ماذا يقول الفرنسيون عن المواجهة مع اليونيفيل والاتفاق الأمني؟

جنود فرنسيون من قوات اليونيفيل (علي حشيشو ــ رويترز)نقولا ناصيف ماذا يحدث بين فرنسا والفريق الشيعي في لبنان؟ أوحت طرحَ هذا التساؤل وطأةُ الجدل العالي النبرة الذي يقوده رئيس المجلس وحزب الله حيال الاتفاق الأمني مع الحكومة الفرنسية، بعد جدل مماثل على اتفاق أمني مشابه مع الولايات المتحدة توقف بعدما وُضع بين يدي رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وقد رجّح الفريق الشيعي موقفه بين تعديل الاتفاق أو إلغائه. تبعاً لمصادر دبلوماسية معنية، ليس لدى باريس تفسير واضح للحملة المتنامية لحركة أمل وحزب الله عليها منذ الحوادث الأخيرة بين اليونيفيل والحزب وأهالي بلدات جنوبي نهر الليطاني. ووفق المصادر نفسها، يتركز موقف باريس من الحملة المزدوجة هذه على المعطيات الآتية: 1ـــــ عند اندلاع الصدام بين اليونيفيل والأهالي في 29 حزيران و30 منه، بدا الاعتقاد أنه موجّه إلى اليونيفيل بكتائبها كلها، عندما غضب الأهالي من مناورات جنودها، وكلها تعرّضت لاعتداءاتهم، ولم يُوحَ بأن فرنسا مستهدفة إلا في أحداث 3 تموز و4 منه عندما طاولت الاعتداءات وردود الفعل الجنود الفرنسيين في تولين. 2ـــــ شعرت باريس بأن المواجهة التي استهدفت الكتيبة الفرنسية كانت منظمة بدراية، خلافاً لما كان قد ذكر أنها عفوية وناجمة عن ردّ فعل ليس إلا، ولم تعكس سوى انزعاج الأهالي أو استيائهم من تدبير إجرائي ما كالمناورات والدوريات التي أجراها الجنود الفرنسيون. 3ـــــ لم يتجاوز الجنود الفرنسيون صلاحياتهم المنصوص عليها في القرار 1701 الذي يحفظ لهم حرّية تحرّكهم، وهو ما أورده لاحقاً (الجمعة 9 تموز) بيان مجلس الأمن، إذ أكد التمسّك بممارسة الصلاحيات تلك، ولم يتبيّن أن باريس كانت تعتزم تغيير قواعد الاشتباك. 4ـــــ حتى قرار مجلس الوزراء اللبناني (الخميس 8 تموز)، شكت اليونيفيل من نقص كبير في عديد الجيش الذي كان قد أصبح 3500 ضابط وجندي، بينما القرار 1701 يتحدّث عن نشر 15000 ضابط وجندي من الجيش كانوا متوافرين عام 2006 عند وضع قرار مجلس الأمن موضع التطبيق، ثم تناقصوا لأسباب شتى. وذلك يشير إلى تقييد في مهمة اليونيفيل التي لم يعد يسعها التحرّك مع الجيش بسبب هذا النقص، ما حتّم ـــــ تنفيذاً لمهمتها المنصوص عليها في القرار 1701ـــــ إجراء دوريات تقتصر على جنودها. إلا أن قرار الحكومة اللبنانية إرسال لواء رابع لسدّ هذه الثغرة، البالغة الحساسية، من شأنه تسهيل عمل الجنود الدوليين وتحريك دورياتهم في القرى بالتنسيق مع الجيش. مع ذلك، رغم ما قيل، لم يُرسل حتى الآن اللواء الرابع إلى جنوبي نهر الليطاني. 5ـــــ لا يسع القوة الدولية البقاء في ثكنها بسبب نقص عديد الجيش أو بسبب رفض الأهالي تحرّكها، وهي المعنية مباشرة بتنفيذ القرار 1701. وهي لم تأتِ إلى لبنان كي تلزم ثكنها، بل لمنع أي وجود مسلح غير شرعي في منطقة عملياتها كقوة مؤازرة للجيش وحماية الجنوب والأهالي، باتخاذ الإجراءات الكفيلة بتحقيق أهداف دورها جنوبي نهر الليطاني. من ضمن مهمتها هذه الوقوف في وجه إسرائيل إذا حاولت اجتياز الخط الأزرق والاعتداء على منطقة عمليات القرار 1701. 6ـــــ لفرنسا 1500 جندي، وإيطاليا 1700 جندي، وإسبانيا 2000 جندي، وهي الدول الأوروبية الرئيسية المكلّفة تنفيذ القرار 1701، المصرّة على المحافظة على صدقية دورها وسمعتها، وتمثّل بالنسبة إلى لبنان ضماناً أكيداً وحقيقياً لحمايته من أي اعتداء إسرائيلي على أراضيه، نظراً إلى علاقاتها الوثيقة بإسرائيل التي تحول دون إقدام هذه على التعرّض لجنود هذه الدول، ولأنها في صدارة خطوط المواجهة، الأمر غير الممنوح للجنود الآسيويين الذين لا يحظون في مواجهة الدولة العبرية بمثل هذا الامتياز. بذلك لا مصلحة لحزب الله، ولا للأهالي، في تجريد أنفسهم من ضمان كهذا. مع ذلك بلغت جنود الدول الثلاث هذه، والفرنسيين خصوصاً، تنبيهات وإنذارات شتى في مناسبات مختلفة أوحت بأنهم قد يقعون رهائن في يد حزب الله في منطقة عمليات القرار 1701. إلا أن القرار الثابت لحكوماتهم هو تأكيد التزامهم تطبيق إرادة المجتمع الدولي واستمرار مهمتهم في جنوب لبنان حفاظاً على استقراره وإرساء علاقة ودّية مع السكان. 7ـــــ أبلغ حزب الله الفرنسيين أنه لم يكن معنياً بالمواجهة مع الأهالي، وقد وصفها بأنها تحرّك عفوي، فيما تأكد لباريس أن ما حدث لم يكن على هذه الصورة، وعدّت تلك الحوادث لعبة خطيرة، وخصوصاً إذا رمت إلى حصر الجنود الدوليين في ثكنهم وشلّ مقدرتهم على التحرّك والمبادرة. مع ذلك انتهى الأمر بقرار مجلس الوزراء تعزيز الجيش في الجنوب، وببيان مجلس الأمن تأكيد حرية تحرّك اليونيفيل. لكنّ حزب الله لم يقدّم للقوة الدولية ضمانات بعدم تكرار ما حدث. أضف أن باريس شعرت بخيبة أمل من الحكومة اللبنانية التي تأخرت أكثر من أسبوع للاجتماع ووضع حدّ لما حصل، وملء الثغرة الأمنية التي كانت أحيطت علماً بها مراراً بتعزيز نشر الجيش هناك. 9ـــــ لم يخطر في بال باريس أي ربط بين التعرّض لليونيفيل وبين العقوبات الدولية على إيران التي اضطلعت فرنسا بدور أساسي في تحقيقها، ولا بدا لها أن الحزب يتوخى الربط بين الأمرين في محاولة للضغط عليها من خلال القرار 1701 وجنودها كردّ فعل على تلك العقوبات. إلا أن الموقف غير المبرّر لحزب الله من الاتفاق الأمني مع فرنسا وحملته القاسية عليه، بعد حملة سابقة على الاتفاق الأمني مع الولايات المتحدة، يُرجّح أن يكون قد تعمّد إحداث مثل هذا الربط. 8ـــــ تشعر باريس، بعد التطورات الأخيرة، بأنها واقعة تحت نظر حزب الله وحذره. بالتأكيد لا يتملّكها أي شعور بالتهديد، إلا أن ذلك لا يحجب قلقاً مشروعاً، في وقت لم ينقطع فيه الحوار بينها وبين حزب الله.

لم تحصل فرنسا من حزب الله على ضمانات وخاب أملها في الحكومة

لا تشعر الكتيبة الفرنسية بأنها مهدّدة من حزب الله، لكنها تحت ناظريه

10ـــــ تميّز باريس اتفاقها الأمني مع لبنان عن الاتفاق الأمني بين لبنان والولايات المتحدة. فالأخير تولّته حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2007 في ظروف داخلية بالغة التعقيد بعد استقالة الوزراء الشيعة الخمسة منها، ما أفقد الاتفاق إجماع السلطة الإجرائية، بينما الاتفاق الأمني مع فرنسا أعدّته حكومة الرئيس سعد الحريري، وهي حكومة وحدة وطنية لا تفتقر إلى أي من مكوّناتها الأساسية على غرار حكومة السنيورة، وأقرّته في مجلس الوزراء بالإجماع في حضور وزراء حركة أمل وحزب الله، من غير أن يثير أحد منهم مسألة تعريف الإرهاب، ولا سجّل مآخذ عليه، وتصرّف حياله كأي اتفاق عقدته حينذاك. 12ـــــ التعاون الأمني الفرنسي ـــــ اللبناني قائم منذ ما قبل هذا الاتفاق، وبمعزل عنه، فضلاً عن وجود اتفاق مماثل بين البلدين عام 1993، إبان حكومة الرئيس الراحل رفيق الحريري. ولا يعدو الاتفاق الحالي، في نظر باريس على الأقل، كونه إطاراً مؤسسياً لتعاون قديم ومتين وحيوي يرمي إلى تنظيم عناصره، ويشمل مساعدات وتبادل معلومات وخبرات وتأهيل أجهزة وقطاعات، الأمر الذي يبرّر الاستغراب حيال إثارة مشكلة غير قائمة، وتوجيهها في منحى لا يتوخاه الاتفاق، الرامي إلى تثبيت تعاون البلدين وتطويره وتعزيزه. 13ـــــ تتصرّف باريس حيال الجدل السياسي الدائر حول الاتفاق الأمني بأنها غير معنية به. فهو أولاً بين يدي البرلمان الذي لم يتخذ بعد قراراً نهائياً في شأنه، ولا يزال في عهدة اللجنة النيابية المختصة التي طار نصاب انعقادها الأخير قبل ذهاب الاتفاق إلى الهيئة العامة. وهو معلّق ثانياً بين مُطالب باستعجال إقراره وآخر بتعديله، بينما هو معاهدة بين دولتين غير قابلة للتعديل من طرف واحد، فإما يؤخذ كما هو أو يُنبذ كما هو. وقّعه وزيرا الداخلية في البلدين برايس هورتيفو وزياد بارود في 21 كانون الثاني الماضي تحت ناظري رئيسي حكومتي البلدين فرنسوا فيون وسعد الحريري. 11ـــــ تعتقد باريس بأن الفريق الشيعي افتعل مشكلة غير موجودة أساساً. لا الاتفاق الأمني يقدّم تعريفاً للإرهاب ملزماً للحكومة اللبنانية، ولا يورد لائحة بأسماء منظمات إرهابية مكتفياً بالحديث عن مكافحة الإرهاب، ولا يعدّ حزب الله تنظيماً إرهابياً. ومنذ عهد الرئيس السابق جاك شيراك بذلت فرنسا جهوداً أساسية للحؤول دون إدراج اسم حزب الله على لائحة الاتحاد الأوروبي للمنظمات التي يعدّها إرهابية، خلافاً لإرادة بعض الدول الأوروبية التي تمسّكت بإضفاء هذه الصفة عليه. وتحرص باريس على التأكيد دائماً أنها تميّز حزب الله عن حركة حماس التي تعدّها منظمة إرهابية أُدرِج اسمها في لائحة الاتحاد الأوروبي. مع ذلك، فإن في وسع الحكومة اللبنانية، عند تطبيق الاتفاق الأمني، التأكيد أنها لا تتفق مع الحكومة الفرنسية على إجراء يتصل بتناقض موقفيهما من الإرهاب والمنظمات الإرهابية المدرجة في لائحة الاتحاد الأوروبي.

الاتفاقيّة الأمنيّة تفتح الشبّاك لإسرائيل

باريس ــ بسّام الطيارة على إيقاع دخول ملف الاتفاق الأمني بين فرنسا ولبنان في مرحلة الشكوك، وقعت الدبلوماسية الفرنسية فريسة التردد والتعتيم. الناطق الرسمي لوزارة الخارجية، وصف لـ«الأخبار» الاتفاق الموقّع في ٢١ كانون الثاني الماضي بين بريس هورتوفو وزير الداخلية ونظيره زياد بارود تحت عنوان «الأمن الداخلي والأمن المدني واللامركزية»، بأنه «كلاسيكي» مماثل لما وقّعته فرنسا مع عدد من البلدان. واستطرد بأنه ينصّ على أنماط تقنية في مكافحة «الجريمة المنظّمة ومجالات أخرى للأمن الداخلي والمدني أو إدارة الأزمات وتنظيم الإدارة المحليّة اللامركزية». تذكّر الاتفاقيّة بمشروع قانون رقم ١٨٩٢ الذي أحيل على لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية العموميّة لدراسته في ٩ تشرين الأول السنة الماضية بشأن «اتفاق أمني مع إسرائيل» تحت عنوان «مكافحة الجريمة والإرهاب» وقّعه رئيس الجمهورية نيكولا ساركوزي في ٢٣ حزيران ٢٠٠٨. ويشير تقرير اللجنة التي ترأسها النائب روبير لوكو إلى وجود كلمة «إرهاب ٣٤ مرة». وإذ يصف البندُ الأول من الفقرة التمهيدية «التعاون الأمني مع دولة إسرائيل» بالـ«مهم خصوصاً»، يرى الفصل الأول الـ«وضع الأمني» في إسرائيل «صعباً»، وينطلق من أن دولة إسرائيل «معرّضة بشدة للإرهاب». ثم يشير مشروع القانون إلى الـ«تعاون القائم بين أجهزة الشرطة»، ويؤكد أن هذا الاتفاق سيعززه ويعطيه إطاراً قانونياً. ويرى خبير في الشؤون الأمنية، طلب عدم ذكر هويته، أن «الدخول إلى الإرهاب من باب الأمن الداخلي» يفسح المجال أمام إسرائيل لملاحقة أي عناصر تشك في أنهم يمثّلون «تهديداً لأمنها الوطني». ويكشف الخبير أن التعاون «موجود أصلاً وليس على مستوى تبادل المعلومات فحسب». وقد طرح أكثر من نائب خلال مناقشة المشروع أسئلة عن التعريف الإسرائيلي للإرهاب. وفيما دعا أكثر من نائب فرنسي إلى عدم إقحام بلادهم في مسألة «بسط الأمن ضمن مجموعات سكانية» تطالب بحقوقها، لم يتردد النائب جان بول لوكوك في طلب الامتناع عن التصويت في اللجنة. يختلف الأمر بالنسبة إلى لبنان، بحسب المصادر ذاتها التي ترى أن مرور هذا القانون «بحلته الحالية» من الجمعية العمومية سيحظى بدعم مكثّف من جميع الأطراف السياسية، منهم من يرى أنه يسهم في حماية لبنان، ومن يرى أنه يسهم في تجفيف منابع الإرهاب في شمالي إسرائيل. ويرى الخبير أن ما يهمّ الدوائر الإسرائيلية من توقيع الاتفاقات الأمنية بين البلاد الموقّعة معها على اتفاقات تعاون أمني هو «شبك المعلومات» عبر الأنظمة الجديدة التي باتت توفرها التقنيات الجديدة، وبالتالي يصبح في إمكان السلطات الإسرائيلية متابعة ملاحقات واهتمامات الشرطة الفرنسية «عبر اتفاقاتها مع الدول الأخرى»، وبثّ «إضبارات بحث أو تقارير تقويمية ودراسات» تتوزع في كامل الشبكات المترابطة وتوجّه نوعاً ما عمل الشرطة الفرنسية والدول المتعاملة معها. وعلمت «الأخبار» أن «إسرائيل تستعد لتوقيع عقد مع الشرطة الأوروبية أوروبول» يفتح أمامها شبكات المعلومات الأوروبية، بما فيها طلبات الفيزا.

عدد الجمعة ١٦ تموز ٢٠١٠
آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة