روسيا اليوم العالم انقسم إلى معسكرين ولا يمكنك سوى أن تقف مع من يواجه فكر السوق. بيروت – وسام متى بحلول نهاية الشهر الأول من العام 2015، يخطو الفنان اللبناني المبدع زياد الرحباني خطوة بالغة الأهمية في مسيرته الموسيقية، التي انطلقت في مطلع السبعينيات من القرن المنصرم، حيث من المقرر أن يغادر لبنان إلى روسيا، في خطوة يتوقع أن تفتح آفاقاً جديدة للتعاون على المستويين الموسيقي والإعلامي. كان يُفترض أن يغادر زياد الرحباني (60 عاماً) بيروت إلى موسكو قبل نهاية العام الحالي، لكنه فضّل تأجيل هذه الخطوة، رغبة في إقامة بعض الأمسيات الموسيقية في بيروت، بحسب ما قال لـ"نوفوستي"، والمشاركة في فعاليات الذكرى التسعين لتأسيس الحزب الشيوعي اللبناني، الذي ينتمي إليه فكرياً وتنظيمياً. يقول الرحباني "فضلت التأجيل قليلاً، ربما ما نقوم به اليوم يفيد بشيء هنا، قبل الانتقال إلى روسيا، وقد أبدى الجانب الروسي تفهمه لهذا التأجيل، وتم تحديد موعد مبدئي للسفر في التاسع والعشرين من كانون الثاني المقبل، وهو موعد أعتقد أنه مناسب، خصوصاً أنه يأتي بعد فترة الأعياد". يبدو الرحباني، في حديثه إلى "نوفوستي"، متحمساً جداً لفكرة السفر إلى روسيا، خصوصاً أن هذه الخطوة تفتح آفاقاً واسعة للتعاون الثقافي والفني. وفي هذا الإطار، يقول الرحباني إن "هذا التعاون بدأ عملياً في لبنان، حين اقترحت إدارة المركز الثقافي الروسي عليّ خلال الصيف الماضي المساهمة في برمجة نشاطات المسرح، وإقامة عدد من الأمسيات، بما في ذلك الحفلات الموسيقية الصغيرة، وببطاقات سعرها مقبول نسبياً، بما يجعل أي نشاط موسيقي مدعوم من المركز الثقافي، بصرف النظر عن وجود راع تجاري SPONSOR من عدمه، وكانت هذه فكرة ممتازة، ولا يمكن ،ن تقوم بها إلا جهة رسمية". يستفيض الرحباني في شرح أهمية مساهمة المركز الثقافي الروسي في دعم النشاطات الموسيقية، خصوصاً في ظل المقاطعة الكبيرة من قبل التجار لشخصه، بحسب ما يقول، وذلك لاعتبارات سياسية عدة، ما حال دون تأمين راع تجاري لحفلاته الموسيقية خلال الفترة الأخيرة. ويوضح الرحباني هذه النقطة بالقول: "بالرغم من أن الناس ما زالت متحمّسة لحضور الأعمال الموسيقية التي نقدمها، وهو أمر يعكسه نفاد بطاقات تلك الحفلات بسرعة كبيرة، إلا أن عدم وجود الراعي الرسمي، وإصرارنا على أن يكون سعر البطاقات مقبولاً نسبياً، يجعل هذا النوع من الأعمال الفنية خاسرة من الناحية المالية، أو في أفضل الأحوال غير مربحة، وبالكاد تغطي عائداتها نفقات الموسيقيين". ويضيف الرحباني "هناك مقاطعة مثيرة للانتباه من جانب عدد كبير من تجار بيروت لنشاطاتنا، وتلك ظاهرة غريبة، لأن التاجر يهتم عادةً برعاية الأمسيات والنشاطات الناجحة، وخصوصاً حين يلاحظ أن بطاقاتها تنفد بسرعة". ويضيف "روى لي أحد التجار، وهو صديق قديم سبق أن ساعدنا في إنتاج عدد من المسرحيات، ما حدث حين اقترح على تاجر كويتي - الحديث هنا عن تاجر كويتي وليس عن تاجر من "تيار المستقبل" الذي يقاطعنا أصلاً – أن يكون راعياً لحفل كنا ننوي إقامته على مسرح الأونيسكو (بيروت)، فرفض، لا بل راح يشتمني، وهذا يعكس أن ثمة قراراً بمقاطعة كل ما يمت لي بصلة، وهو ما تأكّد لاحقاً حين حاولت (المخرجة) لينا خوري إيجاد راع تجاري لمسرحيتها الأخيرة (مجنون يحكي)، وقد فشلت لمجرّد أنني أؤدي دوراً في هذه المسرحية، إلى أن وجدت شخصاً تبرّع بمبلغ من المال، وفضل عدم ذكر اسمه". ويتابع "جيّد أن يكون التاجر واضحاً في موقفه، لكن من المستغرب أن يفوّت الراعي التجاري فرصة المشاركة في نشاط ناجح. سبق أن تعاونّا مع أشخاص عريقين في الإنتاج المسرحي (آل عيتاني)، ولم يكن يهمهم انتماءك السياسي. اليوم أصبح موقف التجار أكثر حدّة". ويشير الرحباني إلى أن "التعاون مع المركز الثقافي الروسي يخرجك من هذا المأزق، لا بل أن ادارة المركز الثقافي تؤكد أن برمجة المسرح ليست حكراً عليّ، فهم مستعدون لتنظيم نشاطات مختلفة على مدار العام، بالإضافة إلى تأمين التجهيزات للمسرح، علماً بأن هذا المكان مناسب جداً لهذا النوع من النشاطات الثقافية". الجانب الثاني في التعاون الموسيقي بين زياد الرحباني وروسيا يتعلق بقناة "روسيا اليوم" التلفزيونية. وفي هذا الإطار، يقول الرحباني "مسألة التعاون مع قناة "روسيا اليوم" تهمني كثيراً، لأن هذا التعاون يشكل مخرجاً لمشكلة أخرى نواجهها في مجال عرض النشاطات التي تمّ تسجيلها في الفترة الماضية ولم تجد طريقها إلى العرض في أي قناة لبنانية". ويوضح الرحباني هذه المسألة، شارحاً طبيعة وسائل الإعلام في لبنان، بالقول "المحطات اللبنانية حدودها الإمارات، وحدود الإمارات هي السعودية، بمعنى أن الاماراتيين ما زالوا متأثرين بما تقوله السعودية - وإن كان الأمر يبدو مسايرة وليس اقتناعاً - فإذا أراد (القائمون على المجال الثقافي والفني) في أبو ظبي والإمارات عرض مادة فنية، تراهم يأخذون في الحسبان ألّا يسبب الأمر إزعاجاً للسعودية، وهذا ما حدث فعلاً حين حاول (نادي) خريجي الجامعة الأميركية في مطلع العام الحالي عرض مسرحية لينا خوري في أبو ظبي لليلتين، فكان الرد أن زياد الرحباني يكتب بشكل متواصل ضد السعودية في جريدة الأخبار، ولا يمكننا تسويق هذه المسرحية في الإعلام". ويعود الرحباني إلى الحديث عن قناة "روسيا اليوم"، قائلاً: "لديّ ما يقرب من 12 أمسية تم تسجيلها، وبعضها نحن من قام بتصويره، وقد استرديناها من قناة (أل بي سي)، ونحن مستعدون لوضعها في تصرف قناة "روسيا اليوم"، لأن لا مشكلة لدى القائمين على هذه المحطة في عرضها، وليست لديهم أي موانع تحول دون نشر ما تحتويه، مع العلم بأن هذه الأمسيات لا تقتصر على الموسيقى بل تشمل اسكيتشات ومقالات... (رئيس مجلس إدارة قناة المؤسسة اللبنانية للإرسال) بيار الضاهر تسلم هذه المواد منذ ثمانية أشهر ولم يعرضها. طلبنا موعداً لمناقشة هذا الأمر ولم يأت الرد. في نهاية المطاف طلبنا استرجاع المواد المسجّلة وستكون تحت تصرّف قناة "روسيا اليوم". ويتابع "في ما يتعلق بقناة "روسيا اليوم"، وإلى جانب إمكانية عرض هذه الأمسيات، ثمة حديث عن إعداد برنامج موسيقي، وربما الإشراف على إدارة المحطة في لبنان"، مبدياً اعتقاده في أن الأمور ستتبلور خلال زيارته المقبلة إلى روسيا، وما ستشمله من لقاءات مباشرة مع القائمين على القناة. ورداً على سؤال حول ما إذا إقامته في روسيا ستكون دائمة، قال الرحباني: "أنا مستعد لذلك.. مثل كل اللبنانيين الذين يبحثون عن مكان يتمركزون فيه". في بداية مسيرته الموسيقية، تأثر زياد الرحباني بالموسيقى المصرية، وهو ما يمكن تلمّسه على سبيل المثال في أغنيتي "اسمع يا رضى" و"بعتّلك يا حبيب الروح" وإسطوانة "بالأفراح" (1977)، وغيرها. وفي مرحلة لاحقة، وتحديداً في الثمانينيات والتسعينيات تأثر بموسيقى أميركا اللاتينية، وهو ما تبدّى في أعمال عدّة، وخصوصاً في إسطوانة "مونودوز" (2001)، ناهيك عن تأثره بالموسيقى الكردية في أعمال عدّة أبرزها موسيقى "ديار بكر" وأغنية "ما شاورت حالي" التي أدّتها والدته فيروز، وقبلها الموسيقى الكلاسيكية التي أضفى عليها نكهة "الجاز"، وتحديداً "السيمفونية الأربعون" لموزارت، و"الفالس السابع" لفريدريك شوبان. ومع استعداد الرحباني للانتقال إلى روسيا، يُطرح السؤال عمّا إذا كان ذلك سيضفي تأثيراً خاصاً للموسيقى الروسية على أعماله الموسيقية الجديدة، بما يمهد لبروز نمط جديد في موسيقاه. يجيب زياد الرحباني على هذا السؤال، قائلاً: "التأثير موجود أصلاً، وتحديداً ضمن العائلة الرحبانية، التي تأثرت بالموسيقى الكلاسيكية الشرقية، والروسية بشكل أساسي، وهذا التأثير انعكس عليّ بالفطرة، ويضاف إلى ذلك تأثري بموسيقى القوقاز، حتى أن موسيقيين أرمن لاحظوا التقارب بين بعض الأعمال الموسيقية الخاصة والموسيقى القوقازية، وبشكل خاص الأذرية، وربما البلغارية... وهذا ما لاحظه والدي (الموسيقي الراحل عاصي الرحباني) ذات مرّة، وسألني من أين التقطت هذه الموسيقي؟ وهو تساؤل لا أستطيع الإجابة عليه، لأنني حقاً لا أعلم سبب هذا التأثير المباشر ". ويتابع: "ثمة مشاريع موسيقية مؤجلة، وإذا كان مسهّلاً إنتاجها في روسيا، فلن نتأخر في ذلك، خصوصاً أن ثمة تجارب سابقة في هذا الخصوص لعدد كبير من العازفين والموسيقيين الذين يمكن التعاون معهم". ويشير الرحباني إلى أن موسيقيين كثيرين من لبنان سجلوا أعمالهم في روسيا، ومنهم على سبيل المثال عبد الله المصري الذي سجل قصيدة "مطر" لبدر شاكر السياب والتي أدتها أميمة الخليل، وقطعة موسيقية أهداها لعاصي الرحباني، وكونشرتو بيانو عزفه رامي خليفة، وذلك بسرعة كبيرة وإتقان واضح. وفي ما يتعلق بالصعوبات التقنية، خصوصاً أن الموسيقى الشرقية تحتوي على أرباع الصوت، بخلاف الموسيقى الروسية، يقول الرحباني "أعتقد أن بالإمكان إيجاد موسيقيين أفراد يحسنون التعامل مع ربع الصوت، ولا داعي بالضرورة لأن تكون هناك فرقة كاملة، علاوة على أن التحايل على ربع الصوت أمرٌ ممكن من الناحية العملية، وهو ما اختبرناه بالفعل حين شاركَنا في العزف موسيقيون أرمن في حفلات فيروز في بيت الدين". ويشدد زياد الرحباني على أن الاهتمام بالجانب الثقافي في روسيا مستمر منذ أيام الاتحاد السوفياتي، وربما يكون هذا الجانب من الأمور التي لم يطرأ عليها أي تغيير برغم تفاوت الأولويات بين الحكومات الروسية المتعاقبة في ما يتعلق بأمور الاخرى". هل يأتي سفر زياد الرحباني إلى روسيا في سياق ظاهرة "تهجير الادمغة" التي طالت كثيرين في لبنان، وربما تطال آخرين خلال المرحلة المقبلة في ظل ما تشهده المنطقة العربية من احباطات على المستويين السياسي والاقتصادي؟ "ليس الأمر مسألة تهجير"، يجيب الرحباني، مضيفاً "إذا كان بإمكان الإنسان العيش في روسيا وأن يكون فاعلاً هناك، فأين المشكلة في الأمر؟". انطلاقاً من هذا الواقع، يقفز زياد الرحباني مباشرة إلى الحديث عن المشهد السياسي العام، قائلاً "العالم اليوم منقسم بوضوح شديد، بين معسكرين، أكثر مما كانت عليه حال أيام سقوط جدار برلين، والصراع بات يتسم بشراسة كبيرة تصل إلى حد الإجرام، خصوصاً بعد دخول عناصر جديدة على خط هذا الصراع، ومن بينها ظاهرة تقسيم البشر بين أديان وأعراق، وأصبحت المسائل تتلخص بعبارة: إما أن تكون قاتلاً أم مقتولاً". ويتابع الرحباني متحدثاً عن سبب اختياره روسيا بالتحديد، فيقول "حين تجد من يقاتل فكر السوق، ومن يواجه أولئك الساعين لتحويل العالم إلى سلعة، لا يمكنك إلا أن تقف معه". يستحضر زياد الرحباني، في سياق الحديث عن المشهد العالمي، ما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للغربيين في الاجتماع الأخير في أستراليا، حين ذكرهم بأن سياسة الحصار تنتهك ميثاق الأمم المتحدة، مبدياً إعجابه في قدرة الرئيس بوتين على تذكير الغرب بهذه القضايا وبطريقة "تعكس أنه فكّر بالأمر كثيراً". لا يمكن لأحد أن يشك في قدرة زياد الرحباني على استشراف المستقبل. هو ليس نبياً يعلم الغيب، لكن الوعي السياسي الذي تكوّن عنده منذ شبابه، واحتكاكه المباشر بهموم الناس، في موازاة إلمامه بتفاصيل ما يجري في العالم – حيث تلفت نظرك على سبيل المثال قصاصة من جريدة معلقة على أحد ابواب الاستوديو الخاص به وتحمل خبر مقتل شاب أسود على أيدي الشرطة الأميركية في فيرغسون – تجعله يمتلك منهجية فريدة تفسّر الواقع وتستشرف آفاق المستقبل. وفي ما يتعلق بما تشهده المنطقة العربية من تطورات دراماتيكية، يمكن أن يستوقف المرء المشهد الأخير من مسرحية "بخصوص الكرامة والشعب العنيد" (1994)، حين تظهر كائنات عجيبة، تبدو أقرب إلى إرهابيي "داعش"، وتنتهي المسرحية بأن تنشق الأرض وتبتلع من عليها. تعيد تذكير زياد الرحباني بهذا المشهد، وتسأله عن المستقبل، فيضحك ويجيب: "الجو يفوق القدرة على الإستيعاب، حين تغمض عينيك وتفكر في من يقاتل من، تشعر بأنك خارج التاريخ وخارج الجغرافيا. حين تسمع الأخبار، تتساءل عن المصداقية، فهل ما يقال حول ما يجري في هذه المنطقة أو تلك صحيح أم لا؟ وفي ظل غياب المراسلين في المناطق التي يسيطر عليها المسلحون كيف يمكنك التحقق مما يقوله هؤلاء؟". تسأل زياد الرحباني: "إلى أين يتجه هذا الصراع؟"، فيجيب "الله العليم"، قبل أن يجيب "الأمر الوحيد الذي يمكن تأكيده هو أن الطرف الذي يعتقد أنه قادر على الخروج سالماً كل مرة من السيناريوهات ساذج وغبي. إذا كانت الإدارة الأميركية تعتقد أنها قادرة على أن تعبث بمصير العالم، ومن ثم تخرج سالمة من التداعيات، فهي خاطئة، وتلك القدرة باتت موضع شكوك، خصوصاً بعدما عادت روسيا بقوة إلى الساحة الدولية. في السابق كان بإمكان أميركا أن تفعل ما تريد لأنها كانت القوة الوحيدة في العالم، لكن الوضع أصبح مختلفاً اليوم". يعرّج الحديث مع زياد الرحباني على بعض القضايا الإقليمية، وتحديداً مصر، التي زارها في العام 2013، قبل أشهر من "ثورة 30 يونيو"، وتوقع حينها سقوط نظام "الاخوان المسلمين". يقول الرحباني في هذا الإطار: "قلت (في مقابلة مع الإعلامي يسري فودة على قناة أون تي في) أن الإسلام السياسي سيصل إلى نقطة الذروة قبل أن يتهاوى، لكنني لم أتوقع أن يحدث ذلك بهذه السرعة". ويتساءل "هل يمكن أن يختفي الإخوان في مصر بهذه السرعة؟ يبدو الأمر غير طبيعي وغير منطقي". يبدي الرحباني اهتماماً بمعرفة رأي محدّثه في هذا النقطة بالذات، وما أن يسمع أن "ثمة رفضاً شعبياً لوجود الإسلاميين في مصر"، حتى يبادر بعفوية إلى القول "الله يسمع منك"، مضيفاً "إذا اختفى هؤلاء من مصر تحديداً فهذا أمر جيد". بعد الحديث عن السياسة وأوضاع المنطقة العربية والعالم، يعود الكلام مع زياد الرحباني إلى الموسيقى. هل هناك أسطوانة جديدة لفيروز؟ يجيب "على المدى المنظور ليس هناك مشروع أسطوانة لفيروز، ولكن بعض الأغاني التي كان يفترض أن تتضمنها الإسطوانة (التي أعلن عنها في برنامج تلفزيوني قبل أشهر) يمكن أن يؤديها آخرون". هل يفكر زياد الرحباني في عمل مسرحي؟ يجيب بشكل قاطع "لا أفكر إطلاقاً في ذلك. أبحث عن حجة لكي لا أورّط نفسي في عمل مسرحي جديد". ولكن ألا يمكن أن تشكل إقامته في روسيا حافزاً للعودة إلى المسرح؟ يجيب "المسرح يفترض أن يكون هناك جمهور يفهم لغتك، إلا إذا كان الحديث عن مسرح غنائي، على غرار المسرح الرحباني، وهو بنظري إعجاز لا أقدر عليه". يفسّر زياد الرحباني تحفظه على الدخول في تجربة مسرحية جديدة بأسباب "عملية"، قائلاً "المسرح متعب، ويقتل الأعمال الأخرى، خصوصاً أن وتيرته يومية، علاوة على الأوضاع غير المستقرة... في المقابل، يمكن أن نعوّض ذلك بأعمال أخرى، وعلى سبيل المثال حصلنا على موافقة مبدئية من مؤسسة سينمائية في برلين لإنتاج فيلم هو في الواقع مسرحية بعنوان (مارتن) كتبتها في العام 2004، وهذا أمر جيّد لأن السينما أكثر مرونة إذا ما قورنت بالمسرح". وحول تعاونه مع فرقة "إسكندريلا"، وتحديداً مع الفنان حازم شاهين، يقول الرحباني: "حازم ممتاز، وحل إشكالية كبرى واجهتنا منذ العام 1997، وتمثّلت في الفراغ الذي خلّفه رحيل جوزيف صقر، فقد استطاع حازم تأدية الأغاني بشكل سلس، وبنَفس مصري، ومن دون أن يترك انطباعاً لدى أحد بأنه يقوم بتقليد جوزيف صقر أو يسعى للحلول مكانه"، مشيراً إلى أن التعاون مع حازم شاهين مستمر "وهو من ضمن فنانين أرسلت أسماؤهم فعلاً إلى موسكو للبحث في إمكانية التعاون، وأبرزهم شيرين عبده وريم بنا، التي أبدت استعدادها لتقديم حفلات في روسيا، خصوصاً أنها من خريجي جامعات موسكو". وحول تجربته في الكتابة الصحافية، ومدى تعارضها مع الموسيقى، يجيب زياد: "لا علاقة بين المقال والموسيقى. في المقال تغلّب العقل والتفكير بعكس الموسيقى التي لا تعلم من أين تأتي. الموسيقى غالباً تأتي وأنا أسير في الشارع، حيث تشعر بنغم معيّن، وهي غير مرتبطة بمكان أو زمان، في حين أن الكتابة تتطلب منك نشاطاً ذهنياً وأن تبقى مسيطراً على المنطق اليومي". "لوحظ مؤخراً أنك تخليت عن ذكر اسم ستالين"، تسأله مازحاً في ختام اللقاء، فيجيب ضاحكاً "توقفت عن ذلك... نذكره سراً"، في إشارة إلى أن أحد مقالاته الأخيرة حمل عنوان "تبيليسي" (كتبت بالروسية)، ويتابع: "يمكنك تفسير ذلك كما شئت. جورجيا هي البلد الذي ولد فيه ستالين، وهي البلد الذي خرجت منه فرقة الرقص الجورجية الشهيرة والممتازة... يمكنك أن تقول أيضاً ببساطة إنك معجب بطقس هذا البلد".
أحيت جنوب إفريقيا، اليوم، ذكرى الرئيس السابق نيلسون مانديلا الذي توفي قبل عام، برفع الصلوات والتراتيل والخطب خلال يوم تكريمي طويل. فقبل عام تماماً خسرت بلاد "قوس القزح" أبرز رجالاتها، "ماديبا" كما يطلق عليه شعب جنوب إفريقيا تيمناً باسم قبيلته، الذي توفي عن 95 عاماً، ويكرمه على مأثرته المتمثلة بالمصالحة الوطنية بعد سنوات من الفصل العنصري. وقال أحد زعماء "الخويسان" (أقدم الجماعات التي تعيش في جنوب إفريقيا) رون مارتن: "أمضينا عشرين عاماً من الديموقراطية بفضل مانديلا". وأعرب عن ارتياحه بالقول إن "كل شعور بالفخر كان يقابل بالقمع أيام الفصل العنصري، لكننا نستعيد تراثنا اليوم". بدوره قال أحمد كثرادا، وهو رفيق مانديلا أيام الاعتقال: "لا افتقده بصفته زعيماً سياسياً فقط، بل بصفته الأخ الأكبر". ثم قالت أرملة مانديلا غراسا ماشيل: "أعرف أن ماديبا يتمتع بصحبة أصدقاء أوفياء.. ولقد طمأنتني هذه الفكرة طوال هذه السنة". وتلت ماشيل، في مقر الحكومة، لائحة بأسماء الأشخاص الذين رافقوا مانديلا في نضاله ولم يحصلوا مثله على جائزة "نوبل" في العام 1993، لكنهم لا يغيبون عن الذاكرة للتأكيد على أن التصدي للفصل العنصري كان جماعياً. وأضافت ماشيل (69 عاماً): "كان لي شرف الحصول على الامتياز الخاص لأكون الكتف الذي اتكأ عليه (مانديلا) في غروب حياته وسأكون ممتنة إلى الأبد لاختياري من أجل هذه المهمة". والغائب الكبير هو الرئيس جاكوب زوما، الذي يقوم بزيارة إلى بكين للمشاركة في منتدى لرجال الأعمال من الصين وجنوب إفريقيا. وقد ترأس العام الماضي الحداد الوطني طوال عشرة أيام، وتعرض لصيحات الاستهجان خلال احتفال التكريم بسبب فضيحة فساد. وقال زوما في المنتدى: "انه يوم حزين لبلادنا بسبب وفاة رئيسنا المؤسس نيلسون مانديلا العام الماضي"، مضيفاً أنه "بفضل هذا التأسيس، أقمنا خلال فترة قصيرة، ديموقراطية دستورية قوية". ودعا الكاردينال الناشط في قضايا السلام ديزموند توتو مواطنيه إلى "الاستمرار في بناء المجتمع الذي تخيله ماديبا". وقد شهدت جنوب إفريقيا بأكملها ثلاث دقائق وسبع ثواني ضجيجاً قرعت أثناءه أجراس الكنائس ثم التزمت الصمت ثلاث دقائق، ترمز إلى 67 عاماً من النشاط السياسي منها 27 عاماً في السجن. ومن المقرر تنظيم عدد كبير من التظاهرات والمبادرات المحلية في عطلة نهاية الأسبوع وخلال الأسبوع في البلاد، لكن لن يقام أي احتفال رسمي في قرية كونو التي أمضي فيها مانديلا طفولته ودفن فيها. وسيحيي فنانون حفلاً في مؤسسة نيلسون مانديلا. وستقام مسيرة بطول خمسة كيلومترات في 13 من الشهر الحالي في شوارع بريتوريا على أن تمر أمام مقر الحكومة. من جهة أخرى، قالت كاتبة الافتتاحيات الشهيرة سيسونكي مسيمانغ في صحيفة "ديلي مافيريك": إن مانديلا "قام بما كنا نحتاج إليه في بداية التسعينات، ومن الواضح أننا نحتاج اليوم إلى طريق جديدة.. وأحد الدروس الأشد ايلاماً في العقدين الأخيرين هو أن الفقر ما يزال إلى حد كبير من حصة السود، ولا يعتقد كثيرون من البيض في جنوب إفريقيا بالضرورة أن ذلك هو نتيجة الفصل العنصري". (أ ف ب)
ا تزال مدينة نيويورك ومدن أميركية أخرى تشهد تظاهرات احتجاجية على مقتل مواطنين سود على أيدي شرطة بيض في ظروف تشير الى تصاعد الموجة العنصرية في البلاد، خصوصاً غداة مقتل رجل أسود آخر، الثلاثاء الماضي، كان أعزلاً على يد شرطي أبيض في ولاية أريزونا جنوب الولايات المتحدة، إثر إطلاق النار عليه بعد اشتباهه خطأ في أنه يحمل سلاحاً. واحتشد أكثر من 1500 شخص، مساء أمس، في شوارع نيويورك للاحتجاج على قرار هيئة محلفين عدم توجيه الاتهام لشرطي أبيض مسؤول عن مقتل المواطن أريك غارنر. وأفاد شهود بأن المتظاهرين احتشدوا في "فولي سكوير" في جنوب مانهاتن قرب البلدية والمقر العام لشرطة نيويورك. في غضون ذلك، أعلنت شرطة مدينة فينيكس، في بيان أمس، أن أحد عناصرها حاول اعتقال مواطن أسود يدعى رومين بريزبون (34 عاماً) للاشتباه باتجاره بالمخدرات. وأشارت إلى أن بريزبون حاول الفرار من الشرطي الذي كان يحاول اعتقاله، مؤكدة أن المشتبه به رفض الاستجابة "للعديد من الأوامر" التي وجهها إليه الشرطي. وأوضحت الشرطة أن "عراكاً نشب بين المشتبه به والشرطي الذي كان يحاول اعتقاله، ووضع بريزبون يده في جيبه فظن الشرطي أنه بصدد إخراج مسدس منه، لا سيما أنه تلمّس جيبه من الخارج فبدا له جسم صلب خاله قبضة مسدس، فأمر المشتبه به بإبقاء يده داخل جيبه إلا أنه لم يفعل". وفي الواقع، فإن بريزبون لم يكن يحمل سلاحاً، وما كان موجوداً في جيبه كان علبة تحوي حبوب "اوكسيكودون"، وهو دواء قوي مسكن للألم ويستهلكه البعض كبديل للمخدرات. وأكدت وكيلة الدفاع عن عائلة القتيل المحامية مارسي كراتر أن "هناك العديد من الشهود الذين يشككون في رواية الشرطة". ومن جهته، طالب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الولايات المتحدة، أمس، بتعزيز محاسبة شرطييها على أفعالهم، غداة قرار هيئة محلفين في نيويورك بعدم توجيه اتهام إلى شرطي أبيض متورط في مقتل رجل أسود. وقال المتحدث باسم بان كي مون ستيفان دوجاريك إن "هذه القضية تطرح مجدداً قضية مسؤولية عناصر قوات الأمن". وأضاف: "إن الأمين العام للأمم المتحدة يدعو بإلحاح السلطات المختصة في الولايات المتحدة إلى بذل قصارى جهودها من أجل الاستجابة للنداءات التي تطالب بمحاسبة عناصر الشرطة على أفعالهم". (رويترز، أ ف ب)
بمناسبة ذكرى مرور اسبوع على رحيل المناضل المقاوم الرفيق حسن اسماعيل أبو نيباليدعوكم الحزب الشيوعي اللبناني وجبهة المقاومة الوطنية اللبنانيةلحضور الاحتفال التأبيني الذي سيقام بهذه للمناسبةيتضمن الـتأبين كلمة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية يلقيها الرفيق حسين كريمكلمة الحزب الشيوعي اللبناني يلقيها الامين العام للحزب الرفيق خالد حدادةكلمة أل الفقيد المناضلباق في القلوب يا فقيدنا الغاليالمكان : حسينية زوطر الشرقيةالزمان : الاحد 7 كانون الاول الساعة 10 صباحا
الاخبار
إسبانيا ما زالت تبحث عن فيديريكو غارثيا لوركا (1898 ــ 1936). والذاكرة الجماعية لم تشفَ من جرح الشاعر القتيل. منذ الشهر الماضي تعمل آلات الحفر والتنقيب، على أمل نبش رفاته، بعد 78 عاماً على اغتياله برصاص الفاشيست، مع اندلاع الحرب الأهلية الإسبانية.
كان لوركا عند منعطف حاسم من تجربته الشعرية، حين قرر العودة من نيويورك للإقامة في الأندلس، وكان يحدس بموته في غرناطة التي تسيطر عليها القوى المعادية للجمهورية آنذاك. ومنذ ذلك الحين وطيف صاحب «عرس الدم» يخيم على إسبانيا حيث منعت أعماله في عهد فرانكو. وقد حدد المؤرخ الإسباني ميغيل كاباليرو بيريز مكاناً تقريبياً في التلال المطلة على غرناطة، بالقرب من ضيعة فيثنار. وفي تلك المساحة الممتدة على 300 متر مربع، انطلقت الحفريات أخيراً، إذ يعتقد أن لوركا يرقد في مقبرة جماعية دفنت فيها 3500 جثة من مفقودي الحرب الأهلية الإسبانية. ها هو الشاعر يطلّ مجدداً على غرناطته، خشبة الموت والخلاص، تلك المدينة التي وصفها في حديث لصحيفة El Sol التقدمية، قبل رحيله: «أنتمي إلى غرناطة التسامح. غرناطة ما قبل السقوط في يد اليمين المتطرف».
فاتن الحاج - الاخبار
في 12 الجاري، ستطل هيئة التنسيق النقابية على الرأي العام للمرة الأولى منذ إعطاء الإفادات في 16 آب الماضي. ستعقد مؤتمراً صحافياً تشرح فيه «حقيقة مواقف أطراف السلطة من إقرار غلاء المعيشة وتحويل الرواتب بنسبة التضخم المتراكم منذ عام 1996 حتى اليوم، والذي قارب 140%». في هذا الوقت، تستعد لجنة فرعية من الهيئة لعقد سلسلة ورش عمل وندوات يتحدث فيها أهل الاختصاص عن مضمون مشروعي السلسلة والإيرادات ومفاهيم الأجر والعدالة الاجتماعية وأساليب التهرب الضريبي التي تمارسها كبرى الشركات والمؤسسات، في قوانين تضرب حقوق الموظفين. وينتظر أن تبدأ الهيئة بتنفيذ خطة تحرك متكاملة بعد عطلة الأعياد.
هذا ما قررته الهيئة في جلسة عقدتها، أول من أمس، في مقر نقابة المعلمين. الجلسة أعقبت اجتماعات تقويمية اتفقت فيها مكونات الهيئة على تحميل مسؤولية نتائج التحرك السابق للسلطة السياسية، «فالنواب زعموا أنهم لا يشرّعون تحت الضغط، وها هي أشهر قد مرّت لم يصدر فيها عن الهيئة أي مواقف تصعيدية، فيما كانت النتيجة إقرار التمديد لذواتهم للمرة الثانية، وطمس حقوق مئات الآلاف من الشعب اللبناني». وإذ أثنت الهيئة على تصدي بعض الوزراء للفساد الذي أشارت إليه بالأسماء والأرقام طيلة فترة تحركها، أكدت أن الإصلاح ليس هبّة موسمية، ولا يتم تنفيذه بخطوات شجاعة من هذا الوزير أو ذاك، بل عمل مستمر لا يقوى على القيام به إلا إدارة نظيفة الكف، مستقلة الإرادة، بعيدة عن التأثيرات السياسية». سهام الهيئة توجهت أيضاً إلى أصحاب الرساميل، «فأرباب الهيئات الاقتصادية لا يهبّون منذرين ومهددين، إلا حين يطالب العامل أو الموظف بالنذر اليسير من حقوقه، وأصحاب المدارس الخاصة فرضوا زيادات كبيرة على الأقساط للسنة الثالثة على التوالي بحجة إقرار سلسلة الرتب والرواتب، بل استرجع بعضهم غلاء المعيشة الذي كان قد دفعه كسلفة للمعلمين». وفي التقويم، رأى بعض المكونات أنّ هيئة التنسيق لم ترتكب أخطاء جسيمة تستدعي تحميلها أياً من المسؤولية، بدليل أن «استسهال إعطاء الإفادة يعكس بوضوح الهجمة على التعليم الرسمي وعدم الاستثمار فيه». تمسك هذا البعض بالقول إنّ المعركة الأخيرة لم تكن مفصولة عن مشروع خصخصة القطاع العام، والمسألة تجاوزت الأرقام إلى الخيارات، والنظر إلى دور الدولة ووظيفتها. برأيه، بُذلت مساع حثيثة لضرب مفهوم السلسلة الواحدة وكسر الترابط بين رواتب الموظفين، عبر رفض إعطاء نسبة زيادة واحدة للجميع وضرب الحقوق المكتسبة للأساتذة والمعلمين التي حققوها بنضالاتهم طوال 50 عاماً وعبر قوانين نافذة. كذلك تم، كما يقول هؤلاء، تغليب نظام التعاقد الوظيفي على نظام ديمومة العمل. بل يذهب البعض إلى القول إن إضراب الـ33 يوماً لم يكن لينجح لولا تجاوز السلسلة، إلى فضح الكثير من قضايا الفساد والتهرب الضريبي. توافقت مكونات أخرى على أن هيئة التنسيق نجحت في صياغة مطلب اجتماعي التف حوله موظفو القطاع العام ومعلمو القطاع الخاص، بعيداً عن أي تعصب طائفي أو مناطقي. وتؤيد هذه المكونات أن القطاع العام يواجه مشروع تصفية الدولة، لكن لم يكن منطقياً تحميل هيئة التنسيق وحدها وزر محاربة هذا المشروع، بل «إن الهيئة أعلنت مواقف متقدمة في هذا الخصوص وأصبحت في مرحلة معينة أسيرة هذه المواقف». بالنسبة إلى هؤلاء، لم يكن توسيع «البيكار» ليشمل العاملين داخل الوظيفة وخارجها يصب في مصلحة المعلمين والموظفين الذين أصابهم التململ والخيبة من نتائج التحرك. يأخذون على أداء الهيئة السماح بإمرار ثغرة إعطاء الإفادات التي ساهمت في تجميد هيئة التنسيق وسلبها ورقة مقاطعة تصحيح الامتحانات لوقت طويل. ويقولون إنّ خطأ الهيئة أنّها لم تناقش العديد من النقاط التفصيلية مع قواعدها.
يعيش اليسار الفلسطيني أسيرَ قطب ثنائي منقسم عملياً، وقد بقي عاجزاً عن تحقيق قوة متوازنة بين باقي التنظيمات، أو حتى بلورة هوية مستقلة في المعادلة السياسية. يأتي تسليط الضوء على واقع اليسار في فلسطين مع تسيّد كلٍّ من «فتح» و«حماس» المشهد، ووصول خياراتهما، المفاوضات والمقاومة، إلى حائط مسدود أو حالة من الضبابية وانحصار الخيارات
عروبة عثمان - الاخبار
غزة | يكاد الجيل الجديد في المنطقة العربية لا يعرف سوى اسمين لمشروعين في فلسطين، حركة «فتح» و«حماس»، المعروفين بخلافاتهما الدائمة، فيما يبرز اسم «الجهاد الإسلامي» خلال الحروب والتصعيدات الإسرائيلية. بين الثلاثة لا يسمع صوت كبير لفصائل اليسار الفلسطيني، التي هي أقدم في التأسيس ومقاومة الاحتلال من الخيار الإسلامي.
ففي ظل واقع الانقسام العملي بين «فتح» و«حماس»، ترسخت المعادلة الآتية منذ ثماني سنوات: في الضفة المحتلة تبتلع السلطة حركة «فتح»، وتخضع مدن الضفة للعبة الترويض الأمني والاقتصادي. أما في غزة، فتعاني «حماس» ارتباكاً واضحاً جرّاء إشكالاتها في المنطقة، بعدما اختارت بهويتها الأيديولوجية اصطفافاً حوصر أخيراً، ما حرمها قطف أي ثمار بعد الحرب الأخيرة، رغم إبداع فصائل المقاومة كافة في التصدي. رغم الأزمة القائمة، لم تستطع تنظيمات اليسار، على اختلاف أدبياتها ومرجعياتها، صياغة برامج جديدة للحل، سواء على مستوى النضال والتحرر، أو في مجال الخدمات ومشكلات الناس المتزايدة. ويرجع سبب ذلك في أصله إلى ذوبان معظم هذه التنظيمات في «المنظومة الأوسلوية»، واختزال أخرى مهماتها في تفريخ منظمات أهليّة خاضعة لسقف اشتراطات الدول المانحة، وغالبيتها من الغرب! مع ذلك، قد يكون صعباً إغفال دور كتائب الشهيد أبو علي مصطفى، الذراع المسلحة لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» في حرب غزّة. إذ أحدث نشاط الكتائب ووحداتها الصاروخية كوّة عميقة في جدار الترهّل اليساري، ولا سيما أنه جاء بعد خلاف جرت لملمته في إطار منظمة التحرير، بينها وبين «السلطة ـ فتح»، وتهديد الموازنة المخصصة للجبهة داخل المنظمة. صعود «الشعبية» العملاني على سلّم المواجهة مع العدوّ الإسرائيلي حرّك المياه الراكدة قليلاً، لكنه فتح مروحةً من التساؤلات عن إمكانيّة استثمار جولتها القتالية الأخيرة في إجراء مراجعة شاملة لنهجيها العسكري والسياسي، وهل يمكن ذلك أن يخلق هوية واحدة داخلها بعدما عاشت حالة فصام بين جناح مقرّب من «حماس»، وآخر يعيش في ذيل السلطة؟ وحتى في حضور اليسار بالوساطة أخيراً بين «فتح» و«حماس»، كان أشبه بحضور الغائب، ما دام الفصيلان الأكبران يتصالحان في الأساس بعيداً عن رأي البقية.
عوامل التراجع
من الظلم القول إن الاهتزاز في الحراك اليساري الفلسطيني نابع من انهيار الاتحاد السوفياتي فحسب. فهناك سمات ذاتية ومتغيّرات موضوعية سبقت وتلت انقضاء الحقبة الغورباتشوفية، إذ عمدت التنظيمات اليسارية إلى استقاء النظريات الجاهزة من المدارس السوفياتية والماوية والجيفارية وإسقاطها على الواقع الفلسطيني دون أيّ مراعاة لخصوصيته. أيضاً كانت الهوية الفكرية لها ملتبسةً ومتأرجحةً بين الماركسية القومية والشيوعية، إذ وجد معظم اليسار الفلسطيني أصوله في التيار القومي العربي باستثناء الحزب الشيوعي الفلسطيني (حزب الشعب حاليّاً) الذي تتأصّل جذوره في الحزب الشيوعي السوري. هذه الإشكالية الفكرية أفرزت انقساماً حاداً بين القوميين والشيوعيين الفلسطينيين إثر موقف الحركة الشيوعية العالمية (الكومنترن) خلال الحكم الستاليني من الحركة الصهيونية وقبولها قرار التقسيم 181 عام 1947 واعترافها بإسرائيل. كذلك أدت الانشقاقات التنظيمية دوراً محورياً في تفتيت وحدة قوى اليسار، خصوصاً بعدما انشقت «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين» عن «الجبهة الشعبية» عام 1968، إضافةً إلى عجز حركات اليسار عن المزاوجة بين المسارين الاجتماعي والنضالي، وتكلّس بنيتها التنظيمية في مركزية خلقت هوّة واضحة بين القمة والقاعدة الجماهيرية. ويشرح الكاتب، عادل سمارة، أنّ «اليسار الفلسطيني تعرّض منذ البدايات لمحاولات تهميش عبر تمويل هائل لليمين كي يبتلع معظم الشباب الفلسطيني، وتحديداً الجبهة الشعبية التي أصابها التفتّت جرّاء الانفصال المبكر (جماعة أحمد زعرور، ثم أحمد جبريل، ثم جماعة نايف حواتمة، ثم الجبهة الثورية أبو شهاب)». هذا قاد بدوره إلى أفول نجم اليسار الذي لمع في الستينيات والسبعينيات أيام عمليات النضال النوعيّة، ثم جاء الركود في الثمانينيات مع تنامي ظاهرة التدين وصعود قوى الإسلام السياسي («الجهاد الإسلامي» ثم «حماس»)، فضلاً عن أحداث مفصليّة في المنطقة كاتفاق كامب ديفيد، بين مصر والاحتلال، والثورة الإيرانية وحروب الخليج، وخروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان.
أسهم كل ما سبق في تجزئة الواقع القطري العربي، وتفريخ قوى يسارية ملحقة بالسلطات الحاكمة في البلاد العربية التي صارت تميل إلى الولايات المتحدة، ومن هنا يمكن مقارنة التهاوي اليساري الفلسطيني بمشهد اليسار العربي. لكنّ خصوصيّة الحالة الفلسطينية تركت أثراً سلبياً مضاعفاً في اليسار الفلسطيني المنضوي تحت جناح منظمة التحرير، بعدما تورطت الأخيرة في الحرب الأهلية اللبنانية وأسهمت في تضخّم أجهزتها بعيداً عن الدائرة الجماهيرية، وكانت كبرى الحركات المتأثرة «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين». كذلك جاء موقف المنظّمة المؤيّد للاجتياح العراقي للكويت ليضرب سهماً آخر في الجسد الهزيل، فتوقفت المساعدات الخليجية المالية التي كانت تدعم الصندوق القومي الفلسطيني الذي كان يستفيد منه اليسار، الأمر الذي استغلته السلطة لاحقاً كورقة ابتزاز لليسار. هنا يؤكد عضو المكتب السياسي لـ«الجبهة الشعبية»، رباح مهنا، أنّ «المخصصات الماليّة ليست منّة من أحد، بل هي حق شرعي للجبهة، خصوصاً أنها لا تخضع لأي نظام عربي أو مصالح إقليمية» مستدركاً: «أبو عمار (ياسر عرفات) وأبو مازن (محمود عباس) استخدما هذه الورقة للضغط».
نقطة الانهيار
منذ عامي الانتفاضة الأولى، يمكن التأكد من أن وهج اليسار خفت كثيراً، ولم تتمكن فصائله من صياغة استراتيجيات تزيح الشريحة اليمينية «الكومبرادورية» في منظمة التحرير عن السيطرة الفعلية في مقدراتها. وفور سقوط مراكز الدعم المالي واللوجستي السوفياتي للمنظمة، سارع حزب الشعب الفلسطيني (الحزب الشيوعي سابقاً) إلى تغيير اسمه والتودّد لـ«فتح»، إلى أن بات نسخة كربونية عنها في الوقت الراهن، بل أقحم نفسه في كل تشكيلة وزارية تابعة لرام الله. وخلال تلك الانتفاضة، كانت «الشعبية» أكثر قرباً من «حماس»، لكنها دفعت ثمناً لذلك المماطلة في تقديم الدعم المالي عبر المنظمة. وبعد أن خضعت أراضي الضفة وغزّة لسلطة الحكم الذاتي الفلسطيني (أوسلو 1993)، زجّ باليسار المسلّح في سجون السلطة، لأن التنظيمات اليسارية رأت في أوسلو اتفاقاً استسلامياً يجوّف القضية من مضامينها. ومع ذلك لم تصمد على موقفها طويلاً، فسرعان ما انغمست في المنظومة الأوسلوية وتعاملت معها على قاعدة أنها واقع لا يمكن التنصّل منه، لتكرّ بعد ذلك السُّبحة وتندمج شخصيات يسارية في المؤسسة الأمنية الفلسطينية وتحوز امتيازات خاصة، وإن كانت شكلياً تمثل معارضة موالية، ووسيطاً بين «فتح» و«حماس». ليس عند هذا الحد فقط، فقد استنسخ اليسار نهج «فتح» في خوض الانتخابات التشريعية وضخّ المال الغربي المشروط في جمعياته ومنظماته الأهلية التي تطفح بها الضفة والقطاع حاليّاً. لكن المفاجأة كانت أن «حماس» اكتسحت عام 2006 المقاعد البرلمانية، مقابل حصول القوى اليسارية على 2% فقط من تلك المقاعد بسبب اصطفافها مع «فتح». فلم تستسغ هذه القوى النسبة الضئيلة، فطالبت آنذاك بإعادة إجراء الانتخابات وفقاً للنسبية بدلاً من نظام الدوائر.
بعد عام، جاء الانقسام الفلسطيني وسيطرة «حماس» على غزّة، 2007، لتعاود فصائل اليسار الوقوف مع «فتح» ضمنياً، بل صدر موقف من الأمين العام المساعد السابق لـ«الجبهة الشعبية»، عبد الرحيم ملوح، مجاهراً بلوم «حماس» وتحميلها كلّ ما يجري في غزّة بعد تضييق الخناق عليها. وبينما كانت السلطة تعمل على برنامج حل الدولتين الذي يقتطع أكثر من 70% من فلسطين التاريخية لمصلحة الاحتلال، لم تشكّل قوى اليسار المنضوية في كنف «فتح» أي كتلة حقيقية لمعارضة المفاوضات وسياسة التنسيق الأمني، بل حضرت بعض الوجوه في لقاءات تطبيع، مثل وجود عضو اللجنة المركزية لـ«الجبهة الديموقراطية»، قيس عبد الكريم، في أحد اللقاءات التطبيعية الشهيرة التي جمعت رئيس السلطة، محمود عباس، بطلاب إسرائيليين. برغم الصورة القاتمة لحالة اليسار، ثمّة أصوات أخرى عاكست التيار السائد، ودفعت مخصصاتها الماليّة ثمناً لذلك. يمكن إعطاء مثال بما حدث قبل أشهر مع النائبة في المجلس التشريعي، خالدة جرار، التي انسحبت من إحدى جلسات اللجنة التنفيذية للمنظمة لاعتراضها على المفاوضات والفساد السياسي والمالي الذي ينخر جسد المنظمة، وآنذاك سادت حالة من الغليان بين «الجبهة الشعبية» و«أبو مازن» الذي قرر آنذاك قطع العلاقات نهائياً مع «الجبهة» ومخصصاتها المالية (الأخبار 22/5/2014). بالتوازي مع ذلك، ظهر أن مواقف شباب اليسار والكتل الطلابيّة التقدميّة في الجامعات المعارضة للمفاوضات وبرنامج أوسلو، تشكّل هاجساً حقيقياً للسلطة وقيادات اليسار التابعة لها. ويعقب عادل سمارة على هذا المشهد بالقول إن «الجبهة بقيت تعاني صراعاً داخلياً بين الجيل الثوري والقيادة اليمينية، ما دفع كثيراً من جيل الوسط إلى الخروج من التنظيم رغم محاولات الشهيد أبو علي مصطفى تجليس البنية مع عودة بعض القيادات إلى الضفة وغزّة، وهو ما كان قد رفضه حكيم الثورة جورج حبش». ويستدرك: «الروح الثورية القوميّة والاشتراكية لم تمت في الجبهة، لذا حينما توافرت فرصة العودة إلى الكفاح المسلح، كما الحرب الأخيرة، فعل مقاتلو الجبهة ما يمكنهم رغم قلة السلاح والنفقات». بالعودة إلى المشاركة في العملية السياسية، يقول مصدر يساري من الضفة، لـ«الأخبار»، رفض ذكر اسمه: «صحيحٌ أنّ خوض الجبهة الشعبية الانتخابات التشريعية كان إحدى حلقات الاهتزاز الفكري، لكننا على ضعفنا داخل المنظمة وخارجها نشكّل مصدر قلق دائم لدى السلطة، خصوصاً بعد انعقاد المؤتمر الوطني السابع حيث ظهرت بوضوح بوادر مجابهة شديدة لسياسة السلطة وممارساتها، مع تقرب ملحوظ من مواقف حماس». وتابع المصدر: «حزب الشعب، مثلاً، بات أكثر يمينيةً وليبراليةً من فتح، ويشغل عضو المكتب السياسي فيه، نافذ غنيم، منصب مدير في أحد أجهزة السلطة، وهو يتقاضى راتباً مقداره 8000 شيكل شهرياً (2200 دولار) مقابل تبنيه خطاب عباس ودخوله معارك كلامية دفاعاً عن الرئيس ضد اليساريين المعترضين». وأضاف: «جبهة النضال الشعبي التي يقودها وزير العمل السابق، أحمد المجدلاني، طالبت في أحد اجتماعات اللجنة التنفيذية بقطع الرواتب وإلغاء العلاج في الخارج لأهل غزّة عقاباً لهم لأنهم لم يثوروا على حماس». ولا يخفى كذلك إخضاع شخصيات بارزة بالنمط نفسه، كتعيين ياسر عبد ربه أمين سر للتنفيذية، إضافةً إلى تقاضي عبد الرحيم ملوح راتبا شهرياً يراوح ما بين 4000 ـ 6000 دولار وحصوله على امتيازات أخرى كمكتب خاص وبطاقة VIP (سحبها العدوّ قبل أيام من مالكيها)، فيما تتهمه قيادات، وذلك مقابل إحباطه جملة قرارات اتخذتها «الجبهة الشعبية» في ما يتعلّق بإسقاط «أوسلو»، ورفض سياسة السلطة، ودراسة آلية الانسحاب من تنفيذية المنظمة.
الكفاح المسلّح... «الشعبية» نموذجاً
انصرفت معظم فصائل اليسار عن امتشاق السلاح بعدما كانت الرائدة في ذلك منذ أوائل الستينيات، لكن تموضع «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطيني» في خندق المقاومة المسلّحة تجلى في الحرب الأخيرة على غزّة، بعد سنوات طويلة فصلتها عن تنفيذ عملية الاغتيال النوعية بحق وزير السياحة الإسرائيلي، رحبام زئيفي (17/10/2001)، وخصوصاً أنها كانت من أوائل أول من كسر الهدنة وردّت على حملة الاحتلال، مع سرايا القدس (الجهاد الإسلامي)، قبل نشوب الحرب. ويوضح عضو المكتب السياسي، رباح مهنا، أنّ «الجبهة في الجولة الأخيرة قاومت وفق التكتيكات المناسبة وإمكاناتها الماليّة المحدودة التي صارت بحاجة إلى توسيعها بعدما أثبتت أنها لم تتخلّ عن المقاومة المسلحة»، مؤكّداً أن «المؤتمر الوطني السابع شدد على رفض منظومة أوسلو ومكتسباتها والاستقطابات السياسية الحاليّة». وعن غياب اليسار، يعزو مهنا ذلك إلى فقدان تيار يساري موحّد له رؤية واضحة مقابل القطب الثنائي (فتح وحماس)، فضلاً عن ظروف أخرى. وتابع: «من المعروف أنّ القيادة النوعية لليسار في سجون الاحتلال، لكن التغيير الداخلي جارٍ وإن كان بطيئاً».
حمدين صباحي صار مهدداً بالسجن، بعدما انتقد البراءة التي حصل عليها حسني مبارك. الرجل الذي «اختفى» بعد خسارته الانتخابات الرئاسية، في أيار الماضي، عاد إلى الواجهة بتصريحات دفعت معارضيه إلى تقديم بلاغات ضده باتهامات تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد، في ظل قضاء كالقضاء المصري. من ناحية أخرى، يسأل مؤيدوه: هل يكون صباحي رجل المرحلة؟
أحمد جمال الدين - الاخبار
القاهرة | عاد المرشح الرئاسي السابق، حمدين صباحي، إلى المشهد المصري من جديد، لكن بالتدريج. هو الذي بقي وحيداً في منافسة عبد الفتاح السيسي على كرسي الرئاسة في موقف حمل وجهين: وجه الخضوع لإملاء ملء السباق، أو الإصرار على مواجهة النتيجة أياً كانت. في كل الأحوال، عودة صباحي اليوم جاءت في وضع مختلف، فانتقاده حكم مبارك كان تدريجياً، عبر تويتر أولاً، ثم مؤتمر صحافي مشترك تبعته مؤتمرات أخرى.
وأعلى مواقفه أنه وصف يوم النطق بالحكم بحق مبارك بـ«اليوم الأسود في تاريخ مصر»، لكن هذا يعرضه للمحاكمة بتهمة «إهانة القضاة»، وتصل عقوبة الحبس فيها وحدها إلى ثلاث سنوات. من ناحية التفاعل الثوري، شارك صباحي مع قوى وتيارات مناهضة لمبارك في مؤتمر، قبل أيام، أعلن فيه دعمه «التحركات السلمية» في الشارع لمناهضة الحكم، وهي الدعوة التي رآها معارضو صباحي مخالفة لقانون التظاهر، لأنها تحثّ الشباب على الخروج إلى الشارع. كذلك لاقت تصريحاته اعتراضاً من أنصار السيسي ومبارك الذين شنوا هجوماً لاذعاً عليه، مؤكدين أن كلامه يؤكد «أنه لم يكن ليصلح لمنصب رئيس الجمهورية الذي يجب أن يتصف بالحكمة في التعامل مع الأمور، وعدم التصريح بما لا يتفق مع رجل الدولة الذي يتحمل المسؤولية». أيضاً، أول من أمس، تقدم محامٍ يُدعى سمير صبري، المعروف بإقامة الدعاوى ضد المشهورين، ببلاغ ضد صباحي إلى النائب العام، اتهمه فيه «بالتخطيط للتظاهرات التي تخرج معارضة للحكم القضائي وتحدث الفوضى»، مع المطالبة بتطبيق أقصى عقوبة وفقاً لقانون الإجراءات الجنائية الذي يقرر عقوبة الحبس المؤبد لمن يثبت تورطه في وضع قانوني مشابه. ومع أن احتمالات تعرض مؤسس «التيار الشعبي» للسجن حتى الآن ضعيفة في ظل غياب أي خطوات فعلية للتحقيق في البلاغات ضده، لكن هذه الزوبعة تعيد إلى الأذهان ما حدث مع مؤسس حزب «الغد»، أيمن نور، الذي تعرض للحبس بعدما حلّ وصيفاً للرئيس المخلوع، مبارك، في انتخابات 2005. سابقاً، عانى حمدين ورفاقه الخنق في عهد مبارك على مدار سنوات بسبب الانتقادات التي كان يوجهها إلى نظام الحكم، لدرجة التدخل لإحباط صعود الرجل في انتخابات مجلس الشعب عام 2010 داخل مسقط رأسه (بلطيم)، رغم الشعبية الجارفة التي يتمتع بها هناك. ومن المعلوم أنه كان من أوائل المشاركين في التحركات الميدانية خلال السنوات الماضية، وحل ثالثاً في انتخابات الرئاسة التي جرت عام 2012 وتنافس فيها 13 مرشحاً رئاسياً. هنا يلحّ السؤال عن إمكانية أن يكون حمدين «رجل مرحلة» في ظل هذا التاريخ السابق من الصوت العالي ضد الحكم، فهو خرج من سباق الانتخابات، مشكلاً كتلة شبابية باسم «التيار الشعبي» شارك فيها بجمع استمارات «تمرد» التي حركت الشارع ضد الرئيس المعزول، محمد مرسي. لكنه بعد خسارته أمام السيسي، حرص على إظهار دعمه للنظام الجديد، وخاصة في القرارات المتعلقة بمكافحة «الإرهاب» والتصدي لأعمال العنف. وإن اختفى عن المشهد، فإنه ظل يطالب من تحت الطاولة بإلغاء قانون التظاهر والإفراج عن الشباب المعتقلين، ثم صار يردد هذه المطالب في لقاءاته علناً، وأخيراً كان انتقاده «براءة مبارك» أقصى ما وجهه إلى السلطة منذ صعود السيسي. على ناحية أخرى، رحب أنصار صباحي بتصريحاته، بل رأوها معبرة عن «روحه الثورية والتحامه بالمواطنين البسطاء الذين شعروا بخيبة الأمل في قضية مبارك». مع هذا، أتته انتقادات من بعض من أيدوه في انتخابات 2012، وخاصة القيادات الناصرية الداعمة للسيسي، وكان العنوان أن «صباحي يريد العودة إلى الأضواء مجدداً، أو الحصول على دعم الشباب الرافضين لنتيجة الحكم على مبارك من أجل اعتبارات أخرى». في السياق، يرى عضو «التيار الشعبي»، وليد صلاح، أن كلام صباحي الأخير «عودة للتعبير عن رأي الجماهير»، مؤكداً أنهم يشعرون بأن حمدين «رجل دولة»، وإن كان «على المستوى الشخصي» لا يؤيد ترشح حمدين في أي انتخابات مقبلة أو حتى تولي منصب في الدولة، «لأن النظام المركب في مصر لن يساعده على النجاح». وعن رؤية التيار لما يمكن فعله في الميدان، يقول صلاح إن «طريقة تعامل النظام مع الشباب والقوى الذين حركوا الثورة على نظامي مبارك ومرسي، ثم ترك مبارك ومن معه يخرجون إلى الحرية، سلوك يؤكد وجود خلل في الدولة وبعداً عن الديموقراطية». تعقيباً على أداء صباحي، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة حلوان، طارق عبد العليم، إن تحركات الرجل في الشارع «تأتي متلاصقة مع فكره السياسي... تصريحات حمدين جاءت في توقيتها، وهي رسالة إلى الشباب من الجهة، وإلى القائمين على السياسة من جهة أخرى». وبشأن انتقاد أداء صباحي، أضاف عبد العليم: «هي انتقادات تعبّر عن وجود تيارين في المجتمع المصري، الأول يدافع عن القضاء، باعتباره جزءاً من الدفاع عن الرئيس، والآخر يدرك حقيقة استحالة محكامة مبارك جنائياً وفقاً للقوانين الموجودة، ويرى أن الوقت مضى على محاسبته ويمكن إنهاء صفحة حكمه بمنع عائلته من الدخول في الميدان السياسي لاحقاً». لكنه رأى أن قضية البلاغات ستكون جزءاً من المناكفة السياسية، وخاصة مع اقتراب الانتخابات البرلمانية، من أجل تقليل فرص المتنافسين في الشارع.
روان عز الدين - الاخبار
الصراعات الطبقية هي نفسها منذ عقود. والإعلانات التي تكلف آلاف الدولارات تجد لها فسحات واسعة في الشوارع. البنادق ما زالت تعلو كل الجبهات. حتى في شارع الحمرا تبدّل كل شيء، إلا «بياعين العلكة» وصراعهم اليومي مع العسكر. تغيّرت ملامح كثيرة، وابتلعت الحسابات التجارية والإعلامية وجوهاً فنية طبعت لفترة طويلة هذا النمط من الأغنيات، لكن خالد الهبر بقي مع غيتاره وصوته الحقيقي وأغنياته السياسية والاجتماعية والعاطفية. لا تحتاج حفلات الهبر إلى إعلانات ضخمة.
تكفي الدعوات على فايسبوك ليمتلئ «الأونيسكو» بأشخاص حفظوا المواعيد جيداً كما الأغنيات. بعدما أحيا حفلته الأخيرة في عيد العمال هذه السنة، يقدّم الهبر مع الفرقة أمسية عند الثامنة والنصف من مساء اليوم على خشبة «قصر الأونيسكو» (بيروت). الموعد مألوف لناحية الأغنيات والمكان. هو ضمن حفلات ثابتة خلال السنوات الأخيرة، في «قصر الأونيسكو» مع خالد والفرقة، وريبيرتوار يجمع الجديد والقديم. هكذا تجعل الأحداث الراهنة من أمسيات خالد ملجأ للشباب، فتعكس أغنياته صورة ماض لم يتح لهم أن يعيشوه بنضالاته ويومياته البسيطة. لكنهم مع ذلك، يجدون اليوم من يغني لهم من ذلك الزمن، ويستدعي إليهم، ولو على شكل لمحات سريعة بعضاً منه.
على مدى ساعتين، سنستمع إلى أغنياته الكلاسيكية كـ«سنديانة حمرا»، و«شارع الحمرا» و«بشارة» و«أغنية عاطفية»...وفي ريبيرتوار الحفلة أيضاً أغنياته الجديدة من ألبومه الأخير «هيدا زمانك» (2010) وتلك المنفردة التي أصدرها لاحقاً، مثل «ما تنسوا فلسطين» التي كتبها من أجواء الربيع العربي، و«القنطاري» (1975) التي سمعها الجمهور للمرة الأولى في الأوّل من أيّار الماضي، و«نحن في غزة بخير»، و«الله موجود» و«الشيخ امام».ومن ريبيرتواره النوستالجي، سيقدّم أغنية «حالة الاحتضار الطويلة» من ألبوم بالعنوان ذاته، يضم أشعاراً لمحمود درويش، إلى جانب أغنيات أخرى أعاد توزيعها نجله الموسيقي ريان الهبر. أما لحناً، فستكون مشاركة ريان من خلال مقطوعتين: «إلى وردة وبليغ»، و«ألبان وأجبان». كذلك هو يشارك مع الفرقة المرافقة لخالد (غيتار وغناء) التي تضمّ حوالى 20 موسيقياً، من بينهم: ريان الهبر (كيبوردز)، خضر بدران (بيانو)، بشار فران (باص)، فؤاد عفرا (درامز)، وليد ناصر (طبلة)، علي الخطيب (رق)، غسان سحّاب (قانون)، فرج حنّا (بزق) ونضال أبو سمرا (تينور ساكس)، إلى جانب الكورس: زينب زهر الدين، فرح نخول، روزيت بركيل، إيلي سمعان، إيلي سعد ومهنا جحا.