Hiba Awar

Hiba Awar

تجري اتصالات بين عدد كبير من النقابات العمّالية والنقابيين لإطلاق تحرّك ينزع عن قيادة الاتحاد العمّالي العام الحالية صفة تمثيل العمّال. هذه الاتصالات تأتي كرد مباشر على ما سمّي بالاتفاق “الرضائي” مع هيئات أصحاب العمل

محمد زبيب

في منتصف كانون الأول الماضي، خرجت صرخة «مكبوتة» من نقابة عمال وأجراء مرفأ طرابلس: «عليكم يا قيادة الاتحاد العمّالي العام الاستقالة فوراً خدمةً لمصحلة العمال... آن الأوان لأن تستريحوا، كفاكم فشلاً وإخفاقاً، وكفاكم استخفافاً بعقول الناس... نريد أن نعلمكم، ونعلم الجميع، بأنه ليس لنا عداوة مع أحدكم، ولا نقصد الإساءة إلى أحدكم، بل نحن نتحدث عن أدائكم الذي هو أداء سياسي وحزبي بامتياز، وليس عملاً نقابياً بحتاً... لذا لن نسكت بعد الآن، لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، وسندافع عن الطبقة العاملة والمناضلة بلقمة عيشها».

هذه الصرخة لم تلق الصدى يومها، فما بقي من نقابات حقيقية ونقابيين حقيقيين، هم إمّا محبطون ومستسلمون لليأس، وإمّا مراهنون على أن تواطؤ قيادة الاتحاد العمّالي وتبعيتها السياسية المطلقة وانصراف أعضائها الى «نتش» مكاسب «هزيلة» من هنا وهناك... لا يمكن في أي حال أن تبلغ درجة تُقدم فيها هذه «القيادة» على المجاهرة علناً بوقوفها ضد العمّال ومصالحهم وحقوقهم الثابتة. اعتقد هؤلاء النقابيون أنهم أمام حالة شبيهة بالحالات السابقة، عندما كانت هذه «القيادة» تكتفي بالتفرّج وتمارس التقصير الممنهج وتغيب عن ساحات نضال العمّال الذين يتعرّضون كل يوم لهجمات تستهدف النيل من مكاسبهم، تماماً كما فعلت هذه «القيادة» عندما لم تتخذ أي موقف ضد إدارة شركة طيران الشرق الأوسط التي هددت الحق في الإضراب من خلال حسم أيام الإضراب من رواتب الطيارين!

ما جرى لاحقاً في ملف تصحيح الأجور، أعاد التذكير بصرخة نقابة عمال وأجراء مرفأ طرابلس، فقيادة الاتحاد العمّالي تخلّت عن «غيابها» لتنزل الى الساحة وتتحالف مع هيئات أصحاب العمل ضد مطالب العمّال، وذهبت، بإيعاز من مشغّليها، الى توقيع اتفاق «إذعان» يغطّي عملية قرصنة جزء حيوي من الأجر، يُسمّى بدل النقل، إذ إن رفض هذه القيادة اعتبار «بدل النقل» عنصراً من الأجر، لا يعني سوى قبولها أن يبقى نصف الأجراء في القطاع الخاص محرومين إيّاه، أي إنها قدّمت التغطية الكافية لتلك المؤسسات «المحمية» التي تسلب نحو نصف مليار دولار سنوياً من حقوق الأجراء، وتضيفها الى أرباحها غير المشروعة.

لعل وصف «الاتفاق الرضائي» بأنه تاريخي، هو وصف صحيح، إذ إنه لأول مرّة في التاريخ يقف من يدّعي تمثيل العمّال موقفاً منحازاً ضد تحسين مكاسب من يمثّلهم، فقيادة الاتحاد العمّالي تتمسك برفع الحد الأدنى للأجور الى 675 الف ليرة، وترفض رفعه الى 800 الف ليرة، بحسب ما يطرح «وزير العمل»، الذي هو في هذه الحالة يمثّل «السلطة»، أو هكذا يُفترض. وتتمسك بزيادة هزيلة مقطوعة على الأجر، وترفض تصحيح الأجور تصحيحاً فعلياً يعوّض جزءاً مهمّاً من خسائره التي مني بها نتيجة السياسات الجائرة منذ بداية عقد التسعينيات الماضي حتى اليوم، وتتمسّك بتشويه مفهوم الأجر، وترفض تحصينه وتحصين حقوق العمّال بالقانون! نعم هذا أمر لم يحصل في التاريخ.

في ظل هذا المشهد «السريالي»، بدأت تظهر ملامح تحرّك نقابي ضد هذه «القيادة»، إذ أخذت هيئة التنسيق النقابية المبادرة، ولا تزال، وباتت تتحدث باسم جميع العمّال والمستخدمين، وليس فقط باسم الأساتذة والمعلمين وموظّفي الإدارات العامّة. وهي في صدد الإعلان عن تحرك في الأسبوع المقبل، كما بدأت الاتصالات تتكثّف لإنشاء أُطر نقابية بديلة، ومن المقرر أن تلتقي مجموعة واسعة من النقابات والنقابيين في مقر الاتحاد الوطني لنقابات العمّال بعد ظهر الاثنين، لاستكمال البحث، كما بدأت تظهر دعوات من مجموعات شبابية مصدومة لاحتلال مقر العمّال، وطرد محتلّيه منه تحريراً لإرادة العمّال ومطالب الشباب المقصيّين من سوق العمل. وبدأت نقابات حقيقية ترفع الصوت عالياً «لأن السكوت أصبح جريمة بحق الطبقة العاملة وأصحاب الدخل المحدود»، وهو ما أعلنته نقابة موظفي المصارف في لبنان أمس، التي رفضت مساهمة الاتحاد العمّالي في نقل ملف الأجور الى الأروقة الضيقة، الذي كانت حصيلته «في إحدى الليالي الظلماء» تسوية همايونية، فقد رأت النقابة «أن الاتفاق الذي عُقد بين هيئات أصحاب العمل والاتحاد العمالي «غير مقبول»، مؤكّدة «أن ما تقدم به وزير العمل شربل نحاس لجهة بدل النقل هو مطلب «حقيقي»، واستغربت كيف تتمسك الهيئات ببدل النقل بعد الطعون التي تقدمت بها أمام مجلس شورى الدولة.

وأصدر رئيس مجلس المندوبين السابق في الاتحاد العمّالي العام أديب أبو حبيب بياناً وصف فيه رئيس الاتحاد العمالي بأنه «مدافع شرس عن مصالح أصحاب الأعمال»، واتهمه بالانحراف عن قرارات المؤتمرات النقابية لمصلحة الانسجام كلياً مع «الخلطة السحرية» للاتفاق المبتور بتصحيح الأجور. وأسف أبو حبيب لوقوف قيادة الاتحاد العمّالي ضد الاقتراحات التي تقدم بها وزير العمل بإعادة الاعتبار الى الأجور، مشيراً إلى «أنها فعلاً مهزلة ترتكب بحق تاريخ الحركة النقابية التي لم تساوم ولا مرة على حقوق العمال». ودعا النقابات والاتحادات إلى رفض الممارسات البهلوانية من قبل غسان غصن حفاظاً على تاريخ الاتحاد النضالي.

وكان الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين قد أعلن وقوفه الى جانب مشروع نحاس بخصوص الأجر الاجتماعي وضم بدل النقل، ودان موقف غسان غصن، «لكونه يراعي مصلحة أصحاب العمل والاحتكارات على حساب مصلحة الطبقة العاملة».

وتكررت المواقف المماثلة من عدد كبير من الاتحادات والنقابات العمّالية التي وجدت في موقف غسان غصن تماهياً مع الحملة الشرسة على وزير العمل، لكونه يقف إلى جانب العمال والموظفين، واستعادة حقوقهم الكاملة في الأجر الذي سرق منهم منذ عام 1995. فدعا اتحاد نقابات عمّال البناء والأخشاب الى قيام جبهة نقابية عمالية قادرة على استعادة الحقوق المشروعة للعمال. وصدرت سابقاً مواقف مماثلة من اتحاد نقابات عمّال البقاع واتحاد نقابات عمال الصناعات الغذائية واتحاد نقابات عمّال شركات الطيران (التي ينتمي اليها غصن نفسه). كذلك فعل الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان، الذي أعلن «أن المعارضة العمالية النقابية أعطت التفويض الكامل لهيئة التنسيق النقابية للتفاوض في لجنة المؤشر، وأن الخطوات والتحركات المقبلة ستكون مشتركة».

بيار أبي صعب

أنا يساري. أرتّب فراشي كل صباح، وأطعم القطّين الصديقين، وأعيد الأشياء إلى مكانها بعناية فائقة. أسلوب حياتي «الفردي» خلاصة تجربة، وطبيعة شخصيّة، وخيارات ذاتيّة، وهو لا يحول دون الانتماء إلى الجماعة. المصادفات التي شاءت أن أمتلك «رصيداً ثقافيّاً» حسب بيار بورديو، لا تنسيني موقعي الطبقي. الجانب «المترف» من حياتي أيضاً (كل شيء نسبي!)، لم أحصل عليه بسهولة، ويمكنني أن أضحّي به في سبيل قناعاتي. مثل جورج براسنز لا أسير في القطيع، وأتعاطف مع الخاسرين، وأتماهى مع ضحايا الظلم، وأقدّس التنوّع والاختلاف، و«أدين بدين الحبّ» على طريقة الشيخ الأكبر. أنا يساري خرجت من طائفتي ولم أعد، وقطعت مع عشيرتي لأكون مواطناً وإنساناً. وأعدت اختراع عائلتي على أسس لا علاقة لها بالعصبيّة وعلاقات الدم. أنا يساري تربطه علاقة نقديّة بالقيم السائدة، وبكل أشكال السلطة. يعتنق الفلسفة الماديّة، ويتعامل مع الأديان بكثير من الاحترام والفضول. ناموسي لا ينهل من فكر غيبي، بل يستند إلى التراث العقلاني الذي يتخذ من الإنسان مقياساً وقيمة مرجعيّة.

أنا عربي رضع من ثدي ماريان (شفيعة الثورة الفرنسيّة)، يؤمن بالحريّة والمساواة والعدالة هدفاً سامياً، وبالدولة ومؤسساتها وقوانينها الوضعيّة إطاراً يتسع للجميع، ويساوي بين الجميع.

المؤسسة العائليّة لا تتسع لسعادتي، فالطرق إلى السعادة مختلفة ومتباينة. أحبّ الريف وأهله، وأطالب بتنميته وحماية البيئة، لكنّني لا أجد نفسي إلا في المدن الكبرى، بصخبها وهديرها وتنوّعها. لا أفرّق بين امرأة محجّبة وأخرى بالميني جوب. أجمع بين الطقوس المتعويّة والصوفيّة. أؤمن بالحريّة الجنسيّة القصوى التي لا حدود لها سوى الكرامة الإنسانيّة. أكره «الشعبويّة» فهي سرير الفاشيّة. أنا علماني يحبّ حسن نصر الله، وأممي ينتمي إلى فكر المقاومة، وديموقراطي يحذر من الهدايا المسمومة التي يعدنا بها الغرب الاستعماري. أنا يساري يفضّل ياسين الحافظ على برهان غليون، وميشيل كيلو على المنصف المرزوقي، وفاروق عبد القادر على جابر عصفور، وتروتسكي على جدانوف. أنا يساري يحبّ عبّاس بيضون (عفواً يا سعدي!)وسعدي يوسف طبعاً، ونزيه أبو عفش. أصدقاؤه من المحافظين والليبراليين أيضاً. أنا تلميذ جوزف سماحة.

… لكن لا تقولوا لإبراهيم الأمين إنّي يساري، فهو يظنّني من هواة السهر في حانات الجمّيزة.

العدد ١٦٠٩ السبت ١٤ كانون الثاني ٢٠١٢

المشهد في اجتماع لجنة المؤشّر أمس كان «سوريالياً» بامتياز! ممثلا العمّال كانا يتماهيان كلياً مع ممثلي أصحاب العمل، وتصرّفوا كفريق واحد، فأصرّوا على تحديد الحدّ الأدنى للأجور بـ 675 ألف ليرة، رافضين رفعه إلى 800 ألف ليرة بحسب مشروع وزير العمل

الأجواء قبيل اجتماع لجنة المؤشّر أمس لم تكن تشي بالفشل الذريع الذي انتهى إليه؛ فالاتصالات السياسية مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي ورئيس تكتل التغيير والإصلاح ميشال عون وقيادة حزب الله، التي جرت بعيد صدور الرأي «الإيجابي» من مجلس الشورى بشأن مشروع مرسوم تصحيح الأجور الأخير، أعطت انطباعاً بأن الأمور تتجه إلى الحسم السريع، وأن اجتماع اللجنة سيخلص إلى التوافق السهل على الصيغة القانونية لترجمة الاتفاق «الرضائي» الموقّع بين قيادة الاتحاد العمّالي العام وبعض هيئات أصحاب العمل... إلا أن الحصيلة جاءت مناقضة تماماً لهذا الانطباع؛ فقد بدا أطراف هذا الاتفاق غير مستعدين لأي نقاش «يقونن» اتفاقهم، مضفين عليه طابع «القداسة»، رغم أن آراء الجميع في الاجتماع، بمن فيهم هذه الأطراف نفسها، كانت متفقة على عدم قانونيته واستحالة موافقة مجلس الشورى عليه لمخالفته القوانين والاتفاقيات الدولية التي صدّق عليها لبنان. وهذا ما أثار تساؤلات كثيرة عن حقيقة مواقف الأطراف السياسية ومدى رغبتها في الوصول بملف تصحيح الأجور إلى خاتمة سعيدة تسمح بصون الأجر وتصحيحه بعد 16 عاماً من التشويه المتواصل الذي أضرّ بمصالح الأُجراء والاقتصاد معاً.

فالأجواء الإيجابية التي عكستها الاتصالات السياسية لم تظهر في مواقف الأطراف المعنية داخل الاجتماع، بل بالعكس، بدا أن هناك نيات مسبقة لإفشال الجهود الحثيثة والمضنية التي بذلها وزير العمل شربل نحّاس للوصول إلى صيغة مقبولة من الجميع؛ إذ إن هذه الجهود اصطدمت بما يشبه الحلف الوثيق بين رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن وممثلي هيئات أصحاب العمل، إلى درجة أن ممثلي هيئة التنسيق النقابية والخبراء المدعوين إلى المساهمة في النقاش أعربوا عن استغرابهم الشديد لهذا المشهد «السوريالي» الذي جعل ممثل العمّال يتماهى كلياً مع مواقف أصحاب العمل الرافضة لأي صيغة قانونية تُنهي بدعة بدل النقل وتعيد الاعتبار إلى مفهوم الأجر وتوفّر الحماية المطلوبة للأُجراء في القطاعين العام والخاص.

هذا الموقف السلبي المسبق لدى ممثلي أصحاب العمل ورئيس الاتحاد العمّالي منع النقاش من تجاوز نقطته الأولى المتمثّلة بتحديد الحد الأدنى للأجور، وهو ما دفع الوزير نحّاس إلى تعليق الاجتماع، بعد أربع ساعات ونصف ساعة من النقاشات المتواصلة، داعياً المشاركين إلى التشاور مع مرجعياتهم قبل حسم الموقف نهائياً في جلسة نهائية ستعقد عند الرابعة من بعد ظهر اليوم، محذّراً من أن الفشل سيكون مكلفاً على الجميع؛ لأنه سيفوّت فرصة نادرة متاحة الآن لتصحيح كل الاختلالات التي اعترت سياسة الأجور في السنوات الخمس عشرة الماضية.

كيف بدأ النقاش؟ وكيف انتهى؟

بداية، عرض وزير العمل مشروع المرسوم الجديد ورأي مجلس شورى الدولة الإيجابي فيه، فأوضح أن هذا المشروع يحدد الحد الأدنى للأجور بمبلغ 800 ألف ليرة، وهذا الرقم بني على المادة 44 من قانون العمل التي تنص على وجوب أن يكون الحد الأدنى كافياً ليسد حاجات الأجير الضرورية وحاجات عائلته، مشيراً إلى أن الدراسات بيّنت أن خطّ الفقر الأعلى في لبنان يراوح ما بين 820 ألفاً و870 ألف ليرة شهرياً. ولفت نظر المشاركين إلى أن الحد الأدنى المقترح يتطابق مع ما توصّل إليه الاتفاق بين الاتحاد العمّالي والهيئات الاقتصادية، إلا أنه يضعه في إطاره القانوني؛ فالاتفاق المذكور ينص على تحديد الحد الأدنى بمبلغ 675 ألف ليرة، إلا أنه يُبقي بدل النقل خارجه، وبالتالي يعرّض أكثرية الأجراء لمخاطر عدم الاستفادة منه، فضلاً عن أن مجلس شورى الدولة اعتبر مراراً وتكراراً أن التدخّل في تحديد بدل النقل باطل وغير قانوني، وشرح وزير العمل أن الحجج التي يستند إليها ممثلو أصحاب العمل لرفض رفع الحد الأدنى إلى 800 ألف ليرة سقطت بموجب الاتفاق الذي وقّعوه؛ إذ إن الكلفة الفعلية المترتّبة على المؤسسات ستكون أدنى في صيغة مشروع المرسوم المقترح بالمقارنة مع الاتفاق المذكور؛ ففي الصيغة الأولى تبلغ الكلفة نحو 968 ألف ليرة (بعد احتساب الاشتراكات المستحقة لصندوق الضمان بنسبة 21%)، في حين أنها تبلغ في الاتفاق 999 ألف ليرة؛ إذ إن الحد الأدنى المقترح من هيئات أصحاب العمل يبلغ 675 ألف ليرة، تُضاف إليه اشتراكات الضمان بقيمة 142 ألف ليرة وبدل نقل بقيمة 182 ألف ليرة.

لم تكن هذه التوضيحات كافية؛ إذ أعلن ممثلو أصحاب العمل رفضهم لأي تعديل في قيمة الحد الأدنى المقترح من قبلهم، بذريعة أن رفعه إلى 800 ألف ليرة يضرّ بجاذبية لبنان للاستثمار، وهو ما حاجج به أكثرية المشاركين، مشككين في هذه الحجّة، باعتبار أن المستثمرين ليسوا أغبياء لكي لا ينتبهوا إلى أن الحد الأدنى الفعلي بعد إضافة بدل النقل هو أعلى من الحد الأدنى المعلن، وهذا ما دفع ممثل هيئة التنسيق النقابية نعمة محفوض إلى اتهام ممثلي أصحاب العمل بأنهم يريدون «بلف» العمّال، لا المستثمرين، معتبراً أن إصرارهم على عدم التخلّص من بدعة بدل النقل هدفه تغطية المؤسسات وأصحاب العمل الذين يمتنعون عن تسديد بدل النقل ويحرمون الأُجراء جزءاً مهماً من أجورهم.

المفاجأة كانت بتبنّي رئيس الاتحاد العمّالي غسان غصن لوجهة نظر ممثلي هيئات أصحاب العمل، فدافع عن اتفاقه معهم، ورفض أن يعلن موافقته على الصيغة القانونية، مفضلاً أن يبقى بدل النقل خارج الأجر، ولم يعر أي اهتمام للتوضيحات بأن مجلس شورى الدولة يتجه إلى إبطال كل المراسيم السابقة التي تحدد هذا البدل، متذرّعاً بأن هذا البدل هو حق مكتسب ولا يمكن أحداً أن يبطله، علماً بأن الخبير الاقتصادي كمال حمدان أوضح أن لديه دراسة تفيد بأن نسبة كبيرة من الأُجراء لا تتقاضى بدل النقل أصلاً، ووعد المشاركين بتزويدهم بهذه الدراسة في جلسة اليوم.

واضطر الوزير نحّاس إلى تعليق الاجتماع ثلاث مرّات لكي يمنح الأطراف المشاركة فرصة للتباحث انفرادياً قبل حسم المواقف، معتبراً أنه بذلك يمنح التوافق فرصاً إضافية. لكن اللافت أن غصن كان ينفرد في كل مرّة بممثلي أصحاب العمل ويعود معهم إلى تكرار الموقف نفسه، أي رفض صيغة إلغاء بدل النقل ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 800 ألف ليرة والتمسك بالاتفاق الذي ينص على تحديده بمبلغ 675 ألف ليرة. وهذا الموقف السلبي المتصلّب منع المشاركين من الانتقال إلى النقاط الأخرى المتعلّقة بتحديد نسبة غلاء المعيشة وتحديد الشطور التي سيصيبها التصحيح، ما دفع الوزير نحّاس إلى التذكير بأنه أعلن في مجلس الوزراء سابقاً أنه لن يوقّع أي مرسوم ينطوي على مخالفة قانونية، فردّ رئيس جمعية تجّار بيروت نقولا شمّاس، بأن موقف الهيئات واضح: الحدّ الأدنى بـ675 ألف ليرة، ونقطة على السطر. فيما أعلن غصن أن الاتحاد العمّالي العام يتمسك بالاتفاق مع أصحاب العمل ما داموا لم يوافقوا على صيغة نحاس.

انتهى الاجتماع إلى الفشل، وخرج نحّاس ليوضح أمام وسائل الإعلام أن الصيغة القانونية لترجمة الاتفاق بين هيئات أصحاب العمال والاتحاد العمالي تعني أن لا يتكبّد أصحاب العمال أكثر مما التزموا دفعه، وأن لا يحصل الأُجراء على أكثر مما وافق عليه الاتحاد العمّالي... وهذا ما حاولنا القيام به، وأيّدنا فيه مجلس شورى الدولة؛ عبر العودة إلى احتساب نسب ارتفاع الأسعار منذ آخر تصحيح قانوني للأجر حصل في مطلع عام 1996وإلغاء بدعة بدل النقل من دون ترتيب أي كلفة إضافية مقارنةً بما رتبه الاتفاق المذكور. لكن للأسف لم نلقَ من الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام، على خلاف ما لقيناه من هيئة التنسيق النقابية، تأييداً يفضي إلى تحقيق هذا الإنجاز.

(الأخبار)

السفير: أعلن وزير العمل شربل نحاس، في اللقاء الحواري الذي جمعه مساء امس مع الشباب في الأونيسكو، بدعوة من اتحاد الشباب الديموقراطي، انه لن يمنح توقيعه لأي مرسوم يخالف الدستور والقوانين ولا يراعي الحاجة الى تحصين الأجر وتصحيحه وقال: لقد خضنا معركة جدية لتضمين البيان الوزاري التزامات لتصحيح النمط الاقتصادي، وما نشهده اليوم محاولات متواصلة للالتفاف على هذه الالتزامات والسعي الى إجهاضها. قلنا إننا قد نرتضي تحمل إرث الدين العام ولكننا لن نرتضي ابداً أن نستمر بتحمل النتائج التي ترتبت على الارتهان لهذا الإرث. وأضاف: إن الشباب عليهم ان يحملوا مشروعاً للدولة في لبنان، ان لا يرضخوا لعملية التكييف التي يريدون إخضاعهم لها تحت عنوان «استحالة الدولة في لبنان» أو الدولة غير موجودة او «الدولة تاجر فاشل» الى ما هناك من مصطلحات يتم ترويجها للمحافظة على هذا النمط.

ودعا الشباب الى «أن ينخرطوا اكثر في الحياة السياسية (الاحزاب والنقابات والانتخابات..)، إن ما حصل في العقود الماضية ليس فقط التخصص بتصدير الشباب وإنما أيضاً بتهميش الشباب المحكومين بالبقاء هنا وجعلهم اسرى اليأس والإحباط والكفر بإمكانية تحقيق ولو خرق بسيط. والخرق ممكن، لقد طرحنا مشروع التغطية الشاملة لجميع اللبنانيين المقيمين انطلاقاً من إيماننا بهذه الإمكانية في المرحلة الراهنة، فالهدف من هذا المشروع ليس تأمين حق ثابت للبنانيين فحسب، بل فرض تصحيح كبير في النظام الضريبي والإنفاق العام، إن طرحنا لهذا المشروع ارتبط بطرح ضريبة على الربح العقاري بنسبة لا تقل عن 25% ورفع الضريبة على ربح الفوائد الى ما لا يقل عن 15%، وبالتالي نقل مبالغ لا تقل عن 3 آلاف مليار ليرة من الريوع الى الأسر والإنتاج من خلال خفض كلفة الصحة وإطلاق برنامج استثمارات عامة في النقل والكهرباء والمياه والاتصالات، وهو ما يساهم في خفض كلفة الإنتاج وكلفة المعيشة وخلق فرص عمل تحدّ من البطالة والهجرة».

وأنهى نحاس بالقول: هذه هي مقاربتنا الاساسية، ولكن للأسف، لا الهيئات الاقتصادية، ولا الاتحاد العمالي العام تعاملا بجدية مع هذه المقاربة، بل بالعكس بدأ التركيز على كلفة تصحيح الأجور على الاقتصاد، من دون اثارة اي اهتمام بآليات تخفيض هذه الكلفة والدفع نحو تصحيح بنية الاقتصاد نفسها لتصبح اكثر تلاؤماً مع حاجات اللبنانيين.

أعلن وزير العمل شربل نحاس في اللقاء الحواري الذي جمعه مساء اليوم مع شباب في الاونسكو، انه لن يمنح توقيعه لأي مرسوم يخالف الدستور والقوانين ولا يراعي الحاجة الى تحصين الاجر وتصحيحه.

وقال "لقد خضنا معركة جدية لتضمين البيان الوزاري التزامات لتصحيح النمط الاقتصادي، وما نشهده اليوم محاولات متواصلة للالتفاف على هذه الالتزامات والسعي الى اجهاضها، وقلنا اننا قد نرتضي تحمل ارث الدين العام ولكننا لن نرتضي ابدا ان نستمر بتحمل النتائج التي ترتبت على الارتهان لهذا الارث".

ولفت الى ان "الشباب عليهم ان يحملوا مشروعا للدولة في لبنان، ان لا يرضخوا العملية التكييف التي يريدون اخضاعهم لها تحت عنوان "استحالة الدولة في لبنان" أو الدولة غير موجودة او "الدولة تاجر فاشل" الى ما هناك من مصطلحات يتم ترويجها للمحافظة على هذا النمط".

واكد وزير العمل ان "على الشباب ان ينخرطوا اكثر في الحياة السياسية (الاحزاب والنقابات والانتخابات..)"، معتبرا "ان ما حصل في العقود الماضية ليس فقط التخصص بتصدير الشباب وانما ايضا بتهميش الشباب المحكومين بالبقاء هنا وجعلهم اسرى اليأس والاحباط والكفر بإمكانية تحقيق ولو خرق بسيط. والخرق ممكن، وقد طرحنا مشروع التغطية الشاملة لجميع اللبنانيين المقيمين انطلاقا من ايماننا بهذه الامكانية في المرحلة الراهنة، فالهدف من هذا المشروع ليس تأمين حق ثابت للبنانيين فحسب، بل فرض تصحيح كبير في النظام الضريبي والانفاق العام، اذ طرحنا لهذا المشروع ارتبط بطرح ضريبة على الربح العقاري بنسبة لا تقل عن 25% ورفع الضريبة على ربح الفوائد الى ما لا يقل عن 15%، وبالتالي نقل مبالغ لا تقل عن 3 آلاف مليار ليرة من الريوع الى الاسر والانتاج من خلال خفض كلفة الصحة واطلاق برنامج استثمارات عامة في النقل والكهرباء والمياه والاتصالات، وهو ما يساهم في خفض كلفة الانتاج وكلفة المعيشة وخلق فرص عمل تحدّ من البطالة والهجرة".

واعلن نحاس ان "هذه هي مقاربتنا الاساسية، ولكن للأسف، لا الهيئات الاقتصادية، ولا الاتحاد العمالي العام تعاملا بجدية مع هذه المقاربة، بل بالعكس بدأ التركيز على كلفة تصحيح الاجور على الاقتصاد، من دون اثارة اي اهتمام بآليات تخفيض هذه الكلفة والدفع نحو تصحيح بنية الاقتصاد نفسها لتصبح اكثر تلاؤما مع حاجات اللبنانيين".

الأخبار: كشف وزير العمل أنّه أرسل مشروعاً جديداً لتصحيح الأجور إلى مجلس شورى الدولة مرفقاً بمطالعة قانونيّة؛ إذا كان رأي المجلس إيجابياً يحطّ المرسوم على طاولة مجلس الوزراء. معركة تحصين الأجور مستمرة إذاً من جانب شربل نحاس

حسن شقراني

أرسل وزير العمل، شربل نحاس، مشروعاً جديداً لتصحيح الأجور إلى مجلس شورى الدولة، وطلب رأيه «مسبقاً»، وفق الأصول، قبل إحالته إلى مجلس الوزراء، مرفقاً بالرأي المذكور.

وبحسب المعلومات المتوافرة لـ«الأخبار»، فإنّ صيغة المشروع الجديد لا تشير بأي حال من الأحوال إلى بدل النقل، وتتعامل معه كأنّه غير موجود، إلّا أنّها تهدف إلى المحافظة على حقوق الأجراء والموظّفين بقيمة هذا البدل ضمن أجورهم، إضافةً إلى تصحيح الأجور بنسب معينة.

ووفقاً للمعلومات نفسها، فإنّ الصيغة المقترحة تعتمد عام 1995 كأساس، أي منطلقاً لاحتساب نسب ارتفاع الأسعار التي بلغت 100% منذ ذلك التاريخ، على أن يتم تنزيل قيمة الزيادة المقطوعة المقررة في عام 2008 بقيمة 200 ألف ليرة بوصفها سلفة. وتقضي هذه الصيغة بتصحيح الأجور بنسبة 100% على الشطر الأول وبنسبة 25% على الشطر الثاني، على أن يتم رفع الحد الأدنى للأجور الى 800 ألف ليرة.

تأتي هذه الصيغة بعد ثلاثة مشاريع مراسيم متتالية، رفض مجلس الشورى الموافقة عليها، لذلك تم إعداد مشروع المرسوم الجديد بالاستناد الى رأي مجلس الشورى الذي اعتبر أن المراسيم الصادرة منذ عام 1996 غير واقعة في موقعها القانوني.

وأعلن نحّاس أمس أنه لن يوقّع على أي مرسوم يخالف الدستور والقوانين ولا يراعي الحاجة إلى تحصين الأجور وتصحيحها معاً، واضعاً بإعلانه خطّاً فاصلاً بين ما يجب فعله للحفاظ على حقوق العمّال والمستخدمين في القطاعين الخاص والعام وبين ما يجري تداوله من صفقات وتسويات تحت مسمّيات مختلفة، منها «الاتفاق الرضائي» بين قيادة الاتحاد العمالي وبعض هيئات أصحاب العمل.

وقال نحّاس، في لقاء حواري مع الشباب في الأونيسكو أمس بدعوة من «اتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني»، إن هذا الاتفاق ــ الرضائي ــ لا يلبي المصلحة العليا وينطوي على مخالفات سبق لمجلس شورى الدولة أن أشار اليها في الآراء الاستشارية الثلاثة السابقة.

ما هي الخيارات إذاً؟ شدّد نحّاس في حديث مع «الأخبار» على هامش اللقاء على أنّه لم يعد أحد يستطيع أن يتجاوز وقائع جديدة طرأت على النقاش، أهمها اتجاه مجلس شورى الدولة لإبطال مراسيم بدل النقل والمنحة التعليمية، ولذلك لم يعد هناك خيار أسرع وأفضل من العودة إلى عام 1995 سنة أساس وتصحيح الأجور بنسبة ارتفاع الأسعار منذ ذاك الحين، وذلك بما يضمن للأجراء المحافظة على أجورهم بعد بطلان بدل النقل وتصحيحها بمعدّلات قابلة للتطبيق ولا تتسبب بأي ضرر فعلي.

وفي خطوة تنفيذية لهذا التوجّه، أرسل نحاس إلى مجلس شورى الدولة صباح أمس، مشروع مرسوم لتصحيح الأجور مرفقاً بمطالعة قانونية لدراستها. وبحسب المعلومات المتوفّرة فإنّ المشروع أرسل إلى مجلس شورى الدولة لأخذ رأيه مسبقاً، فإذا كان إيجابياً ــ استناداً إلى المطالعة القانونية ــ يُرسل المشروع إلى مجلس الوزراء لإقراره.

ويقوم المشروع على إجراء تصحيح للأجور استناداً إلى نسبة غلاء معيشة تبلغ 100% تطاول الشطر الأوّل ونسبة أقلّ تطاول الشطر الثاني.

ويأتي موقف وكلام وزير العمل رداً على معلومات متداولة تفيد بأن هناك مساعي للتوفيق بين مشروعه والاتفاق الرضائي المذكور. فهو ينفي علمه بهذا الأمر ويقول: كيف يمكن التوفيق ما لم يكن هناك حلّ لمسألة بدل النقل واعتباره عنصراً في الأجر؟ فالخلاف الفعلي يكمن في هذه المسألة تحديداً، وبالتالي فإن أي فكرة تضمن عدم تعريض الأجراء لمخاطر خفض أجورهم سيكون مرحباً بها.

لكن هل لا يزال شربل نحاس يشعر بالثقة تجاه مجلس شورى الدولة بعد ما حصل أخيراً؟ سؤال يتبادر إلى ذهن الكثيرين ــ وعملياً في ذهن الجميع، إذ إنّ الجميع يرغب بمعرفة إلى ما ستؤول إليه معركة تصحيح الأجور فعلياً. يُجيب وزير العمل: ستبقى ثقتي بمجلس الشورى كما ثقتي بالدولة وبالشباب؛ لا نقدر على الاستغناء عن الدولة القوية، ونحن في أمسّ الحاجة إليها.

يضع شربل نحاس عنوان «إعادة الاعتبار إلى الدولة» ركناً أساسياً في تحقيق أي مشروع إصلاحي «لكسر النمط والاحتكام إلى القانون الذي يجب أن يحمي الضعفاء». ومعركة الأجور تندرج تماماً في هذا الإطار.

ففي ثمانينيات القرن الماضي، أوضح نحاس في شرحه، تراجعت القيمة الفعلية (القدرة الشرائية) للحد الأدنى للأجور في لبنان بنسبة 85%. «عندما يحدث تراجع كهذا لا نكون امام عارض بسيط بل أمام بلد يتغيّر كلياً».

ومع بداية التسعينيّات، وعوضاً عن تمتين الإنجازات الاجتماعية التي تحقّقت في بداية الستينيات، أُسقطت تدريجاً مفاهيم الرعاية الاجتماعيّة ووجدت البلاد نفسها أمام مزحة سمجة جديدة: عدد اللبنانيين الذين هاجروا خلال حقبة التسعينيات كان أكبر من المسجّل في حقبة الثمانيّنيات السوداء؛ ليظهر في الواقع أنّ الحقبة الأولى كانت أكثر سواداً.

استمرّ السواد مسيطراً، وعلى صعيد السياسات الخاصّة بالأجور تمظهر «توليفة» في عام 1995 بدعم الأجور عبر ابتكار بدل النقل إلى حين تطوير النقل العام. والجميع يعرف تتمّة الرواية: حتّى الآن لا يزال النقل العام غائباً، ولكن مع احتمال أن يغيب بدل النقل أيضاً!

فأطراف الإنتاج ــ التجار، الصناعيون والمصارف ــ الذين وقّعوا الاتفاق الرضائي مع الاتحاد العمالي العام يتضمّن الحفاظ على بدل النقل حالياً عند 8 آلاف ليرة لليوم الواحد، كانوا قد تقدّموا في عام 2002 بطعن لدى مجلس شورى الدولة لإلغاء بدل النقل نفسه! «بقي الطعن نائماً حتّى الأمس القريب، حين قرّر مجلس شورى الدولة الأخذ به» تابع الوزير. وهكذا رفض مجلس الشورى مشروع نحاس دمج بدل النقل في أساس الأجر ــ بهدف تحصينه وليس فقط تصحيحه.

كذلك فإنّ ابتكار «المنح المدرسية» كان مزحة سمجة ظهرت عندما تقرّر في تلك الحقبة «تعديل قانون الضمان في عام 1992، بحيث أصبح اسم صندوق التعويضات العائلية: صندوق التعويضات العائلية والمنح المدرسية»؛ والآن تلك المنح معرضة للتبخر.

أمام هذه التشوّهات يعود شربل نحاس إلى التاريخ ليؤكّد أنّ الحماية الاجتماعية هي ما أبقت المجتمعات ملتصقة، حتّى في أغرب الأوضاع: فعندما توحدت ألمانيا على يد بسمارك، كان أوّل إجراء اتخذه هذا الزعيم في إنشاء الضمان الاجتماعي. كان بسمارك يمينياً وجانحاً في نواح كثيرة، غير أنّه علم تماماً أنّ إجراءه هذا ضروري لكبح هجرة أبناء بلده إلى الولايات المتّحدة. ومعركته لم تكن هينة: كانت ألمانيا حينها مقسمة إلى نحو 20 كياناً إذا صح التعبير، وكان اشتراكيو البلاد يعارضون توجّهات موحّدها!

وطنية - 5/1/2012 أعلن وزير العمل شربل نحاس في لقاء حواري مساء اليوم في قصر الاونسكو، بدعوة من "اتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني"، انه لن يمنح توقيعه "لأي مرسوم يخالف الدستور والقوانين ولا يراعي الحاجة الى تحصين الاجر وتصحيحه". وقال: "لقد خضنا معركة جدية لتضمين البيان الوزاري التزامات لتصحيح النمط الاقتصادي، وما نشهده اليوم محاولات متواصلة للالتفاف على هذه الالتزامات والسعي الى اجهاضها. قلنا اننا قد نرتضي تحمل ارث الدين العام ولكننا لن نرتضي ابدا ان نستمر بتحمل النتائج التي ترتبت على الارتهان لهذا الارث".

أضاف: "ان الشباب عليهم ان يحملوا مشروعا للدولة في لبنان، ان لا يرضخوا لعملية التكييف التي يريدون اخضاعهم لها تحت عنوان "استحالة الدولة في لبنان" أو "الدولة غير موجودة" او "الدولة تاجر فاشل" الى ما هناك من مصطلحات يتم ترويجها للمحافظة على هذا النمط".

وإذ لفت الى أن "على الشباب ان ينخرطوا اكثر في الحياة السياسية (الاحزاب والنقابات والانتخابات..)، قال: "ان ما حصل في العقود الماضية ليس فقط التخصص بتصدير الشباب وانما ايضا بتهميش الشباب المحكومين بالبقاء هنا وجعلهم اسرى اليأس والاحباط والكفر بإمكانية تحقيق ولو خرق بسيط. والخرق ممكن، لقد طرحنا مشروع التغطية الشاملة لجميع اللبنانيين المقيمين انطلاقا من ايماننا بهذه الامكانية في المرحلة الراهنة، فالهدف من هذا المشروع ليس تأمين حق ثابت للبنانيين فحسب، بل فرض تصحيح كبير في النظام الضريبي والانفاق العام. ان طرحنا لهذا المشروع ارتبط بطرح ضريبة على الربح العقاري بنسبة لا تقل عن 25% ورفع الضريبة على ربح الفوائد الى ما لا يقل عن 15%، وبالتالي نقل مبالغ لا تقل عن 3 آلاف مليار ليرة من الريوع الى الاسر والانتاج من خلال خفض كلفة الصحة واطلاق برنامج استثمارات عامة في النقل والكهرباء والمياه والاتصالات، وهو ما يساهم في خفض كلفة الانتاج وكلفة المعيشة وخلق فرص عمل تحد من البطالة والهجرة".

وختم: "هذه هي مقاربتنا الاساسية، ولكن للأسف، لا الهيئات الاقتصادية، ولا الاتحاد العمالي العام تعاملا بجدية مع هذه المقاربة، بل بالعكس بدأ التركيز على كلفة تصحيح الاجور على الاقتصاد، من دون اثارة اي اهتمام بآليات تخفيض هذه الكلفة والدفع نحو تصحيح بنية الاقتصاد نفسها لتصبح اكثر تلاؤما مع حاجات اللبنانيين".

إ.غ.

يواجه الأُجَراء خطراً جدّياً يتمثّل بخفض أجورهم بدلاً من تصحيحها؛ فقد أصدر مجلس شورى الدولة أمس رأياً سلبياً في مشروع مرسوم تصحيح الأجور، يعدّ فيه بدل النقل كلفة وليس أجراً... هذا الرأي تزامن مع صدور أول القرارات القضائية التي تطعن بوجود بدل النقل أساساً

محمد زبيب

قد يمضي بعض الوقت قبل أن يدرك اللبنانيون حقيقة الملابسات التي رافقت إصدار مجلس شورى الدولة أمس رأيه السلبي في مشروع مرسوم تصحيح الأجور. لكن عرضاً موجزاً لمسار الأحداث قبيل ساعات من نشر هذا الرأي يسهّل فهم الأهداف من خلفه: ـــــ عُقدت قبل ظهر أمس جلسة عمل، هي الثالثة، بين وزير العمل شربل نحّاس وقضاة مجلس شورى الدولة لاستكمال النقاش في شأن مشروع المرسوم المطلوب إبداء الرأي فيه، وقال نحاس بعد الجلسة إن «العمل مستمر، ولم يقل أحد إن رأي مجلس شورى الدولة سيصدر اليوم. والعلاقة مع المجلس طبيعية واستشارية والهدف هو إعادة تسوية الانتظام العام».

ـــــ بعد أقل من نصف ساعة، أدلى رئيس مجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر بتصريح إذاعي مماثل الساعة 1.15 من بعد الظهر، وقال إن «اللقاء شهد بحثاً طويلاً لكيفية مقاربة موضوع الأجور وصولاً إلى صيغة سليمة وقانونية»، وأكّد أن نحاس «كان متجاوباً مع الآراء التي أبداها المجلس (...) وسيواصل المجلس درس المشروع للتوصل إلى صيغة قانونية، ولا مواعيد محددة لإصدار الرأي، فقد يكون ذلك غداً (اليوم) أو ربما بعد غد (غداً)». ـــــ عاد وزير العمل إلى مقرّ وزارته وعقد اجتماعاً مع فريق عمله لإعداد الردود على أسئلة طرحها قضاة المجلس لتزويدهم بها قبل إصدار الرأي، فإذا به يفاجأ بنشر رأي المجلس عبر الوكالة الوطنية للإعلام عند الساعة الثانية و39 دقيقة، وقبل إبلاغ مضمونه رسمياً إلى وزارة العمل وفقاً للأصول، وبحسب المعلومات، ورد الرأي إلى الوكالة قبل دقائق من نهاية الدوام الرسمي في المجلس عند الثانية من بعد الظهر، ليقفل صادر هاتفه بعد ذلك ويغيب عن السمع! ما الذي حصل، ولماذا تصرّف المجلس كما لو أنه متورط في أمر ما؟ يمكن التكهّن في ضوء عرض المعلومات الآتية: ـــــ في سياق السجال بشأن بدل النقل، كُشف عن وجود نحو 30 مراجعة تقدّمت بها هيئات أصحاب العمل ومؤسسات خاصّة للطعن بمراسيم تحديد بدل النقل وتعديله منذ عام 1995، وقد عمد مجلس الشورى إلى «تنويمها» طوال السنوات الماضية، إلا أنه استفاق أخيراً وبدأ بإصدار قرارات في شأنها، أحدها في 20/11/2011، يتعلّق بمراجعة تقدّمت بها جمعيات المصارف والصناعيين وتجّار بيروت لإبطال مرسوم تجديد بدل النقل وزيادته في عام 2002، وقضى القرار الإعدادي بقبول الطعن وإبطال المرسوم (وكل المراسيم المشابهة)، وقضى أيضاً بتحميل الدولة نفقات المحاكمة والرسوم المستحقة عليها. والمعروف أن القرار الإعدادي هو بمثابة حكم قضائي أولي يُنشَر في عدد الجريدة الرسمية المقبل (الخميس) بهدف منح المعترضين على مضمونه مهلة شهر للإدلاء باعتراضاتهم قبل أن يصار إلى تحويله إلى قرار نهائي واجب التنفيذ، وبالتالي يصبح بدل النقل (والمنحة التعليمية) باطلاً وغير مستحق للأُجراء، بمعنى أن كل أجير معرّض اليوم لفقدان جزء مهم من أجره. ـــــ في هذا السياق، لم يصدر عن مجلس الوزراء حتى الآن أي مرسوم لتجديد بدل النقل والمنحة التعليمية؛ إذ إن المرسوم السابق انتهت مفاعيله في 5 تشرين الثاني الماضي، وبالتالي لم يعد البدل والمنحة مستحقين قانوناً، وهذا سيساهم بإجهاض حقوق الأُجراء ويعرّضهم لأكبر عملية «قرصنة» موصوفة. ـــــ في سياق المداولات مع قضاة مجلس شورى الدولة منذ طلب رأيهم في مشروع المرسوم الأول في تشرين الثاني الماضي، كان هؤلاء مدركين للمخاطر على الأجراء جراء إبطال مراسيم بدل النقل، وكانوا متحمّسين لإيجاد فتوى قانونية تتيح اعتبار بدل النقل عنصراً من عناصر الأجر سنداً إلى المادة 86 من قانون الضمان الاجتماعي، وبقوا على موقفهم حتى طلب رأيهم في مشروع المرسوم الثالث؛ إذ طلبوا من وزير العمل تعديل صيغة المشروع ليأتي بصورة يمكن تبنّيها، وهو ما دفع نحّاس إلى الأخذ بملاحظات القضاة وأحال عليهم في 29/12/2011 مشروع مرسوم يراعي الملاحظات الأولية لتسهيل الموافقة عليه، إلا أن القضاة عادوا بعد ذلك عن رأيهم لأسباب لم يعلنوها، ورأوا أنهم لا يمتلكون صلاحية «توصيف» بدل النقل، وأن هذه الصلاحية تعود إلى مجلس النواب حصراً، لكنهم أبدوا استعداداً للتعاون منعاً لإهدار حقوق الأُجراء، فوافقوا على تأجيل إصدار رأيهم ريثما يتسنى للوزير إعداد صيغة تحفظ حقوق الأُجراء لعرضها عليهم وأخذ موافقتهم قبل إحالتها مجدداً على مجلس الوزراء لإقرارها مرفقة برأي مسبق من مجلس شورى الدولة لوضع حدّ نهائي للتجاذب في هذا الملف. وكان المطلوب أياماً قليلة فقط لتحقيق هذه الصيغة، إلا أن المجلس سارع إلى إصدار رأيه بعدما وعد أمس بتأجيل هذه الخطوة يومين فقط. إذاً، تجاوز المجلس صلاحياته كمستشار، وانحاز إلى أصحاب العمل عبر تقديم توصيف لبدل النقل كان يرفض توصيفه، فرأى أن «بدل النقل لا يُعَدّ دخلاً ناتجاً من العمل أو مقابلاً له، بل تعويضاً عمّا ينفقه الأجير للانتقال من العمل وإليه»، فبات مشاركاً في خفض الأجور بدل زيادتها. وجاء هذا التوصيف في معرض التبرير لعدم الموافقة على مشروع المرسوم؛ إذ قال: «خلافاً لما تقتضيه النصوص القانونية والمبادئ العامة لجهة وجوب إعادة النظر بالحد الأدنى الرسمي للأجور بصورة دورية (سنوية على الأقل) وتحديد نسبة غلاء المعيشة وكيفية تطبيقها عند الاقتضاء (...)، لم تصدر أية مراسيم لتحديد الحد الأدنى الرسمي للأجور أو لتحديد نسبة غلاء المعيشة وكيفية تطبيقها، خلال الفترة الممتدة من عام 1996 وحتى عام 2008. في المقابل، تزامن ذلك مع صدور مراسيم بتجديد، ومن ثم برفع قيمة بدل النقل اليومي للأُجَراء، الذي كان قد مُنح لأول مرة في عام 1995 بصورة مؤقتة إلى حين تفعيل وسائل النقل العام (بموجب المرسوم رقم 6263 تاريخ 18/1/1995)، فارتفعت قيمة بدل النقل من ألفي ليرة في عام 1995 حتى وصلت إلى ثمانية آلاف ليرة عن كل يوم عمل فعلي في عام 2008. وانطلاقاً من هذا الواقع، وبالنظر إلى كون تدخل السلطة التنفيذية لتحديد أو تعديل بدل النقل اليومي للأُجراء يخرج عن نطاق التفويض المعطى لها (...)، أي بالنظر إلى عدم شرعية المراسيم المتعاقبة منذ عام 1995 حتى الآن، والتي تضمنت منح قيمة بدل النقل أو تعديلها، يأتي مشروع المرسوم المقترح ليعيد ترتيب المبالغ التي منحت للأُجَراء تحت تسمية بدل النقل، والتي صدرت المراسيم بمنحها في فترة زمنية غابت فيها مراسيم تحديد الحد الأدنى ونسبة غلاء المعيشة، وليضعها تحت التسمية التي تستطيع السلطة التنفيذية أن تتدخل فيها من حيث المبدأ، وهي تسمية الحد الأدنى للأجور ونسبة غلاء المعيشة». ويقول خبير قانوني (رفض ذكر اسمه) إن هذه الفقرة الواردة في رأي المجلس كانت كافية لتبرير الرفض والإيحاء بأن تصحيح الأجور بعد إبطال بدل النقل يجب أن يستند إلى سنة أساس هي سنة 1995، أي أن يكون التصحيح بنسبة 110% واعتبار الزيادة المقطوعة في عام 2008 (200 ألف ليرة) بمثابة سلفة منحت للأُجراء، إلا أن المجلس ذهب إلى حيّز خطير؛ إذ رأى «أن تحقيق إعادة ترتيب المبالغ المذكورة (أي بدل النقل) في الموقع القانوني السليم لا يمكن إجراؤه من دون تدخل المشترع، وذلك للأسباب الآتية: 1ـــــ لأن ذلك يتعارض مع المادة 68 من قانون الضمان الاجتماعي (...) التي اشترطت أن يكون المبلغ الذي يتقاضاه الأجير ناتجاً من العمل أو مقابلاً له (...) ولأن بدل النقل لا يُعَدّ دخلاً ناتجاً من العمل أو مقابلاً له، بل تعويضاً عما ينفقه الأجير للانتقال من العمل وإلىه. 2ـــــ لأن المبلغ المقترح ضمه إلى الأجر أو اعتباره عنصراً من عناصره، أي 236 ألف ليرة، هو في جزء منه بدل نقل عن كل يوم عمل فعلي منحته المراسيم المتعاقبة منذ عام 1995 خلافاً للقانون، إلى حين تفعيل وسائل النقل العام، ولهذا السبب إن اعتبار هذا المبلغ جزءاً من الأجر يُعَدّ تعديلاً في المراسيم المتعلقة ببدل النقل المشوبة بعيب عدم الاختصاص، والتي لا يمكن تصحيحها أو تعديلها بمراسيم، بل بتدخل من السلطة صاحبة الاختصاص، وهي السلطة التشريعية. ماذا يعني ذلك؟ برأي الخبير نفسه، قرر المجلس أن يرفع المسؤولية عنه بالإيحاء بأن الأجور لم تصحح طوال سنوات، وبالتالي يجب أخذ ذلك بالاعتبار، وأقرّ ضمناً بأن بدل النقل جاء تعويضاً عن عدم التصحيح، ولكنه في الوقت نفسه أطاح بدل النقل من دون الارتكاز على مبدأ تحقيق العدالة، أي إنه لم يربط إبطال بدل النقل وتوصيفه ككلفة، لا كأجر بمسألة العودة لتصحيح الأجور منذ إقرار بدل النقل «الباطل» في عام 1995. بدا واضحاً من مضمون رأي المجلس أن المطلوب منه «تزكية» الاتفاق بين قيادة الاتحاد العمّالي وبعض هيئات أصحاب العمل؛ إذ أبدى المجلس رأياً مبدئياً يعتبر أن «إمكان تدخل الحكومة لتحديد نسبة غلاء المعيشة وكيفية تطبيقها على صورة زيادة على الأجور، محصور إما عند انتهاء التفاوض الجماعي إلى اتفاق، بحيث يأتي المرسوم لتكريس هذا الاتفاق، وإما عند غياب أي اتفاق بنتيجة التفاوض الجماعي».

أنقر هنا للإطلاع على النص الكامل لقرار مجلس شورى الدولة

يتشرّف اتحاد الشباب الديموقراطي اللبنانيبدعوتكم لحضور لقاء شبابي حواري مع وزير العمل الدكتور شربل نحّاسفي قصر الأونسكو، الخميس 5 كانون الثاني 2012، الساعة السادسة مساء -

المواضيع•    سياسة الأجور•    فرص العمل للشباب ومشروع "أوّل فرصة عمل"•    التقديمات الإجتماعية•    السياسات الإقتصادية للدولة

ينتهي العام بهواجس أمنية واقتصادية تشغل بال الفريق الحكومي. في بعبدا، التأم المجلس الأعلى للدفاع أمس، وأبدى ارتياحه للأوضاع الأمنية. وفي السرايا، يستمرّ الرئيس نجيب ميقاتي في اتصالاته ولقاءاته لإيجاد مخرج لملف رفع الأجور، وسط إشارات تصدر عن المحيطين بالرئيس تقضي بإسقاط المشروع بغض النظر عن موقف مجلس شورى الدولة

في الأيام الأخيرة من عام 2011، يطغى الهاجس الأمني على المشهد السياسي اللبناني، وبالأخص عند الحدود الشمالية والشرقية التي بدأت تأخذ حيّزاً كبيراً من الاهتمام. وقد تناول المجلس الأعلى للدفاع برئاسة الرئيس ميشال سليمان أمس هذا الملف، وأبدى «ارتياحه واطمئنانه إلى الوضع الامني المستتب»، رغم الأحداث الأمنية المتلاحقة في الجنوب والبقاع والشمال. وكرّر سليمان استنكاره مقتل مواطنين لبنانيين في وادي خالد، وشدد على استمرار الجهات الامنية والقضائية والديبلوماسية باجراء التحقيقات واتخاذ الخطوات اللازمة. وشدد المجلس على منع تهريب السلاح من لبنان وإليه، وعلى ضبط الوضع الأمني في القرى الحدودية ومنع الخروقات، وضرورة اتخاذ الاجراءات الامنية والقضائية عند كل خلل. واطلع المجلس على الوضع الامني في الجنوب وأكد الاستمرار بالتعاون مع قوات اليونيفيل وتشديد الاجراءات لحماية تنقلاتها.

وطلب المجلس من الاجهزة المعنية التشديد في مكافحة الارهاب وتعزيز السلم الاهلي ومنع اي اخلال او عبث به.

أمنياً أيضاً، استمرّت قضية عرسال بالتفاعل، فزار وفد من علماء الدين وفاعليات المجتمع المدني من مناطق عكار والمنية والضنية بلدة عرسال حيث استقبلهم منسق عرسال والبقاع الشمالي في تيار المستقبل، بكر الحجيري، واعضاء المنسقية ومخاتير البلدة وفاعلياتها. وأكد الحجيري خلال اللقاء موقف التيار «تأييد الشعب السوري» مؤكداً أنّ «عرسال أوعى بكثير من الذين لا يعرفون التاريخ والجغرافيا، وهي حريصة على ان الفتنة المذهبية الطائفية لم ولن تكون واردة في قاموسها، ولا تملك استراتيجية الآخرين بإيواء ارهابيين من القاعدة أو غيرها».

الأجور: «الشورى» غير مستعجل

في ملف تصحيح الأجور، باتت كل المؤشرات تدل على أنّ مجلس شورى الدولة لن يعلن رأيه بشأن مرسوم تصحيح الأجور قبل الأسبوع المقبل، وقالت مصادر مطلعة إنّ القضاة المعنيين يجهدون لإيجاد الإطار المناسب لإبداء رأيهم القانوني من دون التسبب في أذى بالغ للأجراء إذ إن موقفهم الثابت ينطلق من بطلان كل المراسيم التي صدرت منذ العام 1995 والمتعلقة ببدل النقل والمنح التعليمية وبالتالي فإنّ إعلان هذا البطلان قد يؤدي إلى مشكلة جدية في العلاقات بين أصحاب العمل والأجراء. المصادر المطّلعة على المداولات الحاصلة بشأن هذا الملف نفت علمها بمضمون رأي مجلس الشورى، الا أنها لفتت الى موجة الضغوط الهائلة التي تشهدها البلاد من اجل اسقاط قرار مجلس الوزراء الأخير واستبداله بقرار رابع، وهو ما انتقده الرئيس سليم الحص في تصريح له أمس قال فيه «إن إخفاق الحكومة في اتخاذ قرار بزيادة الرواتب والأجور حتى هذه اللحظة يطرح علامة استفهام حول قدرتها على اتخاذ قرارات من المفترض تبنّيها في العام 2012 في مواجهة التحديات الاقتصادية التي تلوح في أفق الأشهر المقبلة على مستوى المعطيات المحلية والاقليمية الراهنة والمنتظرة».

وكانت الهيئات الاقتصادية قد واصلت مواجهتها لقرار مجلس الوزراء، ونقلت اوساطها عن رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي انه لن يوقّع مرسوم تصحيح الاجور إذا ابدى مجلس الشورى موافقته عليه، بذريعة أن هناك اتفاقاً حصل بين قيادة الاتحاد العمّالي العام وهيئات اصحاب العمل يجب احترامه.

والتقى وفد من هذه الهيئات بالرئيس ميقاتي امس، وقال رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس إن الوفد طلب من الرئيس ميقاتي «ما كان قد طلبه من رئيس الجمهورية قبل 3 ايام، وهو رعاية الدولة لهذا الاتفاق (...) وكلنا أمل في ان تعود الأمور الى نصابها خلال الاسابيع المقبلة برعاية الدولة كي تكرس وتصادق على الاتفاق الرضائي الذي توصل اليها شركاء الإنتاج».

في هذا الوقت، اطلق وزير الاقتصاد والتجارة نقولا نحاس، المقرّب من الرئيس ميقاتي، موقفاً قد يثير الكثير من السجالات، اذ قال إن ميقاتي «لا يوقّع على ما هو ليس مقتنعاً به»، لافتاً الى أن هذا الأمر ينسحب ايضاً على مرسوم زيادة الأجور، لا سيما بعدما حصل اتفاق بين الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي، وبالتالي هناك صعوبة في مخالفة اتفاق طرفي الإنتاج.

ورأى نحاس في تصريح لوكالة «أخبار اليوم» انه لا يمكن ألّا يكون للحكومة توجه يحدّده رئيسا الجمهورية والحكومة، والا تصبح الحكومة فاقدة التوجه، وهذا أمر لا يمكن ان يكون. وردّ وزير السياحة فادي عبود على هذا الكلام بالقول إن «الدستور واضح لجهة منح مجلس شورى الدولة صلاحية النظر في قانونية القرار بعد التصويت في مجلس الوزراء، وبالتالي لا يسمح للرئيس ميقاتي بعدم التوقيع».

من جهته، أبدى رئيس جمعية الصناعيين نعمة افرام ارتياحه لما نقل عن رئيس الحكومة من أنه لن يوقع مرسوم تصحيح الأجور ما لم يكرّس الاتفاق الموقع بين طرفي الإنتاج، إلا أنه في المقابل عبّر عن قلقه لجهة عدم تجانس الحكومة.

حملة «حقي عليي»

الى ذلك، واصلت أمس المجموعات الشبابية حراكها للمطالبة بالحقوق الاجتماعية التي تتجاوز مفهوم تصحيح الاجور بالمعنى الضيّق، ونفذت مجموعة «حقي عليي» اعتصاماً شبابياً عند أبواب وزارة المال. المطلب واحد: إعادة توزيع الدخل والثروة بعدالة. الا أن هذا المطلب يحمل تشعبات عديدة. شرح المعتصمون أن معركة الحقوق الاجتماعية لا تختصر بتصحيح الأجور، بل بمعركة اشمل تتعلق بسلة حقوق اجتماعية تشمل الصحة والنقل والحق في العمل والتنظيم النقابي والنظام الضريبي وقمع الاحتكارات. وقال المعتصمون في بيان إن «البلد فيه مصاري، بما يؤمن حلولا شاملة وجذرية». الا أن عملية اعادة توزيع الدخل والثروة تحصل لمصلحة القلة القليلة المحتكرة للسياسة والاقتصاد. وطرحوا الأسئلة: «هل من المعقول أن تكون قيمة المبيعات العقارية أكثر من 7 مليارات دولار سنوياً، في حين انها معفية من الضريبة؟ هل من المعقول أن تكون الفوائد على الايداعات التي تزيد ارباح المصارف شبه معفية من الضريبة؟ وان تكون ايداعات المصارف التجارية عند مصرف لبنان التي تتجاوز الـ45 مليار دولار اميركي معفية من اي ضريبة على الفائدة؟». واستغرب المعتصمون هذه المفارقات، في ظل نظام ضريبي مجحف يركّز حوالي 70% من الضرائب على الاستهلاك مثل الضريبة على القيمة المضافة والبترول والاستيراد والتجارة، وبالتالي تطاول كل المواطنين أياً كان مستوى دخلهم. وطالب المعتصمون بتغيير النظام الضرائبي جذرياً، ليصبح ممولاً للحقوق الاساسية للمواطنين. معتبرين أن «نظاماً ضريبياً عادلاً وفعّالاً هو حقاً ليس معجزة».

والتقى وزير المال محمد الصفدي وفداً من الناشطين في مجموعة «حقي عليي»، وقال لهم إن «الإصلاح الإداري والضريبي يشكل أولوية أساسية له وزيراً ونائباً ومواطناً، وإنه يعمل على تصور متكامل للنظام الضريبي بحيث يصبح أكثر عدالة، ووعد بحل جذري لتمكين ذوي الدخل المحدود من تملك سكن لائق بهم».

وعلى صعيد آخر، أشار الرئيس ميقاتي أمس إلى أنه «امامنا جميعاً ورشة عمل واعدة مع مطلع السنة الجديدة، من عناوينها تفعيل العمل الاداري والمالي ومعالجة المشكلات الكثيرة التي تعترض وطننا وتنفيذ المشاريع». وقال خلال استقباله موظفي السرايا «نحمد الله أن وطننا يشهد حالة من الاستقرار، على الرغم من بعض الحوادث التي تحصل عند الحدود في الشمال والبقاع والتي نستنكرها وسنتخذ الاجراءات المناسبة بشأنها». وشدد على ضرورة «التضامن الحكومي لتفعيل العمل والانتاجية».

السيد يردّ على ميقاتي

وفي سياق آخر، ردّ اللواء جميل السيّد أمس على المواقف المتلاحقة للرئيس ميقاتي ورغبته في تأجيل فتح ملف شهود الزور لكونه موضوعاً خلافياً، فدعا السيد ميقاتي الى التحلّي بـ«بعض الصدق والانسجام مع نفسه ومع الناس»، وسأل: «كيف يفسر للرأي العام حماسته لقرار تمويل المحكمة الدولية فيما هو موضوع خلافي بامتياز، وكيف يفسر اقرار مجلس الوزراء برئاسته للعديد من المواضيع والتعيينات وكلها خلافية بامتياز أيضاً، وكيف يفسر وجوده وبقاءه في السلطة في حين أن أساس تعيينه رئيساً للحكومة واستمراره فيها كان ولا يزال خلافياً بامتياز»؟

وأشار السيد إلى أن ملف شهود الزور «قضية حقوقية وأخلاقية قبل أن يكون موضوعاً سياسياً، وقد اعترف به الرئيس السابق سعد الحريري أيضاً»، مضيفاً أنّ التلاعب والتشاطر بهذه القضية ليس ذنب ميقاتي «لكنه ذنب الأكثرية التي أتت به الى الحكم وأوقعت نفسها رهينةً يتحايل عليها ويبتزّها كل حين». أضاف: «يقتضي من ميقاتي ألّا ينسى أنه مهّد شخصياً لمؤامرة شهود الزور عندما أقصى الضباط الأربعة ظلماً وعدواناً وخلافاً لأي قانون ودين وأخلاق، لأن قراره حينذاك كان يخدم مصلحته الشخصية والسياسية على حساب كل الاعتبارات الأخلاقية الأخرى».

الأكثر قراءة