«تبنين ـ 2»: تنسيق مع الجيش ويونيفيل بلا كلاب

«ربما كان هناك سوء تفاهم أو بعض الأخطاء، لكن علينا العمل على إعادة الأمور إلى ما كانت عليه». بهذه الجملة، توّج قائد قوات اليونيفيل الجنرال ألبرتو أسارتا، يوماً طويلاً أمضاه بين بيروت والجنوب، محاولاً إثبات اكتسابه الخبرة التي غمز من قناتها وزير الدفاع إلياس المر أول من أمس. فهو لم يكتف أمس بالسير على خطى سلفه كلاوديو غراتسيانو، بعقد اجتماع مع ممثلي الأهالي وقيادة الجيش لمعالجة ذيول الإشكالات، ولا بالجولة على المسؤولين لاستطلاع آرائهم في التطورات، بل تفوّق على كل من سبقه بتوجيه رسالة مفتوحة غير مسبوقة إلى الجنوبيين. بدأ أسارتا يومه جائلاً على الرؤساء ميشال سليمان ونبيه بري وسعد الحريري، فسمع من الأول تمنيه أن «لا تتكرّر أي إشكالات في المستقبل»، ومن الثاني قوله إن «ما حصل أخيراً قد جرى تجاوزه»، وتأكيده «رفع مستوى التنسيق بين اليونيفيل والجيش والتعاون مع الأهالي كما كان ذلك منذ أكثر من ثلاثة عقود». أما الثالث فلم يوزع مكتبه الإعلامي ما قاله للمسؤول العسكري الدولي. واستكمالاً لهذه الجولة، زار ممثل الأمم المتحدة مايكل وليامز، مسؤول العلاقات الدولية في حزب الله عمار الموسوي، وعرضا ـــــ بحسب بيان للحزب ـــــ الحوادث الأخيرة «التي سبّبت قلقاً للأهالي». وجرى التوافق على «استمرار التواصل لمعالجة الوضع على قاعدة إعادة الأمور إلى طبيعتها، وعلى أساس التنسيق الكامل مع قيادة الجيش اللبناني وفق منطق القرار 1701». بالترافق مع ذلك، استقبل الحريري سفراء ثلاث دول مشاركة في اليونيفيل، هي: إسبانيا وفرنسا وإيطاليا. وبعد اللقاء أعلن سفير إيطاليا غبريال كيكيا، أن مهمة القوات الدولية «ستتواصل في أفضل الظروف، ونحن نولي الحكومة ورئيسها الثقة لحل كل المشاكل التي يمكن أن تطرأ في هذا الإطار». وشدد على ضرورة التنسيق المستمر بين الدول المشاركة في اليونيفيل وبينها وبين الجيش. وفي هذه الأجواء، أقدم أسارتا على خطوته التالية، ألا وهي توجيه رسالة عبر الإعلام إلى الجنوبيين، تحدث فيها عن الإدراك لـ«مشاكل العمليات العسكرية في المناطق المدنية»، ورأى أن «الطريقة المثلى للتعامل مع هذه المشاكل، هي مناقشتها مباشرة مع قوات الأمم المتحدة (...) لا من طريق عرقلة عمل قوات حفظ السلام أو ضربهم». وذكر أن أوامره صارمة لأفراد اليونيفيل، باحترام الملكيات والخصوصيات وعدم الإضرار بالبنية التحتية العامة أو الخاصة، والتحدث إلى السلطات والمجتمعات المحلية لإزالة أي سوء فهم. وانطلق من ذلك للقول إن اليونيفيل «أظهرت أقصى درجات ضبط النفس عندما تواجه المدنيين المتوترين». وقال للجنوبيين إن اليونيفيل إلى جانبهم، و«تحاول دائماً بذل قصارى جهدها لمساعدتكم وحمايتكم، وكم كان من الصعب وجود قوة الأمم المتحدة لولا دعمكم القوي». وأكد التعاون مع الجيش «وعلينا أن نضمن أن جميع أنشطتنا منسقة تنسيقاً كاملاً»، لكن «هذا التنسيق لا يعني أن كل واحدة من الدوريات اليومية الـ350 يمكن أن تقترن بالوجود الفعلي للجيش». وبعد الجولة والرسالة، اجتمعت قيادة اليونيفيل في سرايا بلدة تبنين لأكثر من ساعتين مع 13 رئيس بلدية في قضاءي بنت جبيل وتبنين، برعاية وحضور ممثلين عن قيادة الجيش. وخرج أسارتا من الاجتماع ليؤكد أن الحوادث «لن تتكرّر بعد ذلك، وسيجري التنسيق مع الجيش اللبناني والسلطات المحلية قبل قيام اليونيفيل بأي عمل ميداني في القرى والبلدات، باستثناء الأمور الأساسية التي سيجري التنسيق بخصوصها مع الجيش فقط». وأعلن نائب رئيس اتحاد بلديات بنت جبيل رئيس بلدية عيترون سليم مراد، باسم رؤساء البلديات، الحرص الكامل على أفضل العلاقات مع اليونيفيل. وذكر أن رؤساء البلديات شددوا في الاجتماع على ضرورة تنسيق اليونيفيل مع الجيش في كل التفاصيل «فعدم وجود هذا التنسيق هو الذي أدّى إلى الأحداث الماضية». وذكر مراد لـ«الأخبار» أنه جرى التوصل خلال الاجتماع إلى نقاط عدة مهمة، منها: التزام قيادة اليونيفيل بمحاسبة المخلّين بالاتفاق، عدم استخدام الكلاب البوليسية وعدم دخول الأملاك الخاصة، إضافة إلى عدم دخول الدوريات المؤللة إلى الأحياء السكنية والتصوير فيها. وعلمت «الأخبار» أن أكثر ما جرى النقاش فيه هو «ضرورة التنسيق فقط مع الجيش اللبناني، لكن أسارتا احتج على ذلك، مبرّراً احتجاجه بعدم وجود عديد كافٍ من الجيش لمواكبة أعمال

اليونيفيل، فكان الرد من رؤساء البلديات والجيش بأن عدد الجيش (نحو 6000 جندي في الجنوب) كافٍ جداً لهذه المهمة، فوافق أسارتا على مضض». كذلك أثيرت نقطة إطلاق اليونيفيل النار في الإشكالات الأخيرة، باعتباره خطأً يجب ألّا يتكرر، فكان الرد الدولي بأن ذلك كان بسبب انفعال الجنود وخوفهم لدى مهاجمة المدنيين لهم ومحاصرتهم. وعندما برر أسارتا إطلاق النار وصدم دراجة نارية وعدد من السيارات المدنية في قبريخا وتولين بأنه «كان على المدنيين ألّا يتدخلوا مباشرة بأفعال جنود اليونيفيل في قراهم، لأنّ من واجبهم إعلام الجيش بذلك، الذي بدوره ينسّق معنا»، ردّ أحد رؤساء البلديات بأن «ما حدث ما كان ليحدث لو عمدت قوات اليونيفيل إلى التنسيق أولاً مع الجيش، وهذا ما نطالب به». يذكر أن هذا الاجتماع هو الثاني من نوعه، بعد اجتماع عُقد في السرايا نفسها أثناء ولاية غراتسيانو، على خلفية إشكال مشابه مع أهالي بلدة خربة سلم العام الماضي. ولاحقاً، أصدرت قيادتا حركة أمل وحزب الله بياناً أعربتا فيه عن ارتياحهما لمضمون كلام أسارتا بعد الاجتماع «ودعمهما الكامل للخطوات التي اتفق عليها في هذا الاجتماع». ومساءً، حضر الموضوع على طاولة مجلس الوزراء، لكن من وجهتي نظر، حيث تحدث رئيس الجمهورية بالعموم عن التمسك بالـ1701 والحرص على دور اليونيفيل التي وصف علاقتها بالأهالي بأنها جيدة منذ 30 عاماً. لكن رئيس الحكومة بدا متحاملاً على الأهالي، بالقول إن «التعرّض لقوات اليونيفيل غير مقبول»، داعياً إلى احترام الـ1701 «وعدم التسبّب بأي مشكلة مهما كانت مبررات انزعاج الأهالي وتفهمنا لها»... وبالنتيجة، أعرب المجلس ككل عن أسفه «للحوادث الأخيرة» في الجنوب، وشدد على دور القوات الدولية «بحسب ما نصّ عليه القرار 1701، ضمن القواعد المتفق عليها»، وعلى «تدعيم وجود الجيش وانتشاره ضماناً لفاعلية التنسيق».

تبنين ـ داني الأمين

عدد الجمعة ٩ تموز ٢٠١٠ |

آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة