صحف إسرائيل تستعيد الصدمة: حـرب تشـريـن ... حـرب لبـنان

بدت الصحف الإسرائيلية يوم أمس وكأنها تعيش في حمى صدمة حرب تشرين عام 1973 في ذكراها الـ37، إثر السماح بنشر محاضر اجتماع المجلس الوزاري المصغر في اليوم الثاني لتلك الحرب. وشهدت وسائل الإعلام سجالات حول الصدمة من إحساس قادة إسرائيل حينها بأن الدولة العبرية تسير نحو الضياع، وأنها تفقد عناصر تفوقها بقبول وزير الدفاع فيها موشيه ديان، فكرة استسلام جنوده أو حتى ترك المصابين في الميدان يواجهون مصيرهم. وحملت «يديعوت أحرونوت» عناوين مثل «اللحظة التي ظن فيها زعماء الدولة بأن إسرائيل تسير نحو الضياع»، و«ديان: لنترك الجرحى في الاستحكامات». أما «معاريف» فعنونت صفحتها الأولى بـ«يأس في القيادة». وتشاركت «إسرائيل اليوم» و«هآرتس» في عنوان «يريدون تصفية اليهود». ووصف الصحافي إيتان هابر، الذي عمل سكرتيراً لرئيس الحكومة الأسبق اسحق رابين، نشر محضر اجتماع الحكومة بأنه أظهر وزير الدفاع السابق موشيه ديان «ممسحة حقيقية». وقال في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي إن ما نشر يهشم كل صورة ديان في إسرائيل وأرجاء العالم، «فهذه الأوراق تهشم أسطورة رجل الأمن، وربما الإسرائيلي الأكثر شهرة في العالم. الشخص الذي لم يكن له مثيل لا في الماضي ولا الآن، وها هو يتبدى كممسحة حقيقية». وأشار المعلق السياسي في «معاريف» بن كسبيت إلى محضر الاجتماع الوزاري الإسرائيلي (الذي نشرته «السفير» أمس)، حيث كتب أن «هذا النص مثير للقشعريرة. لقد مرت سبع وثلاثون سنة، ولا يزال يثير القشعريرة. إنه نص إلزامي لكل من يريد أن يحيا هنا، لكل من يتطلع الى موقع قيادي، لكل من يظن أنه يعرف ما الذي ينبغي له أن يفعل، لكل من يشارك في الجهد الدفاعي عن هذه الأرض. إن هذا المحضر لجلسة الحكومة، يذكرنا أكثر باجتماع لمن أصيبوا بصدمة المعركة، ويعلمنا كم هو صعب السقوط من ارتفاع شاهق، وكم هو فتاك ومصيري الاستخفاف، وما هي بالضبط حدود القوة».

وأضاف كسبيت إن «ديان، أولاً وقبل كل شيء، الحلم والانكسار، ومونولوج ديان هذا لو نشر علناً، لكان من الواجب طرده مجللاً بالعار من الحياة العامة. وبدلاً من ذلك جلست لجنة أغرانات وطردت حارس الــبوابة، رئيس الأركان دافيد العازار، الذي كان برأيي أحد كبار الأبطال في هذه الملــحمة التــوراتية (الأكبر كان أرييل شارون). وديان كان تقريباً المسؤول الحصري. وهو يعتــرف بكل شيء. لا يقدم تسهيلات لنفسه: لم أقدر جيداً، بالغت، أخــطأت، كان عندي إحساس، كنت واثقاً، تقديــراتي لم تكن صائبة»، كلها نماذج جزئية لمجمــوعة جلد الــذات والندم قالها أمام رئيسة الحكومة، المسؤولة مثله، غولدا مئير».

وفي «معاريف» أيضاً كتب المعلق السياسي عوفر شيلح أن «أول ما يصدمك هو مستوى النقاش. هذه هي الساعات الحرجة من الحرب. يجب اتخاذ قرارات مصيرية على الانتشار، إنقاذ الجنود المحاصرين، سلم الأولويات لتفعيل سلاح الجو والاحتياط، ووجهة الجهود السياسية». ويضيف إن «الأمر الثاني الذي يصعق هو أن بعض الأقوال التي قيلت لم تكن تقوم على أساس الوقائع، بل ما يسميه رئيس الأركان العازار نفسه (wishful thinking)». ويشير إلى أن «الأمر الثالث هو إدراك كيف أن العقلية تقرر الوعي والقرارات، أكثر بكثير من أي معرفة كانت. فقد عرفت إسرائيل من مصادرها أن الخطط الحربية المصرية تملي التقدم نحو خط محدود من نحو 10 إلى 15 كيلومتراً عن القناة. ولكن عقلية (العرب يريدون أن يراهنوا على كل بلاد اسرائيل)، والإيمان بأساطير مثل (الجيش الإسرائيلي سينقل الحرب إلى ارض العدو)، حتى عندما لا يكون لهذا أي أساس في الوضع العسكري بحقيقة أمره، تملي في نهاية المطاف القرارات». ويذهب شيلح إلى السؤال: «ما الذي تغير حقا؟ إقرأوا بروتوكولات حرب لبنان الثانية: الوضع مختلف بالطبع من الأقصى إلى الأقصى: هنا هجوم مفاجئ لجيوش نظامية في جبهتين، وهناك عملية اختطاف محلية لمنظمة عصابات. هنا رد مع كل القوة المتوفرة وهناك عملية مبادر إليها. ولكن بقيت على حالها نزعة التبجح الفارغة ذاتها، بدلاً من البحث الموضوعي، والعقلية (نحن نتعرض للهجوم) التي تملي فهم الواقع في خلاف تام مع ما يحصل، تلك المعرفة (ما يريده العرب) والتي ليس لها أي صلة بالعرب الذين هم حقاً موضع الحديث. إذ أن هؤلاء موجودون في صيف عام 2006 وفي خريف عام 2010، مثلما كانوا في صيف عام 1973، في نقاش سياسي وفي نقاش عسكري، في تلك الأيام وفي هذا الزمن». وفي «إسرائيل اليوم» كتب الجنرال يعقوب حسيداي أن «موشيه ديان، وزير الدفاع في حرب يوم الغفران، أحس في ذلك اليوم الذي قال فيه هذا الكلام ـ اليوم الأول للحرب ـ بالخطر والضياع، وهذه حقيقة. وبالمناسبة هناك ولد تعبير (البيت في خطر). وينبغي أن نتذكر أن هذا أيضاً كان اليوم الذي ظن فيه قسم كبير من القيادة أن الجيش الإسرائيلي سيحدث التغيير ويقلب الأمور رأساً على عقب. غير أنه أيضاً فشل الهجوم الذي قاده شارون وأبراهام أدان. حتى الأكثر تفاؤلا شعروا أن الوضع صعب جداً». وشدد حسيداي على أن «حرب يوم الغفران والمفاجأة كانت مثل حمام بارد لمجتمع واثق من نفسه، ظن أن أحداً لا يقدر عليه وأن بوسعنا الوصول إلى حيث نريد من دون مقاومة. وفجأة تعرضنا للضرب. عندما حدث ذلك، لم يكن أحد يتوقعه. لقد خلقت هذه الحرب إرباكاً، والأهم أنها خلقت انعدام ثقة لم نبرأ منه حتى اليوم. والأساس أنها خلقت انكساراً زعامياً لزعامة كانت محبوبة. منذ ذلك الحين فقدنا الثقة بالقيادة. ولم يتوقع أحد ذلك». وكتب دان مرغليت في «إسرائيل اليوم»: «لقد أصيبت القيادة بصدمة. وتآكلت وانهارت كل الفرضيات الأساسية. وتوفر للجيوش العربية جنود أفضل مما كان (المفهوم) المتغطرس لزعماء إسرائيل يتصور. كما كان لديهم معدات قتال أكثر ولا تقل جودة». واعتبر مرغليت أن موشيه ديان هو «تجسيد لشخصية هاملت في المسرحية. وفيما كان واقعاً تحت الصدمة أحس بأن العرب بادروا إلى حرب للقضاء على اليهود وأن الحرب قد تنتهي بخراب الهيكل الثالث. إنه شخصية مأساوية مسؤولة عن إدارة المأساة. وهو جمع مستحيل بين شجاع، فعلاً من دون تردد، صاحب رؤية سوداوية، ومتشائم نموذجي. فكيف تسكن خصائص كهذه في شخص أوكلت إليه القيادة العليا للقوات المحاربة؟». («السفير»)

آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة