Hiba Awar

Hiba Awar

سليمان خلال لقائه بيريز في تل أبيب أوائل الشهر الحالي (ديبي هيل ــ أ ب)كان إرهاب «المتطرفين» المتمثل في حركة «حماس» وإيران هو العنوان الأبرز الذي تمحورت حوله وثائق «ويكيليكس» المتعلقة بدولة مصر، وكيفية عمل القاهرة على كبح جماحهما

ركزت الوثائق التي نشرها موقع «ويكيليكس»، وتناولت مصر، على التهديدات التي تعدّها مصر خطراً على أمنها القومي، والتي يمكن حصرها في «المتطرفين» بحسب القاهرة، وهم حركة «حماس» وإيران والسودان. خطرٌ تسعى إلى محاربته من خلال خبرتها وإمساكها بالملف الفلسطيني، وتحريكه وفقاً لحساباتها الأمنية. وكشفت برقية دبلوماسية صادرة عن السفارة الأميركية في تل أبيب أن مصر وحركة «فتح» رفضتا طلب إسرائيل دعمها في الهجوم العسكري الذي شنته على قطاع غزة في عام 2008. وقالت إن وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، أبلغ وفداً من الكونغرس الأميركي عام 2009 أن إسرائيل أجرت اتصالات مع مصر والسلطة الفلسطينية قبل شنّ عملية «الرصاص المصهور»، مشيراً إلى أن «مصر سألتهما عن استعدادهما للسيطرة على قطاع غزة بعد هزيمة حماس». من جهة ثانية، أكد رئيس جهاز الاستخبارات المصري عمر سليمان، خلال لقائه رئيس الأركان الأميركي مايكل مولن في آذار عام 2009، أن هدف مصر هو مواجهة التطرف في كل من غزة وإيران والسودان، مشيراً إلى أنه «يجب على مصر مواجهة محاولات إيران تهريب السلاح إلى غزة عبر الأراضي المصرية». وأشار سليمان إلى أن حملة مصر الناجحة على المجموعات المتطرفة في التسعينيات أعطتهم درساً مفيداً في كيفية مواجهة هذه المجموعات، وذلك من خلال الحد من قدرتهم على الاتصال وجمع الأموال. وأضاف «لم يبق إلا جماعة الإخوان المسلمين، رغم أن الحكومة حدّت من قدرتها». كلام سليمان عن تهديد المتطرفين تطابق مع برقية أخرى أعرب فيها الرئيس المصري حسني مبارك عن كرهه لـ«حماس»، معتبراً إياها تهديداً للأمن القومي. وإلى إيران، يقول سليمان إن الجمهورية الإسلامية «فعّالة جداً في مصر»، موضحاً أن «دعمها لحماس يصل إلى 25 مليون دولار شهرياً». ويشير إلى نجاح القاهرة في الحدّ من هذا الدعم. وتابع سليمان أن إيران «سعت إلى تجنيد البدو لتهريب الأسلحة إلى غزة»، مؤكداً أن مصر «بدأت المواجهة مع حزب الله وإيران». وشدد أن مصر «لن تسمح لإيران بدخول أراضيها»، مهدداً «إذا تدخلت إيران في أرضنا فسنتدخل في أرضهم». وفي برقية أخرى تحدثت عن لقاء جمع سليمان مع السيناتور جورج فوينوفيتش في كانون الأول عام 2008، حذر الأول من استمرار النفوذ الشيعي في العراق والخليج. وقال إن إيران «تدعم الجهاد، وقد دعمت المتطرفين في مصر سابقاً». حتى إن سليمان أشار إلى أنه «يجب أن تبقى حماس معزولة. وحين يتوقف إطلاق صواريخ القسام، سنطلب من الإسرائيليين وقف إطلاق النار». (الأخبار)

عدد الثلاثاء ٣٠ تشرين الثاني ٢٠١٠

مقاوم من حزب اللّه (أرشيف ـــ هيثم الموسوي)من ضمن الوثائق الـ25000 التي نشرها ويكيليكس، وثيقة واحدة من السفارة الأميركيّة في بيروت، و9 وثائق من سفارات واشنطن لدى اسرائيل وبعض الدول العربيّة، ويتركّز مضمونها على كيفيّة احتواء حزب الله ودعم الجيش اللبناني، إضافة إلى معلومة عن طلب الحريري ضرب إيران باعتباره «ضرورة»

ثائر غندور في الوثائق المتعلّقة بلبنان والتي نشرها موقع ويكيليكس، نقلت صحيفة نيويورك تايمز في نسختها الورقيّة أن رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي اختتم أمس زيارته لإيران، قد أبلغ مسؤولين أميركيين زاروا لبنان عام 2006، أن احتلال العراق لم يكن ضرورياً، «وإيران هي الضروريّة». وأضافت الصحيفة، أن الحريري أبلغ الأميركيين أنهم «يجب أن يكونوا مستعدين لضرب إيران إذا فشلت المساعي الدبلوماسيّة لوقف برنامجها النووي». قد يكون هذا الموقف هو أهم ما نشر في ويكيليكس عن لبنان، إضافة إلى القلق الاميركي الدائم لوضع حزب الله، الذي كان ينقله الدبلوماسيون الأميركيون إلى كل الدول التي يزورونها. ففي 28 كانون الثاني 2007، التقى نائب وزير الخارجيّة الأميركيّة حينها وليام بيرنز نائب رئيس دولة الإمارات محمد بن راشد، الذي أشار إلى أن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة تحتاج إلى مختلف أنواع الدعم المالي والسياسي. وفي برقيّة في تموز 2009، عن لقاء جمع وليّ عهد أبو ظبي محمد بن زايد، مع ألكسندر فيرشبو، مساعد وزير الدفاع للأمن الدولي، شكر الوفد الأميركي تمويل الإمارات العربيّة المتحدة لعملية تزويد الجيش اللبناني بدبابات من الأردن بقيمة 56 مليون دولار، معتبراً أن هذا الأمر «يُساعد على تثبيت النتائج الإيجابيّة للانتخابات النيابيّة التي ساعدت في تقليص نفوذ حزب الله (وبالتالي إيران) في لبنان». وبعدما وعد بن زايد بالنظر لما يُمكن أن تُقدّمه الإمارات، سأل فيرشبو إذا ما طلب الأمر عينه من الدوحة، فأجابه الأخير أنه فعل ذلك وسيُكرّر الطلب في زيارته التي كان ينوي زيارتها؛ وفي تلك الزيارة، بحسب برقيّة من السفارة الأميركيّة في الدوحة، فإن الوفد الأميركي سأل قائد الأركان القطري الجنرال حمد العطيّة عن تمويل تزويد لبنان بالدبابات الموجودة في الأردن، فإن العطيّة أجاب أنه يعلم بالطلب، لكن بلاده لم تُقرّر بعد جوابها. وتُضيف البرقية المرسلة من سفارة الولايات المتحدة في أبوظبي، أن بن زايد، في إطار حديثه عن الأمر المحبّب لديه وهو انتقال السلطة من جيل إلى آخر، قال إن الرئيس سعد الحريري هو «رجل جيّد، وهو خائف حالياً (مفترض من سوريا) ومن الضروري عدم خسارته». وفي نقاش بن زايد مع الوفد الأميركي لخطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في 18 تموز 2009، رأى وليّ عهد أبو ظبي أن الخطاب يعكس ضعف حزب الله الناتج عن ضعف إيران نتيجة الانتخابات الرئاسيّة. وأضاف بن زايد: «نصر الله سيُعاني من نقصٍ في التمويل، على الأقل في الأشهر الستة المقبلة». وأشار فيرشبو إلى التقدّم الأخير مع سوريا، «لا سيما في ما يتعلّق بوقف تهريب المسلحين إلى العراق»، لكنّ بن زايد أعلن «عدم ثقته بأن سوريا ستبتعد عن المحور الإيراني»، مشيراً إلى أنه بناءً على التجربة، سوريا لن تتخلى عن العلاقة مع إيران وعن دعم حزب الله وحماس». وأفادت برقيّة بتاريخ 30 تموز 2009، أن مساعد وزيرة الحارجيّة الأميركيّة للشؤون السياسيّة والعسكريّة أندريه شابيرو التقى مع عدد من المسؤولين في الحكومة الإسرائيليّة في 22 و23 تموز للتشديد على أهميّة العلاقات العسكريّة والسياسيّة بين بلاده وإسرائيل وأهميّة التفوق العسكري الإسرائيلي النوعي. وقد أبلغ المسؤولون الإسرائيليون شابيرو قلق بلادهم من استمرار تسليح الجيش اللبناني. وقد طالب هؤلاء شابيرو بنقاش المساعدات الأميركيّة المقبلة للجيش اللبناني. لكنّ المسؤول الأميركي قال إن نتائج الانتخابات النيابيّة مثّلت نقطة تحوّل ورفض لحزب الله؛ وشدّد على ضرورة دعم المؤسسات اللبنانيّة ومن ضمنها الجيش اللبناني أكثر من أي وقت مضى، «وخصوصاً أنه لم يُظهر حتى اليوم سوى الالتزام بسجلّ محاسبة صلب في ما يتعلّق بالسلاح الأميركيّ». وفي لقاءٍ في 16 تشرين الثاني 2009، بين مسؤولين أميركيين وعدد من المسؤولين الاسرائيليين الرفيعي المستوى، مثل المدير العام لوزارة الدفاع حينها بنحاس بوخريس ورئيس الدائرة السياسيّة والأمنيّة حينها عاموس جلعاد، أبلغ الاسرائليّون الأميركيين سررورهم للهدوء على الحدود الشماليّة منذ انتهاء حرب تموز 2006. لكنّهم نقلوا تخوّفهم من العلاقات المتينة بين الجيش اللبناني وحزب الله، معتبرين أنها علاقة استراتيجيّة، «وكلّ المباحثات مع اليونيفيل تصل لحزب الله عبر الجيش». وفي لقاءٍ آخر بعد يومين بين شابيرو والمسؤولين الاسرائيليين المذكورين أعلاه وغيرهم، أعلن الاسرائيليون أن صواريخ حزب الله باتت تطال كل الأراضي الاسرائيليّة وطالبوا بتبادل المعلومات أكثر مع الأميركيين، مشيرين إلى ضرورة فرض عقوبات على الحرس الثوري الإيراني بسبب دوره في لبنان، وخلق عقيدة قتاليّة جديدة للجيش اللبناني.

السنيورة: أعيدوا سوريا للحظيرة العربيّة

زار قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي دافيد بترايوس الرئيس فؤاد السنيورة يرافقه وفد عسكري وسياسي والسفيرة الأميركيّة في بيروت حينها ميشال سيسون وذلك في 20 تموز 2009. وقد أبلغ السنيورة ضيوفه بأنه كان مرتاحاً لنتائج الانتخابات النيابيّة الأخيرة، مشيراً إلى أن لبنان صوّت للدولة ومؤسساتها، وأثبت أنه قادر على ممارسة الديموقراطيّة إذا أُعطي الفرصة. وشكر الولايات المتحدة لدعمها العسكري؛ وأبلغهما أن لبنان تلقى تشجيعاً ودعماً بجهود الرئيس باراك أوباما للوصول إلى سلام في الشرق الأوسط، لكنّه شدّد على أن توطين الفلسطينيين يجب أن لا يكون على حساب لبنان. وشجّع السنيورة بترايوس وسيسون على العمل على دفع سوريا لاحترام سيادة الدول (وسمّى لبنان) وذلك عبر جلبها إلى الحظيرة العربيّة بدلاً من التحالف مع إيران، ونصح بترايوس بعدم إعطاء دمشق أي مكافآت قبل أن تقوم بما يجب عليها. في المقابل هنأ بترايوس لبنان على الانتخابات السلميّة وتمنى تأليف حكومة قريباً. وأبلغ السنيورة أن التصدّعات في إيران، التي ظهرت بوضوح خلال التظاهرات ضدّ النظام، ستلجم طموحات إيران الخبيثة في المنطقة.

عدد الثلاثاء ٣٠ تشرين الثاني ٢٠١٠

نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية مقابلة مع رئيس الحكومة سعد الحريري يوم الخميس الماضي (25 تشرين الثاني 2010)، تضمنت محاور عن الوضع الحالي في لبنان والمحكمة الدولية وحزب الله وعملية السلام في الشرق الأوسط والعلاقة مع سوريا وواشنطن وزيارة الرئيس الإيراني... وعن زوجة الحريري وأولاده والدرّاجات النارية والسيجار وفنّ الطبخ!محاوِرة الحريري الصحافية جانين زكريا (أو زخريا) جاءت من القدس المحتلة إلى منزل الحريري في بيروت وسجلت معه الحديث الشامل في 13 الجاري. زكريا، التي تحمل الجنسيتين الأميركية والإسرائيلية، تشغل اليوم منصب مديرة مكتب «واشنطن بوست» في القدس المحتلة، هي تتقن اللغة العبرية و«القليل من العربية»، كما جاء في بيان تعيينها عام 2009. الصحافية التي تخرّجت من جامعة أميركية عام 1990 كثيراً ما ارتبط اسمها بإسرائيل. فهي، على عكس النهج الطبيعي لأي صحافي أميركي، بدأت مسيرتها المهنية مراسلة من خارج الحدود، وتحديداً من القدس المحتلة. فعملت صحافية في المجلة الإسرائيلية «جيروزاليم ريبورت» ومراسلة لوكالة أنباء «رويترز» من الأراضي المحتلة. عاشت زكريا في إسرائيل 5 سنوات متتالية ومارست مهنة الصحافة هناك، ثم عادت أدراجها إلى الولايات المتحدة الأميركية، لكنها لم تفارق الإعلام الإسرائيلي، إذ عملت مديرة لمكتب جريدة «جيروزاليم بوست» في واشنطن، ومحررة دبلوماسية لقناة «بلومبورغ». وبعد عشر سنوات انتقلت زكريا للعمل في صحيفة أميركية هي الـ«واشنطن بوست»، لكن أيضاً هذه المرة من إسرائيل، حيث تدير اليوم مكتب الصحيفة في القدس المحتلة.إسرائيل ـــــ الولايات المتحدة ـــــ إسرائيل هذا هو خطّ عمل جانين زكريا منذ عشرين عاماً. سيرتها واضحة على صفحات الإنترنت، وكذلك أماكن عيشها وبلاد تنقّلها ومقالاتها طيلة السنوات العشرين الماضية، لكنها، جاءت إلى بيروت هذه المرة حيث استضافها رئيس الحكومة، فاتحاً لها قلبه في مقابلة شاملة من 6 صفحات!وبين أجوبة عمومية وآراء ضبابية عن اتهام حزب الله بمقتل والده، وأخرى متناقضة عن العلاقة مع سوريا، وإجابات طويلة عن عملية السلام واتفاقية أوسلو، كلّها بلغة إنكليزية ركيكة وصيغ كلامية غير متناسقة، تكلم الحريري مع زكريا ساعات على الأرجح. ولم تأت الإجابات واضحة وصريحة إلا في الرد على أسئلة تتعلق بهواياته وملذّاته في الحياة: الطبخ، والسيجار الكوبي، ودراجات الـ«هارلي دايفدسون» والغطس وإطعام أسماك القرش... «أشتاق إلى العودة إلى حياة البزنس، لكن أخي يهتمّ بالأمر الآن، وهو ناجح فيه أكثر مني!»، ينهي الحريري مقابلته.(الأخبار)

عدد الاثنين ٢٩ تشرين الثاني ٢٠١٠

جميعنا، مَن يتّفق مع سمير القنطار ومَن يختلف معه، لا يعرف قصّته، فقائد عمليّة جمال عبد الناصر في نهاريا، وقع فتىً في السادسة عشرة من العمر في أسر الصورة التي صاغتها الآلة الدعائية الاستخبارية الإسرائيلية. كتاب «سمير القنطار: قصّتي» لحسّان الزين، الصادر قريباً عن دار الساقي، يحاول تقديم رواية عميد الأسرى العرب في السجون الإسرائيلية، منذ ودّعه أبو العبّاس حتى استقبله حسن نصر الله، وما بين هاتين المحطتين حكايات وأسرار كثيرة وتفاصيل حياة يُستغرَب أن تلتقي خيوطها وتتكثّف خلف القضبان. هنا أجزاء من الفصل الأول

حسّان الزين * سجن هداريم، 12 تموز/يوليو 2006. استيقظتُ باكراً قبل بدء جولة العدّ اليوميّة. ذهني صاف وكأنّه لا كوكبَ ولا شيء فيه. قمتُ بحركاتي الآليّة الصباحيّة. نزلتُ من سريري الموجود كطبقة ثانية فوق سرير زميلي في الزنزانة، محمد أبو جاموس. أحبّ أن يكون سريري عالياً كأنه طائرٌ مرتفع عن أرض الزنزانة والسجن. يتيح لي ذلك توفير عالم خاصّ بي. أفكّر بهدوء وأقرأ وأستمعُ إلى الراديو وأشاهد التلفزيون. شرعتُ أغسل وجهي وأسناني فوق المغسلة المكشوفة قرب الحمام في الزنزانة. اقتربَ مني أبو جاموس ليخبرني أنه مكتوب، في شريط الأخبار على التلفزيون، أنَّ ثمّة اشتباكات على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة. لم آخذ أو أعط معه. سمعتُ ولم أقل كلمة أو أُظهر أيّ ردّة فعل. قلتُ في نفسي إنها عملية في مزارع شبعا رداً على ما يحصل في قطاع غزّة. فالوضع هناك صعب، وإسرائيل تقوم بأعمال انتقامية منذ أُسر الجندي جلعاد شاليط قبل 19 يوماً (في 25 حزيران/يونيو 2006)، والمقاومة الإسلاميّة في لبنان تتضامن مع الفلسطينيين وربّما تقوم بعمل عسكري لتخفيف الضغط عنهم وتشتيت الجبهة الإسرائيلية. جلستُ على كرسي صغير في زنزانتي أحتسي قهوتي، وأتابع التلفزيون. لا جديد على ما قاله أبو جاموس. بعد قليل وصلني مرسال من رفيق لي في السجن، عبد الناصر عيسى، من قادة «حماس»، نزيل زنزانة مجاورة، يخبرني أنَّه سمع بتنفيذ حزب الله عملية أسر. كهرباء عبرت جسدي، كما لو أني استيقظتُ الآن لا قبل ساعات. نقلت محطة التلفزيون إلى القناة الإسرائيلية «العاشرة». وجدتُ في أسفل الشاشة عبارة: «اشتباكات على طول الحدود اللبنانية، ويبدو أن حزب الله يخطط للقيام بأمر ما». جملةٌ ملغّزة ملغومة كالعادة، تقول ولا تقول الحقيقة كاملة. بدأ الفأر يلعب في عبّي. انتقلتُ، لأجمع الخبر، إلى القناة الإسرائيلية «الثانية». الأمر نفسه: «اشتباكات على طول الحدود مع لبنان ويبدو أن حزب الله يريد أن يقوم بعمل ما». هنا أيضاً جملة ناقصة. شعرتُ بأنها تخفي أكثر ممّا تبوح، وفي الوقت نفسه تمهّد لقول أمور أخرى وإبراز أجزاء من البازل. تفاؤل خافت لم أقمعه بل رحتُ أبحث عن خبر يغذّيه أو يطابقه ويترجمه. وزاد من شعوري هذا تفسيري لعبارة «يبدو أن حزب الله يخطط لأمر ما». هل مِنْ أحد يكتب في الأخبار مثل هذا؟ هذا يعني أن أمراً ما قد حصل وإسرائيل تمهّد لإعلانه، لكن القرار في صدده لم يؤخذ بعد. فالتقليد في إسرائيل يفرض على الإعلام الالتزام بالبيانات الرسمية الصادرة عن الجيش. أغرتني فكرة أن أتصل بأحد في بيروت، شقيقي بسام، أو المنسّق بيني وبين السيّد حسن نصر الله، لكن ذلك مستحيل في هذا الوضع. الخطوط قد تكون مراقبة فيُكشف أمر هاتفي السرّي. وأصلاً، يصعب عليّ سحبه من مخبئه الآن مع احتمال دهم السجن وتفتيشه. كبحتُ هذه الرغبة. ماذا أفعل؟ لا شكّ في أن أمراً ما قد حصل! ازداد اقتناعي بذلك. وأنا أنقّل التلفزيون بين القنوات الإسرائيلية، ثَبَّتُّ قليلاً على «العاشرة»، أوقفتني صورة المراسل ألون بن دافيد، يقدّم تقريراً عمّا يجري على الحدود اللبنانية. لفتتني عبارة قالها: «يبدو أن حزب الله نفّذ عملية استراتيجية». دَفْقٌ من الماء البارد غمر روحي. شعرتُ بأنني غطستُ في بحر صور. ورحتُ أعوم. قلتُ لنفسي: «خلص. وقعوا! فالشباب، في المقاومة، لا ينفّذون إلّا عملية أسر، ولا شيءَ آخر». كرّرتُ: «أكلوها». واطمأننت.

عملية استراتيجية؟ عبارة ترنّ في رأسي. عملية استراتيجية. أدرينالين يعبر حواسي كلّها. أريد أن أعرف بعد. أريد أن أفهم ماذا يجري. لكن يقيناً حطّ في قلبي. وضعتُ يديّ في جيبيْ بنطلون الجينز، كأني أمسكُ بكفّي شيئاً ما ثميناً، أو سريّاً، كي لا يأخذه أو يعرف به أحد. باتت كفّاي قبضتين، وكلما شددتُ أصابعي القصيرة تحرّكت قسمات وجهي كما لو أنها مربوطة بخيوط موصولة بالأصابع وتحاول أن ترسم ابتسامة، أو تمهّد لذلك. وما زلتُ مشدوداً إلى التلفزيون. روني دانييل على القناة «الثانية» يقول: ـــــ «بدأ حزب الله عمليات استفزازية على الحدود، واضطرّ الجيش إلى الرد». يمهّدون للإخبار عن العملية... يفرشون الطريق للصدمة. حتى الآن لا بيانَ رسمياً عن الجيش. وما دام الأمر كذلك، ممنوعٌ على الإعلام أن يستند إلى مصادر خارجية. فكّرتُ في هذا، وأنا أراوغ انتظاري. خبط قويّ على الحائط من الزنزانة الملاصقة أعادني إلى الواقع. اقتربتُ من الحائط لجهة الباب ورددتُ عليه، فطلب إليّ أحدهم أن أشاهد قناة «الجزيرة». نقلتُ التلفزيون إليها فوجدتُ مكتوباً في أسفل الشاشة خبراً عاجلاً: ـــــ «حزب الله يأسر جنديين إسرائيليين». ـــــ «خلص، مشي الحال!»، فرحت. رفعت يديّ وشكرت الله. أعدتُ يديّ إلى جيبيْ بنطلوني: «صار الموضوع في يدي». خرجتُ من الزنزانة إلى الممر. رآني شرطي سعيداً، يبدو أنني لم أخفِ ابتهاجي، أو هو الشرطي الذي بادر إلى سؤالي عمّا يحصل جعلني أفرح وأظهر ذلك بقولي له: ـــــ «شبابنا سحبوا لكم اثنين». وضحكت. ردّ: ـــــ «ماذا؟». كرّرت: ـــــ «شبابنا في المقاومة سحبوا لكم اثنين». سأل: ـــــ «من المقاومة؟». قلت: ـــــ «المقاومة الإسلامية، حزب الله في لبنان، سحب لكم جنديين، الآن، ليخرجني من هنا». لم يصدّق، لم يأخذ الموضوع جديّاً. انسحب إلى مكاتب إدارة السجن. هناك عندهم محطة إخبارية مشفّرة اسمها «YES»، قويّة، تأتي بأخبار دقيقة. أعرف من اللحظة الأولى أنه سينسحب ليشاهد تلك المحطة ويتأكّد. لعلّي حرّضته ليفعل ذلك، وإذا لم يعد يتأكد لي الأمر، فيما يعود إذا لم يكن الخبر صحيحاً ويريد أن يغيظني وينفي ما قلته له. وغاب. صار الشباب، السجناء معي، يهنئونني ويقبّلونني علناً أمام الحراس الإسرائيليين، في الممر وفي الزنزانة. لم يكبح الإسرائيليون هذه الفرحة عندما قطعوا بثّ المحطات العربية التي تصل إلينا. تركوا العبرية فقط. فقطع بث تلك القنوات يعني لنا أن أمراً ما خطيراً واستراتيجياً قد حصل ويريدون أن يمنعوا عنّا أخباره. لكن القناة «العاشرة» التي نشاهدها راحت تنقل عن قناة «المنار». نقلت بيان المقاومة وصوراً لي. سمعتُ أن اسم العملية إطلاق سراح سمير القنطار ورفاقه من السجون الإسرائيلية. ارتحت. صوت شقيقي بسّام وأمّي عبر إذاعة «النور» جذبني إلى سريري لأسمع قرب الراديو. استلقيتُ كأني في بيتنا، في عبيه. أخذتني الإذاعة إلى ألفة قديمة، بعيدة. فرحُ تلك الأصوات لفّني. الآن، وسط هذا اليوم التموزي، ثمّة دفءٌ وثمّة هواءٌ أتنشّقه. هواءٌ جبلي مع نسمات بحرية، وأصواتٌ ووجوهٌ كثيرة. «شكراً سماحة السيّد. شكراً أيها المقاومون الأبطال». رحتُ أكرّر وأنا أنظر إلى سقف زنزانتي القريب من وجهي، وأرى السماء. كانت صافية، وزادها وضوحاً اعتراف الجيش الإسرائيلي بالعملية وأسر الجنديين. وما نفع أن يقطعوا عنّا بثّ القنوات العربية، وها هم يتجرّعون السمّ وينقلون المؤتمر الصحافي للسيّد حسن نصر الله، ويترجمونه مباشرة إلى العبرية! بل توجّه إليّ وإلى رفاقي السجناء. صوته وهو يحدّثني سمعته يخترق السجن وإسرائيل كلها. قال: «إنكم أصبحتم عند خط الحريّة. هذا يوم سمير القنطار ويحيى سكاف ونسيم نسر». واختصر اسم العملية (إطلاق سراح سمير القنطار ورفاقه من السجون الإسرائيلية) في كلمتين: الوعد الصادق. استفزّهم السيّد. جنّنهم. آثرتُ في هذه اللحظة متابعةَ برنامج «مساء جديد» مع مقدّمه البارز في إسرائيل دان مرغريت، على القناة «الأولى». أحسستُ أنه يوضح توجّهات الرأي العام. فقد استضاف أشخاصاً منفعلين راحوا يحرّضون الحكومة على الحرب، واتفقوا على أنه إذا لم نقم بحرب من أجل الجنديين يجب أن نقوم بها رداً على كلام حسن نصر الله: «إذا أردتم حرباً فسنذهب إلى النهاية، وإذا أتى العالم كلّه فلن يأخذ الجنديين من دون إطلاق سراح سمير القنطار ورفاقه». وتقرّر أن تجتمع الحكومة الإسرائيليّة عند الثامنة مساءً. سيطر عليّ الحذر والترقّب. كرةُ ثلج ردّة الفعل بدأت تكبر وتتدحرج. صرتُ أفكّر بالخطوة التالية التي ستقوم بها إسرائيل. وبقيتُ أستبعد الحرب لكون إسرائيل غير مستعدّة لها وحكومتها الحالية ليس فيها عسكريون، ومسألة الجنديين يمكن حلّها بالتفاوض والتبادل، كما حصل مع عمليّة أسر الجنود الإسرائيليين الثلاثة، في تشرين الأول 2000. لكن ردّة الفعل لا محالة ستحصل، وتوقّعتها موضعيّة، قصفاً هنا، واغتيالاً وخطفاً هناك. إلى أن انتهى اجتماع الحكومة الإسرائيلية وأعلنت الحرب على لبنان وحزب الله في إطار «المواجهة الكبرى» لتحقيق هدفين: الأول ضربة مؤلمة لحزب الله والبنى التحتيّة اللبنانيّة في الساعات والأيّام القريبة. والثاني إبعاد حزب الله عن الحدود بجهد عسكري ودبلوماسي على الصعيد الدولي. وأطلقت إسرائيل على حربها هذه تسمية «الجزاء المناسب». بدأت أجواء الحرب ترتسم. توجّستُ شرّاً، وكذلك السجناء الآخرون. كلّهم عبّروا لي عن ذلك. تشاءموا. وتحدّثوا عن حقد إسرائيل وممارساتها في فلسطين ولبنان. شخصياً، لم أخف. كنتُ مطمئناً، وقلتُ لا حكومةَ في العالم تأخذ قراراً بالحرب في ساعة أو ساعتين إلاّ تكون غافلة عن نتائج الحرب. لا حربَ تُتّخذ بهذا النحو تحت ضغط التحريض الإعلامي. ألقيتُ نظرة عبر باب الزنزانة على الممر لأعرف حركة الحراس. وانسحبتُ إلى سريري أحرسُ ما أفكّر فيه وما سأقوم به. ورحتُ أُنصتُ لأي حركة للشرطة في الممر. استلقيتُ كأنني نائم. أسهم ذلك في هدوء الزنزانة. واختفت الأصوات من الخارج. اكتفيتُ بصوت خافت، همس، من الراديو، أسمع إذاعة النور. حافظتُ على هذا الوضع بعض الوقت، لأتأكد من حركة الشرطة. الدهم والتفتيش قد يحصلان في أيّ لحظة، خصوصاً في مثل هذه الظروف. عند الحادية عشرة، سحبتُ الهاتف من مخبئه واتصلتُ بالمنسّق بيني وبين السيّد حسن نصر الله. دعوته إلى الحذر والتنبّه. رد مطمئناً: ـــــ «لا يهمّك، الجميع محتاط وكل شيء تمام». لم أنم. بقيت ساهراً مع إذاعة النور. أسمع الأناشيد الحماسيّة والدينيّة. أقرأ القرآن وأدعو الله أن يحمي لبنان والمقاومة ويفك أسر كلّ معتقل. وتخلل هذه الأمسية أخبار عن الحرب وبيانات للمقاومة تعلن فيها تدميرها ثلاث دبابات وقصفها مرابض مدفعيّة إسرائيليّة في الAffinityCMSن السوري المحتل. سمعت تحيّة المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر محمد مهدي عاكف للمقاومة الإسلاميّة. وسط انهماكي في متابعة الأخبار العسكريّة الحربيّة فاجأني وليد جنبلاط. أوعز إلى المسؤولين في حزبه ومنطقة الجبل وجوب توفير الأمكنة اللازمة للعائلات النازحة من الجنوب والضاحية الجنوبيّة لبيروت. لم أستسغ هذا الموقف الإنساني في ظاهره. فكّرت أنه للفصل بين المقاومة وجمهورها. فأنا لا أستطيع أن أنسى مواقف جنبلاط تجاه المقاومة و«سلاح الغدر»، بحسب تعبيره. وهو في الحلف المناهض للمقاومة. وسيّدته السعودية حمّلت اليوم المقاومة «المسؤوليّة الكاملة» عن تصرّفاتها «غير المسؤولة» ودعتها إلى إنهاء الأزمة التي أحدثتها، مطالبة بالتفرقة بين «المقاومة الشرعيّة والمغامرات غير المحسوبة». حرّضني موقف جنبلاط هذا لأتصل بشقيقي بسام وأستوضح الأمر وأعرف ماذا يجري في الجبل. خطّه مقفل. قلقت. عاودت الاتصال، فتكرّر الصوتُ الذي يعلن أن الرقم المطلوب خارج الخدمة. ... وأخيراً، بسّام على السمع. ردَّ. أخبرني أن خطّه كان مقفلاً لأنه كان مشاركاً في برنامج «بالعربي» مع جيزيل خوري. لم أعرف ذلك لأن قناة «العربيّة» من ضمن القنوات التي قطع بثّها إلينا أمس. كما تأخر بسام في الرد عليّ، كذلك حصل معه في الحلقة، تأخر في الانضمام إليها لأسباب تتعلق بالحذر في الانتقال إلى الاستديو أثناء الحرب. قالت جيزيل إنني كنتُ أراسلها، والحقيقة أنني راسلتها مرة واحدة معزّياً بزوجها سمير قصير. مهّدت بالتذكير بهذه الحالة الإنسانيّة لتصوّرني لا أقبل بالحرب من أجل حرّيتي. كأنني أنا مقتنع بأن الحرب بسببي. وبدأت أسئلتها لبسام عن شعور عائلة القنطار التي نُفّذت العملية لتحرير ابنها، كما قالت. فقلَب بسام السؤال داعياً إلى النظر في الخسائر التي تقع في إسرائيل لا الاكتفاء بالتدمير والقتل اللذين تمارسهما إسرائيل في لبنان. وعند استفسارها عن المدّة التي أمضيتها في السجن، تحدّث سمير فرنجية عن المفقودين اللبنانيين في السجون السورية. تدخّل بسام وقال إن بين القوى التي يتحدث باسمها فرنجية جهات تتحمّل مسؤولية مباشرة عن عشرات المفقودين، وهم أهلنا وناسنا. وتوجّه إلى سمير فرنجية: ـــــ «لو كنتَ نائباً في البرلمان الإسرائيلي وأنا مواطن إسرائيلي أو شقيقي رون أراد، لا أعتقد أنه كان يمكنك أن تتحدث بهذه الطريقة». وعادت جيزيل وسألت بسّام: ـــــ «لو عرف سمير القنطار أن تحريره سيكون بهذه الكلفة الغالية، فهل كان وافق على العملية؟». أجاب بسام: ـــــ «يجب عدم ربط الأثمان التي يضطر لبنان حالياً إلى دفعها بقضية الأسرى. إسرائيل استغلّت هذه الحالة». وذكّر بما حصل في موضوع الأسرى الإسرائيليين الثلاثة عام 2000، ومعهم اقتيد عقيد في الاحتياط، ولم تقم إسرائيل بهذه الحملة. واستند إلى تقرير صحافي فرنسي يكشف أن الهجمة الإسرائيلية هذه مخطّطة سابقاً وتحصل بإشارة أميركية واضحة لإعادة خلط الأوراق في إيران وسوريا ولبنان والمنطقة. كأن سمير فرنجية تراجع، أو هو سيَّس الموضوع وتجاوز المسألة الشخصية التي ركّزت عليها جيزيل. قال: ـــــ «مسألة الأسرى تخطّاها حجم الرد الإسرائيلي على لبنان ودخلنا مرحلة جديدة ليس لها علاقة بالتفاوض، وبما يقال عن السياسة الإسرائيلية العدوانية». واستغرب القول إن الرد الإسرائيلي لم يكن متوقّعاً. كان هذا ردّاً على بسام ومنطق المدافعين عن المقاومة. لكن سرعان ما وقع فرنجية ومَن ينطق باسمهم في التناقض. فقد قال إن عملية المقاومة مرتبطة بالملف النووي الإيراني. قال بسّام لي، وهو يتذكّر وقائع الحلقة والحوار: ـــــ «هذا تناقض، فساعةً يحكون عن أن العملية لتحرير سمير القنطار ورفاقه، ولبنان لا ينبغي أن يدفع ثمن حرية شخص، وساعةً يتحدثون عن أن حزب الله قصد من خلال العملية استدراج الحرب وردّة الفعل الإسرائيلية لتخفيف الضغط عن إيران المحاصَرة بسبب ملفّها النووي». ابتسمتُ كي لا أضحكَ بصوت عال مع بسام. الفرح بيننا متعادل، لكني، في هذه اللحظة، شعرتُ بأن سعادتي مجروحة بتحميلي ذنب الحرب الإسرائيلية على لبنان. لم أستطع نسيان هذا. غرقتُ في تفكير أسود. آلمتني شخصنة الموضوع تارةً وتسييسه تارة أخرى. كيف يطالبون بالمفقودين والأسرى اللبنانيين ويستغنون عني؟ أحياتي وحياة أيّ مقاوم لبناني ضد إسرائيل رخيصة إلى هذا الحد؟ والأهم، أنهم يفعلون هذا في لعبة بهلوانية بائسة تبرّئ إسرائيل وترتعب أمامها. فتحميلي ذنب الحرب أشبه بتحميل إسرائيل الجنديين الأسيرين مسؤوليتها. لكن إسرائيل لا تفعل هذا. لا تفكّر فيه، بل تقول إنها تخوض حرباً لأجل تحريرهما. وأنا أسير منذ 28 سنة، لا من يومين، وأسرتُ من أجل قضية. لم أُسجن لأني سرقتُ أو ارتكبتُ جريمة. أُسرتُ وأنا أنفّذ مهمتي في الصراع مع العدو. آلمني الوضع. أساءتني تلك الرغبة في رميي وإهمالي. انسحبت إلى سريري لأخلو بنفسي. حاولت الاسترخاء ورغبت في بعض النوم لأطرد تلك الأفكار وأصفّي ذهني، لكنّي لم أستطع التحرّر من الاستنفار العصبي الذي يسيطر عليّ. ضاقت بيَ الدنيا. أمسكتُ بقميصي فوق صدري وشددته لأمزّقه. كان قطنيّاً فمطّ في يدي. أحسستُ أن هذا القميص الهزيل الذي رغبتُ في تمزيقه مثل المقاومة، صمد وعاد فوق صدري وجسدي. هدأت. في اليوم الثالث للحرب، ما زلتُ أتألّم رغم اطمئناني إلى أن المقاومة ستصمد وتواجه وترد. إسرائيل تراجعت قليلاً، وأعادت القيادة العسكرية صوغ أهداف أكثر تواضعاً مما أعلنته في بداية حربها. صار هدفها إجبار الحكومة اللبنانيّة على تنفيذ القرار 1559. أين الأسيران اللذان قالت إن حربها هي من أجل إعادتهما؟ سألت نفسي. مساءً، توجّهتُ إلى إدارة السجن لأحلّ مشكلة عالقة لا يمكن الشباب القيام بها. فرغم انهماكي بمتابعة أخبار الحرب، لم أترك هموم السجن، لا يمكنني ذلك، وإن كان الشباب خفّفوا من مراجعتي في كل صغيرة وكبيرة. هناك، في مكاتب الإدارة، قال لي شرطي إن منزل حسن نصر الله قد دُمّر نهائياً ويُعتقد أنه كان فيه. لم أُظهر أيّ ردّ فعل، كبحتُ مشاعر القلق التي اعتملت في داخلي. حافظتُ على رباطة جأشي ورغبتُ في أن أهزأ به بالقول إن السيّد حسن غيّر عنوانه واستأجر شقّة أخرى لكنه لم يخبركم. عدلتُ عن فكرتي كي لا أدخل معه في سجال. طلبتُ منه ألّا يغيّر الموضوع بهدف عدم حلّ المشكلة. اختصرتُ الأمر إلى أقصى الدرجات وانسحبتُ لأشاهد التلفزيون في زنزانتي. ولم يتأخّر الردّ: أطلَّ السيّد حسن عبر قناة «المنار» وإذاعة «النور» مبدّداً الشك في أمر إصابته. أنا تابعته عبر إذاعة «النور». والذروة كانت حين دعا إلى النظر إلى عرض البحر. استجبت له واندفعتُ في حركة عفوية نحو باب الزنزانة كأني أرى تلك البارجة، «حانيت»، التي استُهدفت مباشرة في تلك اللحظة أمام شواطئ بيروت. وقفزتُ في الزنزانة مبتهجاً. نظرت عبر الباب بحثاً عن ذاك الشرطي، لأنظر إليه وينظر إليّ وحسب. لا كلام أقوله له الآن. نظرة فقط، كفيلة بأن تكون كذاك الصاروخ الذي أشعل «حانيت». ضجّ السجنُ ابتهاجاً. ـــــ «مبروك». «مبروك»، صرخة تتعالى من أبواب الزنازين. انتعش الشباب في السجن، وقلت: بدأ النصر وعلى كل المستويات. سقطت أسطورة الجيش الذي يكذّب ويقول ما يشاء. صار مرغماً على الاعتراف تحت ضغط الصورة.

ولأن إسرائيل تتنصّت على الكثير من الخطوط، صرتُ أختصر في الاتصال، لكني لم أشأ أن أوقف الاتصالات نهائياً، فمنها أعرف بعض التفاصيل والأخبار. واليوم، تحدثتُ إلى جوزف سماحة. أخبرني أين وصل الإعداد لجريدة «الأخبار». سألته عن رأيه في ما يجري. قدّم لي قراءة سياسية للحرب والمنطقة، قال إنها محطة أخرى لفشل المشروع الأميركي ـــــ الإسرائيلي للشرق الأوسط الجديد. وأكّد ثقته بالمقاومة. أضاف إن إسرائيل شنّت الحرب باستسهال هزيمة حزب الله، وبشعور خفيّ بالاستعلاء على المحيط العربي، لكن النتائج خلاف ذلك. فإسرائيل الجاهزة لمواجهة الدول العربية مجتمعة تتخبّط بحثاً عن سبيل للانتصار على جزء صغير من قوّة مستعدّة للقتال. وهذا ما خلق المفارقة في فهم معنى الانتصار. إسرائيل ترى في أيّ شيء دون النصر الحاسم على حزب الله هزيمة لها، لأنها ترفض مبدأ التعادل. وحزب الله يرى في منع إسرائيل من تحقيق النصر انتصاراً لا مثيل له. وختم كلامه كعادته بمزحة ساخراً ممّن يقولون إن الحرب بسببي وإن حريّتي لا تستحق تدمير لبنان. قال: ـــــ «سيطلبون منك أن تكتب بيان اعتذار عن الحرب». وضحك ضحكته المبحوحة الهازئة المفتوحة على العقل. بعد أسبوع، عند الخامسة من صباح اليوم الثامن للحرب، اقتحمت قوّة خاصّة غرفتي. أيقظونا. استفسرتُ عمّا يجري، فردّ الضابط: ـــــ «تفتيش». يحملون معهم عدّة شغل كاملة لفكّ كل شيء. لم أفكر إلّا في الهاتف، فأنا أخبّئه في مكان داخل الزنزانة بسيط جداً ولا يحتاج إلى عدّة. اخترتُ هذا المخبأ لبساطته. فالأماكن الصعبة يُبحث عنها وهي أكثر خطراً. وقد سبق أن اكتشفوا مرات عدّة مخابئ بُذلت جهودٌ لبنائها. لذا، فكّرتُ أن أضعه تحت عيونهم ومع ذلك لا يرونه. كما يختبئ السارق قرب مركز الشرطة، أو فيه حتى. قطعة بلاستيك صغيرة، إذا ما رفعوها، وربما يضعون أيديهم عليها، يجدونه. قلت في نفسي مع بدء التفتيش: «خلص، وجدوه. وسأُعْزَل عقاباً، والآن أنا في أمسّ الحاجة إلى التواصل مع العالم». رفضت الشرطة أن أبقى أنا ممثلاً لزنزانتنا أثناء تفتيشها. فبعد نضال وإضرابات توصّلنا معهم إلى اتفاق على أن يبقى ممثّل لكل زنزانة يراقب أثناء التفتيش كي لا يُسرق شيءٌ. رفضوا بقائي لاعتقادهم أنني سأعترض على همجيّتهم في التفتيش، وربما لاعتقادهم أن لديّ هاتفاً وقد أشوّش عليهم أثناء البحث. أخرجوني من الزنزانة فوجدتُ أنهم اختاروا، إلى زنزانتنا، أربع زنازين أخرى هي زنازين قيادات السجن. التقيتُ في الممر بمروان البرغوثي وعبد الناصر عيسى وتوفيق أبو نعيم. عندما اجتمعنا، سأل بعضنا بعضاً عمّا يبحثون عنه. شككنا في احتمال وصول خبر إليهم بوجود هواتف لدينا. توجّهت، في الساحة، إلى حيث نضع حراماً لنجلس عليه أثناء الفورة. جلستُ أدعو ونمت. أحلى شيء النوم في هذه الظروف. وزميلي في الزنزانة، جاد الله كنعان، استغرب ذلك. قال لي: ـــــ «ألا تعرف أن في زنزانتنا هاتفاً، وفي أي لحظة يمكن أن يكتشفوه؟». المهم، تركني في حالي، رغم توتره. وبعد ساعة تقريباً، استدعى أحد الحراس مروان ورفيقه في الزنزانة، إذ انتهت عملية تفتيشها. ثم نادوا على عبد الناصر ورفيقه، وبعدهما على توفيق ورفيقه. بقيت زنزانتنا، ما زال التفتيش فيها جارياً. أَخْ! اكتشفوا الهاتف، قلنا، لكني بقيتُ هادئاً مستلقياً، أغفو أحياناً. طلع النهار، وبعد ساعات دعونا إلى الدخول. ورحتُ أنظر في وجوه الضباط، أتفرّسها، أريد أن أعرف هل اكتشفوا الهاتف أم لا. قال أحدهم: ـــــ «صباح الخير سمير». نطقها ببرودة وبلهجة عادية. قلت في نفسي: «الظاهر أنهم لم يجدوه». وواصلتُ المشي حتى باب زنزانتي. دخلت فكاد زميلي، أبو جاموس، الذي بقي يمثّلنا، يضحك لأنهم لم يكتشفوا الهاتف رغم بساطة مخبئه. عاجلته بإيماءة التزام الصمت. الضباط ما زالوا في الممر قرب الزنزانة، وأيّ حركة، ولو ضحكة صغيرة، قد تلفت الانتباه وتفضحنا. ولمّا ابتعدوا، وفرغ القسم منهم، روى أبو جاموس لي ما جرى. قال إنه في اللحظة التي وصل فيه الجندي إلى سريري وشرع في فك قطع البلاستيك الموجودة في أعلى أعمدته الأربعة، أمره ضابط بالخروج إلى الممر وفك اللمبات هناك. ففي أحد تلك الأعمدة أخبّئ التلفون، بعدما حشوته بإسفنج جمعته من الفرش والمخدات. حينذاك، حسِبَ أبو جاموس أن ساعة الحقيقة قد حلّت، ولا سيما أنه في عمليات التفتيش الكبيرة يفكّون قطع البلاستيك تلك. وعلمتُ أنهم فتحوها في الزنازين الأخرى، إلّا في زنزانتي. عدنا إلى أجواء الحرب. شعرت بحماسة وثقة غريبتين وأنا أقرأ، صباح يوم الجمعة الثاني من الحرب، أي في اليوم العاشر منها، مقالة ناحوم برنيع في «يديعوت أحرنوت». حملت الجريدة وتوجّهت إلى زنزانة مروان البرغوثي. وقفتُ خارجها. تبادلنا عبر الشبّاك ابتسامة التواطؤ على سرّ لم يُكشَف. ورفعت في وجهه الجريدة كمن يشهر وثيقة في وجه شخص يخالفه الرأي، رغم أن موقف مروان مع المقاومة لكنه متخوّف من هزيمتها وألّا تنتهي الأمور لمصلحتها. سبق أن تحدّثنا حديثاً عابراً في زحمة متابعتنا الأخبار الميدانيّة للحرب. قلت له: ـــــ «خذ اقرأ ناحوم برنيع. يقول «اهرب أولمرت، اهرب!» من لبنان والحرب عليه. لقد جال مع الجنود الإسرائيليين على الحدود ودخل إلى حيث أمكن جيش الاحتلال أن يتوغّل في الأراضي اللبنانية، ورأى ما رآه». قرأ مروان المقالة بسرعة. وأنا أقرأ في وجهه ردّ فعله. كان بين الصدمة والتوقّع، كمن يقول إنني أعرف هذا ويفرحني لكن العبرة في النهاية والنتائج، ولا ينبغي أن يغرينا أو ينيّمنا على حرير. سألته: ـــــ «أنت كقائد عسكري ماذا تفسّر صمود المقاومة في الميدان وتصاعد ردّها وارتفاع عدد الصواريخ وقدرتها على تحديد الأهداف وإصابتها؟». ردَّ: ـــــ «ممتاز، دليل سيطرة وقدرة تحكّم، وحفاظ على القوّة الأساسية في أماكنها». ـــــ «كُسر التابو، وما عاد في إمكانهم إخفاء الخسارة أو صعوبة سحق المقاومة والانتصار عليها». لم يكن همّي في الحوار أن أؤكد أن حزب الله انتصر. كان همّي أن أقول إن المقاومة عموماً لا تُهزم إلا إذا أرادت هي ذلك. فلا احتلال الأراضي يعني أن المقاومة هُزمت ولا التدمير يعني الانتصار. المقاومة ليست جيشاً نظاميّاً، المهم أن تتخفى وتحافظ على قدراتها وتباغت وتهاجم وتكبّد العدو الخسائر وتربكه. كنت أحدّثه شخصيّاً، وأوجّه الرسائل له تحديداً. وهو جاملني من دون أن يتراجع عن مخاوفه. في منتصف الحرب تقريباً استُدعينا أنا ومروان البرغوثي وتوفيق أبو نعيم إلى مكتب إدارة السجن. كانت في انتظارنا مسؤولة الاستخبارات في مديرية السجون، اسمها بيتي، قصيرة ونحيفة وترتدي بنطلوناً وقميصاً مدنيين. تحدّثت عن الوضع الفلسطيني وحركة حماس التي «تعرّض الفلسطينيين للخطر ولا يمكن أن تخفي شاليط أكثر من ذلك». وشرعت تتكلّم عن الحرب على لبنان. تركتها تعرض تصوّرها منطلقةً من أن المسألة مسألة أيّام وينتهي حزب الله، ودخلت عليها. قلت: ـــــ «ستفشلون في حربكم وتُهزمون ولن تنهوا حزب الله أو تدمّروا قدراته الدفاعية، وستنسحبون من لبنان مهزومين ومذلولين». وأخرجتُ لها سيناريوهات المستنقع اللبناني: ـــــ «لن تستطيعوا دخول بلدة والحفاظ عليها. الميركافا ستتبهدل وسلاح الطيران سيفقد الكثير من فاعليته، إلا القدرة على التدمير وقتل المدنيين كما تفعلون الآن». اغتاظت وردّت موحيةً أنها مستغربة موقفي: ـــــ «أنت تقول هذا؟ أنت تعرفنا، وتعرف أننا لا نُهزم!». أغمضت عينيّ ثم فتحتهما وتركتهما ناعستين، ورحت أخفض رأسي وأرجعه، وأنا أجيبها: ـــــ «أعرفكم وأعرف جماعتنا، نحن لا نُهزم». ومروان ينظر إليَّ فرحاً، وذروة ما ابتهج به عبارتي: «سيلعب المقاومون بكم أتاري». ضحك بقدر ما كانت هي مغتاظة، إلى درجة أنها أنهت الحديث بسرعة. أثناء عودتنا إلى القسم قال لي مروان: ـــــ «أسمعتَها كلاماً لن تسمعه في حياتها». بعد الحرب التي انتهت بمجزرة الميركافا في سهل الخيام - مرجعيون ووادي الحجير، أكثر من خمسين منها دُمّرت، مرّت «بيتي» في القسم وكنتُ مع مجموعة من الشباب نتحدث، أشاحت بنظرها عني، بالتأكيد متذكّرةً كل ما قلته لها. ناديت عليها: ـــــ «بيتي». استدارت نحوي: ـــــ «ماذا؟». سألتها: ـــــ «كيف الأتاري؟». وأكملَتْ طريقها من دون أيّ كلمة، على وقع ضحكاتنا. * سكرتير التحرير في «الأخبار»

عدد الاثنين ٢٩ تشرين الثاني ٢٠١٠

أكد نصر الله أن المقاومة لم تكن يوماً أقوى مما هي عليه اليوم (هيثم الموسوي)أرغم كلّ ما قيل خلال الأيام الماضية عن تجميد المسعى السعودي ــ السوري الرامي إلى حل الأزمة اللبنانية، جدّد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أمس ثقته بهذا المسعى، مؤكداً أنه وصل إلى مراحل متقدمة

وضع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أمس سقفاً زمنياً لإقرار تسوية للمشكلات الداخلية. وهذا السقف الزمني ينتهي لحظةَ صدور القرار الاتهامي عن المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. بعد ذلك، «ربما يكون قد فات الأوان، ونكون جميعاً قد فقدنا زمام المبادرة». الموقف الجديد للأمين العام لحزب الله ورد في خطابه الذي ألقاه أمس لمناسبة تخريج طلاب «التعبئة التربوية» في الحزب، والذي أكد فيه جدية المسعى السوري ـــــ السعودي الذي «قطع شوطاً مهماً» من أجل التوصل إلى تسوية للأزمة اللبنانية. ملف الاتصالات أخذ الحيز الأكبر من خطاب نصر الله أمس. تحدّث بإسهاب عن الخروق الإسرائيلية لقطاع الاتصالات اللبناني، مشيداً بما وصفه بـ«الإنجاز الوطني والوقائي والأمني والكبير والتاريخي جداً بالنسبة إلى لبنان وإلى كل دول وحكومات وشعوب المنطقة، الذي عُبّر عنه في المؤتمر الصحفي الذي عُقد قبل أيام». ووجه الشكر إلى وزير الاتصالات والخبراء والأمنيين الذين حققوا هذا الإنجاز، لناحية كشف حجم الاختراق الإسرائيلي لقطاع الاتصالات اللبناني. وقال نصر الله إن نتائج هذا الكشف أظهرت أن بإمكان الاستخبارات الإسرائيلية تحقيق الآتي: ـ التنصت والاستماع إلى المكالمات الهاتفية والاطّلاع على الرسائل القصيرة (أس أم أس) التي يجريها أي مشترك على الشبكة اللبنانية. ـ الإسرائيلي لديه قدرة ويستطيع بالفعل الحصول على بيانات المشتركين والاتصالات (الداتا)، التي تتضمن كل المعلومات الشخصية عن حامل الهاتف وتفاصيل مكالماته الهاتفية، والأخطر من هذا تحديد مكانه جغرافياً. ـ تعقّب وتتبّع مستخدمي الهاتف الخلوي أو العادي وبطريقة لحظوية. - استنساخ شريحة أيّ هاتف (الـ«سيم كارد»)، بحيث يمكنهم إجراء مكالمة أو إرسال رسالة من رقم هاتف أيّ شخص من دون أن يكون الأخير على علم بما يجري. وبإمكان الإسرائيليّين جعل هذا الرقم يبدو موجوداً في أمكنة وأزمنة أنت أصلاً لست موجوداً فيها، وبعيد عنها عشرات الكيلومترات. والأخطر من ذلك كله، هو «زرع هاتف ورقم جديد في هاتف أيّ شخص، وتحويل هذا الهاتف إلى جهاز تنصت». وعن قضية الاختراق الإسرائيلي لهواتف عدد من كوادر المقاومة، لفت نصر الله إلى أن حزب الله فتح تحقيقاً في الموضوع ولجأ إلى مديرية استخبارات الجيش للحصول على مساعدتها التقنية. وقد تمكّن خبراء الاتصالات في المقاومة والجيش ووزارة الاتصالات والهيئة المنظمة من اكتشاف الاختراق. وقال نصر الله إن الحزب لم يلجأ إلى مكان آخر، غير استخبارات الجيش، لأن المكان الآخر (يقصد فرع المعلومات) كان مقتنعاً بأن كوادر المقاومة الثلاثة هم عملاء، ويرفض المناقشة في ذلك. وتوقّف نصر الله عند ردود الفعل على ما كشفه وزير الاتصالات ورئيس الهيئة المنظمة ومهندسون منها عن حجم الاختراق الإسرائيلي، لافتاً إلى أنّ البعض «بلعوا ألسنتهم»، رغم أنّ الإنجاز الذي تحقق هو «إنجاز للدولة». واستغرب الأمين العام لحزب الله أن يدين الاتحاد الدولي للاتصالات إسرائيل على هذه الخروق، في الوقت الذي سكتت فيه قوى سياسية لبنانية عن إدانة إسرائيل. ودعا الفريق الآخر إلى مناقشة المعطيات والوقائع التي قدمتها وزارة الاتصالات والهيئة المنظمة نقاشاً علمياً. وتساءل عن الخطوات اللاحقة لهذا الكشف، مطالباً بوضع «خطة لمنع هذه الاستباحة، ولمنع هذا العدوان حمايةً لقطاع الاتصالات». وبعدما لفت نصر الله إلى أن الأجهزة الأمنية أوقفت عدداً من الأشخاص في لبنان بشبهة التعامل مع الاستخبارات الإسرائيلية، مستندةً إلى بيانات الاتصالات الهاتفية، ثم تبيّن أن الشبهات لم تكن في محلها، انتقل الأمين العام لحزب الله إلى الحديث عن المحكمة الدولية، وخاصةً لناحية التعديلات الأخيرة التي طاولت قواعد الإجراءات والإثبات فيها. واستغرب أن تكون المحكمة مالكة لسلطتَي التشريع والمقاضاة في آن واحد، طارحاً عدداً من الأسئلة أبرزها:

هل هناك سوابق لمحاكمات غيابية في المحاكم الدولية؟ هل ثمّة سوابق مثلاً في المحاكم الدولية لها علاقة بالتكتم على الشاهد؟ هل يصح أن تحكم على الناس والشاهد متكتَّم عليه، يعني لا يستطيع المتهم أن يناقش الشاهد ويسأله. هل هناك سوابق في قبول شهادات خطية من الشاهد دون حضوره أمام القضاة أو أمام المحامين؟ ورأى نصر الله أنّ التساهل في وسائل الإثبات يُعدّ أمراً «غير جائز في قضية حساسة وخطيرة من هذا النوع. حتى لو تبين أن هذا حصل في محكمة ما في العالم، فإنّنا أمام قضية حساسة، وأمام قرار اتهامي حسّاس وأمام إدانة حساسة تعني مصير بلد ومستقبله». أضاف: «أريد أن أسأل كل طلاب العدالة في لبنان من الكبار إلى الصغار، أولئك الذين يخرجون ويقولون إنّ المحكمة مستمرة والعدالة آتية. أيّ عدالة هي الآتية؟ هل التساهل في وسائل الإثبات مؤشر إلى إنجاز عدالة وتحقيق عدالة؟ هل مسار التحقيق خلال خمس سنوات هو مؤشر إلى إنجاز عدالة وتحقيق عدالة، أم كل التجربة السابقة وكل التجربة الحالية تقول إن هناك محكمة تكيّف قوانينها وإجراءاتها وقواعدها بالطريقة التي تسهّل عليها إصدار حكم سياسي معدّ مسبّقاً؟ وخلص نصر الله إلى القول إن المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري هي الأضعف والأوهن من الناحية القانونية والقضائية وإجراءات العدالة ومعايير تحقيق العدالة. ووعد نصر الله بعقد مؤتمر صحافي لتقديم رؤية قانونية ودستورية عن مخالفة إنشاء المحكمة للدستور والقانون اللبنانيين، استناداً إلى آراء خبراء في لبنان والخارج. وبرأيه، فإن «المحصّلة واضحة: هذه محكمة لا علاقة لها لا قانونياً ولا دستورياً بلبنان ولا بالمؤسسات الدستورية في لبنان. نعم، هذا قرار مجلس الأمن، مجلس الأمن الذي قسّم فلسطين، مجلس الأمن الذي اعترف بوجود إسرائيل، مجلس الأمن الذي يقوم بتغطية كل العقوبات المفروضة على حكومات وشعوب في العالم، مجلس الأمن الذي هو ألعوبة بيد الولايات المتحدة الأميركية». وتوقف نصر الله عند «الدخول الإسرائيلي مجدداً على خط المحكمة الدولية، لا عبر الصحافة الإسرائيلية، بل من خلال مسؤولين إسرائيليين يقولون نحن في إسرائيل زوّدنا لجنة التحقيق الدولية بمعلومات ومعطيات ونحن متعاونون. ولجنة التحقيق الدولية بدل أن تذهب وتحقّق مع الإسرائيليين على الفرضية الإسرائيلية ذهبت لتستعين بالإسرائيليين لإدانة عدو إسرائيل الأول». وفي الشأن السياسي الداخلي، دعا نصر الله إلى مساندة المسعى السعودي السوري، مرحّباً بأيّ دولة أو جهة صديقة تدخل على خط المعالجة، «سواء كانوا إيرانيين أو قطريين أو أتراكاً». ووصف نصر الله المسعى السعودي ـــــ السوري بأنه «المسعى الجدي الوحيد المتاح لإخراج لبنان ممّا يتهدده الآن»، متحدّثاً عن معطيات تلقّاها خلال الأيام القليلة الماضية تؤكد «أنّ هذا المسعى ما زال قائماً ومتقدماً، وما زال الأمل كبيراً جداً بالوصول إلى نتائج حقيقية على صعيد الحل والمعالجة». وفي رأيه، فإن الحكومة اللبنانية قادرة على أن تبعد عن البلد «هذه المخاطر التي تتهدده من خلال المحكمة الدولية والقرار الاتهامي، وهي تعرف كيف. لكن ما نحتاج إليه كلبنانيين هو العزم والقرار والإرادة». ورأى نصر الله أنّ المعارضة السابقة في لبنان وسوريا والسعودية كلها جهات ترى المصلحة في التوصل إلى حل قبل صدور القرار الاتهامي، محذّراً مَن يتحدثون عن الحل بعد صدور القرار الاتهامي مَن أن يكون حينذاك «قد فات الأوان وأن نكون جميعاً قد فقدنا زمام المبادرة. فكّروا جيداً «بهالحكيات»، ودققوا وجميعاً سنتحمّل المسؤولية، هذا هو الفارق بين ما قبل صدور القرار الاتهامي وما بعد صدور ه. قبل صدور القرار الاتهامي نكون قد حمينا البلد واتفقنا وحمينا المقاومة وحمينا السلم الأهلي، وحمينا الحكومة وحمينا كل شيء. أمّا بعد صدور القرار الاتهامي فقد نفقد جميعاً الفرصة والوقت المتاح وزمام المبادرة لأنّ موضوع القرار الاتهامي ليس أمراً قائماً وحده، بل هو حلقة أو جزء من مشروع ستكتمل عناصره، بدأ باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري واستمر مع الاغتيالات التي كانت في ظلها تقرّر بنود المحكمة الدولية، وصولاً إلى إصدار القرار الاتهامي وما بعد إصدار ه». وحذّر من «تقطيع الوقت»، داعياً إلى النظر إلى «أدلة القرار الاتهامي الموجودة في ديرشبيغل ولوفيغارو وسي بي سي». من جهة أخرى، رأى نصر الله في ما تقوله الحكومة الإسرائيلية عن الانسحاب من الشطر الشمالي لقرية الغجر، «لعبة علاقات عامة ولعبة إعلامية للتغطية على الاستيطان في القدس الشرقية وعلى الاستيطان في الضفة. وأبدى نصر الله اعتراضه على أي شروط تضعها إسرائيل بشأن قرية الغجر، كالقول بدخول قوات اليونيفيل ومنع دخول الجيش اللبناني إليها، واصفاً ذلك بـ«الاحتلال المقنّع، وسنتصرف معه على أنه ما زال احتلالاً». ورأى نصر الله أن الحل الأمثل لعدم تقسيم بلدة الغجر هو في انسحاب إسرائيل من كل أراضي البلدة، ليعود الجزء اللبناني إلى السيادة اللبنانية، على أن يبقى الجزء السوري وسكانه في عهدة لبنان مؤقتاً إلى حين الانسحاب وترسيم الحدود بين لبنان وسوريا. وشدد على أن المقاومة في لبنان ليست خائفة مما يُعدّ لها، وخاصةً «أنه لم يمرّ وقت كانت فيه هذه المقاومة أقوى مما هي عليه اليوم».

عدد الاثنين ٢٩ تشرين الثاني ٢٠١٠

الرئيس سعد الحريري والنائب الأول للرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي في طهران أمس (بهروز مهري ـ أ ف ب)الذهب إلى طهران بدفع سعودي لعلّه يحجز لنفسه موقعاً في صفقة إقليمية ــ دولية قيد الإعداد. ارتكب نوعين من الأخطاء، أولهما في التصريح وثانيهما في التشكيلة، تجاهلها الإيرانيون الذين أسمعوه رسالة واضحة: العنوان الإقليمي للحل هو الجهود السورية السعودية، والعنوان اللبناني ليس سوى السيد حسن نصر الله. وذكّروه أيضاً بـ«وصيّة والده» التي يحتفظون بها مسجلة من أيام زيارته لطهران في 1997

إيلي شلهوب يتوقع أن يغادر الرئيس سعد الحريري إيران اليوم حاملاً في حقيبته جملة من الأسئلة التي تنتظر جواباً عملياً منه. بات الاختيار واجباً وملحّاً «بين الطوفان وسفينة نوح». بين جيفري فيلتمان والرئيس بشار الأسد والملك عبد الله. هناك، في طهران، جرى تذكيره بوصية أبيه، التي يحتفظ بها الإيرانيون على تسجيل، يوم زار الجمهورية الإسلامية في 1997 وتساؤلات عما إذا كان قد عمل بها. وقد أبلغ بأن كل صولاته وAffinityCMSته العالمية لن تجدي، وأن لديه عنواناً واحداً لحل الأزمة: الضاحية. جرى إفهامه، بمجرد استقباله، أنه في نهاية الأمر «جاء إلى أحضان ولاية الفقيه». أوحي إليه بأن هناك «طبخة كبيرة» في المنطقة وأن هناك اتجاهاً نحو «مساكنة» أميركية إيرانية. لعله يستدرك، لحظة وصوله إلى بيروت، أنه ارتكب مجموعة أخطاء رافقت زيارته الإيرانية. تصريحاته عن المحاور، وتشكيلته للوفد المرافق «التي استبعد منها أكثر من نصف اللبنانيين» رغم أنه «يُفترض به أن يكون رئيس وزراء لبنان كله». وربما يدرك أن الحفاوة والتكريم اللذين حظي بهما في إيران إنما هما من تقاليد هذا البلد وأعرافه، وأن الإيرانيين يعلمون علم اليقين أنه لم يأت إليهم بدافع شخصي، بل بتشجيع سعودي، على غرار ما حصل معه يوم زار دمشق. أوساط الرئيس محمود أحمدي نجاد تؤكد أن «الزيارة حتى الآن (بعد ظهر الأحد) بروتوكولية. استقبال في المطار وآخر رسمي في سعد آباد وحفل عشاء (السبت)، وزيارة للصناعات الدفاعية حيث تلقّى هدية عبارة عن رشاش تندر 90 إيراني الصنع، وأخرى لمصنع سيارات حيث أهداه الإيرانيّون ليموزين إيرانية الصنع قادها بنفسه إلى الفندق حيث يقيم. ومن ثم لقاء وزير الخارجية منوشهر متكي ورئيس مجلس الشورى علي لاريجاني». تضيف: «الجدّ سيبدأ مساءً (أمس) مع العشاء الذي يقيمه الرئيس نجاد واللقاء الثنائي، ومع اللقاء بالمرشد (علي خامنئي اليوم)» الذي سيليه توقيع بعض البروتوكولات والاتفاقات، على أن يتوجّه بعدها إلى أصفهان ومنها إلى باريس. وتشير المصادر نفسها إلى أنه «لعل أهم ما حصل (حتى مساء أمس) هو مفاجأة الحريري للنائب الأول للرئيس محمد رضا رحيمي بطلب رفع مستوى اللجنة المشتركة التي يرأسها عن الجانبين وزير الإسكان الإيراني ووزير الصناعة اللبناني، إلى مستوى رئيس وزراء. قال له الحريري: سنرأسها أنا وأنت». وتضيف إن هناك أيضاً تصريحاً للحريري عن رغبته في «تعاون بين وزارتي الدفاع لتطوير مناهج دفاعاتنا».

في أحضان ولاية الفقيه

مصادر قريبة من أروقة صناعة القرار في طهران تؤكد أن «الجمهورية الإسلامية تستقبل جميع قادة الدول بالترحاب وتُكرّمهم بإجلاسهم مع كبار قادتها، وعلى رأسهم المرشد (علي خامنئي). تفعل ذلك مع الأحباب والحلفاء، وأيضاً مع الأخصام الذين لا ترضى ولا ترتاح لأفكارهم ولا لخطّهم ولا لعلاقاتهم. حتى (الرئيس الأفغاني حميد) قرضاي و(رئيس وزراء العراق نوري) المالكي كرّمتهما عندما زاراها وأجلستهما مع كبار القوم». وتضيف إن «استقبال الحريري جاء على طريقة استقبال قرضاي، وللأهداف نفسها: تخفيف كمية الأثقال وحدّة الشرور المحيطة بهما، التي تثقل كاهليهما. نعرف أن هؤلاء يتعرضون لكمّ هائل من الضغوط الغربية، وما استقبالنا لهم إلا لرفع أوزار الأجنبي عن كواهلهم، لمساعدتهم على التخلص من بعض الأحمال». وتوضح المصادر نفسها، في تقديمها للرسالة الإيرانية التي تزمع طهران إبلاغها للحريري، أنه «بما أن الحال اللبنانية في منعطف خطير قد تنعكس حرباً شاملة على المنطقة، وشاملة في أحد تداعياتها، فستكون (الحريري) مخطئاً إن كنت تعتقد بأنك مخيّر بين أمرين: لبنان أولاً أو محور سوري إيراني. إنك مخيّر بين مخطط جهنمي يريد أن يشعل المنطقة عن طريق طيش (نائب وزير الخارجية الأميركية جيفري) فيلتمان، ومسعى سعودي سوري فيه تدبير وحكمة لإخراجك من هذا المنزلق». وتضيف «لم يطالبك أحد يوماً بأن تكون في محور سوري إيراني ضد محور عربي اعتدالي كي تقول في تصريحاتك لوكالة الأنباء الإيرانية إن لبنان لا يريد أن يكون في محاور إقليمية. هذا دليل على أنك لا تقرأ جيداً ما يحصل». وتتساءل المصادر نفسها أن «الحريري ورفاقه في فريق 14 آذار واصلوا على مدى خمس أو ست سنوات التشديد مراراً وتكراراً على الإمبراطورية الفارسية وأطماعها ومهاجمة ولاية الفقيه، وها هو اليوم يجلس في أحضانها. كيف سيبرر خطوته تلك لجمهوره؟ يقول اليوم إن لإيران دوراً مهماً في المنطقة وفي استقرار لبنان، فما اعتراضه إذاً على قوله لشريكه في الوطن إنه من حزب ولاية الفقيه» في إشارة إلى خطابات سابقة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.

تجاهل نصف اللبنانيين

تتابع المصادر نفسها أنه «يبدو أن الحريري سقط في التجربة. قلنا له دائماً إنه رئيس وزراء كل لبنان، ومع ذلك يأتي إلينا متجاهلاً أكثر من نصف اللبنانيين. هناك تساؤل اليوم في طهران عن سبب غياب ثلاثة من الأعمدة الأساسية في لبنان، وهم ميشال عون ونبيه بري ووليد جنبلاط. كان يفترض به أن يجلب معه، في عداد الوفد، وزير السياحة فادي عبود، ووزير الخارجية علي الشامي ووزير الأشغال غازي العريضي، وهؤلاء يمثلون قطعاً أكثر من نصف اللبنانيين». وتقول «صحيح أن وزير الشباب والرياضة علي عبد الله موجود في عداد الوفد، لكن ذلك لم يحصل وفق رغبة حريرية عند تشكيله، بل صدف أن عبد الله كان موجوداً في طهران من ضمن مشاركته في مؤتمر وزراء شباب الدول الآسيوية قبل زيارة الحريري الذي التحق بوفده بروتوكولياً وتأدباً». وتضيف «أما (وزير الدولة للتنمية الإدارية محمد) فنيش، فيعدّ وجوده ضرورياً لكي يكون شاهداً على الواقعة. إنه الملح الأساسي للطعام. تأشيرة الدخول إلى طهران»، مشيرةً إلى أن «الشامي لم يرافق الحريري اعتراضاً على شكل الزيارة التي جرت من دون تنسيقها معه تنسيقاً جيداً». وترى المصادر أنّ «الحريري في وضع عصيب جداً. يلفّ العالم ذهاباً وإياباً، لكنه ليس قادراً على بلوغ دمشق ولا الضاحية ليحل المشكلة». وتستطرد أن «الحريري حصل معه أن حاول الالتفاف على نصر الله، لما ساءت العلاقة بينهما في السابق، وقام بزيارة النجف حيث التقى السيد (علي) السيستاني. وقتها لم يكن قد تولّى رئاسة الحكومة. خرج من عند السيستاني بخفّي حنين. لم يكن يعرف حينها أن المنبع الأصلي في طهران لا في النجف». وتقول «اليوم، لما أقفلت في وجهه وبات عاجزاً عن مقابلة نصر الله، أتى إلى طهران طلباً لوساطتها. الجواب واضح: الأفضل لك أن تذهب إليه مباشرة كي تضمن لنفسك مقعداً في سفينة نوح، لأنه لو جاء الطوفان، فلن تدخل هذه السفينة ولن يحميك إلا السيد نصر الله، لا أميركا ولا فرنسا ولا الدول الإسلامية». وتكشف المصادر نفسها عن أن «الجميع يعمل لتطويق القرار الظني والمحكمة. هناك طبخة كبيرة تسهم فيها فرنسا وتركيا وسوريا والسعودية وقطر وإيران وربما الولايات المتحدة، تقوم على نظرية تفيد بأنه يمكن إطفاء شعلة المحكمة والقرار الظني رويداً رويداً وذلك في مقابل هدوء في أفغانستان والعراق وفلسطين. نوع من المساكنة بين قوة إقليمية مستقوية وقوة دولية في حالة انتكاسة». وتضيف إنه «إذا قبلت فرنسا وروسيا الضغط على أميركا للضغط على إسرائيل لتمنع القرار الظني والحرب، تكون المساكنة، وإلا فالطوفان»، مشددة على أن «المحكمة إسرائيلية بالكامل، هذا محسوم لدينا بلا أدنى شك، وهدفها الانتقام من المنتصرين في حرب تموز».

وصيّة الحريري الأب

تؤكّد المصادر أنّ «الهدف النهائي هو إزالة المحكمة الحالية، لا التوقف عن البحث عن الحقيقة وعن قتلة الرئيس رفيق الحريري. من هنا، فإن الرسالة الإيرانية للحريري الابن هي: أنتم صحيح أولياء الدم وعندكم شهداء، لكنكم تسيئون قراءة من تتّهمونهم. هؤلاء أبطال ومقاومون من نوع آخر». تضيف إنه «سيجري تذكير الحريري بوصية والده يوم جاء إلى طهران قبل 13 عاماً. وقتها قال إن لديه ولدين، بهاء الدين وسعد الدين. الأول أوكلته الاهتمام بالعلاقة مع السعودية لكونها دولة إقليمية مهمة. أما الثاني، فسأوكله بإيران لأنها أيضاً دولة إقليمية مهمة جداً واستراتيجية بالنسبة إلى لبنان لا بد من احتضانها والعمل معها. يومها ترك الحريري ابنه سعد الدين في إيران وغادر». وتتابع المصادر نفسها «يوم جاء الحريري الأب إلى إيران، حمل معه معادلة رعب استقاها من عدوان 1996 الذي كان مساهماً فيه بطريقة أو بأخرى. غير أن الحريري الابن يأتي مثقلاً بفتنة فيلتمان و14 آذار والأمانة العامة. لا إيران اليوم هي إيران الأمس، ولا حزب الله اليوم هو حزب الله الأمس»، مشيرةً إلى أن «طهران غضّت الطرف عن أن هذا الرجل ليس بوزن أبيه كبادرة حسن نية وفأل خير، لعله يكون على سر أبيه ويحفظ هذه الأمانة وهذا الإرث. إن نجحت الزيارة تكون التسريبات في شأن إبلاغ الحريري الرئيس ميشال سليمان استعداده لإلغاء القرار الظني والمحكمة صحيحة، وتكون إيران قد نجحت والحريري فاز بقلوب جميع اللبنانيين، وأصبح زعيماً على غرار أبيه».

أسرار الزيارة

دعوة سلطات طهران للحريري إلى إيران قديمة، من آب الماضي، وذلك برسالة مكتوبة وجّهها إليه النائب الأول للرئيس، محمد رضا رحيمي، الذي يعدّ منصبه بمثابة رئيس وزراء، حملها إليه وزير الصحة محمد جواد خليفة يوم زار إيران. ولمّا زار نجاد العاصمة اللبنانية في تشرين الأول عاد وأكّدها، لكن جواب الحريري وقتها كان «إن شاء الله». ثلاثة تطورات طرأت في الفترة الأخيرة أملت الاستعجال في تحديد الموعد وفرضت على الحريري الاستجابة: وتقول المصادر نفسها إن «ظروف الزيارة نضجت وأسهمت السعودية في إنضاجها لحظة أبلغته فيها أن يعقل ويتوكّل وأنه سيحصل على بعض ما حصل عليه والده يوم زار طهران (في إشارة إلى تقاسم الأدوار بينه وبين حزب الله). لكنه جاء بأخطاء لم يرتكبها أبوه». يذكر أن الرئيس الحريري التقى مساء أمس الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، وتناولا المستجدات الإقليمية والعلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تطويرها. ويختتم الحريري اليوم زيارته إلى طهران بلقائه، صباحاً، المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، السيد علي خامنئي. 1ــ زيارة قام بها نائب وزير الخارجية الإيراني محمد رضا شيباني للسعودية قبل أيام من الحج، جاءت زيارة الحريري كأحد إفرازاتها. 2ــ تشجيع سعودي للحريري الابن للقيام بمثل هذه الزيارة تحت عنوان أن الرياض تعمل حالياً على تسوية أوضاعها مع طهران، وأن على رئيس الحكومة اللبنانية أن يذهب إلى هناك ويتولى تدبير أموره، على غرار ما حصل مع سوريا. 3ــ حركة سفراء في بيروت قوامها السعودي علي العسيري والسوري علي علي والإيراني غضنفر ركن أبادي، الذي أبلغ الحريري أن «الدعوة ملحّة فتفضّل إلى طهران».

عدد الاثنين ٢٩ تشرين الثاني ٢٠١٠

- حدث في 29 تشرين الثاني-

1226 - تولي لويس التاسع عرش فرنسا.1869 - إفتتاح دار الأوبرا المصرية في القاهرة في حفل كبير حضرة الخديوي إسماعيل برفقه عدد من ملوك وأمراء أوروبا.1936- اول انقلاب في العالم العربي يقوده العقيد بكر صدقي في العراق ضد الحكومة وبعلم الملك غازي.1947 - قيام الاتحاد اليوغسلافي.1947 - الجمعية العامة للأمم المتحدة تصدر القرار 181 الذي وافق على تقسيم فلسطين إلى دولة عربية وأخرى يهودية بأكثرية 33 صوتًا مقابل 13 وامتناع عشرة.1951 - تونس تعلن الإضراب العام احتجاجا لرفض فرنسا مطالب حكومة محمد شنيق الداعية للاستقلال وإنشاء مجلس نيابي.1955- الحاكم البريطاني لجزيرة قبرص الماريشال هاردينغ يعلن حالة الطوارىء لمواجهة تظاهرات عنيفة تطالب بالاستقلال.1962- حظر الحزب الشيوعي في الجزائر.1963 - الرئيس الأمريكي ليندون جونسون يشكل لجنة خاصة يرأسها إيرل وارين رئيس المحكمة العليا وذلك من أجل التحقيق في حادث إغتيال جون كينيدي وذلك بعد أسبوع من الحادث.1968 - أندونيسيا تمنح المؤسسة الدينية الطاهرية صفة رسمية، و هي مؤسسة أنشأها محمد طاهر رجبلي.1990 - مجلس الامن يصدر قراراً باستخدام القوة اذا لم ينسحب العراق من الكويت قبل 15 يناير 1991.1981 - انفجار في دمشق نُسب إلى الإخوان المسلمين يتسبب في مصرع 175 شخصًا.2003- مقتل سبعة من عناصر الاستخبارات الاسبان في العراق في اسوأ هجوم ضد القوات الاسبانية في هذا البلد.

فداء عيتاني ليت هناك من قيامة لتقوم قبل أن نسمع ونرى حفّاري القبور والمرابين يعظون الناس في حب الحياة، وقبل أن نقرأ للأمّيين الذين أحسنوا الركض خلف باصات الانتخابات ومحادلها المذهبية، وتعلّقوا بها رأساً على عقب بغية الوصول إلى مقاعد الفساد في مجلس الملل اللبناني، وبعدها راحوا يسخرون مما لا يفقهون ولا يعرفون أصله وتاريخه المشرّف.ها هم هؤلاء الذين أتت بهم الصدف، يسخرون ممّا أفرزته ضرورات الحياة. على سبيل المثال المتواضع، فإن رئيس حكومتنا الذي رمت به الأقدار ليرث والده في مقعد رئاسة بلادنا، حين جلس في اجتماع رسمي منذ أشهر، التفت ليقول: «ربما هذا الحديث لا يعجب بعض اليساريين هنا» ونظر إلى الوزير شربل نحاس وابتسم له إحدى صفراوات الابتسامات التي يتقنها. طبعاً، نحاس أفهم الشاب الغرّ أنه يتحدث بما لا يفهم.لكن الانزعاج لا يأتي من أن رئيس حكومتنا لا يعرف ما يقول، ولا يأتي من أن بعضاً من كتلته وموظفيه يردّدون شعارات وأقاويل مثل «التأميم على الطريقة اللينينية التروتسكية»، وهم بالكاد يعرفون لفظ هذه الأسماء التي يستعيرونها من مستشارين أضحل منهم.النكد الحقيقي يأتي من قوىً في المعارضة لا تعرف أن مدخلها إلى أي إصلاح وتغيير وتحرير وحماية للبلاد لا يكون إلا عبر تبنّي برامج يسارية بالضرورة. وكي لا ندير الكلام، وللمزيد من الصراحة، فإن المرجعية الماركسية في التفكير الاقتصادي والاجتماعي هي المطلوبة في مواجهة ما يواجه بلادنا المسكينة من هبوب رياح أميركية، وعصف مصالح غربية، وهجمات إسرائيلية، ونهب منظَّم للمال العام، وتدبير للمسخ الاقتصادي المحلّي، الذي يسمّى زوراً وبهتاناً اقتصاداً حرّاً.النائب الجاهل الذي تحدث عن التأميم بصفته وصفةَ لينين وتروتكسي، هو ببساطة لم يعلم بعد أنّ أحد الاقتراحات لمعالجة جزء من أزمة الولايات المتحدة الاقتصادية كان عبر تأميم بعض القطاعات. ولعلم النائب الجاهل، فإن التأميم هو تمليك الأمّة لمورد أو قطاع، مع إعطاء حقّ إدارته للدولة، ويعدّ التأميم جزءاً من سيادة الدولة على مواردها. ومَن أمّم قطاع الخلوي في لبنان كان رفيق الحريري نفسه.أمّا شعور رئيس الحكومة بأنّ كلامه لا يعجب الماركسيين، فهو في مكانه تماماً، وهو إن كان لا يدرك ذلك بالفهم، بل باللاوعي، فلأنّ وجوده على رأس مجموعة من الفاسدين، من كلّ الطوائف، الناهبين للمال العام، والذين أغرقوا البلاد بديون تحت عنوان إعادة إعمار البلاد، ونهب المال الخاص (السوليدير) والاستفادة من السلطة، وتحطيم مؤسسات الرعاية الاجتماعية والضمانات الاجتماعية لمصلحة مؤسسات الرعايات الطائفية، فإن ذلك هو عكس ما يسعى إليه الماركسيون.ومع الثقة التامة بأن رئيس الحكومة والموظفين لديه من فئة الوزير وما دون، لن يسمعوا، فلا بدّ من تذكير المواطنين اللبنانيين بالأيدي البيضاء للماركسيين على هذه البلاد، فلولا التظاهرات في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات ونضالات عشرات ومئات آلاف اللبنانيين المنضوين (طوعاً لا بصفة موظفين ومرتشين) في الحركة الشيوعية، الحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة العمل الشيوعي، وغيرهما من القوى الماركسية، لما وصلنا إلى يوم نعرف فيه سعر ربطة الخبز، ولا سعر المحروقات، التي كانت حتى مرحلة قريبة، وقبل أن يصل والد رئيس حكومتنا (ومن بعده صديقه) إلى السلطة، مدعومة من الدولة.والشيوعيون هم من انتزع تأسيس الجامعة اللبنانية والمدارس الرسمية، التي علّمت عشرات آلاف الشبان، وبضغط منهم أنشئ الضمان الاجتماعي، ومخافة من نفوذهم بين الفقراء قام الرئيس فؤاد شهاب ببعض الإصلاحات الهيكلية، وبفضل الفكر الماركسي، ونضالات الشيوعيين تعلم عشرات الآلاف في بلاد أوروبا الاشتراكية، فانتقلوا من التبعية لزعماء الإقطاع الطائفي إلى العمل كوادر ونخباً في كل المجالات.أخيراً وليس آخراً، مع التقدير التام للمقاومة الإسلامية بقدراتها وإصرارها وتفانيها في الدفاع عن البلاد وتحرير الشريط الحدودي المحتل، وصمودها في وجه العالم في عام 2006، فقد سبق للشيوعيين أن كانوا طليعة المقاومة وأساسها وعمودها الفقري في لبنان، وحين كان العالم كله يتكالب على وطننا، كان اثنان من الشيوعيين يطلقان نداء «إلى السلاح» بينما كانت دول تستسلم أو تكاد. وتم تحرير بيروت والضاحية وجبل لبنان والخط الساحلي وإقليم الخروب وصيدا وشرق صيدا والجزء الأكبر من الجنوب... برصاص الشيوعيين.لم يكن لشخص مثل سعد الحريري أن يجد بلداً لو لم يناضل ويقاتل الشيوعيون دفاعاً عنه، إلا أن من نحاور «صمّ بكم عمي فهم لا يرجعون».

عدد الجمعة ٢٦ تشرين الثاني ٢٠١٠

- حدث في 26 تشرين الثاني-

1382- السلطان برقوق بن آنص رياض احمد جوهر شاهيفي مصر، مؤسس دولة المماليك الثانية .1830 - القوات الفرنسية تفشل في اقتحام مدينة البليدة الجزائرية بسبب مقاومة السكان.1922- اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك قرب الأقصر في مصر؛ حيث دفن الفرعون في العام 1337 قبل الميلاد 1943 - مؤتمر قمة في طهران شمل روزفلت ، تشرشل ، وستالين في الحرب العالمية الثانية.1943 - هزة أرضية في تركيا تودي بحياة 1800 شخص.1948- برلمان ايرلندا يقرر الاستقلال الكامل للجمهورية عن بريطانيا.1949- انضمام الهند الى رابطة الكومونولث بموجب دستور اعلنت فيه جمهورية.1960 - الجمعية العامة للأمم المتحدة تمنح موريتانيا الاستقلال بالرغم من مطالبات المغرب بضمها.1962 - أحمد بن بيلا يشكل أول حكومة جزائرية بعد الاستقلال.1973 - موريتانيا تصبح عضواً في جامعة الدول العربية.1979 - اكتشاف حقل نفطي في فنزويلا يعادل مجمل احتياط دول أوبك.1988 - الولايات المتحدة ترفض منح ياسر عرفات تأشيرة دخول لإلقاء خطاب في مقر هيئة الأمم المتحدة.1998- توني بلير يلقي اول خطاب لرئيس وزراء بريطاني في البرلمان الايرلندي.2006- بموجب اتفاق للتهدئة مع الفصائل الفلسطينية، الجيش الاسرائيلي ينسحب من قطاع غزة حيث كان يقوم منذ خمسة اشهر بعمليات توغل قتل فيها 400 فلسطيني، لوقف اطلاق الصواريخ على اسرائيل.

 كتب المحرر الأمني: تكشفت لـ«السفير» فصول جديدة وخطيرة من فصول التحكم الاسرائيلي بقطاع الاتصالات في لبنان، من خلال عملية احترافية عالية وبرامج غير معروفة، تؤدي إلى فبركة اتصالات وهمية في امكنة وازمنة مختلفة, وهو الأمر الذي كانت وقائع المؤتمر الصحافي الأخير لكل من وزير الاتصالات شربل نحاس ورئيس لجنة الإعلام النيابية النائب حسن فضل الله ورئيس الهيئة الناظمة للاتصالات عماد حب الله، قد لامست بعض جوانبه ولاسيما منها نجاح العدو الاسرائيلي في اختراقه لخطوط هاتفية عائدة لكوادر في المقاومة, اعتبارا من لحظة بدايتها في الثامن من نيسان من العام 2009, وهو التاريخ الذي عرض فيه رئيس فرع المعلومات العقيد وسام الحسن على مسؤول لجنة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا, ملف العميل اديب العلم, واشارته الى تورط احد كوادر الحزب بالعمل لصالح العدو. وفيما كانت المخابرات العسكرية الإسرائيلية وتحديدا الجهاز 8200 يشيد في هذا التاريخ بالانجاز الذي تم تحقيقه باختراق هواتف شخصية لكوادر في المقاومة، كانت المقاومة ومن خلال المعلومات الهامة التي قدمها فرع المعلومات، تطلق بالتنسيق مع مخابرات الجيش وفرع المعلومات عملية أمنية أدت الى انجاز أمني غير مسبوق وبامكانيات متواضعة مقابل الامكانيات والبرمجات الاسرائيلية، حيث أمكن التوصل الى فكفكة كل أسرار الخرق الاسرائيلي الذي جعله يخلق أرقاما تتزامن مع بعضها البعض في الخط الواحد، حيث كان هناك خطان يعملان من دون أن يدري صاحب الخط بذلك. بدأت قصة اتهام ثلاثة كوادر من المقاومة بالعمالة بتاريخ 08-04-2009 تقريباً عندما عرض رئيس فرع المعلومات العقيد وسام الحسن على مسؤول لجنة الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا ملف العميل الاسرائيلي أديب العلم، سائلاً عما إذا كان لدى حزب الله معلومات حوله تؤكد عمالته مضيفاً أن احد كوادر الحزب متورط في الموضوع أو أنه يلعب دوراً امنياً لصالح الحزب مع الموســاد الإسرائيلي. بعد أن استمهل صفا الحسن، للمراجعة والتدقيق والرد على الملف, تم التواصل بين الرجلين بعد يومين, أي صباح يوم الجمعة في 10-04-2009, عندما أكد صفا للحسن أن العلم استناداً إلى معطيات المقاومة ليس فقط مجرد عميل بل هو عميل كبير, مؤكداً له أن زوجة العلم هي الأخرى متورطة بالعمالة وليس زوجها بمفرده. في اليوم التالي (11-04-2009) أوقف فرع المعلومات العميل العلم وزوجته وأخضعا هناك للتحقيق. بتاريخ 15-04-2009 عقد في مركز لجنة الارتباط والتنسيق اجتماع ضمّ من طرف حزب الله, إلى جانب صفا, مندوباً من أمن المقاومة معنياً بمكافحة التجسس الإسرائيلي, ومن طرف فرع المعلومات الرائد خ. ح. والملازم أول م. ص. خلال اللقاء, سلّم ضباط الفرع لمندوب أمن المقاومة خطيطة اتصالات وردت فيها ارقام يتواصل معها العدو الاسرائيلي تتلازم وتتزامن بشكل دائم جغرافيا, مع أرقام ثلاثة من كوادر المقاومة, ومن بين هذه الارقام التي يتواصل معها الاسرائيلي أرقام كان العلم اشتراها وسلّمها لمشغليه الإسرائيليين قبل توقيفه. الأمر الذي قاد فرع المعلومات لاستنتاج تحليلي مفاده أن هذه الأرقام المتزامنة مع أرقام كوادر المقاومة مستخدمة من طرف هؤلاء الكوادر ويتواصلون بها مع الإسرائيلي, وبالتالي فان الإسرائيلي يخترق صفوف المقاومة بهؤلاء الكوادر الثلاثة. قدم ضباط فرع المعلومات شروحات إلى مندوب أمن المقاومة حول استنتاجهم التحليلي هذا وتفاصيل ما توصل إليه الخبراء الفنيون في الفرع حول هذه القضية. وخلال هذا اللقاء, استفسر مندوب امن المقاومة عن الإجراءات الإضافية التي قام بها فرع المعلومات لتأكيد نظريته بتورط كوادر الحزب بالعلاقة مع اسرائيل, خصوصاً ان مسألة «التزامن الجغرافي» بين هواتف المقاومين, والهواتف المستخدمة من قبل اسرائيل, لا تشكل دليلاً ولا يمكن الاستناد إليها لإدانة هؤلاء. هنا تردّد ضابطا الفرع في طرح ما لديهما لتأكيد نظريتهما هذه, إلا انه بعد تشاور فيما بينهما افصحا انهما ومن اجل التحقق من عمل الارقام المشبوهة وضعا أحد الارقام الذي يتواصل معه الاسرائيلي والمتزامن جغرافياً مع هاتف أحد كوادر المقاومة تحت التنصت. وتم التوصل بالمحصّلة الى النتائج التالية: عدم وجود اتصال صادر من هاتف الكادر في المقاومة باتجاه هاتف الضابط الإسرائيلي, بل إنّ الاتصالات كانت ترد من الضابط إلى الهاتف المتزامن. 1- في الاتصالات التي جرى التنصت عليها والتي كان يجريها الضابط الاسرائيلي ـ والكلام لضابط فرع المعلومات ـ أمكن سماع الأحاديث التي تدور في محيط الكادر صاحب الهاتف المتزامن إلى درجة «سمعنا احياناً بعض الاحاديث في غرفة النوم» على حد تعبيره. 2- لم يظهر وجود أي حديث مباشر بين الكادر في المقاومة والضابط الإسرائيلي, بمعنى انه لم يكن هناك مكالمة صوتية بين الكادر والضابط, بل كل ما تم التنصت عليه كان عبارة عن صوت الكادر متحدثاً مع المحيطين معه وأصوات المتحدثين مع الكادر في محيطه وصوت ما يجري في محيطه. ولم يُسجل لهذا الكادر أي حديث هاتفي مع أي احد. دفعت هذه الشروحات مندوب امن المقاومة لطرح إشكاليات جوهرية على ما أورده الملازم أول م. ص, ومناقشته فيما خلص اليه فرع المعلومات من نتائج, مستعرضا أمام الضابط المذكور الملاحظات التالية: إنّ النتيجة التي توصّل إليها فرع المعلومات تؤكد عدم وجود اتصال مباشر, بين هاتف الأخ الكادر وهاتف الضابط الإســرائيلي. لو كان الهاتف المشبوه, الذي يظهر تزامنه الجغرافي, مع هاتف الكادر هو بحيازة هذا الكادر فعلا, لما احتاج الإسرائيلي للاتصال بالهاتف المتزامن ليستمع إلى ما يدور في محيط الكادر من مسائل تهمّه أو لا تهمّه, بل كان يكفي أن يفتح الكادر (على فرض صحة علاقته بالإسرائيلي) جهاز الهاتف المتزامن من طرفه عند الحاجة, لإسماع الإسرائيلي ما يريد الكادر ان يُسمعه إياه لا العكس. فضلاً عن عدم حاجة أي عميل ليرسل له الإسرائيلي هاتفاً لبنانياً لاستعماله في التواصل بينهما في ظل وجود إمكانية لدى أي عميل لشراء هاتف جديد من السوق غير مستعمل من دون أي بيانات تدل على هويته. وبعد تقديم الإيضاحات التي تدحض فرضية اتهام المقاومين, علق الرائد خ.ح. على هذه الملاحظات بقوله: «انها ملاحظات منطقية وفي محلها». انتهى اللقاء الذي تعهّد فيه حزب الله , ورغم ردود مندوبه الاولية, بالتحقيق ومتابعة الموضوع حتى جلاء تفاصيله. وجرى الاتفاق على عدم التسريب الى الإعلام. ودفع هذا «اللغز المحيّر», المتعلق بـ«التزامن الجغرافي» بين هواتف المقاومين والهواتف المستخدمة من قبل اسرائيل, الجهات المعنية في أمن المقاومة للقيام بمجموعة تحقيقات موسّعة ومكثّفة, لكن ذلك لم يمنع العقيد وسام الحسن وعدد من مسؤولي «تيار المستقبل» من إشاعة خبر استنتاجهم في محيطهم حتى تلقى حزب الله جملة مراجعات حول الموضوع الذي انتهى امره بالتسريب الى وسائل الاعلام بشكل علني. على وقع هذا المستوى من التعاطي بادر جهاز مكافحة التجسس في حزب الله إلى: 1. دراسة أوضاع الكوادر المقصودين بتحليل اتصالات فرع المعلومات, والتدقيق في أي شبهات يمكن ان تسجّل حولهم. 2. دراسة وتحليل المعطيات التي تسلّمها من فرع المعلومات. بنتيجة هاتين الخطوتين اللتين استمرتا لأسابيع, توصل جهاز مكافحة التجسس في أمن المقاومة إلى جملة نتائج: 1. الكوادر المشار إليهم في معلومات الفرع هم من الكوادر الفعالة الذين لا تشوب وضعهم أي شائبة على المستوى الأمني على الإطلاق. ولم تدُر حولهم, لا سابقاً ولا حاليا, أي شائبة مما تجري ملاحظته على العملاء والمشبوهين. 2. تبيّن أن هواتف هؤلاء الكوادر جرى التلاعب بها من طرف إسرائيل وتمت برمجة خطوط رديفة عليها. وكان الفنيون في حزب الله على علم بأن إمكانية برمجة خطوط هاتفية رديفة هي إمكانية متاحة نظرياً, ويمكن أن تطبق عملياً في حال توفرت مستلزماتها على أن تكون المعالجة للهاتف المستهدف مباشرة معالجة مادية مباشرة. لكن ونظراً لعدم إمكانية وصول اسرائيل «فيزيائياً» الى هواتف هؤلاء الكوادر, وبعد التدقيق في المعطيات المسلّمة الى الحزب من جانب فرع المعلومات واستعانة الحزب ببعض أهل الخبرة والاختصاص, استنتج فنيو المقاومة أنه تمت برمجة خطوط رديفة لخطوط الكوادر عن بعد عبر رسائل sms من خلال ارقام نمساوية. كما لاحظ الفنيون أنه بموازاة خط الكادر من شركة mtc تمت برمجة خط رديف من الشركة نفسها وبموازاة خطي الكادرَين الآخرَين من شركة alfa تمت برمجة خطين رديفين من شركة alfa. بعد انهاء جهاز مكافحة التجسس في المقاومة متابعة الموضوع ووضوح الصورة لديه بشكل اولي وعلى المستوى النظري, بادرت قيادة حزب الله بتاريخ 20-06-2009 الى تقديم المعطيات المتوافرة الى مديرية المخابرات في الجيش اللبناني وذلك بغية: 1. حفظ حق كوادر المقاومة في بيان نظافة سجلهم الأمني ونفي أي شائبة أمنية عن وضعهم. 2. إثبات تلاعب العدو بهواتف هؤلاء الكوادر المستهدفين تعميماً للفائدة على مستوى الأمن الوطني, ولكي يكون واضحاً لدى الأجهزة الأمنية في البلد إمكانية إسرائيل من الناحية الفنية وخطورتها على صعيد الاتصالات. وتولّت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني بدورها المتابعة وأجرت تحقيقاتها الفنية الخاصة مستعينة بوزارة الاتصالات وشركات الخلوي المعنية, وأثبتت من خلال إحدى العيّنات (هاتف احد الكوادر المدّعى تزامنها مع هاتف على صلة بالعدو) أن هناك تلاعباً بالهاتف وبرمجة لخط رديف عليه. وأماطت اللثام عن هذا اللغز, لتسجل بذلك انجازا أمنياً اضافياً كبيراً, تمثل بالكشف عن واحدة من اخطر أساليب عمليات الاختراق والتجسس, التي يعتمدها العدو لاستهداف المقاومين, وذلك عبر استخدام «تقنية زرع خطوط هاتفية خلوية وهمية داخل هاتف آخر»... وهي تقنية, لم يكن بإمكان العدو تنفيذها لولا استباحته المطلقة, سواء عبر عملائه المباشرين أو عبر إمكاناته التكنولوجية المعقدة, لكل ما يتصل بقطاع الاتصالات في لبنان ومنظومات شبكات الهاتف الخلوي والثابت فيه. كيف اخترق الإسرائيلي هواتف الكوادر الثلاثة؟ عمدت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني الى العمل على خطين متوازيين: 1. دراسة بيانات القضية والتي تشتمل على بيانات هواتف كوادر المقاومة, وبيانات الهواتف التي تتواصل مع الاسرائيلي والمتزامنة جغرافياً مع هواتف أولئك الكوادر, للوقوف على مدى دقة الاستنتاجات ذات الصلة. 2. إجراء تجربة عملية على إحدى العينات (هاتف احد الكوادر وهو الهاتف الاساس الذي استند عليه فرع المعلومات في ادعاء التعامل) للتدقيق في أي ارتباط فيزيائي او غيره بين هذا الهاتف والهاتف المتزامن معه جغرافياً. أولاً : دراسة البيانات دراسة البيانات التي أجرتها مديرية المخابرات في الجيش اللبناني افضت الى الحقائق التالية: أرقام المقاومين التي تم استهدافها هي التالية (اسماء مستعارة): حسن: 156226ـ70 صلاح: 789276ـ70 فداء: 171813ـ03 [ الأرقام اللبنانية التي زرعها العدو داخل هواتف المقاومين الثلاثة وفقاً للتسلسل الزمني: 189465ـ70 تم زرعه في هاتف حسن من تاريخ 13-01-2009 ولغاية اوائل شهر آذار من العام ذاته (وهو الخط الذي اشتراه العميل اديب العلم وسلّمه الى الضابط الإسرائيلي). 875074 -03 تم زرعه في هاتف صالح من تاريخ 09-01-2009 ولغاية 24-02-2009. 189465-70 تم زرعه في هاتف فداء من تاريخ 15-01-2009 ولغاية 28-01-2009 بعدما أوقف الإسرائيلي تفعيله من جهاز حسن خلال هذه الفترة. 266752ـ70 تم زرعه في هاتف حسن من اوائل شهر آذار ولغاية ايقاف العملية في شهر نيسان بعدما اوقف الخط المبرمج الأول 189465ـ70. بعد انتهاء عملية برمجة الخطوط، كان يظهر الرقم المزروع في نفس خلايا هاتف المقاوم المستهدف. [ الأرقام النمساوية التي تولّت عملية الزرع: استخدم الإسرائيلي أرقاما نمساوية متواجدة في شمال فلسطين المحتلة مقابل بلدة علما الشعب اللبنانية في عملية زرع الخطوط الخلوية اللبنانية داخل خطوط المقاومين من خلال إمطار هاتف المقاوم بمئات الرسائل القصيرة الصامتة Silent SMS : 0043 6769127224 زرع الرقم 189465ـ70 داخل جهازي هاتف يخصان كلاً من حسن وفداء. 0043 6769127224 زرع الرقم 226752ـ70 داخل جهاز هاتف حسن بعد ايقاف الخط الاول الذي كان زُرِع فيه سابقاً (كما هو مبيّن أعلاه). 0043 6766839563 زرع الرقم 875074ـ03 داخل هاتف صالح. * الرقم الذي أدار عملية التنصت: الخط الهاتفي الذي استعمله الإسرائيلي في إدارة عملية التنصت هو 764313ـ03 حيث كان ينفّذ الاتصالات بالأرقام المزروعة مستفيداً من خلايا حدودية تغطي شمال فلسطين.(انظر الخطيطة التوضيحية المرفقة) ثانياً، التجربة الفنية داخل شركة الفا: بعد الانتهاء من تحليل كافة البيانات العائدة للأرقام المزروعة المستخدمة من قبل العدو الإسرائيلي, وبتاريخ 14-07-2009 أجرى فنيو مديرية المخابرات في الجيش اللبناني مع مهندسين من الهيئة الناظمة للاتصالات وآخرين من شركة alfa تجربة على طريقة عمل الهواتف التي زرعت بداخلها الأرقام المستخدمة من قبل العدو, وذلك بهدف معاينة ما يحدث لهذه الهواتف عند تشغيلها او إقفالها, بحسب ما تظهره البيانات المسجّلة على شاشة غرفة التحكم العائدة لشركة الفا الموجودة في مبنى السنترال التابع للشركة في سن الفيل. وبنتيجة التجربة أعلاه, تأكدت الوقائع التالية: 1- عندما تم وضع شريحة الهاتف (Sim card) العائدة لرقم الكادر في المقاومة, في «جهاز الهاتف», الذي يستخدمه هذا الكادر (والمشتبه في انه يحوي الهاتف الوهمي المزروع), ومن ثم تشغيل الجهاز... ظهر بعد ثمانية وخمسين ثانية, للمشرفين على التجربة, عبر شاشة التحكم داخل شركة الفا, أن الخط المزروع من قبل الاسرائيلي في هاتف الكادر من المقاومة, بات في وضعية التشغيل ضمن شبكة الفا. 2- بعدها, تم وضع شريحة هاتف جديدة (Sim card) عائدة لخط جديد غير مستخدم, داخل جهاز الهاتف نفسه المستخدم من قبل الكادر في المقاومة, فظهر مجددا, وبعد ثمانية وخمسين ثانية, على شاشة التحكم في الشركة, ان الخط نفسه المزروع في هاتف الكادر في المقاومة, في وضعية التشغيل ضمن شبكة الفا. 3- وعند إطفاء جهاز الهاتف العائد للكادر في المقاومة, اختفى الخط المزروع عن شبكة الفا. أثبّتت دراسة حركة الاتصالات والتجربة أعلاه, للمحققين الفنيين من مخابرات الجيش, ومن فنيي وزارة الاتصالات وشركة الفا, الحقائق التالية: إن جهاز الهاتف المستخدم من قبل المقاوم, هو مكان استقرار الخط الوهمي المزروع برمجيا, من قبل الإسرائيلي, وليس بطاقة Sim card, التي أظهرت التحليلات التي أجريت عليها وقراءة البيانات المسجلة فيها, أنها لا تحوي الرقم الوهمي المزروع.

الأكثر قراءة