جنرال «هجومي» يمثّل تعيينه رسالة لـ«أعداء إسرائيل»
حسم وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك أمره، وسمّى يوآف غالانت رئيساً لأركان الجيش الإسرائيلي، في رسالة إلى «الأعداء»، لما يتمتع به هذا الجنرال من نزعة هجومية
محمد بدير في خطوة سريعة وحاسمة، أطلقت عليها وسائل الإعلام الإسرائيلية وصف «عملية غالانت»، طرح وزير الدفاع الإسرائيلي أمس اسم مرشحه، قائد المنطقة الجنوبية، الجنرال يوآف غالانت، لمنصب رئيس الأركان خلفاً لغابي أشكنازي. وبذلك يكون باراك قد وضع حداً لدوامة سجالات أطلقها بنفسه قبل أشهر، حين أعلن على نحو مفاجئ عدم وجود نية لديه لتمديد فترة ولاية أشكنازي لعام خامس. دوامة وصلت ذروتها قبل نحو أسبوع، مع الكشف عن «وثيقة غالانت» التي أجمع المعلقون الإسرائيليون على أنها واحدة من أكبر فضائح المؤسسة العسكرية منذ عقود. ويبدو أنه لتدارك تفاعلات الفضيحة، إضافة إلى دوافع الكيد الشخصي لأشكنازي، سارع باراك إلى تلقف إعلان الشرطة الإسرائيلية يوم الجمعة الماضي تبرئته وقيادة الجيش من الضلوع في قضية غالانت، ليعلن استئناف مشاوراته بشأن تعيين خلفٍ لأشكنازي. وإذا كان ثمة شك في أن مشاورات باراك مع عدد من الجنرالات المرشحين لمنصب رئيس الأركان العشرين للجيش الإسرائيلي لم تكن سوى ضريبة شكلية أمام الرأي العام، فإن إعلانه أمس اختيار يوآف غالانت أمام الحكومة قطع الشك باليقين وبين أن قرار باراك كان متخذاً سلفاً وينتظر فقط آلية الإخراج. وبعدما أطلع الحكومة على نيته طرح تعيين غالانت رئيساً للأركان في جلستها يوم الأحد المقبل، أصدر باراك بياناً علل فيه مسارعته إلى بتّ تعيين خليفة أشكنازي بـ«الوضع الحالي (داخل الجيش) ولإعادة الاستقرار إلى الجيش». وشدد على أن «غالانت هو ضابط قديم، ذو خبرة عملياتية متنوعة وغنية، وكفاءة قيادية مثبتة وقدرة على قيادة الجيش نحو مواجهة التحديات التي تعترض دولة إسرائيل». وأثنى رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، على إجراء باراك، مشيراً إلى أنه «خطوة صحيحة، لأن انعدام اليقين يجبي أثماناً باهظة، والوضع الذي نشأ يحتم قراراً سريعاً يمكن أن يحرك جولة التعيينات داخل الجيش ويعيد الاستقرار إلى قيادته». وفور إعلان باراك، بدأت التقديرات تتحدث عن إمكان استقالة أشكنازي من منصبه قبل انتهاء فترة ولايته في شباط المقبل. ومن المعلوم أن أشكنازي عارض بشدة تعيين خليفة له قبل نصف عام من انتهاء ولايته، مشيراً إلى أن ذلك سيقود نحو واقع يكون للجيش فيه رأسان. وانتقد ضباط مؤيدون لأشكنازي خطوة وزير الدفاع، ورأوا أنها تنطوي على إهانة لرئيس الأركان، وتهدف إلى الضغط عليه للاستقالة من منصبه مبكراً. ووصف بعضهم الخطوة بـ«التصفية المركزة» لأشكنازي، فيما قال آخرون إنها تشبه وضع مسدس الاستقالة على طاولته. وأجمع المعلقون الإسرائيليون على أن الأشهر الباقية من ولاية أشكنازي ستكون «معقدة» وستشهد تجاذبات بين الرجلين. وفي ما يبدو أنه إشارة إلى انطلاق شرارة هذه التجاذبات، ذكرت صحيفة «معاريف» أمس أن باراك جمّد ترقية 11 ضابطاً إلى رتبة عميد رفعها إليه أشكنازي، بذريعة أنه يريد أن يعرف رأي رئيس الأركان الجديد بها قبل أن يصدّق عليها. من هو غالانت؟ ولد غالانت عام 1958 في يافا، وانخرط في صفوف الجيش الإسرائيلي عام 1977 ضمن وحدة النخبة البحرية، شييطت 13، التي خدم فيها مقاتلاً وضابطاً قبل أن يرأسها في وقت لاحق. في عام 1982، تسرح من الجيش وانتقل إلى ولاية ألاسكا الأميركية ليعمل حطّاباً، لكنه عاد إلى إسرائيل بعد عامين وانتسب مجدداً إلى صفوف البحرية، حيث عمل نائباً لقائد إحدى السفن الصاروخية قبل تعيينه عام 1986 قائداً لسرية المقاتلين داخل الشييطت ويُرقى إلى رتبة مقدم. وكان غالانت من أوائل الضباط البحريين الذين انتقلوا إلى الجيش «الأخضر»، أي إلى القوات البرية، حيث ترأس عام 1994 لواء «جنين» في فرقة «يهودا والسامرة» المسؤولة عن منطقة الضفة الغربية. بعد ذلك بعام، عاد غالانت إلى سلاح البحرية ليتسلم قيادة وحدة شييطت لفترة ثلاث سنوات قبل أن ينتقل نهائياً إلى ارتداء الزي الأخضر ويحصل على رتبة عميد ويرأس فرقة غزة حتى عام 1999، ومن ثم عُيّن قائد فرقة مدرعات في قيادة المنطقة الوسطى، فرئيساً لأركان ذراع البر عام 2001. وبعد عام من ذلك، رُقّي إلى رتبة لواء وعُين سكرتيراً عسكرياً لرئيس الحكومة في حينه، أرييل شارون، وهو المنصب الذي شغله لمدة ثلاث سنوات، قبل أن يُعين قائداً للمنطقة الجنوبية عام 2005. وفي منصبه الأخير، كان غالانت المسؤول المباشر عن تطبيق خطة «فك الارتباط» عن قطاع غزة، وكان القائد الميداني لعدوان «الرصاص المصهور» على القطاع نهاية عام 2008. وبحسب تعليقات إسرائيلية، تعود جذور الخلاف بينه وبين أشكنازي إلى فترة العدوان، حين أبدى غالانت توثباً لتكثيف العمليات الهجومية وتعميقها، وصولاً إلى المطالبة باحتلال القطاع وإسقاط حكم «حماس» فيه، وذلك خلافاً لرأي أشكنازي الذي أبدى تحفظاً حيال اندفاع قائد المنطقة الجنوبية. ومع انتهاء الحرب، سعى غالانت إلى تجيير ما عُدّ نجاحاً فيها لشخصه، الأمر الذي جعله على عداوة مع أشكنازي. ويرى معلقون إسرائيليون أن تعيين غالانت ذي النزعة الهجومية رئيساً للأركان ينطوي على رسالة إلى أعداء إسرائيل في محور المقاومة، كما إلى أصدقائها الأميركيين والأوروبيين بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام التهديدات المتنامية حيالها، وخصوصاً على الجبهة النووية الإيرانية.