الخصخصة في لبنان: انسحاب تدريجي للقطاع العام

تمثّل سياسات الخصخصة جزءاً عضوياً من مبادئ الليبرالية الجديدة التي سادت النظام الرأسمالي منذ أوائل الثمانينيات من القرن الماضي. وتحوّلت الليبرالية إلى أيديولوجيا جامدة بعد تبني مراكز النظام الرأسمالي لها، وفرضها على المنظمات المالية والاقتصادية العالمية. وقد مكّنها ذلك من ممارسة قمع فكري للأفكار الاقتصادية المغايرة، وتشويه الواقع المعيش لبعض الأنظمة الاقتصادية، والتاريخ الاقتصادي للعديد من التجارب التنموية في العالم. فماذا عن لبنان؟

أحدث تطبيق الليبرالية الجديدة على الصعيد العالمي تشوّهات اقتصادية واجتماعية وأخلاقية. فقد ضاعفت الفروقات الطبقية داخل معظم بلدان العالم، كما بين دول الشمال ودول الجنوب. ودفعت إلى مراكمة جبال من المديونية لدى العديد من بلدان المراكز الرأسمالية ودول الأطراف، وأطلقت العنان لتحكم القطاع المالي بالاقتصاد، وتحويل الأسواق المالية إلى ناد عالمي للمقامرة. راكم كل ذلك تشوّهات اقتصادية كبيرة، دفعت النظام إلى أزمة بنيوية، ستفرض في النهاية تغييرات عميقة في بنيته ومؤسساته. إن دراسة تجارب الخصخصة في دول العالم الثالث، تظهر أن لا قيود فيها لحماية المال العام، ومنع إنشاء احتكارات خاصة، وإنتاج سلع أفضل بسعر أقل. في معظم هذه التجارب، نَهبت رؤوسُ أموال محلية وخارجية القطاعَ العام، وتكوّنت احتكارات ترفع الأسعار بمواكبة إنتاج سلع وخدمات أقل جودة. وبعيداً عن التوجهات والضوابط التي حكمت سياسات الخصخصة في بعض دول المراكز الرأسمالية مثل بريطانيا، وأحدثت هزات إيجابية في إطار أداء الاقتصاد البريطاني، ولو على حساب تراجع مؤشرات العدالة الاجتماعية وعلى حساب بعض الحقوق المكتسبة للطبقة العاملة، فإن سياسات الخصخصة كانت سلبية جداً في معظم دول العالم الثالث، على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، إذ جرت في بيئة سياسية فاسدة، وسوق مالية غير ناضجة وبنية احتكارية للسوق، وغياب مؤسسات المراقبة والمحاسبة، كما هي الحال في لبنان.

البيئة اللبنانية

(1) إن البنية الأساسية للاقتصاد اللبناني هي بنية احتكارية تطال جميع القطاعات، وتغيب عنها المنافسة الحرة، والقوانين اللبنانية متضاربة في موقفها من مبدأ الاحتكار. فهناك قانون حماية الوكالات الحصرية الذي يشجع المحتكرين ويحميهم، والصادر سنة 1967، وقانون آخر يمنع الاحتكار والحد من المنافسة، صدر إبان حكم أمين الجميل سنة 1983، وهو غير مطبّق ولم يطبّق في الماضي. (2) لا يملك لبنان سوقاً مالية رسمية (بورصة)، شفافة ومراقبة، إذ خُصخصت هذه السوق دون قانون. وهذه السوق غير مؤهلة لإظهار السعر الحقيقي لأي قطاع يطرح للتخصيص، ولو طُرحت أسهمه في البورصة. وهناك قانون جديد لإنشاء سوق مالية رسمية شفافة ومراقبة، وُضع في مصرف لبنان سنة 1996، وحُوّل إلى وزارة المالية، حيث ينام هناك في سبات عميق، بطلب من جمعية المصارف على ما يبدو، ولم يخرج منه بعد. (3) استشراء الفساد وتعطيل مؤسسات المراقبة والمحاسبة. فمنذ وصول الرئيس رفيق الحريري إلى السلطة، عُطّل ديوان المحاسبة والتفتيش المركزي. كما عُطّل الدور الرقابي للمجلس النيابي. فمنذ خمس سنوات لم تقدم الحكومة اللبنانية مشروع موازنة ولم تتقدم من المجلس بقطع حساب أعمالها للسنوات الخمس الماضية، ولم يحتج المجلس النيابي إلى ذلك. والجميع في لبنان يتكلم عن الهدر والسرقة في القطاع العام، الذي يبلغ 1.5 مليار دولار سنوياً على الأقل. ومعظم المرتكبين معروفون ومحميون، ولم يطبق قانون «من أين لك هذا» رغم ظهور الثراء الواسع على معظم رجال السياسة وكبار الإداريين، ورغم أن هذا القانون وُضع في الخمسينيات من القرن الماضي. في هذه البيئة تحصل عمليات الخصخصة في لبنان، وكانت أولاها قطاع البريد. استفاد الحريري عند وصوله إلى رئاسة مجلس الوزراء، بمواكبة ألف طبل وزمر محلياً وإقليمياً، على صورة المنقذ للبنان، القادر على انتشال البلد من محنته، فدفع بسياسة تخصيص البريد دون معارضة فعلية. فقد خُصخص البريد علناً، بسرعة كبيرة، وخارج كل المقاييس السليمة. ورُفعت الرسوم البريدية أضعاف معدلاتها السابقة، بالقيمة الحقيقية، ما جعل كلفة البريد العادي قريبة جداً من كلفة البريد السريع عالمياً (DHL)، ومن ثم بيعت لشركة كندية. وبالرغم من ذلك صُرف العديد من الخدمة، وأصبحت خدمات الشركة الجديدة أكثر سوءاً. ثم رُخّص لإقامة شركة للهاتف المحمول، التي وضعت رسوماً باهضة جداً لثمن الهواتف والخدمات، وسُوّقت الهواتف والخطوط قبل انطلاق الخدمات، فحققت الشركة أرباحاً كبيرة بعد استرداد رؤوس الأموال الموظفة، قبل إطلاق خدماتها الفعلية. ثم رُخّص لشركة ثانية، ثم تأمّمت الشركتان بخطوة مشبوهة، وضد المنطق السائد لدى الحكم، وكلف هذا التأميم الذي فسخ العقود مع الشركتين مبالغ طائلة، ليعاد طرح خصخصة إدارة الشركتين، وإعطاء الإدارة لشركات أجنبية. ثم يعاد طرح خصخصة القطاع بالكامل أو تأجيرهما لمدة عشرين سنة، ومقابل مبالغ تقل كثيراً عن القيمة الحالية لهذه الريوع المستقبلية، مع احتساب أعلى الفوائد المتوقعة مستقبلاً في السوق.

وبسبب البنية السياسية للبنان، التي تمنع قيام حكم مركزي مستقر قادر على فرض سياسات استبدادية تتخطى القوى السياسية والطائفية الفاعلة، وقمع الرأي الآخر، لم تستطع الحكومات الحريرية المتعاقبة حتى اليوم، فرض رؤيتها وإرادتها الاقتصادية فرضاً شاملاً، وخاصة في إطار سياسات الخصخصة. فقد أثارت هذه السياسات الكثير من الجدل السياسي والاقتصادي، وبالتالي الكثير من النقد والمعارضة. لذلك لجأت الحكومات الحريرية إلى أساليب ملتوية لتهريب خصخصة بعض القطاعات كلياً أو جزئياً. وإلى التمهيد لخصخصة قطاعات أخرى عبر سياسات تعطيل مؤسسات القطاع العام وشل عملها ودفعها إلى الترهّل، ودفع بعضها لتحقيق خسائر تشغيلية كبيرة، لينعكس كل ذلك سلباً على الموازنة العامة كما على حياة المواطنين ودفعهم إلى اللجوء إلى القطاع الخاص لتأمين حاجاتهم من بعض السلع والخدمات. وإقناعهم بضرورة اللجوء إلى خصخصة هذه القطاعات. كذلك جرى تخصيص كلي أو جزئي لبعض القطاعات عبر انسحاب تدريجي للقطاع العام منها، وتوسيع دور القطاع الخاص فيها. والأمثلة عديدة جداً في هذا المضمار، مثل ما حصل في قطاعات الإعلام المرئي والمسموع، التعليم، وخاصة التعليم الجامعي، النقل، والمواصلات، والاتصالات، النفط، الكهرباء، الصحة والبيئة، الأشغال العامة، المياه وغيرها. لذلك سنعمد إلى طرح ما حصل في بعض القطاعات، لا في كل القطاعات، كأمثلة على سياسات الحكومات الحريرية.

قطاع النفط

كان قطاع النفط قطاعاً عاماً بامتياز، قوامه أنابيب النفط من السعودية والعراق، ومصفاتان للتكرير عند مصب الأنبوبين في الزهراني وطرابلس، وفي سنة 1993 شُغّلت المصفاتان تشغيلاً خاطئاً ودون صيانة رغم تحذيرات الخبراء في المصفاتين، وعُطّلتا ووضعتا خارج العمل دون صيانة أيضاً بغية الحفاظ عليهما. كانت كلفة التصليح والصيانة في ذلك الحين لا تتجاوز 150 مليون دولار، وثمن المصفاتين حوالى المليار دولار. وتركت المصفاتان للاهتراء، وتحوّلتا إلى خردة لا قيمة لها. وبالرغم من نشر دراسات جدوى اقتصادية عديدة تظهر ربحية إعادة بناء معامل التكرير، فإن الحكومات المتعاقبة لم تعر هذا الموضوع الاستراتيجي أي اهتمام، وأصبح لبنان يعتمد على استيراد المشتقات النفطية منذ ذلك الحين. وسرعان ما انسحب القطاع العام من مهمة الاستيراد لمصلحة القطاع الخاص. فقد أُنشئت شركات جديدة يملكها كبار السياسيين من قادة الطوائف والميليشيات، انضمت إلى شركات أجنبية كانت تعمل في إطار توزيع المشتقات النفطية، لتأليف مجموعة احتكارية (كارتيل) تتحكم بسوق المشتقات النفطية استيراداً وتوزيعاً. واستولى على خزانات النفط في الزهراني وطرابلس بعض الشركات، وبُنيت خزانات جديدة ومرفأ أيضاً لهذه المهمة. وبذلك خُصخص قطاع النفط في لبنان دون نقاش ودون قانون. ونتج من ذلك ارتفاع في أسعار المشتقات غير مبرر، وتذبذب دائم في العرض. وتُسعّر المشتقات أسبوعياً، وحسب معادلة سرية جداً في وزارة الطاقة، يقال إنها مبنية على معدل أسعار النفط الخام لأربعة أسابيع. وعندما تتجه أسعار النفط عالمياً إلى الارتفاع، تعمد الشركات الاحتكارية في لبنان إلى «تعطيش» السوق وتخزين أكبر كمية ممكنة من المشتقات لكسب فروقات ارتفاع الأسعار. وعندما تتجه أسعار النفط إلى الهبوط يجري تأخير الاستيراد، وتفتقد المشتقات في السوق أيضاً في معظم الأحيان، وخاصة في مراحل التذبذبات الحادة في أسعار النفط. وبيعَ «الفيول أويل» إلى شركة كهرباء لبنان بأسعار تزيد كثيراً عن أسعار السوق العالمية، ورفض لبنان عروضاً عديدة، منها عرض جزائري لتوريد «الفيول أويل» و«الغاز أويل» بأسعار مدعومة، بدعوى أن مواصفات «الفيول أويل» تلك لا تتلاءم مع المعامل الحرارية اللبنانية، بالرغم من أن الوقود المستعمل فعلياً في هذه المعامل هو من أسوأ أنواع الوقود «وقود من الدرجة الثالثة»، الأكثر تلويثاً للبيئة بسبب ارتفاع نسبة الكبريت فيه.

قطاع الكهرباء

بالرغم من الكلام الكثير عن «كفاءة» الإدارة الحريرية ودورها الكبير في إعادة إعمار لبنان وتجديد بنيته التحتية، ورغم إنفاق أكثر من خمسة مليارات دولار على قطاع الكهرباء، فإن أزمة هذا القطاع آخذة في التفاقم. وما زالت سياسات تقنين الطاقة هي السائدة، المواكبة لتوسيع دور المولدات الخاصة، الأقل كفاءة، والأكثر تلويثاً للبيئة، والتي أصبحت تنتج أكثر من 35% من الطاقة المستهلكة في لبنان. ومنذ وصول الحريري إلى السلطة، أُدخلت كهرباء فرنسا (EDF) إلى قطاع الطاقة الكهربائية (خصخصة جزئية). فأصبحت هي الجهة الاستشارية المعتمدة، دون الخبراء اللبنانيين المشهودة خبرتهم، والعاملين على الصعيد العالمي. وبالتالي أصبحت EDF مسؤولة عن أخطاء التخطيط والتنفيذ والتشغيل، كما عن سوء سياسات الطاقة المعتمدة. ويذكرنا دور EDF في لبنان بكتاب جون بركنز “Confessions of an Economic Hitman”. وسيقدم خبراء EDF في الشهر الثالث من سنة 2010 التصاميم اللازمة والمتصلة بمناطق بناء المجموعات الجديدة، ومواصفاتها، مع محطات التحويل والتوزيع، بغية تأمين طاقة إضافية قدرها 700 ميغاوات. ومن المعروف أن نسبة العمولة لأصحاب القرار في تلزيم المحطات جد مرتفعة. والتجارب السابقة في بناء المعامل الحرارية وشبكات التوزيع وبإشراف EDF أظهرت عند استلام الأشغال مخالفات كبيرة وعيوباً في «المراجل» كما في «التوربينات»، وعندما رفض المهندس المسؤول في كهرباء لبنان استلامها قُدّم للمحاكمة بحجة تأخير الإنتاج، وحُكم عليه. وبإشراف EDF تم في السابق بناء قدرات إنتاجية للطاقة، دون تطوير قدرات الشبكة على نقلها وتوزيعها، مما منع من رفع الإنتاج إلى مستوى الطلب الفعلي، وأُبقي على سياسات التقنين، وكان ذلك في أواخر التسعينيات من القرن الماضي. وبالرغم من إعادة بناء أجهزة الدولة القضائية والقمعية، لم تظهر الحكومات المتعاقبة أية حماسة لمنع السرقات على الشبكة. فمنذ سنة 2000 بلغت هذه السرقات حوالى 29%، وبلغ الهدر الفني حوالى 15%، أي إن مجمل الهدر كان حوالى 40% ثم ارتفع إلى أكثر من 42% في ما بعد. ولا تحصل سرقة الطاقة، أو عدم جبايتها في المناطق «الأمنية» العاصية على السلطة فقط، بل أيضاً في أرقى أحياء بيروت. وتعمل الحكومات اللبنانية المتعاقبة على إضعاف مؤسسة كهرباء لبنان، وإبراز عجزها بوسائل شتى أهمها: أ. إضعاف الجهاز البشري للمؤسسة: فالحكومة لا تسمح بتوظيفات جديدة وبديلة من الكفاءات التي جرى «تطفيشها» أو إحالتها إلى التقاعد من فنيين وإداريين. فالجهاز البشري، كما يقول رئيس مجلس الإدارة، يتألف حالياً من 2000 عامل وموظف، مقابل ملاك يتطلب 5020 عاملاً وموظفاً. وبسبب هذه السياسات، ارتفع معدل إعمار العاملين في المؤسسة إلى 57 عاماً. وبالتالي أجبرت المؤسسة على التعاقد مع «متعهدين غب الطلب» يبلغ عددهم حوالى 1800 عامل مياوم (خصخصة جزئية مع «تحرير» سوق العمل). واستُغني عن العديد من مهندسي المؤسسة وتقنييهم أو دُفعوا إلى الاستقالة بأساليب شتى أهمها نزع صلاحياتهم، وتدني الرواتب. كما أن الشركة لم ترسل مهندسين وتقنيين للتدرب على صيانة المعامل الجديدة التي أُنشئت، رغم ورود هذا الشرط في عقود التلزيم، ثم لُزّمت الصيانة إلى شركات أجنبية (تخصيص جزئي) بأكلاف مرتفعة جداً، لا يمكن مقارنتها بكلفة المهندسين والتقنيين اللبنانيين. ب. إعاقة الصيانة الضرورية للمعامل: يقول رئيس إدارة المؤسسة إن الحكومة تعيق أعمال الصيانة والتأهيل الضرورية في أوقاتها، لأسباب تقنية ومالية، وذلك يعيق قدرة المؤسسة على تحسين الإنتاج، إذ يمكن زيادة قدرة الإنتاج بنسبة 20%، إذا توافرت الأموال اللازمة للصيانة. كما أن الشركة الكورية التي أعطيت مهمة تشغيل معملي الزهراني ودير عمار وصيانتهما، لا تقوم بأعمال التشغيل والصيانة كما يجب. وقد دفع ذلك المؤسسة إلى توجيه إنذار لشركة «كييكو» الكورية، بسبب تكرار الأعطال في المصنعين الجديدين نسبياً، وذلك في سنة 2009. والصيانة الملائمة تطيل عمل المحطات في الجية والزوق عشر سنوات حسب تقرير البنك الدولي. ج. تشجيع الهدر المالي في المؤسسة: ــــ أعطيت تراخيص الامتياز لبعض الشركات الخاصة، التي تشتري الطاقة الكهربائية بسعر قدره 50 ليرة للكيلووات ــــ ساعة، وتبيعها للمشتركين بمعدل 127 ليرة. ــــ عدم دفع كامل مستحقات الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات والمخيمات الفلسطينية، التي تبلغ حوالى 150 مليار ليرة سنوياً. ــــ امتناع العديد من القادة السياسيين النافذين عن دفع ثمن الطاقة المستهلكة، وعدم قدرة المؤسسة على قطع التيار عنهم. ــــ حتى سنة 2003 كان هناك 33 ألف محضر بسبب السرقات والتعديات على الشبكة، ولم يبتّ القضاء بأي منها. ــــ تأخير إنجاز مد أنابيب الغاز من معمل دير عمار حتى الحدود السورية لربطه بأنبوب الغاز السوري المنجز حتى الحدود قبل نهاية 2005، لتشغيل محطة دير عمار على الغاز، مما يضاعف إنتاجها ويطيل عمرها التشغيلي. ويقول أحد أعضاء مجلس إدارة المؤسسة إن التأخير في التنفيذ من مسؤولية المتعهد، ويبدو أنه ليس هناك بند جزائي على تأخير التنفيذ. ــــ تلزيم قراءة العدادات وجباية الفواتير للقطاع الخاص (خصخصة جزئية) بأسعار غريبة، مما أثار اعتراض (النائب عن بيروت) محمد قباني، حيث أعطيت شركة الجباية نسبة 2.9% من قيمة الفواتير التي تُجبى، وأعطيت شركة قراءة العدادات نسبة 11% من قيمة الفواتير الصادرة، بالرغم من أن الجباية أصعب من القراءة. د. المبالغة في تقدير العجز المالي للمؤسسة: في 5/11/ 2008 أعلن رئيس مجلس الوزراء، فؤاد السنيورة، أن الخزينة تحملت أكثر من 1200 مليون دولار من عجز مؤسسة كهرباء لبنان في عام 2007. وفي اليوم التالي، أعلن وزير المالية، جهاد أزعور، أن إنفاق الخزينة على المؤسسة لسنة 2007 بلغ 981 مليون دولار. ويشمل رقم الوزير استحقاقات مالية للكويت والجزائر عن توريد المازوت والفيول أويل للمؤسسة عن سنة 2006، أي إن إنفاق الخزينة على المؤسسة لعام 2007 لم يتجاوز 516 مليون دولار. تقول الحكومة إن تحويلات الخزينة للمؤسسة منذ سنة 1982 وحتى نهاية 2008 بلغت حوالى 25431 مليار ليرة. وإذا أضفنا نفقات سنة 2009 يصل المبلغ إلى 27500 مليار ليرة، أي حوالى 18.3 مليار دولار، وما يعادل 35.3% من حجم الدين العام.

ولكن لا يمكن احتساب ما دُفع قبل سنة 1993 لكهرباء لبنان كجزء من الدين المتراكم على المالية العامة، إذ لم يتجاوز هذا الدين مبلغ 1.7 مليار دولار حتى نهاية سنة 1992. ثم إن خسائر كهرباء لبنان بين سنة 1994 وسنة 2000 بلغ معدلها السنوي 200 مليون دولار «نتيجة الطاقة غير المفوترة». أي إن الخسائر عن سنة 2003 وحتى 2000 بلغت حوالى 1600 مليون دولار، كما أن مجمل العقود الموقعة لمصلحة المؤسسة بين 1992 ونهاية 2003 بلغت 1316 مليون دولار. وإذا افترضنا أن معدل العجز السنوي منذ سنة 2001 وحتى 2009 قد بلغ 400 مليون دولار حداً أقصى، فإن كامل مساهمة عجز الكهرباء في الدين العام يبلغ حوالى 6.5 مليارات دولار دون احتساب الفوائد. ومع الفوائد المستحقة يرتفع الدين إلى حوالى 7.8 مليارات دولار. وإذا كان مجمل الدين العام الذي جرى تسنيده والذي لم يجر تسنيده قد بلغ حوالى 58 مليار دولار، فإن نصيب الكهرباء من هذا الدين سيكون 13.4% لا 35.3% كما تشيع الحكومة، وذلك حتى نهاية سنة 2009. هـ. تأخير استجرار الطاقة من الخارج وتعطيله: طرح موضوع استجرار الطاقة الكهربائية من الخارج منذ أواسط التسعينيات، وكانت الطاقة المستوردة أقل كلفة من توليدها داخل لبنان بنسبة عالية جداً، كان ثمن الكيلووات ساعة المستوردة من تركيا 4.5 سنتات، وهو مبلغ يقل عن كلفة الوقود لتوليدها. وكلفة استجرار الطاقة من مصر أقل من 4.5 سنتات. وعندما يتم الربط مع أعالي النيل، فإن كلفة الطاقة المستجرة ستقل عن 2.5 سنت في بعض الأحيان، وتبعاً لثمن برميل النفط، بينما تصل كلفة الفيول أويل اللازمة لتوليد 1 كيلووات ــــ ساعة إلى أكثر من عشر سنتات. ولدى تركيا حالياً فائض في الإنتاج يقدر بنحو 5000 ميغاوات، من مجمل الإنتاج البالغ 40 ألف ميغاوات، وسيرتفع هذا الإنتاج التركي إلى 80 ألف ميغاوات حتى عام 2020 عند اكتمال شبكة السدود التركية. وهناك طاقة تصديرية متنامية في مصر، وفي السعودية ودول الخليج، وخاصة مع استغلال الغاز المصاحب للنفط في توليد الطاقة. كما أن العراق سيصبح مصدِّراً للطاقة الكهربائية بعد ثلاث سنوات. ولاستجرار الطاقة من الخارج، احتاج لبنان إلى محطات تحويل 400/220 ك. ف. في محطة كساره، وإلى محطة ديرنبوح 220 ك.ف. واستجر لبنان الطاقة من سوريا منذ عشر سنوات، ومن مصر منذ 27/4/2009 عبر محطة كساره غير المكتملة بعد. ولكن محطة كساره تأخر إنجاز بنائها أربع سنوات على الأقل، بحجة تأخر الملتزم في التنفيذ (أيضاً دون بنود جزائية)، ولكن استجرار الطاقة من مصر وسوريا عُلّق منذ أشهر لاعتبارات غير معلنة، كما تقول جريدة السفير (17/3/2010). ويقول وزير الطاقة جبران باسيل، إن هناك عوائق أمام استجرار الطاقة، تتمثل بعدم استكمال حلقة التوتر العالي غير المكتملة، وخصوصاً في منطقة المنصورية، وعملية توسيع طاقة محطة كساره، بجانب بناء مركز التحكم، الذي «سيؤمن استقراراً عالياً على الشبكة، وسيكون الهدر أقل بكثير». وهذا التأخير غير المبرر في إتمام بناء محطات التحويل وشبكات نقل التوتر العالي يرفع كلفة الطاقة الموزعة ويبقي على سياسة التقنين. وربما كان التأخير في بناء شبكات الربط الكهربائي يقصد منه إكمال التعاقد لبناء محطات توليد جديدة، ينتفي مبرر بنائها مع اكتمال بنية الربط الثماني. ولإتمام عملية تخصيص جزئي أو كلي لقطاع الطاقة بأسعار متدنية جداً بسبب الخسائر الكبيرة لمؤسسة كهرباء لبنان. وقد نصح خبراء البنك الدولي بعدم تخصيص هذا القطاع، إذ إن تخصيصه سيرفع كلفة إنتاج الكيلووات إلى ثلاثة سنتات على الأقل.

قطاع جمع النفايات الصلبة

خُصخص جمع النفايات المنزلية في بيروت أولاً ثم في مناطق جبل لبنان، وأُنشئت من أجل ذلك شركة «سوكلين» بملكية اسمية لشخص من آل سكّر من صيدا، ولُزّم جمع النفايات ومعالجتها في مطمر الناعمة، لقاء مبلغ سنوي قدره 35 مليون دولار، وبالتراضي. وعرضت شركة بريطانية تولي هذه المهمة من سوكلين بمبلغ سنوي قدره 12 مليون دولار. رفضت سوكلين العرض واقترحت خفضه لمبلغ 7 ملايين دولار ليصبح مقبولاً، وذلك فقط عن نفايات مدينة بيروت. ثم توسع نطاق عمل سوكلين ليشمل قسماً كبيراً من جبل لبنان، حيث لُزّم جمع قمامة البلدات والقرى دون مناقصات، ودون أي دور للقرى والبلديات المعنية، حيث تدفع الكلفة وزارة المالية، ومن حساب البلديات لديها إلى شركة سوكلين، دون رقابة البلديات المعنية، وبغض النظر عن شروط الجمع الدوري للقمامة، ومعالجتها وشروط طمرها في مطمر الناعمة حسب المقاييس البيئية. وأوجد ذلك مشكلة بيئية كبيرة تعانيها بعض قرى الشحار خاصة، وتلويثاً للهواء والمياه الجوفية. وبالرغم من احتجاجات ومؤتمرات عديدة، وتحركات شعبية لتلافي ما يسببه المطمر من مشاكل، وبالرغم من استنفاد طاقة المطمر على استيعاب النفايات، فإن شيئاً لم يتغير، بسبب نفوذ أصحاب شركة سوكلين، وقدرتها على إرضاء أصحاب الأمر في الجبل. ولكل قطاع تقريباً حكاية طويلة في إطار سياسات الخصخصة، مثل خصخصة البنية التحتية في إطار منطقة سوليدير، وإعطاء الشركة حق وضع قوانين خاصة للبناء، وخصخصة التعليم العالي خاصة، عبر الترخيص لعشرات الجامعات الخاصة، وتفتيت الجامعة اللبنانية والتضييق عليها وعلى الجسم التعليمي فيها بغية تقزيم دورها وخفض مستواها العلمي، كما تخصيص وسائل الإعلام المرئي والمسموع عبر الترخيص للعديد من أقنية البت الفضائي لشركات خاصة وتقزيم «تلفزيون لبنان»، بل إطفائه وإلغاء دوره، كما عبر إلغاء مكتب الدواء في وزارة الصحة لمصلحة تجمع شركات استيراد الأدوية ورفع أسعارها إلى ما يفوق نسبة 100% عن معدل الأسعار العالمية، ولائحة الخصخصة الجزئية أو التدريجية تطول كثيراً ولا مجال لطرحها جميعاً في مقال أو محاضرة. غالب أبو مصلح
آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة