ينتهي العام بهواجس أمنية واقتصادية تشغل بال الفريق الحكومي. في بعبدا، التأم المجلس الأعلى للدفاع أمس، وأبدى ارتياحه للأوضاع الأمنية. وفي السرايا، يستمرّ الرئيس نجيب ميقاتي في اتصالاته ولقاءاته لإيجاد مخرج لملف رفع الأجور، وسط إشارات تصدر عن المحيطين بالرئيس تقضي بإسقاط المشروع بغض النظر عن موقف مجلس شورى الدولة
في الأيام الأخيرة من عام 2011، يطغى الهاجس الأمني على المشهد السياسي اللبناني، وبالأخص عند الحدود الشمالية والشرقية التي بدأت تأخذ حيّزاً كبيراً من الاهتمام. وقد تناول المجلس الأعلى للدفاع برئاسة الرئيس ميشال سليمان أمس هذا الملف، وأبدى «ارتياحه واطمئنانه إلى الوضع الامني المستتب»، رغم الأحداث الأمنية المتلاحقة في الجنوب والبقاع والشمال. وكرّر سليمان استنكاره مقتل مواطنين لبنانيين في وادي خالد، وشدد على استمرار الجهات الامنية والقضائية والديبلوماسية باجراء التحقيقات واتخاذ الخطوات اللازمة. وشدد المجلس على منع تهريب السلاح من لبنان وإليه، وعلى ضبط الوضع الأمني في القرى الحدودية ومنع الخروقات، وضرورة اتخاذ الاجراءات الامنية والقضائية عند كل خلل. واطلع المجلس على الوضع الامني في الجنوب وأكد الاستمرار بالتعاون مع قوات اليونيفيل وتشديد الاجراءات لحماية تنقلاتها.
وطلب المجلس من الاجهزة المعنية التشديد في مكافحة الارهاب وتعزيز السلم الاهلي ومنع اي اخلال او عبث به.
أمنياً أيضاً، استمرّت قضية عرسال بالتفاعل، فزار وفد من علماء الدين وفاعليات المجتمع المدني من مناطق عكار والمنية والضنية بلدة عرسال حيث استقبلهم منسق عرسال والبقاع الشمالي في تيار المستقبل، بكر الحجيري، واعضاء المنسقية ومخاتير البلدة وفاعلياتها. وأكد الحجيري خلال اللقاء موقف التيار «تأييد الشعب السوري» مؤكداً أنّ «عرسال أوعى بكثير من الذين لا يعرفون التاريخ والجغرافيا، وهي حريصة على ان الفتنة المذهبية الطائفية لم ولن تكون واردة في قاموسها، ولا تملك استراتيجية الآخرين بإيواء ارهابيين من القاعدة أو غيرها».
الأجور: «الشورى» غير مستعجل
في ملف تصحيح الأجور، باتت كل المؤشرات تدل على أنّ مجلس شورى الدولة لن يعلن رأيه بشأن مرسوم تصحيح الأجور قبل الأسبوع المقبل، وقالت مصادر مطلعة إنّ القضاة المعنيين يجهدون لإيجاد الإطار المناسب لإبداء رأيهم القانوني من دون التسبب في أذى بالغ للأجراء إذ إن موقفهم الثابت ينطلق من بطلان كل المراسيم التي صدرت منذ العام 1995 والمتعلقة ببدل النقل والمنح التعليمية وبالتالي فإنّ إعلان هذا البطلان قد يؤدي إلى مشكلة جدية في العلاقات بين أصحاب العمل والأجراء. المصادر المطّلعة على المداولات الحاصلة بشأن هذا الملف نفت علمها بمضمون رأي مجلس الشورى، الا أنها لفتت الى موجة الضغوط الهائلة التي تشهدها البلاد من اجل اسقاط قرار مجلس الوزراء الأخير واستبداله بقرار رابع، وهو ما انتقده الرئيس سليم الحص في تصريح له أمس قال فيه «إن إخفاق الحكومة في اتخاذ قرار بزيادة الرواتب والأجور حتى هذه اللحظة يطرح علامة استفهام حول قدرتها على اتخاذ قرارات من المفترض تبنّيها في العام 2012 في مواجهة التحديات الاقتصادية التي تلوح في أفق الأشهر المقبلة على مستوى المعطيات المحلية والاقليمية الراهنة والمنتظرة».
وكانت الهيئات الاقتصادية قد واصلت مواجهتها لقرار مجلس الوزراء، ونقلت اوساطها عن رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي انه لن يوقّع مرسوم تصحيح الاجور إذا ابدى مجلس الشورى موافقته عليه، بذريعة أن هناك اتفاقاً حصل بين قيادة الاتحاد العمّالي العام وهيئات اصحاب العمل يجب احترامه.
والتقى وفد من هذه الهيئات بالرئيس ميقاتي امس، وقال رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس إن الوفد طلب من الرئيس ميقاتي «ما كان قد طلبه من رئيس الجمهورية قبل 3 ايام، وهو رعاية الدولة لهذا الاتفاق (...) وكلنا أمل في ان تعود الأمور الى نصابها خلال الاسابيع المقبلة برعاية الدولة كي تكرس وتصادق على الاتفاق الرضائي الذي توصل اليها شركاء الإنتاج».
في هذا الوقت، اطلق وزير الاقتصاد والتجارة نقولا نحاس، المقرّب من الرئيس ميقاتي، موقفاً قد يثير الكثير من السجالات، اذ قال إن ميقاتي «لا يوقّع على ما هو ليس مقتنعاً به»، لافتاً الى أن هذا الأمر ينسحب ايضاً على مرسوم زيادة الأجور، لا سيما بعدما حصل اتفاق بين الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي، وبالتالي هناك صعوبة في مخالفة اتفاق طرفي الإنتاج.
ورأى نحاس في تصريح لوكالة «أخبار اليوم» انه لا يمكن ألّا يكون للحكومة توجه يحدّده رئيسا الجمهورية والحكومة، والا تصبح الحكومة فاقدة التوجه، وهذا أمر لا يمكن ان يكون. وردّ وزير السياحة فادي عبود على هذا الكلام بالقول إن «الدستور واضح لجهة منح مجلس شورى الدولة صلاحية النظر في قانونية القرار بعد التصويت في مجلس الوزراء، وبالتالي لا يسمح للرئيس ميقاتي بعدم التوقيع».
من جهته، أبدى رئيس جمعية الصناعيين نعمة افرام ارتياحه لما نقل عن رئيس الحكومة من أنه لن يوقع مرسوم تصحيح الأجور ما لم يكرّس الاتفاق الموقع بين طرفي الإنتاج، إلا أنه في المقابل عبّر عن قلقه لجهة عدم تجانس الحكومة.
حملة «حقي عليي»
الى ذلك، واصلت أمس المجموعات الشبابية حراكها للمطالبة بالحقوق الاجتماعية التي تتجاوز مفهوم تصحيح الاجور بالمعنى الضيّق، ونفذت مجموعة «حقي عليي» اعتصاماً شبابياً عند أبواب وزارة المال. المطلب واحد: إعادة توزيع الدخل والثروة بعدالة. الا أن هذا المطلب يحمل تشعبات عديدة. شرح المعتصمون أن معركة الحقوق الاجتماعية لا تختصر بتصحيح الأجور، بل بمعركة اشمل تتعلق بسلة حقوق اجتماعية تشمل الصحة والنقل والحق في العمل والتنظيم النقابي والنظام الضريبي وقمع الاحتكارات. وقال المعتصمون في بيان إن «البلد فيه مصاري، بما يؤمن حلولا شاملة وجذرية». الا أن عملية اعادة توزيع الدخل والثروة تحصل لمصلحة القلة القليلة المحتكرة للسياسة والاقتصاد. وطرحوا الأسئلة: «هل من المعقول أن تكون قيمة المبيعات العقارية أكثر من 7 مليارات دولار سنوياً، في حين انها معفية من الضريبة؟ هل من المعقول أن تكون الفوائد على الايداعات التي تزيد ارباح المصارف شبه معفية من الضريبة؟ وان تكون ايداعات المصارف التجارية عند مصرف لبنان التي تتجاوز الـ45 مليار دولار اميركي معفية من اي ضريبة على الفائدة؟». واستغرب المعتصمون هذه المفارقات، في ظل نظام ضريبي مجحف يركّز حوالي 70% من الضرائب على الاستهلاك مثل الضريبة على القيمة المضافة والبترول والاستيراد والتجارة، وبالتالي تطاول كل المواطنين أياً كان مستوى دخلهم. وطالب المعتصمون بتغيير النظام الضرائبي جذرياً، ليصبح ممولاً للحقوق الاساسية للمواطنين. معتبرين أن «نظاماً ضريبياً عادلاً وفعّالاً هو حقاً ليس معجزة».
والتقى وزير المال محمد الصفدي وفداً من الناشطين في مجموعة «حقي عليي»، وقال لهم إن «الإصلاح الإداري والضريبي يشكل أولوية أساسية له وزيراً ونائباً ومواطناً، وإنه يعمل على تصور متكامل للنظام الضريبي بحيث يصبح أكثر عدالة، ووعد بحل جذري لتمكين ذوي الدخل المحدود من تملك سكن لائق بهم».
وعلى صعيد آخر، أشار الرئيس ميقاتي أمس إلى أنه «امامنا جميعاً ورشة عمل واعدة مع مطلع السنة الجديدة، من عناوينها تفعيل العمل الاداري والمالي ومعالجة المشكلات الكثيرة التي تعترض وطننا وتنفيذ المشاريع». وقال خلال استقباله موظفي السرايا «نحمد الله أن وطننا يشهد حالة من الاستقرار، على الرغم من بعض الحوادث التي تحصل عند الحدود في الشمال والبقاع والتي نستنكرها وسنتخذ الاجراءات المناسبة بشأنها». وشدد على ضرورة «التضامن الحكومي لتفعيل العمل والانتاجية».
السيد يردّ على ميقاتي
وفي سياق آخر، ردّ اللواء جميل السيّد أمس على المواقف المتلاحقة للرئيس ميقاتي ورغبته في تأجيل فتح ملف شهود الزور لكونه موضوعاً خلافياً، فدعا السيد ميقاتي الى التحلّي بـ«بعض الصدق والانسجام مع نفسه ومع الناس»، وسأل: «كيف يفسر للرأي العام حماسته لقرار تمويل المحكمة الدولية فيما هو موضوع خلافي بامتياز، وكيف يفسر اقرار مجلس الوزراء برئاسته للعديد من المواضيع والتعيينات وكلها خلافية بامتياز أيضاً، وكيف يفسر وجوده وبقاءه في السلطة في حين أن أساس تعيينه رئيساً للحكومة واستمراره فيها كان ولا يزال خلافياً بامتياز»؟
وأشار السيد إلى أن ملف شهود الزور «قضية حقوقية وأخلاقية قبل أن يكون موضوعاً سياسياً، وقد اعترف به الرئيس السابق سعد الحريري أيضاً»، مضيفاً أنّ التلاعب والتشاطر بهذه القضية ليس ذنب ميقاتي «لكنه ذنب الأكثرية التي أتت به الى الحكم وأوقعت نفسها رهينةً يتحايل عليها ويبتزّها كل حين». أضاف: «يقتضي من ميقاتي ألّا ينسى أنه مهّد شخصياً لمؤامرة شهود الزور عندما أقصى الضباط الأربعة ظلماً وعدواناً وخلافاً لأي قانون ودين وأخلاق، لأن قراره حينذاك كان يخدم مصلحته الشخصية والسياسية على حساب كل الاعتبارات الأخلاقية الأخرى».