وسيم ابراهيم - السفير
قاطعت هتافات الحشد أليكسيس تسيبراس وهو يوشك على إنهاء خطابه. وكان تسرّب وراءه من جانب المنصة شاب نحيل بشعر مربوط إلى الخلف. في الأصل كان يوماً عاطفياً لأنصار حزب «سيريزا»، فهم يسمعون زعيمه لآخر مرة في العاصمة قبل الحسم الانتخابي يوم غد الأحد. يتحضّرون للنصر، ويحشدون له. لكنّ المقبل الجديد عزيز على قلوبهم أيضاً. أخذه تسيبراس بالأحضان، ولوّحا معاً للجمهور المبتهِج. قاده إلى المنبر لتحية الناس وقول شيء لهم. لكن الأغنية التي تعلو من المكبرات فرضت نفسها، إذ كان المغنّي يقول حينئذٍ «... ثم نأخذ برلين». ضحك تسيبراس، ثم تقدّم قليلاً وصار يصفق للناس مع إيقاع الأغنية. لحظة ـ وتصمت الموسيقى، فيهمّ الضيف بالكلام. حشد أنصار «سيريزا» يعرفه بالطبع. إنه بابلو إيغليسياس (1978)، الذي يصغر تسيبراس بأربعة أعوام، ويتزعم حزب «بوديموس» الإسباني. كلاهما من معسكر «اليسار الراديكالي»، وصعدا من قلب الاحتجاجات الشعبية ضد سياسات التقشف. في حين تؤكد الاستطلاعات فوز «سيريزا» في اليونان، فهي تضع أيضاً «بوديموس» في صدارة الأحزاب الإسبانية، برغم أنه تشكل قبل أقلّ من عام. اليونانيون يحفظون شعاراً ابتكره أنصار الحزب الاسباني ابتهاجاً بأخوّة أحزاب ولدت من همومهم. لم يتمكن إيغليسياس من الكلام، فصوت المحتشدين علا بالشعار: «سيريزا بوديموس فين سي ريموس»، مقلّدين تقطيع الإسبان الكلمة الأخيرة لصنع الإيقاع في الهتاف (فينسيريموس بمعنى سننتصر). «شكراً لكم»، قال إيغليسياس ردّاً على تحية الجمهور، مكمّلاً وهو يبتسم: «أولاً نأخذ منهاتن، ثم نأخذ برلين». يشتعل التصفيق والهتاف من جديد. هنا أوروبا أخرى، تلك التي تحلم الآن. هذا المشهد رآه الملايين حول القارة، خصوصاً في دول الجنوب الأوروبي المأزوم، في إسبانيا والبرتغال وإيطاليا. هناك أيضاً أرهقتهم سياسات التقشف، وجعلت أكثر من نصف الشباب الإسباني واليوناني عاطلاً عن العمل. بهذه الإحصاءات التعيسة يسجلون أرقاماً قياسية وغير مسبوقة. في بروكسل، راقب صناع القرار الأوروبي المشهد بامتعاض. فألمانيا ليست سعيدة أبداً بخيار اليونانيين. «سيريزا» يرفع شعار الخروج من سياسات التقشف المفروضة، والالتفات لحل الأزمة الاجتماعية عبر «إعادة بناء الأمل». الانطلاق من توفير فرص للشباب، استعادة دور الدولة في الرعاية الاجتماعية، ومساعدة مئات العائلات الفقيرة التي تضررت بشدة. حكومة برلين حذرت علناً بأنها لن تقبل أو تتسامح مع برنامج سياسي كهذا، لكنها تراجعت إلى الصمت لأن كلامها أتى بأثر عكسي. التحذيرات لم ترفع شعبية حزب «الديموقراطية الجديدة»، من عائلة «المسيحيين الديموقراطيين»، وهو حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بل زادت غضب اليونانيين ليدعموا أكثر خصمه. آخر الاستطلاعات واصلت إعطاء «سيريزا» الصدارة، مع 32.5 في المئة، متقدّماً بفارق خمس نقاط على «الديموقراطية الجديدة» الذي شكّل الحكومة المنتهية ولايتها. السؤال الذي يتردّد الآن لم يعُد إن كان «سيريزا» سيفوز، بل بأيّ نسبة وفارق عن خصمه. يحث تسيبراس اليونانيين على التصويت بزخم، علّ المفاجأة تكون أكبر بما أن هناك أكثر من 7 في المئة من الناخبين لم يحسموا أمرهم. إذا فاز حزبه بنسبة 38 في المئة، فيمكنه قيادة الحكومة وحده (يعطيه ذلك 151 مقعداً في برلمان يضم 300 عضو)، من دون الحاجة إلى تشكيل ائتلاف مع حزب آخر. لكن مَن عرضوا الائتلاف مسبقاً هم أحزاب عدة. هذا ما فعله حزب «بوتامي»، الذي يعارض برنامج الإنقاذ وجعلته الاستطلاعات ثالثاً مع 6 في المئة، وهناك «الحزب الشيوعي» الذي يتوقع أن يعزز موقعه مع 5 في المئة. رئيس الوزراء الحالي أنطونيو سامراس يقود حملة حزب «الديموقراطية الجديدة»، ويسوق للجمهور أن التزامه بشروط الدائنين الدوليين بدأ يؤتي ثماراً تحتاج وقتاً كي تنعكس على وضع الناس. من سخرية الأقدار التي تعكس عمق أزمة اليونان، أن زعماء حزب «الفجر الذهبي» (النازييون الجدد) يديرون حملتهم من خلف قضبان السجن. صعد حزبهم أيضاً في السنوات الأخيرة، وحصل على عشرة في المئة في الانتخابات الأوروبية السنة الماضية. قادته ما زالوا يحاكمون بتهمة تشكيل «عصابة إجرامية»، بعد مجموعة حوادث قتل اتهم بها أنصار الحزب. وبرغم انخفاض شعبيتهم، لا تزال الاستطلاعات تعطيهم فرصة للمنافسة على المركز الثالث. كل أنظار أوروبا موجهة الآن إلى «سيريزا»، فانتصاره يجعله أول حزب يصل إلى الحكم في التكتل الأوروبي حاملاً سخط الشعب. شقيقه «بوديموس» سيكون نهاية العام على موعد أيضاً مع حسم انتخابي. هكذا يتعمّق الشرخ بين جنوب أوروبا، وشمالها الذي يشهد اتجاهاً معاكساً مع صعود أحزاب اليمين المتطرف. إنها «لحظة تاريخية» لليسار الأوروبي، كما تقول زعيمة تكتله في البرلمان الأوروبي، النائبة الألمانية غابي زيمار. كانت قبل أيام تشهد بنفسها التغيّر الذي تعيشه شوارع اليونان. خلال حديثها إلى «السفير»، تقول زيمار إن «الأزمة الإنسانية التي تعيشها اليونان عميقة جداً، لذلك سيكون فوز سيريزا لحظة مهمة للتغيير في أوروبا، وهذا يمكنه أن يفتح الباب لسياسة بديلة عن التقشف، ولليسار البديل وللقوى التقدمية». وبالنظر إلى النجاح الذي يحققه «سيريزا»، تقول زيمار إن اليسار الأوروبي يمكنه التعلم منه: «داعمو سيريزا في اليونان ليسوا فقط أنصار اليسار الراديكالي، بل حلف واسع من الناس على الأرض. هذا ما يجب أن نتعلّمه من سيريزا، أن النضال لا يكون فقط على جبهة الأيديولوجيا بل عبر الاندماج بالناس». حينما كانت «السفير» تتجوّل في أثينا قبل أيام لاستطلاع مزاج الشارع، قابلت من يعتبرون تسيبراس غير واقعي. بعض أنصاره لم يكونوا ينزعجون من الوصف، لكن يصححونه «إنّه حالم أكثر مما هو سياسي». يمكن لذلك أن يكون انتقاداً، لكنّ الشاب الذي قاله كان معجباً، «أنا نفسي شخص حالم. ليس بالضرورة أن يُصاب الحالمون بالخيبة، يمكنهم أن ينتصروا أحياناً». حينما صعد ايغليسياس لعناق تسيبراس على منصة أثينا، كان الحشد يلوّح بلافتات كتب عليها: «تغيير اليونان، تغيير أوروبا». أما الأغنية التي تصدح، فكانت للمغنيّ الشهير والشاعر الكندي ليونارد كوين. روحها تحمل طاقة حلم جبّار، ممتلئ بتصميم صاحبه. تقول مقدّمتها الهادئة التي تصدح بالجملة الأخيرة: «حكموا عليّ بعشرين سنة من الضجر، لمحاولتي تغيير النظام من الداخل. أنا آتٍ الآن. آتٍ كي أكافئهم. أولاً نأخذ منهاتن.. ثم نأخذ برلين».
عشية انتخابات رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي المقررة غداً الأحد، كشفت «أحزاب السلطة» عن نياتها الحقيقية: المطلوب رأس حنّا غريب ـ رأس الرابطة التي شكّلت العمود الأساسي لقيام هيئة التنسيق النقابية والمحرّك الأهم في نضالات السنوات الثلاث الماضية، من أجل تصحيح الأجور وإصلاح النظام الضريبي، في مواجهة قاسية مع تكتلات المصالح في الدولة والتجارة والعقارات والمصارف.
فاتن الحاج - الاخبار
قرر «ائتلاف الأحزاب في السلطة» أن رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي لا يمكن أن تبقى استثناءً، وبالتالي، عليها أن تخضع للمحاصصة التوافقية، كغيرها من مؤسسات الدولة والإدارات والهيئات والنقابات... حتى ولو جاء ذلك على حساب مصالح الأساتذة وموقعهم الوظيفي والنقابي. هذا ما كشفته مطالب ممثلي هذه الأحزاب في المفاوضات الجارية منذ مدّة لوضع «لائحة توافقية» في انتخابات الهيئة الإدارية للرابطة يوم غد الأحد. فهم يطالبون بتحاصص كل المقاعد الـ18 في الهيئة، بما فيها المخصصة ظاهرياً للمستقلين، ويطالبون أيضاً بإزاحة حنّا غريب عن رئاسة الرابطة بحجّة عدم توافر «الإجماع»! لم يكشف هؤلاء نياتهم إلا بعد إنجاز انتخابات المندوبين (الهيئة الناخبة) وضمان عدم تأثّرها بهذه المطالب «السافرة». قاعدة الأساتذة (الحزبية وغير الحزبية) تنظر إلى رئيس الرابطة الحالي بوصفه «بطلها» الذي قاتل بشجاعة أو «صوتها» الذي رفعته في وجه «حيتان المال».
لا شك أن دعوتها مباشرة لخوض معركة ضد «رمزها» سيكون فعلاً غبياً. لذلك جمع كل حزب ما يستطيع من مندوبين «ملتزمين» وبما يكفي لفرض لائحة ائتلافية تضمن «التحكّم والسيطرة». لا يجاهر أي حزب أو حركة أو تيار بأنه يريد رئاسة الرابطة ضمن حصّته، لكنهم يجاهرون بأن حنا غريب ليس مرشحهم. البعض يعارضه والبعض الآخر يتذرّع بالحاجة إلى إجماع «الائتلاف»، وهذا ما حرّك أساتذة ناشطين للدفع باتجاه إعلان لائحة منافسة يقودها غريب نفسه. بانتظار ذلك، سيكون على أساتذة التعليم الثانوي، الذين خاضوا نضالات كبيرة وحققوا مكاسب كثيرة، أن يبرهنوا عن وعيهم لمصالحهم وحرصهم على عدم تدمير الآمال التي بنيت عليهم لإنشاء مركز ثقل نقابي مستقل يعوّض عن تدجين الاتحاد العمالي العام. فتحت عناوين التمثيل الحزبي والطائفي، تخاض المعركة لإطاحة حنا غريب، لا كشخص، بل بما يمثله من رمزية لعمل نقابي متحرر من القيود السياسية وعابر للاصطفافات المذهبية والطائفية، ولكونه يقارب المسألة المطلبية في إطار دينامية بناء دولة الرعاية الاجتماعية وفلسفة الحقوق، وليس في سياق ثقافة المكرمات. ما يحدث في كواليس المفاوضات يعكس بوضوح هذه النيات للانقضاض على أي دور للرابطة في إحياء الحركة النقابية، يطغى توزيع الحصص على أي كلام آخر. ليس لدى الأحزاب أي تصور لبرنامج عمل للمرحلة المقبلة. الصيغ المطروحة لما يسمونه «التوافق» لا تعدو كونها محاصصة بين الأحزاب. وفي التفاصيل، قدم اقتراح، في لقاء عقد أول من أمس في مقر التيار الوطني الحر، بأن تتمثل الأحزاب وفقاً لكتل تصويتها، بمعدّل مقعدين لكل من حركة أمل، حزب الله، التيار الوطني الحر، تيار المستقبل والحزب الشيوعي، وبمعدل مقعد واحد لكل من الحزب التقدمي الاشتراكي، حزب القوات، تيار المردة، والحزب السوري القومي الاجتماعي، على أن يبقى أربعة مقاعد للمستقلين تسميها الأحزاب الكبيرة. إلّا أن غريب أصرّ على زيادة حصة المستقلين إلى 10 مقاعد وأن يكون هؤلاء من غير الحزبيين. هكذا لم يفض اللقاء الذي امتد أكثر من 6 ساعات إلى اتفاق.
كذلك فشلت المفاوضات في اللقاء الذي عقد مساء أمس في مقر التيار الوطني الحر في الوصول إلى توافق على رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي، بسبب إصرار أحزاب السلطة على المحاصصة الحزبية وعلى عدم تمثيل صحيح للنقابيين المستقلين وضرب القرار النقابي، بما في ذلك إزاحة النقابي حنا غريب من رئاسة الرابطة، وإن قالت إنها حجزت له مكاناً في اللائحة التي شكلتها وطرحت مرشحاً للتيار الوطني الحر لرئاستها. أدى ذلك إلى انسحاب الحزب الشيوعي من المفاوضات وأعلن أن أي لائحة تصدر عن هذه الأحزاب لا تعنيه وسيعمل على تشكيل لائحة تضمه إلى النقابيين المستقلين لمنع محاولة مصادرة قرار الرابطة. الرهان، برأي حسن مظلوم، هو «أن يعي الأساتذة مصلحتهم وأن يدركوا أن الرابطة ليست مجرد إطار لتحقيق مكاسب سلطوية». الأمر يتطلب، كما يقول، المواجهة و»أن لا نكون شهود زور على تصفية هذه الأداة النقابية وأخذها إلى غير مكانها الحقيقي، أي الدفاع عن حقوق الناس». ويسأل: «ما هو برنامج القوى الحزبية وكيف ستقنعنا بأنّها ستدافع عن حقوقنا في المرحلة المقبلة، فيما تجربة السنوات الثلاث ماثلة أمامنا حيث كانوا يضغطون علينا لعدم التعبئة للتحركات في الشارع بحجة أن الزعيم الفلاني وعد بحلول قريبة؟». الخطير في المفاوضات، كما تقول بهية بعلبكي، «هو عدم اعتراف الأحزاب بوجود أساتذة ثانويين لا يدورون في فلكها وإصرارها على احتكار تسمية النقابيين». وإذا شهد التحرك السابق دوراً مميزاً للنقابيين الحزبيين، فإنّ هؤلاء لم يستطيعوا، بحسب بعلبكي، أن يفتحوا ثغرة في جدار أحزابهم، ما يؤكد صوابية رأينا بأن «الأحزاب لا تأخذ رأيها من القاعدة»، وبالتالي إن «تأييدنا لبقاء حنا غريب يندرج في إطار أنّه قائد نقابي استطاع أن يشكل ضمانة لعدم انزلاق الرابطة إلى ما يسمى اتحاد عمالي ثانٍ». تقول سهام أنطون إنها ضد الأسماء الثابتة ومع ضخ دماء جديدة في الهيئة الإدارية عبر انتخاب نقابيين شباب، إلا أنها ترى أن «بقاء غريب على رأس الرابطة يصبّ في خانة مواصلة معركة لم تنته أثبت خلالها أنّه شخصية مستقلة لا تباع ولا تشترى، ولا تنكسر ولا تمشي على الريموت كونترول». تلوم أنطون الأساتذة الثانويين أنفسهم، إذ إنّ «الخلل بدأ من انتخابات المندوبين عندما لم يختر هؤلاء ممثلين نقابيين يحملون الهمّ النقابي، وبالتالي كان يمكن أن نتوقع الوصول إلى هذه النتيجة». تسأل: «هل سعينا إلى انتزاع قرارنا النقابي المستقل، أم أننا دفنّا رأسنا في الرمل وسمحنا للأحزاب الطائفية بأن تمثلنا؟». تستغرب أنطون «كيف تجرؤ القوى الحزبية في الرابطة على تناتش الحصص، وهي لم تستطع أن تنتزع وعداً أو موقفاً واحداً من أحزابها بحماية مكتسباتنا التاريخية، بل شهدنا في مرحلة من المراحل مواجهات داخل الرابطة أكثر من المواجهة مع السلطة السياسية». يرى فيصل زيود أن المطلوب من الرئيس الجديد أن يملك خطة عمل، وأن يكون نقابياً لكل الناس ليبقى التعليم الثانوي قطاعاً فاعلاً ومنتجاً وتبقى الرابطة عصية على التدجين، ويجب رفع الصوت عالياً وفرض تركيبة جديدة تمثل الجميع من منطلق نقابي صرف للمستقلين والحزبيين. المسألة لدى يوسف كلوت ليست مَن يكون الرئيس، بل إن الوضع النقابي في التعليم الثانوي الرسمي لم يعد يسمح بإمكان المبادرة والمناورة النقابية الفعَّالة كما كان، فما جرى بشأن الإفادات التي أُعطيت وشُرِّعت بالإجماع ليس عابراً! وليس عابراً أيضاً القول إنه إذا حصل الإضراب لعشرة أيام تُلغى الامتحانات الرسمية، لأنه يُؤشِّر إلى أن القرار قد اتُّخذ بمنع أي تحرك مؤثر وفعّال، بعدما أُمسك الوضع من الداخل أفقياً وعمودياً، كما هي الحال في الاتحاد العمالي العام، وهو إمساك ربما أُريد له كما يبدو أن يظهر ديمقراطياً ومموهاً ومجمّلاً. أي تسوية لسيطرة أحزاب السلطة على الهيئة الإدارية للرابطة ستؤدي، كما يقول صادق الحجيري، إلى التبعية الحتمية مثل تبعية الاتحاد العمالي العام، «وعندها على العمل النقابي السلام». وبما أن المكاتب التربوية الحزبية ﻻ تعترف بوجود مستقلين، فالرد، برأيه، يكون بعدم انتخاب أيٍّ من أتباع أحزاب السلطة وعدم الانجرار وراء العواطف والميول الطائفية والمذهبية. «قوی التحالف السلطوي المالي» بحسب تسمية محمود المولى، تعمّم منطق المحاصصة تحت عناوين التمثيل الحزبي والطائفي، سائلاً المندوبين: «من عطّل إقرار مطالب المعلمين أو استبدلها بالسلسلة المسخ التي لم تقر؟ أليست زعامات أحزاب السلطة؟». يقول مازن جبري: «نريد نقابيين غير ممسكوين من أحزابهم»، لافتاً إلى أن الأحزاب تصوّب البنادق باتجاه المستقلين لأنهم يشكلون خطراً عليها ولا يمشون بقراراتها الإسقاطية. ويرى جورج شاهين أن ما يحصل يصبّ في خانة تحويل رابطة أساتذة التعليم الثانوي إلى مجرد مجلس حزبي غب الطلب، إذ يريدون رئيساً للرابطة أسوأ من غسان غصن، مشيراً إلى أنّ «مثل هذه الرابطة لا تمثلنا إطلاقاً، وعلى الأساتذة تحمل مسؤولياتهم في عدم إيصال مندوبين مرتهنين لأحزاب السلطة وأربابها».
تشير بيانات السفارة القبرصية إلى إجراء أكثر من 800 عقد زواج مدني للبنانيين ولبنانيات في قبرص عام 2011، فيما تعقد في لبنان عشرات الزيجات المدنية المعلّقة على قرار وزير «لا يشجّع» الزواج المدني بما أن قبرص ليست بعيدة، حسبما قال. المشاكل الناجمة عن قوانين الأحوال الشخصية الطائفية تتراكم، والأحكام الصادرة عن المحاكم الطائفية أصبحت ظالمة، ما يستدعي إصلاحاً فعلياً لهذه القوانين وإقرار قانون مدني للاحوال الشخصية للذين ما زالوا يتأملون فرحاً لهذا البلد
يفا الشوفي- الاخبار
اقترنت دينا بزوجها عندما كانت في الثانية والعشرين في المحكمة الجعفرية وأنجبا طفلة. وقعت مشاكل كثيرة بينهما دفعت بدينا إلى اتخاذ قرار الطلاق، إلا أنها لم تستطع. على الزوج أن يوافق على تطليقها، من هنا بدأت عملية الابتزاز والتهديد. قدّمت نسرين تقريراً الى المحكمة يوثق الإصابات البدنية التي لحقت بها نتيجة ضرب زوجها لها.
هددها بإلقائها من الشرفة والزعم أنها انتحرت. لا تزال المحكمة ترفض منحها البطلان.
تحملت ميشيل الضرب لسنوات كي لا تفقد حضانة أولادها. عندما تقدمت بدعوى حل زواج أمام المحكمة الإنجيلية رُفض طلبها. حل الزواج لا يتم إلا إذا ثبت أن الطرف الآخر شرع في قتل المدعي. رفض القاضي تطليق نور (سنية) لأن «الضرب لم يتجاوز صفعة أو اثنتين» وللزوج الحق في إرغام زوجته على المعاشرة الجنسية. كل هذا الوجع الحاصل خلف جدران البيوت يبقى صامتاً، ليصدح بالمقابل صوت الوحوش عالياً في وجه المقهورين. فمنذ خمسة أيام أطل وزير الداخلية نهاد المشنوق ليعلن أن قبرص ليست بعيدة لمن يرغبون في الزواج مدنياً. هكذا قرر أن يصدر وزير الداخلية فتوى يقطع فيها الفرص أمام الحالمين بدولة مدنية تنتشلهم من هذا القهر. مشى الوزير على خطى المفتي محمد رشيد قباني الذي أخبرنا منذ سنتين بالتمام أن كل من يوافق على الزواج المدني ولو اختيارياً هو مرتدّ وخارج عن الدين. فيما أطلق أحد «الجهابذة» في إحدى المحاكم نظرية قالها حرفياً: «بسبب التغييرات الهرمونية المصاحبة للدورة الشهرية، يتعذر على النساء القيام بالاختيار الصحيح، فكيف إذا منحهن حق الطلاق؟!».
يدرك المطالبون بالزواج المدني أن معركة القوانين المدنية هي أشرس المعارك التي يخوضونها في وجه هذا النظام الذي يشكّل حكم الطوائف جزءاً أساسياً من تركبيته، وقد يكون أمتنها. فثالوث السلطة المؤلف من رجال السياسة والمال والدين يُدرك جيداً كيف يحكم السيطرة على «الناس» ويمنعهم من التحوّل إلى «مواطنين». بالأمس أصدرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» تقريراً بعنوان «لا حماية ولا مساواة: حقوق المرأة في قوانين الأحوال الشخصية اللبنانية». قامت المنظمة بتحليل 447 حكماً قضائياً حديثاً أصدرتها محاكم دينية تنظر في قضايا الطلاق والحضانة والنفقة بين عامي 2009 و2012. تضيء هذه الأحكام على قوانين الأحوال الشخصية الطائفية المتعددة والتي يبلغ عددها 15 قانوناً، ويغيب عنها القانون المدني. قد تختلف هذه القوانين في تفاصيلها، لكنها جميعها «تنصب الحواجز أمام النساء أكثر من الرجال الراغبين في إنهاء زواجهم، بدء إجراءات الطلاق، ضمان حقوقهن المتعلقة بالأطفال بعد الطلاق أو تأمين حقوقهن المالية من زوج سابق». كما تنتهك حقوق الأطفال ولا سيما أخذ مصالحهم الفضلى في الاعتبار في أي قرارات قضائية تتعلق بمصيرهم.
يرسم التقرير الخطوط العريضة لأربع إشكاليات تنتقص من حقوق المرأة بشكل خاص بفعل تطبيق هذه القوانين وذلك من زاوية: انعدام المساواة في الطلاق، المعادلة غير المتساوية بين حضانة الأم وولاية الأب، التهميش الاقتصادي وقصور أوجه الحماية من العنف الأسري. فمن بين 150 حكماً صادراً في دعاوى الطلاق أمام المحاكم السنية والجعفرية، هناك 3 أحكام فقط صدرت بناء على استعمال الزوجة حقها بالعصمة (أي بالطلاق بعد إدراجه كشرط في عقد الزواج)، فيما لم تبادر أي من السيدات اللواتي قابلتهن المنظمة إلى إدراج هذا الشرط في عقود زواجهن. كذلك كشفت الأحكام أنه من بين 27 حكماً أصدرتها محاكم سنية لمنح الحضانة للأب، التزم القاضي تلقائياً بسن حضانة الأم في 15 قضية. وفي 9 قضايا أسقط حضانة الأم قبل السن المقررة قانونياً لأسباب مثل الانتماء الديني المختلف، غياب التنشئة الدينية السليمة، الزواج مرة أخرى والسلوكيات الاجتماعية «المشبوهة». وقد بلغ متوسط النفقة المحكوم بها أمام المحاكم السنية والجعفرية في 38 قضية 300 ألف ليرة شهرياً، ويبرر القضاة هذا التدني بقيمة النفقة بالاقتصاد المنهار وانخفاض الحد الأدنى للأجور. إضافة إلى ذلك، أمر القاضي الزوجة في 23 حكماً من أصل 40 حكماً صادراً في قضايا طاعة ومساكنة، بالعودة إلى المنزل وإلا فقدت حقوقها المالية، وفي 21 منها أمر الزوجة بمساكنة زوجها حتى حينما قررت أنها لا تريد مواصلة الزواج. يستعرض التقرير عدداً كبيراً من الأحكام التي تثبت التمييز الحاصل في هذه القوانين ضد المرأة، إلا أنه لا يتطرق إلى جوهر الموضوع الذي يجب الإضاءة عليه باستمرار. عندما نتحدث عن التمييز في قوانين الأحوال الشخصية ضد المرأة، علينا الانتباه الى أمرين: أولاً أن فعل التمييز هو ثقافة يبنيها النظام ويعتمدها بشكل دائم بوجه المرأة، السوريين، الفقراء، العمال… ثانياً أن استهداف المرأة هنا لا يتعلّق بجنسها أو بكونها امرأة، إنما باعتبارها فئة ضعيفة ومقهورة. لا يتوقف التقرير عند طرح حل وحيد هو إقرار قانون مدني اختياري للأحوال الشخصية، إنما يضع توصيات تتعلق بتعديل وإصلاح قوانين الأحوال الشخصية الدينية والمحاكم الطائفية القائمة وممارسة رقابة عليها لضمان امتثالها للالتزامات الحقوقية. فإقرار قانون مدني بموازاة القوانين الطائفية لن يقضي على أشكال التمييز. في حال إقرارنا قانوناً مدنياً اختيارياً، ماذا نفعل بالذين يرغبون في الزواج دينياً؟ هل نترك هذه الفئة المظلومة تخضع لقوانين جائرة؟ هنا روح الموضوع، لماذا نتحدث عن إصلاح القوانين الدينية أيضاً؟ لأن المعركة ليست مع الدين كونه ديناً، إنما ضد استخدام الدين من قبل النظام كأداة لقهر الفئات المهمشة. معركة تقوم على التصدي للقهر الاجتماعي الذي تتعرض له الفئات الضعيفة، سواء كانت مؤمنة أو ملحدة. فالتطرف الديني المنتشر هو وليد القهر الممارس على الفئات المهمشة مجتمعياً، وقوانين الأحوال الشخصية إحدى هذه الوسائل، وهذا القهر لا يلغى إلا بإحقاق العدالة الاجتماعية والمساواة وحقوق الأفراد.
أصدقاء كوبا في لبنان يتشروفون بدعوتكم لحضور حفل الإستقبال بمناسبة الذكرى 56 لإنتصار الثورة الكوبية وتحريرالأبطال الخمسة من السجون الأميركية المكان: قصر الأونسكو - بيروت الزمان : الإثنين الواقع في 26 كانون الثاني 2015 الساعة السادسة مساءً
وسط اجراءات امنية مشددة، نفذت حملة اقفال مطمر الناعمة اعتصاماً تحذيرياً، اول من امس، لم يستمر اكثر من ثلاث ساعات، معلنة اعتصاماً ثانياً في المكان نفسه في ٣١ الجاري، ومؤكدة انها ستتابع عن كثب مسار تنفيذ خطة الحكومة باقفال المطمر بعد ستة اشهر
بسام القنطار - الاخبار
اختارت شركة سوكومي ان توقف تدفق الشاحنات المحملة بالنفايات والمعدة للطمر في مطمر الناعمة – عين درافيل طيلة فترة الاعتصام، الذي دعت اليه حملة اقفال مطمر الناعمة، والذي استمر قرابة ثلاث ساعات، أول من امس. “التعليمات للقوى الامنية كانت واضحة من وزارة الداخلية بمنع اي تعرض للشاحنات او محاولة لقطع الطريق ووقف دخولها الى المطمر، لكن الشركة فضلت عدم استفزاز المعتصمين»، يقول أحد المشرفين على اعمال الطمر في الناعمة.
قبل يومين على اعلان موعد الاعتصام انتشرت قوى مكافحة الشغب امام مدخل المطمر، ونفذت سرية من الجيش اللبناني دوريات عدة في محيط المنطقة، كانت الرسالة الامنية شديدة الوضوح بمنع اي محاولة لاغلاق طريق المطمر الذي يستقبل يومياً نفايات اكثر من ٣٥٠ بلدية وقرية في محافظتي بيروت وجبل لبنان. منذ الساعة الحادية عشرة صباحاً تجمع المعتصمون عند الاوتوستراد الدولي في الناعمة وسلكوا الطريق المؤدية الى المطمر في مسيرة راجلة حاملين الاعلام اللبنانية ولافتات تندد بقرار الحكومة تمديد العمل بالمطمر ستة اشهر.
دعت الحملة الى اعتصام في المكان نفسه في 31 من الشهر الحالي اجراءات القوى الامنية، وحملة ازالة المخالفات على طول الطريق من الشويفات الى خلدة، اخرتا وصول العديد من الوفود من مختلف القرى المحيطة بالمطمر، التي قررت الاعتصام برغم قرار البلديات والاحزاب عدم الاعتصام واعطاء الحكومة مهلة اضافية لتنفيذ وعدها باغلاق المطمر. ومع اكتمال نصاب المشاركين عند الساعة الثانية بعد الظهر اتضح المشهد اكثر، كان هناك فريقان من المعتصمين، الاول يرغب باغلاق الطريق واعلان اعتصام مفتوح، والثاني يريد ايصال رسالة احتجاج قصيرة وسريعة ليعود ادراجه. غالبية هؤلاء من قرى عبيه وعرمون وبعورته اضافة الى نشطاء من الحركة البيئية اللبنانية، وكان واضحاً عدم مشاركة اي وفد من بلدة الناعمة التي اختارت بلديتها اقامة اعتصام في البلدة بدل المشاركة في الاعتصام. قال الناشط أجود العياش: «اليوم عدنا رغم كل التهويل ورغم كل ما قالته الأحزاب ورؤساء البلديات عن ان المجتمع المدني وافق على التمديد». عدنا لنقول: «نحن المجتمع المدني ولا أحد يمكنه ان يصادر قرارنا. ونحن نستحق الحياة ولن نموت خنوعا او اذلالا، بل سنموت واقفين، فهذا المطمر يقتلنا في غرف نومنا، ومن المعيب بحقكم ان تعقدوا الصفقات على ظهورنا». ثم تحدث رئيس الحركة البيئية بول ابي راشد فقال: «سيعاني كل اللبنانيين ما عاناه اهالي الشحار طيلة 17 عاما، لان الاثنين الماضي صدر قرار بانشاء مطامر ومحارق في كل لبنان». وطالب عضو حملة اقفال مطمر الناعمة زياد المهتار «الحكومة بتنفيذ عقد الطمر بحرفيته وطمر العوادم فقط في مدة الثلاثة اشهر المزعومة المقبلة». واقترح اللجوء الى «مجلس شورى الدولة في حال المماطلة والتأجيل». من جهته، قال الشيخ منير الحلبي موجها كلامه إلى النائبين وليد جنبلاط وطلال ارسلان: «سوف نكارمكما وننتظر ستة اشهر، وبعد ذلك اما ان نعيش فوق الارض بكرامتنا، واما أن نكون تحت الارض بكرامتنا». وفي نهاية الاعتصام، دعت الحملة الى اعتصام في المكان نفسه في 31 من الشهر الحالي، محذرة الحكومة من التملص والتاخير في تنفيذ قرار اقفال المطمر في موعده
ابراهيم الأمين - الاخبار
حسابات من نوع خاص جعلت قيادة العدو تتخذ قراراً بتنفيذ جريمة أمس. لجوء إسرائيل الى عمل عدواني موصوف، بطريقة مباشرة، وضد هدف واضح أنه رُصد من قبل، وفيه كوادر من المقاومة الاسلامية يتحركون في منطقة القنيطرة، حيث التورط الإسرائيلي المباشر في الازمة السورية، عمل لا يقوم على انفعال، ولا على حسابات تفصيلية صغيرة. بل هو عمل يستدعي الهدوء والتفكير بعيداً عن الانفعال، لأن الردّ، الآتي حتماً، يجب أن يتناسب والهدف الذي أراد العدو تحقيقه من وراء هذه العملية.
كان لجمهور المقاومة موعد خاص، قبل أيام، مع السيد حسن نصرالله. وهو أكد، باختصار، أولوية الصراع مع العدو، وأشار الى تدخل العدو في سوريا. يجيد السيد نصر الله الحرب النفسية. لكن الله وحده يعلم ما إذا كان يخطط لكل كلمة يقولها، أم أن طريقة عرضه للمعطيات تجعل كلامه يصيب أكثر من هدف. أيّاً يكن الأمر، فالنتيجة أن ما يقوله يتحول أمراً واقعاً لا شك فيه. وقوة الرجل ليست في منطقه فقط، أو بما يمثل، بل في كونه ثبّت في عقول الخصوم، قبل الأهل، أن ما يقوله صحيح، وأن ما يفترضه قابل للتحقق في يوم ما. وفي حالة الحزب، كما يعبّر عنه السيد نصر الله، تكمن الاهمية ليس في القول الصادق بأننا نملك كذا وكذا، بل في كون الحزب يملك هذه الاسلحة للاستخدام وليس للتخزين. يعرف العرب، كما يعرف العدو، أن جهات وحكومات وجيوشاً كثيرة تملك ما هو أكبر بكثير من ترسانة المقاومة في لبنان. لكن العدو، كما أهل فلسطين، يعرفون أن هذه الاسلحة هي للتخزين فقط. وفي حالة السيد نصرالله، يصبح الامر أقرب الى صيغة عملانية، ما يتيح لنا تخيلها.
يخطر على بالي أن السماء ستمطر آلاف الصواريخ يومياً، ويهبط مظليون، وتنشقّ الأرض ليدخل آلاف المقاتلين الى الأرض المقدسة قال السيد نصرالله بعبارات مقتضبة: إن وحدات المقاومة المعنية بالمواجهة مع العدو الإسرائيلي تواصل عملها، من دون الانشغال بما يجري في داخل لبنان أو في سوريا أو العراق أو غيره من مناطق العالم. وقال، أيضاً، إن من حق المقاومة أن تمتلك ما تراه مناسباً من أسلحة لمواجهة تهديدات العدو، وإنها تملك كل أنواع الاسلحة، وكل ما يخطر في البال، وتعمل على زيادة ترسانتها. وفي هذا دعوة لتمرين يجريه الناس، بدل أن يظل حكراً على متخصصين من أهل «الكار»، أو على أجهزة استخبارات تقوم بمهماتها بعيداً عن الاضواء. وهذا ما أرغب القيام به هنا. ــ يخطر على بالي أن المقاومة تملك، مثلاً، قوة بشرية من عشرات آلاف المقاتلين، تم تدريبهم بطريقة خاصة ونوعية، وتم اختبار قدراتهم في مناورات ضخمة في عدد كبير من المرات، ثم جرى اختبار بعض قدراتهم في معارك جارية في سوريا. وأن هذه القوة تشتمل على وحدات متخصصة في أنواع مختلفة من الاسلحة والمهمات، وهي مستعدة للقيام بنوعين من المهمات، واحد دفاعي هدفه منع العدو من التقدم داخل الاراضي اللبنانية، وآخر هجومي يقوم بعمليات عسكرية ضيقة أو واسعة داخل فلسطين المحتلة، ليس بهدف توجيه ضربات خلف خطوط العدو، بل تثبيت الوجود في هذه المناطق وإعلان تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي. ــ يخطر على بالي أن المقاومة تمتلك، مثلاً، قوة بشرية من عدة مئات، أو بضعة آلاف، مدربة لمواكبة الحرب التكنولوجية الضرورية في أي حرب حديثة. وهي قادرة على تعقب العدو وضبط أنفاسه حيث يجب، وتوفير كل ما هو مطلوب من معطيات لأهل القرار وقادة الميدان. كذلك يخطر علي بالي أن المقاومة تملك قوة من عشرات أو مئات تنتشر داخل فلسطين، وهي تعمل وستعمل على رفد قيادة الميدان بالمعطيات التي تساعد على اتخاذ القرار في اللحظة المناسبة. ــ يخطر على بالي أن لدى عناصر المقاومة أسلحة خاصة جداً، وكمية من الذخائر والعتاد تكفي للصمود في مواجهة لوقت أطول بكثير جداً، من أي وقت يفترضه العدو لحرب واسعة. وأن لدى هؤلاء كل ما يحتاجون إليه للبقاء على اتصال بقيادتهم، وحتى في حال فقد الاتصال، يخطر على بالي أن بين أيديهم الخطط والتعليمات والإمكانات لقيادة معركة ناجحة حيث ينتشرون، وأن في مقدورهم تطبيق نموذج غير مسبوق من اللامركزية القطاعية، الخاضعة لسقف لا يحتاج إلى من يبدله كل الوقت. ــ يخطر على بالي أن أجري مراجعة لما حصل في حرب تموز وأقيس عليها: مثلاً، دمرت إسرائيل، خلال 33 يوماً، نحو 15 ألف منشأة سكنية أو تجارية أو حكومية أو عسكرية، بمعدل نحو 500 منشأة يومياً، بعشرات الغارات وآلاف الصواريخ والقذائف. في حين قصفت المقاومة مواقع العدو بنحو 4500 صاروخ وقذيفة، ودمرت، طوال الحرب، عشرات أو بضع مئات من الأهداف العسكرية والمدنية. ولكن، اليوم، يخطر على بالي أن المقاومة ستطلق نحو أربعة إلى خمسة آلاف صاروخ على إسرائيل، وأنها ستدمر عدة مئات من الأهداف في يوم واحد، وأن مئات أو آلاف الصواريخ، من النوع الثقيل جداً، ستصيب المئات من الاهداف المركزية، مدنية وعسكرية وبنى تحتية ومراكز معروفة أو غير معروفة للناس. ــ يخطر على بالي أن «الكاتيوشا» التقليدي، أو المعدل، أو المطور لناحية المدى، سيكون زينة الحرب، أو المفرقعات التي تسلي رواد الفضاء الذي سيحضرون لوحة مضاءة كل الوقت. ــ يخطر على بالي أن إسرائيل ستدخل في عتمة شاملة، وأن لا نظام تقنين ولا نظام إضاءة سيحظى به السكان هناك، وأن كل مناورات الجبهة الداخلية لن يبقى لها أثر في ما سيضطر شعب الكيان إلى القيام به. ويخطر على بالي أن كل الأجانب الذين سيوجدون في أرض الكيان خلال الحرب، سيتوجهون، سيراً على الأقدام أو بالسيارات، نحو معابر حدودية مع الأردن ومصر، أو عبر بعض الموانئ المدنية للمغادرة إلى بلادهم. ــ يخطر على بالي أن مشهداً غير مألوف سنراه في البحر، حيث تتطاير بوارج العدو وزوارقه: ربما لغم بحري، أو صاروخ أرض ــ بحر، أو صاروخ بحر ــ بحر، أو صاروخ جو ـ بحر أو ضفادع بشرية... المهم، أنه يخطر على بالي، أيضاً، أن صيادي غزة سيتجاوزون العشرين ميلاً وأكثر بحثاً عن رزقهم من دون أن يعترضهم أحد. ــ يخطر على بالي عاصفة من الطائرات الصغيرة، المسيّرة عن بعد، المعروفة الجيل منها أو غير المعروفة، وهي تملأ سماء فلسطين، تلقي التحية على الأهل الحقيقيين، وترمي النار على كل الغرباء الزارعين للحقد والموت. ــ يخطر على بالي أن طائرات حربية للعدو ستخرج للقيام بأعمال عدائية ولا تعود، أو في حال عادت، لن تجد مهبطاً تحط فيه، ولا مطاراً صالحاً لاستضافتها من جديد... فتذهب إلى دول الجوار طالبة اللجوء. ــ يخطر على بالي أن السماء نفسها ستكون مختلفة الألوان والحضور. يخطر على بالي أن منظومات متعددة ومتطورة من الدفاعات الجوية للمقاومة ستطارد طائرات العدو بكل أنواعها، وستصطاد بعضها قبل أو بعد دخول الأجواء اللبنانية. ويخطر في بالي أن هذه المنظومات صنّعت في إيران، روسيا، كوريا، الصين... أو حتى الولايات المتحدة! ــ يخطر على بالي أن الأرض ستنشق في دقائق، وتكشف عن مدن كبيرة تمتد تحت الارض على طول الساحات. يخرج من باطنها مقاتلون مع سيارات ومدرعات، وربما دبابات أيضاً، وأنواع جديدة من الآليات والأسلحة القاتلة لدعم عمليات اقتحام كبرى. ويخطر على بالي إنزالات لمئات من المظليين الذين ينتشرون خلال ساعات قليلة ويحاصرون مستوطنة ويسيطرون عليها. ــ يخطر على بالي سيارات نقل كبيرة، تقلّ آلاف اللاجئين الفلسطينيين من مخيمات لبنان وسوريا، يتدفقون صوب أرض فلسطين، يستعيدون المنازل بمفاتيح حفظت جيلاً بعد جيل. ــ ثم يخطر على بالي أحد مجانين العدو يلف نفسه بحزام نووي، ويفجر نفسه بين أهله، معلناً عن أكبر عملية انتحارية في التاريخ. هو مجنون قرر أن الأسطورة تقضي بالبقاء في هذه الأرض ولو على شكل أشلاء.
زياد الرحباني - الاخبار
لقد كانت منظمات اليسار المتطرف ـــ المغامر في الفترة الممتدة من أوائل السبعينيات حتى نهاية التسعينيات، منظّمات لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بالاتحاد السوفياتي. لماذا؟ لانها وببساطة، قامت بمجموعة هائلة من الارتكابات العدائية تجاه المجتمع الغربي، الأوروبي تحديداً، كزرع عبوات في مؤسسات تجارية شهيرة أو رسمية مركزية، أو كالمرور بسيارات مسرعة ورمي المشاة بالرصاص، وآخرها عمليات الخطف لشخصيات حساسة.
لقد كان هذا شبه شعار وقانون داخلي لتيك المنظمات في وجه "المجتمع الرأسمالي". وقد كان ذلك كفيلاً بتنفير وتخويف المواطن الأوروبي غير الحزبي خاصة، من "اليسار". وكون اليسار بتعريفه حينها أمميّاً، ورأسه الاتحاد السوفياتي، فكيف يمكن ان يكون هذا الاتحاد ضد نفسه؟ كانت مهمتها على الأرجح تصعيب احتمال وصول اليسار إلى السلطة في أوروبا ـــ أستغفر الله (وبكل اللغات والأديان طبعاً... الأديان!!!).
لقد كان مجموع ما كُتِب وحُلّل وقتها عن هذا اليسار المدمِّر يلتقي على انه مرتبط بعمل استخباراتي عالٍ ومشبوه طبعاً، وذو خلفية أو منشأ أوروبي غربي على الأقل، أي في الظاهر. ولِمَ لا نستنتج أو نلاحظ أنه استمر تحت مراجع ومواقع مختلفة أهمها: حلف الناتو. وهل ننسى حادثة اختطاف رئيس وزراء إيطاليا ألدو مورو (رئيس وزراء يا ناس) في 16 آذار 1978 من قبَل تنظيم "الألوية الحمراء" (وهو أبعد ما يمكن عن مكة المكرمة)؟ اختطافٌ دام 55 يوماً، ومن ثم إعادته مقتولاً في صندوق سيارة مركونة في احد شوارع روما الرئيسة!!! إنه فيلم حقيقي، وبالعلامة فقد أُلِّفَ أكثر من فيلم روائي تجاري عن الواقعة وتفاصيلها الكثيرة والمشوّقة. لقد سمح الخاطفون مثلاً لرئيس الوزراء المخطوف بأن يراسل زوجته فترةَ اختفائه... إلخ.
■■■
أوليس الشبه أكثر من كبير بين نتيجة ما فعله اليسار المغامر حينها ونتيجة ما يفعله الإسلام المتشدّد منذ حرب أفغانستان بعد القضاء على نجيب الله حتى أيامنا هذه، أي الترهيب وخاصة التخويف الذي يجعل أي مواطن أينما كان يبدّي أمنه على كل ما تعد به تلك الحركات يسارية كانت أم إسلامية من عدالة وسعادة وحق، حتى ما قبل الجنة احياناً؟ هذا هو هاجس العالم الاول الضاغط منذ سنين مع إعلامه المرافق وإعلام الغرب عنه، الذي يسوّق له من دون أن يعلم، وأشكّ كثيراً في ذلك. هذا هو حصراً منذ ظهور ونضوج الاختراع العالمي المسمى: تنظيم القاعدة. لاحظوا أن كلمة "القاعدة" جديدة وعلميّة جداً ولا تُشبه لا لغة ولا تسميات القيادات المتدينة في تاريخ الاسلام المعتدل او المتطرف. انظروا كيف أن تسمية حركة "الاخوان المسلمين" طبيعية اكثر وتنتمي إلى محيطها. توحي تسمية "القاعدة" انها قد تكون رُتِّبَت في أي مكتب يقع في مبنى زجاجي شاهق... ومن "القاعدة" إلى الشيشان (أرجوكم لا تنسوا) إلى الاختراع الأخير، حتى اليوم طبعاً: "داعش". وهو بالمناسبة غير موفّق بالمقارنة مع تنظيم القاعدة، وهذا بشهادة الناس أينما كان، أقله في العالم العربي الذي اعتاد وجه العلامة الشيخ أيمن الظواهري، العلميّ هو الآخر طبعاً، تكفي نظاراته. ففي "القاعدة" كما ذكرنا، كل القيادات رغم التراتبية، علميّة ـــ وعلى اكثر من صعيد: من أسلوب البيانات، وتطوّر نوعية تسجيلها وتنوّع وسائل بثّها... هذا لافت جداً وليس دعابة... ــ علمية في توزيع المهام والرتب على الأقطار المختلفة، إلى استعمال التكنولوجيا المتقن، خاصة لضرورة كونها عملاً سرياً بامتياز، ذلك على عكس استعراضات "داعش" العسكرية وكأننا في عيد الاستقلال او في انتظار وصول البابا أو في يوم الانتصار على النازية...
■■■
إن مصر أم الدنيا فعلاً، وعلى اكثر من صعيد. فمن حسن البنا واجتماعاته المنتظمة بالقيادات البريطانية في عشرينيات القرن الماضي، حتى حادثة اقتحام صحيفة "شارلي ايبدو" في 7 كانون الثاني بداية هذا العام، الرعب المطلوب نفسه ومتواصل بنجاح منقطع النظير ــ انظر كيف هرولت معظم زعامات القرن والعام الحاليين إلى تجمع باريس يوم الاحد الماضي، ولا ضرورة لذكر تاريخه، فالتاريج سيلفظه على الأكيد.
ملاحظة: لقد استثنينا أحداث 11 أيلول من تعداد تاريخ حركات الإسلام المتشدد نكاية بالمشككين بالمشككين بها.
(يتبع نهار السبت المقبل)
غسان ديبة–الاخبار
«في الطريقة التي تستحوذ فيها على الثروة وتستعملها، فإن الأرستقراطية المالية ما هي إلا البروليتاريا الرثة التي تخلق من جديد على قمة المجتمع البورجوازي»
كارل ماركس
يقول آلان غرنيسبان الحاكم السابق للاحتياطي الفدرالي الأميركي «إن هدف التمويل هو تحويل مدخرات المجتمع (...) بالإضافة إلى المدخرات المستدانة من الخارج (...) إلى الاستثمارات الأكثر إنتاجية من الناحيتين الفكرية والمادية». في هذا الإطار، أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، للسنة الثالثة على التوالي، سلة تحفيزية بقيمة مليار دولار في 2015، وذلك على الرغم من عدم وجود دليل أو مؤشر واضح على تأثير الإجراءات التحفيزية في 2013 و2014 على النمو الاقتصادي، على الرغم من إعلان المصرف المركزي أن سياسته التحفيزية هذه ساهمت في 60% من النمو المحقق في 2013 المقدر بنحو 2.5%، من دون أن يقدم أي تعليل لهذا الاستنتاج المفترض أن يكون مبنياً على منهجية واضحة وعلى مقدار معين من الشفافية.
ما يثير الشك حول فعالية هذه الإجراءات في التأثير على النمو الاقتصادي، أنه بالإضافة الى ضعف العلاقة بين هدف البنك المركزي والإقراض الفعلي من قبل المصارف، فإن الجزء الأكبر من هذه الاعتمادات يتجه إلى القروض السكنية التي تحرك الجمود العقاري القائم، المتمثل بفائض الشقق، من دون أن يكون لها تأثير على النمو الاقتصادي في المدى القريب، الذي يُقاس بالإنتاج أو الاستثمار الجديد، وليس عمليات شراء الشقق المنجزة أو القديمة. وثانياً، وهو السبب الأهم، أن العلاقة بين الإقراض للقطاع الخاص والناتج الوطني هي علاقة غير مستقرة في لبنان على عكس الاقتصادات الرأسمالية المتقدمة. في لبنان، وفي نظرة إلى نسبة الإقراض الخاص إلى الناتج في السنوات الخمسة الماضية، فإننا نرى ارتفاعاً ملحوظاَ في هذه النسبة، ما يعني عدم وجود رابط بين هذين المتغيرين. وبنظرة أكثر دقة، بينت دراسة قياسية عدم وجود علاقة سببية من الإقراض إلى النمو الاقتصادي في الفترة الممتدة بين 1992 و2011 في لبنان (دراسة علي عودة - الجامعة اللبنانية).
إذاً ما تاثير هذه السياسات؟
هذه السياسات التحفيزية، تساهم في ارتفاع نسبة الدين الخاص في الاقتصاد، وبالتالي تزيد الهشاشة المالية التي بدأت ترتفع في الآونة الأخيرة، مع ارتفاع الإقراض للاستهلاك وشراء العقارات في ظل اقتصاد ركودي لا ترتفع فيه المداخيل الناتجة من العمل والإنتاج، بحيث يتم تأمين الفجوة بين الحاجات والرغبات الاستهلاكية ومقدار الدخل عبر القروض. إن عدم التناظر هذا بين الاستهلاك المتزايد وتعميم مجتمع الملكية وبين مداخيل الأسر، قد يؤدي في حال استمراره مدة طويلة (أو نتيجة صدمة أمنية أو سياسية) إلى أزمة مالية. فالدفع باتجاه مجتمع الملكية، وثقافة الاستهلاك المعممة على جميع طبقات المجتمع، يؤدي إلى هذه الهشاشة المالية، بسبب عدم المساواة في الدخل وشح الموارد والحاجة إلى التمويل لشراء الأصول في النظام الرأسمالي.
بيّن الاقتصادي الكينزي هايمان مينسكي أن الحاجة إلى التمويل الرأسمالي هي أحد الأسباب الرئيسية لعدم استقرار الاقتصادات الرأسمالية. لقد كان هذا الفكر مطموساً على هامش الفكر الاقتصادي المسيطر حتى الأزمة الأخيرة في 2008، والتي سماها الاقتصادي (المستثمر في شركة Pimco سابقاً) بول ماكولي «لحظة منيسكي» (Minsky Noment). لقد كانت وسيلة انفجار الأزمة في الولايات المتحدة أن السعي إلى الربح في الأسواق المالية حتّم على المؤسسات المالية ابتكار الأدوات الاقتراضية الوهمية التي أدت إلى انهيار النظام المالي بأسره (وصف المستثمر الشهير ريتشارد بوكستابر هذه العملية الابتكارية كتحقيق لفكرة ماركس حول الحاجة إلى الابتكار الدائم في النظام الرأسمالي من أجل تحقيق الربح).
في ظل غياب الابتكارات المالية في لبنان، فإن السياسة التحفيزية للمصرف المركزي قد تساهم في دفع ديناميكية التأزم إلى الأمام، التي هي أصلاً مسيرة أوتوماتيكياً من قبل التدفق النقدي الخارجي المحتوم من أجل تمويل العجز التجاري وعجز الخزينة بالعملة الأجنبية، حفاظاً على استقرار النقد. هذان العاملان (الأساسي والمكمّل) قد يلعبان الدور الذي لعبته الابتكارات المالية في تفجير أزمة مالية، وخصوصاً في ظل وصول الدين الخارجي إلى 170% من الناتج المحلي، حسب تقرير صندوق النقد الدولي في عام 2012.
إن ارتفاع نسبة الدين الخاص يؤدي أيضاً إلى المزيد من عدم المساواة في الدخل والثروة وارتفاع حصة الريع في الاقتصاد. ففي عام 2000، بحسب إحصاءات مركز أبحاث WIDER، كان مؤشر جيني في لبنان يبلغ 0.76 (وهو مؤشر يقيس عدم المساواة، وهو يتراوح بين صفر، أي مساواة كاملة، وبين واحد، أي عدم مساواة كاملة)، وارتفع هذا المؤشر في عام 2013، بحسبCredit Suisse، إلى 0.86، أي أن عدم مساواة توزع الثروة ازداد، ما يجعل لبنان من أكثر دول العالم في عدم المساواة، إذ إن 66% من السكان الراشدين يملكون ثروة تقدر بأقل من 10 آلاف دولار، في حين أن 3.5% فقط يملكون ثروة أكثر من 100 ألف دولار. ترافق هذا، بحسب حساباتي، مع ارتفاع في حصة الفوائد في الدخل الوطني من 5% إلى 10% بين عامي 1997 و2007، وارتفاع نسبة الثروة إلى الدخل الوطني من 3.3 في عام 2000 إلى 4.6 في عام 2007. ما يدفع هذا الارتفاع هو أن العائد على الرأسمال المالي أعلى من النمو الاقتصادي، وهذا ما يرفع من حصة الرأسمال على حساب الدخل المتأتي في العمل، كما بيّن توماس بيكيتي في كتابه «الرأسمال في القرن الواحد والعشرين».
إن المصرف المركزي اتخذ بعض التدابير الاحترازية لكبح جماح تطور الهشاشة المالية، إلا أن إصراره على التحفيز من أجل منفعة القطاع العقاري يجعله كأنه يعمل على النسخة اللبنانية لما قاله بول ماكولي «إن الاحتياطي الفدرالي لديه المقدرة على خلق فقاعة في أسعار المنازل (...) وذلك من أجل استمرار المتعة الأميركية». وبالتالي فإن هذه السياسات وارتفاع الدين الخاص في ظل اقتصاد ركودي سيؤدي إلى زيادة الهشاشة المالية وارتفاع عدم المساواة في الدخل والثروة ودعم اقتصاد استهلاكي يعيش فوق طاقته بانتظار ساعة الحقيقة.
هديل فرفور –الاخبار
تأجّلت جلسة استجواب الناشط المدني والمصور الصحافي سعادة سعادة، أمس، إذ طلبت كتلة «القوات اللبنانية» (الجهة المدعية) مهلة لاتخاذ موقفها من ادعائها «على ضوء أجواء الحوار القائم في البلاد»، وفق ما قال وكيل الدفاع عن سعادة المحامي ملحم خلف.
لم يُستجوب سعادة إذاً، كذلك لم يتمكن من الاطلاع على الشكوى المقدّمة ضده، بحسب ما يؤكد خلف، لافتا الى أن سعادة حضر الى مكتب المباحث الجنائية ليطّلع على الشكوى وليقدم إفادته بعدما أُبلغ الحضور. إلا أن خلفيات الدعوى التي أقامتها «القوات اللبنانية» تعود الى رفع سعادة لافتة تحمل شعار «نواب حرامية» في التظاهرات الأخيرة التي نظمّها «الحراك المدني للمحاسبة» ضد التمديد. ودعما لسعادة ودفاعا عن حرية التعبير، دعا «الحراك المدني»، أمس، الى اعتصام رمزي امام قصر العدل. لبى الدعوة عدد من المواطنين الذين تخوفوا من تكريس هذه الدعاوى نموذجا تعتمده قوى السلطة لـ»تأديب» مواطنيها.
تقول الناشطة نعمت بدر الدين إن الخوف يكمن في إرساء الترهيب في نفوس المواطنين «كي يعملوا ألف حساب قبل ان ينتقدوا زعماءهم». «هذه الدعاوى لن تردعنا عن الدفاع عن حقنا في التعبير بحرية كاملة»، يقول احد المعتصمين، مؤكدا انه لم «يتأنَّ» في صياغة اي شعار، يرفع اللافتة التي تحمل شعار «حرامية 100%» عاليا، ليؤكد إصراره على ما كان الحراك المدني يعبر عنه عبر هذه الشعارات، وهو «اغتصاب السلطة وسرقة حق المواطنين عبر التمديد لأنفسهم». «تعا شوف تعا بص هيدا حرامي ونص»، يصرخ أجود عاليا ليحمّس المعتصمين «القليلين» وليضفي نوعا من الحيوية على جو الاعتصام الهادئ. لم يكن عدد المتضامنين كبيرا، وهو أمر لم يمثّل مفاجأة لمعظم الناشطين، الذين اعتادوا تقاعس المواطنين في هذا المجال، وتفضيلهم النأي بأنفسهم عن ساحات المطالبة بحقوقهم في هذه «الدولة العرجاء». والواقع أن هذه الساحات لم تعتد الحشود يوما. يقول الناشط في «الحراك المدني» سامر عبد الله إن المشكلة لا تكمن فقط في قلة عدد المشاركين، المشكلة تكمن في أداء الإعلام أيضا. يلفت الناشط البيئي بول ابي راشد الى أن أسلوب معالجة الكثير من الملفات المعتمد حاليا «هو ثمار طبيعية للتمديد الذي كنا نحاربه»، ويضيف أن تمديد هذه الطبقة السياسية هو الذي يجعلنا نتخوف من استمرار هذه الاساليب التي تهمّش مصلحة المواطنين. اختلف المعتصمون في تحديد موقفهم من القضاء، بعضهم وجد أن الأخير لا يمكن ان يكون محل ثقة، فهو ليس «إلا جزءا من النظام اللبناني القائم على التسويات السياسية «، وبالتالي هو مسخّر لخدمة هذه الطبقة، «وليس قرار المجلس الدستوري المتعلّق بالتمديد إلا مثالا على هذا الأمر». من جهة أخرى وجد البعض الآخر أن الأمل والرهان يرتكزان على القضاة المستقلّين والمنزهين. ولفت الحراك الى أن «ما حصل اليوم (أمس) يعزز قناعتنا بأن كل مقومات الدولة مسخّرة لخدمة هذه السلطة».
طوال أربعين سنة، راقب التحوّلات التي مرت بها العاصمة بحجرها وبشرها من نافذة مكتبه في منطقة تلة الخياط. مع ذلك، ظل معتصماً بهندسة تشبه الناس وتلبّي حاجاتهم وتحاكي بيئتهم ولا تقلّد ولا تتماهى. اليوم، تكرّم جريدة «السفير» المعلّم اللبناني الذي أشرف على إعادة إعمار ضاحية بيروت الجنوبية إثر عدوان تموز مع نشر كتاب يوضح الخطوط الأساسية في رؤيته إلى العمارة
زينب حاوي - الاخبار
قد تتغير الأمكنة والناس، لكن ظل رهيف فيّاض (1936 ـ بترومين، شمال لبنان) يراقبها بثبات عبر نافذة مكتبه الزجاجية في تلة الخياط طوال أربعين عاماً أمضاها في المنطقة. المعلّم المعماري والمهندس الذي يقف على عتبة الثمانين، خطّ الزمن تجاعيده على وجهه ويديه، لكن ظلت الثورة داخله متقدّة كابن العشرين الذي كان عند انخراطه باكراً في الحزب الشيوعي. مرحلة طبعت «صفحته الأولى» كما يصفها لـ»الأخبار»، ووسمته بوسم «المناضل». تلك الصفة تشرّبها في مقاربته للأمكنة وللناس: «أنا مناضل في الحياة، وفي منزلي، وفي علاقاتي بالناس». علاقته بميادينه الثلاثة أي العمارة، والتعليم الأكاديمي، والكتابة (أصدر أكثر من 7 أعمال عن العمارة) يصفها بأنّها وصلت حدّ «الإدمان».
إنّها قوت يومه وسبب بث الحماسة مجدداً في المسيرة النضالية التي تبدأ حتماً بالتعليم، «فالتعليم ليس محايداً». خرّج فيّاض أجيالاً متعاقبة و»آلاف المعماريين الذي يحتلّون اليوم مواقع متقدمة في الإدارة والتعليم والوظائف العليا». مع تغيّر الأزمنة، والأدمغة وغزو العولمة، لم يتعال فياض عن الواقع الحالي بمرارته مع وجود كل هذه العناصر القابضة على العنصر البشري. ينظر إلى هذه المتغيرات على أنها «سطحية»، لا عميقة كما قد يتراءى للآخرين. يضرب بيده التي شاخها الزمن على خشبة مكتبه ليخرج هذا الدفق والشحن داخله في وجه العولمة. يقاومها قبلاً واليوم ومستقبلاً، كفرد، كمؤثر في الجماعة: «أقول لتلاميذي لا تخضعوا لها (...) عليكم أن تبحثوا عن عمق الأشياء وتزيلوا عنها القناع لتروا الجوهر داخلها». تلك الوصية التي نقلها لمعماريي الغد، تنسحب بشكل مباشر على العمارة التي ترتدي اليوم «قناعاً يتغرّب عن الحاجات الاجتماعية للناس». نضال كبير المعماريين العرب كان دوماً مقاومتها ومقارعة زيفها وارتمائها في أحضان التقليد ونسخ العمارة الغربية التي تختلف عناصر مناخها وطبيعة عيش سكانها عنّا نحن. مقاومة تصل إلى هدفها المنشود: «عمارة تبنى لهذا المكان، وليس لمكان آخر». تعود نزعة الشيوعية في كل مواقفه ومهنته وأكاديميته. يتحدث عن العدالة الاجتماعية ومقارعة الفكر المستورد الذي بات أكثر حضوراً لدى الطلاب والمجتمعات، وعن التحرر الوطني والمقاومة العسكرية. يضخ هذه القيم في محترفاته الثلاثة بين الأفراد والجماعات. يرى أنّ الانحطاط الذي نعيشه لا يطاول عالمنا فحسب، بل باقي شعب الأرض، لكنّه يصيب العالم العربي أكثر «لأنه تابع». شيوعية لازمت منزله المسيّس منذ المراهقة، وكانت أساسية في مسار حياته وتشكّل وعيه الاجتماعي: «بت أنظر إلى العمارة كشأن عام لا كتصميم أبغي منه الربح المادي». وكما تغيّرت الأمكنة والناس حوله ودار الزمن دورته، يبقى الثبات والالتزام ملازمين لفياض «الآن ومستقبلاً». «المعلّم» و «المعمار» هكذا وصفته جريدة «السفير» عشية تكريمها له في «قصر الأونيسكو».
تشكّل وعيه السياسي والاجتماعي باكراً مع انخراطه في الحزب الشيوعي
تكريم لافت في اختيار شخصية معمارية يرى فياض أنّه «اقتحم مجالاً مختلفاً أي الهندسة والعمارة» و«خطوة شجاعة» لأنّ الصحيفة كرمته «في حياته» وليس كما حصل مع المهندس عاصم سلام الذي كرّم بعد وفاته. يسمح المعماري العتيق بأن يتسلّل بعض الغرور إلى داخله، فـ «قليل من الغرور هو حق أحياناً»، ولا ينسى أن يقرن تكريم «السفير» بأبعاده الفكرية والسياسية، فصفحاتها على مدى سنوات أفردت له لتحتضن مواقفه وأبحاثه الهندسية وعلاقتها بالناس وبالمكان. قد تُختصر هذه العلاقة بأنها خلاصة «انسجام فكري مع الصحيفة العريقة التي تشاطره بالطبع أسساً مشتركة». التكريم اليوم يضم ثلاثة أقطاب تشكل مكونات مسيرة فياض المهنية والسياسية بدءاً من الحزب الشيوعي (كلمة أمين عامه خالد حدادة)، مروراً بالجامعة اللبنانية (رئيسها عدنان السيد حسين)، وصولاً إلى البعد العربي في مسيرته المهنية (أمين عام اتحاد المهندسين العرب عادل الحديثي). تكريم يترافق مع إصدار «السفير» كتاب «العمارة والشأن العام». العمل عبارة عن 8 نصوص اختارها فياض وتقدم استنتاجات وخلاصات عامة كتبها فياض بين عامي 1976 و2014 ، حيث يعيد فيها القول بأن «العمارة لصيقة بالشأن العام»، وأن «المدينة منتج اجتماعي جماعي». صحيح أنّ رهيف فياض يحارب مشروع «سوليدير» في وسط بيروت، ويصفه دائماً بـ «مدينة الأشباح» حيث «أمكنة فارغة لناس لن يأتوا». لكنه أيضاً يزور هذه البقعة بين الحين والآخر. يتمشى في شوارعها ليتعرّف إلى الجديد هناك. تظل المشهدية عينها حيث «المدينة مضاءة من تحت، ومظلمة من فوق». حاربها معه عاصم سلام الذي أصيب بالإحباط مراراً كما يكشف رفيق دربه. لكن فياض لم يستسلم ويجعل هذا الإحباط «عائقاً أمام القدرة على الإنتاج». يكرّر بأنّه كان «لحياته معنى مختلف مع الانخراط في الشأن العام وفي المهنة». وسط بيروت المزنرّ بالأوتوسترادات، يراه فياض «ضاحية» حقيقية تعيش على هامش المدينة بخلاف منطقة «الضاحية» التي تمتدّ شرايينها إلى باقي مناطق «بيروت الإدارية» وتشبه بعضها بعضاً في بيوتها وطريقة عيش ناسها، علماً أنّه أشرف على إعمار ضاحية بيروت الجنوبية عام 2007. في ظل هذه السوداوية وسحق الطبقات الاجتماعية لصالح أخرى مرفّهة ستحلّ مكان هؤلاء بقوة المال وضمن شبكة متآمرة من القانون إلى الريع العقاري، يرى فياض بأنّ المضاربات ستقضي شيئاً فشيئاً عليها. هذه البقع المؤلمة والمحبطة يعيد قراءتها من زاوية الأمل بأن «عناصر التغيير ستعود إلى موقعها المعتاد في المجتمع. والأخير سيعيد الأمور إلى نصابها في مجرى التاريخ نحو العدالة الاجتماعية»
* تكريم «السفير» للمعماري رهيف فياض: 17:00 مساء اليوم ـــ «قصر الأونيسكو» (بيروت)