قالت وزيرة المال ريا الحسن كلمتها ومشت: «ماذا ستسألونني بعد؟ لم يعد لديّ ما أقوله، ومن الآن فصاعداً لن أجيب عن أيّ سؤال، ولن أستجيب لأيّ طلب ما لم يردني عبر رئاسة مجلس الوزراء». هكذا قررت الحسن أن تنهي جلسة الاستماع الخامسة، التي عقدتها لجنة المال والموازنة النيابية أمس، إلا أنّ رئيس اللجنة النائب إبراهيم كنعان لم يقبل هذه الإهانة، فذكّرها بأحكام النظام الداخلي للمجلس النيابي التي تجبرها على التجاوب مع اللجنة النيابية. وأعلن أنه سيحيل أمرها على رئيس المجلس النيابي نبيه بري. وأعلن أيضاً أن اللجنة ستعقد جلسة حاسمة في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، لبتّ الاقتراحات المقدّمة من أعضاء اللجنة، والمتعلقة بوضع الآلية المناسبة للتدقيق في حسابات الدولة منذ عام 1993 حتى اليوم، والتحقيق في المعلومات عن وجود تلاعب في هذه الحسابات وتحديد المسؤولين عن هذا التلاعب ومساءلتهم بحسب ما تنص عليه القوانين. تعيين موعد الجلسة الحاسمة لا يعني أنها ستكون الأخيرة، بحسب ما توحي به الاقتراحات المطروحة، إذ تتضمن دعوة وزراء المال السابقين للمثول أمام اللجنة، وهم فؤاد السنيورة وجورج قرم وإلياس سابا ودميانوس قطّار وجهاد أزعور ومحمد شطح، وهو اقتراح يرفضه فريق الرئيس سعد الحريري (نوّاب 14 آذار)، على الرغم من أن معظم هؤلاء الوزراء أبدى استعداده لتلبية دعوة اللجنة، ما عدا السنيورة، الذي لا يزال صامتاً إزاء الاتهامات التي تطاوله شخصياً، باعتباره المهندس الأول لآلية إخفاء الحسابات بعدما أمضى نحو 12 سنة على رأس وزارة المال... وتتضمن الاقتراحات دعوة مديري المحاسبة العامّة السابقين في وزارة المال أمين صالح ورجاء الشريف للاستماع إلى شهادتيهما، وهو اقتراح جاء بسبب زلّة لسان النائب أحمد فتفت أمس، إذ انبرى للدفاع عن الوزيرة الحسن، داعياً إلى عدم مساءلتها هي في شأن عدم إنجاز حسابات المهمة وقطع الحسابات عن السنوات الماضية، بل مساءلة صالح والشريف لكونهما المسؤولَين عن إنجاز هذه الحسابات، وعن إرسالها الى ديوان المحاسبة، فالتقط رئيس اللجنة هذا الاقتراح، وأصرّ على تدوينه في محضر الجلسة، على الرغم من أن فريق فتفت سارع إلى مقاطعته رافضاً ذلك، باعتبار أن دعوة المديرين لن تصب في مصلحة هذا الفريق إطلاقاً لما في جعبتيهما من معلومات ووثائق كافية لإدانة وزراء المال على مدى 17 سنة ماضية. وستدرس اللجنة في جلستها المقبلة أيضاً اقتراحاً جدّده أمس النائب علي فيّاض، وهو يرمي الى تأليف لجنة تحقيق برلمانية، إلا أن فريق 14 آذار لا يزال يرفض هذا الاقتراح، ويتمسّك بمشروع القانون الذي طرحه السنيورة عام 2006 والرامي إلى تكليف رئاسة مجلس الوزراء إحدى الشركات الخاصة بأعمال التدقيق المالي، دون أن تكون هذه الشركة مسؤولة أمام البرلمان أو القضاء عن نتائج أعمالها، إلا أنّ رئيس ديوان المحاسبة القاضي عوني رمضان كرر أمس موقفه المعترض على هذا الاقتراح، لكونه يخالف القوانين ويقوّض صلاحيات الديوان ومهمّاته الدستورية ويمثّل سابقة لا يمكن قبولها، ولا سيما أن الديوان سلطة قضائية لا يمكن أيّ جهة تجاوزها في حقل اختصاصها. هذه الاقتراحات والمواقف المتعارضة تُظهر مدى التوتّر الذي يسود جلسات الاستماع الى وزيرة المال، وهو توتّر كان على أشدّه أمس، إذ علا صراخ النوّاب أحمد فتفت ومروان حمادة وغازي يوسف وسيرج طورسركسيان في أكثر من مناسبة، ولا سيما عندما كشف نوّاب تكتّل التغيير والإصلاح المزيد من وثائق الإدانة ـــــ الفضائح، وأهمّها وثيقة تبيّن فقدان نحو 451 حوالة مالية من حسابات الخزينة العامّة في عام 2001، فلم تنجح الحسن بتوضيح هذا الأمر، ما اضطرّها إلى الاستعانة بمديرة الصرفيات في الوزارة عليا عبّاس، التي أبلغت اللجنة النيابية أن الأمر نجم عن إلغاء هذه الحوالات لكونها غير صحيحة، فانشرحت أسارير بعض النوّاب لهذا الجواب «غير الدقيق»، إذ إن هناك تحقيقاً جارياً في الأمر. وأبرز النائب ميشال الحلو أمس مذكّرة موقّعة من رئيس دائرة المحاسبة المالية بالتكليف في الوزارة خليل يوسف بتاريخ 23/4/2009 وموجّهة الى وزير المال، وهو يشكو فيها من عدم قدرته على الاستجابة لطلب ديوان المحاسبة بتقديم حسابات المهمّة والحسابات الإدارية العائدة إلى الأمن العام بسبب قيام وزير المال نفسه بالطلب الى المركز الآلي قطع جميع الأنظمة المتعلقة بالحسابات عن حواسيب دائرة المحاسبة المالية، فضلاً عن عدم التزام مديرية الخزينة بإصدار حسابات المهمّة لعامي 2002 و2003. الفضيحة الكبرى أمس تمثّلت في إقرار الحسن بأن معظم الهبات لا تسجّل في حسابات الخزينة، متذرّعةً بأن التصرّف بهذه الهبات يخضع لمشيئة الواهب، إلا أن كنعان قرأ لها نص المادّة 52 من قانون المحاسبة العمومية التي تنص على ما يأتي: «تقبل بمرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء الأموال التي يقدمها إلى الدولة الأشخاص المعنويون والحقيقيون، وتفيد في قسم الواردات من الموازنة. وإذا كانت لهذه الأموال وجهة إنفاق معينة فتحت لها بالطريقة نفسها اعتمادات بقيمتها في قسم النفقات»... فردّت الحسن بأنها تعلم بما ينص عليه القانون «ولكن طول عمرها الأمور تجري بطريقة أخرى، إذ تأتي الهبات وتفتح حسابات خاصّة لها خارج الموازنة»، فما كان من النائب عبّاس هاشم إلا أن أثنى على شفافية وزيرة المال في هذه الإجابة، فسارع النائب طورسركسيان إلى طلب شطب كلام هاشم، فسأله رئيس الجلسة عن السبب، فردّ طورسركسيان بأن المقصود بكلام هاشم ليس الثناء على شفافية الحسن بل الإشارة إلى أمر آخر مهين، فضجّت القاعة بالقهقهة! ما عدا النائب حمادة الذي بدا متجهّماً، وقال إن هناك تسييساً لجلسات الاستماع بهدف تطيير الموازنة، فردّ عليه كنعان بالقول: «كم جلسة لمناقشة الموازنة شاركت فيها حضرتك؟»، فضجّت القاعة بالضحك مجدداً. ولخّص النائب كنعان أعمال جلسة أمس بالقول إنّ الجميع اتفق على أن هنالك إشكالاً كبيراً يتعلق بالحسابات، وهو يعود إلى عام 1993، إلا أنّ البعض يصفه بالتقني، والبعض الآخر يرى أنه ناجم عن خلل كبير، وقبل أن نعرف الحقائق لا نستطيع أن نحكم ما هو الوصف الذي نعطيه لهذا الخلل، وهل هنالك مخالفات كبيرة؟ وهل هنالك تجاوزات؟ (الأخبار)
عدد الاربعاء ١٠ تشرين الثاني ٢٠١٠ |