يتوقّع البنك الدولي في تقريره الأخير عن أحوال المهاجرين حول العالم وصول قيمة التحويلات الرسميّة للبنانيّين المغتربين إلى 8.177 مليارات دولار، ما يجعل البلاد في المرتبة الثامنة عالمياً على هذا الصعيد. غير أنّه يعكس وضعاً محزناً فيها، إذ إنّ 40% من حملة الشهادات الجامعيّة يهاجرون... هذه هي الحلقة المقفلة التي زجّ النموذج القائم كل اللبنانيين فيها نمت تحويلات المغتربين اللبنانيّين عبر القنوات الرسميّة، أي باستثناء الأموال المحوّلة من دون التصريح عنها، بنسبة 72.4% بين عامي 2003 و2010، بعدما كانت قد بلغت 7.558 مليارات دولار في العام الماضي، ممثّلة 22.4% من الناتج المحلّي الإجمالي. ومن المتوقّع أن تصل قيمة تلك الأموال في العام الجاري، بحسب تقديرات البنك الدولي في «كتيّب الهجرة والتحويلات 2011»، إلى حوالى 8.2 مليارات دولار، ليُعدّ لبنان بهذه النتيجة الأوّل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث قيمة التحويلات الوافدة إليه، متقدّماً على مصر والمغرب والأردن والجزائر. كذلك يبرز في قائمة العشرة الأوائل عالمياً، التي تتصدّرها الهند والصين بـ55 مليار دولار و51 مليار دولار على التوالي. وبلغ عدد المهاجرين اللبنانيّين 664.1 ألف نسمة نهاية عام 2009 (وهو رقم متحفّظ)، ممثّلاً 15.6% من عدد السكّان الإجمالي في لبنان، فيما المعدّل في المنطقة يبلغ 5.3% وفي البلدان النامية إجمالاً 3% فقط. ويؤكّد هذا الوضع اعتماد الاقتصاد اللبناني على الخارج على نحو متزايد، ويُظهر الفجوة الاقتصاديّة الاجتماعيّة المتزايدة. فبحسب التقرير نفسه، يبلغ معدّل الهجرة بين الحائزين شهادات جامعيّة (هجرة العمالة الماهرة أو «هجرة الأدمغة») 38.6%، وهو مقدّر منذ بداية الألفيّة، ومن المتوقّع أن يكون قد ارتفع خلال السنوات الماضية بسبب مجموعة من العوامل السلبيّة التي تخلق حلقة مفرغة تغذّي نفسها. والخطير هو أنّ وضع لبنان هو الأسوأ على هذا الصعيد في المنطقة، حيث يبلغ المعدّل 17% فقط في المغرب التي تليه مباشرة، وبعدها 14.5% في إيران، و12.5% في تونس.
وتدهورت المؤشّرات الاقتصادية الاجتماعيّة، التي يجب أن يكون الإنسان محورها، طوال سنوات بعد الحرب من دون أن تُصاغ أي سياسات اقتصاديّة ـــــ اجتماعيّة مناسبة لمواجهة الانزلاقة. وقد تطرّق وزير الاتصالات شربل نحّاس إلى هذا الوضع الخطير، في ورقته التي قدّمها إلى الحكومة عند مناقشة مشروع موازنة عام 2010، إذ قال إن «لبنان أصبح في وضع شاذ، فهو يتلقى الثروة النقدية ويصدّر ثروته البشرية، مع ما يمثّل ذلك من استنزاف للمكوّن الأساسي للمجتمع اللبناني، أي الإنسان». فالأموال التي تدفّقت إلى البلاد، وتحديداً إلى جهازها المصرفي، أدّت إلى تضخّم الأسعار في القطاعات الحيويّة للعيش والإنتاج، بمعدّل لا يمكن أن يجاريه السواد الأعظم من المقيمين، في ظلّ المستويات السائدة من المداخيل، ما دفع ذوي الدخل المحدود والمهمّشين، بحكم طبيعة النظام، إلى التفكير في مصادر رزق خارجيّة، وبالتالي الاستقرار في الخارج. وهكذا تحوّل النموّ الاقتصادي الذي فاق معدّله عتبة 8% خلال السنوات الثلاث الماضية إلى نموّ «طارد لشريحة واسعة من الشباب اللبناني تجد نفسها مبعدة عن سوق العمل... ومحرومة من خدمات معينة، أهمها السكن، بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار»، بحسب شربل نحّاس. وتعكس النتائج التي يوردها تقرير البنك الدولي، وهو تحديث لنسخة عام 2008، استمرار النمط السلبي القائم في لبنان، وهو عبارة عن حلقة مقفلة تدفع دوماً صوب التهجير وتجعل لبنان في أسوأ المواقع عالمياً، بحسب مؤشّر «ما تقدّمه البلاد إلى شبابها المتعلّم». على أي حال، يشير التقرير إلى أنّ البلدان الأساسيّة التي يقصدها المهاجرون اللبنانيّون هي الولايات المتّحدة وأوستراليا وكندا وألمانيا والسعوديّة، إضافة إلى فرنسا والسويد والبرازيل والمملكة المتّحدة (بريطانيا). واللافت هو ورود الأراضي الفلسطينيّة، أي الضفة الغربية وقطاع غزّة، في قائمة البلدان ـــــ المقصد العشرة الأولى، وقد يعود ذلك إلى العدد الكبير للفلسطينيّين الموجودين في لبنان. ومن هنا يمكن الانتقال إلى المقلب الآخر من قضيّة الهجرة، وهو استقبال المهاجرين والتحويلات العكسيّة. فمثلما هو وضع لبنان على صعيد هجرة أبنائه، يُسجّل مؤشّرات قويّة على صعيد استقبال الأجانب. وعلى هذا الصعيد يتوقّع التقرير بلوغ عدد المهاجرين إلى لبنان 758.2 ألف نسمة في عام 2010، ممثّلاً 17.8% من عدد السكان الإجمالي. واللافت هو أنّ تحويلات هؤلاء إلى الخارج، أي إلى مواطنهم الأصليّة، بلغت 5.749 مليارات دولار في عام 2009، ممثّلة أكثر من 76% من التحويلات الداخلة إلى لبنان في العام نفسه! ويُلاحظ أيضاً أنّ التحويلات الخارجة من لبنان نمت بنسبة 40.87% بين عامي 2003 و2009، أي خلال 6 سنوات فقط، فيما نمت التحويلات الداخلة خلال تلك الفترة بنسبة 59.35%، ما يشير إلى تلازم بين التدفّقات الخارجة والداخلة. كذلك يُدرج التقرير لبنان في قائمة البلدان النامية العشرة الأولى من حيث التحويلات الخارجة. فهو حلّ في المرتبة الثالثة بعد روسيا وماليزيا اللتين حوّل المقيمون الأجانب فيهما 18.6 مليار دولار و6.8 مليارات دولار على التوالي في عام 2009، مقارنة بـ 4.4 مليارات دولار حُوّلت من الصين في العام نفسه، ليحلّ هذا البلد الآسيوي رابعاً بحسب هذا المؤشّر. أمّا في ما يتعلّق بما تمثّله التحويلات الخارجة من الناتج المحلّي الإجمالي، فقد كان وضع لبنان أسوأ، وحلّ في المرتبة الثانية بمعدّل 17%، وراء اللوكسمبورغ بمعدّل 20.1%. إلى ذلك، يجدر التمييز بين تحويلات المغتربين التي عادة ما تكون مخصّصة للأهل (بهدف الإنفاق الاستهلاكي) وشراء العقارات والمنازل أو حتّى للإيداع في المصارف، والاستثمارات الأجنبيّة المباشرة التي تستهدف قطاعات إنتاجيّة. ولا تمثّل هذه الاستثمارات أكثر من 50%، في أحسن الأحوال، من تحويلات المغتربين، على أساس مقارنة القيم المطلقة. (الأخبار)
215 مليوناًعدد المهاجرين حول العالم، أي الأشخاص الذين لا يعيشون في أوطانهم، ما يمثّل 3% من سكّان الأرض، فيما تفوق النسبة 15% في حالة لبنان8%
معدّل اللاجئين وطالبي اللجوء السياسي من إجمالي المهاجرين عالمياً، أي ما يساوي 16.3 مليون نسمة، وفي لبنان معظم المقيمين الأجانب هم من اللاجئين
35.2 مليار دولار
الناتج القومي الإجمالي في لبنان في عام 2009، ويتضمّن هذا الرقم مداخيل غير المقيمين. وتبلغ حصّة الفرد من هذا الناتج 7970 دولاراً
المصدر الأساسي، رغم الأزمة!يتوقّع التقرير أن تكون الولايات المتّحدة البلد الأوّل عالمياً من حيث تدفّق المهاجرين في الفترة بين عامي 2005 و2009، وذلك «على الرغم من الأزمة الماليّة». وعموماً تبقى البلدان المتقدّمة المصدر الأوّل للتحويلات، تتقدّمها الولايات المتّحدة. وفي عام 2010، بلغت القيمة الإجماليّة للتحويلات عالمياً 440.1 مليار دولار، منها 325.5 مليار دولار، أي ما يمثّل حوالى 75%، تلقّتها البلدان النامية، وبينها لبنان.
عدد الاربعاء ١٠ تشرين الثاني ٢٠١٠ |