نعم إنها تدفع للضحك من الألم، لكون مكونات هذه الحكومة هي نفسها مع تغييرات في الشكل منذ عشرات السنين، ولم يتعود شعبنا ان يأخذ هؤلاء، قوى وأشخاصا، أولوياته بعين الاعتبار، فأي صحوة ضمير ستدفعهم اليوم لوضعها اساساً في عمل حكومتهم... وهذه الحكومة هي وليدة طبيعية للنظام الطائفي الزبائني المسؤول عن ويلاتهم منذ ما قبل الاستقلال حتى اليوم، وذلك باعترافهم جميعاً عندما يتكلمون كأفراد أو كمجموعات ويلحسون ذلك عندما يصبحون جزءاً من تكوين الحكومة، اية حكومة. وحتى لا نتهم بأننا نحكم على الحاضر انطلاقاً من الماضي، أو على أساس النيات والأحكام المسبقة، لنر ما انجزت هذه الحكومة او ما هي آثار «اولويات الناس» في عملها خلال الأشهر الماضية. ولنبدأ بالأولوية الأولى عند البشر وهي لقمة العيش، فأين لقمة عيش المواطن وحقه بالحياة الكريمة من ممارسة هذه الحكومة حتى الآن؟ الاشارة الملموسة الوحيدة التي اعطيت حول الموازنة، بعيداً عن التكهنات، هي ما ورد على لسان رئيس حكومة «أولويات الناسٍ»... ما قاله يمكن اختصاره بالتالي «إما زيادة المديونية أو الضرائب غير المباشرة». إنه كمن يقول للمواطن اللبناني «إن تكلمت قتلتك وإن لم تتكلم قتلتك». مرة جديدة جوهر المشروع الاقتصادي المستمر للحكومات السابقة تحميل الناس والفقراء وذوي الدخل المحدود تبعات المديونية الكبيرة على الدولة، التي تكونت بفعل السياسة الاقتصادية التي دمرت الاقتصاد الوطني وربطته بالمؤسسات العالمية في الخارج ووضعته تحت رحمة البنوك والمصارف وجعلته رهينة نمطي الاقتصاد الريعي المصرفي والعقاري، كجزء من السياسة العالمية التي ينتمي لها هؤلاء والتي هي اليوم في أوج أزمتها، ما يهدد دولاً أوروبية عريقة وقوية بالانهيار كما يجري في اليونان والبرتغال وايطاليا على الطريق. نعم، الناس يريدون وقف المديونية التي راكمتموها على كاهلهم وكواهل اطفالهم الذين ولدوا أو لم يولدوا بعد، لكن سؤالهم الأول: هذه المديونية التي لم يستعمل منها سوى 9% على التنمية والبنية التحتية ومصالح الناس (بدون احتساب الهدر)، من المسؤول عنها؟ ومن استفاد منها؟ وكيف سيحاسب؟ أليس على حكومة أولويات الناس ورئيسها واجب الإجابة عن هذه التساؤلات أولاً. وإذا ما تجاوزنا المحاسبة واتبعنا النمط اللبناني بمنطق «عفا الله عما مضى»، فيحق لنا مطالبة الحكومة بوسائل أخرى لوقف المديونية والعجز بعيداً عن «قرش الأرملة واليتيم» وعن عرق العامل وجهد المعلم والموظف. أين المال العام المهدور في مصادرة معظمكم أو معظم معاونيكم للأملاك العامة البحرية، وبالتالي ألا تدر على الخزينة استعادة حقوق الدولة من هؤلاء القراصنة، أموالاً أكثر من التحضير المشبوه لزيادة الـ T.V.A.. ألم يحن الوقت لفرض ضريبة على أرباح المصارف التي استفادت بشكل رئيسي من المديونية وفوائدها، أو على الأقل تخفيض الفائدة على الديون، أم أن «أولويات الناس» تقتضي استمرار استفادة هؤلاء وحماتهم السياسيين من موازنة الدولة وفوائد الدين العام. وأيضاً وأيضاً، الضريبة على ارتفاع اسعار العقارات والشركات العقارية الكبرى، سوليدير واخواتها، أم أن «أولويات الناس» تدفع لطرد الفقراء من بيوتهم عبر قانون ايجارات تهجيري، وغيره من البدائل التي كان يمكن تناولها لو كان هنالك حرص من هذه الحكومة على أولويات الناس فعلاًً. وبالاستنتاج، فإن الخيار الذي تقدمه الحكومة، وهو «المديونية أو الضرائب»، لن يؤدي في ظل هذا التحالف السياسي ـ الطبقي الطائفي إلاّ الى زيادة الضرائب والى زيادة المديونية في الوقت عينه. ومن حقوق الناس وأولوياتها ايضاً، حقها بالمواطَنة والأمن والاستقرار والحرية. ما الذي انجزته الحكومة على هذا المستوى. فسوى اقرار النسبية في الانتخابات البلدية وهو خرق فرضته ظروف الخلاف داخلها، وأيضاً اصرار وزير الداخلية، قامت هذه الحكومة بالتوافق (عبر الموافقة أو التساهل عند البعض الآخر) بالتآمر على مشاريع الإصلاح الممكنة، من التراجع عن حق الشباب اللبناني بالاقتراع الى ضرب حقوق المرأة، سواء بتخفيض الكوتا المقترحة أو بمنعها من إعطاء الجنسية لأبنائها، وسوى ذلك من المشاريع، بما فيها ما هو مطروح اليوم بخصوص التعيينات التي تأخرت سنوات، ليخرج قسم منها على قاعدة المحاصصة وعلى قاعدة وأد امكانيات الاصلاح الإداري والقضائي، وبالتالي استقلالية القضاء والادارة... [[[ تبقى ضرورة الاشارة أخيراً وليس آخراً، الى حق اللبنانيين بالسيادة على أرضهم، وهل أن طريقة التعاطي الحكومي وتعاطي الأجهزة الأمنية مع فضيحة طلب السفارة الأميركية مراقبة اتصالاتهم، ناتجة عن حرص على «أولويات الناس». أليس في ذلك وفي استمرار الدونية والتبعية بالعلاقة مع الولايات المتحدة، انتهاك للحريات الخاصة للمواطنين وكذلك انتهاك للسيادة الوطنية، حتى لا نقول التواطؤ مع الخطة الأميركية ـ الاسرائيلية تجاه لبنان وشعبه. اسمحوا لنا اخيراً بأن نقول لكم، ان الوقت قد حان ليكون رحيلكم هو أولى «أولويات الناس».
خالد حدادة