الرفيق عربي

السفير - جهاد بزيكأنما حين أصيب، غرق عربي العنداري في خجله، قبل أن يغرق في دمه. هذا ضوء لا يحبه الرفيق اليساري ابن اتحاد الشباب الديموقراطي ولا يريده لنفسه، هو الذي يفضل في العادة البقاء خلف قضاياه الكثيرة، لا أمامها.وهو حين يصل إلى الشريط الشائك، فلأنّ من عادته أن يكون جنب رفاقه الذين شاؤوا أم ابوا، سيبقون عاجزين عن تحريره من شعوره العميق بالمسؤولية عن سلامتهم الجسدية، وعن نقاء قلوبهم.كما أنه لن يجيد الفرجة من بعيد. هو، عند الشريط، سيكون مشغولاً بهموم عديدة: ملآن بحماسة الاقتراب حد الالتصاق بقضيته الأولى، وخائفاً على الناس من حوله، ومفكراً في الطريقة الأفضل لتسجيل انتصار ولو معنوي على البندقية العدوّة، ومتفائلاً، على عادته الدائمة، حتى يكاد لا يخسر ابتسامته بينما الرصاصة تخترق كاحله.نجا الرفيق عربي من الموت. هو الآن ممدد في المستشفى في استراحة قسرية لناشط سياسي أقرب إلى الحالة النادرة. مريضٌ بالتفاؤل الدائم، ولا أمل بشفائه من هذا المرض، هو الذي نذر نفسه لأن يعدي الناس بمصابه الجميل. عربي المحظوظ بكل الشغف الذي فيه، يمضي به من فكرة إلى فكرة، ومن تحرك إلى تحرك، ويجعله يلف لبنان مشياً، من أجل أحلامه الكبيرة لبلد عادل لا تلتهم فيه الطوائف والطائفية حاضر أبنائه ومستقبلهم. وطنٌ يختاره ناسه ولا يفرض عليهم. لبنان بلا كل أسباب تكرار حروبه الأهلية. هذه الأسباب التي كأنما وضعها عربي في لائحة بلا نهاية، ومشى إلى معاركه كلها، محاطاً برفاقه، ممسوساً بفهم متقدم لمعنى الديموقراطية في العمل السياسي، مقدماً الغاية النبيلة للتحرك على مصلحة «اتحاد الشباب» نفسه، محاوراً الجميع، بدءاً من نفسه، سائلاً طوال الوقت، ومصغياً ومتعطشاً إلى النقد.سيكون ورفاقه، دوماً حيث يجب أن يكونوا، وحيدين، وقلّة في تحركاتهم العنيدة من أجل مطالبهم المحقة، يشبهون صوتاً داخلياً مصراً في ذهن بلد لا يريد الاستماع إليه. يخطئون إذ يسقطون أحياناً في الاستسهال وفي الخفة، غير أنهم يحاولون، واثقين على الاقل بأنهم لا يضمرون عكس ما يهتفون.ويفرحون حين يجدون أنفسهم ذابوا بين كثرة تظاهرت ضد النظام الطائفي. كثرة ليست بالضرورة حمراء مثلهم، ولا مؤدلجة مثلهم، لكنها تلتقي معهم في ما يشاؤون لبلدهم أن يصل. افتخروا، ولم يتفاخروا.وهو، ورفاقه، لن يحتاجوا قط إلى دليل يمضي بهم صوب مارون الراس. تلك طريق يعرفونها، وتلك حدود يحفظون معناها. وهناك، إذا سقط عربي العنداري جريحاً، فلن يدعي بطولة. هذه بديهة عنده. ليست للحظة بديهة عامة.إصابته ليست بطولة، كما أن نجاته من الموت هي بحت صدفة حسنة. لعربي قيمة أخرى لا يفعل جرحه إلا التذكير بها: عربي سياسي لبناني شاب، يخوض تجربة مختلفة، المثالية فيها ليست عيباً، والصدق ليس بلاهة، والديموقراطية ليست مجرد خرافة أخرى. تجربة يحتاج فيها عربي إلى الحوار لا إلى التزلف، وإلى الافراد لا الى الطائفة، وإلى الاختلاف لا إلى التنبؤ بما يدور في ذهن الزعيم. وإلى الاحلام... لا إلى التمرن على كيفية توضيب الافكار في الصناديق.تجربة يكون فيها الرفيق عربي حقيقياً، إذ يسقط في حيائه، حين يسقط في دمه.

آخر تعديل على Friday, 17 February 2012 08:59

الأكثر قراءة