محب جميل - الاخبار
القاهرة | أمس، شيّعت القاهرة رضوى عاشور في مسجد «صلاح الدين الأيوبي» في منطقة المنيل ضمن جنازة مهيبة، حضرها العديد من الكتاب والقراء والأصدقاء. جنازة تليق بروائية أثرت المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات الأدبية والنقدية، حضرها الابن تميم والزوج الشاعر مريد البرغوثي. كما شهدت الجنازة حضور العديد من الأصدقاء، منهم أستاذ العلوم السياسية في «جامعة القاهرة» سيف عبد الفتاح، وزير الثقافة الأسبق عماد أبو غازي، رئيس «المجلس الأعلى للثقافة» محمد عفيفي والشاعر أمين حدّاد، بالإضافة إلى صاحب «دار الشروق» إبراهيم المعلم.
أقيمت الصلاة على جثمان الراحلة مرتين؛ نتيجة وجود جثمان آخر في المسجد ذاته قبل أن توارى في ثرى مقابر منطقة القطامية. وكان آخر ما سطرته عاشور في سيرتها الذاتية «أثقل من رضوى»: «هناك احتمال آخر لتتويج مسعانا بالهزيمة، ما دمنا قررنا أننا لن نموت قبل أن نحيا». هذا الكتاب حاولت فيه أن تقدم خريطة شاملة لما هو شخصي ويتقاطع بشكل فعلي مع مجريات الأحداث في مصر خلال السنوات الأربعين الأخيرة. وشهدت شبكات التواصل الاجتماعي موجات من الحزن على الراحلة.
علّق المحامي والناشط الحقوقي خالد علي على صفحته الرسمية على تويتر: «يأبى 2014 الرحيل من دون أن يقطف معه أبهى زهور الرواية العربية»، مضيفاً: «سلاماً على روحك يا رضوى، وسلاماً على كل من تجسدّينه من رقة وعذوبة وصمود». وكتبت المدوّنة رحاب بسّام صاحبة المجموعة القصصية «أرز بلبن لشخصين»: «في طاقة نور اتقفلت في حياتي النهاردة. مع السلامة يا دكتورة رضوی». واعتذر الناشر والكاتب محمد هاشم عن عدم تنظيم الفعالية الخاصة بإحياء ذكرى رحيل أحمد فؤاد نجم على صفحته بقوله: «نظراً إلى وفاة الدكتورة رضوى عاشور، نعتذر عن تأجيل تنظيم إحياء الذكرى الأولى لوفاة الفاجومي حتى وقت لاحق». واختتم الكاتب محمد أبو الغيط كلامه على صفحته الرسمية على فايسبوك قائلاً إنها «أوصت بخروجها من مسجد عمر مكرم»، وذكر أبو الغيط أن تميم قال له إنّ رضوى عاشور كانت تردد آخر أيامها «الحمد لله» بنفس راضية تماماً.
مايكل عادل - الاخبار
القاهرة | «- أنا لو مُت مش هزعل - بعد الشر عليك، إحنا هنزعل. - اتفلقوا، وأنا مالي؟» هذا الحوار القصير الذي دار مع الشاعر الراحل الخالد أحمد فؤاد نجم (23 مايو 1929 - 3 ديسمبر 2013)، هو ملخّص فلسفته في الموت. دار هذا الحوار على أريكته في «دار ميريت للنشر» حين ورد ذِكر الروائي الراحل إبراهيم أصلان. «الفاجومي» لم يجد في الموت ما يثير حزن الراحل تجاه نفسه، فالحزن يليق أكثر بمحبيه المتألمين لفراقه، بينما يجد هو في الموت رحلة جديدة شيّقة تقوده بعيداً من «وجع الدماغ» والحزن والألم. من شاء أن يبكيه، فليبكِ، ومن شاء أن يرثيه فليرثِ، بينما هو لن يعبأ ولن يهتم وربما لن يفتقد إلا وطنه الذي لطالما غازله بأجمل الكلمات ونعته بـ «حبّي الوحيد». «شَرط المحَبّة الجسارة، شَرع القلوب الوفيّة» حين تتحدّث عن الحب في حياة نجم، فلتنحّ جانباً مفهوم الحب الكلاسيكي السائد في أغلب القصائد والأغاني. الحب في نظره ليس منفصلاً عن شخصيّته المقاتلة، والعِشق في نظره هو المعركة المحسومة دائماً بالفوز. المعركة التي ينتصر فيها الخير على الشر. حين تعرّف نجم إلى الشيخ إمام عيسى الذي صار في ما بعد المطرب الرسمي والأبرز والملحّن الأكبر لقصائده، جاءت أولى الأغنيات التي تعاونا فيها عام 1964 أغنية عاطفية من طراز خاص هي «أنا أتوب عن حبّك». وقد أطلقا عليها اسم «الأغنيّة البكريّة». وكانت تشبه إلى حد كبير في كلماتها وألحانها الأعمال الغنائية التي قام بتأليفها بيرم التونسي ولحّنها الشيخ زكريا أحمد. يتجلّى مفهوم نجم عن الحب حين يقول: «أنا عمري ما أخاف من غدرك يوم». وهنا، ندرك أنّ الحب في قلب «عم أحمد» لم يشُبه القلق، ذاك الحب النابع من القوّة، بل إنّ القوّة هي التي نبعت من هذا الحب. الحب هنا ليس الضعف والاتكال المعهود في الأغنية العاطفية والعلاقات المعروفة، بل هو الحب الذي قوامه الجسارة والقدرة على الصمود والطمأنينة والإحساس بالجمال. في قصيدته «بلدي وحبيبتي» التي كتبها لحبيبته عزّة الخميسي، لم يكتف «الفاجومي» بأن يرسل لها كلام العشق، بل أضاف إليه لمسته المتمرّدة وسخريته المعهودة من النظم والحكام، لم تكن تلك القصيدة تقليدية أو حتى مجرد قصيدة مميزة، بل كانت حالة. كانت قصيدة «بلدي وحبيبتي» هي الحالة التي عاشها نجم في ليلة ما وظل يعيشها حتى آخر يوم في حياته داخل الجسد. في يوم ما وكان نجم خارجاً لتوّه من المعتقل، قابل أفراداً من عائلة الخميسي من بينهم عزّة. وهنا وقع في شرك العشق بمجرد رؤيتها. طلب الزواج منها فتزوجها، ولم يكتمل فرحهما الذي بدأ لتوّه. فقد اقتحمت الشرطة منزله وتم القبض عليه وتفريقهما عن بعضهما. وهنا ولدت قصيدة «بلدي وحبيبتي» التي اختتمها بوصفه لمشهد القبض عليه وسخريته من نظرة الذين أتوا لإحضاره حين لم يروا في عينه خوفاً قائلاً: «كان مُناه يلمح علامة خوف بسيطة، طب هاييجي الخوف منين ابن العبيطة؟». ثم يضيف: «هو مين فينا الجبان؟ ولّا مين فينا اللي خان؟»، كأنه قد قتل كل مشاعر الخوف في قلبه بمجرد إخلاصه ونقائه. ويختتم القصيدة التي كانت بمثابة رسالة غرام لزوجته قائلاً: «أصله شاف صورتين جُمال في العيون الطيّبين، مصر في العين الشمال، وانتي في العين اليمين». ربما كانت تلك هي قصة الحب الأبرز في حياة نجم. كانت قصة عزّة التي تحوّلت إلى "عزيزة" في ما بعد، هي أهم تجربة عاطفية وجدانيّة مرّ بها. لم يقص تلك القصة لكثيرين، وليس لمن يعرفون تفاصيلها كاملة أن يقوموا بسردها، لكن ما يُمكن أن يُقال عنها إنّها كانت أقصر وأطول قصة يمكن أن تُعاش. أرقّ وأمَرّ تجربة عاطفية قد يمر بها شاعر، يحيا بها ويتذكّرها حتى آخر يوم في حياته. هكذا كان يحب نجم، وهكذا كان يُجرح، هكذا كان يقابل، وهكذا كان يفارق. نعلم أنه الآن يتابع حالنا ويسخر ويضحك ويلقي نكاته علينا. نعلم ونكاد نسمع، نودّع ونتمنى اللقاء، نرثي ونضحك على همومنا كما علّمتنا، نحب بولع وجسارة ونفارق بقوّة وحنين. ما زلنا نذكر كل شيء كأنه بالأمس في الليلة التي تكمل بها عامك الأول وسط النجوم، يا أبا النجوم.
نادي السنديانة الحمراء في الجامعة الأميريكية في بيروت يدعوكم لحضور محاضرة بعنوان تاريخ مدينة القدس الدكتور فواز طوقان المحاضرة ستتمحور حول الأهمية التاريخية لمسجد الأقصى و مدينة القدس. من ثم سيتم التحدث عن النطاق السياسي للإحتلال الصهيوني و تعدياته. الأربعاء 3 كانون الثاني 2014 مساءً 4 قاعة بطحيش، الوست هول نرجو حضوركم
■ خطاب المرزوقي يزرع الفتنة بين التونسيين ■ من سوء حظنا أننا أمام مرشحين لليمين ■ قائد السبسي مسنود من طرف البورجوازية الكبيرة
حمة الهمامي، أحد أبرز وجوه «الجبهة الشعبية»، وهو أيضاً من أهم الخطابيين في «تونس الجديدة»، لكن، هل حمّلته نجاحات «الجبهة» الأخيرة كرة نار بين يديه، وأين يقف حيال مختلف الاستحقاقات المقبلة؟
أمينة الزياني - الاخبار
■ بداية، راهن الكثيرون، سابقاً، على تفكك «الجبهة الشعبية»، التي تجمع 10 أحزاب، لكنها تماسكت، فما السبب؟ راهن العديد على اندثار الجبهة، بل هناك من توقع تفككها بعد أشهر على اعتبار وجود اختلافات في مشارب مكوناتها الفكرية والأيديولوجية، مرجحين انقسامها عند أول امتحان سياسي. موقف الأعداء وبعض الأصدقاء المتشائمين، مرده تاريخ قوى اليسار والقوميين والقوى الديموقراطية والتقدمية في تونس والمعروفة بتشتتها، وكما قال الشهيد شكري بلعيد «هذه القوى تعلمت كيف تختلف ولم تتعلم كيف تتوحد»، لكن الذين راهنوا على انفجار الجبهة لم يدركوا عمق التحليل الذي أجريناه قبل تأسيسها...
■ بعد خوض تجربة الانتخابات التشريعية ومن ثم الرئاسية، أين تتموقع «الجبهة» ضمن المشهد السياسي التونسي؟ الجبهة الشعبية اليوم هي القوة السياسية الثالثة في البلاد. وبالعودة إلى نتائج الانتخابات التشريعية، التي وضعتها في الترتيب الرابع، فهي (برغم ذلك) القوة السياسية الثالثة، على اعتبار أن من يفوقها بمقعد واحد (الاتحاد الوطني الحر) ليس حزبا سياسيا بل طرف يرتبط وجوده بالمال السياسي، وحصوله على هذا العدد من المقاعد، يذكرنا بالعريضة الشعبية وما حصدته في انتخابات 2011... لكنها اندثرت اليوم واضمحلت من الساحة. وبين التشريعية والرئاسية استطاعت الجبهة أن تضاعف عدد الأصوات المتحصلة عليها. وبالأخذ بعين الاعتبار كامل المشهد، لا يزال الوعي السياسي للطبقات الشعبية، التي تمثل القاعدة الطبيعية للجبهة الشعبية، يشكو من نقائص كبرى علاوة على امتناع عدد من التونسيين عن المشاركة، وكلها أصوات خسرتها الجبهة، كما يجب مراعاة عامل المال السياسي والمغالطات باسم الدين واستغلال بساطة وقلة وعي ناخبين من الفئات الشعبية، وهي حرة طبعا في اختياراتها، صوتت ضد مصالحها. واذا أخذنا بعين الاعتبار الواقع السياسي، هناك أحزاب كانت موجودة في المجلس التأسيسي وفي الساحة السياسية اندثرت أو تقلص حجمها... وإذا ما نظرنا إلى كل هذه النتائج، يعد ما وصلت اليه الجبهة الشعبية مكسبا على غاية من الأهمية، وخصوصا أن 15 نائبا، هم من خيرة مناضليها، هم ضمانة لخلق توازن داخل البرلمان.
■ عُدّت نتائج الجبهة في الانتخابات التشريعية مكسبا، فماذا عن الانتخابات الرئاسية؟ بالنسبة إلى الرئاسية خطونا خطوة على غاية من الأهمية، باعتبار أن ترتيبنا جاء ثالثاً. وعلى اعتبار أننا واجهنا حركة النهضة في شخص المنصف المرزوقي لأنه مرشحها، وواجهنا اليمين الليبرالي التقليدي في شخص الباجي قائد السبسي، وحصلنا على نتيجة ما كان جل المراقبين ينتظرونها. وهو ما يؤكد أن اليسار التونسي، الاشتراكي والقومي، يتطور ورسخ مكانته في التوازنات السياسية في تونس، وهو حاضن للثورة وأهدافها.
■ وفقاً لتقويمك، ما سبب غياب أحزاب عريقة كـ «الجمهوري» و«التكتل» عن البرلمان؟ منذ عام 2002، أصدرت موقفا بخصوص الأحزاب اللا أيديولوجية التي تقدم نفسها دون هوية وتفتح أبوابها أمام كل التيارات والمواقف، وقلت أنها لن تدوم طويلا لأن غياب الهوية لا يوفر لها استقرارا فكريا وتنظيميا. هي أحزاب كالفقاع تظهر ثم تندثر، هذا بالنسبة إلى الأحزاب التي لم تشارك في السلطة على غرار الجمهوري. بالنسبة إلى تلك التي شاركت في الحكم كالتكتل والمؤتمر فقد باعت نفسها للنهضة مقابل مناصب، وقضت وقتها في تبرير ما ارتكبته، والشعب عاقب النهضة نسبيا، ولكن عاقبها هي بصرامة لأنه لا يراها أحزابا حقيقية بل يراها في خدمة سيدها، وبالتالي عوقبت أكثر مما عوقب سيدها.
«النهضة» و«التكتل» و«المؤتمر» كانوا في المعارضة واليوم هم في الحكم، وتحولوا من مقموعين إلى قامعين ■ بالعودة إلى الحديث عن الانتخابات الرئاسية في دورتها الثانية، يعمل «المؤتمر» (حزب المرزوقي) على مغازلة قواعدكم، ما رأيك في ذلك؟ هذا غزل فاشل، فلا أحد في الجبهة الشعبية يحب حزب المؤتمر. لسبب بسيط، وهو أنه مسؤول مع النهضة والتكتل في ما جرى طيلة الثلاث سنوات الماضية من جرائم سياسية واقتصادية وثقافية وأمنية في حق الشعب التونسي. لا يوجد اليوم في القاعدة الانتخابية للجبهة، أو الأحزاب المكونة لها، من تراوده حتى مجرد فكرة التصويت للمرزوقي، فهو اليوم متحالف مع ميليشيات ومع قوى لا تؤمن بالديموقراطية. خطابه يزرع الفتنة بين التونسيين يدفع لتقسيمهم، إما على أسس عقائدية أو على أسس عشائرية وجهوية، وهذا لا يعني طبعا أن الجبهة ستكون آليا إلى جانب الباجي قائد السبسي. الذين صوتوا للجبهة صوتوا لها كقوة مستقلة وما لاحظناه على الأقل من خلال اتصالاتنا وشبكات التواصل الاجتماعي الحرص من الأغلبية للحفاظ على الاستقلالية، نحن نناقش دورنا في الجولة الثانية، لكن قبل أن تطالب الجبهة بموقف، على الآخرين ان يوضحوا مواقفهم من مطالب التونسيين وطموحاتهم ومن برامج الجبهة وطرحها. بعبارة أخرى ينبغي التوضيح أن الجبهة لا تواجه حلين فقط، إما مع المرزوقي أو مع السبسي، بل هناك حلول أخرى ممكنة تتماشى مع خطنا.
■ «نداء تونس» أيضا يستميل قواعدكم، ويحاول استمالة قياداتكم عن طريق عرض مناصب في الحكومة، أو حتى رئاسة البرلمان، فما تعليقك؟ كل ما يروج له يدخل في باب الحرب النفسية. فمن يقولون بمساندتي للمرزوقي «لأنهما كانا حليفين في جبهة 18 أكتوبر في فترة الدكتاتورية»، يتناسون ما حصل في الثلاث سنوات الأخيرة. نحن اليوم بعد ثورة تغير بعدها المشهد السياسي. النهضة والتكتل والمؤتمر كانوا في المعارضة واليوم هم في الحكم، وتحولوا من مقموعين إلى قامعين. إذاً لا يمكن الاستناد الى عمل مشترك جرى في عهد بن علي لتبرير التقارب، لا تقارب ممكنا اليوم، والقول أيضا بأننا سنتحالف مع نداء تونس في إطار صفقة، فيما أنه لم نخض في الأمر أصلا، وكل ما يدور، هو من باب الشائعات ما لم يصدر موقف عن مجلس أمناء الجبهة.
■ هل اختارت «الجبهة» تأجيل الحسم في دعم قائد السبسي للاحتفاظ بورقة تفاوض؟ لسنا مستعجلين في تحديد موقفنا، ولم نر من أي من المترشحين أي برامج، بل كان الصراع شخصيا بينهما، وها نحن نحصد نتائج تصريحات هذا الطرف أو ذاك، وما أدخلته من فتنة في صفوف التونسيين تستغلها بعض الأطراف المعادية لمطامح الآخرين. الجبهة لا تعرض خدماتها على هذا أو ذاك، بل عليهم أن يعرضوا برامجهم علينا، ونحن لا ننتظر هدايا أو كراسي، ننتظر توضيح مواقف حيال عدة قضايا، وأؤكد أن الجبهة ليست مجبرة على دعم أحد، بل هي منفتحة على أكثر من خيار.
■ هناك قوى داخل «الجبهة» تدفع نحو دعم الباجي قائد السبسي، وهناك قوى تعد هذا التقارب مغامرة، ما تعليقك؟ من سوء حظ التونسيين أننا أمام مرشحين لليمين. يمين محافظ ملتحف بالدين، فالمنصف المرزوقي مرشح جبهة تضم حركة النهضة والسلفية وروابط حماية الثورة وحزب التحرير. أما الباجي قائد السبسي، فهو مسنود من طرف البرجوازية الكبيرة، التي فقدت من يجمعها بعد سقوط بن علي، وهو ليس بشخصية جديدة في الساحة السياسية، فقد شارك في نظام بورقيبة وبن علي، وعُدّ من الجناح اللبيرالي داخل حزب الدستور وغادره، ثم غادر الحياة السياسية منذ تسعينيات القرن الماضي. في كل الحالات لا المرزوقي ولا قائد السبسي يمثل الجبهة الشعبية. ثمة من يشير إلى ما يميز بينهما، وخاصة من ناحية الأداء السياسي، على اعتبار أن البرنامج الاقتصادي للنداء والنهضة متشابه، وهو برنامج رأسمالي ليبرالي، ويؤكد وجود اختلاف من الناحية السياسية، ولكن ليس على هذا فقط يمكن أن نبني موقفنا... في كل الحالات الجبهة الشعبية لا ترى في الباجي قائد السبسي معبرا عن برامجها. النقاش ما زال مفتوحا، وربما يطلب النداء لقاءنا وسنستمع لوجهات النظر ونعلن موقفنا في الوقت اللازم.
■ ما المطلوب اليوم من مرشحي الانتخابات الرئاسية؟ ما نطلبه من المترشحين، وخاصة من الرئيس المؤقت الحالي (المنصف المرزوقي)، هو التزام الهدوء وحصر النقاش حول البرامج والمقترحات... نطلب منهم الابتعاد عما من شأنه أن يبث الفرقة والتشنج، ونطلب من الرئيس المؤقت الحالي أن يبعد عنه الميليشيات المحلولة بحكم القضاء، ونطلب منه الابتعاد عن دعاة الفتنة من المتطرفين، ونطلب من كليهما أن يفكر مليا في وحدة الشعب قبل التفكير في المصالح الشخصية.
عُرف حمة الهمامي مناضلا يساريا شرسا في وجه النظام، خلال الحقبة البورقيبية وفترة حكم بن علي. وكان، أخيراً، من أبرز معارضي «الترويكا». التحق، بداية، بالاتحاد العام للطلبة. عام 2010، احتجزه النظام، فتابع الحراك من دهاليز «الداخلية». كان مرشح «الجبهة الشعبية» في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وحل ثالثاً.
ورد كاسوحة - الاخبار
العنف في الولايات المتحدة له جذور قديمة داخل مجتمع الأكثرية البيضاء، وغيابه عن النصوص القانونية التي تبيح ممارسته ضدّ الأقلّيات وخصوصاً «السوداء» منها لا يعني أنه لم يعد موجوداً في الواقع. بهذا المعنى تصبح «المساواة» التي تحقّقت للأقلّية السوداء بمعيّة حركة الحقوق المدنية التي قادها مارتن لوثر كينغ «شكلية» إلى حدّ كبير، فهي بالإضافة إلى غيابها عن حقل الممارسة الواقعية للقانون - وخصوصاً الجنائي - لم تفض إلى تعديل كبير في تعامل المؤسّسة الحاكمة مع الأميركيين من أصول افريقية.
شكلياً، يحفظ لهم الدستور الأميركي حقوقاً متساوية مع البيض، ولكن عملياً يحدث العكس بدليل تعرّض أحيائهم ومدنهم الفقيرة (هارلم، فيرغسون، ذا برونكس... الخ) أكثر من سواها لعنف الشرطة وقوى الأمن. يحصل ذلك باسم مكافحة المخدّرات والجريمة، ويتحوّل بفعل التواتر إلى عرف يلصِق «بالسود» دون غيرهم وأكثر من غيرهم صفة «المجرمين»، ويحوّلهم في نظر مجتمع الغالبية البيضاء إلى خطر داهم على وحدة النسيج الاجتماعي الأميركي واستقراره. لا يتدخّل القانون هنا لتعديل هذه النظرة، فالعرف عندما يستقوي بمجتمع الغالبية يصبح أقوى منه - أي من القانون - وتصبح الدولة نفسها مضطرّة إلى تبني العرف ومساندة ممارسيه حتى لا تخسر مواطنيها المنتمين إلى الغالبية. من هنا يبدأ التمييز ضدّ الأقلية «السوداء»، ويتكرّس واقعياً، بحيث تتحوّل كلّ المكاسب التي جرى تحصيلها في الماضي لمصلحة هذه الأخيرة أثراً بعد عين.
العنف ضدّ «السود» بوصفه سياسة دولة
هكذا، لا يعود العنف الممارس ضدّ «السود» وأحيائهم وضواحيهم استثنائياً، ويصبح مع الوقت طبيعياً، لا بل يتحوّل الاعتراض عليه إلى خروج على القانون الذي يجرّم في هذه الحالة الممارسات الاحتجاجية والاعتراضية ويسمح للشرطة وحدها بأن تفعل ما تشاء. في فيرغسون حصل ما هو أسوأ، إذ خرجت الأمور عن السيطرة ولم تستطع الشرطة ضبط الأمر وحدها، فجرى استدعاء المئات من قوّات الحرس الوطني التي يوكل إليها القانون مهمّات أخرى غير مواجهة الاحتجاجات و«أعمال الشغب». الدولة - ممثّلة في حاكم ولاية ميزوري - عبر هذا الإجراء تقول لسكّان فيرغسون إنها غير عابئة باحتجاجاتهم، ومستعدّة لتخطي القانون في سبيل فرض الأمن في أنحاء المدينة. هي لا تريد للأمر أن يتطوّر، وتفضّل التعامل معه خارج سياقه الاجتماعي، فالتعامل الاقتصادي ــ الاجتماعي مع المسألة ستترتّب عليه بالضرورة مقاربة حقوقية تتناول الظلم الواقع بحقّ الأقلية السوداء، وهو ما سيفرض على الدولة الفدرالية وحكّام الولايات التنازل عن الحصانة المعطاة لجهاز الشرطة أثناء تأديته لمهامه الزجرية. ومن ضمن شروط هذه الحصانة بالطبع الحقّ في إطلاق الرصاص على أيّ مشتبه به ترى الشرطة أنه يمثّل خطراً على المجتمع أو يقوّض الأمن الاجتماعي في أميركا. وهو بالضبط ما حدث مع مايكل براون، وقبله مع آخرين من عمره، وكلّهم طبعاً من اليافعين المنتمين إلى الأقلّية «السوداء» في الولايات المتحدة. الدولة هناك تعرف أنّ مثل هذه الجرائم كفيلة بنزع الشرعية عن النصوص الدستورية التي تساوي شكلياً بين الأميركيين من مختلف الأعراق والديانات،
ومع ذلك تسمح باستمرارها بوتيرة معيّنة، فهي تدرك أنها - أي الدولة - لا تمثّل كلّ الأميركيين بمقدار متساوٍ، وإنما تعبّر في العمق عن الأكثرية البيضاء، وتتخلّل هذا التعبير العميق والكلّي أنماط متفاوتة من التعبيرات الجزئية والرمزية عن وجود الأقلّيات العرقية والسياسية. هذا المفهوم الأميركي للأمّة البيضاء المتسامحة مع الآخرين يسمح باستمرار جرائم قتل المواطنين من أصول افريقية، ولا يضع حدّاً لها إلا حين تصبح تهديداً للنسيج الاجتماعي الأميركي برمّته، وهو ما لم يحدث حتى الآن. بعد ذلك تأتي مرحلة أخرى من التلفيق الإيديولوجي اسمها الحفاظ على تماسك الغالبية البيضاء. فلكي تبقى الغالبية هذه على ولائها للدولة ولا تخرج عنها تعبيرات مماثلة لما يحصل الآن في بعض مدن أميركا من تظاهرات لشبّان وشابات بيض متضامنين مع فيرغسون لا بدّ من تأويل الأحداث بعض الشيء، وعدم تركها للمحتجّين وحدهم.
التأويل الجنائي للاحتجاجات
غالباً ما تؤوَّل أحداث العنف التي تلي قتل المواطنين السود جنائياً، فحين يقع «التخريب» بالمنشآت العامة وتحرق السيارات والمحالّ التجارية وتنهب الأسواق تنسى «الأكثرية» المحظيّة ما وقع بالأمس من قتل عمد للسكّان السود وينصبّ اهتمامها بدفع من الدولة وأجهزة إعلامها على ردود الفعل التي يجرى تضخيمها إعلامياً، وإلباسها لبوس الجريمة المنظّمة التي تتعيّن مكافحتها فوراً. هكذا، لا يعود قتل مايكل براون برصاص شرطي أبيض هو الأساس، وتصبح المسألة هي أعمال التخريب التي تطاول المدينة، وتمنع السكان من مزاولة حياتهم الاعتيادية. مع هذا التطوّر تبدأ الغالبية في تقبّل فكرة وجود الحرس الوطني في شوارع فيرغسون وسانت لويس، فمع أنّ المهمة ليست مهمّتها بالأساس إلا أنها غدت بفعل «التخريب» الذي طاول ممتلكات المواطنين وسيلة ممكنة ومشروعة لتفادي عجز الشرطة عن احتواء الموقف. الأكثرية هنا تطالب بمزيد من الأمن ولا تبالي بخرق القوانين المعمول بها في أحداث مماثلة، فما دامت الغاية من الزجّ بمزيد من «القوات الخاصّة» إلى جانب الشرطة إنهاء الاحتجاجات وإيقاف عمليات التخريب فلا بأس بتجاوز الدستور قليلاً، وخصوصاً أنّ التجاوزات لن تطاول مجتمع الغالبية، وستنحصر في تأديب أهل الضحية وأصدقائه وجيرانه الذين لم يستثنوا أحداً من عنفهم، بما في ذلك الشرطة نفسها.
تدخّل الدولة مجدّداً
المشكلة أنّ الدولة هنا أيضاً لا تقف على الحياد، وإنما تتدخّل بقوة ضدّ الأقلية عبر إعلامها المملوك لأصحاب الرساميل - وجميعهم بيض بالمناسبة -، فتحضّ من خلاله على نزع الطابع السياسي عن الاحتجاجات وإلصاق شتّى التهم بها، من قبيل ما فعلته محطة «سي أن أن» أخيراً حين زعمت في تقرير لها أنّ رائحة الماريغوانا تفوح من هواء فيرغسون. وما قالته القناة الليبرالية العظيمة بالحرف هو الآتي: «الهواء في فيرغسون من الواضح أنّ فيه رائحة ماريغوانا». لا يمكن وصف هذا الأمر بالتحيّز ضدّ الأقلية المضطهدة فقط، فهو أكبر من ذلك بكثير، ويمكن إدراجه في سياق توجّه الدولة لتوحيد الحملة ضدّ أهالي فيرغسون، وبالتالي ازالة الفوارق الشكلية بين إعلامي اليمين و»اليسار» لدى تناولهما القضية. «سي أن أن» هنا لا تعود صوت «اليسار» الأميركي ويصبح تحريضها ضدّ الأميركيين «السود» مماثلاً لتحريض «فوكس نيوز» اليمينية، هذا إن لم يفقه حدّة ووقاحة. الكلّ يتحول في لحظة التهديد التي تمثّلها «انتفاضة فيرغسون» إلى صوت من أصوات الدولة التي تختفي ليبراليتها فجأة لتحلّ محلّها نزعة التعبير الفجّ والمباشر عن الغالبية البيضاء.
الخوف على تماسك الغالبية
لم يحصل أن تعرّضت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة لاختبار مماثل، فديمقراطيتها الصورية المرنة كانت تستوعب دائماً موجات الاحتجاج، وتبقيها في إطار التعبير عن الغضب، بحيث لا تقترب من عصب الدولة ولا تفضح انحيازها إلى أكثريتها البيضاء. حتى احتجاجات وول ستريت ضدّ البنوك ورؤوس الأموال وأصحاب الرساميل الذين ورّطوا البلاد في أزمة الديون العقارية بقيت ضمن هذا الإطار، ولم تتجاوزه كثيراً. وبالمقارنة مع ما يحدث اليوم في فيرغسون تبدو تلك الاحتجاجات كظلّ شاحب وهزيل، فهي وان كانت «تطرح تغييراً جذرياً في بنية النظام» إلا أنها بقيت عملياً خارج إطار المواجهة الجدّية معه. ويمكن القول أيضاً إنّ بنيتها البيضاء الخالية من عناصر الصدام هي السبب في انتهائها، وبالتالي تحوّلها إلى شكل من أشكال تفريغ الغضب لدى شرائح معيّنة من الأكثرية (أبناء وبنات الطبقة الوسطى المنتمون إلى اليسار الخائفين على مكتسباتهم من تغوّل الرأسمالية الحاكمة). هؤلاء يعاودون اليوم الاحتجاج ولكن بعيداً من متلازمة «احتلّوا» وعلى مقربة من الناس الذين يقتلون يومياً برصاص الشرطة ولا يجدون من ضمن الأكثرية من يتضامن معهم جدّياً أو يردّ عنهم بعض الرصاصات. إذا توسّعت هذه الاحتجاجات أكثر وانتقلت خصوصاً إلى المدن الكبرى مثل نيويورك وواشنطن وشيكاغو و... الخ فسيكون تأثيرها أكبر بكثير من تأثير حركة «احتلّوا»، وستمهّد لانشقاق جدّي ضمن الأكثرية البيضاء التي لا تزال تراهن على احتواء الموقف، عبر دفع الدولة إلى مزيد من الصدام مع الناس في فيرغسون.
خاتمة
ربما تنتهي هذه الموجة كما انتهت سابقاتها، وتعود أجهزة الدولة للسيطرة على الوضع من دون تقديم أيّ تنازل لأهالي فرغسون، وهذا احتمال وارد، غير أنّ الجديد في الأمر هو إدراك الناس هناك للحدود التي يمكن أن تذهب إليها الدولة في مواجهتهم. فقد قتلت أبناءهم مراراً وتكراراً ولم يرتدعوا عن مواجهتها، والآن تجرّب وسيلة جديدة عبر تطويق المدينة و»عزلها» وملئها بالحرس الوطني المدجّج بالسلاح بعدما تأكّد عجز جهاز الشرطة عن احتواء المواجهات. ماذا تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك؟ لقد مرّغ أهالي فرغسون أنفها بالتراب وأظهروا انحيازها إلى السكّان البيض كما لم يفعل أحد قبلهم، وهذا وحده كاف لنجاح «انتفاضتهم»، حتى لو لم يكسبوا شيئاً وخسروا المزيد من أبنائهم. هم يعرفون أكثر من غيرهم كيف تنتزع الحقوق من دولة الأكثرية المدجّجة بالسلاح وبرؤوس الأموال العفنة، ولهذا يعوّلون على التراكم وعلى الانتفاضات «الموسمية». مايكل براون ليس الأوّل ولن يكون الأخير. * كاتب سوري
أكد "الحراك المدني للمحاسبة"، في بيان، "اننا لا نقدر موقف قوة الردع الاخيرة امام السلطة السياسية التي تنتهك الدستور من دون تردد"، مشيرا الى "اننا خسرنا مجددا معركة التمديد الثاني لاننا نواجه طبقة سياسية تغتصب السلطة". وإذ توجه الى "أعضاء المجلس الدستوري بالشكر على الأسباب التي اوردتموها في قراركم والتي تؤكد صحة مطالبنا واحقيتها"، قال "كنا نأمل منكم اكثر بكثير، كنا نأمل منكم وقفة عزّ بتنا نفتقدها في اكبر رجالات هذا البلد ونسائها، ولكننا نكرر اننا لن نستكين". وقال البيان: "ايها المغتصبون للسلطة موعدنا معا مستمر حتى استواء المؤسسات وبناء دولة حقّ تحترم مواطنيها وحقوقهم".
آمال خليل - الاخبار
رايات جبهة المقاومة الوطنية رسمت الطريق، أمس، إلى منزل حسن إسماعيل في زوطر الشرقية. عبارات الرثاء على اللافتات الحمراء التي ظلّلت الشوارع، لم تستطع اختصار تاريخ الرفيق «أبو نيبال». لكن بالنسبة إليه، لم يكن صعباً عليه إنهاء ستين عاماً قضى معظمها في النضال العسكري والفكري والاجتماعي في صفوف الحزب الشيوعي اللبناني، برصاصة واحدة من مسدسه الحربي.
رصاصة اخترقت الرأس الذي لم يحد عن ثوابت اليسار والعلمانية برغم تبدل الخنادق. فهل عاقب عقيدته بالرصاصة وجلد جسده الذي جرح في جبهات القتال وتعذب في سجون العدو الإسرائيلي، بالدم الذي سال فوقه، مغطياً سترته العسكرية التي اختار الموت وهو يرتديها؟ لا أحد رصد اللحظات الأخيرة في حياة الرفيق حسن. وحده كان يجلس في الغرفة التي تملكها العائلة في بستان مطل على نهر الليطاني في وادي البلدة، قبل أن يطلق النار على رأسه. الرفيق والوادي يعرفان بعضهما جيداً، منذ الأيام الأولى للاجتياح الإسرائيلي في عام 1982، عندما ترصد جنود العدو وآلياته. مثلما أنهى حياته طوعاً، خلع بزة الدرك عند بدء الحرب الأهلية وانضم إلى خندق العدالة الاجتماعية. ضربات «القبضاي» الموجعة، دفعت العدو إلى ملاحقته سريعاً. طوّق زوطر من نواحيها كافة وأنزل مروحية لسحبه. تحريره من معتقل عتليت في عام 1984، شحذ همته مجدداً. رافق الأمين العام للحزب الشيوعي الأسبق الشهيد جورج حاوي، في وقت تابع فيه تنفيذ عمليات المقاومة وصنع العبوات. تقاعد المقاومة الوطنية في عام 1990، لم يقعده. واصل دربه مع زياد الرحباني، ممثلاً في ثلاث من مسرحياته ومسؤولاً عن أمنه الشخصي. في عام 1997، امتهن أشغالاً مختلفة من منقذ بحري وصولاً إلى افتتاح فرن في بلدته قبل عامين. حينها، عاد خائباً من جمهورية توغو الأفريقية التي سافر إليها مرغماً، باحثاً عن أسلوب حياة مختلف، لكن جذوره أعادته. بين تلك السنوات المفصلية، روايات تتخم أرشيف جبهة المقاومة والحزب الشيوعي. لكن صداها سرعان ما يتبدد أمام النحيب المتصاعد من غرف منزل الرفيق حسن. انهيار ابنتيه هيفاء ويسار يكاد يخترق جدران غرفتهما. في غرفة الجلوس، تتلقف الندب أم حسن. سيدة سبعينية تضم دموعها بين كفيها وترميها على الأرض وتنوح على شمعتها الأولى التي عوضت حزنها على طفلها الذي توفي سريعاً. منذ صغره، توافق الوالدان على أن حسن «غير كل إخوته السبعة». لأنه «مرضي وهني، قرر الذهاب إلى الموت لملاقاة والده وشقيقه عبودي الذي استشهد عام 1981 بقذيفة» تقول والدته. بصوتها الذي قطعه النحيب، تارة تهديه رضاها ودعواها وتارة تعاتبه لأن ظهرها «لا يحتمل هذه الكسرة التي لا تتجبر». بجانبها، تولت رفيقتها تهدئتها. سيدة تقمع الحزن في عينيها. لكنها سرعان ما تنهار، مشيرة على أم حسن بالتمثل بمعاناتها. إنها الرفيقة أم خالد فوعاني، التي افتتحت ارتباطها بالموت بالشهيدين الأسير فرج الله فوعاني وهنا، ثم ناديا وخالد. في مسيرة تشييع الرفيق حسن، سار اليأس جنباً إلى جنب مع رفاقه. الرعيل الذي أسس جبهة المقاومة ومتن جسور اليسار قبل أن تقعده الأزمات والمذهبيات جانباً. لم ينقلب على الأطر التنظيمية لحزبه. المشكلة ليست في الكوادر، بل في الجو العام. يجزم نجله البكر نيبال بأن لا أسباب مادية وراء قرار والده بالرحيل. يصرّ على أن الإحباط المتراكم من تراجع اليسار وسيادة المذهبية والانتهازية ولصوص المبادئ، دفعه إلى المغادرة عندما لم يجد أنه قادر على التغيير أو أداء دور ما. لم يخطر بباله أن ينتظر حركة تصحيحية في الحزب تبعث فيه الأمل. لا يريد نيبال أن يحمّل أحداً مسؤولية قرار والده، لكنه طلب من الأمين العام للحزب الشيوعي خالد حدادة، أن يفرج عن أرشيف الرفيق شريف وأمثاله ويخرجوهم من عزلتهم ويكرموهم. يشير نيبال إلى أن والده لم يقتل نفسه بالسلاح الذي قاتل به في صفوف الجبهة. لسنوات، ترك بيت النار مليئاً بالرصاص جاهزاً للمواجهة. تفقد نيبال السلاح أمس، فوجده خالياً. قبل 22 عاماً، في مسرحية «بخصوص الكرامة والشعب العنيد» للرحباني، أدى حسن دور «خي الشهيد». طلب منه «أن يطلع من الكادر». قال «بديش أني خي الشهيد». حينها، ظن أنّ المكان مكانه. منذ نحو شهر، بدأ يشعر بأوجاع في معدته والبنكرياس. على نحو تدريجي ومن دون سبب واضح ومباشر، شعر المحيطون به بإحباطه وحزنه. قبل يومين، ترك المكان للرصاصة وطلع من الكادر.
خالد الهبر والفرقة علی مسرح قصر الأونيسكو الخميس 4 كانون الأول الساعة 8 مساءً سعر البطاقة: 20 و30 الف ليرة لبنانية للحجز: 70016183
كامل جابر - السفير
ربما كانت أوجاع حسن إسماعيل «الطويلة» أشد ألماً من خبر سقوطه برصاصة «خاطئة»... الحرب الأهلية اللبنانية، خلع حسن إسماعيل بزة الدرك، والتحق بالقوات العسكرية التابعة للحزب الشيوعي، ليشارك في معارك بيروت والجبل. في عام الاجتياح الإسرائيلي الذي وصل إلى العاصمة في 1982، لم ينتظر حسن إسماعيل قرار المجابهة، بل شارك في أعمال التصدي، ليلتحق بعدها مباشرة في «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية»، منذ لحظة إعلانها. بعد قيادته سلسلة من عمليات جبهة المقاومة في منطقة النبطية وعلى حدود نهر الليطاني، صار حسن إسماعيل إسماً مطلوباً لدى العدو الإسرائيلي، حتى تمكن من اعتقاله مع عدد من «الرفاق» العام 1984 خلال عملية إنزال نفذتها طوافة إسرائيلية على بلدة زوطر الشرقية. وخرج بعد عام من معتقل أنصار لا ليهدأ أو يبحث عن منحى حياتي آخر، غير النضال في صفوف الحزب الشيوعي. حسن إسماعيل، رفيق زياد الرحباني وصديقه، وقد تولى أمنه الذاتي في محطات وظروف عدة، وشارك ممثلاً في مسرحيتين من مسرحيات الرحباني، «فيلم أميركي طويل» و»بخصوص الكرامة والشعب العنيد». لم يرق الرفيق حسن مآل الشيوعيين وتفرق شملهم واختلافهم الفكري، الذي وصلت عدواه (الاختلاف) إلى بيته الأوسع زوطر الشرقية، ودخلت عتبة بيت والده المناضل محمد إسماعيل٫ أما أكثر ما عانى منه حسن في الآونة الأخيرة، فهو قلة الحيلة في مواجهة صعاب الحياة، وغياب لغة الحوار التي كانت تجمعه بالعديد من الرفاق، الذين ظل يحنّ إليهم. كأن الأديب حنا مينه، في روايته «نهاية رجل شجاع» قد كتب فصولاً من حياة حسن إسماعيل، من خلال شخصية «مفيد الوحش» ومنحاها النضالي إلى حد الاستشهاد عن سابق إصرار ورغبة.