امتنعوا عن التصويت

«رئيس الجمهورية سليمان فرنجية». بهذا التوقيع ذُيّل مرسوم دعوة مجلس النواب إلى عقدٍ استثنائي أمس. قد يكون ذلك ناتجاً من زلة لسان أو خطأ مطبعي، وربما، هو أبعد من ذلك. فمنذ ما قبل عهد الرئيس الراحل، لا تزال أكثرية القوى السياسية تعلن تأييدها خفض سن الاقتراع، من دون التصويت لمصلحته

حسن عليق كما كان متوقعاً، لم تغيّر الطبقة السياسية عادتها في قول الأمر وفعل نقيضه. نواب الأمة أمس أجمعوا في مجلسهم على تأييد خفض سن الاقتراع، إلا سيرج طور سركيسيان. لكن لحظة الحقيقة أظهرت أن المؤيدين الحقيقيين لم يتجاوزوا 34 نائباً. أما البقية، (66 نائباً)، فلاذوا خلف امتناعهم عن التصويت. رفضوا الطروحات التي تلقّوها، وأبرزها ما تقدم به الرئيس نبيه بري لناحية تطبيق التعديل الدستوري ابتداءً من عام 2013، على أن تكون آلية اقتراع المغتربين قد وضعت موضع التنفيذ. لكنهم أسقطوا اقتراح بري بحجة أن النص الدستوري «أقوى من تدوين ملاحظة في محضر جلسة مجلس النواب». آخر من أدلى بصوته منهم كان رئيس الحكومة سعد الحريري، وعندما نودي باسمه أجاب: ممتنع، للأسف. لم يكن الحريري قد توقف عن شرب الماء طيلة جلسة أمس، ما استدعى استنفار أحد ضباط شرطة المجلس ليملأ كأس دولة الرئيس كلّما فرغت. تصريحات الممتنعين سيطرت عليها كلمتا «لكن» و«إنما». فذلكة تكتل التغيير والإصلاح أتبَعتْ كلمة «لكن» بمطالعة للنائب إبراهيم كنعان أفتى خلالها بأن الامتناع عن التصويت هو اعتراض على المسار، لا على مضمون الاقتراح. مازحه الرئيس بري قائلاً إن المهم ألا يكون الاعتراض على المصير، فزايد كنعان بتأكيده أن الاعتراض على المصير واجب إذا كان ضد مصلحة لبنان. نائب القوات اللبنانية أنطوان زهرا، الذي وعدَ رئيسَ المجلس بأنه سيظل قربه على مقعد أمين السر، أعلن رفض المزايدات، مطالباً بإنجاز آلية اقتراع المغتربين، قبل إعادة طرح مشروع خفض سن الاقتراع. أما حزب الكتائب، فقفز إلى ما بعد اقتراع المغتربين، إذ ربط النائب سامي الجميّل بين حق من أتمّ الثامنة عشرة من عمره في الانتخاب وحق المغتربين وحق المتحدرين من أصل لبناني. ابن عمه، النائب نديم الجميّل، «حليت في عينه» كرسي الوزارة، إذ قضى جزءاً طويلاً من وقته قرب الوزير ميشال فرعون.

آخر من أدلى بصوته كان رئيس الحكومة سعد الحريري، وعندما نودي باسمه أجاب: ممتنع، للأسف

تكتّل لبنان أولاً الذي يرأسه الرئيس الحريري، عبّر عن موقفه النائب عقاب صقر، الذي استلهم مواقف الرئيس بري من أجنحة لبنان (المسلم والمسيحي والمقيم والمغترب). وبحسب صقر، فإن الامتناع عن التصويت مردّه إلى عدم إلحاق الغبن باثنين من هذه الأجنحة، أي المسيحيين والمغتربين. وأكد صقر أنه مع منح حق الاقتراع لكل الشباب اللبناني، المقيم والمغترب. مداخلة صقر انتهت بمشادة بينه وبين زميله في الفوز بمقعد نيابي في زحلة النائب نقولا فتوش، إذ استنكر صقر، بطريقة غير مباشرة، كلام فتوش عن «لحس التواقيع»، الذي عنى به الأخير النواب الذين أيّدوا اقتراح خفض سن الاقتراع في آذار 2009، وامتنعوا عن التصويت لمصلحته أمس. لكنّ تدخّل بري أطفأ المشادة فوراً. الأمر ذاته تكرر بين النائبين علي عمار وسيرج طور سركيسيان الذي لم يفوّت مناسبة لطرح «نهفة» من الزاوية التي اتخذها مرصداً لزملائه. فعندما كان عمار يحدث زملاءه عن رؤياه لطَيفِ شاب «مطعون بخنجر في ظهره، ومصفوع على ناصيته»، قاطعه طور سركيسيان كعادته ممازحاً. تدخل بري طالباً من الأخير أن يلتزم الصمت، لكن سيرج أكمل مزاحه الذي لم يُسمَع إلى مقاعد الصحافة. ردّ عمار بالقول إنه لا يتقبّل المزاح، فأعرب سيرج عن سأمه من التهديد! عند هذا الحد، رفع عمّار من وتيرة كلامه، إذ خاطب زميله بهدوء من دون أن يلتفت إليه، قائلاً: ما حاججتُ (مختصراً القول المأثور: ما حاججت جاهلاً إلا وغلبني). أكمل عمار كلامه، مؤكداً ضرورة إنصاف الشباب الذي احتشد دفاعاً عن حرية لبنان وسيادته، وضحّى بدمه في سبيل الوطن. بدوره، أمل عضو كتلة اللقاء الديموقراطي النائب وائل أبو فاعور أن يضخّ خفض سن الاقتراع «الدم في العروق اليابسة في النظام السياسي». جاراه في موقفه نواب الحزب التقدمي الاشتراكي الذين صوّتوا لمصلحة الاقتراع، في مقابل امتناع غير الحزبيين من أعضاء اللقاء الديموقراطي. وقبل طرح الاقتراح على التصويت، كان وزير الداخلية زياد بارود يأكل ظفر سبّابته اليمنى. بدا واضحاً منذ أول من أمس أن الاقتراح سيسقط. ولإسقاطه، تعاون كلّ من نواب تكتل التغيير والإصلاح والقوات اللبنانية وحزب الكتائب واللقاء الديموقراطي (غير المنتمين إلى الحزب التقدمي الاشتراكي) وتيار المستقبل وتكتّل «لبنان أولاً». ومن هذه الكتل، لم يميّز أحد صوته. حتى «العلمانيون» امتنعوا عن التصويت، كنائب اليسار الديموقراطي، الشيوعي (السابق) في كتلة المستقبل أمين وهبة. الخجل من القرار لم يُظهره إلا النائب عباس هاشم. فعندما حان دوره للتصويت، امتنع عن رفع صوته، مشيراً إلى زميله إدغار معلوف، كمن يقول: «رأيي من رأي إدغار». ورأي إدغار هو الامتناع عن التصويت. لكنه أعلن امتناعه بعد إصرار بري. وبعد الجلسة، قال هاشم لـ«الأخبار»: نحن مصابون بانفصام في الشخصية. هؤلاء امتنعوا. أما المؤيّدون، فهم أعضاء كتلة التحرير والتنمية التي يرأسها الرئيس نبيه بري، ونواب كتلة الوفاء للمقاومة والحزب التقدمي الاشتراكي والحزب السوري القومي الاجتماعي والبعث والجماعة الإسلامية، والرئيس نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي والنواب أحمد كرامي وقاسم عبد العزيز وتمام سلام ونقولا فتوش. خارج مجلس النواب، اعتصم ممثّلو منظمات شبابية وطالبية وحقوقية للمطالبة بخفض سن الاقتراع. ودخل ممثّلون عن بعض هذه المنظمات لحضور الجلسة في القاعة العامة. وقد أعرب معظم المشاركين عن استيائهم من عدم إقرار مطلبهم. وأعلن كلٌّ من قطاع الشباب والطلاب في الحزب الشيوعي اللبناني واتحاد الشباب الديموقراطي أن ممثّلين عنهما مُنِعوا من دخول قاعة مجلس النواب، عكس زملائهم في المنظمات الطالبية الأخرى، بذريعة «عدم وجود نواب ممثّلين لهم».

آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة