نصري الصايغ
ليست الخسارة التي مُني بها الوزير شربل نحاس هي الأولى، وقد لا تكون الأخيرة.. لقد أبعد عن وزارة الاتصالات، وفاز عليه عبد المنعم يوسف، المرشح للفوز دائماً، نظراً لحجم تأييد الكتلة السنية السياسية المتحدة، والمؤلفة من فريق 14 آذار، وفلوله التي تسرّبت إلى 8 آذار. والنتيجة لهذه المعركة، أفضت إلى الخاتمة التعيسة: لا مس بعبد المنعم يوسف، لا حصانة لشربل نحاس، ولو كان على حق ساطع.
هذا هو لبنان. أليس كذلك؟
كان قد حصل إبان معركة «تحرير الطابق الثاني» من مبنى الاتصالات، أن فشل الوزير شربل نحاس في السيطرة على المفاتيح والأقفال. وعاد أدراجه خائباً، بعدما كادت عملية «التحرير» هذه تفضي إلى سقوط ماجينو الهش، بين القوى السنية والشيعية، علماً أن نحاس لا ينتمي إلى أي الطائفتين أو المذهبين، ونزعم أنه نقيّ من لوثة الانتماءات الطائفية... ولعل هذا سبب من أسباب خسائره.
أما خسارته الأخيرة، فلا يمكن تفسيرها بأمور ثانوية، قد تكون ذات أهمية ما في بلدان أخرى، كأن يقال، إنه يتعامل كسوبر وزير، وانه لا يناقش أحداً، وانه عنيد ومستبد برأيه... هذه الاتهامات، ولو صحّت، هي من النوافل السياسية، ولو كان تعظيمها وتفخيمها ووضعها في رأس لائحة الاتهام، قد ذهب إلى اعتبر ان شربل نحاس قد اغتال شربل نحاس سياسياً... ان بنية النظام وقواه السياسية/ الاقتصادية/ المالية/ الطائفية, والتشكيلات الحكومية الهشة، مسؤولة عما حدث في «مذبحة الحد الأدنى للأجور».
لن تكون الأخيرة. سبق أن خسر اميل بيطار معركته ضد محتكري الدواء، في حكومة «الثورة من فوق»، التي ألفها صاحب شعار: «وطني دائماً على حق»، المرحوم سليمان فرنجية. صدّق البيطار منطق الثورة من فوق، فأطاحته السلطة السياسية، تنفيذا لأوامر المافيات الدوائية... مات البيطار قهراً، ولا تزال الاحتكارات الدوائية تقهر اللبنانيين، وتكبدهم أموالاً طائلة.
قبله، هزم التجار الوزير الياس سابا. وهذا الاخير، برغم العلاقة الوطيدة بينه وبين الرئيس فرنجية، لم يستطع أن يقلل ولو قليلاً جداً من احتكارات التجار وأرباحهم المستفحلة... طار سابا، وطارت بعده الرسوم الجمركية, وأفلت البلد للتجار الحاكمين سعيداً إلى هذه اللحظة، برعاية الرئيس الأول آنذاك، وصولا إلى كل الرؤساء السابقين والحاليين، في المواقع كافة.
لم يخسر شربل نحاس معركته في تصحيح الأجور، لأن «خيانة» عونية قد حصلت ذات عشاء، أو لأن برطيلا قد دفع لصندوق البترون، فهذه ايضا من النوافل. لقد اصطدم شربل نحاس، اليساري العقلاني الجديد، (اليساريون القدامى، انتهازيون ويحتمون بالطوائفيين الذين يسمحون لليسار بأن يتكلم يساراً لا أن يسلك يساراً، لذلك كانوا يميناً سرياً في عسكر اليمين العلني). اصطدم نحاس بالنظام كله. وهو نظام محمي جداً، ومتاريسه متعددة، ووسائل دفاعه فعّالة. نظام يجد حمايته في حريرية مالية سياسية مقيمة في رثة الاقتصاد وضلوع السياسة وشرايينها الطائفية... نظام يسير على العمياني، تشريعاً وسياسة وقضاء، لتوفير الحمايات الضرورية، للأقوياء فقط: الأقوياء في أموالهم وفي طوائفهم وفي مصارفهم وفي تجاراتهم وفي عصاباتهم المافيوزية المنتشرة في مفاصل الادارة، من حارس البناء إلى رأس الهرم الاداري. فالوزاري، ومن أصغر النقابات إلى رأس اتحادها العمالي.
هذا جدار برلين يا شربل، لا تقوى عليه يساريتك الناصعة، إنما المحاطة بيمين طائفي ومالي وصناعي، يزعم أنه يريد تغييراً وإصلاحاً. لا هو قادر على ذلك، ولا أنت، ولا حتى حليفهم القوي «حزب الله». هذا النظام، ليس بيتاً واهياً من عنكبوت، إنه حلف ملتحم، حلف يضم أرباب الاستبداد الطائفي والمذهبي والسياسي والمالي والاقتصادي، إضافة إلى زبائن السوق وقياداته.
هل تستطيع أن تهزمهم جميعاً، وحدك؟ هل هذا ممكن من دون ثورة من تحت، وهذه ثورة لن تحضر، لأن شعوبنا المضطهدة، تحب مضطهديها وتهتف بأسماء مستبديهم وحيا
لا نريدك أن تخسر أكثر... نحن معك... حتى إذا خسرت، فهذا شرف ننتسب إليه بالأخلاق.
23/01/2012