الحقيقة حول كلفة اليوروبوندز

من إسرائيل حتّى المكسيك مروراً باليونان: الفوائد أدنى بكثير استطاع لبنان أخيراً أن يسوّق بنجاح سندات خزينة بالدولار قيمتها 1.2 مليار دولار لمدّة 10 سنوات، بفائدة سنويّة تبلغ 6.375%. هذا السعر للفائدة عدّته وزارة المال دون الأسعار المسجّلة في أسواق خارجية أخرى، علماً بأنها رأت أن الإقبال على الاكتتاب يترجم «شهيّة المستثمرين على سنداتنا». لكن هناك أكثر من أمر يجب معرفته عن سوق السندات ووضع لبنان فيها، قبل الجزم بصحّة هذا التقويم

حسن شقراني غداة إقفال لبنان «بنجاح» إصدار سندات خزينة بالعملة الأجنبيّة (يوروبوندز) في بداية الأسبوع الجاري، شدّدت وزيرة المال ريّا الحسن على «أنّنا استطعنا الحصول على نسبة فوائد جيدة جداً أفضل من فوائد الحكومة اليونانية بـ 10 نقاط». وأوضحت أنّ لبنان دخل السوق بمعدّل فائدة بلغت 6.5%، وسرعان ما تراجعت إلى 6.375%. إلا أنّ تتبع الإصدارات الأخيرة يبيّن أنّ الفائدة التي حصلت عليها اليونان كانت أقلّ. ويتّضح كذلك أيضاً انتشار نماذج الاقتراض الأقلّ كلفة في بلدان أخرى يمكن تشبيهها بلبنان من حيث معدّل الدين العام إلى الناتج المحلّي الإجمالي، أو من حيث الحاجات التمويليّة الملحّة.

ما يثير اللعاب!

تسعى اليونان إلى توفير 54 مليار يورو خلال 2009 لتغطية حاجاتها التمويليّة، وهي أساساً تئنّ تحت دين عام تصل قيمته إلى 300 مليار يورو، مسجّلاً 108% من حجم الناتج المحلّي الإجمالي. رغم ذلك، استطاعت أثينا طرح سندات خزينة في الأسبوع الماضي، بقيمة 5 مليارات يورو، أو حصلت على معدّل فائدة يبلغ 6.37%، أي أقلّ من المعدّل الذي حصل عليه لبنان، وقالت «The Economist» إنّ فائدة اليونان «تثير لعاب المستثمرين». هذا الطرح المسجّل لليونان يعطي فكرة عن طبيعة سوق السندات والقروض الحكوميّة، التي لا تعكس حقيقة الأوضاع الاقتصاديّة ـــــ الماليّة التي يمرّ بها البلد المعني.

وهناك أمثلة مثيرة عن تجربة بلدان أخرى مع الاقتراض العام بدءاً بإسرائيل. فمن المتوقّع أن تطرح الدولة العبريّة خلال 2009 سندات يوروبوند تبلغ قيمتها مليار يورو بالحدّ الأدنى (1.4 مليار دولار). ووفقاً للتقديرات الحاليّة، من المتوقّع أن تحصل على معدّل فائدة يقلّ عن فائدة السندات اليونانيّة بـ 100 نقطة أساس، أي ستبلغ 5.37%. وهذا المعدّل المنخفض رغم بقائه فوق المعدّل الألماني المعياري (3.15%) يتحقّق، وفقاً للمراقبين، بفضل الإنجازات الاقتصاديّة الجيّدة لإسرائيل التي يمثّل دينها العام نحو 84% من ناتجها المحلّي. ففي الفصل الأخير من 2009 نما الاقتصاد بنسبة 4.4%. لكن لبنان أيضاً حقّق معدّل نموّ بلغ 7% بعد تسجيل نسبة 8.5% في العام السابق، مع العلم بأنّ الاقتصاد الإسرائيلي كان قد تقلّص بنسبة 0.8% في 2008. وفي إيطاليا يصل معدّل الدين العام إلى الناتج فيه إلى 115.2%، يتّضح أن معدّل الفائدة المسجّلة على السندات لـ10 سنوات 3.96%. ويشار إلى أنّ إيطاليا سابعة عالمياً لجهة معدّل الدين إلى الناتج، فيما يحلّ لبنان بمعدّله البالغ 156% رابعاً بعد زيمبابوي (30.4.3%) واليابان (192.1%) و«ساينت كيتس ونيفيس» (185%)، وفقاً لقاعدة بيانات «CIA World Factbook» المكونة من معلومات الحكومات المختلفة.

تفاوت بنتيجة واحدة

والمنطق وراء إجراء مقارنة تعتمد على معدّل الدين العام إلى الناتج، يرتكز على تشديد الوزيرة الحسن، على ضرورة الاستمرار بالنهج المالي المتّبع، أي «خفض هذا المعدّل». نهج كمّي قد يغطّي في بعض الأحيان على الفشل المسجّل بسبب عدم إمكان التوصّل إلى إنجازات حقيقيّة، مثل مشروع موازنة عام 2010! ومن حوض المتوسّط عبر الأطلسي إلى المكسيك، حيث أصدر هذا البلد الذي تبلغ مرتبته بحسب معدّل الدين/ الناتج 63 عالمياً، سندات خزينة بالدولار لمدّة 10 سنوات قيمتها مليار دولار، بلغت نسبة الفائدة عليها 5%، أي إنّها أقلّ من فائدة السندات بالعملة الأجنبيّة اللبنانيّة بـ1.37 نقطة مئويّة. وتسجّل سنغافورة أحد أفضل معدّلات الفائدة بين البلدان عموماً، إذ يبلغ معدّل الفائدة على السندات لمدّة 10 سنوات 2.69%. واللافت أنّ معدّل الدين إلى الناتج يصل إلى 117.6% ليحلّ مباشرة بعد لبنان وجامايكا. أمّا في اليابان، فالمفاجأة أن معدّل الفائدة على سندات الخزينة لعشر سنوات يبلغ 1.31%، وفي الولايات المتّحدة 3.72%، وفي أوستراليا 5.54%، وفي سلوفينيا 4.12%. بين تلك البلدان المذكورة، هناك تفاوت من حيث معدّلات النموّ والتنمية، غير أنّ لبنان يتميّز عنها كلّها باجتذابه ودائع قياسيّة في عام 2009 نظراً لانعزاله عن النظام المالي العالمي بسبب جاذبيّة مصادر الربح الداخلي للنظام المصرفي، المرتبط بأدوات الدين العام والأدوات النقدية.

أيّ خصوصيّة؟

إذاً، يبقى لبنان مقترضاً عبر سندات بالعملة الأجنبيّة بمعدّل فائدة هو الأعلى بين البلدان المذكورة! هل هي «الخصوصيّة اللبنانيّة»؟ الأرجح كلّا، لأنّ الحسن تتحدّث عن خصوصيّة «إيجابية»، أي إنّ البلاد تستطيع أن تسجّل معدّلات نموّ لافتة «على الرغم من عدم إقرار موازنة خلال السنوات الخمس الماضية». إذاً، فاقتراض الحكومة بالعملات الأجنبية، هو تماماً كإصدار سندات الخزينة بالليرة (وشهادات الإيداع)، ويبقى مكلفاً، لا سيما أن الطموحات محدودة، فالحكومة اليونانيّة مثلاً تريد خفض معدّل الفائدة على سنداتها إلى دون 6%! وتواجه حالياً معارضة قاسية ضدّ إجراءاتها التقشّفيّة (10 آلاف متظاهر في شوارع أثينا أمس). ملاحظات كثيرة تُطرح في هذه المرحلة الحسّاسة التي اتضح فيها أن فائض السيولة الداخليّة نقمة. ورغم أنّ هناك بلداناً أخرى يُتوقّع أن تقترض عبر السندات الخارجيّة بفوائد أعلى من التي يحصل عليها لبنان مثل رومانيا وأوكرانيا، يجدر بالحكومة أن تعيد التفكير ملياً بما نقصده بـ«شهيّة المستثمرين» و«انخفاض كلفة اقتراضنا من الأسواق الخارجيّة»!

2.15 مليار دولار

قيمة سندات الخزينة الأجنبيّة (يوروبوند) التي ستتحقّق في عام 2010. وكانت وزيرة المال قد أشارت إلى أنّها ستلجأ إلى بيع سندات بقيمة ملياري دولار أو ستجري عمليّة استبدال سندات (SWAP) لتغطيتها

خالٍ من المخاطر؟

تعدّ السندات أدوات لاقتراض الحكومات والشركات من السوق، وهي مختلفة عن شهادات الإيداع. وتحمل سندات الخزينة معدّل فائدة، يجري التفاوض بشأنه في أسواق المال، ونظرياً يجب أن يوازي معدّل الفائدة الخالي من المخاطر على سندات 10 سنوات، معدّل النموّ المسجّل في البلد المعني. وبما أنّ معدل النموّ المتوقّع للبنان في 2010 هو 4.5% (تقدير الحكومة) و4% (صندوق النقد الدولي)، يجب أن يكون بهذه الحدود! يمكن المحاججة قدر الإمكان بأنّ لبنان يعيش إحدى أفضل المراحل على صعيد تدفّق الأموال إلى نظامه (المصرفي)، لكن كثافة تلك الأموال تمثّل عبئاًَ يفرض كلفة إضافيّة.

آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة