فاتن الحاج - الاخبار
بعد الأعياد، تعود هيئة التنسيق النقابية إلى الشارع مجدداً. تقول إنها ستفعل ذلك، مرغمةً، إذا لم تصل الاتصالات مع المسؤولين إلى نتائج إيجابية. تنفي أن يكون التحالف السياسي والمالي قد نجح في فك عرى العلاقة المتينة بينها وبين قواعدها من جهة، وبينها وبين الرأي العام من جهة ثانية. لذا، فهي ما زالت تراهن على القواعد التي ستعاود تعبئتهم عبر جمعيات عمومية ومجالس مندوبين لاستكمال المعركة الاجتماعية الطويلة والصعبة مع هذا التحالف وفضح أهدافه.
تقر بأنّ الأخطاء التي وقعت في المرحلة الماضية سببها أننا «لسنا مؤسسة ذات هيكلية موحدة، بل هيئات خمس تنسق في ما بينها من دون أن تلغي خصوصية كل هيئة وظروفها وأولوياتها». وفيما يصيب التململ الموظفين والمعلمين إلى حد يدعو فيه البعض في السر والعلن ويُجري الاستفتاءات الفايسبوكية حول الانفصال بين القطاعات الوظيفية، تعلن الهيئة أن تقويم التحرك السابق أفضى إلى نتيجة واحدة هي: بقاء الهيئة موحدة بمكوناتها الخمسة. وبناءً عليه، ستجدد اتصالاتها ولقاءاتها مع كل الكتل النيابية للضغط باتجاه إقرار سلسلة الحقوق وإلغاء مواد المشروع الذي يضرب دولة الرعاية الاجتماعية. وعلى خط موازٍ، ستنظم محاضرات وورش عمل تتناول مخاطر التعاقد الوظيفي ووقف التوظيف وإعادة النظر بالعطاءات الاجتماعية للصناديق الضامنة واقتطاع 35% من حقوق المستفيدين من أسر المتقاعدين بسبب الوفاة، وزيادة دوام الموظفين. وتتضمن الورش والندوات مقارنات بين الموظف الإداري والموظف المماثل في المؤسسات العامة وموضوعات التهرب الضريبي وأسباب الفساد وأساليب مكافحته.
السلسلة هي تصحيح رواتب لا توصيف وظيفي أو إصلاح إداري وفي مؤتمر صحافي عقدته هيئة التنسيق بعد انقطاع دام ثلاثة أشهر، ذكّرت الجميع بأنّ السلسلة هي تصحيح رواتب لا خوض في توصيفات وظيفية ولا اختصارلإصلاح إداري أو تربوي، و«هذا يحدث تلقائياً عند الحكومات الديمقراطية دورياً، دونما حاجة إلى إضرابات واعتصامات وتحركات احتجاجية، إلا في لبنان، حيث يتبارى المسؤولون في الالتفاف على أي مطلب شعبي محق، وكأنهم يريدون لهذا الشعب أن يهاجر أو يعيش تحت خط الفقر المدقع». أما أسباب تأخر الهيئة في إعلان التحرك، فيعزوها رئيس رابطة أساتذة التعليم المهني والتقني إيلي خليفة، متحدثاً باسم الهيئة، إلى الظروف الأمنية والسياسية التي مر بها البلد في الأشهر الماضية. والسبب الثاني أنّ الهيئة احتاجت للأشهر الثلاثة لتقويم تحرّكها، والتعرف إلى مكامن النجاح والخطأ. فالتقويم أظهر، بحسب خليفة، أننا «نجحنا في بلورة تصحيح الرواتب بنسبة التضخم المتراكمة منذ عام 1996 وبزيادة التقديمات الاجتماعية والصحية لهم، وبضرورة تعزيز الإدارة العامة بعيداً عن التعاقد الوظيفي، والارتقاء بالتعليم المهني والتقني وبالمدرسة الرسمية ومدّها بالكفاءات على مستوى الإجازة التعليمية في مرحلة التعليم الأساسي والماجستير في مرحلة التعليم الثانوي، والحفاظ على الحقوق المكتسبة والقوانين الخاصة بكل القطاعات الوظيفية. ورأى خليفة أن مبررات الإبطاء والتأخير في إقرار السلسلة سقطت، فالمشروع أصبح منذ عشرين شهراً في عهدة المجلس النيابي، وجميع القطاعات الوظيفية قدمت مذكراتها المطلبية.
مشاريع كثيرة والخطط الموضوعة لإنجازها سَلَك بعضها آلية التنفيذ. أعمالٌ للشاشتَين الكبيرة والصغيرة، وأخرى موسيقية وعشرات الأغنيات. في انتظار ذلك، يقدم أمسية في نادي «نوفا» يوم السبت
بشير صفير - الاخبار
منذ حفلاته في «المركز الثقافي الروسي» في أواخر أيلول (سبتمبر) الماضي، شغل الفنان زياد الرحباني الناس بخبر هجرته إلى روسيا. أجواء الحدث آنذاك أوحت بأن «في شي عم بيصير/ في شي بدّو يصير»، بدءاً من عنوان الأمسيات («59 بزيادة») الذي لا يحتاج إلى تفسير، وصولاً إلى تصريحه الواضح خلال حديثٍ أجراه معه الزميل من قناة «الجديد» جاد غصن. في تلك المقابلة التي تزامنت مع «59 بزيادة»، التقط غصن المعنى المبيَّت في هذا العنوان، وأراد كشف الأسباب الكامنة وراءه، فنجح في ذلك بشكلٍ لافت، إذ اختار أسئلة صائبة بنى عليها تقريراً ممتازاً، وازَن فيه بدقة بين العاطفي والمهني. الخطة كانت تقتضي مغادرة لبنان إلى روسيا، لإقامة حفلتَين (في سانت بطرسبرغ وموسكو) ضمن احتفالات ذكرى «ثورة أكتوبر» التي لا يحلم الروس في تكرارها، لكنهم، في المقابل، لن يقبلوا إهانتها.
هذا الاعتزاز الواقعي بالتجربة السوفياتية يلخّص وضع روسيا اليوم، وهذا ما ارتاح إليه الرحباني، فوضَع إضافةً إلى الحفلتَين، احتمال الإقامة هناك. مضى شهران ونصف شهر على ذاك التصريح الذي أتت بعض الردود عليه مقززة، لكن متوقّعة، وإلا كيف يمكن تفسير انهيار منظومة الأخلاق في هذا البلد؟ مرّ الوقت وزياد لم يغادر. لم يغادر بعد أم لن يغادر؟ المؤكّد أنّ التأجيل فرض نفسه على هذه الخطوة الدقيقة جداً لأسباب عدّة. هناك أمور عدة يجب إنجازها أو بتّها قبل السفر. هكذا يحصل مع أي شخص لديه في بلده كيان: البيت، العمل، المشاريع، الممتلكات، العائلة، الأصدقاء… وفي كيان زياد، أضف إلى كل ذلك: الناس الطيّبين العُزَّل. إذاً، هل تسرّع في تصريحه وقراره؟ كلا… قُل بلغ القرف ذروته فسبَّب انفجاراً. من خلال التأجيل، أراد الرحباني تخفيف أضراره على الآخرين، فاختار التحمّل بعد. واللهِ لو نفّذ قراره غير آبهٍ إلا بنفسه لكانت الخسارة ضخمة. الزميلة ضحى شمس حثّته على الرحيل، لأنها تحبّه، فتراجع هو لأنه يحبّنا. ثم أتت حفلات صيدا مطلع تشرين الأول (أكتوبر) لتبعث أملاً نادراً: فقد كانت الأجمل منذ آخر ضربة بيانو في آخر ليلة من حفلات «منيحة» في الشام (2009). المقصود بالأجمل ليس الجانب الفنّي، بل الناس الذين أغدقوا الضيف حبّاً اعتقدنا أنه ليس موجوداً إلاّ في قلوب الجمهور السوري العظيم. الآن الأوضاع هادئة. هدوءٌ مقلقٌ. المشاريع كثيرة والخطط الموضوعة لإنجازها سَلَك بعضُها آلية التنفيذ. أعمالٌ للشاشتَين الكبيرة والصغيرة. وأخرى موسيقية: بدون مبالغة، عشرات الأغنيات (رَشَح منها «صَمَدوا وغَلَبوا» في حفلات صيدا) والمقطوعات الموسيقية تنتظر تنفيذاً محترماً… أو تنتظر بلداً محترماً قد يكون روسيا وقد يكون ألمانيا أو كِلا الجبّارين (لناحية البنى التحتية الموسيقية). في هذه الأثناء، لا بدّ من تمضية بعض الوقت في الاستماع إلى الموسيقى. لكن بدل دعوة الأصدقاء (أي كل الناس) إلى داره، يختار الرحباني من حين إلى آخر مكاناً أوسع بقليل، حيث فرقة موسيقية تحلّ مكان شريط مسجَّل. ما أجمل هذا الحلّ. هكذا، يحيي زياد الرحباني مع فرقته (خالد عمران، آبريل سنترون، الياس المعلّم، طارق خلقي وعادل منقارة) أمسية وحيدة في نادي Nova (سن الفيل) مساء السبت المقبل. هذا المكان مقصودٌ تاريخياً من الشباب المتوسّط الحال للاستماع إلى الموسيقى الحية. مكانٌ لا يشبه سواه في أجوائه المريحة التي باتت نادرة. في أحد مقالاته كتب زياد: «طالع عبالي كتير إشيا، بس المهم اقدر أعملها. يعني لازم أفضى لإقدر اعملها، بس مش عم أفضى. شو بقدر أعمل، لإقدر أفضى لإقدر اعملها؟». ربما هذا هو السبب الرئيس في تأجيل الهجرة. سببٌ قد يؤدي إلى تأجيل دائم. لكن تبقى المشكلة الأكبر في نيّة الرحباني الثابتة لترك البلد. إنّ ما باستطاعته القضاء على هذه النيّة هو ما يجب مناقشته وليس السفر أو تأجيله أو إلغاؤه… ففي ذلك خلاصنا جميعاً.
* أمسية لزياد الرحباني: 22:00 مساء السبت المقبل ـــ NOVA (سن الفيل) ــ للاستعلام:
محمد سيد رصاص - الاخبار
خلال القرن العشرين، وحتى الآن، سادت الساحة السياسية العربية أربعة تيارات: الليبرالي، والعروبي بفرعيه الناصري والبعثي، والاسلامي، والماركسي. وصلت التيارات الثلاثة، ماعدا الماركسي، إلى السلطة وحكمت بلدان وفشلت. نشأت الماركسية، بطبعتها الشيوعية، على وقع نشوء الاتحاد السوفياتي، ولو أنّ أحزاب شيوعية عربية ضربت جذوراً عميقة في بلدانها، مثل أحزاب السودان والعراق وسورية، ولو أن الحزب الشيوعي السوداني قد دفع ضريبة مخالفته لموسكو في الموقف من النميري بين عامي 1969 - 1971 وتحطم بسبب ذلك لما حاول الخروج من المأزق عبر انقلاب 19-22 تموز 1971، فيما دفع الشيوعيون السوريون والعراقيون ضريبة التبعية للسوفيات ما أدى إلى انشقاقات وسياسات أفقدتهم قوتهم من خلال التحالف مع الأنظمة القائمة عبر جبهتي 7 آذار 1972 في سورية وجبهة 17 تموز 1973 في العراق.
عندما جرت، بعد هزيمة حزيران 1967، محاولات لانشاء تعبيرات ماركسية على غير الطبعة السوفياتية من خلال نازحين من التنظيمات العروبية إلى الماركسية لم تستطع تلك التعبيرات أن تكون منافساً فكرياً للأحزاب الشيوعية العربية، والكثير منها مثل الحزب الاشتراكي اليمني والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وحزب العمل الشيوعي في سورية، انزاح لاحقاً نحو التفكير الماركسي السوفياتي. كان وقع سقوط الكرملين بين عامي 1989 و1991 كبيراً وقوياً على كثير من الأحزاب الشيوعية العربية، وحتى على أحزاب شيوعية خالفت موسكو مثل الحزب الشيوعي السوداني والحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي، ولم يكن الأثر أقل على كثير من التنظيمات الماركسية العربية الأخرى. تخلى البعض عن الاسم، مثل الحزبين الشيوعيين في تونس وفلسطين، واضمحلت تنظيمات مثل منظمة العمل الشيوعي في لبنان، وانزاح الكثير من الشيوعيين والماركسيين زرافاتاً ووحداناً عن الماركسية ونزحوا وذهبوا بغالبيتهم العظمى إلى «الليبرالية الجديدة» التي أخذت ملمحاً مختلفاً عن ليبرالية مفكرين مثل لطفي السيد وأحزاب مثل «الوفد» المصري و«الكتلة الوطنية» في سورية، وليكونوا صدى لمشروع «المحافظون الجدد» الذين سيطروا على إدارة بوش الابن، ومعظمهم من التروتسكيين المتحولين من الماركسية إلى الليبرالية مثل بول فولفوفيتز، نائب وزير الدفاع الأميركي، وريتشارد بيرل، رئيس مجلس تخطيط السياسات الدفاعية في البنتاغون، الذين أرادوا عبر إعادة صياغة الشرق الأوسط من خلال «مشروع الشرق الأوسط الجديد»، مع وبعد غزو العراق، «إزاحة الديكتاتوريات القائمة ونشر الديموقراطية ونموذج اقتصاد السوق».
تشكيل حاضنة شعبية لم ينجح هذا المشروع الأميركي وقد غرق معه وفيه كل أولئك المتحولين من الماركسية نحو تلك الليبرالية الجديدة، ثم غرق الاسلاميون الاخوانيون بعد أن أصعدهم «أسانسور» باراك أوباما إلى السلطة في بحر عامي 2011-2012، لما تخلت واشنطن عنهم في بحر عامي 2013-2014. وقد غرق معهم بقايا الليبراليون الجدد، وبخاصة في سورية لما أخذوا وضعية التابع للاسلاميين في «المجلس» و«الائتلاف»، فيما كان الليبراليون الجدد في مصر وتونس أتباع لأنظمة مثل تلك التي كانت لمبارك وبن علي، والآن يجدون أنفسهم وراء السيسي والقائد السبسي. الآن، في نهاية عام 2014، وعبر أحد عشر عاماً وثمانية أشهر منذ سقوط بغداد بيد الأميركي، هناك فشل كبير لتيارين ارتبطا بواشنطن بالفترة المذكورة: «الليبراليون الجدد» و«الاخوان المسلمون». قبل هذا هناك فشل للتيار العروبي بطبعتيه الناصرية والبعثية، وقبله فشل لليبراليين القدماء وأحزابهم من أمثال «الوفد» و«الكتلة الوطنية» و«حزب الشعب» السوري. لم يستطع «الليبراليون الجدد» تشكيل حاضنة شعبية بل كان اعتمادهم، في منحاهم الإيديولوجي اليميني مثل الذي كان لما كانوا يساريين، أي أن يعتمدوا على قوة عظمى للزرع المحلي من خلال استبدال موسكو بواشنطن. هناك انفضاض شعبي عن الناصريين والبعثيين. والآن في مصر وسورية وبعد أن صعد «الاسلام السياسي» فيهما منذ السبعينيات كموجة، (وهما – أي القاهرة ودمشق - بوصلة الفكر السياسي العربي منذ عام 1919)، هناك انفضاض اجتماعي كبير عند الطائفة السنية، إن أسميناها مجازاً طائفة، عن تيار «الاسلام السياسي» بطبعاته الاخوانية والسلفية الجهادية بل هناك أكثر من ذلك حيث توجد عودة إلى مظاهر التحرر السلوكي والاجتماعي والثقافي بكل ما يمكن أن تفرزه هذه من ترجمات إيديولوجية فكرية - سياسية. يساهم في هذا فشل «الاخوان» في الحكم في القاهرة وتونس، وفشل مشاركتهم في السلطة بصنعاء وطرابلس الغرب، وفشل قيادتهم للمعارضة السورية عبر تجربتي «المجلس» و«الائتلاف». كما يساهم في هذا ما أظهره الاسلاميون، بطبعاتهم المختلفة، في مناطق سيطرتهم كمليشيات في حلب وريف ادلب وديرالزور والرقة وبنغازي وطرابلس الغرب حيث كانوا غاية في الفساد والديكتاتورية، ودخلوا في صدام مع العادات وأنماط الحياة التي اعتاد عليها الناس ومنها التي للمتدين وللمتدينات على طراز الاسلام الشعبي وهم غالبية اجتماعية في الدول العربية. الآن، يعيش العرب فراغاً إيديولوجياً فكرياً - سياسياً، حيث توجد تيارات سياسية تتساوى في الفشل خلال مسار يقارب المئة عام. بالتأكيد الماركسيون حتى لو لم يجربوا السلطة باستثناء تلك التجربة اليتيمة والفاشلة أيضاً لليمن الجنوبي، إلا أنهم يشاركون الآخرين في الفشل، سواء في تبعيتهم للسوفيات ثم للأنظمة ذات العلاقات الجيدة مع موسكو وبعد هذا هم يعتبرون فاشلين مع سقوط نموذجهم في الكرملين. هنا، هناك بوادر على اتجاهات اجتماعية عامة في حالة الفراغ هذه: ابتعاد من العروبة لصالح الكيان القطري، البحث عن لاصق وطني عابر للطوائف والأديان والقوميات، ابتعاد من «الاسلام السياسي» ومن التدين ولو أن الابتعاد من الأخير أقل من الأول، اتجاه نحو علمانية «ما» تفصل الدولة عن الدين، بداية التحسس والاحساس الاجتماعي بثقل الفوارق الطبقية بين الأغنياء والفقراء، عداء للغرب وبداية التحسس لمعنى عبارة «الهيمنة الامبريالية الغربية» ولو أن هناك اعجاب وتمثل بنمط الحياة الأميركية حتى عند الذين يشعرون بعداء لواشنطن بالمعنى السياسي، ولو أنها لا تصل عندهم للعداء الإيديولوجي الفكري - السياسي للرأسمالية أو لمنحى يساري اشتراكي ماركسي. أليست هذه بوادر على قرب انتعاش لليسار عند العرب؟ * كاتب سوري
علي غريب- الاخبار
في مقال للدكتور الشيخ صادق النابلسي نشر هنا في «الأخبار»، بتاريخ 17/ 11/ 2014، تحت عنوان «مقاومون لكن غرباء»، عكس فيه كاتبه عمق الأزمة بين حزب الله والحزب الشيوعي، ووجدتُ من المناسب أن أدخل على «سكة الجدل» التي فتحها لأقدم إجابة عن سبب ابتعاد حزبين مقاومين من ساحة التلاقي سواء لمواجهة العدو الإسرائيلي أو لتحمل أعباء بناء دولة المواطنة الحقيقية.
أولاً: في المسألة الإيديولوجية:
إنّ الإنسان ينزع نحو حياة كريمة وعدالة اجتماعية، نحو أُخوّة حقيقية ضد الاستبداد والظلم. والماركسي لا يرى في الثورة الاجتماعية غاية بذاتها بل وراء كل نضال الشيوعيين أن يجعلوا من كل إنسان إنساناً. الحزب الشيوعي هو حزب الإنسان، الإنسان مهما كان لونه وجنسيته ودينه وقوميته هو حزب الاشتراكية والعدالة والاجتماعية بين بني بشر. لينين نفسه لم يبشّر بالالحاد، ولا الثورة كانت تستهدف الدين والمتدينيين. كانت ثورته لرفع الظلم والغبن عن كاهل الفقراء ولذلك التحق الفلاحون المؤمنون بالثورة رغم معتقداتهم الدينية الراسخة. والحزب الشيوعي قد يضمّ من بين أعضائه ملحدين ومؤمنين كأي تنظيم آخر، فإيمانهم ومعتقداتهم الدينية لا شأن لها في السياسية. كان ماركس يركز دائماً على مواجهة الرأسماليين الذين قال فيهم «الرأسماليون ليس لديهم إله يعبدونه سوى المال»، وهو يتقاطع في ذلك مع قول السيد المسيح «لا تعبدوا ربّين الله والمال». والتعارض بين العلمانية والدين حصل فعلاً في مراحل تاريخية محددة ضمن تطور المجتمعات، ولكن التعارض لم يحصل مع الدين كجوهر إيمان وكنظام قيم إنما الصراع حصل مع المؤسسة الدينية كسلطة سياسية متحالفة مع سلطة الملوك والإقطاع والحاكمين. واستناداً إلى ذلك لا يستقيم حوار بين إيدولوجيتين مختلفتين إلا إذا قام على أساس الموضوع المشترك وهو «الإنسان». وهي الحياة الاجتماعية على الأرض، الحياة الكريمة لبني البشر وحريتهم وقيمهم النبيلة ومساواتهم. من هنا يُبنى الأساس للعلاقة بين الشيوعيين والأحزاب الدينية، ولنا من تجربة رجال اللاهوت وتحالفهم مع الماركسيين في أميركا اللاتينية خير دليل وشاهد على ملاقاة الإيديولوجيتين بالموضوع المشترك وهو الإنسان. تلك هي المسألة الأساس التي يُبنى عليها تحالف جبهوي بين كل القوى التي ترفع شعار المقاومة وتتبنى نهج المقاومة وتحمل سلاحها وترّوج ثقافتها لتحرر الانسان، ولتبني مجتمعاً خالياً من الاستغلال والاستعباد. وأفضل اختصار لها هو ما كتبه ذات يوم تشي غيفارا: «لا يهمني أين ومتى سأموت بقدر ما يهمني أن يبقى الثوار يملؤون العالم ضجيجاً كي لا ينام العالم بكل ثقله على أجساد الفقراء». واستناداً إلى ما تقدم نعتقد أن حزب الله المنخرط في السياسة لا يقارب تحالفاته مع الآخرين من منظور إيديولوجي، كونه يقيم علاقات مع أحزاب وقوى ماركسية وعلمانية يحتضنها ويدعمها بينما لعلاقته مع الحزب الشيوعي شأن آخر، علاقة مشوبة بالحذر. وقد لا يكون حزب الله وحده مسؤولاً عن هذا الأمر وربما تقع المسؤولية على الحزب الشيوعي أيضاً بعدم إظهار رغبة في التقرّب إلى حزب الله نتيجة حسابات حذرة مبنية على أحداث سابقة. ومع ذلك فالشيوعي يحاور حزب الله بالإعلام منتقداً سياسته على المستوى الداخلي. هنا يبدأ التباين.
ثانياً في المسألة السياسية
أــ ينحاز حزب الله ويفضل التحالف مع أية قوى إسلامية، علماً أنه أيقن أكثر من مرة وخَبُر أكثر من طرف، وتبيّن له وللجميع أن بعض الإسلام السياسي بمجرد وصوله الى السلطة انكشف سريعاً بتقديم أوراق اعتماده إلى اسرائيل لبناء علاقات صداقة وتعهّد احترام المعاهدات القائمة معها. وبعضه حتى في اللحظات الصعبة التي عاشها الحزب في لبنان وقف على الحياد وملاذه كانت قطر ومحطة «الجزيرة». ب ــ تحالفاته القائمة مع أطراف السلطة ذات طبيعة طائفية مبنية على المصالح المشتركة وليس على رؤية إصلاحية للنظام السياسي وبعضها غارق في الفساد والارتهان.
ج ــ رعايته لصيغة جبهة الأحزاب الوطنية القائمة تفتقد إلى المشروع الوطني المعبّر عنه ببرنامج إصلاحي ما يجعل منها لقاءً فضفاضاً تنحصر مهمته بإصدار بيانات تأييد للمقاومة وانتقادات واعتراضات على خصومها.
دــ مفهوم التحرير والتغيير: بحيث يفصل حزب الله بين النضال التحرري والنضال الاجتماعي فهو قاوم وانتصر على العدو الاسرائيلي بينما لم يكن كذلك في الداخل مع النظام السياسي الطائفي. ه ــ مفهوم الدولة المدنية التي ينفصل فيها الدين عن الدولة ومؤسساتها وبالتالي بضرورة إلغاء الطائفية من النظام. هذه بعض من نقاط التباين بين الحزبين بحيث يرى الحزب الشيوعي أن التحرير والتغيير متلازمان كي يستمر الترابط والوفاء بين المقاومة مع جمهورها وأهلها الذين هم أبناء الفقراء والفئات المسحوقة. هؤلاء هم أهل المقاومة وحماتها وحاملو راياتها الحمراء والصفراء والخضراء وبعضهم قدم أغلى ما يملك من أجل التحرير والسيادة الوطنية. لكن هؤلاء وحدهم استمروا يدفعون الثمن في البلد الذي حرروه، يدفعون الثمن بطالة وهجرة وضرائب لايقدرون على تحملها ولا يستطيعون تأمين حياة كريمة، في بلد تحكمه طبقة سياسية فاسدة ساهم بعض أركانها بالاستنجاد بالعدو وبالغرب وبات العملاء في نظامهم يحاكمون كأنهم خالفوا قوانين السير وباتت الخيانة لديهم وجهه نظر. فمن الخطأ الكبير أن تكتفي المقاومة بشعار تحرير الارض والتمسك بالسلاح من دون النظر الى الأزمات السياسية والمعيشية، ومن دون التوقف عند الأسباب الحقيقة وراء انقسام الطبقة السياسية الحاكمة نفسها. كان ينبغي أن تستكمل عملية التحرير بنضال شعبي يفرض على الطبقة الحاكمة إجراء إصلاحات سياسية واجتماعية وعلى رأسها إلغاء الطائفية من النظام ومؤسساته، وما أثار الصراع الدائر اليوم حول المقاومة وسلاحها، سوى وجه من وجوه إغراق المقاومة بشكل أساسي في مشاكل داخلية مذهبية. ونتساءل ماذا أضافت السلطة الى المقاومة؟ ومن استفاد من الآخر؟ وماذا قدمت تلك السلطات التي شاركت فيها المقاومة الى جماهير المقاومة سوى البؤس والحرمان والعتمة والبرد؟ وبدلاً من أن تتحول المقاومة إلى عنصر قوة وتوحيد يسعى أهل السلطة الى تشويه دورها بتحويلها إلى عامل انقسام شعبي مذهبي، مستفيدين من بنيتها المذهبية الخاصة. ويبدو أن حزب الله كان سعيداً بحصرية المقاومة في حزبه بدلاً من أن يسعى بإمكاناته الكبيرة المتوافرة الى استمرار المقاومة في جبهة وطنية يصعب على أي كان من أطراف السلطة المحلية أو القوى الخارجية اتهامها بما هي فيه اليوم. من هنا تكمن أهمية تلازم النضال الوطني بالنضال الاجتماعي لأنهما وجهان لقضية واحدة يستحيل الفصل بينهما، وبالتالي العلاقة بين الحزبين لا تستقيم إلا بالنظر الى ترابط النضال الوطني بالنضال الاجتماعي. ليس من حق الشيوعي أن يقيد قناعات وعلاقات حزب الله الخارجية لكن من حقه أن يرى بوضوح أن سياسته على المستوى الداخلي تصب في مصلحة الطبقات الشعبية الفقيرة، بينما لا يبدو أن سياسته تختلف كثيراً عن معظم أطراف السلطة الحاكمة لذا لم يكن غريباً أن «يصوّت» نوابه بالموافقة على كل الموازنات التي كان يقدمها الرئيس الحريري الى المجلس النيابي وهي الخاضعة لشروط المؤسسات المالية الدولية، فانهكت المواطنين بالضرائب وشلت الصناعة الوطنية وعمقت الأزمة الحياتية ــ المعيشية للفئات الشعبية. وليس غريباً أن يجلس حزب الله بعد حرب تموز 2006 وأيار 2008 مع من كان يتهمهم بالعمالة والخيانة تحت مسميات حكومات «مقاومة» و«وفاق وطني» و«وحدة وطنية» وأن يرضى بسياسة عدم استفزاز الحاكمين في أكثر من مناسبة واستحقاق، وأن يحجب أصواته عبر مرشحي الحزب الشيوعي في الجنوب. وبالعودة إلى السياسة التي اتبعها حزب الله ولا سيما بعد عام 2000 أي بعد التحرير، فقد شكلّت عاملاً رئيسياً في إعادة تثبيت سلطة التحالف الرأسمالي ــ الطائفي، ولا سيما سلطة الأكثرية الراهنة ما سهّل للعدو مغامرته عام 2006، إذ اعتمد حزب الله انطلاقاً من حرصه على المقاومة وسلاحها التنازل أمام الآخرين مقابل تغاضيهم عن ذلك السلاح. وبدلاً من توسيع تحالفاته أمام الهجمة الأميركية الصهيونية على المنطقة، في اتجاه بناء أوسع تحالف وطني مقاوم نراه ما زال يفضل الاتفاق مع أطراف السلطة نفسها. وهذا يشير الى أن اقصى ما يطمح إليه حزب الله على الصعيد اللبناني وهو معادلة داخلية تحمي ظهر المقاومة والتسليم بشرعية سلاحها، وبالتالي مشكلته تبدو أنها ليست مع النظام الطائفي السياسي بقدر ما هي مع بعض ممثلي هذا النظام الرافضين لاستمرار سلاح المقاومة بيد الحزب. بينما يهدف الحزب الشيوعي الى تغيير في بنية هذا النظام لمصلحة الفئات الشعبية وبناء سلطة وطنية وحدها القادرة على حماية المقاومة ونهجها ووحدها التي يمكن أن تؤسس لثقافة وسياسة دفاعية ثابتة. إنّ الحزب الشيوعي حريص على إقامة علاقة تحالفية مع حزب الله. المشكلة التي نختلف عليها هي في كيفية قيام دولة مدنية قائمة على المواطنة والديمقراطية الحقة، لا الديمقراطية التوافقية. والحزب الشيوعي على جهوزية دائمة لفتح حوار مع حزب الله على قاعدة ما ورد في مقالة النابلسي وهي: «الحاجة إلى استنهاض الطرفين في صيغة حلم مشترك يتلمس تغيير الواقع الوطني والباسه ثوباً جديداً. فنتاج حزب الله والحزب الشيوعي العمود الفقري لليسار الذي يشترك بعدد من السمات المحورية يمكنه أن يحدد شكل الواقع اللبناني بمستوياته السياسية والاجتماعية ويمكنه تنقية الهواء من غبار الطائفية الأصفر ودخان المذهبية الأسود، ويمكنه أن تخرج بالجماهير إلى ميدان الحرية كي يستعيد وجوده وحضوره». * عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني
أعلن "نادي الأسير الفلسطيني" أن 70 معتقلاً فلسطينياً في السجون الإسرائيلية بدأوا، اليوم، إضراباً مفتوحاً عن الطعام احتجاجاً على أوضاع بعض المعتقلين. وأضاف، في بيان، أن الهدف من الإضراب "المطالبة بإنهاء عزل الأسير نهار السعدي ومجموعة من الأسرى المعزولين، إضافة إلى النظر ببعض ملفات الأسرى المرضى." وأوضح البيان أن نهار السعدي، المعتقل منذ العام 2003، معزول منذ أيار العام 2013، ومحروم من زيارة عائلته منذ عامين وهو محكوم عليه بالسجن المؤبد أربع مرات و20 عاما.ً ةمن جهته، قال رئيس نادي الأسير قدورة فارس، في البيان "إن هذه الخطوة تأتي نتيجة لتعنت إدارة السجون وعدم التزامها بالتعهدات التي كانت أعلنتها أمام الأسرى." وأضاف "تجلى ذلك بشكل صارخ في حالة الأسير السعدي الذي وعدت بإنهاء عزله في منتصف شهر تشرين الثاني إلا أنهم عادوا وجددوا عزله." وتشير الإحصاءات الفلسطينية إلى أن إسرائيل تحتجز في سجونها 6200 معتقل بينهم أطفال ونساء وكبار سن. (رويترز)
جنى نخال - الاخبار
(مَرَ ريقي بحروبِ الجهلِ من كلِ الجهات أفلا تملأ إبريقي بساتينُ الفرات قلقا أدعو شَتَاتَ الطير لموا الشملَ ما الموتُ سوى هذا الشتات ــ مظفر النواب)
تجلس صبية في السابعة عشرة من عمرها، صفراء يكاد اللون يفارقها، أمام باب المستوصف، منتظرة أوراقها لتدخل إلى الطبيب. من الواضح أنها لاجئة حرب العالم في سوريا. يلتفّ حجابها الأزرق حول وجهها الصغير الأسمر، وتسقط عباءتها السوداء على الكرسي البلاستيكي. هربت وزوجها الى لبنان، وسكنت مع من سكن «الصحراء»، صحراء الشويفات، المكان المثالي باسمه لوضعها: تلك الساكنة، كالملايين غيرها من لاجئات ولاجئي سوريا، صحراء هذا العالم.
ملايين قليلة («قليلة» يقولون، حسبي بها تُجمَع في كفّ)، أضيفت في السنين الأخيرة الى لاجئي هذا العالم. كم من مأساة، وكم من أرض، كم من قضية، هي محور هجرتنا ولجوئنا. واللجوء هرب من اوضاع غير انسانية نحو مسكن آمن مؤقت. والمسكن المؤقت هذا، غالباً ما يكون تلك القطعة الرخيصة من ارض موات، تحتلّها أربع زوايا ضعيفات لخيمة يملأها قيظ ايلول بالحرارة، ثم يمرّ عليها الشتاء فتكتسي بأوراق رقيقة من البلاستيك، وتأتي الثلوج، فتقويّها العائلة بألواح من الزينكو. غالباً ما تتطوّر حالة المسكن الآمن المؤقت، مع مرور الوقت. وبذلك يكون المسكن المؤقت الأكثر تطوّرا، هو ايضا الأكثر بعداً عن يوم الهجرة، والأقل تعبيراً عن «المؤقّت». وفي المؤقت ملعبنا، ملعب الحاضر. نحن دائماً ما نعيش المؤقت. مؤقت الاحتلال، او الحرب، او السلم المنتظر حرباً أخرى... ثابتنا مؤقّت، ودائمنا عابر. ربّما من الأفضل ان نتقبّل هذا الواقع: كل ما نثبت عليه لفترة، يزول في اللحظة التي نعتاده فيها. وهذا ما يجعلنا بمعنى ما، لاجئات بشكل مستمرّ، ومن أنواع مختلفة. وهذا ما يجعل الهجرة حالة طبيعية، واللجوء لا ينتهي. كلّنا سكّان الخيمة. لم تغيّر الأرض الثابتة او الجدران الحجرية ولا الأسقف من واقع اننا ما زلنا مذلولات ومذلولين. ما زالت كلمة المستعمر والمحتلّ والحاكم الظالم تحدّد حياتنا، وما زالت طرقاته توجّهنا. في كلّ منّا، يقبع في الزاوية ذلك الشعور الثقيل بالوحدة ووجع غربة لا نعرف لها اصلاً. زاوية لا أضلع لها ولا حدود ثابتة، خيمة تتلوّى مع الرياح الآتية، تتحرّك مع اقتراب الحرب المقبلة. تعلّقنا بالمكان لا يقلّ عن تعلّقنا بالعادات او الناس او منطق الحياة في هذه المنطقة او تلك. وبذلك، فإن انفصالنا عن المكان او العادات او الناس او منطق الحياة هو ذاته، الغربة ذاتها، التهجير ذاته. كلّنا مهجّرات ومهجّرون من واقع أردناه، كلّنا مهجّرات من شخص أردنا ان نكون معه، من شخص اردنا ان نكونه، من دور أردنا ان نؤديه، من بيت اردنا ان نعيش فيه، من شارع احببناه واختفى، من طريقة حياة اردنا ان نعيشها ولم نستطع. وكلّنا لاجئات في غير المألوف، غير المعروف غده، غير الذي أردناه او حلمناه. في وجهٍ لنا تصوّرنا غيره، في حياة أردناها اسعد، في اطفال أردناهم اجمل، وأزواج اردناهم اكثر حبا، وعمل اكثر راحة، وبيت اكبر. لجوؤنا ينبع من غربة مستمرّة في غياب ما سنتوق اليه حتى الممات. اليست هذه الغربة الكبرى؟ الأرض الأكثر بعداً؟ ابشع ما في اللجوء، امكانية استمراره. وأقول إن ابشع ما فيه ايضاً، ربّما يكون احياناً ذلك «الشتات»، ذلك الشعور بتشتت المجموعة، والأرض، والأنا. ربّما هذا هو الاساس في هذه الهجرة: تشرذم المجتمع والفرد. فكيف لنا إذاً ان نعالج هذه المشكلة؟ كيف لنا، بكل اشكال هجرتنا ولجوئنا واغترابنا ان نعالج تشرذمنا مجتمعاً وافراد؟ اذا ما فكّرنا في أن التفرقة والتقسيم هما اساس المشكلة، يظهر لنا - برغم صعوبته- لبّ الموضوع. يظهر لنا الحل في البحث عن نقاط التقاء في غربتنا، لاجئات ولاجئي حروب ومجتمع واحلام مهدّمة وحيوات غير مكتملة وبلاد لا تعطي بقدر ما تأخذ. ربّما يبدو في ذلك الكثير من الطوباوية، لكن فترة انهيار النظم التي وصلنا اليها، تدفعنا الى ان نكون راديكاليين بمطالبنا. يبدو هذا الوقت المناسب للعمل نحو ما كان يبدو مستحيلاً. وحدة ما، نقطة التقاء وتجمّع واندماج، في قوانين فيزياء طاردة طاحنة. أقف بجانب الصبية ذات السبعة عشر عاما، ننتظر ثواني قليلة أن يُفصِحَ فحص الحمل عن خط أو خطين. «خطّين»، تقفز الصبية من مكانها فرحة. تزوجّت منذ سنة، وهي تريد أن تحمل. ترتبك بفرحة لم تعرفها من قبل. هناك حياة تنبض، حياة تكسر الفراغ لتنمو. وفي هذه الحياة، عيون ستنظر غداً إلى سماء ربّما تكون اقرب، واكثر ثباتاً.
أدهم السيد - الاخبار
«إنها قضية حياة او موت... انتظرنا داعش ان تأتي من عرسال او طرابلس، إلا انها أتتنا من وادي سبلين على شكل مطمر ومحرقة للنفايات تريد قتلنا وتهجيرنا من منازلنا وأملاكنا». هذا ما قاله رئيس بلدية برجا المهندس نشأت حمية، في اجتماع عقد بدعوة من المجلس البلدي للتشاور مع الاحزاب والجمعيات ومديري المدارس والمشايخ، وذلك لاتخاذ موقف موحد تجاه اقتراح اقامة مطمر ومحرقة في الوادي الفاصل بين برجا وسبلين.
الموت سيلاحقك اينما حللت في هذه المنطقة عبر الهواء والماء والغذاء. فبلدة برجا مثلا يحيط بها معمل سبلين بدواخينه الضخمة ومعمل الجية الحراري لتوليد الكهرباء بسمومه الكثيفة (على عكس الكهرباء التي يعاني ابناء هذه المنطقة تقنينا قاسيا فيها)، ومطمر الناعمة الذي يقع على مسافة قريبة من البلدة، إضافة الى العديد من الكسارات والمقالع. هذا الواقع المأساوي على المستوى البيئي سمح للامراض السرطانية بان تتفشى على نحو كبير جدا، ومعها الكثير من حالات التشوه الخلقي (لا إحصائيات دقيقة في هذا المجال، الا انه بإمكان اي متابع لاحوال البلدة الصحية ان يلاحظ انه بين كل خمس حالات وفاة، هناك حالتان ناتجتان عن مرض السرطان).
كل ذلك جعل اهالي البلدة يرفضون رفضا قاطعا اقامة المطمر في منطقتهم. فإمام جامع برجا الكبير الشيخ جمال بشاشا رأى ان «المشروع بمثابة إعلان حرب على أبناء البلدة، ويجب التصدي له بكل حزم»، وعبّرت الاحزاب السياسية عن رفضها لهذا المطمر والمحرقة، وان بشكل متفاوت. فالحزب الشيوعي والجماعة الاسلامية يستعدان لمواجهة هذا المشروع. أحد قادة تيار المستقبل يؤكد وقوف التيار في وجه هذا المشروع، حتى لو كان القرار الحكومي والمركزي للمستقبل عكس ذلك، أما الحزب الاشتراكي، فموقف أعضائه في برجا حائر بين رفض هذا المشروع والتصدي له، وموقف النائب وليد جنبلاط الذي يقام المشروع على اراضيه، ما يعني انه مساهم اساسي في وضع تفاصيل هذا المشروع، وينوي السير به بغض النظر عن رأي الاهالي. اللافت انّ هناك حراكا شبابيا كبيرا جدا جرى التعبير عنه في اجتماعات مكثفة في الايام الأخيرة، كما عبر عنه من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي امتلأت صفحاتها بالمعلومات والتعليقات الرافضة للمحرقة والداعية للمواجهة، كما توعد الكثيرون احزابهم انهم سيكفرون بها إن لم تقف بوجه هذا المشروع.. يطالب بعض الاهالي وزيري البيئة والصحة بالتدخل، اذ «لم توضع أي دراسة علمية لتأثيرات هذا المشروع البيئية والصحية»، واشار احد شبان البلدة الى ان «وزير الصحة وائل ابو فاعور رأى ان وفاة 19 موظفا في مسلخ بيروت أمر خطير جدا ويجب الكشف عن أسبابه ومحاسبة المسؤولين. فليأتِ وزير الصحة إلى برجا وير نسبة الوفيات بهذا المرض، وليحاسب المسؤولين والمتسببين بتفشي هذا المرض». إنها فعلا حرب بين مصالح فئة صغيرة تسيطر على القرار السياسي في البلد، ويحركها الجشع والسعي لتكديس الثروات بأي وسيله، وبين السواد الاعظم من أهالي برجا والجوار، الذين يطالبون بحقهم في الحياة.
يدعوكم اتحاد الشباب الديمقراطي اللبنانيمحافظة الجبلإلى حفل العشاء السنوي وذلك نهار السبت 27 كانون أول الساعة 8.30 مساءالمكان: مطعم ميس الريم - عرمون - شارع المقاهي45 الف ليرة عشاء ومشروب مفتوحللحجز: ريم المهتار 03183085
نبيه عواضة - السفير
«الشيوعيون الذين خرجوا من الحزب لأسباب مختلفة، بمن فيهم أولئك الذين خرجوا لقضية تنظيمية أو لخطأ من القيادة، من واجبهم وليس فقط من حقهم العودة ثانية إلى الحزب»، موقف لافت أعلنه الأمين العام لـ»الحزب الشيوعي» الدكتور خالد حدادة في حفل تكريم الفقيد الشيوعي حسن اسماعيل، الذي شارك فيه عدد كبير من الشيوعيين، على اختلاف توجهاتهم السياسية، وحشد من أهالي البلدة وممثلين للأحزاب والقوى السياسية فيها، في حسينية بلدة زوطر الشرقية. «الموقف ـــ الصدمة»، كما أجمع على وصفه معارضون وموالون لقيادة الحزب، جاء ليعطي دفعة قوية للسجال الشيوعي المحتدم على أبواب مؤتمره الحادي عشر. وقد أرفق حدادة موقفه هذا مع دعوة «لوقف السجال الذي يشخصن الخلاف الشيوعي من دون أن يطال هذا الوقف السجال السياسي». كما دعا إلى تشكيل لجنة متنوّعة تضمّ كل القياديين من أمثال كريم مروة وجورج بطل وغيرهم. وعن تفاصيل المبادرة، أشار حدادة لـ«السفير» إلى أن الأمر سيُطرح الأسبوع المقبل على قيادة «الشيوعي» لتحديد الآليات التنظيمية لتنفيذها، معتبراً أن الأمر سيحصل بالتوازي مع إجراءات عقد المؤتمر. وشدّد على أن اللجنة التي ستشكل ستكون لها صلاحيات التواصل مع منظمات الحزب لتنظيم الحوارات وحل الخلافات. كما أوضح أن اللجنة، التي طالب بتسميتها «لجنة حسن إسماعيل»، سوف يكون لها رأي في تأجيل أو تسريع عقد المؤتمر. لم يكن التفاؤل بالمبادرة مقتصراً على مؤيدي القيادة، بل لاقى ارتياحاً من المعارضين أيضاً. فعضو المكتب السياسي مفيد قطيش اعتبره «أساساً صالحاً لتمكين وتفعيل عملية التحضير للمؤتمر عبر إفساح المجال أمام الشيوعيين كافة للعودة إلى التنظيم»، معلناً أنه وعضوي المكتب السياسي حنا غريب وكمال حمدان سوف «يركزون على إيجاد آلية تنفيذية لإنجاح المبادرة». أما عضو اللجنة المركزية حسين كريم، الذي ألقى كلمة «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية» تضمنت ببعض مقاطعها صياغات مؤثرة دوّنها الفنان مارسيل خليفة، فأشار إلى أنه يرحب بكل مبادرة تحمل خلفية إيجابية، مبدياً الاستعداد الكامل للنقاش بما يخدم مصلحة الحزب. بدوره، طالب المسؤول العسكري السابق في الحزب محمود السيد بأن تطال اللجنة بعملها المناطق كافة لـ«كون غالبية الكادر الشيوعي هو عملياً خارج التنظيم». من جهته، أبدى القيادي السابق في «اليسار الديموقراطي» طعّان مسلماني ارتياحه لمبادرة حدادة، معتبراً أن الأمر يعنيه من باب ما يشكله الحزب من أداة لتحقيق الأهداف. واعتبر المعارض علاء المولى، المفصول من الحزب بموجب قرار تنظيمي (أبطل قرار الفصل بموجب مراجعة أمام الهيئة الدستورية في الحزب)، أن المبادرة جيدة لجهة خلوها من الشروط المسبقة، مبدياً، في الوقت نفسه، خشيته من أن تكون المبادرة مجرد هروب إلى الأمام. بانتظار القرار الرسمي، خطفت مبادرة حدادة الشيوعيين من حدثهم المفجع، وانفرط عقدهم بعد أن ضاقت شوارع بلدة زوطر الشرقية بهم. أما السؤال الذي يتوقع هؤلاء أن تحمل الأيام المقبلة الإجابة عليه، فهو: هل تكون المبادرة خلطاً جديداً للأوراق.. أم أن قطار الخلاف الشيوعي رسا على محطة ثابتة ينطلق منها الحوار إلى معالجات باتت ملحة؟