لا يوجد بديل؟ ... يوجد آلاف البدائل

«تاتا» ريّا... «تاتا»

خالد صاغية رغم مرور عشرين عاماً على مغادرتها منصبها، لا تزال رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت تاتشر تمثّل رمزاً عالمياً، أو بالأحرى الرمز العالمي، للسياسات الاقتصادية الظالمة. ففي أوائل الثمانينيات، رفعت «المرأة الحديديّة» شعار «تينا» (TINA) المركّب من الأحرف الأولى للعبارة الإنكليزيّة (There Is No Alternative): «لا يوجد بديل»، للدفاع عن سياساتها الرامية إلى رفع الرقابة عن العمليّات الماليّة، وفتح الأسواق، وضرب النقابات، وتقليص القطاع العام وبيع شركاته... وأمام الكساد وارتفاع البطالة، بدأ ابتزاز المواطنين بحجّة أن لا بدائل متاحة. وقد نشأت عمارة أيديولوجيّة كاملة للترويج لهذا الشعار. وللّذين لم يقتنعوا، يمكن دائماً إعادتهم إلى الحظيرة «الوطنيّة» عبر اختراع حروب قوميّة (الفولكلاندز نموذجاً) أو حروب ضدّ الإرهاب. «لا يوجد بديل» هو الشعار نفسه الذي جرى ابتزاز اللبنانيّين به. أرادوا لنا أن نقبل خفض الضريبة على دخل الشركات، ورفع الضريبة على استهلاكنا اليومي بحجّة أنّه «لا يوجد بديل». أرادوا لنا أن ندفع ثلث فاتورة البنزين وثلثَيْ فاتورة الخلوي رسوماً وضرائب، بحجّة أنّه «لا يوجد بديل». أرادوا لنا أن نتفرّج بصمت على المضاربات العقاريّة المعفاة من الضرائب وعلى أسعار الشقق التي ترتفع بجنون، بحجّة أنّه «لا يوجد بديل». أرادوا لنا أن نبتسم كلّما أُقفل مصنعٌ وافتُتح مكانه فرع لمصرف، وأن نهلّل لتزايد الأرباح التي تحقّقها كلّ عام مصارف تعمل بالبطالة المقنّعة، بحجّة أنّه «لا يوجد بديل». نقاش الموازنة فرصة للخروج من هذه الحلقة السوداء. فرصة للتذكّر أنّه في وجه نظريّة (TINA)، ثمّة من رفع شعار «تاتا» (TATA)، المركّب من الأحرف الأولى للعبارة الإنكليزيّة (There Are Thousands of Alternatives): «يوجد آلاف البدائل». الورقة التي قُدِّمت أمس في مجلس الوزراء تمثّل أحد هذه البدائل التي قد تفتح باباً لاقتصاد أكثر عدالةً، ولوطن لا تكون الهجرة قدراً محتوماً لأبنائه. «بعد الانتخابات، تبدأ ورشة الإصلاح»... قال رئيس الجمهوريّة ذات يوم. إذا كان من إصلاح، فهو الذي يبدأ من هنا. من توزيع الأعباء بطريقة عادلة. من شعور اللبنانيّين بأنّ الدولة ليست مجرّد جهاز لامتصاص ما في جيوبهم، وليست مطبعة لصكّ تأشيرات الهجرة. «لا يوجد بديل»، تقول وزيرة المال ريّا الحسن وهي تهدّد برفع ضريبة الـTVA في 2011، مردّدة شعار تاتشر بعد قرابة ثلاثة قرون. كأنّ الزمن توقّف هناك. كأنّنا نكرّر مشاهد سبق للعالم أن جاهر بأوجاعه منها. «تاتا» ريّا... «تاتا». «تاتا» فؤاد... «تاتا»؟

آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة