جورج إبراهيم عبد الله في زنزانته الفرنسية بانتظار رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي في الاليزيه، كي يضيء قبس أمل يعيده إلى لبنان. المعتقل السياسي اللبناني يطوي خمسينيات العمر في سجن «لانمزان» الفرنسي، ويمضي في إحدى زنازين أقصى الجنوب الغربي الفرنسي عامه السابع والعشرين، بعيدا عن القبيات مسقط رأسه. نصف حياته في ظلال حكم مؤبد، بعد اتهامه مطلع الثمانينيات بقتل الملحق العسكري الأميركي في باريس عميل الاستخبارات الأميركية الكولونيل شارل راي، بحسب رئيس الاستخبارات الفرنسية آنذاك ايف بونيه، وقتل السكرتير الثالث في السفارة الإسرائيلية عميل الموساد ياكوب بارسينتوف. وكان وفد من حملة التضامن اللبنانية مع جورج إبراهيم عبد الله قد التقى ميقاتي، وهو حدث غير مسبوق في أن تتحدث حكومة لبنانية علنا عن عبد الله، وأن تتقدم بطلب إطلاق سراح أحد مواطنيها، وقد أصبح أحد أقدم السجناء السياسيين في العالم. وأن يصل لبنان الرسمي متأخرا خير من ألا يصل أبدا لمطالبة القضاء الفرنسي بالكف عن سجن عبد الله بعد أن أمضى 13 عاما إضافية كان يمكن للقضاء الفرنسي أن يعفيه منها لو توفرت الإرادة السياسية. والحال أن رئيس الوزراء اللبناني سيحمل معه في زيارته الباريسية مطلع شباط المقبل صوتا رسميا لبنانيا، سينضم للمرة الأولى إلى حملة المطالبة بإطلاق سراحه، بعد انطلاقها قبل 14 عاما. وتتزامن زيارة ميقاتي مع إيداع جاك فرجيس، محامي عبد الله، طلباً ثامناً لإطلاق سراحه، سيدور النقاش حوله مع المسؤولين الفرنسيين. علما أن الجواب الرسمي هو أن الرئيس لا يتدخل بقرارات القضاء الفرنسي المستقل لكن ملف جورج عبد الله لا يرتبط باجتهادات فقهية أو قانونية، وهو ملف سياسي بامتياز. إذ يقول ايف بونيه، رئيس الاستخبارات الفرنسية الأسبق، الذي يعمل اليوم على إطلاق سراحه، لقد «تعرضت فرنسا لضغوط كثيرة ليبقى في السجن الرجل، وإلى الأبد، الذي لم يقتل دبلوماسيين، بل عملاء للاستخبارات الأميركية والموساد» وفي سياق المقاومة للاجتياح الإسرائيلي للبنان. ولكن فقرة في الحكم المؤبد بسجنه تفتح ثغرة قانونية في طلبات إطلاق سراحه. إذ ينص الحكم على حد أدنى من السجن حتى العام 1999. ويترك نص المحكمة عام 1987 مشرعا احتمال إبقائه إلى ما لا نهاية في السجن ورهينة اجتهادات قانونية وحسابات سياسية، تستغلها الضغوط الأميركية خاصة، كما يقول بونيه، للإبقاء على جورج عبد الله في السجن الفرنسي. والرجل، الذي قاد الفصائل الثورية اللبنانية المسلحة باسم المقاومة اللبنانية في الخارج بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، لا يزال يقدم نفسه «مناضلا شيوعيا ومعاديا للصهيونية» ولم يعبر مرة واحدة عن ندم على ما أقدم عليه، وهو ما يتقدم مرافعات المدعين العامين الفرنسيين في ردهم سبعة طلبات رفعها محاميه جاك فرجيس لإطلاق سراحه، «وهو لا يزال يبدي تصميما وثباتا على أفكاره» كما قالت المحكمة التي ردت طلبه الأخير في أيار العام 2009. «جورج إبراهيم عبد الله ليس معزولا عن العالم بأي حال، وهو يعيش حياة مناضل طبيعية وراء جدران سجنه، يقضي وقته بالقراءة، ويتابع بشغف وفضول كبير ما يجري في العالم العربي، وهو يسأل ويتابع الكتب الحديثة الصدور»، تقول رئيسة اللجنة العربية لحقوق الإنسان فيوليت داغر. داغر التي تتحدث إليه هاتفيا من وقت إلى آخر وصفت رجلا متماسكا. وقالت «جورج يرفض الحديث عن مشاغل شخصية أو هموم ذاتية، وهو يعمل على الدوام لمتابعة قضايا الآخرين: في المرة الأخيرة طلب ملفا عن الأسيرات الفلسطينيات». ومع دخول لبنان الرسمي إلى باحة سجن «لانمزان» تتضافر عناصر جديدة للمخاطرة بالقول إن قضية جورج عبد الله لم تعد لافتة يحملها بضعة مناضلين يساريين، شجعان، ولكن معزولين، تحت نافذة وزير العدل الفرنسي في ساحة الفاندوم. وهناك مؤشر أن اختراقا قد يكون تحقق في جدار الممانعة الحكومية الفرنسية لإطلاق سراحه. رئيس لجنة التضامن مع عبد الله، آلان بوAffinityCMS قال إن «وزارة العدل الفرنسية رضخت أخيرا، واستقبلت وفدا من الذين يصيحون تحت نوافذها منذ عشرة أعوام على الأقل مطالبين بالكف عن إطالة مدة سجنه بما يتعدى الحكم المنتهي عام 1999». واستمع موظف لوجهة نظرنا. «هذا الظلم تجاوز كل الحدود، ولا شيء يبرر الإبقاء عليه في السجن، فلنضعه في طائرة وليعد إلى لبنان» يقول بونيه. الجواب لدى القضاة في الأسابيع المقبلة عندما ينظرون في طلب جورج عبد الله الثامن العودة إلى لبنان.
محمد بلوط