليار دولار، ما يُبقي فجوة كبيرة يتوجب التفتيش عن السبل لردمها.
تجزم الخطة المطروحة ان خروج لبنان من الأزمة العميقة غير ممكن من دون دعم خارجي. وبالتالي "من غير الواقعي الاعتقاد بأن اتجاه تدفقات الودائع سوف ينعكس وأن الأسواق الدولية ستفتح من جديد للبنان، على الرغم من أزمة كوفيد 19"، وهذا يعني ان القيود المفروضة على الحسابات المصرفية والتحويلات الى الخارج والاستيراد ستستمر لفترة طويلة، وسيتم قوننتها بطريقة او بأخرى.
في حال تحققت كل هذه الشروط وحصل توافق داخلي وخارجي يسمح بتطبيق الاجراءات المقترحة، ستكون النتائج على مدى السنوات الخمس المقبلة (التي تغطيها الخطة) على الشكل التالي:
• انكماش اقتصادي، متواصل منذ 2018 (-1.9%)، تعمّق اكثر في 2019 (-6.9%)، ويُتوقع ان يصل في هذا العام الى -14% و-7% في العام المقبل، وسيستمر الانكماش حتى عام 2023. لينخفض مجمل الناتج المحلي مقوّما بالدولار من 55 مليار دولار في 2018 الى 29.3 مليار دولار في 2023، اي اننا سنخسر نصف الدخل تقريبا، وهذا ينطوي على تحوّل اجتماعي جارف.
• تضخم بنسبة تتجاوز 25% في هذا العام، و12.6% في العام المقبل. وسيبلغ 58.3% كمجموع تراكمي بين 2020 و2024، اي ان الدخل بالليرة سيخسر اكثر من نصف قيمته الشرائية، وهذا نوع من الضريبة غير المباشرة وغير العادلة.
الدخل سيتقلص اكثر والاسعار سترتفع اكثر. سترتفع البطالة وتنخفض الاجور وتتآكل القدرة الشرائية للمداخيل بالليرة، وهو ما يُفترض ان يدفع المسالة الاجتماعية الى الامام لا الى الخلف، ولا سيما ان الخطة تستند الى تقديرات تفيد ان 48% من السكان هم فقراء اليوم، ولكنها لا تقدّم اي تقديرات عن تأثير هذه الشروط والاجراءات على ارتفاع مستويات الفقر، كما لا تقدّم اي تقديرات عن مستويات البطالة والهجرة، وبالتالي تتعامل هذه الخطة مع الاثار الاجتماعية التي تتوقعها كعوارض جانبية يتوجب العمل على لملمتها عبر برامج تدخّل تحت عنوان "دعم الفئات الاكثر فقرا"، وهو عنوان مخادع.
علينا ان نتحلى بالحذر الشديد ازاء السجالات وردود الافعال التي اعقبت تسريب خطّة الحكومة، فالتهييج ضد "قصة الشعر" فقط وادعاء الدفاع عن المودعين ليس الا الستار الذي يخفي هؤلاء مآربهم الحقيقية خلفه، فهم لا يستطيعون بعد الآن مواصلة انكار الخسائر المحققة، وهم يعلمون ان هناك من يجب ان يسدد هذه الخسائر، ولذلك هم يقولون بوضوح ان هذه الخسائر يجب ان تتحملها الدولة لا اصحاب المصارف وكبار المودعين الذين تسببوا بها، وكأن الدولة هي كيان منفصل عن المجتمع، ويطرحون اطفاء هذه الخسائر عبر اوسع عملية نهب جديدة، تقوم على مبادلة الودائع الكبيرة بممتلكات عامّة، ولا سيما العقارات والمؤسسات العامة والشركات المملوكة من الدولة.
للتوضيح، تقدّر الخطة صافي الخسائر بالعملات الاجنبية فقط في الجهاز المصرفي بنحو 83.2 كليار دولار. تعتبر هذه الخطة ان اصحاب المصارف (حملة الاسهم) عليهم ان يتحمّلوا 20.8 مليار دولار من هذه الخسائر (تمثلّ قيمة رساميل المصارف)، اي ربع الخسائر، ويبقى 62.4 مليار دولار تحتاج الى معالجة.
تقترح الخطة ان يبقى جزء من هذه الخسائر مسجلا في ميزانية مصرف لبنان على ان يعمد الى اطفائها عبر ايراداته المستقبلة، ولكنها لا تحدد قيمة هذا الجزء ولا شروطه، وبذلك لم تحدد قيمة الجزء الآخر التي تريد اقتطاعه من الودائع.
تقدّم الخطة اقتراحات تصبّ كلّها في خانة "قصة الشعر"، مع التزام بتحييد كل الحسابات المصرفية تحت 100 الف دولار، اي ان الاقتطاع مهما كان شكله او معدلاته لن يصيب هذه الفئة، وبالتالي ستكون الفئات الاخرى على اختلافها معرّضة لشكل من اشكال الاقتطاع، وهذا غير عادل ابدا. وتضع الخطة نفسها سيناريوهات تنطوي على انشاء صندوق لتعويض المودعين لاحقا، او اغراء المودعين الكبار (اصحاب الودائع فوق المليون دولار) بالتحوّل الى مساهمين لاشراكهم في انقاذ مصارفهم وبالتالي انقاذ اجزاء من ودائعهم.
ترفض الخطة المطروحة رفضا قاطعا انقاذ المصارف بالمال العام، وهذا امر جيّد، كما تقترح تحميل اصحاب المصارف خسارة كل رساميلهم لتغطية ربع الخسائر الدفترية المسجلة في مصارفهم، وهذا ايضا امر جيد ولكنه غير كاف نظرا لحجم الارباح السخية التي تحققت طيلة الفترة السابقة من نهب المال العام، كذلك تسعى هذه الخطة الى تخفيض حجم البنك المركزي والقطاع المصرفي والمديونية العامة، وهذه الامور هي محور اعتراض اطراف من الاوليغارشية وهجومها المتواصل، الا ان الامور السيئة تكمن في كيفية توزيع الخسائر الباقية، وهي الاكبر والاشد وطأة، اذ سيتحملها المجتمع كله، ولا سيما الطبقات الوسطى والطبقة العاملة، في حين ان هناك فرصة جدّية اليوم للانطلاق من هذه الخسائر والالام التي تفرضها لاحداث تغيير بنيوي في الدولة والاقتصاد السياسي، والمدخل الى ذلك فرض ضريبة استثنائية تصاعدية على كل الثروة وراس المال، بهدف اعادة توزيع الثروة المكتسبة سابقا كآلية من آليات استرداد الاموال المنهوبة والموهوبة واطفاء الخسائر المتراكمة وتأمين ذخيرة مطلوبة لزيادة انتاجية الاقتصاد اللبناني وتأمين الحماية الاجتماعية والخدمات الاساسية والحد من الفقر والبطالة والهجرة.
طبعا، الضريبة الاستثنائية التصاعدية ليست الحل السحري، ولكنها اكثر عدالة من اشكال "قص الشعر" الاخرى، فالخروج من الازمة غير ممكن من دون مشروع سياسي واسع وجذري، وهذا يحتاج الى بحث اكثر تفصيلا. امّا ما ورد اعلاه فهي ملاحظات وشروخ اولية للمساهمة في النقاش الدائر.
ملخص الإجراءات التي طرحتها الخطة الحكومية لمعالجة الأزمة الإقتصادية(المسودة المسربة):
تقدر الحكومة الخسائر المحققة بحولي 83.2 مليار دولار(أول اعتراف رسمي)، تطرح الخطة بشكل اساسي النقاط التالية لمعالجة الوضع:
-تأمين مبلغ 60 مليار دولار من الهيركات على الودائع لأصحاب المودعين الكبار دون تحديد الأرقام وفئة الودائع.
-تحرير سعر صرف الليرة الرسمي ليصل ل3000 ل.ل وصولا لعام 2024.
-تقترح الحكومة شطب 75% من اليوروبوند مما يجعلنا أمام دين بالدولار الأميركي اي للخارج حوالي 17 مليار دولار(تشمل الفوائد) بعد مفاوضات مع الدائنين برعاية صندوق النقد.
-التأكيد على استمرار النموذج المالي الرأسمالي، مع ذكر عابر للقطاعات المنتجة.
-التقشف الحكومي مما يؤدي لإنكماش الاقتصاد(على حد تعبيرهم).
-خصخصة قطاعات الدولة ومعاجة ازمة الكهرباء ضمن صندوق (تعافي).
-تجميد الأجور وايقاف التوظيف لمدة خمس سنوات.
-اعادة هيكلة للمصرف المركزي بعد اجراء تدقيق في حساباته، دمج وتقليص حجم القطاع المصرفي.
-مساهمة المصارف بمبلغ 20 مليار دولار مقابل سندات من صندوق التعافي.
- استرجاع الأموال المنهوبة.
-مكافحة الفساد.
-تفعيل القطاعات المنتجة دون ذكر اي الية او خطة عملية.
نتائج مباشرة لهذه الخطة:
-انكماش الإقتصاد اللبناني طوال الخمس سنين اي مزيد من البطالة وصرف الموظفين والهجرة.
-ضبابية في تحديد الفئات المستهدفة بالهيركات ممكن أن تشمل ودائع ال100 الف دولار اي صغار المودعين.
-انهيار في قيمة الأجور بسبب الإنهيار في سعر الصرف، بالتالي انخفاض 50% بالقدرة الشرائية للبنانيين.
-خصخصة للقطاعات الإنتاجية والخدماتية للدولة ورفع الدعم بالتالي سترتفع الكلفة الحياتية للمواطنين.
-التقشف والمس في الصناديق الاجتماعي(الضمان الاجتماعي، تعاونية موظفي الدولة...) وصناديق التقاعد(صندوق التقاعد للأساتذة والعسكريين و القضاة...).