في مثل هذا اليوم قبل 31 عاماً، كانت الأخبار قد بدأت تتسرب عبر أشخاص هربوا من المذبحة، ولجأوا إلى جوار مخيم برج البراجنة. كنا صغاراً، وكان الكبار الذين تخلفوا عن اللحاق بالباخرة، يجلسون بصمت على كراسي القش، حول طاولة صغيرة. يشربون القهوة ويدخنون.. وتتوالد الهواجس بشأن الموت الآتي إلينا. صبرا وشاتيلا، مخيمان مطوّقان من «الآلة الحربية الصهيونية»، و«ذئاب الانعزالية» تنهش لحم النسوة والأطفال والعجز، في زواريب بالكاد كان يصلها نور الشمس. آلاف الأشخاص قضوا ذبحاً وتعذيباً على أيدي المجرمين. خصّص المجرم لبعضهم وقتاً، كي يقطعهم «بالسلاح الأبيض». أطفال عرفتُ بعضهم، كانوا في مثل سنّي، لم تذكر التقارير الكثيرة التي تلت المجزرة شيئاً عنهم. لم تلحظ بريق أعينهم، وسمرة بشرتهم، ورقة ابتساماتهم. آنذاك تسللت إلى آذاننا عبارات لم نأبه لمعناها.. «بدم بارد»، «عمليات تصفية»، «إبادة جماعية»... بعدما كنا تعرفنا إلى «القنابل المضيئة»، التي سهّلت الطريق أمام الجزارين. انشغلت التقارير بعدد الشهداء. ليغدو الشهداء عدداً. من رسالة «الصليب الأحمر»، إلى منظمات دولية أخرى، إلى تقرير «لجنة كاهان»... إلى تقارير إخبارية وصحافية من روبرت فيسك وأمنون كابيلوك وآخرين، حاولت مقاربة الواقع. وعمل البعض على مقارنة قوائم كثيرة تفصل أسماء الشهداء. ما حدث مجزرة، وإن صمّ العالم آذانه، ولا يزال.. وضمن مهزلة «العدالة الدولية» المجرمون لا يزالون طلقاء. اليوم، وبعد أكثر من ثلاثة عقود على المذبحة، ومهما تغيرت المعالم. يحق لنا، أن نكرس وقتاً لبريق عيون أطفال مخيمي صبرا وشاتيلا، ولرقة ابتساماتهم المحفورة في الذاكرة