نفذ إتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني إعتصاماً حاشداً جداٌ في منطقة الكولا تحت عنوان " كفى سرقة وفساد" وسط إجراءت أمنية مشددة و كان لافتاٌ تفاعل المارة مع المعتصمين والانضمام اليهم. وجاء الإعتصام تأكيداً على رفض الإتحاديين للغلاء المعيشي الفاحش وإرتفاع الأسعار بشكل جنوني مستمر الذي يطال كافة الأسر اللبنانية ويهدد معيشتها.و قد حمل المعتصمون لافتات جاء فيها "جريمتنا أننا فقراء" ، "قرارنا ليس ظني أنتم من يجوعنا" ، "المحكمة الشعبية اصدرت قرارها: الطبقة السياسية اللبنانية كلها شهود زور" ، "لن نشهد زوراً عل تجويع شعبنا" ، "مواطن جوعان + مسؤول فجعان = الصيغة اللبنانية" كما علق المعتصمون يافطتين من أعلى جسر الكولا رسمت عليها حبات بندورة و كتب عليها "من بندورة الله يا محسنين" والثانية "بحبك يا غالي"و قد تلا علي خليفة كلمة إتحاد الشباب و جاء فيها :"إن الطبقة السياسية الحاكمة التي بال عليها الزمن ،وتعرّت من كل مايستر ،توزع نفسها بين معارضة وموالاة في حكومة واحدة، تؤجج المناخات الطائفية والمذهبية وتدعي العيش المشترك، توتر الأجواء وتعلن ان الفتنة خط أحمر، اما فتنة الرغيف والغلاء فأمر عادي بل اعتيادي ،تمارس الارتهان للخارج وتأتمر به وتدعي الحفاظ على السيادة والاستقلال، وتأسر المواطنين بضيق العيش ففاقد الشيء لا يعطيه."وقال خليفة "أن الاعظم في أداءها بجميع ألوانها هو غربتها وابتعادها عن جوع الناس وآلامهم ومعاناتهم، حتى جمهورها نفسه الذي تدعي تمثيله وحمل مصالحه، فتصبح عتمة الكهرباء مقبولة طالما انها بالتساوي بين المناطق ـ أي بالأحرى بين الطوائف ـ وكذا انقطاع المياه، أما ارتفاع الأسعار فكونه لا يستثني أحداً فهو عين العدل، حتى لو لم يجد الفقير ما يكفيه حتى آخر الشهر، والأمر لا يختلف مع تناقص ربطة الخبز، وصعود الأقساط المدرسية، وتجميد الأجور، وزيادة الرسوم والضرائب، واقفال باب المستشفيات، وارتفاع ثمن الدواء الحقيقي ، وسرقة أموال الضمان والتآمر على حقوق المضمونين، وفقدان السكن والعيش في العراء، والزيادة المستمرة لأسعار المحروقات"وأشار خليفة الى "أن معدل الذين يعيشون تحت خط الفقر وباقل من دولار واحد يوميا"30 بالمئة من معدل السكان ،و35 بالمئة مضطرا" للهجرة للخارج ، و75 بالمئة من الاجراء لا تشملهم انظمة التقاعد والحماية الاجتماعية ."وأكّد "أن الوقائع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحياتية التي تجلت في الايام الاخيرة، تؤكد الحقيقة السوداء في السياسة اللبنانية، حيث زايد ارتفاع أسعار الخضار واللحوم على ارتفاع مناخات التشنج الطائفي والمذهبي،و من غير أن يتحول ذلك الى عنصر قلق لأركان الطبقة السياسية بجميع مواقعها المتناحرة والمتقابلة. وذهبوا يتبادلون فلسفة بؤسنا وتبريره بالتطمين المضحك المبكي: حتى يقول وزير الاقتصاد محمد الصفدي إنه رغيف واحد اقتتطع من ربطة الخبز، وتذهب وزيرة المال ريا الحسن ببلسمة جراحنا بأن ضريبة البنزين ضرورية لإطفاء جزء من خدمة الدين العام، ويبشرنا وزير الطاقة والمياه جبران باسيل بأن لبنان مقبل على فترة شحّ في المياه وعتمة الكهرباء، أما وزير الصحة محمد جواد خليفة فهو عنيد ومتمسك بالبطاقة الصحية بدل الضمان الشامل."لافتاً الإنتباه الى ان "الأشد بؤساً في كل ذلك هو استمرار المواطن العادي في القبول، واستمراره في السكوت وعدم القيام بأي فعل سواء بدافع اليأس أوالإحباط أوالإحساس بعدم جدوى التحرك، أو لأنه مأخوذ بأوهام عن خلاص موعود، فيما لا وجود لنقابات ولا لأحزاب خارج بيانات الادانة والاستنكار والاستهجان."سائلاً كل اللبنانيين "هل ننتظر أن يحل علينا نور المحكمة حتى يحل نور الكهرباء في بيوتنا؟هل ننتظر محاكمة شهود الزور حتى تتم براءة الناس من المآسي التي تصيبها والالام التي تعاني منها؟خاتماً بالقول "ايها اللبنانيون جاءت اللحظة لمحاكمة كل شهود الزور في السرقة والفساد والمحكمة فحقنا في العيش ليس منّة من أحد ."اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني
من ضمن التغطية الاعلامية للاعتصام الذي أقامه الاتحاد نهار الاربعاء 10-11-2010 تحت جسر الكولا، نقل تلفزيون الجديد هذا الخبر
كلير شكرسيناريوهات جلسة مجلس الوزراء المنتظرة اليوم، والتي بات انعقادها، بنظر قوى الرابع عشر من آذار، محسوماً، كانت الطبق الرئيس على طاولة سبع وعشرين شخصية من هذا الفريق ليل أول من أمس، بدءاً بقياداته، مروراً ببعض النواب، وصولاً إلى بعض المستشارين. رفض إحالة ملف شهود الزور إلى المجلس العدلي، انضم إلى جدول ثوابت هذه المجموعة، الذي تتبوأه المحكمة الدولية. تقرير وزير العدل ابراهيم نجار، لم يعد أمراً مطروحاً للنقاش، هو حجّة هذا الفريق لرفض طروحات خصومه.أن تلتقي قوى الرابع عشر من آذار في منزل رئيس الحكومة سعد الحريري في وادي أبو جميل، مسألة لا تقلّ أهمية عن مداولات هذا الفريق، كما يقول أحد المشاركين، ذلك لأن التقاط الصورة له وقعه ووظيفته المعبّرة عن استمرار هذه الحركة «حيّة ترزق»، لا سيما بعد النداء الذي أطلق من بكركي.اللقاء الذي كان يفترض أن يكون سداسياً فقط (أمين الجميل، سعد الحريري، فريد مكاري، سمير جعجع، سمير فرنجية وفارس سعيد)، تمّ توسيعه في اللحظات الأخيرة، لينتهي بمأدبة عشاء على مائدة رئيس الحكومة، بعد أكثر من ثلاث ساعات من النقاشات المطوّلة.الأجواء العامة في البلاد، الخيارات السياسية، مصير اتفاق «الطائف»، مسار المحكمة الدولية، وتحديات الحكومة، وغيرها من القضايا، توسّطت مداولات قيادات الرابع عشر من آذار، حيث يلفت أحد المشاركين الانتباه، إلى أن هناك اصراراً على التمسّك بالمحكمة الدولية، مهما كانت الضغوطات التي سيمارسها الفريق الخصم، حيث استعاد المشاركون كلام رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي سبق اللقاء، وأكد فيه استعداد فريقه التضحية بالحكومة مقابل المحكمة على قاعدة «نختار المحكمة على الحكومة»، وقد بدا أن هذه المعادلة كانت جوهر اللقاء الموسّع في وادي أبو جميل.كما توافق المجتمعون على التمسّك بالمؤسسات الدستورية والأمنية، لمواجهة كلّ الاحتمالات التي قد تطرح أمامهم، على أن يتمّ اللجوء إلى الوسائل اللاعنفية أو «الغاندية» كما أطلق عليها خلال الاجتماع، والحفاظ على الاستقرار من دون مقايضته بتنازلات غير قانونية سواء أكانت تتعلق بالمحكمة أو غيرها.جلسة اليوم، تربّعت على عرش النقاشات، ولكن آلية الاستعداد لها لم تتلبور بعد، كما يؤكد أحد المشاركين، الذي لم ينف أو يؤكد احتمال انسحاب وزراء قوى الرابع عشر من آذار من مجلس الوزراء، في حال طرح قضية إحالة شهود الزور، على التصويت، لافتاً النظر إلى أن هذا الأمر متروك للحظات الأخيرة لخيار رئيس الحكومة والوزراء، لتحديد وجهة سيرهم، إلا أن الأكيد أن هذا الفريق لن يقبل بمبدأ التصويت.تم التطرق خلال اللقاء لموقف وليد جنبلاط واحتمال انضمامه الى المعارضة في التصويت مع إحالة شهود الزور الى المجلس العدلي. القرار حاسم بعدم التعرض لمواقف جنبلاط في الاعلام. ويقول أحد قياديي 14 آذار ان قلب ميشال سليمان ووليد جنبلاط مع 14 آذار لكن حساباتهما في مكان آخر.. وهذا حقهما.الاحتمالات المفتوحة أمام الساحة اللبنانية، حضرت على طاولة أركان قوى الرابع عشر من آذار، لا سيما لجهة التسريبات المتداولة حول تعديل للنظام اللبناني، وتحديداً لروحية اتفاق الطائف، لا سيما أن بعضاً من هذا الفريق يعتبر أن المحكمة هي المعبر لتغيير النظام، وليست الهدف من حملته.بالنتيجة، يبدو أن هذا اللقاء هو بداية جولة جديدة من الكباش الداخلي، الذي بدأت قوى الرابع عشر تعدّ له العدّة، لتجّهز من أجله عتادها، على أساس انتظار القرار الاتهامي، على أن يبنى على الشيء مقتضاه.
يتوقّع البنك الدولي في تقريره الأخير عن أحوال المهاجرين حول العالم وصول قيمة التحويلات الرسميّة للبنانيّين المغتربين إلى 8.177 مليارات دولار، ما يجعل البلاد في المرتبة الثامنة عالمياً على هذا الصعيد. غير أنّه يعكس وضعاً محزناً فيها، إذ إنّ 40% من حملة الشهادات الجامعيّة يهاجرون... هذه هي الحلقة المقفلة التي زجّ النموذج القائم كل اللبنانيين فيها نمت تحويلات المغتربين اللبنانيّين عبر القنوات الرسميّة، أي باستثناء الأموال المحوّلة من دون التصريح عنها، بنسبة 72.4% بين عامي 2003 و2010، بعدما كانت قد بلغت 7.558 مليارات دولار في العام الماضي، ممثّلة 22.4% من الناتج المحلّي الإجمالي. ومن المتوقّع أن تصل قيمة تلك الأموال في العام الجاري، بحسب تقديرات البنك الدولي في «كتيّب الهجرة والتحويلات 2011»، إلى حوالى 8.2 مليارات دولار، ليُعدّ لبنان بهذه النتيجة الأوّل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث قيمة التحويلات الوافدة إليه، متقدّماً على مصر والمغرب والأردن والجزائر. كذلك يبرز في قائمة العشرة الأوائل عالمياً، التي تتصدّرها الهند والصين بـ55 مليار دولار و51 مليار دولار على التوالي. وبلغ عدد المهاجرين اللبنانيّين 664.1 ألف نسمة نهاية عام 2009 (وهو رقم متحفّظ)، ممثّلاً 15.6% من عدد السكّان الإجمالي في لبنان، فيما المعدّل في المنطقة يبلغ 5.3% وفي البلدان النامية إجمالاً 3% فقط. ويؤكّد هذا الوضع اعتماد الاقتصاد اللبناني على الخارج على نحو متزايد، ويُظهر الفجوة الاقتصاديّة الاجتماعيّة المتزايدة. فبحسب التقرير نفسه، يبلغ معدّل الهجرة بين الحائزين شهادات جامعيّة (هجرة العمالة الماهرة أو «هجرة الأدمغة») 38.6%، وهو مقدّر منذ بداية الألفيّة، ومن المتوقّع أن يكون قد ارتفع خلال السنوات الماضية بسبب مجموعة من العوامل السلبيّة التي تخلق حلقة مفرغة تغذّي نفسها. والخطير هو أنّ وضع لبنان هو الأسوأ على هذا الصعيد في المنطقة، حيث يبلغ المعدّل 17% فقط في المغرب التي تليه مباشرة، وبعدها 14.5% في إيران، و12.5% في تونس.
وتدهورت المؤشّرات الاقتصادية الاجتماعيّة، التي يجب أن يكون الإنسان محورها، طوال سنوات بعد الحرب من دون أن تُصاغ أي سياسات اقتصاديّة ـــــ اجتماعيّة مناسبة لمواجهة الانزلاقة. وقد تطرّق وزير الاتصالات شربل نحّاس إلى هذا الوضع الخطير، في ورقته التي قدّمها إلى الحكومة عند مناقشة مشروع موازنة عام 2010، إذ قال إن «لبنان أصبح في وضع شاذ، فهو يتلقى الثروة النقدية ويصدّر ثروته البشرية، مع ما يمثّل ذلك من استنزاف للمكوّن الأساسي للمجتمع اللبناني، أي الإنسان». فالأموال التي تدفّقت إلى البلاد، وتحديداً إلى جهازها المصرفي، أدّت إلى تضخّم الأسعار في القطاعات الحيويّة للعيش والإنتاج، بمعدّل لا يمكن أن يجاريه السواد الأعظم من المقيمين، في ظلّ المستويات السائدة من المداخيل، ما دفع ذوي الدخل المحدود والمهمّشين، بحكم طبيعة النظام، إلى التفكير في مصادر رزق خارجيّة، وبالتالي الاستقرار في الخارج. وهكذا تحوّل النموّ الاقتصادي الذي فاق معدّله عتبة 8% خلال السنوات الثلاث الماضية إلى نموّ «طارد لشريحة واسعة من الشباب اللبناني تجد نفسها مبعدة عن سوق العمل... ومحرومة من خدمات معينة، أهمها السكن، بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار»، بحسب شربل نحّاس. وتعكس النتائج التي يوردها تقرير البنك الدولي، وهو تحديث لنسخة عام 2008، استمرار النمط السلبي القائم في لبنان، وهو عبارة عن حلقة مقفلة تدفع دوماً صوب التهجير وتجعل لبنان في أسوأ المواقع عالمياً، بحسب مؤشّر «ما تقدّمه البلاد إلى شبابها المتعلّم». على أي حال، يشير التقرير إلى أنّ البلدان الأساسيّة التي يقصدها المهاجرون اللبنانيّون هي الولايات المتّحدة وأوستراليا وكندا وألمانيا والسعوديّة، إضافة إلى فرنسا والسويد والبرازيل والمملكة المتّحدة (بريطانيا). واللافت هو ورود الأراضي الفلسطينيّة، أي الضفة الغربية وقطاع غزّة، في قائمة البلدان ـــــ المقصد العشرة الأولى، وقد يعود ذلك إلى العدد الكبير للفلسطينيّين الموجودين في لبنان. ومن هنا يمكن الانتقال إلى المقلب الآخر من قضيّة الهجرة، وهو استقبال المهاجرين والتحويلات العكسيّة. فمثلما هو وضع لبنان على صعيد هجرة أبنائه، يُسجّل مؤشّرات قويّة على صعيد استقبال الأجانب. وعلى هذا الصعيد يتوقّع التقرير بلوغ عدد المهاجرين إلى لبنان 758.2 ألف نسمة في عام 2010، ممثّلاً 17.8% من عدد السكان الإجمالي. واللافت هو أنّ تحويلات هؤلاء إلى الخارج، أي إلى مواطنهم الأصليّة، بلغت 5.749 مليارات دولار في عام 2009، ممثّلة أكثر من 76% من التحويلات الداخلة إلى لبنان في العام نفسه! ويُلاحظ أيضاً أنّ التحويلات الخارجة من لبنان نمت بنسبة 40.87% بين عامي 2003 و2009، أي خلال 6 سنوات فقط، فيما نمت التحويلات الداخلة خلال تلك الفترة بنسبة 59.35%، ما يشير إلى تلازم بين التدفّقات الخارجة والداخلة. كذلك يُدرج التقرير لبنان في قائمة البلدان النامية العشرة الأولى من حيث التحويلات الخارجة. فهو حلّ في المرتبة الثالثة بعد روسيا وماليزيا اللتين حوّل المقيمون الأجانب فيهما 18.6 مليار دولار و6.8 مليارات دولار على التوالي في عام 2009، مقارنة بـ 4.4 مليارات دولار حُوّلت من الصين في العام نفسه، ليحلّ هذا البلد الآسيوي رابعاً بحسب هذا المؤشّر. أمّا في ما يتعلّق بما تمثّله التحويلات الخارجة من الناتج المحلّي الإجمالي، فقد كان وضع لبنان أسوأ، وحلّ في المرتبة الثانية بمعدّل 17%، وراء اللوكسمبورغ بمعدّل 20.1%. إلى ذلك، يجدر التمييز بين تحويلات المغتربين التي عادة ما تكون مخصّصة للأهل (بهدف الإنفاق الاستهلاكي) وشراء العقارات والمنازل أو حتّى للإيداع في المصارف، والاستثمارات الأجنبيّة المباشرة التي تستهدف قطاعات إنتاجيّة. ولا تمثّل هذه الاستثمارات أكثر من 50%، في أحسن الأحوال، من تحويلات المغتربين، على أساس مقارنة القيم المطلقة. (الأخبار)
215 مليوناًعدد المهاجرين حول العالم، أي الأشخاص الذين لا يعيشون في أوطانهم، ما يمثّل 3% من سكّان الأرض، فيما تفوق النسبة 15% في حالة لبنان8%
معدّل اللاجئين وطالبي اللجوء السياسي من إجمالي المهاجرين عالمياً، أي ما يساوي 16.3 مليون نسمة، وفي لبنان معظم المقيمين الأجانب هم من اللاجئين
35.2 مليار دولار
الناتج القومي الإجمالي في لبنان في عام 2009، ويتضمّن هذا الرقم مداخيل غير المقيمين. وتبلغ حصّة الفرد من هذا الناتج 7970 دولاراً
المصدر الأساسي، رغم الأزمة!يتوقّع التقرير أن تكون الولايات المتّحدة البلد الأوّل عالمياً من حيث تدفّق المهاجرين في الفترة بين عامي 2005 و2009، وذلك «على الرغم من الأزمة الماليّة». وعموماً تبقى البلدان المتقدّمة المصدر الأوّل للتحويلات، تتقدّمها الولايات المتّحدة. وفي عام 2010، بلغت القيمة الإجماليّة للتحويلات عالمياً 440.1 مليار دولار، منها 325.5 مليار دولار، أي ما يمثّل حوالى 75%، تلقّتها البلدان النامية، وبينها لبنان.
عدد الاربعاء ١٠ تشرين الثاني ٢٠١٠ |
قالت وزيرة المال ريا الحسن كلمتها ومشت: «ماذا ستسألونني بعد؟ لم يعد لديّ ما أقوله، ومن الآن فصاعداً لن أجيب عن أيّ سؤال، ولن أستجيب لأيّ طلب ما لم يردني عبر رئاسة مجلس الوزراء». هكذا قررت الحسن أن تنهي جلسة الاستماع الخامسة، التي عقدتها لجنة المال والموازنة النيابية أمس، إلا أنّ رئيس اللجنة النائب إبراهيم كنعان لم يقبل هذه الإهانة، فذكّرها بأحكام النظام الداخلي للمجلس النيابي التي تجبرها على التجاوب مع اللجنة النيابية. وأعلن أنه سيحيل أمرها على رئيس المجلس النيابي نبيه بري. وأعلن أيضاً أن اللجنة ستعقد جلسة حاسمة في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، لبتّ الاقتراحات المقدّمة من أعضاء اللجنة، والمتعلقة بوضع الآلية المناسبة للتدقيق في حسابات الدولة منذ عام 1993 حتى اليوم، والتحقيق في المعلومات عن وجود تلاعب في هذه الحسابات وتحديد المسؤولين عن هذا التلاعب ومساءلتهم بحسب ما تنص عليه القوانين. تعيين موعد الجلسة الحاسمة لا يعني أنها ستكون الأخيرة، بحسب ما توحي به الاقتراحات المطروحة، إذ تتضمن دعوة وزراء المال السابقين للمثول أمام اللجنة، وهم فؤاد السنيورة وجورج قرم وإلياس سابا ودميانوس قطّار وجهاد أزعور ومحمد شطح، وهو اقتراح يرفضه فريق الرئيس سعد الحريري (نوّاب 14 آذار)، على الرغم من أن معظم هؤلاء الوزراء أبدى استعداده لتلبية دعوة اللجنة، ما عدا السنيورة، الذي لا يزال صامتاً إزاء الاتهامات التي تطاوله شخصياً، باعتباره المهندس الأول لآلية إخفاء الحسابات بعدما أمضى نحو 12 سنة على رأس وزارة المال... وتتضمن الاقتراحات دعوة مديري المحاسبة العامّة السابقين في وزارة المال أمين صالح ورجاء الشريف للاستماع إلى شهادتيهما، وهو اقتراح جاء بسبب زلّة لسان النائب أحمد فتفت أمس، إذ انبرى للدفاع عن الوزيرة الحسن، داعياً إلى عدم مساءلتها هي في شأن عدم إنجاز حسابات المهمة وقطع الحسابات عن السنوات الماضية، بل مساءلة صالح والشريف لكونهما المسؤولَين عن إنجاز هذه الحسابات، وعن إرسالها الى ديوان المحاسبة، فالتقط رئيس اللجنة هذا الاقتراح، وأصرّ على تدوينه في محضر الجلسة، على الرغم من أن فريق فتفت سارع إلى مقاطعته رافضاً ذلك، باعتبار أن دعوة المديرين لن تصب في مصلحة هذا الفريق إطلاقاً لما في جعبتيهما من معلومات ووثائق كافية لإدانة وزراء المال على مدى 17 سنة ماضية. وستدرس اللجنة في جلستها المقبلة أيضاً اقتراحاً جدّده أمس النائب علي فيّاض، وهو يرمي الى تأليف لجنة تحقيق برلمانية، إلا أن فريق 14 آذار لا يزال يرفض هذا الاقتراح، ويتمسّك بمشروع القانون الذي طرحه السنيورة عام 2006 والرامي إلى تكليف رئاسة مجلس الوزراء إحدى الشركات الخاصة بأعمال التدقيق المالي، دون أن تكون هذه الشركة مسؤولة أمام البرلمان أو القضاء عن نتائج أعمالها، إلا أنّ رئيس ديوان المحاسبة القاضي عوني رمضان كرر أمس موقفه المعترض على هذا الاقتراح، لكونه يخالف القوانين ويقوّض صلاحيات الديوان ومهمّاته الدستورية ويمثّل سابقة لا يمكن قبولها، ولا سيما أن الديوان سلطة قضائية لا يمكن أيّ جهة تجاوزها في حقل اختصاصها. هذه الاقتراحات والمواقف المتعارضة تُظهر مدى التوتّر الذي يسود جلسات الاستماع الى وزيرة المال، وهو توتّر كان على أشدّه أمس، إذ علا صراخ النوّاب أحمد فتفت ومروان حمادة وغازي يوسف وسيرج طورسركسيان في أكثر من مناسبة، ولا سيما عندما كشف نوّاب تكتّل التغيير والإصلاح المزيد من وثائق الإدانة ـــــ الفضائح، وأهمّها وثيقة تبيّن فقدان نحو 451 حوالة مالية من حسابات الخزينة العامّة في عام 2001، فلم تنجح الحسن بتوضيح هذا الأمر، ما اضطرّها إلى الاستعانة بمديرة الصرفيات في الوزارة عليا عبّاس، التي أبلغت اللجنة النيابية أن الأمر نجم عن إلغاء هذه الحوالات لكونها غير صحيحة، فانشرحت أسارير بعض النوّاب لهذا الجواب «غير الدقيق»، إذ إن هناك تحقيقاً جارياً في الأمر. وأبرز النائب ميشال الحلو أمس مذكّرة موقّعة من رئيس دائرة المحاسبة المالية بالتكليف في الوزارة خليل يوسف بتاريخ 23/4/2009 وموجّهة الى وزير المال، وهو يشكو فيها من عدم قدرته على الاستجابة لطلب ديوان المحاسبة بتقديم حسابات المهمّة والحسابات الإدارية العائدة إلى الأمن العام بسبب قيام وزير المال نفسه بالطلب الى المركز الآلي قطع جميع الأنظمة المتعلقة بالحسابات عن حواسيب دائرة المحاسبة المالية، فضلاً عن عدم التزام مديرية الخزينة بإصدار حسابات المهمّة لعامي 2002 و2003. الفضيحة الكبرى أمس تمثّلت في إقرار الحسن بأن معظم الهبات لا تسجّل في حسابات الخزينة، متذرّعةً بأن التصرّف بهذه الهبات يخضع لمشيئة الواهب، إلا أن كنعان قرأ لها نص المادّة 52 من قانون المحاسبة العمومية التي تنص على ما يأتي: «تقبل بمرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء الأموال التي يقدمها إلى الدولة الأشخاص المعنويون والحقيقيون، وتفيد في قسم الواردات من الموازنة. وإذا كانت لهذه الأموال وجهة إنفاق معينة فتحت لها بالطريقة نفسها اعتمادات بقيمتها في قسم النفقات»... فردّت الحسن بأنها تعلم بما ينص عليه القانون «ولكن طول عمرها الأمور تجري بطريقة أخرى، إذ تأتي الهبات وتفتح حسابات خاصّة لها خارج الموازنة»، فما كان من النائب عبّاس هاشم إلا أن أثنى على شفافية وزيرة المال في هذه الإجابة، فسارع النائب طورسركسيان إلى طلب شطب كلام هاشم، فسأله رئيس الجلسة عن السبب، فردّ طورسركسيان بأن المقصود بكلام هاشم ليس الثناء على شفافية الحسن بل الإشارة إلى أمر آخر مهين، فضجّت القاعة بالقهقهة! ما عدا النائب حمادة الذي بدا متجهّماً، وقال إن هناك تسييساً لجلسات الاستماع بهدف تطيير الموازنة، فردّ عليه كنعان بالقول: «كم جلسة لمناقشة الموازنة شاركت فيها حضرتك؟»، فضجّت القاعة بالضحك مجدداً. ولخّص النائب كنعان أعمال جلسة أمس بالقول إنّ الجميع اتفق على أن هنالك إشكالاً كبيراً يتعلق بالحسابات، وهو يعود إلى عام 1993، إلا أنّ البعض يصفه بالتقني، والبعض الآخر يرى أنه ناجم عن خلل كبير، وقبل أن نعرف الحقائق لا نستطيع أن نحكم ما هو الوصف الذي نعطيه لهذا الخلل، وهل هنالك مخالفات كبيرة؟ وهل هنالك تجاوزات؟ (الأخبار)
عدد الاربعاء ١٠ تشرين الثاني ٢٠١٠ |
بيروت تختنق، أو هكذا كانت الحال ليل أمس بعدما غطّت سُحب من الدخان الكثيف سماء العاصمة مصدره مبنى نجار في عين الرمانة (الشارع العريض). هناك أتى حريق، لم تُعرف أسبابه، على مستودع ضخم أسفل المبنى، أطاح الطبقة الأولى منه، وأجبر رجال الدفاع المدني على إخلاء سكانه. المدير العام للدفاع المدني العميد درويش حبيقة، في اتصال مع «الأخبار»، رأى أن سبب كثافة الدخان يعود إلى أن المستودع، الذي يمتلكه العميد المتقاعد في الجيش اللبناني إبراهيم ح.، يحتوي على «فلاتر» تستخدم لتنقية مياه المسابح، وهذه القطع تحتوي على مادة «الرزين» (مادة شبه إسفنجية) يصدر عنها دخان كثيف في حال الاحتراق، فضلاً عن سهولة اشتعالها لكونها مصنّعة على شكل ألياف، إضافة إلى وجود كمية من الأخشاب أسهمت في نقل النيران. وغادر البعض من الأهالي المنطقة المجاورة للمبنى المشتعل، الذي عمل رجال الإطفاء على إخماد الحريق فيه حتى ساعات الفجر الأولى، بسبب عدم قدرتهم على استنشاق الهواء بنحو طبيعي، وخاصة أن منهم من شعر بإعياء ودوار وألم في المعدة. ودعا الدفاع المدني المواطنين إلى «تجنب تنشق المواد السامة الناجمة عن الحريق»، الذي اقتصرت أضراره على الماديات، علماً بأن الدخان غطى سماء بيروت كلها، في مشهد بدا كأنه عاصفة ضبابية ضخمة.
خالد صاغيةالمحكمة الدولية ليست المحكمة الدولية. سقطت منذ أيّام الثعلب الألمانيّ الذي جاء يبحث عن كلّ أسرار الشرق، باستثناء أسماء القتلة والمجرمين. سقطت ولم يبقَ منها إلا دروس يلقيها رجل متعجرف من لاهاي، عن ضرورة اللهاث وراء العدالة حتّى الرمق الأخير، وإن أدّى ذلك إلى الخراب. فالتضحية ببلد صغير من العالم الثالث ليست ذات قيمة ما دامت مفاهيم العدالة الدولية، كما يحلو للرجل المتعجرف نفسه أن يتصوّرها، ستنتصر في النهاية.إنّنا مرّة أخرى أمام الأطروحة التي حملتها كوندوليزا رايس إلى لبنان في حرب تمّوز. فليتحمّل اللبنانيّون القصف الإسرائيلي، ومجزرة قانا ثانية وثالثة ورابعة، ما دامت تلك التضحيات ستبني الشرق الأوسط الجديد، أي الشرق الأوسط كما يتصوّره الرجل المتعجرف نفسه، وقد اخترع له شرطيّاً دائماً، وحدوداً جديدة، ومقاييس خاصّة للتنمية، ودمى متحرّكة ترث العروش وتورث الشقاء.وهي الأطروحة نفسها التي حملها جورج بوش إلى العراقيّين يوم دعاهم إلى تحمّل الحصار ثمّ القصف ثمّ الإذلال ثمّ الموت الذي لا ينتهي، من أجل أن تسود الحريّة. الحريّة كما يراها الرجل المتعجرف نفسه. حريّة ابتلاع النفط حتّى آخر طفل عراقيّ يموت بداء الكوليرا. فيا مرحباً بالموت ما دامت تأتي على أجنحة غربانه الاستثمارات الأجنبيّة.وهي الأطروحة نفسها التي دعت الأفغانيّين إلى تسمية نمط حياتهم تخلّفاً، وفرضت عليهم موت الأطفال مقابل تحرير المرأة. تحرير، كما يهواه الرجل المتعجرف نفسه، حتّى تصبح الأفغانيّة شقراء ذات عينين زرقاوين.المحكمة الدولية ليست المحكمة الدولية. إنّها جزء من الماكينة التي تدعونا دائماً إلى التضحية من أجل بلوغ خطّ رسمه لنا التاريخ بأحرف غربيّة. التاريخ الذي لا يرى في موتنا إلا أضراراً جانبيّة للخلاص الآتي إلينا باسم الديموقراطيّة البوشيّة حيناً، وباسم مكافحة الإرهاب أحياناً، وباسم العدالة الدوليّة.انظُر إلى شرقنا الأوسط الجديد، أيّها الرجل المتعجرف. هل أصبح جديداً بما فيه الكفاية؟ هل راقتك الفتنة السنيّة ـــــ الشيعيّة؟ كيف تبدو لك من واشنطن في فصل الخريف؟ هل الرؤية أفضل من لاهاي؟ الطقس جميل في بيروت. البحر رياحه سطحيّة. لكنّ الهواء ثقيل ثقيل ثقيل.
عدد الثلاثاء ٩ تشرين الثاني ٢٠١٠
خالد صاغية «خلص دمهم». هكذا قضى الضحايا الأربع في وادي خالد. أُطلق عليهم الرصاص، لكنّ الرصاص ليس هو ما قتلهم. ما قتلهم فعلاً هو أنّهم تُركوا ينزفون إلى أن «خلص دمهم». ما حدث السبت في عكار كافٍ وحده ليحمل صفة المأساة الوطنيّة، وخصوصاً أنّ مطلقي النار هم ممّن يرتدون بزّات عسكريّة رسميّة، ويؤدّون واجباً رسمياً، باسم الدولة التي لا يكاد يعرف منها العكاريّون إلا وجهها البشع. لم يشفع بعكّار سابقاً أنّها «خزّان الجيش»، ولم يشفع بها لاحقاً أنّها باتت «خزّان التظاهرات المليونيّة»، وجيش الاحتياط الحريريّ. اقتصرت الحكاية على باصات تأتي فجراً، تحمّل الركّاب إلى ساحة الشهداء، قبل أن تعود بهم عند انتهاء الخطابات إلى قراهم محمّلين ببعض السندويشات... والوعود الانتخابيّة. وعود بدأت بكلام عن تنميةٍ مُنعت الحريريّة من تنفيذها خلال حقبة «الوصاية»، وانتهت بتوظيفات في شركات أمن خاص أُنشئت للاصطدام بمواطنين من طوائف أخرى. صحيح... كدنا ننسى نائب البرلمان المستقبلي الذي قرّر أنّ مشاريع التنمية تبدأ بمجزرة في عاصمة القضاء، حلبا. «خلص دمهم». المختار، مختار بلدة الهيشة في وادي خالد، كما في مسلسل «الدنيا هيك»، عرف جيّداً كيف يشخّص الحالة. استخدم التعبير، ربّما، لكونه لا ينطبق على الضحايا وحسب، بل كذلك على سائر سكّان الوادي الذين انتظروا عقوداً قبل أن يحصلوا على الجنسيّة اللبنانيّة. جنسيّة ما لبثت أن تحوّلت إلى ما يشبه حبل المشنقة. غير أنّ مأساة نهاية الأسبوع لا تقتصر على منطقة بذاتها. فطريقة القتل تحمل من الرمزيّة ما يكفي لتصبح أداة المجزرة الجماعيّة التي تُرتكَب بحقّ اللبنانيّين جميعاً. لا حاجة للضغط على الزناد، ولا لتهمة تهريب البضائع على الحدود، ولا للاستفراد بنا في منطقة نائية. فحين تنتهي حقبة التشنّج الحاليّة بتبادُل قُبل على خطّ الماراتون، أو حين تستمرّ إلى أن يتمكّن فريق من ليّ ذراع الفريق الآخر، سنعرف جميعاً أنّنا بتنا في عالم آخر، بعدما قضى الموت البطيء علينا. موت يسمّى انتظار الفتنة، وتوقُّع شكلها ولونها وتوقيتها... وسيأتي من يكشف على جثثنا الحزينة، ويكتب في تقريره الطبّي: «خلص دمهم».
عدد الاثنين ٨ تشرين الثاني ٢٠١٠
«السفير» تنشر فصولاً من كتاب «سر الرؤساء»: لبنان وسوريا واحتلال العراق (1)محمد بلوطباريس:لم يسبق لأي كاتب أو صحافي أن دس أنفه في بعض محاضر اجتماعات جورج بوش وجاك شيراك حول لبنان، كما فعل الصحافي الفرنسي فانسان نوزيل في كتابه الجديد «سر الرؤساء». الصحافي ريشار لابيفيير في كتابه «التحول الكبير» الصادر في العام 2008، كان قد وضع أسس معرفتنا القريبة لكواليس القرار 1559، فوق أرضية المصالحة بين جاك شيراك وجورج بوش بعد خلافهما حول العراق. والارجح أن لابيفيير كان أكثر غنى في التحليل وربط الأحداث، وعرض التفاصيل التي قادت إلى تحويل صيف 2004 موعدا أميركياً فرنسياً مشتركا «للانتقام «من الرئيس بشار الأسد لعدم تعاونه مع الرئيس بوش في تسهيل احتلال أميركا للعراق وإغلاق طرق القاعدة العابرة إلى المثلث السني عبر سوريا، أو رفضه طلبات الرئيس شيراك، الارتقاء بصديقه الشخصي الرئيس رفيق الحريري، في لبنان، إلى الشراكة.لكن «سر الرؤساء» يعزز معرفتنا بتلك الفترة، بما قيض «لنوزيل» الاطلاع عليه من أرشيف الأليزيه، ومحاضر اللقاءات الأميركية الفرنسية، والملاحظات على المفكرات الخاصة للرئيس شيراك. وهي رزمة من المعلومات حصل عليها، في سياق الفصول التي خصصها للبنان، من موريس غوردو مونتاني، المستشار الدبلوماسي للرئيس جاك شيراك.ويمكن الاكتفاء بالتنافس التقليدي للهيمنة على لبنان تفسيراً للدوافع الأميركية والفرنسية. كما من الممكن لمن شاء أن يعيب على الكتاب تجاهله المقدمات التي قادت إلى انقلاب الرئيس شيراك على سوريا، وتقاربه مع الرئيس الأميركي جورج بوش. وباستطاعته أن يسقط من الحساب المقدمات: يأس الرئيس الفرنسي وحليفه اللبناني من تسهيل تفرده بعمليات توزيع مؤتمري باريس واحد واثنين، من دون تدخل دمشق أو حلفائها. وهي الوجهة التي تبناها كتاب «شيراك العرب» لكريستوف بولتنسكي وآشيرمان عن المرحلة نفسها.وباستطاعة المرء أن يلاحظ سبق الرئيس شيراك إلى بلورة مفهوم «الهلال» أو «القوس الشيعي»، قبل أن يطفو على السطح النووي الإيراني في العام 2004، وكان الرئيس الفرنسي يستخدمه في لقاءاته ببوش وكوندليسا رايس لضمهما إلى الحملة من أجل القرار 1559. ومن نافل القول إن سقوطه في مسامعنا بصوت الملك عبد الله الثاني الأردني بعد حرب تموز 2006 ما كان سوى صدى لهواجس الرئيس الفرنسي المبكرة، وانعكاس لتجربته الشخصية وعلاقاته القوية مع حكام الخليج وصدام حسين في العراق. وكان قبل ذلك، الخوف من «وقوع» العراق بيد الشيعة، أحد أسباب معارضته لحرب العراق، كما يعرض الكاتب.اعتقد الرئيس الفرنسي جاك شيراك، لوقت طويل، أن الرئيس السوري الشاب، بشار الأسد، الذي كان قد استقبله في الإليزيه قبل توليه السلطة، نصير لإجراء إصلاحات رفضها والده العنيد، ورفض القبول بها حتى وفاته في حزيران 2000.عندما خلف بشار والده، اعتقد شيراك أنه «سيكون وصياً عليه»، يشرح مستشار سابق في الإليزيه، و«اجتهد كثيرا لمساعدته، وحاول إقناعه بتليين مواقفه. ونجح بالحصول على تأييد سوريا قرار الأمم المتحدة إعادة المفتشين إلى العراق في تشرين الثاني 2002».تملك سوريا، بنظر الإليزيه، ورقة بناءة يمكنها أن تلعبها في المنطقة بعد سقوط صدام حسين: بإمكانها أن تساهم في استقراره، والتخفيف من هيمنتها على لبنان، والتفاوض مع إسرائيل حول اتفاق سلام.ولهذه الغاية، أوفد شيراك سراً مطلع تشرين الثاني 2003، مستشاره الدبلوماسي موريس غوردو مونتاني، لرصد نيات الرئيس السوري. الموفد كان مكلفا بالمهمة أيضا من قبل المستشار الألماني غيرهار شرودر والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اللذين تشاورا مع شيراك ومستشاره. المقابلة بين غوردو مونتاني وبشار الأسد دامت أكثر من ساعتين، في صبيحة العاشر من تشرين الثاني.«لقد تغير العالم حولكم»، قال الفرنسي. «نحترم سيادتكم، وقد بذل رئيس الجمهورية كل ما بوسعه لضمكم إلى المشهد الدولي، وهو مستعد للمتابعة. نحن بحاجة إليكم من أجل التوازن في المنطقة. فلتتخذوا مبادرة، من أي نوع كان، ونحن ندرسها، وندعمكم بإرسال وزراء خارجية فرنسا وروسيا وألمانيا».كان بشار الأسد يصغي بانتباه، لكنه كان متوترا ومرتابا: «هل تحمل رسالة من الأميركيين؟».«لا»، أجاب غوردو مونتاني. «إني لا أحدثك باسم الأميركيين، لكن باسم قادة الدول الثلاث وحكوماتها».لم ينتهز الرئيس السوري الفرصة المتاحة، وخاض في مطولة هجائية للأميركيين، الذين يشتبه في سعيهم لإسقاطه. الموفد غادر من دون الحصول على أي إشارة بالانفتاح الموعود. وواصل جولته على العربية السعودية للقاء ولي العهد عبد الله، ثم لبنان ليلتقي رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني. كان الوزراء المقربون من سوريا يسيطرون على حكومته، والمقربون من الأسد يمسكون بكل الخيوط في بيروت.الرئيس الفرنسي المصاب بخيبة كبيرة، ازدادت قناعته تدريجا، بأن نظام دمشق سيبقى عصيا، إلا إذا ضاعف من الضغوط. والحال أن واشنطن كانت هي أيضا قد أصبحت على موجة باريس نفسها.الرئيس السوري وانزعاج واشنطنكان غضب البيت الأبيض يزداد يوميا، ضد سوريا التي وضعها بعض «المحافظين الجدد» في «محور الشر». ولم تتوقف لائحة المآخذ عن التطاول خلال العام 2003.وبحسب وكالات المخابرات الأميركية، منحت دمشق اللجوء لمسؤولين عراقيين بعد سقوط بغداد. والإنذارات الموجهة إليها لم تلق أذنا مصغية. من جهة أخرى، كان العشرات من المقاتلين القادمين من موريتانيا والسودان واليمن، يعبرون سوريا إلى العراق لإشعال الحرب المقدسة ضد الأميركيين. وكان تراخي السلطات السورية، في المناطق الحدودية، أكثر ما يزعج إدارة الرئيس بوش.أحد مسؤولي الخارجية الأميركية، دافيد ساترفيلد، صرح عن هذا الانزعاج لدبلوماسيين فرنسيين خلال لقاء مطول كُرس لسوريا، في الرابع عشر من تشرين الثاني 2003: «إن خلايا القاعدة تعبر الأراضي السورية، بدون أن يمنعها النظام السوري، لكنه يعرف أن مخابراتنا تحيط بكل ما يجري».موضوع خلاف آخر، اقل بروزا، كان يثير أعصاب الأميركيين: السوريون افرغوا من دون أدنى معاناة ضميرية الحسابات العراقية في مصارفهم! إن قرارا من الأمم المتحدة كان يلزم نظريا الدول التي اودعت لديها هذه الأموال، أن تقوم بتحويلها إلى صندوق لتطوير العراق، مكلف بإعادة بنائه. وبرغم بذلهم عناء الدنيا كلها، لم يستطع الخبراء الأميركيون الحصول من دمشق على المعلومات بشأن هذه الحسابات. وبحسب دافيد ساترفيلد، فقد أطهرت دراسة حسابية حديثة جدا أن 85 في المئة من هذه المبالغ تبخرت خلال أشهر، وانخفضت من ملياري دولار إلى 266 مليون دولار.«تركت السلطات السورية لدائنين صغار، أن يستوفوا من هذه الحسابات ديونهم بأنفسهم، باستثناء الشركة الوطنية للنفط»، يشرح ساترفيلد. وبطريقة أخرى، فإن أفرادا معينين أثروا بطريقة غير مشروعة من خلال استيلائهم على ما يقارب ملياري دولار. في 12 تشرين الثاني 2003 وجه كل من المصرف المركزي العراقي، والخزانة الأميركية، تبليغا لسوريا للحصول على ما بقي من الأموال، لكن من دون نتيجة مؤكدة.إلى هذه المواضيع المثيرة للغضب، يضاف دعم دمشق «حزبَ الله»، والفصائل الفلسطينية الراديكالية، كحماس والجهاد الإسلامي، أعداء إسرائيل حتى الموت. «من المؤكد أن السلطات السورية لم تكن على علم بالعمليات الإرهابية، لكنها كانت تسهر على أمن هذه العمليات بالقول لمنفذيها: انتبهوا، فإن الأميركيين يراقبونكم»، بهذا باح دافيد ساترفيلد للفرنسيين.وفي النهاية، استشاطت واشنطن غضبا من غياب التعاون السوري في مكافحة الشبكات السلفية للقاعدة. «بعد الحادي عشر من ايلول مباشرة، كان تعاونهم مُرضيا، بل مثمرا، خلال عام، ثم تضاءل تدريجا، ليصل الى حد الصفر منذ ستة أشهر».أرسل البيت الأبيض إشارات عدة إلى الرئيس السوري، تعبر عن عدم رضاه، لكن من دون نتائج. «قل لبشار الأسد إنني أحادي شرير»، بذلك توجه بوش لشيراك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في ايلول 2003. وإذا كان الأسد لا يثق بالأميركيين، وهذا ما كرره لغوردو مونتاني ولدبلوماسيين آخرين قابلوه، إلا أنه حاول التفاوض معهم بطريقة غير رسمية، عبر عماد الحاج، رجل الأعمال اللبناني الأميركي.علق دافيد ساترفيلد على ذلك «الأسد يماطل ويحاول الظهور بمظهر المحاور الجيد مع واشنطن. لكنه يعرف تماما، المطالب التي يجب ان يلبيها. لا نحتاج إلى قنوات موازية، ولا نلعب هذه اللعبة».إن تصلب الإدارة الأميركية سينعكس في تقييمها للرئيس السوري من الآن فصاعدا. وتدريجا سيغدو الأسد أقل قابلية للتعامل معه: «في الحقيقة يتصرف الأسد كنيو ناصري، ويحاول التموضع كبطل العالم العربي، وقد جذب الشباب اليه في الشرق الأوسط. لكن في المحصلة النهائية، غدت علاقاته كريهة مع جيرانه».من جهته، قام مجلس الشيوخ الأميركي بتبني عقوبات اقتصادية ضد النظام السوري المتهم بدعم الإرهاب والإبقاء على وجود عسكري في لبنان: «إن تدهور العلاقات السورية الأميركية، قد عبر عتبة جديدة بعد التصويت في مجلس الشيوخ، والمشكلة لدى الإدارة الأميركية، انها شيطنت النظام الحاكم في دمشق، ولم تعد قادرة على وضع سياسة شاملة وديناميكية تتسع للمواءمة بين العصا والجزرة: وبما أنها لم تعد تملك ما تعرضه على دمشق، فقد توقفت عن الاستجابة والرد على الأحداث».التحضير في الخفاء لقرار من مجلس الأمنالتصعيد هذه المرة لم يكن عسكريا. لكن الحملة الدبلوماسية شقت طريقها وانتظمت. وخلال الأشهر الأولى من 2004، اظهر الإليزيه عن طريق لمسات صغيرة رغبته بالتقارب مع واشنطن من خلال الاتفاق على الملف السوري اللبناني. اللحظة كانت مؤاتية: وما دام الأميركيون يحرصون على تنفيذ فكرتهم لدمقرطة الشرق الأوسط، فليكن، ولنختبر التزامهم بالفكرة في لبنان، حيث لا يزال لفرنسا بعض التأثير.جاك شيراك عرض هذه الفكرة، خلال لقاء مع بعض الشيوخ الأميركيين في آذار 2004.سألوه رأيه في «الشرق الأوسط الكبير»، فأجاب: «لنكن واقعيين. لن نتقدم في الديموقراطية، إلا إذا بدأنا بدعمها حيث توجد، ولو بطريقة غير كاملة كلبنان. ينبغي إذاً، أن نساعد هذا البلد على التخلص من الوصاية السورية».جاك شيراك سيكرر هذه اللازمة، خلال عشاء في الإليزيه مع جورج بوش في الخامس من حزيران 2004: «ستكون هناك انتخابات رئاسية في لبنان في شهر تشرين الأول، إنها فرصة من أجل انطلاقة جديدة للبنان، شرط ألا يؤخذ الرئيس الجديد في طوق سوري. سيحاول السوريون إعادة انتخاب الرئيس الحالي إميل لحود، عن طريق تعديل الدستور. لقد سجلنا باهتمام تصريحات كولن باول، وكوندليسا رايس حول ضرورة إجراء انتخابات خالية من أي تدخل اجنبي، كما سجلنا تبني الولايات المتحدة عقوبات، مشروطا رفعها بانسحاب سوريا من لبنان... فلنعمل معا».«لمَ لا»، أجاب بوش على الفور.كوندليسا رايس وعدت بأن تتشارو، بسرعة، مع نظيرها موريس غوردو مونتاني، الاتصالات الأسبوعية بينهما تكثفت. ورويدا رويدا بدأ محور باريس ـ واشنطن يتشكل ويظهر إلى العلن، بفضل هذه العقدة اللبنانية السرية، وبفضل هذا الملف بالتحديد. «بما اننا كنا على خلاف في العراق، كان من الأفضل أن نحاول التركيز على شيء آخر، ونعمل فيه معا. كان لبنان مناسبا لنا بامتياز»، كما يتذكر هوارد ليتش السفير الأميركي الأسبق في باريس.لم يكن جاك شيراك يرغب بالصراخ فوق السطوح: إنه يسعى، بأي ثمن، إلى إعادة وصل ما انقطع مع جورج بوش، خصوصا ان شعبية هذا الأخير في فرنسا كانت في الحضيض.لكن، بما أنه لم يصغ إليه في العراق، أو في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، فقد عثر في لبنان على عنوان للمصالحة، يعيده إلى واحهة الأحداث. صديقه رفيق الحريري كان سعيدا بذلك.الخطوات التطبيقية بدأت صيف 2004. في بيروت، تولى تنسيقها السفيران، فيليب لوكورتييه، الفرنسي، والأميركي الواصل حديثا من بغداد، جيفري فيلتمان. من جهتهما، باشر سفيرا فرنسا في الأمم المتحدة وواشنطن، الإعداد مع الاميركيين، لمشروع قرار يطرح على مجلس الأمن. القرار كان يطالب بانتخابات حرة، وانسحاب القوات السورية بأسرع وقت ممكن. موفد شيراك التقى كوندليسا رايس ومسؤولين آخرين في 19 و20 آب 2004، قبل أن يتجه إلى سردينيا، المقر الصيفي لرفيق الحريري. جرت قراءة مشروع القرار مرات عدة، بتمعن، على متن يخت رئيس الوزراء اللبناني، الذي لم يكن لشيء أن يهدئ من غضبه من السوريين. وحدث ما كان يخشاه شيراك. قام السوريون بتعديل الدستور اللبناني، وسمحوا لحليفهم إميل لحود بالتمديد ولاية جديدة لمدة ثلاثة اعوام.رئيس الوزراء الحريري، الذي استدعي إلى دمشق في 26 آب، كان عليه أن يواجه بشار الأسد الغاضب: «لحود هو أنا»(...)المشاروات الأخيرة حول القرار الفرنسي، جرت نهاية آب 2004. وتبادل الدبلوماسيون الفرنسيون والأميركيون في الأمم المتحدة مسوداتهم. موريس غوردو مونتاني على تواصل مباشر مع اللبنانيين، وبطريقة غير مباشرة مع وزير الخارجية السوري، الذي كان يمرر رسائله عبر الإسبان. التعديلات الأخيرة، قدمها مستشار شيراك إلى كوندليسا رايس، وذهب باتصالاته الهاتفية المتتالية، إلى حد أن يقتحم عليها الانتخابات الأولية للحزب الجمهوري في ماديسون سكوير غاردن، في نيويورك. في الثاني من ايلول تبنى مجلس الأمن القرار 1559 بأكثرية تسعة أصوات، وامتناع ستة من بينها: روسيا، والصين والجزائر.«1559»، صفعة حقيقية لسوريا، إذ يطالبها النص بسحب جميع القوات الأجنبية المسلحة، وحل الميليشيات، وإجراء انتخابات رئاسية حرة وفق القواعد الدستورية اللبنانية من دون أي تدخل خارجي. ومن دون أي اعتبار أو حساب لما حدث، نجح بشار الأسد في الغد، بفرض تمديد ولاية الرئيس لحود. لم يكن ليتوقع انذارا عالميا مشابها، أو أن ينعقد ضده حلف فرنسي أميركي، غير منتظر بعد الخلاف في حرب العراق. ورأى في ذلك استفزازا من قبل الحريري، وخيانة من جاك شيراك، وتحديا من جورج بوش. باختصار، كان ذلك إعلان حرب.هدايا صغيرة للدكتورة رايسازداد التوتر في لبنان: في 2 تشرين الأول تعرض لمحاولة اغتيال وزير الاقتصاد السابق مروان حمادة، الذي اقترع ضد التمديد. في 21 استقال رفيق الحريري، وبدأ بتوحيد المعارضة في وجه مؤيدي سوريا في لبنان. ولتأييد صديقه اللبناني، بطريقة عمياء، أوفد جاك شيراك احد مستشاريه في الاليزيه، برنار ايمييه إلى بيروت، كسفير جديد. وكان على هذا أن يبقي عينه على القدر السياسي اللبناني الذي يغلي، بالتنسيق الكامل مع نظيره الأميركي. وضاعف شيراك من نصائحه لتيري رود لارسن، المكلف بمراقبة تنفيذ 1559.وأكثر فأكثر، كان يدلل جورج بوش، لرعاية براعم التلاقي الفرنسي الأميركي الهش، الذي بدأت نتائجه الأولى تلوح في الأفق. واستغل فرصة فوزه في الانتخابات الرئاسية 2004، لمهاتفته في التاسع من تشرين الثاني: «اجدد لك تهاني».«اشكرك»، أجاب بوش، «أجدد لك تمنياتي بالعمل معا في مواضيع تخدم مصالحنا المشتركة. بيننا الكثير من الخلافات، لكن عندما نعمل معا، لا تتأخر النتائج».في الثامن من شباط أوفد الرئيس بوش كوندليسا رايس للقاء شيراك. والملف الرئيسي: لبنان!منذ بداية اللقاء، لم يهتم الرئيس شيراك باختيار عباراته «الأقلية العلوية تقود سوريا بيد من حديد، منذ الحرب الباردة، وبوسائل مستمدة من الحكم السوفياتي. لقد حل مكان حافظ الأسد ابن لا يملك لا خبرته ولا ذكاءه. وهو حجر الزاوية في نظام سينهار من دونه، لكن القادة السوريين الحاليين لا يعرفون إلى أي اتجاه يجب أن يتجهوا، لذلك تتعثر حركتهم».ويضرب لها مثالا الاستقبال الذي لقيه تيري رود لارسن في دمشق: حار من قبل بعض القادة السوريين، ومهين من جانب متطرفي النظام. وبحسب شيراك، فإن نزوع النظام إلى التصلب يبدو بوضوح على حدوده مع العراق، حيث يستمر عبور مقاتلي القاعدة، كما يتواصل الدعم المالي للفصائل الفلسطينية الإرهابية، رغم النفي الرسمي. «في لبنان، اضاف شيراك، الاتجاه السوري ينحو إلى التصلب، لأن دمشق مصممة على عدم التغيير، سواء في ما يتعلق بمخابراتها، او بجيشها. وستحاول أن تؤثر على الانتخابات عبر قانون انتخابي مفصل وفق رغباتها، وعبر الضغوط ومحاولة زرع الفرقة في صفوف المعارضة حيث يتواجد دروز وسنة، لا يجب أن ندعهم يخنقون الديموقراطية العربية الوحيدة المتجذرة».كان شيراك مصمما: «تجب مواصلة الضغوط، إن القرار 1559 سدد ضربة قوية لدمشق، ان تيري رود لارسن محترف، ويتمتع بخبرة جيدة بالرجال والملفات. ويجدر الانتباه لشيئين: الأول لا يجب الخلط بين الديموقراطية في لبنان، وعملية السلام، وإلا أضفنا إلى اوراق دمشق ورقة أخرى. ينبغي دعم الديموقراطية في لبنان من اجل الديموقراطية وحدها ومن اجل لبنان.والشيء الثاني، يجب التهديد بفرض عقوبات مالية قادرة على ضرب نظام الرشوة القائم بين دمشق وبيروت».كان شيراك يحض الولايات المتحدة على الذهاب أبعد مما تبتغي، وكان لذلك يحاول أن يجر خلفه الأوروبيين.رايس المستمعة بانتباه عبرت عن «اتفاقها الكامل» مع توصيتي شيراك. لكنه عاد إلى الإصرار على «وجوب التذكير كلما سنحت الفرصة، بالقرار 1559 والمطالبة بتطبيقه، إن من شأنه أن يوهن عزيمة المتصلبين في دمشق، ويعين المعتدلين على ضرورة تغيير الاتجاه المتبع. ليس من مصلحتنا على الإطلاق أن نرى قوسا شيعيا في الشرق الأوسط، من إيران إلى حزب الله فالعراق وسوريا».هذه الجملة الأخيرة تلخص جوهر قلق شيراك، وقد جرى التعبير عنه في مناسبات عدة، خلال إرهاصات الحرب في العراق: كان على الدوام يخشى من سيطرة الشيعة، والأسد حليفهم. وهو يفضل السنة، من صدام حسين إلى رفيق الحريري.الرئيس الفرنسي هنأ نفسه على تعزيز التعاون الفرنسي الأميركي بفضل هذا الملف اللبناني السوري. وبديهي أن لكل منهما اولويته. أولوية باريس: سيادة لبنان، لواشنطن الأولوية هي الحصول على دعم سوريا في الحرب على الإرهاب في العراق. لكن دمشق نقطة الالتقاء، ونظامها في مرمى باريس وواشنطن. بعد هذا اللقاء مع كوندليسا رايس، خطط شيراك لعشاء مع جورج بوش، في 21 شباط 2005 على هامش قمة أوروبا الولايات المتحدة.احداث درامية أخرى كانت ستتكفل بقلب أجندة مواعيده رأسا على عقب.(غداً الجزء الثاني)
المشهد الأول: برصاصة واحدة من الخلف، قتيلان. المشهد الثاني: مراهقان مصابان في فخذيهما ينزفان حتى الموت. المشهد الثالث: نواب كتلة المستقبل يستنكرون. عرب وادي خالد يتحملون منذ خمس سنوات تبعات التاريخ والجغرافيا، و«البادئ أظلم» مجرد شعار
غسان سعود يتناقش الكبار في الخيمة، أصواتهم تُوتّر. قربهم يجتمع الشباب حول مهباج، يسمّونه «العزّام» لأن دقاته بمثابة عزيمة للمجتمعين حداداً لتناول القهوة. هنا المهباج حزين. في الخارج، فوق تلة تقف وحيدة في سهل كان القمح يغطيه، يلهو بعض الأطفال. يلعبون بالحجارة والنجوم، فيستلهمون من السماء القريبة من رؤوسهم أشكالاً هندسية يرسمونها بالحجارة. يعلو صوت أحدهم، يذكر أصدقاءه بساسوكي (بطل أحد برامج الأطفال السورية)، مغنياً: «قم ضع يدك بيدي، قم احم غدك وغدي، نفتدي.. أرضنا بالدماء نفتدي، نقضي على الشرور (...)». يصبح صوته أصواتاً، ينجذب أصدقاء وليد وأسعد فيخرجون من الخيمة ليتنفسوا قليلاً، يختلطون بالأطفال ويبدأ نبش الذاكرة: أحدهم نادى وليد أثناء هرولته للحاق بالمتظاهرين قبالة مركز الأمن العام القديم، طالباً منه عدم الذهاب. وآخر شاهد أسعد يسقط أمامه. أول من أمس، قبل يوم واحد من الفاجعة كانوا يلعبون كرة القدم، هنا في حقول القمح حين يُحصد، يلعبون كرة القدم.
طفّار جدد
الأطفال يلعبون بالحجارة، يقول أيمن و«نحن نقضي الليل مستمعين إلى نباح الكلاب ونقيق الضفادع. حين تأتي الكهرباء مساء، نرقص. فعلاً نرقص». يُذكّر أيمن زوار وادي خالد بأن رسالة وصلتهم عبر الهاتف الخلوي فور وصولهم إلى بلدة شدرا، قبل الوادي بنحو عشر دقائق، من شركة «سيرياتل»، ترحب بهم في الأراضي السورية. وفي اللحظة نفسها، حلت الإذاعات السورية على الراديو محل الإذاعات اللبنانية. أين الدولة؟ يسأل أيمن تمهيداً لإجابة نفسه بنفسه: «تغيب الدولة عشرين عاماً ثم تقرر أن تثبت وجودها فتعرض عضلاتها، تبدأ بتجويع الأهالي ثم تقتل شابين برصاصة واحدة وتتفرج على شابين ينزفان أمامها حتى الموت. صديقي، يتابع أيمن، غرق بدمائه، كان يمكن إنقاذه لولا رغبة الضابط في إشباع أمراضه». يقترب شاب آخر، «اسمي مهرّب» يقول: «اكتبها، سجّل عندك أنا مهرب ولتأت الدولة، سأقول للدولة لمصلحة أي نائب أنا أهرّب، ولتتحمل الدولة مسؤولياتها». نحن، يتابع الشاب نفسه، نوصف بالمهربين شماتة وتحقيراً لأننا نهرّب قارورة غاز وربطة خبز، أما غيرنا فيعظّمون ويبجّلون لأنهم يهرّبون المخدرات وأطنان الدخان». يهزأ بالقوى الأمنية: «الجبناء الذين قتلوا الأولاد العزّل نعرفهم، وإذا لم تخبّئهم دولتهم في السجون، فبأسناننا سنمزقهم». هنا الغضب المتراكم عارم ضد القوة الأمنية المشتركة لضبط الحدود (تمثّل وحدات الجيش العمود الفقري في القوة المشتركة من حيث العديد والتجهيزات والمراكز اللوجستية إلى جانب وحدات أخرى من الأمن العام والأمن الداخلي والجمارك). أنشئت هذه القوة بموجب القرار 1701 لمراقبة الحدود ومنع دخول السلاح إلى حزب الله. عناصرها، يقول أهالي وادي خالد، أساؤوا فهم مهماتهم، فبدل حراستهم للحدود يقضون الوقت في التنزه بين قرى الوادي، بعضهم ينظر إلى بناتنا «بطريقة مشبوهة» وبعضهم يقود سيارات الدولة كأنه في حلبة سباق، ومعظمهم يملأون بطونهم مجاناً من متاجر الوادي نتيجة خوف أصحاب الدكاكين من مصادرة بضائعهم. يعود أيمن إلى الحديث، يُقسم إن القوى المشتركة لم تصادر قطعة سلاح واحدة على طول الحدود اللبنانية، لكنها تتدخل في ما لا يعنيها وبعض عناصرها يتاجرون في قراهم بالخبز الذي يصادرونه من الأهالي. يتدخل مختار بلدة الهيشة، يعلن أنه يتحدث باسم الأهالي الذين «باتوا يعتبرون القوى المشتركة بمثابة قوى عدوة، فهي منذ نشوئها لم تصادر رصاصة واحدة على الحدود الشمالية وكل ما تفعله هو تجويع الأهالي وابتزازهم». يرفض المختار قول أحد المتجمهرين حوله إنه يتمنى أن يكون هناك من يضبط القوة المشتركة، فبالنسبة إلى المختار ولى زمن التمني، ولا بدّ اليوم من «تزحيط» هذه القوة. ويعدد المختار خطة الأهالي: 1. «انتظار عشرة أيام لمعرفة نتائج التحقيق الذي يفترض أن يكون شفافاً لا يخضع للمحسوبيات، وإذا لم يرض أهالي الوادي فسنأخذ حقنا بذراعنا كما فعل أولاد عمنا في البقاع، وخصوصاً أننا نعلم جيداً من قتل، ونعرف الضابط المسؤول عنه». 2. «حل القوى المشتركة نهائياً أو إبعادها عن وادي خالد تحت طائلة المسؤولية، مع الموافقة على إبدال هذه القوى بمجموعة من الجيش اللبناني، ولا سيما أن العلاقة كانت وطيدة في السابق بين الأهالي واللواء الخامس الذي كان يرابط في وادي خالد. تنتهي الخطة هنا؟ نعم يجيب المختار، معلناً نيته تكثيف التواصل مع وسائل الإعلام لشرح وجهة نظر أهالي وادي خالد وتبديد الأفكار المسبقة عنهم.
قتل بدم بارد
خلافاً للحالات المشابهة، ليس في وادي خالد عدة روايات في شأن ما حصل ليل الجمعة الماضي وصباح السبت. فمعظم الأهالي يرددون الرواية ذاتها: بعد خلاف صغير بين القوى المشتركة وأحد المهربين، صودف مرور محمد الأحمد وفضل الله شهاب على دراجتهما النارية، وفور عبورهما من أمام مخفر الدرك أطلق أحد عناصر القوى المشتركة النار عليهما من الخلف، فقتل الاثنان اللذان كانا فوق دراجتهما النارية برصاصة واحدة. استقى الأهالي الرواية من عناصر المخفر الذين بادروا إلى الاتصال بمختار الهيشة لإبلاغه أن لديهم جريحاً من أهالي بلدته. يروي المختار أنه حين وصل، شاهد محمد الأحمد «يسبح بدمه» وقد جر نفسه نحو عشرين متراً، محاولاً اللجوء إلى المخفر، تحت أنظار أفراد قوى الأمن والقوة المشتركة الذين لم يمدّوا يدهم لمساعدة المختار في نقل الأحمد إلى السيارة حتى يأخذه إلى المستشفى، رغم طلب المختار المساعدة. وبعد انتهائه من الأحمد، توجه أحد العناصر إلى المختار بالقول حرفياً: «يوجد واحد آخر هناك». فرأى المختار جثة فضل الله شهاب بالقرب من الدراجة النارية. الأكيد في هذه الرواية أن محمد وفضل الله ليسا مهربين، فمحمد دهان وفضل الله حداد، والاثنان مشهوران جداً في المنطقة، وقبيل مقتلهما كانا يسهران في منزل سليمان علي محمود الذي يعمل معهما في حدادة السيارات. فيما تقول الرواية الأمنية شبه الرسمية إن الشابين كانا يسلكان طريقاً ترابية اعتاد المهربون اعتمادها في التهريب، وإنهما لم يمتثلا لأوامر العناصر الأمنية بالتوقف. ويؤكد أحد المقربين من القوة المشتركة أن من أطلق النار فعل ذلك بعد دقائق قليلة من تعرض مجموعته لهجوم من المهربين، ظن مطلق النار أن الشابين على الدراجة النارية جزء منهم. وصل الشابان إلى مستشفى سيدة السلام في بلدة القبيات بعدما «خلص دمهما». يقول المختار ذلك، مردداً أن القوانين العسكرية تحتم على الجيوش في المعارك الطاحنة سحب المصابين ولو كانوا أعداء، لتطبيبهم. وبحسبه، فإن إصابة الشابين لم تكن قاتلة لكن تركهما ينزفان أدى إلى مقتلهما. بعد وصوله إلى المستشفى اتصل المختار بأهالي الشابين لإبلاغهم بمصابهم فهرع هؤلاء صوب المستشفى، وإذا بالدولة تكمل إثبات وجودها عبر إقامة حواجز وتفتيش الأهالي الغاضبين. وهكذا توترت الأجواء جداً. وفي ظل عجز القوى الأمنية عن إيجاد قطعة سلاح واحدة في سيارات أبناء وادي خالد، تدخلت استخبارات الجيش لرفع الحواجز. صباح اليوم التالي، كانت غالبية أبناء الوادي في منطقة القبيات تعدّ موكب المجيء بالجثتين، وإذا بنحو عشرين شاباً أكبرهم في الثامنة عشرة من عمره، بحسب رواية أبناء وادي خالد دائماً، يتجهون إلى مقر الأمن العام القديم في المقيبلة عند مدخل منطقة البقيعة الحدودية للاحتجاج بعنف على مقتل محمد وفضل الله، لكن، وللمرة الثالثة في أقل من 24 ساعة، بادرت القوى الأمنية إلى عرض قدراتها في مواجهة المواطنين العزّل فانهمر الرصاص على المتظاهرين، وسقط ستة منهم أرضاً، بينهم وليد خالد محمود (18 سنة – طالب جامعي) وأسعد محمد الأسود (16 سنة – تلميذ بكالوريا). وبحسب أبناء البلدة، فإن بعض المتظاهرين حاولوا إسعاف وليد المصاب في فخذه، لكن من أطلق عليه الرصاص سحبه بعنف إلى إحدى غرف مقر الأمن العام وأبقاه هناك حتى «تصفّى دمه». وعلمت «الأخبار» من مصادر طبية موثوقة أن الرصاصة التي قتلت محمد وفضل الله أصابت الأول في ظهره، مخترقة إياه إلى رئتي الثاني، والإصابتان قاتلتان. لكن المصابين نزفا ربع ساعة على الأقل قبل وفاتهما. أما إصابتا وليد وأسعد فكانتا غير قاتلتين (في الفخذ والساق) لكنهما توفيا نتيجة النزف أو التأخر في إسعافهما. ولا يستطيع الطب الشرعي، في شأن المسافة التي أطلقت منها النار القول أكثر من أنها تزيد على المتر الواحد.
«البادئ أظلم»
لا يعلم أهالي الضحايا لماذا حصل ما حصل. ثلاث من العائلات اجتمعت في خيمة عزاء واحدة. يرفض والد أحد الشبان الدخول في تفاصيل الانتماء العشائري للمصابين (ينقسم غالبية أبناء الوادي بين عشيرتي الغنّام والعتيق). ففي «حادثة كهذه نصبح كلنا عشيرة واحدة... والبادئ أظلم»، يقول الوالد. يجلس هذا الرجل وسط أقربائه، يحاولون عبثاً فهم الرسالة التي أرادت القوى الأمنية توجيهها إلى وادي خالد قبيل النقاش في الرسالة التي يفترض أن يوجهها أهالي الوادي إلى القوى الأمنية. ينبه أحد الشيوخ المختار إلى ضرورة التشديد أمام وسائل الإعلام أن على المعنيين التأكد من أن هدوء أهالي الوادي وترقبهم نتائج
القوة المشتركة: أطلقنا النار بعد دقائق من مهاجمتناالتحقيقات الرسمية ليس دليل ضعف، فيومئ المختار برأسه، مؤكداً أنه يكرر هذه العبارة في كل مداخلة إعلامية. ولا يخفي أهالي الوادي مفاجأتهم بالاهتمام الكبير الذي وجدوه من نواب كتلة المستقبل في عكار الذين كادوا أن يقضوا نهاية الأسبوع كلها في وادي خالد؛ هذه المنطقة التي تميزت عن معظم المناطق السنية الأخرى بامتناع معظم ناخبيها عن تأييد تيار المستقبل، الأمر الذي أدى إلى انتقام تيار المستقبل والحكومات المتعاقبة منذ 2005 من وادي خالد، سواء عبر تقنين الإنماء، كما تظهر حالة الطرقات والمجارير وسوى ذلك من البنى التحتية، أو عبر القوة المشتركة التي تضيّق الخناق على الأهالي منذ أكثر من سنتين. وفي هذا السياق، يبدي أحد كبار السن استغرابه مطالبة المستقبليين الحكومة وقيادة الجيش بإعادة تحديد مهمات القوة الأمنية المشتركة، مع العلم بأن رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة كان أكثر المتحمسين لهذه القوى التي أعطاها اللواء أشرف ريفي الأولوية في اهتماماته في مرحلة توتير العلاقات اللبنانية ـــــ السورية. وسط تأكيد الأهالي أن وفوداً شعبية من وادي خالد تواظب على زيارة النواب منذ أكثر من سنة، راجية حصر وجود القوة الأمنية المشتركة على الحدود اللبنانية ـــــ السورية وسحب العناصر من داخل القرى والبلدات في وادي خالد ومنع وجودهم بين المنازل. لكن و«نتيجة الرغبة في الانتقام السياسي من وادي خالد، كان النواب يديرون الأذن الطرشاء لمطالب أهالي الوادي»، مع تشديد الأهالي على رفض ما جاء في بيان الرئيس سعد الحريري عن توتر بينهم وبين الجيش، مؤكدين رغبتهم في التخلص من إرث السنيورة الأمني وعودة الجيش الذي يجمعهم بأفراده خبز وملح.
المواطن المهرّبفي مساء وادي خالد مشاهدات كثيرة (تتألف وادي خالد من نحو 22 قرية، تبعد عن القبيات خمسة عشر كيلومتراً وعن الحدود السورية عشرات الأمتار. ويقول بعض الأهالي إن تسمية المنطقة تعود إلى خالد بن الوليد. كيف ذلك؟ كان ابن الوليد متوجهاً لفتح مدينة حمص، فخيّم مع جيشه في مكان يدعى دير شيح. وتروي الحكاية أن الفاتح افتقد المياه لإرواء عطش جنوده، فما كان منه إلا أن سحب سيفه وشق الصخر فتفجر الماء. وسميت النقطة «العجائبية» نبع دير شيح. ومنها تدفق النهر الفاصل بين لبنان وسوريا). العمر الرسمي لانتماء هذه المنطقة إلى الدولة من عمر الحريرية الحاكمة، وما الحرمان الذي تعانيه سوى دليل على حجم الاهتمام الإنمائي الذي أولته الحكومات الحريرية المتعاقبة للمناطق البعيدة عن وسط بيروت. في الوادي لا يمكن التنقل بسيارة عادية والعودة بها سالمة، الحكومات قررت أن تلك الطريق لا يسلكها إلا الحمير والجرافات والدراجات النارية. لا إنارة. أما المياه فموسمية. ليس في هذه المنطقة مصنع ولا مشروع زراعي ولا سوق تجارية. ليس في الوادي شركة كبيرة أو مشروع استثماري واحد ولا تتعدى نسبة أبناء الوادي المنضوين في المؤسسات الرسمية الخمسة في المئة من سكان الوادي. ألفا مواطن فقط من أصل أربعين ألفاً يستفيدون من التقديمات الاجتماعية التي توفرها الوظيفة الرسمية، أما الباقون فمشتّتون، لا وظائف تلمّهم ولا دولة تهتم بمصيرهم. هنا أساس المشكلة. كثيرون في الوادي اسمهم خالد تيمّناً بخالد بن الوليد، يشرح أحد هؤلاء ـــــ واسمه خالد ـــــ أن ابن الوادي يجتهد، متكبداً عناء وتكلفة الانتقال سواء إلى طرابلس أو إلى حمص ليكمل دراسته الجامعية، ثم يشتري بذلة رسمية ويذهب ليتسوّل في منازل النواب وظيفة في قطاع التعليم أو أي قطاع رسمي آخر، لكنه يكتشف مرة تلو الأخرى أن السياسيين والمسؤولين لا يولونه أي اهتمام ويفضلون تمنين غيره بالوظيفة الرسمية. السياسيون مقتنعون، بحسب خالد، بأن ابن الوادي لا يشترى بوظيفة فيحرمونه منها. ويشير أحد الشباب إلى أن تيار المستقبل حين وظف الآلاف من أبناء عكار في الشركات الأمنية استثنى شباب وادي خالد (وعد الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري بالاهتمام أكثر بوادي خالد على هامش زيارته للمنطقة أمس). لا وظائف إذاً ولا مشاريع أخرى تستقطب الشباب، الحل منذ نهاية التسعينيات كان في التركيز على تهريب الغاز والمازوت من جهة، والسيطرة على قطاع النقل بالفانات في الشمال من جهة أخرى. التهريب منذ منتصف التسعينيات وحتى الألفين وخمسة، وفّر لبعض أبناء الوادي ثروات دفعت ببعضهم إلى الانتقال من بؤس الحياة الحدودية إلى مناطق أخرى أكثر رفاهية، فيما جدّد آخرون منازلهم وشيّدوا فوق المنازل الترابية قصوراً. وكذلك، فإن الفانات التي أخرجت أحفاد خالد بن الوليد من الوادي مكنت معظم هؤلاء من تعليم أبنائهم. لكن منذ نحو أربع سنوات تغيرت الأوضاع، لم يعد الاتجار بالغاز والمازوت السوريين يربح لأن الأسعار تقاربت كثيراً بين لبنان وسوريا، أما الفانات فكثرت وبات العمل في هذا القطاع غالباً ما يخسر. وبالتالي تراجع الوضع المعيشي لأهالي الوادي الذين أعادوا تنظيم حياتهم، متكلين أساساً على الأجر الذي يتقاضاه أحد أفراد العائلة من الوظيفة الرسمية. وهكذا تراجع الاهتمام بالتهريب إلى حدود شراء المواد الغذائية من القرى السورية التي يفصلها عن القرى اللبنانية نهر حدودي هو أقرب إلى الساقية منه إلى النهر. فوق كل هذا البؤس، أتت القوة المشتركة لتتذوق الطعام الذي يعدّه أبناء الوادي، مصادرة كل ما تشكّ في أن طعمه سوري. حتى قررت هذه القوة فجأة فرض هيبة الدولة، دولة ترى أن كل مواطن في وادي خالد، مهما كان عمره أو مهنته، مهرّب محتمل وقد يستحق القتل.
عدد الاثنين ٨ تشرين الثاني ٢٠١٠
نفذ «الحزب الشيوعي اللبناني» اعتصاماً شعبياً عند الكورنيش الشمالي لمدينة صور أمس، احتجاجا على ارتفاع الأسعار وسياسات الدولة الاقتصادية والاجتماعية بمشاركة مسؤول منطقة الجنوب في الحزب علي غريب وممثلين عن الهيئات النقابية والأهلية اللبنانية والفلسطينية وحشد من الشيوعيين. ورفع المشاركون في الاعتصام لافتات وشعارات منددة بالارتفاع الفاحش للأسعار والمواد على أنواعها وغياب الحكومة عن هموم المواطن. وألقى عضو قيادة منطقة صور في الحزب علي الجمل كلمة أكد فيها على «الاستمرار بالتحركات الشعبية المطلبية ومواجهة سياسات الافقار المتبعة من قبل الدولة». وقال: «إننا لن نسكت بعد اليوم عن سرقة لقمة عيش أطفالنا وأهلنا الذين ينذرون حياتهم في سبيل هذا الوطن، فيما يزيد المسؤولون في السلطة على اختلاف ألوانهم تكديس الثروات والتلذذ بالمال العام».