انتفاضة أولى على الظلمة: الكهرباء الآن

حسن شقراني

لم يكن سوى ردّ فعل طبيعي على الانقطاعات الخانقة والظالمة في التياّر الكهربائي التي تشهدها مناطقهم منذ حوالى أسبوع: تجمّع مواطنون يناهز عددهم مئة شخص على طريق المطار (عند تقاطع مطعم KFC) أمس، وقطعوا الطريق عبر إشعال الدواليب.دام الاحتجاج وقطع الطريق نحو ساعتين قبل أن يحضر عناصر القوى الأمنيّة والجيش لتفريق التجمّع عند الساعة الخامسة تقريباً.ولدى البحث في أسباب هذا الاحتجاج المفاجئ، اتّضح أنّ حدّة انقطاع التيّار الكهربائي في الضاحية الجنوبيّة لبيروت ارتفعت خلال الفترة الأخيرة، وتحديداً منذ الاثنين الماضي حيث لا تكاد الكهرباء تأتي إلّا وتنقطع. والانقطاع يحصل تحديداً خلال الليل. والسبب في ذلك عطل ينتظر المواطنون من شركة الكهرباء معالجته!ووفقاً لأحد المحتجّين، الذي تحدّث لـ«الأخبار» فإنّ «الوضع لم يعد يُطاق أبداً. ففي بعض الأحيان تأتي الكهرباء الساعة السادسة مثلاً ثمّ تنقطع في السادسة وعشر دقائق!».ويبدو أنّ هذا الاحتجاج المصغّر نتج عفوياً وفقاً للأجواء التي يمكن تلمّسها في ساحته، إلّا أنّه لن يكون الأخير. فبحسب أحد الموجودين سيكون الاحتجاج الأكبر يوم الاثنين المقبل في ساعة الزحمة حين تملأ السيّارات الطرقات، وفقاً للمشهد المؤسف الذي يتكرّر في لبنان يومياً.وتعيش البلاد أزمة حادّة على صعيد إنتاج الكهرباء بفجوة بين الإنتاج والاستهلاك تصل إلى 1000 ميغاواط، حيث إنّ الإنتاج الإجمالي لا يتعدّى 1500 ميغاواط، فيما يصل الطلب في أوقات الذروة إلى 2500 ميغاواط. وفي ظلّ غياب الإجراءات العمليّة لتحسين الأوضاع، تصل الأمور في بعض المناطق إلى مرحلة لا تُطاق، مثلما حدث تحديداً على طريق المطار أمس.وقد تغيّرت أنماط التقنين الكهربائي في لبنان أخيراً، وما يزيد الأمور سوءاً خلال هذه المرحلة هو بداية الموسم الصيفي، حيث يضطرّ المواطنون إلى تشغيل المكيّفات، وتحديداً في منطقة بيروت، التي تستهلك حصّة الأسد من الإنتاج، وتصل فيها ساعات التغذية إلى 21 ساعة في اليوم بالحدّ الأدنى.وكان وزير الطاقة والمياه جبران باسيل قد أشار منذ فترة إلى أنّ «حل مشكلة الكهرباء يحتاج إلى قرار جريء واستراتيجي من جانب الحكومة لتغطية النقص الكبير الحاصل». ما يعني أنّ الأمور تبقى عالقة عند «جبن» الحكومة في اتخاذ قرار يريح اللبنانيّين نسبياً في الصيف، الذي يُتوقَّع أن يكون خانقاً مع مجيء حوالى 2.5 مليون سائح ومغترب زائر، وما يعنيه ذلك من ارتفاع في الطلب على التيّار الكهربائي الضعيف أصلاً.وإذا بقيت الأمور على ما هي عليه فإنّ الاحتجاجات الشبيهة بما جرى أمس ستتكرّر في جميع المناطق وبزخم أكبر. فما يحتاج إليه لبنان في المدى القصير هو إجراءات طارئة لتوفير النقص الحاصل، على أن تُطبّق استراتيجيّة شاملة على المدى الطويل لإصلاح الخلل الهيكلي، والمتوقّع أن يزيد إذا لم تواجَه عوامل التأخير. فالطلب على الكهرباء سيرتفع إلى 5 آلاف ميغاواط بحلول عام 2015.ويتحدّث جبران باسيل عن خطّة متكاملة زيادة الإنتاج والخصخصة والطاقة البديلة... ولكن ليس مفهوماً ما إذا كانت منطقيّة ومتّجهة صوب الإقرار قريباً. غير أنّ الأكيد هو أنّه إذا لم تطوِّر البلاد قدراتها الإنتاجيّة فإنّها ستسقط كلّها في الظلمة، مثلما تسقط حالياً الضاحية، التي «لا يستطيع المواطن فيها أن يرى إصبعه ليلاً»، بحسب أحد الموجودين في احتجاج أمس، «ذلك المواطن سيقطع الطريق ويفعل أكثر من ذلك إذا لم توفَّر له الكهرباء الآن».

 

آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة