عشية انتخابات رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي المقررة غداً الأحد، كشفت «أحزاب السلطة» عن نياتها الحقيقية: المطلوب رأس حنّا غريب ـ رأس الرابطة التي شكّلت العمود الأساسي لقيام هيئة التنسيق النقابية والمحرّك الأهم في نضالات السنوات الثلاث الماضية، من أجل تصحيح الأجور وإصلاح النظام الضريبي، في مواجهة قاسية مع تكتلات المصالح في الدولة والتجارة والعقارات والمصارف.
فاتن الحاج - الاخبار
قرر «ائتلاف الأحزاب في السلطة» أن رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي لا يمكن أن تبقى استثناءً، وبالتالي، عليها أن تخضع للمحاصصة التوافقية، كغيرها من مؤسسات الدولة والإدارات والهيئات والنقابات... حتى ولو جاء ذلك على حساب مصالح الأساتذة وموقعهم الوظيفي والنقابي. هذا ما كشفته مطالب ممثلي هذه الأحزاب في المفاوضات الجارية منذ مدّة لوضع «لائحة توافقية» في انتخابات الهيئة الإدارية للرابطة يوم غد الأحد. فهم يطالبون بتحاصص كل المقاعد الـ18 في الهيئة، بما فيها المخصصة ظاهرياً للمستقلين، ويطالبون أيضاً بإزاحة حنّا غريب عن رئاسة الرابطة بحجّة عدم توافر «الإجماع»! لم يكشف هؤلاء نياتهم إلا بعد إنجاز انتخابات المندوبين (الهيئة الناخبة) وضمان عدم تأثّرها بهذه المطالب «السافرة». قاعدة الأساتذة (الحزبية وغير الحزبية) تنظر إلى رئيس الرابطة الحالي بوصفه «بطلها» الذي قاتل بشجاعة أو «صوتها» الذي رفعته في وجه «حيتان المال».
لا شك أن دعوتها مباشرة لخوض معركة ضد «رمزها» سيكون فعلاً غبياً. لذلك جمع كل حزب ما يستطيع من مندوبين «ملتزمين» وبما يكفي لفرض لائحة ائتلافية تضمن «التحكّم والسيطرة». لا يجاهر أي حزب أو حركة أو تيار بأنه يريد رئاسة الرابطة ضمن حصّته، لكنهم يجاهرون بأن حنا غريب ليس مرشحهم. البعض يعارضه والبعض الآخر يتذرّع بالحاجة إلى إجماع «الائتلاف»، وهذا ما حرّك أساتذة ناشطين للدفع باتجاه إعلان لائحة منافسة يقودها غريب نفسه. بانتظار ذلك، سيكون على أساتذة التعليم الثانوي، الذين خاضوا نضالات كبيرة وحققوا مكاسب كثيرة، أن يبرهنوا عن وعيهم لمصالحهم وحرصهم على عدم تدمير الآمال التي بنيت عليهم لإنشاء مركز ثقل نقابي مستقل يعوّض عن تدجين الاتحاد العمالي العام. فتحت عناوين التمثيل الحزبي والطائفي، تخاض المعركة لإطاحة حنا غريب، لا كشخص، بل بما يمثله من رمزية لعمل نقابي متحرر من القيود السياسية وعابر للاصطفافات المذهبية والطائفية، ولكونه يقارب المسألة المطلبية في إطار دينامية بناء دولة الرعاية الاجتماعية وفلسفة الحقوق، وليس في سياق ثقافة المكرمات. ما يحدث في كواليس المفاوضات يعكس بوضوح هذه النيات للانقضاض على أي دور للرابطة في إحياء الحركة النقابية، يطغى توزيع الحصص على أي كلام آخر. ليس لدى الأحزاب أي تصور لبرنامج عمل للمرحلة المقبلة. الصيغ المطروحة لما يسمونه «التوافق» لا تعدو كونها محاصصة بين الأحزاب. وفي التفاصيل، قدم اقتراح، في لقاء عقد أول من أمس في مقر التيار الوطني الحر، بأن تتمثل الأحزاب وفقاً لكتل تصويتها، بمعدّل مقعدين لكل من حركة أمل، حزب الله، التيار الوطني الحر، تيار المستقبل والحزب الشيوعي، وبمعدل مقعد واحد لكل من الحزب التقدمي الاشتراكي، حزب القوات، تيار المردة، والحزب السوري القومي الاجتماعي، على أن يبقى أربعة مقاعد للمستقلين تسميها الأحزاب الكبيرة. إلّا أن غريب أصرّ على زيادة حصة المستقلين إلى 10 مقاعد وأن يكون هؤلاء من غير الحزبيين. هكذا لم يفض اللقاء الذي امتد أكثر من 6 ساعات إلى اتفاق.
كذلك فشلت المفاوضات في اللقاء الذي عقد مساء أمس في مقر التيار الوطني الحر في الوصول إلى توافق على رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي، بسبب إصرار أحزاب السلطة على المحاصصة الحزبية وعلى عدم تمثيل صحيح للنقابيين المستقلين وضرب القرار النقابي، بما في ذلك إزاحة النقابي حنا غريب من رئاسة الرابطة، وإن قالت إنها حجزت له مكاناً في اللائحة التي شكلتها وطرحت مرشحاً للتيار الوطني الحر لرئاستها. أدى ذلك إلى انسحاب الحزب الشيوعي من المفاوضات وأعلن أن أي لائحة تصدر عن هذه الأحزاب لا تعنيه وسيعمل على تشكيل لائحة تضمه إلى النقابيين المستقلين لمنع محاولة مصادرة قرار الرابطة. الرهان، برأي حسن مظلوم، هو «أن يعي الأساتذة مصلحتهم وأن يدركوا أن الرابطة ليست مجرد إطار لتحقيق مكاسب سلطوية». الأمر يتطلب، كما يقول، المواجهة و»أن لا نكون شهود زور على تصفية هذه الأداة النقابية وأخذها إلى غير مكانها الحقيقي، أي الدفاع عن حقوق الناس». ويسأل: «ما هو برنامج القوى الحزبية وكيف ستقنعنا بأنّها ستدافع عن حقوقنا في المرحلة المقبلة، فيما تجربة السنوات الثلاث ماثلة أمامنا حيث كانوا يضغطون علينا لعدم التعبئة للتحركات في الشارع بحجة أن الزعيم الفلاني وعد بحلول قريبة؟». الخطير في المفاوضات، كما تقول بهية بعلبكي، «هو عدم اعتراف الأحزاب بوجود أساتذة ثانويين لا يدورون في فلكها وإصرارها على احتكار تسمية النقابيين». وإذا شهد التحرك السابق دوراً مميزاً للنقابيين الحزبيين، فإنّ هؤلاء لم يستطيعوا، بحسب بعلبكي، أن يفتحوا ثغرة في جدار أحزابهم، ما يؤكد صوابية رأينا بأن «الأحزاب لا تأخذ رأيها من القاعدة»، وبالتالي إن «تأييدنا لبقاء حنا غريب يندرج في إطار أنّه قائد نقابي استطاع أن يشكل ضمانة لعدم انزلاق الرابطة إلى ما يسمى اتحاد عمالي ثانٍ». تقول سهام أنطون إنها ضد الأسماء الثابتة ومع ضخ دماء جديدة في الهيئة الإدارية عبر انتخاب نقابيين شباب، إلا أنها ترى أن «بقاء غريب على رأس الرابطة يصبّ في خانة مواصلة معركة لم تنته أثبت خلالها أنّه شخصية مستقلة لا تباع ولا تشترى، ولا تنكسر ولا تمشي على الريموت كونترول». تلوم أنطون الأساتذة الثانويين أنفسهم، إذ إنّ «الخلل بدأ من انتخابات المندوبين عندما لم يختر هؤلاء ممثلين نقابيين يحملون الهمّ النقابي، وبالتالي كان يمكن أن نتوقع الوصول إلى هذه النتيجة». تسأل: «هل سعينا إلى انتزاع قرارنا النقابي المستقل، أم أننا دفنّا رأسنا في الرمل وسمحنا للأحزاب الطائفية بأن تمثلنا؟». تستغرب أنطون «كيف تجرؤ القوى الحزبية في الرابطة على تناتش الحصص، وهي لم تستطع أن تنتزع وعداً أو موقفاً واحداً من أحزابها بحماية مكتسباتنا التاريخية، بل شهدنا في مرحلة من المراحل مواجهات داخل الرابطة أكثر من المواجهة مع السلطة السياسية». يرى فيصل زيود أن المطلوب من الرئيس الجديد أن يملك خطة عمل، وأن يكون نقابياً لكل الناس ليبقى التعليم الثانوي قطاعاً فاعلاً ومنتجاً وتبقى الرابطة عصية على التدجين، ويجب رفع الصوت عالياً وفرض تركيبة جديدة تمثل الجميع من منطلق نقابي صرف للمستقلين والحزبيين. المسألة لدى يوسف كلوت ليست مَن يكون الرئيس، بل إن الوضع النقابي في التعليم الثانوي الرسمي لم يعد يسمح بإمكان المبادرة والمناورة النقابية الفعَّالة كما كان، فما جرى بشأن الإفادات التي أُعطيت وشُرِّعت بالإجماع ليس عابراً! وليس عابراً أيضاً القول إنه إذا حصل الإضراب لعشرة أيام تُلغى الامتحانات الرسمية، لأنه يُؤشِّر إلى أن القرار قد اتُّخذ بمنع أي تحرك مؤثر وفعّال، بعدما أُمسك الوضع من الداخل أفقياً وعمودياً، كما هي الحال في الاتحاد العمالي العام، وهو إمساك ربما أُريد له كما يبدو أن يظهر ديمقراطياً ومموهاً ومجمّلاً. أي تسوية لسيطرة أحزاب السلطة على الهيئة الإدارية للرابطة ستؤدي، كما يقول صادق الحجيري، إلى التبعية الحتمية مثل تبعية الاتحاد العمالي العام، «وعندها على العمل النقابي السلام». وبما أن المكاتب التربوية الحزبية ﻻ تعترف بوجود مستقلين، فالرد، برأيه، يكون بعدم انتخاب أيٍّ من أتباع أحزاب السلطة وعدم الانجرار وراء العواطف والميول الطائفية والمذهبية. «قوی التحالف السلطوي المالي» بحسب تسمية محمود المولى، تعمّم منطق المحاصصة تحت عناوين التمثيل الحزبي والطائفي، سائلاً المندوبين: «من عطّل إقرار مطالب المعلمين أو استبدلها بالسلسلة المسخ التي لم تقر؟ أليست زعامات أحزاب السلطة؟». يقول مازن جبري: «نريد نقابيين غير ممسكوين من أحزابهم»، لافتاً إلى أن الأحزاب تصوّب البنادق باتجاه المستقلين لأنهم يشكلون خطراً عليها ولا يمشون بقراراتها الإسقاطية. ويرى جورج شاهين أن ما يحصل يصبّ في خانة تحويل رابطة أساتذة التعليم الثانوي إلى مجرد مجلس حزبي غب الطلب، إذ يريدون رئيساً للرابطة أسوأ من غسان غصن، مشيراً إلى أنّ «مثل هذه الرابطة لا تمثلنا إطلاقاً، وعلى الأساتذة تحمل مسؤولياتهم في عدم إيصال مندوبين مرتهنين لأحزاب السلطة وأربابها».