خطر الزلزال يرعب تركيا والعالم
14 مليون نسمة في إسطنبول مهدّدون بزلزال مدمِّر أكثر من الذي ضرب هاييتي (إبراهيم إسطا ــ أ ب)خيراً فعل مصطفى كمال عندما بنى مدينة أنقرة لتكون عاصمة لجمهوريته التركية عام 1922، أو بالأحرى خيراً فعلت الصدفة التي أجبرته على تحاشي اعتماد إسطنبول عاصمةً، بما أنّ آخر سلطان عثماني، محمد السادس، كان يتحصّن فيها وينازع أتاتورك شرعية الحكم حتى 1923. سبب الاستذكار هو أنّ، إحدى أجمل مدن العالم، وخامس أكبر مدينة في العالم، و«منزل» أكثر من 14 مليون نسمة، مهدَّدة اليوم أكثر من أي يوم مضى بخطر الزوال. فالزلزال يترصّدها والتسونامي كذلك، مهدّدَين وجودها، وهو ما دفع الأمم المتحدة إلى إصدار تقرير أخيراً يضع إسطنبول في مقدمة لائحة المدن المعرَّضة لزلزال ضخم
أرنست خوري حَسَب حكام تركيا السابقين والحاليين حساباً لكل شيء، إلا لأمر واحد في خططهم لجعل تركيا قوة إقليمية عظمى عسكرياً وسياسياً واقتصادياً؛ الكوارث الطبيعية من النوع التي تمحو إمبراطوريات وتزيل مدناً وتواريخ عن الخريطة. صحيح أن أتاتورك تمكن من جعل أنقرة عاصمة «رسمية» لجمهوريته، لكنه لم يقدر على جعل العاصمة الجديدة «تسرق» السحر من إسطنبول، فبقيت رمز تركيا وعاصمتها الاقتصادية وقلبها النابض ومعلمها التاريخي ومقصد السيّاح... بقيت هي عاصمتها الفعلية حتى في السياسة، إذ إن «القسطنطينية» سابقاً لا تزال تزاحم أنقرة من ناحية استقبال الرؤساء الأجانب في «مطار أتاتورك الدولي». وإذا ما صدّقنا العالِم الفرنسي الشهير في الجغرافيا والجغرافيا السياسية، إيف لاكوست، وغيره في أنّ العاصمة هي دماغ الدولة، أيّ دولة كانت، نكون عندها قادرين على الإعراب عن التشاؤم الأكبر: تركيا مهدَّدة بخطر الموت.
تقع إسطنبول على خط الزلازل نفسه الذي تقع عليه مدينة إزميت المنكوبة عام 1999سبب الإفراط في التشاؤم أنّ جميع الدراسات والتقارير العلمية تخلص إلى أن إسطنبول، التي بدأ بناؤها قبل سبعة آلاف سنة من التقويم الميلادي، معرَّضة بقوة لزلزال قد لا تقل قوته عن 7 درجات على مقياس ريختر، أي زلزال مدمِّر. ومَن تابع الصحف التركية في الأشهر الماضية، يدرك كم تخصَّص صفحات بأكملها للتحذير من التباطؤ في اتخاذ خطوات احتياطية للتقليل من حجم الخسارة. صحيح أنّ التطور العلمي لم يصل بعد إلى درجة يمكنه معها توقُّع تاريخ الزلزال، إلا أنّه استطاع تحديد المناطق الحمراء، أي المعرضة لزلزال. وتقع إسطنبول على خطّ زلازل ارتفعت وتيرة نشاطه في السنوات الماضية، ما يجعل سكانها الـ14 مليون وتراثها الهندسي والمعماري ومعالمها التاريخية مهددة بزلزال «قد يكون مدمِّراً أكثر من الزلزال الذي ضرب هاييتي» في 12 كانون الثاني الماضي، بحسب تقرير كتبه دوريان جونز لـ«هيئة الإذاعة الألمانية» الحكومية (deutsche welle) عن الموضوع. ووفق رئيس رابطة الجيولوجيين الأتراك، أحمد إركان، سيكون مركز الزلزال في بحر مرمرة، على بعد 25 كيلومتراً جنوبي إسطنبول، وبعمق يتراوح بين 7 و10 كيلومترات، وهو ما قد يؤدي إلى موجات تسونامي تعقب تحرّك الطبقات الأرضية. ورغم أنّ إركان لا يتوقّع أن تتعدى قوّة الزلزال 6.7 درجات، إلا أنه يعود ليتشاءم بما أنّ «التركيبة الجيولوجية الخاصة بإسطنبول قد تضاعِف من قوته لتصبح ما بين 7 و8 درجات مع شعاع (نصف قطر) يصل إلى 90 كيلومتراً». نظرية تتبنّاها مجلية Science Daily العلمية على الإنترنت، ملاحظةً أن زلزال إزميت عام 1999 لم يكن سوى سلسلة من الزلازل التي بدأت على خطّ الأناضول عام 1939 في شرق تركيا، وتتمدد نحو الغرب، بالتالي فإنّ الترجيح أن يكون مركز الزلزال المقبل جنوبي إسطنبول «عن بعد يقل عن 20 كيلومتراً من المدينة». ومن المعطيات العلمية التي تغذّي التشاؤم، أن إسطنبول عرفت في تاريخها 15 زلزالاً مدمِّراً، من دون حسبان الهزات الأرضية «الصغيرة»، وآخرها حصل في الثالث من الشهر الجاري وبلغت قوتها 4.4 درجات. هزات صغيرة وجدت من يرحّب بحصولها على اعتبار أنّ من شأنها تأخير موعد الزلزال المدمِّر، على حد تعبير مدير معهد قنديلي لدراسات ومراقبة الزلازل في جامعة بوغعزيشي في إسطنبول، مصطفى إرديك. إلا أنّ هذا التفاؤل أبطل مفعوله الأستاذ في كلية هندسة الجيوفيزياء في جامعة إسطنبول، أوغوز جند أوغلو، عندما أشار لصحيفة «توداي زمان» إلى أنه «يجدر التعاطي مع الهزة الأرضية الأخيرة على أنها جرس إنذار لزلزال كبير يجب الاستعداد لمواجهته». ولا تنتهي معطيات التشاؤم عند هذا الحدّ. فإسطنبول تقع على خط الزلازل نفسه الذي تقع عليه مدينة كوشلي التي تعرّضت للزلزال الرهيب في عام 1999، الذي طبع ذاكرة الأتراك كما تاريخهم، بعدما أصبح هذا التاريخ أحد المفاصل التاريخية لتركيا الحديثة. في ذلك الحين، عند الثالثة من فجر 17 آب من ذلك العام، سجّل الزلزال 7.4 درجات على «ريختر»، وقتل 18 ألف مواطن، أي بنسبة 10 في المئة من سكان المدينة التي دُمّرَت بالكامل. وبمقارنة عدد سكان إسطنبول التي تبعد 70 كيلومتراً فقط عن إزميت، ستكون حصيلة الخسائر البشرية هائلة إذا مات 10 في المئة من الـ14 مليون شخص، إذا حصلت الكارثة المشؤومة.
تقرير للأمم المتحدة يضع إسطنبول في مقدمة لائحة المدن المعرّضة لزلزال مدمِّروقبل فترة، صدر الإنذار الأكثر جدية، هو «تقرير الأمم المتحدة لمخاطر موت الناس من الزلازل»، وفيه أكّد العلماء أنّ خطر فقدان حياة أكبر عدد من البشر في حال حصول زلزال موجود في إسطنبول أكثر من أي مدينة أخرى في العالم. وأسوأ ما في الأمر ليس واقع أن هذه المدينة تقع على خط زلازل، بل أن قِدَم الأبنية الإسطنبولية تزيد من المخاطر، وتجعلها عرضة للانهيار فوق رؤوس قاطنيها نظراً لعمرها (بعضها عمره مئات السنين) ولسوء أحوالها وعدم مراعاتها لأي معايير سلامة عامة. لهذا السبب، تخطط إدارة المدينة لإعادة هندستها على أسس جديدة وتشييد أبنية جديدة. لكنّ هذا المشروع يبدو صعباً للغاية وبحاجة إلى وقت طويل، على حد اعتراف أحد مسؤولي البلدية حسن أتس، لأن معظم الأبنية القديمة مصنَّفة على لائحة التراث، بالتالي يمنع القانون التركي أي مسّ بها. بالتالي، تحتاج عملية التجهيز للوقاية من احتمال حصول زلزال كهذا إلى عقود من الزمن، قد لا ينتظرها الزلزال المشؤوم. وهنا تقرأ عن الموضوع عبارات مرعبة، مثل ما يقوله أبرز الأساتذة الأتراك في علم الجيولوجيا في جامعة إسطنبول التقنية سيغال سنغور: «قد يقضي زلزال كبير على إسطنبول. قد تنهار الأبنية، ومعظم قاطنيها قد يُدفَنون تحتها. في معظم شوارع المدينة، يُرَجَّح أن تنفجر الأنابيب (النفطية) وتندلع الحرائق. سيحاول الناس الهرب وسيكون سيناريو كارثياً وبحت فوضى».
قصر طبكابيإذا حصلت الكارثة، فلن تقتصر الأضرار على الخسائر في الأرواح، إذ إن جزءاً من التراث الهندسي العالمي سيندثر. أبرز ما قد يزول هو قصر طبكابي، مقر الإدارة العثمانية التي حكمت نصف العالم في بعض الحقبات لـ400 سنة خلت. نبأ غير سارّ نقلته صحيفة «حرييت دايلي نيوز» عن الخبير الجيولوجي جلال شنغور، الذي لفت إلى أنه يمكن رؤية الشقوق الخطيرة في جدران القصر بالعين المجردة، وبالتالي فإنّ زلزالاً بقوة 7 درجات سيدمّر القصر على نحو «لن يكون إصلاحه ممكناً». وقد تعرّض القصر التاريخي المصنَّف على لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو منذ 1985، الذي بدأ بناؤه عام 1459، لعدة زلازل على امتداد تاريخه، ولا يزال هناك من لا يؤمن بإمكان انهياره بفعل زلزال على غرار العالمة عفيفة باتور التي تعود لتعترف بأنه «إذا قال جلال شنغور إن القصر بخطر، يجب أن نصدق ذلك». وطلبت إدارة القصر من رئاسة الوزراء التركية إصدار أمر بنقل الأرشيف الهائل الذي يحويه القصر إلى مكان آمن، فاقترح رجب طيب أردوغان نقله إلى مدينة إيكيتلي، غير أن الإدارة رفضت الأمر لأن المبنى المقترَح يفتقر إلى معايير السلامة والصيانة. وُضعَت أخيراً خطة لترميم القصر ابتداءً من 2011، لكن هل ينتظر الزلزال؟
عدد الاثنين ١١ تشرين الأول ٢٠١٠