«فارس عربي أصيل»، هكذا وصفت جيهان حيدر سليمان زوجها الأسير في فلسطين المحتلة الدكتور هاني سليمان في وقت تحاول الاطمئنان إلى صحة زوجها وتستقبل المتضامنين مع العائلة في محنتها. وهاني سليمان واحد من مئات المتضامنين مع قطاع غزة على متن «أسطول الحرية» الذي هاجمته اسرائيل الاثنين واقتادت مئات من افراده الى سجونها بعدما قتلت عددا منهم. اصر على ركوب أمواج الخطر للوصول إلى البرّ الفلسطيني المحاصر رغم سنواته الـ62. وانطلق في رحلته قبل عشرة أيام على ما قالت زوجته. هناك، في المياه الدولية قبالة القطاع المحاصر، أصيب سليمان برصاصة إسرائيلية من تلك التي أطلقت عشوائيا على الناشطين العرب والاتراك والأوروبيين. الزوجة بدت منشغلة كثيرا منذ الصباح الباكر. فالأقارب والمحبون والأصدقاء بدأوا يتدفقون إلى المنزل منذ سماع اسم الدكتور على وسائل الإعلام. في البداية رفضت التحدث إلى الصحافيين. ولكن مع انهمار الطلبات عليها، قررت أن تحكي عن «زوجها البطل»، الذي قرّر أن يواجه إسرائيل بسلاحين: رأيه وجسده الاعزل. روت لـ «الراي» قصة وصوله إلى فلسطين المحتلة. ذهب إلى أنطاليا في تركيا أولا، ومن هناك إلى قبرص، حيث تأخر انطلاق الاسطول اسبوعا بسبب منع البرلمانيين والناشطين الأوروبيين من الالتحاق به. ودقت ساعة الابحار مساء الاحد في اتجاه الحدود البحرية لقطاع غزة. أستاذ العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، الرجل الذي «أمضى حياته مفتشا عن طرق مساعدة الآخرين، وعبثا كنت أقنعه بأن يهتم بعائلته أكثر وكان يصرّ على أنّ الاهتمام بالناس يجب أن يكون أساسيا»، على قول زوجته، لم يأبه بالتحذيرات العائلية خوفا على صحتّه، وأصرّ على التوجه إلى غزة مع مئات آخرين. هذه المرة كان مطمئنا أكثر لأنّ المسافرين معه بينهم أوروبيون كثر، و«كان مقتنعا بأنّ الاتجاهات بدأت تتغير مع انضمام الشعوب الأوروبية إلى الشعوب العربية في رفض أعمال إسرائيل العدوانية». لكنّ توقعات سليمان لم تكن في محلها، فالأوروبيون والأتراك تعرّضوا لإطلاق النار قبل سواهم. اكدت الزوجة أنّ سليمان لا يمارس أيّ نشاط سياسي محليّ سوى مناصرة الفلسطينيين والعراقيين: «ترشح فقط للانتخابات النيابية العام 2005 وحصل على نحو 5 آلاف صوت. ترشح يومها ليقول إنّه مستقلّ، وفي البقاع الغربي لأنه يعتبره نموذجا مصغرا عن لبنان، يضم غالبية الطوائف والانتماءات السياسية، علما انه من بدنايل في البقاع الأوسط». واضافت جيهان، المتعبة من قلة النوم والسهر أمام شاشة التلفزيون في انتظار الأخبار الجيدة أو السيئة، أنها تخاف على زوجها لكنّها مؤمنة بما يؤمن به: «نحن متفقان لكننا نختلف في التفاصيل وفي الخوف عليه وعلى صحته». وذكرت أنّه كان منسق «سفينة الاخوة اللبنانية» التي احتجزها الاسرائيليون مطلع فبراير 2009 بعدما حاولت دخول غزة اثر انتهاء الهجوم الاسرائيلي عليها. وكان ايضا واحدا من الذين حاولوا فك الحصار عن العراق قبل الغزو الأميركي العام 2003 فاستقل الطائرة الاولى التي حطت في بغداد. تاريخه حافل إذا بالوقوف في وجه الاحتلال. توجّه العام الماضي إلى غزّة حيث اعتقل وضُرب «وتضارب مع الاسرائيليين»، على قول الزوجة التي اصرت على أنّه «رجل المغامرات الصعبة الذي يريد طوال الوقت أن يساعد المظلومين وأن يكون في الصفوف الأمامية لنصرتهم». ابنته ريم، طالبة الدراسات العليا التي تعتبر والدها «بطلا» وتتحدث عنه بفخر واعتزاز، قالت من جهتها إنّها كانت خائفة عليه وطلبت منه ألا يذهب، لكنّها كانت في داخلها مقتنعة بذهابه «وأنّه يجب أن يكون هناك لأنّ هذا ما يفكر فيه وهذا ما يجب أن يفعله وإلا لا يكون الدكتور هاني». واضافت ريم «فرحت بذهابه لانه ذهب باندفاع غريب. وحتى حين اتصل كان يطمئننا ولا يطلب منا ان نرفع معنوياته، انه شجاع باستمرار، كان وسيظلّ أقوى من الاسرائيليين». لا تتردد الابنة في الابتسام وحتى الضحك، فالجو في منزل سليمان ببيروت ليس حزينا. الأصدقاء والأهل فرحون بما فعله، النساء والرجال يملأون المنزل، والمراسلون يتقاطرون للحصول على أحاديث من الزوجة والابنة والابن، أدهم، الذي اتصل به والده عند الاولى بعد الظهر وطمأنه الى صحته وصحة الذين معه من اللبنانيين. روى أدهم انّ الاتصال الأخير بوالده كان عند الساعة الحادية عشرة ليل الأحد على بعد 120 ميلا بحريا من ميناء غزة. وابلغه في تلك اللحظة ان السفن الإسرائيلية بدأت تتصل بالقبطان وتحذره من إنّه ممنوع من دخول المياه الإسرائيلية. وقالت الزوجة انّه كلمها عند الساعة 3.30 فجرا، قائلا إنّه صار على بعد 100 ميل من الشاطئ الفلسطيني ولا شيء خطيراً حتى الآن. «وبعدها انقطعت الاتصالات، لأعرف عند الساعة 4.30 فجرا انّ الأسطول تعرض للاعتداء، ولأرى صباحا صوره جريحا». وتابع أدهم أنّه عند الاولى بعد الظهر اتصل به والده من رقم غير معروف وكلّمه لأقل من دقيقتين، مطمئنا الجميع: «معنوياته كانت عالية جدا وصوته جيد جدا ولا يبدو عليه الخوف أو الحزن، بل كان شجاعا كعادته». اكد الابن أن «دم والدي ليس أغلى من دماء الفلسطينيين، وليس أغلى من دماء أكثر من 9 آلاف أسير في السجون الفلسطينية. لذا هو مستعد لان يضحّي بنفسه من أجل رفع الحصار عن كل مظلوم وعن الفلسطينيين في غزة وغيرها». سليمان المعتقل اليوم في إسرائيل كان مقتنعا بأنّ «أسطول الحرية» سيفكّ الحصار عن غزة، وأنّه ليس عاديا وعابرا كما صوّر البعض، وأنّ التحركات المدنية يمكن أن تغيّر من مجرى الاحداث. واكدت زوجته أنّ «الإسرائيليين جبناء وإلا لما اعتدوا على مدنيين يحملون الإسمنت والأدوية والمواد الغذائية للجائعين والمرضى، لا أسلحة ولاعتادا كما ادعوا». العائلة فخورة بما فعله الوالد. تحمد الله على سلامته وتتمنى عودته سريعا وتريد ان يدرك الأميركيون والأوروبيون مدى الهمجية الإسرائيلية ضدّ المدنيين العزّل. وبعد... «الدكتور المغامر» هاني سليمان ترك عائلته وقرّر أنّ يكون جزءا من كسر الحصار على غزة، بعدما شارك في تأسيس «لجنة المبادرة الوطنية لكسر الحصار على غزة». عائلته لا تعرف أين هو اليوم، لكنها تعلم جيدا أنّه حيثما كان، سيكون شجاعا وسيكون أقوى من معتقلِيه، وسيكون سعيدا بممارسة ما لم يتخلّ عنه طوال حياته: ممارسة اقتناعاته.
الرأي-الكويت