هي مكذبة، يا شباب

فواز طرابلسي خرق المجلس النيابي «إجماعه» وكسر مجلس الوزراء «توافقه»، وأحبط المجلسان محاولة لتعديل الدستور من أجل خفض سن الاقتراع إلى 18 سنة، ولعق عدد لا يستهان به من انواب تصويتهم السابق لصالح التعديل وخانوا الوعود... ولا من رفة جفن. على أن ثمة أموراً عدة لا تزال تثير علامات الاستفهام في جلسة مجلس النواب المنعقدة يوم الاثنين المنقضي. فما دمنا في مرحلة تثقيل «التوافقية» ـ كما يريدها أحد نواب «حزب الله»، أي أن تصير أثقل (دماً؟!) مما هي أصلاً ـ لماذا لم تجرِ محاولة للـ«توافق» على تأجيل الجلسة؟ علها كانت تركت للشباب بعض أمل بتصويت إيجابي قريب. بدل أن يتركوا لوعود بعض النواب «الشباب» ممن وعدهم خيراً في العام 2013! ولماذا لم يلجأ معارضو التعديل إلى تهريب النصاب، طالما أن التعديل الدستوري يتطلب ثلثي الحضور والعدد؟ ولماذا لم تجرِ أصلاً مساع لعقد تسوية بين مطلب خفض سن الاقتراع ومطلب اقتراع المغتربين، حتى لا يظهر من التصويت الانقسام على أساس طائفي محض بين كتل مسيحية وكتل مسلمة؟ علماً أن دعاة الربط بين المطلبين لم يكونوا شديدي الإصرار على موقفهم، وأن حجج دعاة الخفض بعدم جواز الربط بين تعديل دستوري وتعديل قانوني عادي، أقل ما يقال فيها إنها واهية. طبعاً «الحيثية» الضمنية لمعارضة الكتل المسيحية خفض سن الاقتراع هو الأكثرية العددية المسلمة بين من هم في سن الـ18. هنا تثور أسئلة قد يكون طرحها من باب السذاجة ليس إلا. ومهما يكن، هل توجد براهين أكيدة على أن هذه الأكثرية الشبابية المسلمة سوف تخل بالتوازنات في تمثيل الطوائف في الانتخابات النيابية أو البلدية؟ وهل سوف تغيّر في شيء في نظام تمثيلي بات قائماً على المناصفة وليس على الحسابات العددية؟ ومن جهة ثانية، هل من المؤكد إحصائياً أن عدد المقترعين من المغتربين يمثلون أكثرية مسيحية حاسمة بحيث تعدّل من الاختلال الذي سوف ينتج عن هذا الدفق من الشباب المسلم؟ أم ترى كل ما في الأمر أننا في إزاء فزاعات إضافية من فصيلة فزاعة التوطين. قد لا يكون ثمة من أجوبة قاطعة على هذه الأسئلة. لكن المؤكد أن النواب، وحكومتهم، كشفوا، من حيث شاؤوا أم أبوا، أشياء وأشياء عن السلوك السياسي الذي نستطيع أن نتوقعه في ظل «التوافقية». فمنطق التوافق ذاته يفترض درجات من التحايل والكذب والغموض والنفاق غرضه إقناعنا بأن ما يجري أمامنا هو من قبيل... التوافق. هكذا يصير الكلام يعني عكسه، والـ«مع» يساوي «ضد»، والـ«ضد» يساوي «مع». ولكن ثامنة الأثافي هي الوصفة الجديدة للتكاذب، المسماة «الامتناع»، بل قل هي الكذب الصراح. قال معظم الذين «امتنعوا» عن التصويت إنهم «مع» خفض سن الاقتراع. وجميع الذين مارسوا «الامتناع» كانوا يعرفون أنهم يصوّتون «ضد» الاقتراح. وأن تصويتهم سوف يسقط مشروع التعديل الدستوري. وهكذا فعلوا. وفي باب الأفعال، حسناً فعل رئيس الحكومة الشاب بعدم تسمية حكومته «حكومة الشباب» مع أن فيها مقدارا لا بأس به من الشباب النسبيين، وأن الكثيرين ممن توسّم خيراً في الحكومة «التوافقية» توسمه لفتوة رئيسها. مهما يكن، لم يكتف رئيس تيار «المستقبل» (ولا علاقة طبعاً بين المستقبل والشباب) بالامتناع. أبدى الأسف على امتناعه. وهذا يقول الكثير عن فولاذية الإرادة عند من يمسك بدفة السلطة التنفيذية. أما الجنرال عون فكان صريحاً على جاري عادته. أبدى مقداراً لا بأس به من الغضب على «خلايا» مريبة تعمل في الجامعات والثانويات. وقدّم في المقابل أمثولة في علم النفس التربوي تريد أن يخضع من هم بين سن الـ18 والأهلية للاقتراع لدورات «تأهيل» رسمية بواسطة المحاضرات والمناقشات غرضها تنمية «ثقافتهم السياسية» بحضور أولياء الأمر من الإدارة «وأناس مسؤولين». هذا، على الأقل، حكي، يمكن أن يقال عنه إنه «حكي ضباط»! ومع أن لا معارضة أوضح من هذه المعارضة لخفض سن الاقتراع، فإن الجنرال وتياره «امتنعوا» عن التصويت. «ضد» آخر كبير في مورد آخر للـ«مع» ورد على لسان سمير جعجع في مؤتمره الصحافي الأخير. أعلن قائد «القوات اللبنانية» بعالي الصوت وقَطْع العبارة أنه «ضد» إسرائيل. لكنه رد على الخطاب الأخير للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، متهماً إياه بأنه يعرض «خطة مواجهة تطال اللبنانيين كافة والدولة بكل مؤسساتها». على حد ما يعلم كاتب هذه السطور، وما قد قرأ وسمع وشاهد، فإن الجيش الإسرائيلي هو الذي يقول بـ«استراتيجية الضاحية» وإن قادة إسرائيل هم الذين هددوا ويهددون، بوتيرة متصاعدة في الآونة الأخيرة، بأن «تطاول» حربهم «اللبنانيين كافة والدولة بكل مؤسساتها». فيما ما يهدد به «حزب الله»، ولا حاجة لمزدوجين حول التهديد، هو الرد المتوازن: مدن في مقابل مدن ومؤسسات في مقابل مؤسسات. وسمير جعجع مع «التوافق» طبعاً، لكنه ينعي على «حزب الله» وأمينه العام بأن «الأكثرية» هي التي فازت في الانتخابات. ولعل خاتمة هذه الحلقة من مسلسل الـ«مع» والـ«ضد» تنبئنا بأنه بات لدينا أخيراً «ليبرمان» لبناني هو «ضد» وقوع فتاة لبنانية في غرام فلسطيني. ومتى؟ جاء الإعلان عن ذلك والشباب على قاب قلبين أو أدنى من عيد الحب! هي مكذبة، يا شباب. والباقي عليكم.
آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة